الفصل السابع - أشواك وحرير
لماذا احزن !
فأنا خسرت قلباً لم يكن يُحبني
هو منْ عليه أن يحزن فقد خسر قلباً تنفسه عشقاً
"مقتبس"
مساء يوم عيد الميلاد
طرقت ميرا بهدوء علي باب غرفة والدتها التي عادت للبلاد منذ خمسة أيام...هذا الأمر ما أشعرها بالسعادة فلقد أتسعت الفجوة بينهما في الفترة وعودتها في مثل هذا الوقت أعادت لميرا الأمل من جديد بترميم المتبقي من علاقة الأم بإبنتها ولكن كان للسيدة صفوة رأيٌ آخر فطوال الخمسة أيام كانت دائماً ما تقضي أغلب أوقاتها خارج المنزل معلله بذهابها للتسوق مع إحدى أصدقائها من ذوات الطبقة المخملية...هذا الأمر ما أزعج ميرا بشدة وأرهق تفكيرها فما سبب إبتعاد والدتها عنها في الآونة الأخيرة...سمعت صوت والدتها من الداخل تأذن لها بالدخول فدلفت للداخل بثبات وألقت بتحية الصباح مع إبتسامة عريضة زينت ثغرها الوردي :
_مساء الخير.
ثم ضيقت عينيها وسألتها مسرعه بترقب حينما وجدتها ترتب أغراض حقيبتها :
_حضرتك خارجة ؟
تنهدت صفوة بعمق وردت بهدوء :
_مساء النور..أيوه خارجة.
ثم اتجهت نحو الأريكة وقامت بحمل إحدى الألواح المغلفة بغطاء لامع معقود حوله رابطة بشكل رقيق وجذاب ثم أخرجت من حقيبتها مفتاح كبير نوعاً ما يبدو مفتاح لإحدى السيارات الحديثة وقدمتهم إلي إبنتها قائلة بود متكلف نوعاً ما :
_اتفضلي يا حبيبتي...كل سنه وأنتي طيبه..دي هدية عيد ميلادك.
تناولتهم ميرا بسعادة ووضعتهم علي الفراش جانباً واحتضنت والدتها بسعادة حقيقيه :
_وأنتي طيبه يا مامي..أنا فرحانه جداً إنك معايا النهارده.
ربتت صفوة علي وجنتها ثم أخبرتها موضحه :
_مازن قالي إنك عاوزه تغيري العربية فأنا غيرتهالك..بس الهدية التانية افتحيها في أوضتك!
اومأت ميرا وسألتها بترقب :
_تمام..هو حضرتك مش هتحضري ؟
اعتذرت صفوة :
_لا آسفه مش هقدر أحضر.
_ليه؟!
ردت عليها بنفاذ صبر :
_مشغولة يا ميرا.
فتوسلت إليها برجاء :
_ممكن علشان خاطري تحضري وتأجلي شغلك ده لوقت تاني.
_سبيها على راحتها يا ميرا...مامتك لو فاضيه مش هتتأخر عنك.
كان هذا صوت جدها الذي دلف لداخل الغرفة مباشرة حينما سمع حديثهم الأخير..فتنهدت صفوة براحة وكأنه بتدخله قد أُزيح عنها حِملٌ ثقيل!...بينما همت ميرا بالإعتراض :
_بس يا جدو...
فقاطعها بصرامة :
_مفيش بس سبيها تشوف وراها إيه.
ثم أكمل موجهة حديثه إلي زوجة ابنه الراحل :
_اتفضلي يا صفوة عشان متتأخريش ولينا كلام مع بعض!
اومأت الأخيرة برأسها ثم توجهت للخارج بدون أن تتفوه بأي كلمة فنظرت ميرا لإثرها بصدمة وعادت بأنظارها لجدها وسألته بريبة وقلق :
_هو فيه إيه أنتو مخبيينوا عني ؟
أخذها في أحضانه مباشرة وربت علي ظهرها بحنان :
_كل سنه وأنتي طيبه يا حبيبتي...افرحي وانبسطي النهارده وملكيش دعوه بصفوة سبيها علي راحتها متضايقيهاش...وأنا هبقي اتكلم معاها!
❈-❈-❈
ارتدت روان فستان بسيط من اللون الرمادي الداكن طويل يصل إلى كاحلها وتصل أكمامه إلي بعد مرفقيها بقليل ولم تضع أياً من مستحضرات التجميل طالعت نفسها بالمرآة ببعضاً من الرضي ثم طالعت ساعة الحائط لتجد الساعة تعلن عن العاشرة مساءاً فزفرت بحنق :
_اتأخر ليه ده؟!..ولما هو هيتأخر موافقش ليه اروح لوحدي وخلاص؟!
ثم سمعت رنين هاتفها فأتجهت للرد مسرعه لتجده مجد ففتحت الخط ليأتيها سؤال من الطرف الآخر يسألها رهدوء مباشرة إذا كانت عادت للبيت أم لا فردت ببعض من التردد :
_لا ما هو..ما هو الحفلة لسه مبدأتش أصلاً.
تعجب من جملتها فكيف لحفلة عيد ميلاد ألا تكون بدأت من الأساس في هذا الوقت فلقد ظنها في منزل الفتاة...ثم سألها بتوجس عما إذا كانت الحفلة في أحد البارات الليلية أم لا فردت عليه بصدق أنها حقاً غير متأكدة فبالرغم من إمتلاكها لموقع الحفل إلا أنها عندما فتحته وجدته كافيه مقترن به أحد البارات الليلية ويحمل نفس الإسم ويالتيها لم تخبره فلقد أيقظت الشياطين بداخله فسألها بغضب ماذا تعني بكونها لا تعرف "هل جُنت تلك الفتاة ؟!..بالطبع جُنت بكونها ذاهبة بمفردها لمكان لا تعرفه من قبل في وقت كهذا فمن المؤكد أنها ستعود في ساعة متأخرة بعد منتصف الليل بالإضافة أن أصحاب ذلك الحفل مازالوا غرباء عنهم "...أخبرها بأن تنتظره فهو سيأتي معها لذلك الحفل الغامض فطمأنته أنها لن تذهب بمفردها :
_اهدي بس..ما هو أنا مش هروح لوحدي ومالك هيعدي عليا.
فأخبرها بهدوء ألا تذهب مع ذلك المدعو مالك فهو مازال غريباً عنهم كما أنه غير مطمئن له وهو من سيأتي ليُقلها إلي هناك...فرفضت رفضاً قاطعاً وبعد عدة محاولات أخبرها بكل صرامة أن تفتح الـ GPS الخاص بهاتفها وأنه سيبعث لها برساله كل بضع دقائق ليطمئن علي أحوالها فردت عليه بتهكم :
_إيه مش هتحضر لي اللبن كمان اشربه لما ارجع.
قابل سخريتها ببعض من الضيق ورد عليها بهدوء معاتباً :
_أنا مش قصدي أخنقك يا روان لأنه لا طبعي ولا أسلوبي...بس كل الحكاية إني عاوز اطمن عليك إنك مش هتتعرضي لموقف زي اللي حصلك قبل كده.
صمتت بضع ثوانِ ثم ردت عليه بندم :
_أنا آسفه..أنا مقدرة والله إنك خايف عليا بس اديتلهم كلمه ولازم اروح ،وعموماً يا سيدي هفتح الـ GPS ومتقلقش مش هكون لوحدي.
سمعت قرع أبواق سيارة في الأسفل فأتجهت ناحية الشرفة للتأكد من كونه مالك وعندما وجدته ودعت مجد وأخذت حقيبتها متجهه للأسفل بعجل حتي لا تجعله ينتظر في الشارع !
❈-❈-❈
منذ بعض الوقت في منزل مالك
_بابي أنا عايز اجي معاك.
قالها زين برجاء طفولي لوالده بعدما تبعه للخارج...فأنحني مالك علي ركبته حتي يصل لمستوى طفله ومسح على خده بحنان :
_مش إحنا قولنا مينفعش تيجي معايا؟!
اومأ له الصغير بحزن ورد مبرراً ببرائة :
_بس كده ميرا هتزعل مني.
قبله مالك علي وجنته :
_لا ميرا مش هتزعل لأنها عارفه إن عندك مدرسه الصبح ،وبعدين مش أنا قولت إن الأطفال اللي في سنك مينفعش ييجوا مكان زي ده.
أومأ الصغير مجدداً بتفهم ثم أخرج إحدى زهور التوليب الحمراء من جيبه وقدمها لوالده :
_طب اديها دي وقولها من زين.
ضحك مالك بقوة علي طفله الصغير المُعجب بميرا ويردد مرراً وتكراراً بأنه سيتزوج منها حينما يكبر نظراً لجمالها الشديد بالإضافة لمداعبتها له طوال الوقت وأردف من بين ضحكاته :
_ده أنت كده ناوي على قتلي النهارده.
ثم أخذها منه ووضعها في أحد جيوبه ومسح على رأسه بحنان :
_أوامرك يا بطل..بس يلا بقي اطلع نام وسبني امشي علشان متأخر علي الناس .
فقبله علي وجنتيه وصعد السلم مسرعاً متوجهاً إلي غرفته حتي ينضم لأخيه النائم بلا مبالاة..أو هكذا كما يظنون!!
❈-❈-❈
خطت نحوه بخطوات سريعة إلي حد ما لكنها كانت واثقه ثابته للغاية جعلته يطلق صفيراً عالياً مجرد أن اقتربت منه ليعبر عن إعجابه بطلتها الساحرة التي تسحب الأنفاس...فأبتسمت إليه بخجل ولم تعلق...ثم همت بالحديث فقاطعها مسرعاً بمزاح :
_عنك أنتي...والله ما أنتي قايله...أنا قليل الذوق وإنسان مستهتر ومش بحترم مواعيدي.
ضحكت علي حديثه بقوة حتي أظهرت صفاء أسنانها،ولم تصدق حقاً كونها باتت مكشوفة أمامه لهذه الدرجة ثم ردت بضحك مستنكره :
_ بس أنا كنت هسألك هو إحنا رايحين فين ؟
سألها بتعجب :
_أنا بعتلك اللوكيشن...أنتي ليه مشوفتيهوش؟!
_شوفته بس المكان ده كافيه وفيه بار كمان صح ؟
هز رأسه بإيجاب وأجابها بهدوء :
_أيوه وإحنا هنروح البار...لو مش حابه تيجي براحتك مفيش حد يقدر يغصبك علي حاجه.
توترت قليلاً ولكنها حسمت أمرها بالذهاب معهم فلقد أرادت أن تجرب شعور أن تكون محاطه ببعض الأصدقاء حتي وإن لم يكونوا أصدقائها حقاً لكن هذا لا يمنع من شعورها بهم حولها والتنعم بقربهم...ستسمتع فقط بالموسيقى وتجلس في جانب بمفردها وبالتأكيد لن يحدث لها شئ..فالتخوض التجربة إذن...ربطت حزام الآمان وردت عليه بإصرار :
_لا هاجي...أنا اديتها كلمة وبصراحة كمان حابه اغير جو.
لم يستطع أن ينكر سعادته بموافقتها علي الذهاب معه ولقد باتت تصرفاته غريبه حقاً في الأيام الأخيرة وآخرها قلبه الذي بات يقرع كالطبول فرحاً برؤيتها أو الحديث معها عبر الهاتف المحمول يومياً قبل خلودهم للنوم وما زاد من سعادته أيضاً أنها بدأت تذيب الجليد من حولها وتتعامل معه بتلقائية...هذا الشعور لم يكن غريباً عليه بالطبع ولكنه يخشي الإعتراف به حتي بينه وبين نفسه ،ولكنه أيضاً يريد التمتع بهذا الشعور أكبر قدر ممكن من الوقت...إستدار إليها ورسم إبتسامة عابثة علي محياه :
_كنت متأكد إنك هتلبسي فستان طويل!
ضيقت عينيها بإستغراب وسألته مستفسره :
_اشمعنا ؟!
أجابها بغزل صريح ولا زالت تلك الإبتسامة العابثة تزين ملامحه الوسيمة :
_لأن الجميلات مش بيحتاجوا يتعروا علشان يظهروا جمالهم!!
أحمرت وجنتيها بخجل شديد عقب إطراءه الأخير ولاحظ هو ذلك فأبتسم في نفسه ،ولكنها سرعان ما استعادت بعض من شجاعتها فسألته بمرح مصطنع يشوبه بعضاً من التحفز الخفي :
_ده أنا بتعاكس بقي ؟
فسألها بإستنكار مصطنع :
_هو ممنوع ؟!
_لا مش ممنوع بس استحمل اللي يجرالك بقي!
قالتها بنبرة غامضة رافعه إحدى حاجبيها بتحذير ولاحظ هو تمسكها بحقيبتها بإستماته...بالرغم من إبتسامتها أثناء حديثها كما لم تكن نبرتها جافه لذلك الحد الذي يوحي بالخطر ولكنه إستشعر جديتها حقاً..فكانت روان من الأشخاص الذين يظهر علي وجوههم مشاعرهم الداخلية تجاه مْن أمامهم حتي وأن حاولوا تتزيف ملامحهم!..فظن إنها مجنونة لأن الأمر لا يستدعي كل ذلك!!..وقد تذكر أمر الصاعق الكهربي فأبتسم لها بتوتر وأكمل طريقه في صمت.
❈-❈-❈
دلفا إلي الفناء الداخلي للبار لتلاحظ روان مجموعة كبيرة من الشباب الذين لم يتجاوزوا عقدهم الثاني بعد!.. يتمايلون علي أنغام الموسيقى الصاخبة بصحبة إناث أقرب للشبه بالعاهرات يتمايلون بطريقة مقززة تحت لمسات الشباب..تلك اللمسات أشعرت روان بأنها خناجر حادة تصيب جلدها هي فتدميه بلا رحمه...بينما مجموعة آخري استولوا على ركنٍ هادئ لكي يحتسوا الخمور التي ومن الواضح قد ذهبت بعقولهم...ومجموعة آخري يتبادلون القبل بشكل يُصيب المعدة بالغثيان...ترددت في إكمال خطاها فلاحظ مالك ذلك ليتأكد حدثه بأنها لم تدخل تلك الأماكن من قبل...حدثها بنبرة مرتفعة قليلاً بجانب أذنها حتي تستمع إليه :
_متخافيش..أنتي معايا ،ومتركزيش مع حد غيري.
تعلقت في مرفقه بحركة سريعة وحدثته بإستعطاف :
_لو سمحتم خليك معايا.
أصابه الذهول من حركتها الجريئة عليها والمتناقضة تماماً مع إنزعاجها منه منذ قليل من مجرد غزل لفظي برئ!... فعلم أنها تعاني من ذلك المكان الغير مألوف بالنسبة لها فربت علي كفها بكفه الآخر وسحبها ناحية أصدقائه.
❈-❈-❈
لم تلاحظ ميرا طلتهم الغريبة فكان ذهنها منشغل بتصرفات والدتها في الفترة الأخيرة بالإضافة لحديث جدها أيضاً بأن تتركها كما يحلو لها ولا تعكر صفوها !!...اقتربت منها روان وصافحتها ببسمه هادئه وقدمت لها هديتها متمنيه ليها أعوام مديدة..فبادلتها ميرا إبتسامة مجاملة حتي أنها سلمت علي مالك بفتور لاحظه هو عندما أعطاها زهرة زين!...ثمعاد ذهنها للشرود مجدداً فأقتربت منها إحدى صديقاتها ولكزتها في ذراعها حتي تنتبه لها فتذمرت ميرا بحنق :
_ايه يا ميرنا ؟!
سخرت صديقتها وسألتها بإمتعاض :
_لا ده أنتي مش معانا خالص!.. إيه اللي جاب روان دي هنا.
ردت ميرا بهدوء محركه كتفيها لأعلي ولأسفل :
_هي تبقي شريكة مازن ابن عمي فعزمتها.
اقترحت عليها الأخري بخبث :
_إيه رأيك لو نروق عليها ؟
ضيقت ميرا عينيها بعدم فهم :
_يعني ايه ؟..مش فاهمه.
لم ترد الآخري بل بادرت بإخراج إحدى الحبوب من حقيبتها مما دفع ميرا للإستغراب :
_إيه دي ؟!
تحدثت ميرنا بفحيح شيطاني :
_حباية هلوسة...هنحطها في العصير وشويه وهتقلب قر..
قاطعتها ميرا بإنفعال :
_أنتي اتهبلتي؟!..أنا مستحيل اعمل كده.
فردت ميرنا ببرود مستفز حتي تسكب البنزين علي النيران :
_وليه مستحيل؟!..مش دي اللي هانتك قصاد الدفعه؟!..أنا غلطانه يعني إني بجيبلك حقك!
قالتها وانصرفت بإنزعاج مصطنع فحركت ميرا يدها في آثرها بلامبالاة وتمتمت ببعض الكلمات التي تحمل الضيق.
علي الجانب الآخر اقترب مازن وجلس بجانب روان فأراد أن يتأكد مما يدور بخاطر صاحبه تجاهها فهو لاحظ تصرفاته الغريبة في الأيام الأخيرة...فكان شبه متأكد من أن صديقه يكن لها بعض المشاعر وبالتأكيد يأبي الإعتراف بها لإنكاره الشديد بأن يقع في الحب بعد وفاة حبيبة حبه الأول والآخير كما يعتقد مالك!..وجه مازن حديثه إلي روان التي كانت تنظر في هاتفها تاره وتاره أخري تتصنع الإبتسام والإندماج في الأجواء حتي لا تبدو عليهم غريبة الأطوار...أجلي مازن صوته حتي يتأكد من سماع مالك لحديثه قائلاً بعبث :
_تعرفي إن الفساتين أحلي عليكي من الفورمال!
توردت وجنتيها بخجل وقبل أن ترد عليه...بادر مالك قائلاً بفظاظة وضحكة صفراء :
_خليك في حالك لأنها مش بتحب حد يعاكسها.
ابتسم مازن بداخله ولكنه أراد إستفزازه أكثر فسأله ببرود ساخر :
_مش لما تخليك في حالك أنت الأول؟!..أنا بكلمها هي.
ثم مد يمينه لها مطالباً إياها بالرقص معه وقبل أن تستوعب روان طلبه بادر مالك مره آخري ولكن بغيظ أكبر تعجبت له روان بينما جعل مازن يضحك عالياً :
_هي مش بتعرف ترقص ولو بتعرف مش هترقص مع حد غريب.
سمع ثلاثتهم صوت رجالي لزج لم يكن سوي لأمجد ابن خال مازن :
_ما تسيبه يرقص معاها يا عم ومتبقاش قاطع أرزاق.
نظر له مالك بقرف ولم يتفوه بكلمة بينما لعن غباؤه بداخله على حنقه الواضح للعيان فبتأكيد افتُضح آمره بالإضافة إلى تلك المتهورة التي من الممكن أن تقوم بإحراجه أمام أصدقائهم...ثم عاد يحدث نفسه بثقه بكونها لن تفعل ما يحرجه أمامهم فهي ليست بالغبية أو عديمة الذوق...كما أنها بغضت مشهد الرقص عندما دلفت للداخل وسرعان ما صدق حدثه عندما اعتذرت لمازن مؤكده علي حديث مالك...فنظر مازن للآخير بخبث فسارع الآخير بإشاحة وجهه للطرف الآخر مما جعل مازن يضحك عالياً واتجه نحو ابنه عمه حتي يعلم ما يصيبها .
❈-❈-❈
وصلت رونا إلي الحفل منذ بضع دقائق...لمحت شقيقها يجلس مع فتاة غريبة عنهم لم ترها من قبل ولكنها لم تهتم كثيراً وظنتها لا تمت لأخيها بصلة فأتجهت نحو ميرا وصديقتها ميرنا فأبتسمت لها ميرا بود وبادلتها الأخري وقامت بتهنئتها بعيد ميلادها...بينما الأخرى ميرنا لم تكتفِ بالحديث عن روان وعادت من جديد تلح علي ميرا بوضع الحبة في كوب عصيرها مستغله وجود رونا التي تعلم تمام المعرفة "أنها شخصية غير سوية..حقودة..تحتقر الطبقات الإجتماعية الأقل منها"..فنظرت لها ميرا بتحذير من الدخول في هذا الموضوع مجدداً..فتسألت رونا بضحك :
_إيه يا شباب ؟!..ماتفهموني.
قامت ميرنا بسرد تفاصيل الموضوع وحياة روان بمفردها في بلد غريب.. ولم تنسي أن ترمي بخبث إلى رغبة روان الواضحة للجميع بالتقرب من مالك..ربما طمعاً في الحصول على ليلة ماجنة!!...أو ربما يتطور الوضع أكثر وتوقعه في شباك الزواج منها طمعاً في أمواله..إلي هذا الحد واكتفت كلاً من ميرا ورونا التي اتجهت مباشرة نحو شقيقها وتلك الآفه الجالسة بجانبه...بينما صرخت ميرا في وجه الأخري بإنفعال وكأنها كانت تنتظر تلك الفرصة حتي تفجر كل كبتها...لا تريد مجرد التخيل أن يصبح مالك ملكاً لغيرها مجدداً :
_أنتي اتهبلتي ولا إيه؟!..مالك مش هيتجوز غيري أنا...أنا المناسبة له وعمري ما هقبل يروح لغيري تاني.
بدت ميرا وكأنها تهلوس وكأن الخمر لعبت بعقلها..بالرغم من أنها لا تتعاطي الخمور..لمحت ميرنا مازن يقف خلف صديقتها فأدعت عدم رؤيته وأكملت سكب المزيد من البنزين على النار فسألتها بدهشة مصطنعة :
_طب ومازن؟!
ظلت الأخري علي حالتها العصبية التي تقريباً أفقدتها جزء ليس بالضئيل من وعيها :
_وأنا مالي بيه؟!...مازن ابن عمي ومش معني إنه بيساعدني يبقي أحبه!..مازن أخويا وابن عمي لكن أنا محبتش ولا هحب غير مالك!!
_مازن!!
قالتها ميرنا بذهول مصطنع...فكانت كالحرباء التي تتخفي من أعدائها ببراعه فأستطاعت تغيير ملامحها ببراعه يكاد الشيطان يقسم أنها بدت تلقائية..ألتفتت ميرا للخلف مسرعه فصدمت بملامح مازن الذي لم تره من قبل بمثل هذه الحالة إلا عند وفاة والديه...فقد كانت ملامحه مزينه بالآسي...الآسي وحده والخزلان ما استطاعت قرأتهم علي وجهه ونظره إنكسار أليمه جعلت من ملامحه مُسن نال منه قسوة الزمان وليس شاباً في أوائل الثلاثينات فتأكدت حينها بأنها قد خسرته وللأبد!!
كانت كل كلمة تتفوه بها بمسابة خنجر حاد مسموم يطعن في قلبه بلا رحمه...كان بالطبع شبه متأكد من كونها تضمر مشاعر الحب لرفيقه فالتشكك في أمر يجعلنا كالشخص الذي يشعر بالأرق ويحتاج بشدة للنوم وعندما يخلد إلي سريره يصبح كالنائم علي قطعة من نبات الصبار فتملئ جسده بالأشواك ويتألم وبالرغم كل ذلك مستمر في تألمه أملاً في تخدر جسده حتي يستطيع النوم ولكن هذا الشعور كان أهون بكثير لدينا من سماع قسوة الحقيقة المره...الآن أصبح متأكد أنه لم يكن يعني لها سوي مجرد عابر سبيل حتماً ستنتهي صلاحيته....اتجه للخارج مسرعاً دون أن يتفوه بأي كلمة فأتجهت خلفه مسرعه تحاول اللحاق به دون أن تودع ضيفوها وكم كرهت أنانيتها معه في تلك اللحظة.
❈-❈-❈
كانت تفرك في جلستها بتوتر وتلعن نفسها بداخلها الآلاف المرات...لم يكن عليها أن تأتي لذلك المكان..إنه لايشبهها في أي شئ كل المتواجدين لا يشبهونها في الأساس لم تكن تلك شخصيتها... لطالماً تخوفت من الإحتكاك بالأغراب بل والراجل خاصة..."هل أنتي سعيدة الآن روان بمغازلة الرجال لكِ والإمعان في جسدك؟!..لربما تعرضتِ للتحرش من جديد أيتها الغبية..فهل تظنين إن ذلك الفستان الطويل يحجب أنظار الذئاب!!...هذا المكان يأتوه للبحث عن الأفعال الغير أخلاقية فلن يهتموا بما ترتدين...هل انتي سعيدة الآن بالخوض في هذه التجربة؟!...ليتني سمعت نصيحة مجد "...أصابها الرعب من التعرض لذلك الموقف من جديد فأمسكت بحقيبتها بسرعه ولاحظ مالك حالتها الغير منضبطه فسألها بإهتمام :
_أنتي كويسه؟!
هزت رأسها بعنف وتحدثت بثبات لا تعلم كيفما اتقنته الآن ربما كان بسبب عدم رغبتها الدائمة في إظهار إضطرابها أمامه أو أمام غيره :
_لا..بس المكان ده مضايقني وعاوزه امشي.
اتجهت رونا نحوهما ترسم إبتسامة مصطنعه وخبطت برفق على كتف أخيها فألتفت لها مالك :
_رونا!..مقولتليش ليه إنك جايه؟
_لأني وصلت البيت بعد ما أنت خرجت وتمارا قالتلي إنك مشيت.
طالعتها روان بفضول لاحظته الأخري وبادلتها هي بإشمئزاز من مظهرها المتدني من وجهة نظرها....لاحظ مالك عموم الصمت بينهما فأشار إلى رونا.."دي يا روان...رونا اختي الكبيرة "..ثم أشار إلى روان معرفاً عنها "ودي روان شريكتي "... مدت رونا يدها إليها قائلة بقرف واضح :
_أهلاً
فبادلتها روان بنفس القرف ولم تعقب...ثم إستأذنت بالرحيل فأصر مالك علي توصيلها وعندما رفضت روان معلله بأنها ستطلب سيارة اجرة من إحدى التطبيقات الإلكترونية الشهيرة فعارض مالك بصرامة معللاً بتأخر الوقت وهذا غير آمن ثم أخبرهم :
_تعالوا نقول لميرا إننا هنمشي علشان متزعلش.
❈-❈-❈
وصلت روان إلي منزلها فأرسلت رساله لمجد تطمئنه أنها قد عادت سالمة...اتجهت للأستلقاء علي سريرها وأخذت كعادتها تفكر في أحداث اليوم...حزنت من نفسها بشدة على ذهابها لتلك الأماكن مع رجلاٍ غريب...لقد أخطأت بشدة في حق أسرتها بل وحق نفسها وأخلاقها في البداية...بل الخطأ منذ البداية في التقرب من مالك..كيف كانت غبية ومتهورة إلي الحد الذي يسمح لها بالمبيت في شقته؟!..ألم يمكنها الرفض القاطع حينها والمبيت في أحد الفنادق بدلاً من الإنتظار في الشارع؟!...أخافت من النوم بمفردها في أحد الفنادق ولم تخف علي نفسها من مرافقة شابٍ غريب بمفردهما في شقه واحده بعد منتصف الليل؟!...يالكِ من غبيه متهوره روان...قسي عليها عقلها بشدة فدمعت عينيها ولعنت غبائها وتهورها..."هذه العلاقة تتجه نحو إتجاه غير صحيح...روان ولابد أن تنتهي!"...ثم عاد عقلها يردد"يعني أنتي هتنكري إنك فرحتي لما قالك شكلك حلو "...تذكرت مغازلته لها وغيرته عليها التي اتضحت للجميع فأبتسمت من بين دموعها واتجهت نحو المرآه تتطلع إلى إنعكاسها "هل فعلاً تبدو جميلة كما أخبرها؟!"..مما جعلها تضحك بسعادة علي إطرائه علي أنوثتها...وجوده وحديثه معها كل ليلة بات يشعرها بشعور تجهله لكونه غير مألوف بالنسبة لها لكنها لا تنكر أنه لذيذ كما لا تنكر أنه لطيف حقاً ولم يكن أبداً ذلك البغيض كما قابلته أول يومين!...ولكن سرعان ما تعكر صفو مزاجها عندما تذكرت أمر تلك الوقحة الغليظة المسماة بشقيقته!...عندما هاتفها يحي أثناء طريق العودة يخبرها بأنه تقدم لـ رانا ابنه خالهم وعليه السفر لحضور حفل الخطبة وكتب الكتاب...سألتها رونا بوقاحه "هو أنتي كل معارفك رجاله كده ؟! "...لم تتفهم روان سبب سؤالها هذا ولكنها غضبت بشدة..."ماذا تعني تلك الغبية بهذا السؤال"...كما أنها لم تفهم سبب إستقبالها الجاف لها ومطالعتها لها بإشمزاز واضح أشعرها بالتعري أمامها مما جعلها تتفحص ثيابها عدة مرات خوفاً من وجود أي خطأ بها أو بمظهرها... وبالرغم أن الحوار بينهم لم يتجاوز العشر كلمات إلى أن روان قد علمت بكونها غير مرحبٌ بها من قِبل رونا!
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي...أندفعت ميرا نحو حجرة مازن دون حتي أن تطرق الباب فوجدته مولياً ظهره لها يرتب بعض الأغراض في الخزانة واندفعت في الحديث قائلة بتردد :
_مازن إحنا لازم نتكلم.
ألتفت لها بعنف وصرخ في وجهها بإنفعال :
_أنتي إزاي تدخلي كده من غير إذن ؟!
لم تتفاجئ من الحالة التي اعترته عندما رأها فهي تعلم كم هو مجروح بسببها الآن فألتزمت الهدوء واعتذرت عن إندفاعها ثم سألته بإهتمام حقيقي :
_أنا آسفه...بس جيت أسألك أنت نمت فين إمبارح ؟!
نظر لها والشر يتطاير من عينه وسألها بضيق واضح :
_وده يخصك في إيه؟!...أنا حر.
_أنا...أنا بس كنت بطمن عليك.
_ليه شيفاني عيل صغير جايه تطمني عليه؟
قالها بسخريه لاذعه..فأعتذرت له بشدة وكادت أن تخبره بأنها لم تقصد شيئاً مما سمعه فقاطعها مدعياً الجهل عما تتحدث :
_أنا مش فاهم قصدك إيه...ومش فاضي أفهم.
اتجهت للخارج منكسة الرأس ولكنها توقفت أمام باب الغرفة حينما سمعته يستطرد حديثه :
_مجد الدويري مستنيك علشان التدريب...ومتشغليش بالك مش هتتعاملي مع روان خالص.
التفتت للخلف وابتسمت له بسعادة من كونه لازال يكترث لأمرها ويسعي لصالحها ثم سألته بأمل :
_هتيجي معايا صح ؟
طالعها بإستخفاف أستشعرته هي بينما لم تكن سوي نظرة وجع منه ثم أجابها ببرود وسخريه لاذعه :
_قولتلك مش فاضي... وبعدين هو أنتي لسه صغيره؟!...اتعلمي تعتمدي علي نفسك..أنا شوفتلك التدريب ده بس علشان خاطر عمي الله يرحمه!
هزت رأسها بأسي واتجهت للخارج تجر أذيال الخيبة...لقد كانت تعلم بالفعل بمشاعره نحوها لكنها لم تكن تأبه سوي لنفسها فقط والآن لا تدري لماذا تشعر بإحدى الصخور التي وُضعت على قلبها عندما استمع لحديثها فهي لم ترد أبداً أن تجرحه بهذه الطريقة القاسية فأغلي من امتلكته بعد والدها لا يستحق منها كل ذلك!!...ثم حدثت نفسها بأنه بالطبع سوف ينساها ويمضي في حياته أنها فقط مسألة وقت وبدأت بإقناع نفسها بهذه الفكرة لكن قلبها لم يرتاح أيضاً لتلك الفكرة فسالت دموعها علي وجنتيها مما أصابها الغضب لكونها لا تدري سبباً للبكاء فهذا في النهاية كل ما أرادت!...قابلت والدتها التي بدت في كامل أناقتها عند تقاطع السلم مع الممر الجانبي فسألتها والدتها عن سبب بكائها فقصت عليها ميرا كل ما حدث فسألتها الأخري بتهكم :
_بتعيطي ليه..مش دي الحقيقة؟!... خلاص سبيه بقي في حاله وخليك مع اللي بتحبيه!
قالتها صفوة ونزلت سلم الدرج بلامبالاة ولم تكلف نفسها عناء النظر لإبنتها بنظرة دعم واحده !!
#يتبع