الفصل الثالث - أشواك وحرير
الفصل الثالث
أريد أن أسأل... لماذا في بلادنا تقف النساء ضد حرية النساء؟!
❈-❈-❈
تقود سيارتها شاردة في أحداث الأيام الماضية تتذكر ما حدث خلال العشرة أيام الماضية بعد زيارتها لشركة نصار للدعاية والتسويق
" منذ سبعة أيام "
كانت تجلس في إحدى المقاهي المطلة علي النيل في حي الزمالك تحتسي قهوتها بتلذذ ..تطالع مياه ذلك الشريان النابض بالحياة وأحد عناصر الجمال في مصر لتلمح قدوم ذلك الوقح مالك من بعيد يحمل في يده حقيبة.. فقررت أن تخفي إنزعاجها من قدومه هو بدلاً من مازن الذي أتفق معاها وحدثت نفسها "عديها يا روان عديها علشان خاطر تخلصي الموضوع ده لأنه طول أوي "
فأدعت عدم رؤيته وعادت لإستكمال قهوتها بلامبالاة
لمحها وهي تشيح بوجهها بعيداً عنه فـ أقترب من طاولتها يعلو وجهه إبتسامة عذبة جذابة ومد يده لمصافحتها
_إزيك عاملة إيه ؟
صافحته علي مضض وردت عليه بإقتضاب قائلة :
_تمام ..أنا بخير ...أتفضل أقعد .
فجلس وطلب فنجاناً من القهوة ، ولم يتخلي عن بسمته وتحدث قائلاً بهدوء.
_طبعاً أنتي مستغربة إن أنا اللي جيت مش مازن ..بس دي حركة مقصودة علشان يعني نحل الخلاف اللي حصل بينا من يومين وميبقاش فيه ما بينا زعل علشان إن شاء الله نشتغل تاني مع بعض .
هزت رأسها متفهمه وردت عليه بنبره عاديه :
_مش مهم مين جه المهم إن الشغل يخلص وبس ، وبالنسبة للخلاف فخلاص الموضوع انتهي .
_بس لازم اعتذر لك عن اللي حصل ، وكمان شكراً على تفهمك لوضعنا ..أنا عرفت إنك مش شريكة في الشركة ،ومع ذلك اتوسطي لنا عند باشمهندس مجد إنه يأجل لأنه كان ناوي يبيع .
كانت تتابع حديثه مندهشه تماماً من حالته الغريبة عنها أهذا الشخص الماثل أمامها والمسمي بمالك يعتذر ويشكرها في جملةً واحده ! لابد من أنها صدمت رأسها فأصابتها التخاريف فسألته متعجبه من تلك الحالة التي تعتريه اليوم :
_أنت تعتذر ؟!.. حقيقي مش مصدقه .
أتبعت حديثها بتحريك كتفيها لأعلي ولأسفل كعادتها ..فرد عليها عاقداً حاجبيه وسألها بإستنكار:
_ومعتذرش ليه ؟..عادي غلطت في طريقتي معاكي وبعتذر ، وبعدين أنتي متعرفنيش فمتحكميش عليا .
ثم رفع سبابته في وجهها محذراً بجدية مصطنعة
_أوعي تكوني فكراني نرجسي ؟!
إبتسمت إبتسامة حقيقية صادقة ظهرت عليها لأول مرة أمامه منذ أن عرفته لأنه خمن حقيقة ما يدور برأسها .. ثم تحدثت مبرره موقفها .
_أنا مش بحكم عليك ... بس فعلاً طريقتك وأسلوبك أوحو لي بإنك فعلاً نرجسي ...المهم حصل خير... خلينا نبدأ نراجع البنود .
استمرت مراجعتهم ما يقارب الساعة والنصف ...يسألها عن شروطهم فترد عليه بشرح تام مستفيض كانت عينيه تزوغ لا إرادياً للنظر إليها فقد أعجبه ذكائها و أسلوبها الحازم الجاد في عملها بل وأكثر ما أعجبه تفانيها وإخلاصها في إتمام العمل وكأنها تعمل في مالها الخاص فبدت له شخصية أمينة صادقة علي قدر وفير من المسؤولية بالإضافة إلى ملامحها الجميلة الهادئة ...فكانت ملامحها بسيطة رقيقة تكاد تخلو من مساحيق التجميل فسمح لنفسه بأن يسترق لها النظر وشرد بها قليلاً ...فأخرجته من دوامة شروده قائلة :
_كده إحنا خلصنا تمام ولا إيه ؟
أنتبه لسؤالها فهز رأسه بالموافقة
_تمام...خلينا نمضي .
بعد قليل كان يصطحبها في سيارته مصراً علي إيصالها لمنزلها
_مكنش ليه لزوم أبداً تتعب نفسك ...أنا كنت هتمشي عادي وسط البلد مش بعيده .
رد مستنكراً
_وتمشي ليه لوحدك دلوقتي في المكان ده ؟..ممكن أي حد يضايقك .
أعجبتها حقاً شهامته فأبتسمت له بإمتنان ...وقطع الصمت بينهما من جديد بسؤاله :
_هو أنتي تقربي إيه لمجد ؟..وكأنه قرأ ما ستفكر به فرفع يديه مستسلماً
"أنا مش قاصد أتدخل في حاجه متخصنيش بس يعني ملاحظ إنك مهتمه بشغله بقالك شهر تقريباً وحريصة حرص شديد عليه .
إبتسمت بإتساع لتظهر غمازتها وإستدارت إليه :
_ده أنت عملت تحريات عني وعن مجد بقي .
تنحنح في حرج شديد ومسح أعلي رأسه وهذا بالفعل ما فعله ..حاول جمع معلومات عنها لإشباع فضوله عن تلك الغريبة لكنه بات بالفشل ولم يعرف عنها سوي القليل لأنها نادرة الإختلاط بالناس بالإضافة أنها مغتربة وليست من أصول قاهرية فتكلم بحرج :
_مش تحريات ولا حاجه بس كان لازم أعرف أنا هتعامل مع مين ..فعرفت إن اللي هتعمل معانا الصفقة مش شريكة معاه بس .
همهمت بتفهم وكادت أن ترد عليه بالحقيقة لكنها أُصيبت بالريبة من أن تخبره بالحقيقة المجردة أنها ومجد أصدقاء مقربين فيظن بها السوء مثل أهالي قريتها فحتي وأن كان من أهل العاصمة لكنه في الأساس رجل لديه تفكير ذكوري! فأكتفت بقولها
_إحنا قرايب من بعيد ومجالتنا قريبة من بعضها هو مدني وأنا معماري وكمان بيثق فيا بس مش أكتر .
ليتمم علي حديثها واستمر في القيادة يستغرب حالته تلك من الإنشغال بأمراة أخري بعد حبيبته الراحلة حبيبة رحمها الله !..حتي أوصلها إلي شارعها .
❈-❈-❈
طوال الأسبوع الماضي بات يتصل بها عدة مرات مره يتعلل بموعد إستلام الأسمنت ومره أخري يسألها عن حالها ثم يسأل عن الأسمنت مدعياً العجله، وتتوالي الإتصالات حتي وجدته بالأمس أمام مكتبها وعندما سألته عن سبب الزيارة تلك خصوصاً أن صديقته بحاله جيده ولم يفتعل أحدُ معها المشاكل رد ببساطة :
_كنت بسلم علي دكتور مصطفى ..أنتي عارفه إنه يقرب لنا ، وقولت بالمرة اعدي عليكي.
فسألته بعدم فهم :
_تعدي عليا ليه ؟.. مش البضاعة اتسلمت ؟
لعن بداخله تلك الغبية ...لماذا تسأل كثيراً فهو لا يملك أي إجابة يجيب بها نفسه عن سر إهتمامه المتكرر برؤيتها أو محادثتها فكيف عليه أن يُجيبها ؟!
فقرر الإجابة بنصف الحقيقة فقط واحتفظ بالنصف الأخر الذي يجهله !
_مفيش عادي حبيت أسلم مش إحنا بقينا شركاء ؟
اومأت ببسمه هادئة وسألته بهدوء :
_تشرب إيه ؟
قبل أن يُجيبها تعالي رنين هاتفه بالضجيج فاستأذن قليلاً للرد ليتبين من حديثه أنها إحدي مدبرات منزله
، وسرعان ما ظهر القلق والإرتباك علي وجهه وهب صارخاً في السيدة عبر الهاتف
_إزاي يعني مش لاقينهم ؟...وفين البهايم اللي كانوا معاهم ...ساعتين لو ولادي مرجعوش أنا هخربيتكم وبيت اللي جابوكم !
كانت تتابع حديثه وتعابير وجهه بدافع أنثوي محض حتي تفوه بلفظ أولاده ! فأتسعت عينيها بذهول تام وتجمدت أنظارها عليه ، لكنه سرعان ما أغلق الخط وسارع بالذهاب متعللاً بأن لديه أمراً في غاية الأهمية.
استغرق الأمر منها الكثير من الوقت وهي تفكر هل ما سمعته بالأمس صحيح ؟ .. حقاً هو متزوج ولديه أبناء ؟...كيف له ذلك !..فهي لم تره يرتدي دبله ..أمن الممكن أن يكون من الرجال التي لا ترتدي محابس الزواج ؟..نفضت تلك الأفكار وسألت نفسها بإستنكار منذ متي وأنتي بكل هذا الفضول روان فالأمر برمته لا يعنيكي ؟ وبخت نفسها كثيراً علي إستغراقها في التفكير به وما يخصه كل هذا الوقت ..فعادت لواقعها مره أخرى واستمرت في القيادة بتركيز.
❈-❈-❈
_خلاص يا بابي متزعلش مننا .
قالها إحدى الصغيرين لوالده...ليلتفتت إليهم مالك يسألهم بعتاب
_ولو كان حصلكم حاجه كنت هعيش أنا إزاي يا سي كريم ؟
ليرد الأخر زين بتوسل
_والله مامي كانت وحشانا.. وأنت قولتلنا قبل كده إنها دلوقتي عند ربنا ومش هينفع تيجي تشوفنا فروحنا إحنا نشوفها علشان متزعلش مننا.
دمعت عينا مالك علي حالة صغيريه فلقد أصبحا يتيما الأم في الثامنة من عمرهما فظن أنهما لن يتأثرا كثيراً بموتها لكنه كان مخطئاً تماماً فقد مضي أكثر من عامين ولا يزالا يسألان عنها ويطلبون زيارتها ..وكيف لهما أن ينسوا حبيبة !...تلك الملاك رحيمة القلب البشوشة ذات الخصال الحسنة التي أنتشلها الموت في ريعان شبابها وهي بالتاسع والعشرين من عمرها ...هو لم ينساها قط ويفتقدها بشدة فكيف لولديها أن ينسوها !.... أخفي شعوره بالحزن جانباً وأخذ ولديه في حضنه وهمس يسألهم بلطف
_مش أنا بابي ؟
فشعر بحركة رأسهما علي صدره ليتابع حديثه بهمس لطيف
_خلاص يبقي تطلبوا مني وأنا هروح معاكم علشان مامي تفرح لما تشوفنا كلنا مع بعض تمام ؟
أجاب الصغيران في صوت واحد وقد علت السعادة وجهيهما
_تمام يا بابي.
❈-❈-❈
بعد قيادة إستمرت ثلاث ساعات وصلت روان إلي مسقط رأسها... مدينة صغيرة إلي حد ما تقع في محافظة الدقهلية فصفت سيارتها أسفل عمارة متوسطة الإرتفاع مبنية علي الطراز المعماري الحديث يبدو أنها من أرقي عمارات المدينة ....ضغطت جرس إحدى الشقق لتطل عليها إمرأة متوسطة البنية ، ذات شعر أسود طويل يتخلله بعض الشعيرات الرمادية يُحيطها بهالة من الوقار فأتسعت عيني المرأة بدهشة عقب رؤيتها لإبنتها الغائبة منذ أكثر من شهرين فبادلتها روان بضحكة واسعه أظهرت صفاء أسنانها كما أبرزت غمازتها وتسألت بلطف
_ إزيك يا ماما ؟..وحشتيني
لم ترد سهير وسرعان ما أخذتها في أحضانها وضمتها إليها بشدة وأخذت تربت على ظهرها بحركات متتالية...فحاوطتها روان بذراعيها فقط ثم فرقت سهير الحضن لتسحبها للداخل وتغلق الباب
_ليه مقولتيش إنك جايه ؟
سألتها سهير بهدوء ولم تفارق السعادة وجهها ...فرفعت روان كتفيها لأعلي ولأسفل وردت عليها بإبتسامة عذبه
_أبداً خلصت اللي أقدر عليه في شغل الشركة والباقي هتابعه اونلاين ، وخدت أجازة أسبوع من الجامعة وقولت أعملهالكم مفاجأة .
قطع خلوتهم زوجة خالها اللي دلفت ترحب بروان وعلي وجهها ضحكة متكلفة تصل لحد السخف ..فبادرت روان بمصافحتها لتستنكر ريهام فعلتها وأخذتها في أحضانها وبدأت في تقبيلها بطريقة متكلفة مقززة لتشعر روان ببصيصٍ من الإنزعاج ..فهي تبغض بشدة تزييف مشاعرها أو التعامل مع هولاء مَمن يستطيعون تزييفها بسرعة الضوء، ونظرت إلى والدتها بحيرة وتعجب وكأنها تسألها ما الذي تفعله تلك !!..فبادلتها والدتها بأخري ومطت شفتيها دليل على عدم معرفتها
_ نورتي البيت يا حبيبتي ...ده إحنا زارنا النبي
فردت عليها روان بإبتسامة مجاملة
_البيت منور بأصحابه يا ريهام
وبعد فترة من السلام والترحيب سارعت ريهام تسألها بفضول
_إلا قوليلي يا روان .. هو البيه إبن الأكابر ده اللي بتشتغلي معاه لسه متجوزش ليه لغاية دلوقتي؟
أنزعجت سهير من سؤال زوجة أخيها فهي أبداً لا تحب طريقتها في التدخل في شؤون إبنتها فكادت أن ترد عليها ليمنعها صوت روان التي تصنعت الإستغراب وسألتها بهدوء
_وأنتي بتسألي ليه؟
فتصنعت ريهام الأسي وتمتمت بحزن مصطنع
_أصلي مستغربه إزاي شاب حليوه وإبن ناس لسه متجوزش لحد دلوقتي ؟
فعجالتها روان بسؤال آخر متهكمه
_حليوه !..طب وأنتي شوفتيه فين الحليوة ده ؟
فردت ريهام بسرعه
_لا ما هو أنا جيبت صفحته من عندك وشوفت طريقته معاكي غير البنات ودي يعني حاجه غري..
ندمت ريهام علي تسرعها في القول فقطعت حديثها ولم تخفي عليها نظرات كلاً من الأم وإبنتها المتفحصين لها ..فكانت سهير ترمقها بجزع لأنها تعلم أن الماثلة أمامها ما هي إلا حرباء متلونه تقتنص الفرص لتُصيب هدفها وسرعان ما تُعيد تلونها ببيئة مناسبة للتمويه ... أما روان فكانت تعلم إلي أين سينتهي ذلك الحديث فهي لم تكن أبداً بالغبية حتي لا تلحظ تصرفات تلك المرأة فقررت أن تجاريها في الحديث حتي تُعطي لنفسها فتره لـ تسيطر على أفكارها قبل أن تنفجر فيها ..كما أنها لن تستطيع توبيخها علي ما توفهت به فقط فحستها بضحكه عابثه لتستكمل حديثها .. فهمتها أمها على الفور
_لو فيه حاجه عاوزه تقوليها قولي عالطول .. ملهاش لازمه الحوارات دي فقوليلي ليه بتسألي عن مجد خصوصاً إنك دخلتي الأكونت بتاعه وأكيد شوفتي إنه تسعه وعشرين سنة يعني مش كبير زي ما قولتي من شويه .
تشجعت ريهام من وصول الحديث إلي ذلك الحد فتكلمت بمغزي
_يعني الشاب وسيم وإبن ناس ومدارس لغات ، وبيأمن لك جداً فيعني بيميل لك أكتر من باقي البنات..فأنا بقول بدال ما قدرتي تخليه يثق فيكي ...حاولي تخليه يتجوزك ساعتها....
بالفعل كانت تعلم روان بدناءة زوجة خالها ورغبتها في إستفزازها حتي يُلقي باللوم علي والدتها التي تساهلت في تربيتها وتركتها وحيدة للغربة لكنها لم تتوقع أن تصل بها الوقاحة إلي هذا الحد ...فقررت هذه المره أن تُخيب ظنها وترد كيدها في نحرها فلفت إحدي خصل شعرها حول إصبعها وردت عليها بتسليه وإبتسامة عابسه تُزين ثغرها
_بس مين قالك يا رورو إني عايزه أكرر تجربتك إني أتجوز واحد أغني مني والناس تتكلم عليا .. هو صحيح أنا مهندسة وهو مهندس ده غير شغلي في الجامعة والتصميمات اللي بخلصها للشركة الأجنبية يعني فيه تكافئ في الفرص بس برضه أخاف من كلام الناس اللي مبيرحمش وأظن إنك أكتر واحده مجربه الناس بيقولوا إيه ...اهو بقالهم تسعة عشر سنه منسيوش أصلك كان إيه لما خالو اتجوزك...متزعليش مني يا رورو بس يعني أنا بفكرك إن الناس مبتنساش .
ألقت روان قنبلتها وسلطت نظرها نحو ريهام لتري تأثير كلماتها عليها فرمقتها بتشفي واستأذنت ببرود متجهه نحو غرفة الضيوف المخصصة لها في كل زيارة ..بينما أخفت سهير رغبتها في الضحك على هيئة ريهام عقب ما تفوهت به إبنتها وقد أعجبها حقاً حُسن تصرفها وعدم تصرفها بعصبية ككل مره !..فتلك المره سبق عقلها لسانها فلن يستطيع أحدُ أن يلقي باللوم عليها وأسرعت تلحق بخطي إبنتها .
أما ريهام بدت كمن أنسكب عليه دلوً من المياه الباردة في ليلة شتوية عاصفه...لقد ذكرتها تلك العانس بماضيها التي أعتقدت يوماً بأنها ستمحوه حتي لا يبقي له أثر ..لحظه هل قالت عانس !!..لا إنها ليست عانس فهي أكثر مَنْ شهدت علي كثرة الخُطاب الذين أتوا ولايزالون يأتون إليها بالرغم كبر سنها علي الزواج مقارنة بفتيات بلدتهم ...لقد أخذت كل شئ رغبت فيها حُب وإحترام عائلتها وتعليمها العالي بالإضافة إلى حياتها وعملها ببلد غريب فدائماً ما كانت أفضل منها، وتفوقها بل لا يوجد بينهما من الأساس أي مقارنة ...هكذا أعترفت ريهام لنفسها بتفوق روان عليها بل وإستحسان الكل لها ورغبتهم في التودد إليها حتي وأن كانوا يتحدثون عنها بالسوء ويرمونها بالباطل... لقد أرادت فقط أن تُذيقها كأس من الأهانة حتي تشعر بأنهما متساويتان لتأتي تلك الماكرة لتهدم المعبد فوق رأسها وحدها لكنها أقسمت لتكسر أنفها بين الناس فلا تستطيع رفعها بينهم مرة ثانية.
❈-❈-❈
ولجت والدتها عليها الغرفة لتراها قد شرعت في ترتيب أغراضها فحدثتها بهدوء
_سيبي اللي في إيدك علشان لازم نتكلم .
تركت روان ما بيدها ونظرت لوالدتها بإهتمام شديد
_اتفضلي سمعاكي .
فسألتها سهير بلوم وعتاب
_يعني عجبك اللي إسمها ريهام قالته ده ...بتلقح عليكي علشان عايشه لوحدك في بلد غريبه ومصاحبه شاب غريب .
تنهدت روان في إرهاق وسألتها بنفاذ صبر
_طب وأنا مطلوب مني إيه يا ماما أقطع لسانهم يعني؟ .. مهما أعمل مش هقدر أرضي الناس فيبقي خلاص ارضي نفسي ومش مهم الباقيين .
ليبدأ صبر سهير في النفاذ فسألتها مستنكرة بإنفعال
_ولحد أمتي يا بنتي ... لحد أمتي عيشتك دي هتستمر ؟!..الناس مبترحمش مش هيسيبوكي في حالك وهيفضلوا يرموكي بالباطل واهو أنتي سمعتي اللي المفروض قريبتنا بتتهمك بإيه ...اللي قدك دلوقتي بقي معاهم طفلين ..وأنا من حقي أفرح بيك زي باقي الأمهات ..نفسي أشيل أحفاد بنتي الكبيره اللي حيلتي .
استمرت روان في هدوئها ذلك لأنها لا ترغب في إفتعال المشاكل في منزل خالها فلوت شفتيها بسخرية، وسألتها بإستنكار
_ومن أمتي وإحنا بناخد برأي ريهام ولا بنعملها حساب أصلا ؟..ما أنتي عارفه إنها طول عمرها بتغير مني وبتحقد عليا...ثم طز في كلام الناس .. عادي الناس مش بتأكلني ولا بيصرفوا عليا ،وطول ما أنا مش بعمل حاجه غلط هحط صوابعي في عين التخين ولا يهمني ....
قاطعتها والدتها بغيظ تعلم أنها لن تصمت أبداً وستواصل وصلة الدروس الإجتماعية الخاصة بها ..فسألتها معاتبه بنفاذ صبر
_وأنا يا روان ؟...مليش حق أفرح بولادك قبل ما أموت ؟
أقتربت منها روان وأمسكت بكتفيها داعمه ، وتحدثت بلهجه متأثرة وقد شارفت علي البكاء
_ماما متقوليش كده ...أنا مليش غيرك أنتي وأخواتي وخالي ...
تجمعت الدموع في مقلتيها لتتشوش الرؤية أمامها وأكملت بصوت متحشرج "أنا والله مش بقصد أزعلك بتصرفاتي ...أنا بس كان نفسي أعمل كيان لنفسي علشان محتاجش لحد بعد كده ولا حد يذلني وعلشان كمان ابقي أحسن منهم وميشمتوش فيا "
مسحت دموعها بظهر يديها بعفوية واكملت بنبره مختنقه من أثر البكاء "مجد يبقي صديق عزيز عليا وقف جنبي كتير وساعدني لما لقاني لوحدي، وأنا بحاول ارد له جزء من جميله عليا والله مش أكتر ، وكل اللي بيربطني بيه علاقه طيبه عمري ما شوفت منه حاجه وحشه ..ده موضوع مجد ومفيش أي حاجة من اللي قالتها العقربة دي ...ولو علي الجواز أكيد بتمني واحد محترم وإبن ناس مش واحد جاي يعمل عليا راجل وهو ميعرفش حاجه عن الرجوله غير حروف الكلمه "
كانت سهير تتابع حديث إبنتها الممتزج بالبكاء وقد رق قلبها لأجل وحيدتها فلا تريدها أن تكرر تجربتها والتي لم يكن ضحاياها سوي أبنائها الثلاث الذين تفرقوا هروباً من المعيشة ...لكنها أيضاً تخشي عليها من ضباع المجتمع التي لا تفرق بين العاطل والباطل فتحدثت بهدوء
_أنتي عارفه إني بثق فيكي وعمري أبداً ما أشك فيكي ولا في تربيتك
ثم ربتت علي وجنتها بعاطفة أمومية وتابعت حديثها
_يلا غيري هدومك ونامي علشان تقومي تتغدي معانا لم خالك يرجع وأنا هكلم أخوكي يحيى علشان .....
_صباح الخير ... حد خالع رأسه ؟
كان هذا الصوت ليحيي الذي طرق الباب بخفه وأدخل رأسه فقط ينظر خلف الباب هنا وهناك بطريقة كوميدية ،فضحكا كلا من سهير وروان التي حثته علي الدخول وصوتها يحمل أثار الضحك
_تعالي تعالي ...يا ريتنا كنا إفتكرنا حاجه حلوه
رفع إحدى حاجبيه وسألها بإمتعاض
_ليه وأنا مش حلو في إيه يا ست كخه أنتي ؟ ، وبعدين هو انتي أشكال اجي لها .. أنا جاي لسهير
قالها ثم رمقها بقرف مصطنع واضعاً يديه في جيبوبه بغطرسه ،لتبادله هي الأخرى نفس النظرات ...فوبخته سهير لحديثه الوقح مع أخته
_ما تحترم نفسك يا واد أنت ومتنساش إنها أختك الكبيرة ، وبعدين إيه سهير دي يا بتاع رنا أنت
أتسعت عينيه عقب إدلاء والدته بسره أمام أخته فنظر سريعاً لروان التي لطمت علي صدرها ،وشهقت عالياً ثم تحدثت بجدية مزيفه تماماً محاوله إحراجه
_يادي الفضيحة .. الناس تقول علينا إيه ؟ ..راجل البيت فرط في شرفه ومحافظش علي نفسه قبل الجواز !
ثم تابعته بنظره متسليه ليمنحها إبتسامة صفراء ،وحك رأسه بحرج ثم تحدث بخفوت
_ الموضوع مش زي ما أنتي فاهمه....
قاطعته مسرعه بإستنكار
_أفهم إيه أكتر من كده يا بتاع رنا ؟
ظهرت معالم الإمتعاض علي وجهه وحدثها بضيق شديد
_بت أنتي ...أنا غلطان إني جيت أعبرك وأقولك حمد الله على السلامة ..خسارة فيكي
ثم وجه حديثه إلي والدته التي كانت تتابع الحوار بإمعان شديد محاولة كبت ضحكاتها علي هذان الثنائي
_اضحكي اضحكي يا سهير ..بقي ده جزائي إني بحاول أصغرك في السن ؟ تفضحيني قدامها ! ...صحيح ستات زي القطط
ألقي حديثه وهم بالخروج من الغرفة لتلحق به روان التي كانت تحاول كبت ضحكاتها علي مظهره الطفولي الغاضب فأمسكته من ذراعه ...وأرادت الإرتماء في حضنه للبكاء حتي تشعر بدفئه وحنانه قليلاً ..فلقد أشتاقت إليه بشده ،فلقد كان أقرب شخص إليها .. لطالماً كانت تخشي عليه وتتطوع لحمايته وكأنه طفلها الصغير وليس فقط أخيها الذي يصغرها بعامٍ واحد !..لكنها تحرجت من أن تفعلها خاصة وأنها لم تفعلها أبداً فهي تراه وكأنه ذنب ستأثم عليه إن فعلته لأنها حضنت رجل !! ...اللعنة إنه أخيها وليس بغريب حتي تشعر بذلك الشعور !، حزنت بشدة في تلك اللحظة لأنها لم تجرب ذلك الشعور من قبل فهي لا تعرف حقاً كيف يكون الشعور الناتج من ذلك التلاصق بين الأخوة فلقد نشأت أن ذلك عيب أن يحدث بين الولد والبنت حتي أصبحت شابه وحينما فهمت أنه ليس بعيب أن يحدث بين البنت وأخيها حتي والدتها لم تحضنها إلا لأول مره عقب سفرها وإقامتها خارج البلد للدراسة !.... أرادت أن تجرب ذلك الشعور لكن الشعور بالحرج كان دوماً يطاردها فأكتفت طول سنوات عمرها السابعة والعشرين بتلك الأمنية فقط ...فرت منها دمعه ساخنه أحرقت وجنتها ...عدلت عن أمنيتها الثمينة وأكتفت بنبره أخويه حانيه محرجه قليلاً
_أنت وحشتني أوي
رأي دموعها تلك فظنا أنه من أحزنها لتوبخه والدته من جديد ...فأصابه الندم الشديد لأنه يعلم كم هي حساسه بشدة فتكلم بأسف شديد ممتزج بالندم
_أنا آسف ...حقك عليا أنا والله بهزر
هزت رأسها بعلامة الرفض وأبتسمت من بين دموعها لكلا من والدتها الصامتة وأخيها النادم
_أنا بعيط علشان وحشتوني
ثم سألته بلهفه
_هتتغدي معايا وتقضي معايا اليوم صح؟
أومأ ببسمة عذبه
_أيوه يا ستي بس هروح أفتح الكافيه شويه تكوني نمتي فيهم وارتاحتي
دلفت رنا إبنة خالها للغرفة بملامح يظهر عليها القلق والإرتباك و ألقت بقنبلتها في وجوه ثلاثتهم موجهه حديثها لروان
_روان أبوكي بره ومصمم إنه يشوفك !!
#يتبع