-->

الفصل السادس - أشواك وحرير




الفصل السادس


 "كل ما بداخلي يندفع لكِ بشراهّه ،لكن مظهري ثابت  "

                                       

   "غسان كنفاني"

                             ❈-❈-❈


بينما يتبادل أربعتهم الحديث..أقترب منهم شاب طويل نوعاً ما يبدو في الثلاثين من عمره يرتدي ملابس شبابيه أنيقه ذو ملامح بشوشه..وقف خلف روان مباشرة وهمس في أذنها بحب :


_وحشتيني.


ظهرت علامات الإندهاش علي ثلاثتهم بينما روان لم تصدق آذانها فألتفتت بسرعة البرق للخلف وتوسعت عينيها بعدم تصديق ثم ضحكت بسعادة غامرة :


_يخرب عقلك..حمد الله على سلامتك..أنت وصلت امتي؟


شاكسها بمرح :


_طول عمرك شلحف!..يعني أقولك وحشتيني تقوليلي يخرب عقلك؟!


فعادت تسأله من جديد بنفس ضحكتها الواسعة :


_يا ابني اتخضيت والله ،وبعدين أنت رجعت بدري عن ميعادك..ليه مقولتليش إنك راجع ؟


أجابها بحنان وإبتسامه عذبه أظهرت صفاء أسنانه :


_أبداً يا ستي خلصت بدري وحبيت اعملهالك مفاجأة .


كان هذا تحت أنظار الثلاثة البقية وقد ظهرت إمارات التعجب جليه علي وجوههم فمن هذا الذي تتحدث معه بكل هذه الأريحية ؟!.. فلطالماً كانت متحفظه في الحديث مع الآخرين كتومه..يظن الناس أنها تدفع الجزية عن عدد الكلمات التي تتفوه بها!!...لذا قرروا متابعة العرض في صمت...لاحظ مجد نظرات الثلاثة الموجه نحوهما فسأل رفيقته بإبتسامته العذبه :


_إيه يا روني..مش تعرفينا ؟


أنتبهت روان لوجودهم فأصابها بعضاً من الخجل والتوتر وردت مسرعه :


_"أنا آسفه الكلام خدنا ونسيت اعرفكم ببعض"..."أحب أعرفكم باشمهندس مجد الدويري أعز أصدقائي وكنت بدير له مجموعته في رحلة عمله" ..ثم أشارت بيدها ناحية مالك ومازن قائلة بأدب"دول Mr مالك ،وMr مازن ..اللي عملنا معاهم صفقة الأسمنت "..ثم أشارت في إتجاه ميرا "ودي باشمهندسه ميرا رابعه عماره "..صافح كلاً من مازن وميرا مجد بحرارة بينما صافحه مالك ببرود تعجب منه الآخر ،ولكن سرعان ما نفض ذلك جانباً وأردف بجدية :


_اتشرفنا جداً بالشغل معاكم الحقيقة ،و راون مبطلتش مدح فيكم ولا في الشغل معاكم.. إن شاء الله نكررها تاني لو حابين.


فرد عليه مازن ببشاشة:


_الشرف لينا.. إن إحنا اتعاملنا مع مجموعة محترمه زي مجموعتك وإن شاء الله مش هيكون اخر تعامل.


اومأ له مجد بتأكيد ثم وجه كامل أنظاره بإتجاه روان وسألها بإهتمام :


_أنتي عندك شغل لغاية امتي؟ 


رفعت كتفيها لأعلي ولأسفل ثم أجابته ببساطة :


_معنديش حاجه.. الميعاد اللي جيت عشانه دكتور مصطفى أجله لانه لسه موصلش من السخنه ،فكنت هروح  عالشركة.


_طب خلاص تعالي معايا لأننا محتاجين نتكلم وكمان هنتغدي مع بعض.


اومأت برأسها وأمسكت بحقيبتها وودعت الثلاثي الذين كانوا يتابعون المشهد بفضول وألقت بنظره أخيره في إتجاه مالك لتشكره لآخر مره...فتعجبت ميرا علي ماذا تشكره ؟!...ثم تمتمت ميرا بسخرية "ثنائي رائع...العاشق والبلهاء "


                          ❈-❈-❈


خرج كلاً منهما من بوابة الجامعة فتفاجئت روان بيد تسحبها لأحد الجوانب وقد ظهر عليها الغضب حينما علمت بهوية صاحب اليد فهمت بمهاجمته لفظياً ولكن كان مجد أسرع منها فأزاحها خلفه ووقف في مقابلة الرجل وقد تطاير الشرار من عينيه وسأله بفحيح غاضب :


_أنت مين؟.. وإزاي تتجرأ وتمسكها كده؟!


نظر له عاصم بإستخفاف ثم ضحك بسخريه ووجه أنظاره ناحية ابنته قائلاً بسخريه وتهكم :


_إيه يا روان هانم..مش تعرفيه أنا مين ولا معرفتك للناس النضيفة نستك أصلك إيه وأهلك مين ؟!


ألتفتت إليها مجد وقد ظهرت عليه علامات الإستفهام فسألها بعدم فهم :


_مين ده يا روان؟


تقدمت روان للأمام في مواجهة والدها ثم ردت بخفوت :


_ده بابا يا مجد!


ثم وجهت أنظارها في إتجاه عاصم الذي كان يبتسم لها بإستفزاز ويرمق الآخر بإنبهار تام..فلاحظت نظراته لكلاً منهما فسألته بضيق :


_جاي ليه وعرفت مكاني ازاي ؟


_إيه حيلك حيلك..مش تعرفيني بالأخ ده الأول يبقي مين ؟


سألته ببرود :


_هيفرق معاك ؟


هم بالرد عليها فعلمت هي ما ينوي قوله فلقد عاشت معه إحدى وعشرون عاماً حفظت خلالهم كل حركاته والاعيبه ،وحتي نواياه فهمت بالرد عليه ولكنها تفاجئت بـ مجد الذي مد يده لمصافحته بحرارة معرفاً عن نفسه :


_إزيك يا عمي..أنا مجد الدويري رئيسها في الشغل وكنت جاي اقابلها علشان هنتكلم في شغل متعطل.


كان مجد يعلم بحبات الرمال التي تكومت علي كتفيها في سنٍ صغير بسبب أبيها حتي شكّلت جبالاً شاهقه من الهموم أدت لإنحناء ظهرها كما كان يعلم بطبيعة البيئة التي نشأت بها فرجل كهذا حتماً سيشكك في أخلاقها وكونها ترافق رجلّ غريب فسارع بالرد عليه لإنقاذها فهو يعلم بعصبيتها الشديدة واندفاعها في الحديث وتهورها في بعض الأحيان ففضل أن يتدخل في الحديث حتي لا تعرض نفسها لمأذق هي في غني عنه....ثم قرر أن يتركهم بمفردهم حتي لا تتعرض حبيبته للإحراج أمامه بسبب تصرفات أبيها فنظر إليها بجدية :


_روان...خلصي مع والدك وأنا هستناكي عشان هنروح الشركة.


كاد مجد أن يغادر ولكن أسرع عاصم يحثه علي البقاء بإنبهار شديد بعدما فهم من هيئته وحديثه أنه من أبناء الطبقة المخملية فربما إن علم بكونه رجل فقير قست عليه ابنته وتخلت عنه بعدما بذل أقصي ما لديه من صحه ومال وجهد حتي تصبح علي ما هي عليه فلم يكن ردها لإحسانه سوي بالإساءة والقسوة علي ابيها المسن المسكين.. فسارع بلهفه :


_ملوش لازمه تمشي يا أستاذ أنت مش غريب .


توجست روان مما ينوي فعله فتبادلت النظرات مع مجد بعدم فهم ،وقطع إسترسال نظراتهم عاصم يقول بمسكنه موجهة حديثه لروان ويراقب رد فعل مجد :


_نعمه مراتي...هتولد بعد أسبوع تقريباً.


لم تستوعب روان حديثه فضحكت بسخريه :


_طب وأنا مالي؟..أنا مش بشتغل دايه فجاي تقولي ليه ؟!


فرد عليها بتلعثم مصطنع وادعي الخجل بحرافيه شديدة :


_ما هو..ما هو... أنا محتاج فلوس للمستشفي ومستلزمات الولد.


هزت رأسها بتفهم وأخذت تصدر بعض التمتمه بفمها ثم سألته بنفاذ صبر :


_عاوز كام ؟


لم يصدق أنها وافقت بكل هذه السهولة فلولا خطته بمقابلتها في مقر عملها لم تكن لتعطيه قرشاً واحداً فلابد من أنها خافت أن سيسبب لها الإحراج أمام زملائها بالإضافة لوجود ذلك الغريب بينهما المسمي برئيس عملها...لقد أضحت خطته بالنجاح وعليه أن يستغل وجود ذلك الغريب حتي يحصل على كل ما يريد وزيادة فقرر أن يطلب مبلغاً كبيراً عن المطلوب وبرر لنفسه بأنه حق عليها أن تساعده في محنته فلطالماً أنفق عليها الكثير والكثير أثناء حياتها معه...نكث رأسه لأسفل وتمتم بنبره خفيضة بالكاد سمعها كلاً من الآخرين :


_تلاتين ألف .


توسعت أعين روان وصاحت بذهول وصدمه :


_نعم؟!...ليه دي ولاده وكمان مستشفى حكومي مش خاصه...فليه كل ده ؟!


_روان وطي صوتك الناس سمعتك.


كان هذا صوت مجد الذي قرر أن يتخلي عن صمته بعدما ارتفعت نبرة صوتها مما جعل ثلاثتهم محط أنظار الأخرين...فنظرت إليه بإستنكار وكأنها تخبره "ألا تري ؟!"... ثم هزت رأسها بالموافقة وتمتمت بقلة حيلة :


_ماشي...ماشي.


أخرجت إحدى البطاقات الإئتمانية من حقيبتها واتجهت نحو آله سحب النقود الجانبية دون أن تتفوه بأي كلمة...ولم تلبث بضع دقائق حتي عادت إليهم مره أخري وسألته بإستفسار :


_أنا هديلك كل اللي لقيته في الفيزا بس تقولي وصلتلي إزاي؟


أجابها بلهفه دون أدني تفكير بعدما أخبرته بوجود المال :


_من صفحتك على الفيسبوك.


هزت رأسها بتفهم ولعنت غبائها علي ترك الحساب للعامة ثم مدت يدها له بالأموال :


_اتفصل دول ستاشر ألف اللي موجودين في الفيزا 


_أيوه بس..بس دول....


قاطعته بنفاذ صبر مسرعه :


_مبسش قولتلك دول كل اللي معايا دلوقتي ،وبعد أذنك أنا اتأخرت... القاهره نورت.


ألقت حديثها إليه وفرت مسرعه من أمامه يلحق بها صديقها بينما عاصم أخذ ينظر للنقود بفرحه شديدة ثم تمتم بسخط :


_ياباي بت بنت كلب مطمرش فيها !...بتديلي الفلوس ولا كأنها شفقه!!..وايه العيل التنك ده...ألا ما اتبرع حتي يدفع الكام ألف اللي فاضلين..صحيح الأغنيه دول مبيعملوش حاجه لله أبداً.


                             ❈-❈-❈


بداخل سيارة مجد 


غاصت روان في بحر أفكارها.."هل حقاً سيصبح لديها أخ جديد ؟!..وهل سيعامله والدها بمثل المعاملة التي تلقتها هي وأخويها..".. حتي فرت هي وأخيها الصغير محمد من تلك الحياة البائسة...بل الحقيقة أخيها هو مْن فر إلى خارج البلاد أما هي فقد طُردت خارج منزلها كمن جلبت العار..ولم يكن السبب سوي سلاطة لسانها وعصيانها وتمردها الدائم على وضعهم ومعاملة أبيها لهم ،وما ساهم في طردها إحتياجها لإجراء إحدى عمليات القلب حينها بسبب تشخيص خاطئ من أحد الأطباء الغير مسؤولين فلم يكن ذلك التشخيص سوي كالقشه التي قسمت ظهر البعير وأدت لطردها مباشرة بل وتبرأ والدها منها أيضاً..."هل جَنت والدتها عليهم وكانت السبب في تلقي أربعتهم تلك المعاملة التي كانت تقاسيها؟...أم كانت ضحية مثلهم؟!...هل نعمه أيضاً كوالدتها؟!.. أم حاربت منذ البداية ليعيش ذلك الطفل تلك الحياة الآدمية التي كانت تطمح إليها في طفولتها؟!..بالطبع لم يتغير والدها فلو تغير بالفعل لم يكن ليأتي إليها بمقر عملها لأخذ النقود...ياله من طفل مسكين!...ناداها مجد بصوته العميق عدة مرات فلم تلتفت إليه ففهم بأنها شاردة بأمر يخص أبيها ،وعاد لتكرار نداءه مرة أخرى فأنتبهت إليه واعتذرت علي الفور بهدوء :


_أنا آسفه...بتنادي بقالك كتير ؟


أخذ يوزع أنظاره بينها وبين الطريق أمامه ،ورد عليها بحنان يشوبه بعض العتاب الطفيف :


_مش حياتك معاه أنتهت ؟...خلاص بتفكري فيه ليه ؟!..اللي فات مات.


أجابته بهدوء :


_غصب عني والله...ده جايلي لحد هنا عشان يلوي دراعي وأدفعله... مع إنه لو كان قالي وأنا في البلد إن مراته هتولد مكنتش هتأخر علي أخويا .


_خلاص والموضوع خلص..فبلاش ترهقي تفكيرك كده علي أي حاجة مش مستاهله ،وبعدين تعالي هنا...أنتي روحتي بلدكم ؟!


ألتفتت إليها بكامل جسدها وربعت رجليها أعلي الكرسي وابتسمت بتوسع وكأنها لم تبدو كالبؤساء منذ ثوانِ :


_أوبا !..أنا نسيت أقولك...مش جالي عريس !


قالت جملتها الأخيرة وضحكت عالياً فنظر إليها بإمتعاض ورد بثقه :


_ورفضتيه...فين المشكلة بقي ؟


ردت عليه بصوتها الذي لازال يحمل آثار الضحك :


_ما هو المشكلة إنه حتة عيل مترباش ولا شاف تربيه وجاي يسألني عندي خبرات قبله ولا لا ؟..ولما سألته عن نفسه طلع كان مدورها وفضح مراته ليلة دخلتهم ولما قولتله ما أنت عملت نفس اللي عملته تخنلي في صوته كده وقالي أنا راجل !


قالتها وضحك كلاً منهما علي نبرتها في تقليد الرجل...ثم سألها بحماس :


_وعملتي إيه ؟


أجابته ببساطة :


_قولتله شوفلك جارية في سوق عكاظ فقالي تلاقيك ناشز من بتوع اليومين دول.


سألها بفحيح منزعج من بين أسنانه :


_وأنتي إزاي تسمحيله يقولك كده ؟


_اهدي يا عم السخان...ما أنا طردته ومسحت بكرامته بلاط البيت كمان .


نظر إليها بسخط وزفر بإصرار :


_برضه مش كفاية... المفروض كنتي ضربتيه علي وشه .


شاكسته بمرح :


_ما خلاص يا عم متوهش ،وقولي أخبار المزز إيه ؟


واتبعت سؤالها بغمزه من إحدى عينيها...فهزت أركان السيارة ضحكته الصاخبة التي تسلب عقول العذراوات وأردف من بين ضحكاته :


_الصين ناشفه وكلهم شبه بعض لكن لندن فيها صواريخ أرض جو مش بس مزز .


_والله يواد أنت بؤق .


أشار بسبابته نحو نفسه وسألها بإستنكار وذهول :


_أنا ؟...أومال ليه كامي بتقولي أنت مشوفتش ساعة تربية؟!


                            ❈-❈-❈


في مساء نفس اليوم 


خرجت ميرا إلي شرفتها علي أنغام الموسيقى الكلاسيكية الهادئة التي قطعت حبل أفكارها وبددت قدرتها علي التركيز فكانت تنبعث من الشرفة المجاورة لها فوجدت مازن يجلس على أحد الكراسي رافعاً رأسه لأعلي ومغمض العينين يحتسي كأساً من العصير البارد لـ يضاهي حرارة هذا الجو ففتح عينيه بعدما سمع محطمة أماله والسبب الوحيد لشقائه والمسببة لنزيف قلبه :


_يا عيني على الروقان...بتسمع إيه ؟


اقترب من حافة سور شرفته حتي يصبح قريباً منها وأجابها ببسمه هادئه :


_عيون القلب.


_لمين ؟


_نجاة 


فأبتسمت إليه وطلبت منه بلطف :


_ممكن عصير من اللي بتشربه؟


كاد أن يعطيها ولكنه قرر مشاكستها فرد عليها بإستفزاز :


_وأنا مالي ؟..ما تنزلي تجيبي لنفسك .


طالعته بإمتعاض وردت عليه ببرود مستفز :


_خليهولك .


مضي دقيقتين من الصامت التام بينهما فقط صوت الكروان المختلط بصوت نجاة الصغيرة تعاتب حبيبها من كثرة إهماله لها في تلك الساعة المتأخرة من الليل...كان لوقع الصوتين عليهما آثراً رائعاً في العزف على أوتار قلبيهما مما دفعهما للإسترخاء والتمتع فقط بسكون الليل الذي يشقه صوتي الموسيقي والكروان فقطعته ميرا ملتفته إليه ونادته بتشويق :


_تعرف يا مازن ؟!


نظر إليها بإهتمام مصطنع وهمهم حتي تستدرك حديثها :


_بالرغم إن لندن كانت هادية ونضيفة جداً ،ومفيش هناك الهمجية اللي عندنا دي..بس بالرغم من كل ده كانت باردة أوي يا مازن...مفيش الدفا بتاعنا ده..هناك كل واحد في حاله مفيش الجو العائلي بتاعنا ده.."دمعت عينيها بسبب مشاعرها المختلطة في هذا الموقف فهي تبغض بشده أن تبقي وحيدة ثم عادت لإستكمال حديثها"...هناك مكنش فيه أنت أو جدو أو مالك ولا حتي خالو...أكبر غلطة عملتها إني ضيعت سنتين من عمري هناك !


لم يكن في البداية يستمع إليها من الأساس ولكن مع تواتر كلماتها أنصت إليها مجبراً لأهمية حديثها بل وغرابته أيضاً "أهذه ميرا التي تتحدث ؟!..منذ متي والليمون بالنعناع يؤدي للثمالة ؟!" فسألها بتعجب :


_أنتي اللي بتقولي كده؟!..أنا بجد مش مصدق .


تنهد بعمق وزفرت ببطء :


_عندك حق متصدقش...بس أنا قصرت في حق نفسي ولسه بتصرف بتهور... بس بقيت بحاول أحسن من نفسي .


مد يديه ناحيتها وأمسك بكفها بين راحتيه وربت عليه قائلاً بدعم :


_أنا متأكد إنك هتبقي أحسن من الأول...شوفي أنا أقدر أساعدك بإيه وأنا مش هتأخر .


أجابته مسرعه بتلقائية لا يشوبها أي تردد :


_عاوزه أشتغل .


رد معارضاً :


_أيوه بس أنتي لسه بتدرسي .


_طب تدريب ؟


أومأ لها بالموافقة...فعادت من جديد تناديه :


_مازن...اطفي الست دي وشغلنا مهرجان !


توسعت عينيه بذهول ونظر لها بقرف ثم سألها ضاحكاً بإستنكار :


_نعم يا أختي ؟..مهرجان إيه اللي اشغله دلوقتي ده جدك يقوم يضربنا عيارين !


ثم سمع كلاً منهما صافرات إنذارات باب الڤيلا الرئيسي مما يعلن عن قدوم شخص ما فشعر كليهما بالإستغراب من ذلك الوافد في تلك الساعة المتأخرة من الليل...فسألته ميرا بتعجب :


_غريبه!..مين اللي هيجيلنا دلوقتي ؟!


رد مازن بعدم معرفه :


_مش عارف...استني هروح افتح البوابة وأشوف مين.


أوقفته بلهفه :


_استني تنزل فين؟!..ممكن يكون حرامي .


جلجلت ضحكاته عالياً ورد بتهكم :


_حرامي؟!..حرامي ايه اللي بيرن الجرس ده...أنا نازل.


                             ❈-❈-❈


في نفس الوقت ببلدة روان...جلست سهير بجانب هاتفها المحمول تطالع شاشته بلهفه شديدة...تنتظر أن يتعالي رنينه في أي لحظة وقد تعبت حقاً من كثرة الإنتظار وكاد النعاس أن يتغلب عليها فسمعت ريهام زوجة أخيها تحدثها بتهكم :


_خليكي قاعدة كده تكبي وتنامي... علشان ست الحُسن ،وبعدين لما أنتي قلقانه عليها كده هزأتيها ليه وسبتيها تمشي لوحدها ليه في أنصاص الليالي .


لفت سهير وجهها للطرف الآخر بضجر من أفعال زوجة أخيها لا تكف عن إثارة غضبها بها ولكنها هذا المرة متأكدة بأن معها كل الحق فلقد قست عليها بالحديث وأمطرتها بوابل من الكلام اللاذع المُهين لها ،ولكن سرعان ما سمعت رنين الهاتف فردت مسرعه بهجوم :


_هو أنا يا زفت مش قولتلك تكلم أختك وتطمني عليها ؟!...ولم أنت كلمتها من بدري ليه مطمنتنيش يا حيوان؟!..يعني هي كويسه؟..يعني مش زعلانه؟!...طيب الحمدلله تصبح علي خير يا حبيبي .


كل هذا تحت مرئي ومسمع ريهام التي مصمصت شفتيها بإمتعاض وزفرت بتهكم :


_يا كُهن يا كُهن...نسوان بتاع هم.


                            ❈-❈-❈


انتهي مالك من أعماله المتراكمة في مكتب ڤيلته وصعد إلى حجرة صغيريه كي يطمأن عليهما فوجدهما مستغرقين في نومٍ عميق فعدل من وضع الأغطية حولهما وقبل كلاهما بخفه علي جبهتهما ثم اتجه إلى غرفته وبعدما أخذ حماماً سريعاً قام بإبدال ثيابه إلي بنطال منزلي قصير وترك جزعه العلوي عاري بسبب حرارة الجو واستلقي في منتصف الفراش يفحص رسائل الواتساب لاحظ وجود نقطة رمادية كبيرة نوعاً ما في خانة الحالات ففتحها مباشرة ليجد روان قامت بمشاركة منشوراً ما منذ لحظات فسارع بإخفاء مؤشر قراءة الرسائل واتجه لفتحه مباشرة ليجده إقتباس من أحد الكتب والذي أقل ما يقال عنه أنه تحفه أدبيه تخص كاتبها...ثم عاد لإظهار مؤشر قراءة الرسائل مره أخري و سألها عن مكانها الآن وما إذا كانت بخير...أخذت بضع ثواني وردت عليه "بأنها بأفضل حال وقد عادت لشقتها القديمة في مدينة نصر بعدما انتهت أعمال الصيانة بها "...اعتذر لها بشدة لكونه لم يسألها عن أمر مبيتها معللاً تراكم الأعمال عليه واستعداده لصفقة جديده "...فشكرته وهمت بإغلاق التطبيق ففاجئها بإرسال لوكيشن لأحد الأماكن أخبرها بأنه مقر إقامة حفل عيد ميلاد ميرا وشدد عليها بضرورة الحضور...فردت عليه بتأكيد صارم "هاجي بإذن الله أنا وعدتها...بس مستغربة بصراحة إنها تعزمني "..فرد عليها بنصف الحقيقة كونه هو ومازن من أقترحا عليها بأن تدعوها فوافقت الأخري إكراماً لصديقيها ...ثم سألها بمراوغة :


_أنتي كده خلاص مش هتكوني حلقة وصل بينا وبين مجموعة الدويري لو اشتغلنا تاني ؟


أرسلت له إيموشن لفتاة ترفع كتفيها بمعني عدم المعرفة وكتبت بجواره :


_سيبها لله .


كانت هي أول من بادرت بالسؤال هذه المره :


_صح ...أنا نسيت اسألك ورق الصفقة بتاعة مواد البناء ايه اللي حصله ؟


إبتسم بنعاس بعدما وجدها تقوم بفتح موضوع معه وأجابها علي الفور :


_السكرتيرة لعبت في العرض الأول اللي كنا مقدمينه واللي كان هيتمضي عليه علشان تعطل الإمضاء وغيرت كل النسخ الأصلية علي الكمبيوتر بالنسخ اللي لقيتها اليوم ده ،وده كان لصالح شركة منافسة .


أرسلت إليه إيموشن متسع العينين ويظهر عليه علامات التعجب والذهول...فرد عليها مؤكداً بأن ذلك ما أكتشفه بالفعل من خلال كاميرات المراقبة فقام بالضغط على الفتاة وهددها بالسجن فـ اعترفت بأنها تعمل لصالح شركة منافسة مما جعله يقوم برفدها بعدما أعطاها مبلغاً من المال حتي تبحث عن عملاً آخر...ثم استمر الحديث بينهم في مواضيع شتي حول أمور العمل التي لا تنتهي وأيضاً التطرق إلى بعض الأحاديث الشخصية حتى غفا كلاً منهما والهاتف بيده دون أن يدروا بما تخبئه لهم الأيام القادمة !


                             ❈-❈-❈

#يتبع