-->

الفصل الثامن _ أشواك وحرير

 



الفصل الثامن


قبل أي حاجة أنا آسفه علي التأخير حقكم عليا بس والله عندي ظروف فأدعولي كتير ربنا ييسر لي...قراءة ممتعه.


 ❈-❈-❈ 


 طرقات خفيفة علي باب مكتب مازن أخرجته من تدقيقه في الأوراق أمامه..ترك القلم من بين أصابعه ورفع رأسه ليأذن للطارق بالدخول الذي لم يكن سوي مالك الذي سأله مباشرة بإستغراب : 

 _إيه يا ابني أنتو روحتوا فين امبارح؟! 

 تنهد مازن بإرهاق وفكر قليلاً هل يخبره بما حدث أم يأسرها في نفسه فقط؟!..


فلطالماً كانوا أصدقاء منذ الطفولة ولم يُخفي أي منهما شيئاً علي الآخر!...


يتلهف هذه المرة ليفضفض له عما يجيش في صدره ولكن كرامته تضغط عليه بقسوة ألا يبوح...


فكيف يخبر صديقه أن الوحيدة التي نبض قلبه لأجلها تعشقه هو ولم تبادله أياً من مشاعره تجاهها؟!...


هو يحبه بشده وكأنه أخيه الذي لم تلده أمه ولكنه يخشي من جرح كبريائه أمامه لذا قرر الصمت فقط هذه المرة فتنهد قائلاً : 

 _أبداً...

اتخنقت فخدت عربيتي وطلعت علي المقطم. سأله مالك بتعجب : _وإيه اللي وداك بعيد كده؟! 


 فرد عليه مازن بصدق : 

 _كنت حابب اروح مكان هادئ علشان افكر في شوية حاجات وارتب أموري من تاني. 


 هز مالك رأسه بتفهم ثم بدل دفُة الحديث قائلاً : 

 _مجد الدويري كلمني من شوية عشان يعزمني علي حفلة عاملها بمناسبة مرور عشرين سنة علي مجموعتهم.


 أومأ مازن ورد مؤكداً علي حديثه : 

 _لسه قافل معايا من شويه...أنت هتروح؟


 لوي مالك فمه بعدم معرفه وزفر بعمق :

 _مش عارف...بس ممكن اروح علشان روان! 


 ضحك مازن عالياً وأردف متسائلاً بعبث : 

 _أممم...روان قولتلي!...

إيه حكايتك معاها بقي؟


 حك مالك شعره مفكراً ثم أجاب بتردد :

 _مش عارف!...

بس أنا بنجذب ليها أوي.


 سأله مازن مباشرة مضيقاً عينيه بإهتمام :

 _بتحبها؟ 


 حرك مالك كتفيه لأعلي ولأسفل ورد بعدم معرفه: 

 _برضه مش عارف...

بس هي شخصية غريبة كده تحسها ميكس من مجموعة شخصيات، عصبيه ،مغرورة أحياناً ولما تقرب منها تلاقيها متواضعة جداً،عمليه جداً ،محترمه، ووفيه ،مره شجاعه وعندها كاريزما ومره هشه! 


 طالعه مازن بتهكم ثم سأله بسخريه : 

 _وحياة طنط هاله؟!

..ما ده طبيعي يا أخويا إحنا بشر .



 إغتاظ مالك من سخريته فأمسك بـ آنية السجائر ونظر له شزراً : 

 _بطل سخريه بدل ما اديلك بالطفاية دي في وشك!...

أنا عارف إن كلنا بشر بس حاسس إن وراها حاجه ،وشخصيتها قويه وعندها كرامة فده بيشدني ليها.


 أراد مالك تغيير الحديث فسأله بإهتمام : 

 _ميرا لقت تدريب؟! 


 تلبست مازن حاله من البرود المفاجأة ،فتعجب لها مالك بينما رد مازن بلامبالاة :

 _اه راحت النهارده..

هتدرب في شركة تبع مجد . 

 

سأم مالك من كثرة ذكر مجد فتمتم بإمتعاض "يادي مجد اللي مش هنخلص منه ده!"   

                ❈-❈-❈           


  باقات ورود في كل مكان، حوائط مُزينه بـ العديد من الأنوار المبهجة، أطفال يركضون خلف بعضهم البعض في سعادة عارمة لا يحمل أياً منهم هم شيئاً من هموم الحياة، رائحة الفرحة تنتشر في كل ركن من أركان المنزل، بعض الرجال ملتفين حول رجلاٍ ما يظهر عليه الهيبة والوقار ويبدو أنهم يباركوه...



تعالت أصوات الزغاريد في كل مكان لتعلن عن فرحة عائلة عيّاد بـ عقد قرآن نجلتهم رنا على ابن عمتها يحي.



 _شكلي حلو يا روان؟!

 تسألت رنا بتخوف وقد كسي التردد والإرتباك تقاسيم وجهها...


فنظرت إليها روان بأعين لامعه بإنبهار حقيقي وتمتمت بسعادة :

 _زي القمر..

ألف مبروك يا حبيبتي. 



 تسألت رنا بعدم تصديق :

 _بجد يا روان؟!..

يعني أخرج ؟ 



 ابتسمت لها روان بثقة وحثتها للخروج بتشجيع :

 _والله جميله...ويلا أخرجي بقي الناس مستنيين. 



 ترددت رنا بالخروج من الغرفة ووقفت تفكر قليلاً في كيفية صياغة ما يجول في خاطرها علي ابنة عمتها خاصة وهي تري وميض السعادة يشع من عينيها مما ينفي ذاك الشعور بداخلها والذي زرعته والدتها، فلاحظت روان ذلك وسألتها مضيقه عينيها بتشكك :

 _مالك يا رنا؟!..

أنتي عاوزه تقولي حاجه؟

 هزت الأخري رأسها بنعم فشجعتها روان علي الحديث قائلة بعجل : _طب قولي عالطول بس بسرعة علشان الناس.



 أردفت رنا سائله ببعضٍ من التردد :

 _هو...أنتي..أنتي فرحانه؟! 



 رمشت روان بأهدابها عدة مرات بعدم فهم فلم تستوعب سؤال الأخري، وردت بعدم إستيعاب :

 _مش فاهمه!..قصدك ايه؟! 


 لعنت الأخري غبائها عدة مرات فهي لم تستوعب ذلتها سوي بعد فوات الآوان!...

كما أن هذا ليس حقاً سؤال يُسأل بالإضافة أن روان ليست من تلك الفتيات الحقودة اللائي تشتعل النيران بقلوبهن عقب زواج الأُخريات...


حسبنت علي والدتها بداخلها ثم حسمت أمرها بأخبارها بالحقيقة وليحدث ما يحدث :

 _بصراحه يا روان ماما قالتلي إنك هتكوني زعلانه وغيرانه علشان أنا أصغر منك وهتجوز الأول!!



 صُدمت روان من حديث ابنة خالها..

فهل وصلت الدنائة الوقاحة بزوجة خالها إلي إختلاق التراهات في حقها أمام ابنتها لتجعلها سيئة الخُلق أمامها فتنفر منها الأخري...

يالها حقاً من عاهرة!!...


استفاقت من دوامة تفكيرها وسألتها بنبرة هادئة : 

 _أنتي عمرك شوفتي مني حاجه وحشه؟ 



 هزت الأخري رأسها بنفي شديد، فعاوت روان الدفاع عن نفسها قائلة ببساطة : 

 _خلاص يبقي تعامليني زي ما بتشوفي مني، وأنتي كنتي موجوده وشاهده كم مره رفضت العرسان!


 طالعتها رنا بندمٍ خالص وأردفت معتذره : 

 _أنا آسفه يا روان بـ...


 قاطعتها روان وعقبت ببساطة : 

 _آسفه علي ايه يا بنتي؟!

...أنتي جدعه وقلبك أبيض وكان فيه بنات غيرك هتسمع كلام والدتها وتشيل من اللي قدامها بدون أي سبب وبدون ما تطلب توضيح... 

شكراً ليكي أنتي إنك قولتيلي...ويلا علشان نخرج.



 تفوهت بجملتها الأخيرة وأتبعتها بالضرب برفق على كتف الأخري مشجعةً إياها علي الخروج...



دلفت سهير عليهما قائلة بإستعجال :

 _يلا يا بنات بسرعه المأذون وصل.


 _إحنا خارجين اهو يا عمتو. 


 طالعت سهير ملامح ابنتها بعدم رضا وتمتمت بإستهجان :

 _إيه يا روان؟!...

مش تحطي شوية أحمر ولا أخضر بدل ما تخرجي للناس وشك أصفر كده!



 ابتسمت روان إبتسامة باهته لم تصل لعينيها وسألتها بسخرية : 

 _إيه هطلع المرادي الاقي العريس جاي يكتب الكتاب عالطول؟



 تفهمت رنا أنهما علي وشك الشجار ففضلت الإنصراف بهدوء حتي تعطي لهما مساحتهما الخاصة...



رمقت سهير ابنتها بلوم جلي :

 _أنتي قلبك أسود كده ليه؟!



 أتسعت أعين الأخيرة فبادلتها بذهول وضحكت بألم عقب تكوم الدموع في عينيها :

 _أنا اللي قلبي أسود؟!...

ده أنتي حتي طردتيني يعني ومسألتيش عليا بعدها.



 ربتت سهير علي كفها بحنان وبررت لنفسها بخجل وتلعثم :

 _أنا...أنا سيبتك علشان تهدي لوحدك وبعدين نعرف نتكلم. 



 توجهت روان نحو والدتها وربتت علي كتفها هي الأخري هامسه بالقرب من أذنها بخفوت : 

 _لو سيبنا الحريقة تهدي لوحدها هتهدي فعلاً بس بعد ما تكون كلت كل حاجه حلوه!    



                           

❈-❈-❈ 





 

أندفعت ميرا مسرعه نحو دورة المياة عقب وصولها مباشرة من الخارج حتي تنعم بحمام دافئ يخفف من تشنجات جسدها الذي يأن عليها بعدما انهكته كثرة الأشغال التي قامت بها طوال اليوم، ملئت مغطس المياة وتمددت فيه بإسترخاء حتي غمرتها المياة ثم قامت بوضع سماعات الأذن في محاولة بائسة منها للإسترخاء، ولكن سرعان ما هاجمتها ذكريات اليوم فتمتمت بحنق :

 _الله يخربيتك يا مجد...

وقال ايه لازم تنزلي المواقع من أول يوم!


 ثم عضت على شفتها السفلي بإثارة وحدثت نفسها بهيام : 

 _بس الواد مز ،لا وكاريزما كده...

مش عارفه إزاي بنت الفقرية دي مش ملاحظه إنه بيحبها!



 أنزعجت ميرا من كثرة تفكيرها فهي كانت تأمل في بعض الإستجمام فزفرت بضيق وقامت بإرتداء ثيابها بعدما أزالت عنها الصابون...

وبالرغم من كثرة تعبها وإنهاكها اليوم إلا أنها شعرت بالفخر والإعتزاز تجاه نفسها لأنها خطت أول درجة في درج الإعتماد على نفسها وتكوين شخصيتها فأبتسمت بسعادة ،ولكنها سرعان ما وأدت تلك الإبتسامة بداخلها عندما لم تجد من يدعمها في طريقها...


في الحقيقة لم يكن أحدٌ يهتم لأمرها سواه هو!!...

نعم إنه مازن ابن عمها.. لطالماً كان ينتظرها بتلهف أمام مدرستها..جامعتها ويمطرها بوابلٍ من الأسئلة عن تفاصيل يومها ثم يثني عليها أو يقوم بتقديم بعض النصائح لها...


لوهلة ظنت أنه سينتظرها في الڤيلا ولكن انتهي آخر أمل بداخلها عندما وجدت بهو الڤيلا فارغاً...فكانت تأمل أن تجده ينتظرها بلهفة ويعتذر منها بندم لكونها انشغل عنها أثناء اليوم لكن هذا لم يحدث فقد كان بهو الڤيلا فارغاً كعادته كل يوم!...

حسمت أمرها بالذهاب إليه فإن لم ينتظرها مازن ستذهب إليه هي!   


                 ❈-❈-❈           


 أندفعت كعادتها إلي داخل غرفته بدون أن تطرق الباب ولم تتذكر أياً من توبيخاته لها بسبب فعلتها المعتادة..


كان يضع بعض الملابس في حقيبة سفره فأبتسم إبتسامة هادئة لم تصل لعينه حينما فُتح الباب..فلا يقوم بتلك الفعلة الوقحة سواها!...


ألتفت إليها بهدوء وكتف ذراعيه أمام صدره سائلاً إياها بإقتضاب : _خير؟! 


 لم تجب على سؤاله وإنما بادلته بسؤال آخر يحمل الكثير من الصدمة والذهول :

 _أنت مسافر؟! 



 اومأ لها بنعم وأولاها ظهره مرة أخرى ليغلق سحاب الحقيبة وكأنها غير موجودة ثم سألها بلامبالاة : 

_كنتي عاوزه إيه؟ 



 تجمعت الدموع في مقلتيها لكنها منعتها بكل صلف وكبرياء وردت بهدوء :

 _أنا روحت التدريب النهارده.


 _ماشي بالتوفيق. 


 قالها ببرود شديد ولا مبالاة فشعرت هي بالإحباط الشديد يغزو سائر جسدها بعد إجابته الباردة...


فكرت أن تستميله قليلاً لكنها فضلت أن تحفظ كبرياؤها خوفاً من إحراجه لها...


حمل الحقيبة بهدوء بعدما رأي تضارب مشاعرها ووقف أمامها مباشرة قائلاً بدعم :

 _متقلقيش بكره تتعودي علي الشغل...

أنا مش هتأخر وهرجع بكرة قبل حفلة مجد، خلي بالك من نفسك. 


 طالعت أثره ببعضٍ من الحزن التي لم تدرك من أين أكتسبته ولماذا ؟...


كادت أن تتجه نحو غرفة جدها ولكنها تراجعت مرجحه أنه قد خلد للنوم فأتجهت نحو غرفة والدتها وقامت بالطرق عدة مرات بدون أن تحصل على الإجابة ففتحت الباب ودلفت للداخل بهدوء لتلمح والدتها في نهاية الحجرة ترقد على الأريكة أمام الشرفة علي إحدى جانبيها ومنغمسه في الحديث علي الهاتف ولم تلحظ وجود نجلتها...



في البداية ظنتها ميرا تتحدث مع أحد معارفها فدفعها الفضول لإن تسترق السمع ولكن سرعان ما ضربتها الصاعقة حينما تفوهت الأخري بكلمة "حبيبي"...

فجن جنون ميرا واتجهت للخارج مندفعة نحو غرفتها حتي تستوعب أي ورطة ستحل بها!   


                                               ❈-❈-❈            



 تمدد مجد علي أحد الأرائك في البهو الداخلي لبيته يحمل حاسوبه المحمول ليجري بعض الأشغال المختصة بالعمل...

لاحظ إحدى المكالمات الدولية عبر أحد التطبيقات المرئية ليبتسم بسعادة بعدما ظهرت أمامه فتاه شابه فأردف بسعادة : 

 _وحشتيني أوي. 


 ضحكت ببشاشه وأردفت بعتاب ولوم :

 _أيوه كل بعقلي حلاوة، ما أنا لو كنت وحشتك كنت تفتح تطمن علي أختك المسكينة ولا ولادها ولا يعني علشان مش بندير لك شركات! 


 ابتسم لها بحرج :

 _دي واضح إن كاميليا هانم لسانه مبيتوصاش. 


 هزت رأسها بنفي وأردفت بمشاكسة :

 _أنت اللي مفضوح أوي علي فكره. 



 طالعها بذهول وتوسعت عيناه اثر كلمتها الغريبة عليها..وكرر كلمتها بإستهجان :

 _مفضوح؟!...أنتو مالكوا في إيه؟...واحده تقولي مزه والتانيه مفضوح؟!...

هو أنتي مذيعة في مونت كارلو اللي في شبرا ؟!



 ضحكت عالياً علي حديثه الساخر ثم هدأت ضحكاتها وأردفت بجدية لازالت تحمل آثار الضحك : 

 _يا عم نستني كنت بكلمك ليه المهم...كنت عاوزه أبارك لك إن المجموعة بتاعتنا بقالها عشرين سنة. 



 نظر لها بإمتنان حقيقي وأردف بحنان أخوي : 

 _الله يبارك فيكي يا حبيبتي...إيه مش هتحضري الحفلة؟ 


 رمقته بأسي وأردفت بإحباط :

 _والله يا مجد مش عارفه...كنت طلبت أجازة بس للأسف مش هقدر أجي



 _أنا مش عاوز أعطلك يا مريم...عارف إنك مشغولة مع الولاد والشغل ربنا معاكي...

بس برضه كنت عاوزك تيجي تتطمني علي فلوسك ماشيه إزاي.


 طالعته بلوم وسألته بإستنكار يحمل بعضٍ من الإنزعاج : 

 _إيه الكلام الفارغ اللي بتقوله ده؟!...

يا ابني إحنا أخوات مفيش بينا الكلام ده وأنت مشكور على اللي بتعمله معانا، يعني بابا ساب عليك الحمل بدري وأنا سافرت ورا شغلي ونادراً لما بسأل واحد غيرك كان طِمع في كل حاجه! 


 _متقوليش كده يا مريم ده واجب عليا أصلاً.



 هزت رأسها بتفهم وشكرته بإمتنان حقيقي فعاد هو ليستطرد حديثه قائلاً برجاء :

 _مريم!..

بالله عليكي لو عرفتي تنزلي انزلي عاوز أشوفك...حتي يا ستي علشان أشوف ولادك لإنهم وحشوني . 



 _حاضر والله هحاول...سلام بقي علشان محمد قرب يرجع من بره. 



 قالتها مودعة إياه بقبله في الهواء ثم أغلقت المكالمة ليتنهد هو في إشتياق هائل تجاه أسرته الصغيرة التي فرقتهم أشغال الحياة في بلاد عديدة...مسح علي وجهه عدة مرات وأرتشف بعض قطرات العصير وعاد من جديد لإستكمال أعماله. 



                    ❈-❈-❈             



 دلف مالك إلي حديقة منزله يجر قدميه من كثرة الإنهاك طوال اليوم فلمح والدته وشقيقته تجلسان على أحد الأرائك يطالعان إحدى مجلات التسوق  فألقي إليهما بتحية المساء وإستئذن ليخلد إلي النوم فأعترضت والدته طريقه :

 _استني يا مالك أنا عاوزه اتكلم معاك.



 إعتراض قائلاً بإرهاق جلي اتضح علي معالم وجهه : 

 _بعدين يا ماما أنا جاي تعبان. 



 فردت السيدة هالة بنبرة حازمه لا تقبل الإعتراض : 

 _قولت عاوزاك دلوقتي. 



 تنهد بإحباط واتجه للجلوس أمامها علي أحد الكراسي وسألها بهدوء : _ها يا ماما عاوزه إيه؟ 

 سألته هالة بنبرة جافة لا تحمل أي مشاعر :

 _مين البنت اللي كانت معاك امبارح في عيد الميلاد؟


 طالع شقيقته بضيق وقد تطاير الشر من سوداوتيه ليفهم إن شقيقته أخبرت والدته بأمر روان وبالتأكيد قد نصبوا له تلك الجلسة للتحقيق معه في أمرها ومن المؤكد أيضاً أن الحديث القادم لن يعجب أياً منهم فتسأل بحذر : 

 _قصد حضرتك روان؟ 



 نظرت إليه والدته وأردفت بنبرة لا تحمل سوي القرف والكبرياء : 

 _أنا ميهمنيش إسمها...أنا عاوزه أعرف هي مين؟ 



 إبتسم بسخافه ورد مازحاً :

 _إيه يا أمي هو تحقيق ولا إيه؟ 


 كانت الإجابة هنا من رونا التي كانت تتابع الحوار بصمت شديد فزمجرت بشراسة من بين أسنانها : _متغيرش الموضوع...مين روان؟ 



 نبرة شقيقة لم تروق له فصاح بها بحدة :

 _وأنتي مالك أصلاً؟ 


 _ولد!...

اتكلم كويس مع أختك الكبيرة ومتنساش إن أنا موجوده.



 نظر لوالدته بأسف وأردف مبرراً :

 _أنا آسف...

مش قاصد إني أقلل من حضرتك بس قولتلها امبارح إن روان بتشتغل معايا وحتي لما جيت اعرفهم ببعض الإستاذة اتكبرت تسلم عليها زي البني آدمين. 



 تفوه بجملته الأخيرة رامقاً شقيقته بضيق صريح فردت والدته ببرود مستفز :

 _وفيها إيه يعني كانت هتسلم علي السفيرة؟!...

بص يا مالك حوارك مع البنت دي مش مطمني مش بعد ما كنا مناسبين وكيل وزارة الصحة نناسب دلوقتي ناس أقل حاجه تتقال عنهم مش من مستوانا!



 طالع والدته بذهول حقيقي وقد أنعكس علي سؤاله : 

 _إيه اللي أنتي بتقوليه ده يا ماما ؟!

 _بقولك اللي سمعته عاوز تقضي معاها يومين أنا معنديش مشاكل غير كده انسي...

مش بعد كل ده تيجي حته جربوعه تنام وتتمتع في خيرنا!!...وإلا هاخد منك كل حاجه يا مالك!



 لم يصدق حقاً بكل ذلك الحديث المتدني الذي توفهت به والدته في حق روان كما أنه لا يقبل أبداً بأي شكل أن تُلقي إليه الأوامر كطفلٍ صغير فرد رامقاً كلياهما بغضب شديد :

 _أنا مش ولد صغير علشان تكلميه كده ولا أنا اللي يتنصب لي محكمة ويتحقق معايا، وكمان الإنسانة اللي بتقولي عليها أقضي معاها يومين دي أشرف من الشرف وأي حد يتمني بس إنها تبصله بعنيها بس مش تسلم عليه ولو هي فعلاً أقل مننا في الفلوس فيكفيها إحترامها وعزة نفسها وأنا مش عاوز غير كده!...تصبحوا علي خير. 



 ألقي بحديثه الأخير في وجههم واتجه صاعداً نحو غرفة أبنائه ليطمئن عليهم ثم يذهب لغرفته ليخلد في نومٍ عميق تاركاً إياهما خلفه كلاً منهما تتخبط الأفكار بين ثنايا عقلها عمَ ينتوي فعله بعد حديثه الأخير .


                 ❈-❈-❈               


 وقفت روان في اخر الصف بجانب الباب حتي تودع ضيوفهم في حفل عقد القرآن كانت تبتسم بتصنع في أوجه الناس فلقد نال الصداع من رأسها بالإضافة لسفرها في نفس اليوم مع عدم الراحة وحديث النساء الذي لم ينقطع طوال اليوم عن كونها مازالت عذباء!....


توجهت إلى غرفتها بدون أي حديث حتي تنعم بنوم هانئ لسويعات قليلة...


لاحظت الكثير من رسائل الواتساب الواردة إليها بعضها من مالك الذي يسألها عن أحوالها ككل يوم فأبتسمت بإرهاق ولكنها حسمت أمرها بعدم الرد عليه والإبتعاد عنه تماماً حتي تعلم بنواياه ،وقامت بالإتصال بمجد الذي لم يرد من المرة الأولى بعكس عادته فعلمت أنه قد خلد للنوم للتتنهد في إحباط ولم تمر بضع ثوانِ حتي تعالَ هاتفها بالضجيج ليعلن عن وصول إتصال ما...



فتحت الخط ليأتيها صوت الطرف الآخر متحشرج من آثار النوم فردت معتذرة بأسف :

 _آسفه جداً بس لسه مخلصه وقولت اشوف هتحتاجني بكره ولا لا ؟ 



 أتاها صوت الطرف الآخر يحذرها من السفر والقيادة في وقت الظلام فهمهمت بتفهم : 

 _متقلقش هخرج الفجر هيكون النهار طلع، وإن شاء الله نتقابل بكره في النادي...تصبح على خير!



 أغلقت الخط ليعاجلها إتصال آخر من مالك فترددت قليلاً في الرد ولكن سرعان ما ذكرت نفسها بكونها فعلت كثيراً من الأشياء الخاطئة بعدما عرفته فأغلقت الهاتف واتجهت للنوم لتخلد في نومٍ عميق إستعداداً ليومٍ شاق آخر


.                               ❈-❈-❈ 


  قذف مالك الهاتف بعنف علي الأريكة فقد اعتراه بعضٍ من الضيق حينما لم ترد على مكالمته كما لم ترد على رسائله أيضاً بالرغم من كونها متصله بشبكة الإنترنت...



تمتم لنفسه ببعضٍ من الإنزعاج :

 _يا تري مبتردش ليه دي كمان ؟ 


 تمدد علي الفراش واضعاً إحدى ذراعيه أعلي رأسه وأخذ يفكر فيما حدث مع والدته وشقيقته، وقد أنزعج بشدة مما فعلته الأخيرة معه "فكيف تختلق الأكاذيب في حقه وحق روان!...


نعم لا ينكر أنه بات متعلقاً بها وبأدق تفاصيلها وربما انكشف أمره أمام شقيقته كما انكشف أمام صديقه ،لكنه لا يدرك حقاً أي ذنبٍ أرتكب حتي يقابلوا فكرة زواجه منها بكل ذلك الرفض والإباء بل وأيضاً تهديد والدته بسلب الميراث منه، فالفتاة حقاً لا يُعيبها أي شئ بل إنها علي قدر عالي من الذكاء والنجاح بل والأهم من كل ذلك كونها تمتع بقدر عالي من الأخلاق فكلما سأل عن أخلاقها وجدها تلقي الإعجاب والإشادة من الجميع بالرغم من أنها إنطوائية تعيش بمفردها في بلدٍ غريب ، فما العيب بها إذن!..


مهلاً مالك إنها الفوارق الإجتماعية اللعينة!... 

لكن للحقيقة مَنْ من حقه رفض مَنْ؟!...


أيرفض الأرمل البائس ذو الطفلين تلك العذراء الناضجة ذات الكبرياء؟!...

أم هي مَنْ لها حق الرفض؟!...

فبتأكيد لن تترك صديقها الغني الوسيم الذي يلازمها كظلها تحت بند الصداقة وتوافق على الزواج منه فحتماً سترضخ لمجد الذي وإن وضع معه في مقارنة بالتأكيد سيفوز عليه بإكتساح!...



حدث نفسه ساخراً :

 _مين اللي من حقه يتنطط علي التاني يا أمي؟!...ياريتها هي اللي توافق! 



 حسم أمره بالتحدث معاها في أقرب فرصة عما إذا كانت مرتبطة بذلك اللزج أم لا!...

فلو كانت تميل إليه بأي شكل من الأشكال لابد من أن ينهي تلك العلاقة فوراً فهو لن يتحمل أبداً مرارة الفقد بعد التعلق مرة أخري!      

   

❈-❈-❈ 


 في صباح اليوم التالي وصلت روان إلي مقر النادي المقرر أن تحدث فيه المقابلة، تثأبت عدة مرات وكاد النعاس أن يتمكن منها فهي لم تنم سوي بضع سويعات قليلة في اليومين الماضيين بالإضافة إلى قيادتها لثمانٍ ساعات في أقل من يوم...


ترجلت من سيارتها وعبرت من بوابة النادي، واتجهت للجلوس بالمقهي المقابل للمسبح...


طلبت فنجان قهوتها وبدأت في إحتسائه بهدوء في محاولة بائسة منها لطرد النعاس الذي قارب أن يتمكن منها...


لاحظت حدوث مشادة كلامية بين إثنين من الصبية ففضلت المشاهدة بتسليه ولامبالاة ولكن الوضع لم يدم سوي بضع ثوانِ حتي انهال أحدهما علي الآخر بالضرب فسقط الأخير علي الأرض متألماً نظراً لبنيته الجسدية الضعيفة مقارنة بالأخر فهبت هي مسرعه للفصل بين الولدين، ولاحظت أن الولد المضروب قام بإخراج قطعة من الحجر ليؤذي بها الأخر فصاحت به في إنفعال فأنتبه الأخر وفر هارباً وقد حضر مجد وأحد أفراد الأمن :

 _ولد!.

..أنت بتعمل إيه؟...

هات الحجر ده من إيدك. 




 نظر إليها الصغير بغضب والشر يتطاير من عينه بالإضافة إلى دموعه التي تسيل فصاح في وجهها بقهر : 

 _مسبتنيش أقتله ليه؟!



 نظرت إليه بصدمه وتدلي فكها لأسفل فكيف لصبي لم يتجاوز العاشرة من عمره أن يعرف القتل...

سيطرت على نفسها وأشارت لرجل الأمن بالإبتعاد قليلاً بعدما رأت إرتجافه ثم أخذت الحجر من يده وطمأنته بهدوء لتُهدأ من روعه : _متخافش مش هسيبهم ياخدوك بس بشرط تقولي بتتخانقوا ليه؟!...

وليه عاوز تقتله؟...

تمام؟ 



 طالعها الولد بشك لاحظته هي فأبتسمت له بتشجيع بمعني لا تقلق فسألها بترقب وبراءة طفولية : 

 _يعني مش هتقولي للناني؟! 


 هزت رأسها بنفي :

 _قولتلك مش هقول لو قولتلي الحقيقة، وده وعد!


 أومأ الصغير برأسه وتحدث من بين بكائه : 

 _دايماً بيقولي إن ماما هربت علشان مش بتحبني وهتتجوز واحد تاني وتسبني أنا وزين!



 رق قلبها لبكائه فمسحت بكفها دموعه وسألته بتوجس :

 _طب ومامتك عملت كده فعلاً ؟! 



 هز رأسه بنفي وعادت دموعه تهطل من جديد : 

 _لا هي ماتت.


 دمعت عيناها بقوة علي حالة الصغير وترددت قليلاً في ضمه إلي صدرها ولكنها حسمت أمرها وضمته إليه وربتت علي ضهره ثم ابعدته عنها قليلاً ونظرت في عينيه مباشرة قائلة بحنان :

 _بص يا حبيبي...مامتك في مكان أحسن دلوقتي...هي عند ربنا في الجنة إن شاء الله وده مكان حلو اوي كلنا بنتمني نروح هناك علشان نكون مبسوطين...

بس مامتك كده زعلانه وهي شيفاك بتعيط وبتتخانق أنت يرضيك تزعلها ؟!



 هز رأسه بنفي ونكس رأسه لأسفل فسألته هي بترقب :

 _يعني خلاص هتضحك وتبطل خناق معاه ولو ضايقك هتقول لحد كبير؟! 


 أومأ بنعم ثم عاد يسألها بخوف : 

 _هتقولي لبابا ؟!



 ضيقت عينيها بإستغراب من سؤاله ونظرت لمجد بإستفهام الذي يتابع الموضوع بصمت وقد صرف فرد الأمن فأبتسم لها مشجعاً فعادت تسأله بحذر : 

 _هو باباك بيضربك. 


 _لا مش هو بس الناني اللي هتضربني.



 شعرت بالصدمة من حديث الولد فكيف للمربية أن تقوم بضربه...

ترددت قليلاً خوفاً من إحراجها بالتدخل في أمر لا يعنيها ولكنها حسمت أمرها في مساعدته لأنها لطالماً احتاجت بمن يقف بجانبها ولو حتي بكلمة واحدة : 

 _قولي إسمك وإسم باباك وأنا هساعدك.


 سارع بالنفي قائلاً بخوف : 

 _لا لا



 _لا ليه مش أنا وعدتك إن الأمن مش هياخدوك ومحدش خدك وعمو مشاهم؟!



 هز رأسه بنعم وقبل أن يجيبها قاطعه صوت نداء والده من الخلف : _كريم! 

 رفعت روان رأسها حينما تفاجئت بذلك الصوت الذي حفظته عن ظهر قلب في الآونة الأخيرة وتمتمت بذهول :

 _مالك!! #


يتبع