الفصل الخامس والعشرون - مشاعر مهشمة
الفصل الخامس والعشرون
ما إن استمعت إلى غلقه باب المنزل حتى نهضت من مقعدها وتوجهت مسرعة إليه معترضة طريقه للدلوف لغرفتهما وهى تهتف باسمه
-عدى
التفت لها نصف التفاتة ورمقها بنظرات جامدة وملامح وجهه مازالت مشدودة وقال بجفاء
-نعم
وقفت امامه مباشرة وتكلمت بضيق لم يخفَ عليه من نبرة صوتها
-عايزه اتكلم معاك
قلب عينيه بنفاذ صبر وأردف بحنق
-أسيف أنا مفياش دماغ دلوقتى محتاج ارتاح عشان اصحى للشغل فايق
كاد يتحرك من امامها لتمسك بذراعه وهدرت بإصرار وإندفاع
-لأ مش هتنام قبل مانتكلم، انت ليه بقيت كده معايا، ليه معدتش بتفهمنى زى الأول، ليه كل ما آجى أكلمك فى حاجة انت معترض عليها بتزعقلى وتتعصب عليا، انت حتى مش بتعرف أسبابى مش بتتناقش معايا بالراحة، لو جوازنا من بعض هو اللى غيرك كده فأنا مش عايزاه، انا عايزه عدى اللى كان بيفهمنى وبيحس بيا من قبل ما اتكلم إنما اللى معايا دلوقتى ده انا بقيت بخاف منه وبقيت بخاف اتكلم معاه
انسابت دموعها من مقلتيها وأخذت نبرة صوتها تتحول للضعف مع كلماتها التى آلمت قلبه وجعلته يشعر بالندم لغضبه عليها ورفضه أن يستمع إليها ويتناقش معها بهدوء كما ودت منه وكما كان يفعل معها دائما، ليقرب يده من وجنتها فى محاولة لتهدئتها وأردف بهدوء
-أسيف أ..
أبعدت يده قبل أن يتلمس وجنتها وقالت ببكاء إزدادت حدته مقاطعة إياه
-مسألتش نفسك ليه مش عايزه حمل دلوقتى، أكيد مش هبقى عايزه أموت روح جوايا ولا أموت ابننا زى ما انت قولت
رمقها باهتمام ممزوج بالحزن لنشيج بكائها الذى أجهشت بالمزيد منه وهى تستطرد قائلة
-أنا خايفة، خايفة ومش بإيدى ودى حاجة مش جديدة بتكتشفها دلوقتى عشان تتعصب عليا بالشكل ده من غير ما تتكلم معايا، انت بدل ما تهدينى وتطمنى اتعصبت عليا وزعقتلى وسيبتنى ومشيت، ودلوقتى جاى مش عايز تكلمنى، طب أنا المفروض اعمل ايه، هتسيبنى كده يعنى، مش هتطمنى وتاخدنى فى حضنك وتقولى متخافيش أنا جمبك زى ما كنت بتعمل معايا
شهقاتها التى تخرج بين كلماتها وهى تبكى بتلك الطريقة أكثر ما يكرهه بحياته ولا يتحمل رؤيته نهائيا ليقترب بلمح البصر واحتضنها عنوة عنها ورغم اعتراضها فى بادئ الأمر ولكنها استسلمت بالنهاية لإحتوائه الذى لا تريد سواه بوقت كذاك ليهمس لها هو بنبرة نادمة بعدما شعر بها كفت عن المقاومة واستسلمت لعناقه
-بس يا حبيبتى متعيطيش عشان خاطرى، أنا غلطان أنا آسف، كان لازم اسمعك انتى عندك حق
تشبثت بقميصه قابضة عليه بيديها كعادتها فى محاولتها أن تستمد منه الطمأنينة والآمان اللذين لا تجدهما سوى معه وقالت بخفوت بصوت مهزوز مازال يحمل آثار البكاء بعد تنهيدة مطولة وهى تشدد بعناقه
-أنا خايفة أوى ومش عارفة اعمل ايه يا عدى، أنا مش عايزه انزله ولا عايزه أكسر فرحتك بيه، بس مش عارفة اتغلب على خوفى
مسد ظهرها بحنان وأردف بهدوء محفزا إياها على إخراج ما بجعبتها
-طب اهدى يا حبيبتى وعرفينى خايفة من ايه وانا معاكى اهو هسمعك ومش هتعصب عليكى
ابتعدت قليلا وهما مازالا متعانقين ليتسنى لها رؤية وجهه وقالت وهى تنظر بعينيه بخضراوتيها التى تندلع منهما الخوف رادفة بإيضاح وهى عاقدة حاجبيها
-خايفة من وجود جنين جوايا بيكبر وخايفة من الولادة ومن انى مقدرش اتحمل الوجع، خايفة بعد ما اولد من انى هبقى مسؤولة عن طفل وخايفة معرفش اتعامل معاه أو اعمل حاجة غلط يجراله حاجة بسببى، خايفة يضيع منى زى مانا ضعت من اهلى، خايفة من حاجات كتير يا عدى
رفع أحد يديه عن ظهرها مملسا فوق وجنته بلمسات رقيقة وكفكف عبراتها ثم همس لها برفق
-أنا معاكى يا أسيف هنعدى كل ده مع بعض، انتى مش بتثقى فيا ؟
هزت رأسها بإيماءة صغيرة وجاوبته مؤكدة بهدوء
-ايوه يا عدى، انا مش بثق فى حد قدك
ابتسم برضا على ما قالته واحتوى وجنتيها بيديه وردد داعما إياها بنبرة خافتة بثت القليل من الإطمئنان لقلبها
-يبقى خلاص مش عايزك تخافى من حاجة يا حبيبتى، كل ده انا هبقى معاكى فيه ومش هسيبك لواحدك، وصدقينى مع الوقت لما تحسى بيه جواكى بيكبر هتبقى مستنية الأيام تعدى بفارغ الصبر عشان تشوفيه وتلمسيه بإيدكى، احساسك بيه وهو فى حضنك هيمحى أى خوف جواكى، وبعدين انتى مش عايز تجيبى ولد يبقى قمر كده شبهى
ارتسمت ابتسامة صغيرة فوق ثغرها وأجابته بخفوت
-عايزه
ابتسم باتساع مظهرا غمازتيه واستطرد بلطف وهو يقرص وجنتها مداعبا إياها بإصبعي السبابة والإبهام
-أنا بقى عايز بنوتة تكون واخدة جمال الدنيا كلها شبهك كده
اتسعت ابتسامتها هى الأخرى بينما جذبها هو محتضنا إياها مجددا وتمتم بأذنها بعاطفة ونبرة صادقة
-أنا بحبك اوى، معدتش هتعصب ولا هزعق تانى أنا آسف بجد يا حبيبتى، مش هتلاقى بعد كده معاكى غير عدى القديم، وأرجوكى متقوليش تانى انك بقيتى تخافى منى، أنا ممكن اتحمل اى حاجة إلا انى اشوف خوف فى عينيكى منى يا أسيف
أشعرتها كلماته براحة غمرت كيانها ولم تبتعد الإبتسامة عن ثغرها لتقول بنبرة ناعمة ودلع قليلا ما تظهره معه
-معدتش تزعقلى ومش هخاف منك
رغم تطرق نبرتها الناعمة المغربة لحواسه لأذنيه وخلفت رغبة بها ولكنه لم يرِد إرهاقها، ابعد رأسها عن كتفه وأردف بحنان وملامح تعتريها العشق
-حاضر، ويلا بقى عشان ننام لإن انتى محتاجة ترتاحى بعد البهدلة والعياط ده
أومأت له بالموافقة وسارا معا متوجهين لغرفتهما ليتذكر رغبته فى الاستحمام ليصدح صوته بغتة قائلا بنزق
-عايز أخد شاور قبل ما انام إيه رأيك ناخده سوا
توقفت عن السير ورمقته بغيظ فلتوه أخبرها أنها تحتاج للراحة والآن يعرض عليها أن يستحما معا ومؤكد لن يخلو الأمر من عبثه الدائم معها ليرمش بعينيه بإدراك لما قاله وابتسم بحرج وقال متراجعا عما قاله باستسلام مضحك
-خلاص هخده لواحدى نامى انتى
ابتسمت على طريقته وحركت رأسها بإنكار بينما حاوط هو كتفيها وهو يضحك أيضا وتابعا سيرهما للغرفة
❈-❈-❈
خرج من غرفة تبديل الثباب وهو يعدل من هندام سترته متوجها نحو زوجته الجالسة بشرفة الغرفة مغمضة العينين تتنعم بالنسمات الربيعية الباردة التى تلفح بشرتها، جلس على مقعد بجانبها لتفتح هى عينيها عندما أحست بوجوده بجانبها وتحاشت النظر إليه وملامحها تعتريها العبوس، ليتنهد هو بضيق وتساءل بنبرة هادئة
-هتفضلى مقموصة منى كتير ؟
التفتت له وتظاهرت بالغرابة وقالت بعكس ما يعتريها نافية ما قاله بوجه جامد
-أنا مش مقموصة
رفع أحد حاجبيه وقال بسخرية
-لأ واضح
تنهد مطولا وهو مازال ينظر إليها مستجمعا هدوئه وأخبرها موضحا
-انا اتعصبت من الكلام اللى بعته وخوفت عليكى لما عرفت انه قابلك واتكلم معاكى واتعصبت اكتر لما شوفت الصورة ولقيت ايدك فى ايده وبتضحكى معاه عصبيتى زادت بسبب غيرتى عليكى، مش من حقى أغير على مراتى يعنى !
لم تستطع أن تخفى ضيقها من طريقته معها بالأمس لأكثر من ذلك، أغمضت عينيها لثانية وهى تتنهد ثم نظرت إليه ولوحت بيدها برزانة وهى تعقب على ما قاله
-ده مش مبرر يخليك تزعقلى بالطريقة دى وتقولى مش طايق اتكلم معاكى، حتى لو غلطت كنت تعرفنى غلطى بالراحة مش بالشكل ده وفى الآخر تقولى غيرت عليكى
غامت عينيه بشررات الغيرة وأردف بانفعال طفيف وتشنج جسده بطريقة ملحوظة
-قولتلك ان مش من حق حد يلمس حاجة فيكى حتى اخوكى.. انتى بتاعتى، انا بس اللى ليا الحق فى كده
لا تنكر انتعاش روحها بكلماته فغيرة الرجل على امرأته تعزز من ثقتها بذاتها كأنثى، انشق ثغرها بابتسامة كافحت لإظهارها متهكمة ثم هدرت باستنكار
-ده تملك ده يعنى !
نهض وهو يقول بنبرة صوت باردة فى الظاهر مواريا خلفها جذوة غيرته التى تتقد كلما جال بذهنه كلمات "عاصم" وأتت تلك الصورة وهما يتصافحان امام عينيه
-سميه زى ماتسميه يا طيف، ودى آخر مرة تسلمى على راجل بإيدك أو تضحكيله أيا كان مين
لقد راقها للغاية تلك النظرات التى تندلع منها غيرته عليها ورغم إظهارها ضيقها من كلماته التى توضح تملكه لها ولكنها لا ترفض الامر إذا كان متملكا لها ولمَ لا فهو فى الحقيقة مَلك كل ما بها تنهدت بسعادة طغت على سائر وجدانها وما إن وطأ بقدمه داخل الغرفة حتى نهضت هى الأخرى وتبعته وهى تهتف متسائلة
-رايح فين يا مجد ؟
التفت لها وأجابها بجدية وهو يتابع تقدمها نحوه
-رايح الشركة
وجدها على حين غرة احتوت وجنتيه بيديها ولثمت ثغره بروية مهلكة لعدة ثوانٍ ثم ابتعدت وهمست بأنفاسٍ بدأت فى التلاحق ونظراتها تعبر عن اشتياقها له
-اقعد معايا النهارده
ازدرد ريقه محاولا عدم الاستسلام لعرضها المغرى بالنسبة إليه وتلك الأحاسيس المحفزة لكل ذرة بكيانه ورد مختلقا عذر
-عندى شغل كتير مينفعش أأجله
حاوطت عنقه بذراعيها وهى ملتصقة بجسده وقالت بخفوت وانفاسها تجول فوق شفتيه
-عشان خاطرى، هو انا موحشتكش ؟
علت انفاسه أمام إغرائها الصريح له بينما تحكم قدر استطاعته برغبته التى اشتعلت بداخله تجاهها وأجابها بنبرة خافتة إثر تأثره ونظراته معلقة فوق شفتيها المكتنزتين
-وحشتينى بس بلاش أنا مش عايز اتعبك و..
استشعرت خوفه من أن يسبب لها أي أذى خلال تلك الأشهر الأولى من الحمل، ولكنها أماءت برأسها بنفى وأخبرته بارتباك لعدم قدرتها على صوغ الكلام بطريقة صحيحة أمام تلك النظرات المتفرسة لحركات شفتيها
-مفيش تعب الدكتور قالتلى انه عادى يعنى.. ان خلاص طالما عديت التلت شهور الأولى ينفع ا...
لم يكن أمامه سوى الإنصياع لرغبة كل منهما فى الآخر التى تجتاح خلاياهما ولاشتياقهما المحموم واقترب بغتة مقاطعا استرسال كلماتها محتوٍ شفتيها بين شفتيه بقبلة عميقة للغاية معبرا بها عن كم حاجته لها لطوال تلك المدة التى كان يحاول خلالها قدر استطاعته ألا يقترب منها لكى لا تتضرر هى أو جنينه، ترك العنان بتلك اللحظات لجسديهما اللذين استجابا لفيض حبهما بطريقة مثيرة، بعد مضى دقائق من التحام جسديهما والإندماج العاطفى الذى خضعا له بإرادة تامة لف "مجد" ذراعه حول خصرها وهى تتوسد صدره مخللا أصابع يده فى أصابع كفها وتساءل بخفوت بأنفاسٍ لم تهدأ ثورتها بعد
-لسه زعلانة ؟
رفعت وجهها له كى يتسنى لها رؤية وجهه وابتسمت له وهى تنظر له بخضراوتين لامعتين وردت عليه وهى تعبث بصدره بيدها الأخرى
-تؤ، بفرح اصلا لما بتغير عليا
ابتسم برضا لسماعه تصريحها ذاك ولكن خبت بسمته بعد برهة عندما تابعت بتنهيدة متحفزة متكلمة بجدية
-بس ده مش معناه انك تزعقلى تانى وتكلمنى بالطريقة دى، انا مبحبش حد يزعقلى وعمرى ما سمحت بكده يمكن سكت عشان عارفة انه كان من غيرتك وخوفك عليا بس انا مش عايزه علاقتنا يبقى فيها زعيق ومشاكل، عايزه نبقى متفاهمين ولو فى حاجة مضايقة حد من التانى يكلمه فيها بالراحة، عايزه ولادنا يجوا يلاقوا حياتهم هادية وباباهم ومامتهم بيحبوا بعض ومتفاهمين يا مجد
كان ينظر بداخل عينيها وهو يستمع لها باهتمام عاشق وانتظر حتى انتهت من كلماتها الذى تبعها بقوله لها بهمس صادق
-هاعمل اللى انتى عايزاه، قوليلى يا طيف على اللى مضايقك فيا وانا هغيره، انا مستعد اعمل اى حاجة مقابل انك تفضلى جنبى
تقسم أن أكثر ما يؤلم قلبها نظراته تلك التى ترجوها دائما بألا تبتعد وهذا آخر ما قد تفعله يوما، رفعت يدها لوجهه واحتوته وأخذت تحرك إبهامها على وجنته وهى تقول له بخفوت ومشاعر جياشة اعترت نبرتها
-انا بحب كل حاجة فيك ومفيش حاجة مضايقنى يا مجد، انت احسن راجل فى الدنيا ومش هفضل اعرفك كل شوية انى معاك ومش هسيبك مهما حصل
جذبها أكثر إليه معانقا إياها شاعرا تجاهها بامتنان بالغ فقد انارت ظلمة حياته التى كانت معتمة ولن تصبح مجددا بوجودها، ابتعدت قليلا لتضع خصلاتها التى سقطت فوق وجهها وراء أذنها بينما انحرفت مقلتيه تجاه بطنها المنتفخ قليلا وتساءل بابتسامة مشرقة بعد أن عاد بنظره إليها
-هو احنا هنعرف امتى نوع البيبى ؟
حركت كتفيها بعدم علم وأجابته بتريث وابتسامة صغيرة زينت ثغرها على ذكره طفلهما الذى ينمو بأحشائها
-لسه مش عارفة هسأل الدكتور المرة الجاية
لمعت حدقتاه بوهجٍ عارم وهو يخبرها
-هاجى معاكى المرة الجاية
رمشت بأهدابها بقليل من التفاجؤ فهو لم يذهب معها لطبيبتها التى تتابع معها حملها قبلا ولكنها ردت معقبة
-أسيف بتيجى معايا
مط شفتيه وهو يبلغها قائلا
-هاتيها عادى معانا، ولا انتى مش عايزنى معاكى ؟
انهى كلماته متسائلا بمكرٍ وهو ينظر لها بتلك الطريقة التى تشع من نظراته بها العبث لتبتسم هى بحب وقالت وهى تعبث بذقنه بأناملها
-انا عايزاك معايا طول الوقت وفى أي حته
كاد ينحنى إليها ويقبلها ولكن أوقفه صوتها وهى تقول وكأنها تذكرت أمر ما
-آه على فكرة
هز رأسه بخفة وقال مستفسرا
-ايه
ابتسمت وهى تخبره بسعادة بالغة
-أسيف حامل
ما إن استمع لما قالته حتى لاحت على شفتيه بسمة صغيرة ونظر أمامه فى شرود فاق منه على صوتها المتسائل باهتمام
-ايه سرحت فى ايه ؟
وجه بنيتاه إلى وجهها وظلت ملامحه مسترخية وهو يوضح لها
-فيها وهى صغيرة كانت جميلة اوي
ابتسمت له وظلت صامته لثوانٍ قبل أن تصدح بصوتها متسائلة بحذر
-انتوا لسه مش بتتكلموا ؟
تنهد بآسى وأخبرها بطيف حزن اعترى قسماته واندلع من كلماته
-كلمتها كزا مرة فى التليفون، بحاول معاها ان علاقتنا تبقى احسن من كده بس مش لاقى منها اى استجابة، حاسس انها متحبنيش
اعتدلت بجسدها جالسة وتكلمت بجدية بنبرة خافتة تحاول أن تبث الطمأنينة لقلبه بها مرددة
-أسيف مبتعرفش تكره، هى بس هتاخد وقت لحد ما تبقوا كويسين مع بعض
لم يحِد بنظره عنها وتساءل متوجسا
-تفتكرى هنبقى كويسين ؟
هزت رأسها له فى تأكيد وأردفت بحنوٍ وهى قابضة على إحدى يديه فى دعم
-اسيف طيبة أوى وأنا متأكدة انها هتحبك اوى زى مانا بحبك كده، بس مش قدى طبعا عشان مفيش حد فى الدنيا بيحبك ولا هيحبك قدى
انهت كلماتها وعينيها تندلع منها وميضا مرحا وابتسامة ناعمة ارتسمت فوق ثغرها ليقترب منها بعدما انتهت وباغتها بقبلة أخرى فوق شفتيها وقام باحتضانها ضامما إياها إليه بقوة ثم غمغم بخفوت
-ولا فى حد فى الدنيا بيحبك قدى يا طيف
❈-❈-❈
جالسة فوق فراشها تتحدث إليه عبر الهاتف فمنذ يوم ذهابها إليه شقته وهو رفض رفضا قاطعا أن تفعلها مجددا وأخبرها ألا يتقابلا حتى بالخارج وأن يكتفيا بالمحادثات الهاتفية حتى يتسنى له إصلاح الأمور بينه وبين كل من والدها وشقيقها ويطلب منهما أن يتزوج بها حينها فهو لا يريد أن يصبح دونا فى نظرهما أكثر مما يراه بالطبع، تستمع لنبرته المليئة بالحزن والإشتياق الذى لم يبتعدا عنه منذ يوم إفتراقهما حتى الآن وهو يقول
-وحشتينى اوى يا رفيف معدتش قادر اتحمل ماشوفكيش اكتر من كده، لو اضمن إن هشام بيه هيوافق على جوازنا لو جيت كلمته كنت عملت بس انا متأكد انه مش هيوافق ده إذا مرفضش انه يقابلنى اصلا ويبص فى وشى بعد اللى وصله
زوت ما بين حاجبيها وهى تتنهد بآسى على ما آلت إليه علاقتهما وعلاقتها بشقيقها ووالدها الذى لم يتحدث معها بالأمر إلى الآن وأخبرته
-بابا لسه مكلمنيش لحد دلوقتى فى الموضوع، آه محاسبنيش زى ما مجد عمل ولا عاتبنى بس دى حاجة تاعبنى، كونه متجنبنى وبيكلمنى من غير ما يبص فى عينيا واجع قلبى اوى، كنت اتمنى انه يضربنى او يزعقلى بس ميعملش كده
آتاها صوته وهو يقول بندم ولوم لنفسه على كل ما بدر منه وتسبب به والذى لا يكف عن إظهارهما فى كل مرة يتحدثان سويا
-أنا السبب فى كل ده، لو كنت فكرت بعقل من الأول مكنتش سمحت لكل ده يحصل
لم تستطع تحمل تحميله الخطأ بشكل كلىٍ على عاتقه فهى شريكة به لتتكلم بجدية ونبرة تحمل الضيق
-جاسم انت مش غلطان لواحدك، مش هتحمل نفسك الغلط كله وانا غلطانة معاك
استمعت لشهيقه الذى سحبه عميقا ولفظه دفعة واحدة ثم عقب على ما قالته
-غلطك مش زى غلطى يا رفيف، أنا أكبر منك وفاهم الدنيا عنك وانتى صغيرة لسه ومالكيش تجارب ولا خبرة فى حاجة غصب عنك استسلمتى قصاد مشاعر اول مرة تجربيها، كان لازم انا مستسلمش وانجرف ورا مشاعرى بالشكل ده، كان لازم اعمل حساب لباباكى اللى كان فاتحلى بيته ومآمن على وجودى وسطكوا وبيعتبرنى زى مجد ومجد صاحبى كان لازم أفكر فيه وفى صحوبيتنا وانا على علاقة باخته من وراه، انا خنت ثقتهم فيا يا رفيف ومعتقدش ان الثقة دى هترجع تانى
لم تستطع إخفاء ندمها هى الأخرى فما قاله عن الثقة الذى خانها نشط فى عقلها من جديد أنها فعلت المثل لتزم شفتيها بإختناق ثم أردفت
-انا ندمانة زيك ويمكن أكتر، انا كمان خنت ثقتهم وهما مكانوش يستحقوا منى كده
نفخ تلك الأنفاس الساخنة التى تحرق صدره وأردف بضيق لاعنا غبائه وعقله الذى كان مغيب أثناء فعله كل تلك الأفعال التى تليق أن تبدر منه
-والله ماكنت اقصد ان كل ده يحصل، انا مكنتش عايز احملك مسؤولية جواز وانتى فى سنك ده، كل اللى فكرت فيه انه هيبقى حمل كبير عليكى خصوصا وانك لسه بتدرسى، بس كان المفروض وقت ما حسيت بضعفى معاكى كنت اعيد تفكير كان المفروض اتقدملك قبل كل ده ما يحصل، كان زماننا مع بعض دلوقتى ومكنش مجد وعمى كرهونى وبقوا شايفنى واحد خاين
كادت ترد على حديثه ولكن استوقفها صوت طرق فوق باب غرفتها لتشعر بدقات قلبها التى بدأت فى التزايد وقالت بخفوت مسرعة
-جاسم معلش انا هقفل دلوقتى حد بيخبط على باب الاوضة
أتاها صوته المتفهم بنبرته الهادئة قبل ان تنهى المكالمة
-حاضر يا حبيبتى، باى
وضعت الهاتف بجانبها وهتفت بنبرة مرتفعة سامحة للطارق بالدلوف، ليدلف والدها وعلى ثغرة بسمة هادئة وهو متوجها نحوها، نهضت من فوق فراشها وقالت بسعادة ممزوجه بالتفاجؤ لمجيئه إليها
-بابى
رمقها بنظرات حنونة لطالما اعتادتها منه وقال بهدوء متسائلا
-فاضية اتكلم معاكى شوية ؟
أومأت برأسها بلهفة فهى اشتاقت للتحدث معه وأجابته مسرعة
-ايوه فاضية
مد ذراعه ملتقطا يدها وهو يقول لها وقد شرع فى التوجه نحو الأريكة وهى معه
-طب تعالى نقعد
تنهد بخفة وهو جالس بجانبها قبل أن يسألها بتريث دون مشاحنة أو غضب فى نبرته
-رفيف انا قصرت معاكى فى حاجة ؟
نكست رأسها فى خزى من تلميحه المتوارى عن أفعالها النكراء والتى لم يكن يحادثها طوال الفترة الماضية حيالها، لاحظ تحرجها من الرد عليه ليهدر برفق قائلا
-انا مش بحاسبك يا رفيف انا بسألك جايز انا غلطان فى حقك وانا مش واخد بالى
هزت رأسها بنفى وهى مازالت ناظرة لأسفل ثم أردفت بخفوت بصوت جاهدت أن يخرج دون تقطع من التوتر التى اعترتها
-لأ يا بابا مقصرتش فى حقى فى اى حاجة، ليه بتقول كده ؟
رمقها بطيف حزن وهو يتكلم يإيضاح
-عشان رفيف اللى مربيها عارفها كويس وعارف انها استحالة كانت تعمل حاجة غلط، إلا لو كان فى تقصير من ناحيتى
تنهد بآسى ووجه نظره لأسفل واستطرد بالمزيد قائلا
-رفيف انا معترف انى طول السنين اللى فاتت كنت دايما حزين وشارد يا فى موت والدتك يا بُعد أسيف، ومتأكد ان ده كان له تأثير عليكى، حقك عليا لو كان ده السبب فى كل اللى حصل، بس برضه يا رفيف ده ميغفرلكيش غلطة زى اللى عملتيها
رفع نظره إليها عند كلماته الأخيرة ليرى أنها مازالت تتحاشى النظر فى عينيه ليتلمس يدها ليحثها على النظر إليه قائلا بهدوء
-بصيلى يا رفيف
رفعت نظرها إليه ليرى لمعة عينيها بدموع حبيسة ليبتسم لها ليبث الطمأنينة لقلبها قبل أن يخبرها فى لين
-أنا عارف انك لسه على علاقة بجاسم
برقت عينيها وقالت مسرعة بخوف جم
-بس والله مابقابله ولا بشوفه خالص
أومأ لها بهدوء كدليل على تصديقه لها وزفر بهدوء ثم هدر
-جاسم طول عمره من وهو طفل صغير على ايد يحيا الله يرحمه وهو بالنسبالى زى مجد، يمكن لما فضينا الشراكة بسبب كمال الله يسامحه بقى وكل واحد فينا بقاله شغل لواحده بعدنا وقتها بس لما احتاجتله تانى سند مجد فى انه يرجع اسم شركات الكيلانى فى السوق وانا استحالة انسى ليحيا وقفته جنبى وجنب ابنى، جاسم من وقت ما دخل بيتنا لما بدأ شغل مع مجد وهو واحد مننا ومينفعش بعد السنين دى كلها نبعده عننا ويحيا موصينى عليه قبل مايموت، ورغم ان انا مش صافيله بس انا عارف انه مكانش فى نيته حاجة وحشة وانا هعتبر اللى حصل ده يا رفيف طيش منكم انتوا الاتنين وزى مانتى بنتى وهسامحك عليه جاسم كمان ابنى وهسامحه
تهللت أساريرها وأخذت الفرحة طريقها لوجهها وقالت بعدم تصديق ولهفة
-بجد يا بابى يعنى انت موافق اننا نتجوز !
ربت على كتفها وأجابها بصوت أبوى حانٍ
-موافق يا رفيف، انا مش هقدر افرق بينكم وانا عارف انكوا بتحبوا بعض ده مش حل ومينفعش يبقى عقاب على اللى عملتوه، وانا عارف ان بعدى عنك الفترة اللى فاتت كان مضايقك وده كان عقابى ليكى انما بقى الاستاذ جاسم مش هوافقله على جواز الا بعد ما احاسبه على اللى عمله وابهدله شوية الأول
قال الآخير بطريقة مرحة بعض الشىء لتنشق ابتسامة مسرورةً ثغر ابنته باتساع مظهرة نواغذها ثم اندفعت نحوه واحتضنته فى امتنان كونه تعامل معها بلين ولم يغضب عليها ووافق أيضا على زواجها الذى كانت تشعر أن جميع الأبواب قد أُغلقت أمامها نتيجة لما فعلته هى و"جاسم"، ولكن تطرق لفكرها أمر شقيقها لتبتعد وظهر على ملامحها العبوس ثم غمغمت بتخبط
-بس مجد هعمل معاه ايه ؟، انا مش عايزه اعمل حاجة هو مش موافق عليها، مش عايزه اخسره
ملس على جانب وجهها مطمئنا إياها وهدر بنبرة واثقة
-مفيش حاجة هتتم من غير موافقة مجد، مجد هياخد وقت وهيهدى انتى مش عارفة اخوكى يعنى !، وانا برضه هقعد معاه وهقنعه وان شاء الله هيوافق، انا كل اللى عايزه منك يا رفيف انك معدتيش تعملى حاجة تانى من ورايا، عايز ارجع اثق فيكى تانى
لاح الندم على قسماتها وهى تخبره بنبرة صادقة تحمل الأسف
-صدقنى يا بابى مش هعمل اي حاجة تاني، أنا آسفة والله
عادت من جديد لأحضانه ليمسد هو برفق على ظهرها، لم يرِد أن يطيل بعقابه لأكثر من ذلك يكفى رؤيته لهيئة صغيرته الحزينة كلما تكلم معها بجفاء او تجنب الحديث معها فى بعض الأحيان بل والجلوس معا أيضا، قرر أن يتعامل مع الأمر كما لو كانت زوجته الراحلة معهم الآن فهى لم تكن تترك ابنتها دون التحاور معها بهدوء وبعقلانية وهذا ما فعله تحديدا، لن يترك ابنته تشعر بمفارقة والدتها لها فهى فى وقت تحتاج به لأم تشكو لها وتخبرها عما يختلج صدرها وهذا ما لن تجده لوفاتها ولذلك الأمر انهى عقابه لكى لا تشعر ببعد الجميع عنها، كما أنه بالأساس يشعر بتأنيب ضمير تجاهها فهو يعلم انه اهملها بدرجة كبيرة تحت وطأة همومه وحزنه على مفارقة غاليتيه زوجته وابنته "أسيف"، لذا فهو يعلم أن ما ارتكبته "رفيف" له يد به ولن يُصلح خطأ بخطأ آخر ويفرق بينها وبين من عشقته حتى إذا فعلا أمرا نكيرا إلى الآن لا يصدق أنهما ارتكباه ولكن ليس أمامه سوى أن يحتوى ابنته الصغرى ويتعامل مع الأمور بحكمة وبشكل صحيح دون أفعال هوجاء
❈-❈-❈
انتفض "مجد" واقفا بانفعال عصبى وصاح بالماثل أمامه بصوت محتدم للغاية
-يعنى ايه مش عارف الغلطة دى حصلت ازاى، دول اتنين مليون دولار
دنا من المكتب بخطواتٍ متمهلة وهو يحاول أن يبرر له قائلا بتريث
-انا مش عارف فعلا ده حصل ازاى انا ببقى مراجع كل حاجة وببقى متأكد قبلها انى مسجل كل العمليات الحسابية فى الدفاتر
احتدت نظراته وأردف بجمود
-وده يثبت انها مش غلطة يا عدى
ضيق نظره عليه محاولا استشفاف قصده وهو يتساؤل مستفسرا
-تقصد ايه ؟
لوح بذراعها فى وجهه بغضب قائلا بتشنج باتهام صريح له
-انت قاصدها، قاصد تخسرنى لانك كارهنى من وقت ما اتجوزت طيف غصب عنك
اتسعت عينيه صدمةً مما تشدق به ليقول بعدم تصديق مبرئا نفسه من ذلك الإتهام
-ايه الكلام اللى بتقوله ده، انا عمرى ما فكرت فى أذية حد، وانا لو كنت عايز اعمل كده مانا كان زمانى عملتها من الأول وكنت وقتها فعلا كارهك، لكن انا هعمل حاجة زى دى دلوقتى واختى بتحبك وعايزك وحامل منك، هعمل حاجة زى دى عشان ادمر حياة اختى واهدملها فرحتها
رمقه بنظرات متهكمة وهدر بتكذيب له
-وتفسرلى بإيه الغلطة اللى حصلت والخسارة اللى خسرتها
تهدل ذراعاه لأسفل فى عدم علم واستسلام لشكوكه التى لا يوجد بها أي أساس للصحة، وتكلم بهدوء كابتا غضبه
-مفيش عندى تفسير، والغلطة دى انا متأكد انى مش انا السبب فيها، وانا بعد اتهامك ليا فى امانتى معدتش هعرف اشتغل فى شركتك واعتبرنى من دلوقتى مستقيل
يُتبع . . .