-->

الفصل السادس والأربعون - ظلام البدر - دجى الليل

  


الفصل السادس والأربعون

 

"فاكرة اول ما شوفتك يوم الجراج؟" ابتسم لها في وهن لتومأ هي له بأعين دامعة ليُكمل

"أنا حسيت إني مش قادر أتحرك، كنت عايز أفضل باصصلك ومشيلش عيني من عليكي، كنت أول مرة ابص لست من ساعة ما ليلى ماتت، حاولت أعمل إني جامد قدامك بس مقدرتش.. عشان كده خوفت ابان قدامك مش على بعضي واخدت مفاتيح العربية قاصد عشان أشوفك تاني ونكون لوحدنا"

ابتسم وهو يتفقدها بسوداويتيه وعشقه لها ينهال من عينيه لتنظر هي له بتريث وهي لا تُصدق أنه أحبها منذ ذلك الوقت لتجده يبتسم لها ولكن ملامحه لا زالت تبدو متألمة

"لما قعدت في المكتب لوحدي فكرت فيكي، عنيكي دي خلتني مش على بعضي، زي ما تكون الدنيا كلها حواليا بقا لونها أزرق بلون عنيكي، عمري ما أتأثرت بحد كده.. لقيت نفسي غصب عني بقارن بينك وبين ليلى، طب ليلى لما شوفتها كان شكلها من الأول معجب بيا، إنما أنتي كنتي بتتخانقي معايا، ليلى كانت بتضحك وبتضحكني وبتحاول تصاحبني حتى قبل ما تحبني، لكن أنتي!! مش عارف ايه جرالي يومها، وكنت مستانيكي بفارغ الصبر تجيلي تاني.. لما شاهندة جاتلي وقالتلي اديها المفتاح أنا رفضت عشان اشوفك!" تريث لبرهة ثم أشاح بنظره بعيدا عن تلك الزرقاوتان

"كنت عارف إني خايف على زياد منك، كنت فاكرك جاية راسمة عليه، افتكرت وصية أبويا ليا، مكنتش عايزه يتخدع في بنت عشان حلوة، كنت خايف عليه اوي وحاسس بالذنب إني فجأة كده اتشديتلك.. حاولت امسك نفسي لما لقيتك قدامي وأقولك كلام يضايقك عشان تكرهيني، حاولت إني اركز على إنك مجرد استغلالية، شبهتك باكتر واحدة بكرهها في حياتي بس في نفس الوقت اللي حاولت فيه كنت بلاقي رجلي رايحة ناحيتك وبقرب منك، قلبي كان بيدق بسرعة مش طبيعية لما بقرب منك، مكنتش قادر ابطل ابصلك، مشوفتش في حياتي واحدة بالجمال ده.. غصبت نفسي يومها إني اطردك برا واهددك عشان لا أنا ولا زياد نتأثر بيكي" تنهد وهو يهُز رأسه في انكار ثم أعاد نظره لها

"لما رجعت المكتب حسيت إني بتقطع كل ما افتكرت شكلك وانتي بتعيطي، مش عارف إيه اللي بيجرالي كل ما اشوفك بتعيطي، مش بس زمان لأ لغاية دلوقتي، فيه زي ما يكون حاجة جوايا في قلبي بتتعصر، وفضلت طول الوقت أفكر فيكي، أنا من يومها وأنا مش عارف اركز في شغلي.. حتى لغاية دلوقتي.. زي ما تكوني من يوم ما دخلتي حياتي وانتي بقيتي مسيطرة عليا بطريقة رهيبة! تعرفي إن أنا وزياد اتخانقنا عشانك، كان عايز يرجعك وأنا مش قادر أصلا مفكرش فيكي.. لما سمعته بيقول إنك هتكوني مراته في يوم أنا حسيت إني ممكن اموته.. أنا يومها كانت اول مرة في حياتي امد ايدي على اخويا، ضربته بالقلم من غير ما احس أنا بعمل ايه وحسيت إن بسببك أول مرة أنسى ابويا وصاني على ايه"

ابتلع في صعوبة وهي لا زالت تلاحقه بزرقاويتيها لتصحبه في تلك الدوامة من الآلام التي لا تعلم متى ستنتهي

"يوم الإجتماع بقا أنا فعلا كنت بتخانق مع نفسي وبحاول مبصلكيش، أنا مكنتش مركز في حرف.. حسيت إنك بتسحبيني من كل اللي حواليا، ولما غلطيني حسيت إنك بتتحديني وكنت مش قادر استحمل اللي بتعمليه فيا.. بس.. لما عرفتي إن والدتك اتوفت ودوختي كانت أول فرصة ليا المس وشك بإيدي، أشيلك، أقرب منك.. بعيد عن خناقنا وكرهنا ونظرة الخوف اللي في عنيكي مني.. حاجة كانت بتخليني أقرب منك، حاجة بتشدني ليكي كان نفسي يومها افضل جنبك طول حياتي ومبعدش عنك ولحظي الهباب شاهندة جت ونقلناكي المستشفى، حاولت ابين قدامها إني متعصب منك واقول عليكي استغلالية يمكن أنا كمان مفكرش فيكي لما اسمع كلام نفسي واشيلك من دماغي بس مقدرتش.." ابتسم بمرارة ثم اردف

"عملت يومها زي العيال.. خبيت موبايلك عشان افتحه واشوف فيه ايه، رسالة كده ولا كده ما بينك وبينه، كنت بقنع نفسي انك اكيد وقعتي زياد، بس بصراحة كنت هاموت من الغيرة عشان أعرف فيه ايه بينك وبينه" توسعت ابتسامته لتتعجب نورسين من فعلته

❈-❈-❈

"لما شاهندة قررت تيجي تعيشي معانا في البيت وقالتلي إن الكلب اللي اسمه يُسري كان بيحاول يمضيكي على كل ورثك كنت هتجنن.. حسيت إنك هتدخلي ما بينهم وهيحبوكي اوي وينسوني، خوفت لا زياد يشوفك قدامه ويفكر يقرب منك، كنت حاسس إني هاتجنن.. وفضلت أقنع نفسي إنك استغلالية، على قد ما كنتي شداني وهاموت عليكي لكن كابرت وعاندت وفضلت أقنع نفسي بكلام مش شايف منه اي حاجة صح عشان اطلعك من دماغي وابطل أفكر فيكي، أنا الفترة دي جبت واحدة وبهدلتها بس بردو مقدرتش ارتاح أبدا.. ولما حسيت إنك بقيتي أهم حد في حياة شاهندة كنت غيران منك وفي نفس الوقت غيران عليكي.." حدقت به في غير تصديق بينما هو التقط أنفاسه وعقد حاجباه

"لقيت أمي بتحبك، وشاهندة كمان!! حسيت إنك هتسرقي حبهم ليا، بس كنت مطمن إن زياد طلع عيل مش فاهم هو بيعمل ايه، وجيت قعدت معاكم في البيت عشان خاطر أشوفك وتفضلي قدامي طول الوقت.. عمري ما هنسى أول مرة شوفتك فيها في جنينة البيت وأنتي بتشربي اللبن وسايب حبة على شفايفك.. يومها ضحكت، كان بقالي كتير مبضحكش.. لقيتك بتطلعيني من كل اللي أنا فيه بنظرة واحدة من عنيكي.. في نفس اليوم شوفت كريم وهو بيلمس وشك.. ساعنها اتجننت من الغيرة وكمان من الخوف على أختي وراقبته لغاية ما حسيت إن فيه حاجة مش طبيعية ما بينكم.. ودماغي صممت على إنك استغلالية وأكيد وراكي حاجة"

ابتلع متألما كارها لنفسه ولتفكيره ولكيانه بأكمله ونظر لها وكأنما طفل ينظر لوالدته يبحث بعينيها عن الأمان والحب

"تعرفي إني أنا اللي اديت رنا أجازة شهر عشان اجيبك عافية وتنبقي تحت عيني، تعرفي إن أول مرة شوفتك بترقصي فيها نسيت اسمي أساسا وكنت بمنع نفسي أقوم اخدك وادخلك مكتبي، ولا يوم ما رجلك وجعتك كنت هموت وألمسك بس مسكت نفسي بالعافية كان فيه خناقة جوايا يا نورسين.. اصدق احساسي ولا اصدق اللي بفكر فيه.. لغاية يوم ولادة هديل، اللي سمعته منك خلاني أعمى صحى جوايا كل مرة سمعت فيها أمي نايمة مع راجل، خلاني أفتكر طمعها وحبها للفلوس.. عشان كده محاولتش اسمعك ولا اديكي عذر.." انهمرت موعه لتعود نورسين لتتألم مجددا

"اللي عملته فيكي في الاوتيل كان بيموتني بس أنا كنت شايف إن ده الحل مع واحدة فكرت تخرب على أختي، عملت فيكي نفس اللي أبويا عمله فيا زمان عشان ده اللي تستاهله كل استغلالية زيها، أنا مكنتش استاهل عذابه ليا بالطريقة دي.. كان المفروض يعذبها هي مش أنا..

بس عارفة ايه أكتر حاجة موتتني إني لما شوفتك قدامي مكنتش كارهك، ولا مضايق منك، أنا كنت بحس بشهوة ورغبة فيكي ونفسي أعمل معاكي نفس كل اللي كنت بعمله مع ليلى، كأني بحبك مش بكرهك خالص.. فضلت في الحرب دي كتير وحصلت حاجات كتيرة اوي ما بينا أنا عارف ومتأكد إنك فاكراها، فاكرة لما بوستك وانتي اول مرة تدخلي اوضتي؟! مقدرتش أمنع نفسي..

كنت عايز أقرب منك بأي طريقة، كان نفسي بس ألمسك، ولما كنتي بتبوسي ايدي كنت بخاف من اللي بيحصلي.. مكنتش بقدر اسيطر على نفسي بسهولة، كان بيبقا فاضلي ثواني وأقوم اخدك تحت مني، كنت بتقطع بين إني عايز أقرب منك وإن شكلك بريء جدا وصغيرة واستحالة يكون بينك وبين كريم حاجة وبين اللي أنا سمعته وانتي بتنطقيه بلسانك!!

ساعتها مقدرتش استحمل أكتر من كده وكان لازم ابعدك عني بأي طريقة.. ويومها زي الغبي روحت وديتك ليُسري" زفر بحرقة لتتهاوى هي دموعها وهو ينظر لها في خوف وخشية من أن تكرهه بعد كل ذلك

"شاهندة لحقتني.. وأنا طلعت أجري زي المجنون، ولما سمعت صوتك بتصوتي أنا كنت حاسس إني بموت وسكاكين بتتغرس في قلبي، حسيت إني حقير، إني وديتك للقذر ده بإيدي وكمان بعد كل اللي عملته فيكي، بنفسي.. يا ريتني كنت مت قبل ما أعمل فيكي كل ده!! لما شيلتك بين ايديا ساعتها قررت بيني وبين نفسي ان عمرك ما هتبعدي عني، حتى لو كان فيه بينك وبين كريم حاجة كنت هاعيشك معايا غصب عنك.. عرفت يومها إني استحالة أستحمل إن حد يأذيكي ولا يلمسك ولا حتى يكون معاكي غيري" نظر لها نظرة لم تفهمها وهو يبكي ولكنها لم تكن تعرف أن تلك هي نظرة التملك بعينيه

"لما صحيتي وكنتي ناسية آخر سنتين في حياتك حسيت إني محظوظ، إني هابدأ معاكي من جديد، قولت ده حظي إني مخوفكيش مني تاني، يمكن تحبيني وعمرك ما تفتكري كل اللي حصل ما بيننا.. كان نفسي أعيش الحب معاكي، كان نفسي نبقى متجوزين بجد بعيد عن كل اللي فات مع إن وقتها مكنتش اكتشفت حقيقة اللي سمعته منك لكريم يوم ما هديل ولدت.. كنت بهرب من إني احكيلك على كل حاجة لأني جبان واستحالة أقدر اواجهك لو افتكرتي.. كنت بترعب لما بتفتكري حاجات من اللي حصلت.. شوفتي يا نورسين أنا جبان وضعيف قد إيه؟!" همس إليها بإنكسار وهو يرمقها في شعور هائل بالخيبة والخوف

❈-❈-❈

"لما سافرنا مع شاهندة أنا ساعتها خلاص كنت استسلمت للحرب اللي جوايا وسمعت كلام احساسي، كنت ببصلك على إنك مراتي وبس حتى لو ايه.. بس جوايا حتة واحدة نفسها تتأكد من اللي بينك وبين كريم، فاكرة يوم المايوه؟ أما من كتر غيرتي عليكي كان ممكن اولع فيكي وفي نفسي وراكي.. مكنتش مستحمل حد يشوفك ولا عينه تيجي عليكي" ابتسم بوهن ثم تابع

"كان الحل الوحيد إني أتأكد من اللي بينك وبين الكلب التاني إني اراقبك بالكاميرات اللي في الفيلا والحراس يقولولي كل الأخبار لو طلعتي من البيت او لو حد جالك ولقيت نفسي بتشدلك أكتلر وبحبك أكتر وملقتش اطيب منك يا نورسين، مكنتش مصدق إن فيه حد زيك في الدنيا دي كده.. عشان أنا مليان سواد من جوايا عمري ما صدقت إن في حد بطيبتك وبرائتك وهدوءك" نحب وهو ينظر لها نادماً على كل ما فعله وارتكبه بحقها لتبكي هي الأخرى في صمت

"رسمك.. مكنتش مصدق إنك بالبساطة اللي فيكي تقدري ترسميني كده، طول الوقت في الشغل مش بعمل حاجة غير إن عيني متابعة كل حركة بتاخديها، حتى أكلك وانتي بتعمليه كنت بحس إنه جايزة ومكافأة ليا.. ويوم ما الوسخ ده راحلك وحاول يقرب منك شخصيتي الجبانة ظهرت، خوفي اتحكم فيا، لدرجة إني خليت راجل من الحراس يسمع هو بيقولك إيه علشان يعرفني، مكنتش مصدق إنك ممكن تسامحيني على كل اللي عملته فيكي والمصيبة إن ظلمتك، ظلمت أكتر حد حبيته في حياتي، أنا عارف إني ربيتلك عقدة.. سامحيني يا نورسين!!" أخذ يبكي في وهن لتبكي هي أيضا وهي تنظر له في شفقة وعشق بآن واحد

"كنت هقولك ايه؟ هقولك كنت فاهم غلط؟ هقولك إني ظلمتك ومكنش قصدي؟ ولا هقولك آسف سامحيني؟ أنا كنت مرعوب أواجهك، مرعوب ابصلك وتعرفي مني إني ظلمتك بالبشاعة دي، قررت من جوايا أكون معاكي أحسن وكنت فاكر إنك كده يمكن تسامحيني وتنسي بس لقيت إن أنا اللي بساعد نفسي.. كنت أول مرة احس بالفرحة وأنا ماشي معاكي وباجيبلك موبايل، حسيت إني بعيش طفولتي اللي معشتهاش واحنا في الملاهي، إني اقعد اذاكر معاكي بهدوء من غير ما أكون خايف.. كل حاجة معاكي عيشتها كانت بتنور جزء جوايا في وسط الضلمة اللي أنا عيشتها سنين، ضحكتك وبرائتك وطيبتك كانت بتخليني انسى أنا مين وبتنسيني كل اللي عيشته بسبب ابويا ووفاء.. أنا كنت مجنون وطاير بيكي، مكنتش ابداً اتصور إن لسه فيه حد زيك، لما كنت بسمعك وانتي بتكلمي والدتك لما قربت منك وبوستك، عيشتيني حاجات عمري ما عيشتها ولا خطر على بالي إني محتاجلها.. أنا بقيت طفل معاكي لأول مرة، أنتي بقيتي كل حياتي، الأم والزوجة والحبيبة وكمان الصاحبة اللي بتبسط معاها.. أنا حبيتك اوي يا نورسين ولسه بحبك وعمري ما هابطل احب الوحيدة اللي قدرت تخليني عايز أكون إنسان احسن" نظر لها بسودواتان باكيتان متوسلتان لغفرانها على كل ما فعل وليس به ولو ذرة ثقة بالنفس أمام تلك الزرقاوتان الباكيتان

"كنت اتمنى افضل جنبك، أعيش الحاجات اللي عمري ما عيشتها غير معاكي بس كان لازم افوق ليسري وكريم.. اللي عملته فيهم خلاني اشوف نفسي تاني وأنا بتعذب، ولما وفاء جاتلي قضت عليا وخلتني احس بجبني وخوفي.. ولما أذيتك آخر مرة ما بينا قبل ما أسافر أتأكدت ساعتها إني عمري ما هاتغير، عمري ما هاقدر أكون إنسان كويس، هافضل زي ما أنا بسوادي ووجعي وخوفي، عرفت إني هاظلمك معايا وأنتي بطيبتك دي كلها مكنتيش تستاهلي مني ده، عشان كده رجعتلك حقك وجيبتلك بيت جديد وأتأكدت إن معاكي حرس واطمنت عليكي وبعدين اخترت أصعب حاجة عليا يا نوري.. أخترت إني ابعد عن اللي بحبها، كنت خايف عليكي مني، خايف عليكي تعيشي في ضلمة ووجع إنتي ملكيش ذنب ولا إيد فيهم.. ذنبك ايه تعيشي مع إنسان مريض، حياته كلها مفيهاش حاجة تفرح، إنسان معقد عمر ما سعادته كملت.. حسيت إني مش هاقدر أسعدك وقولت يمكن لما أبعد تكرهيني بس كلام شاهندة عنك عرفني إنك بتتعذبي زيي بالظبط!!" ازداد بكاءه بحرقة لتنظر هي له باكية في لوم وحُزن

"كنت متعذب، مبفكرش غير فيكي، عمري ما أتجرأت أقرب من ست غيرك، حاولت كتير أقنع نفسي بالعلاج، كان لازم حتى أخلص من جزء من اللي أنا فيه، حتى لو مكنتش هرجعلك بس كنت تعبت أوي يا نورسين، أنا تعبت من خوفي، تعبت من إني جبان، تعبت إني مش قادر لغاية دلوقتي أواجه وفاء وأقف قدامها، الست دي دمرتني، خلتني دايما مرعوب وخايف، على قد ما أبويا عذبني وضربني كتير بس كان عايزني ابقا قوي، كان خايف على بناته ومراته وابنه الصغير مني، كان خايف يشوف فيا فشله، لكن الست دي أنا معرفش ازاي اتنزع من قلبها الرحمة عشان توصلني للي أنا فيه دلوقتي.. أنا ساعات بصدق كلامها إني مش راجل، دايما بتطلع صح في الحتة دي.. بس أنا مرضتش أأذيها تعرفي ليه؟!" تحول بكاءه لعويل ليزداد تأثر نورسين بكل كلماته وأومأت له بإنكار

"عشان كان نفسي مرة احسها بتحبني.. كان نفسي بس مرة أشوفها خايفة عليا أو حتى لما كبرت قولت يمكن تراجع نفسها وتتهد وتبطل جبروت، ورحمة أبويا لو كانت اتغيرت أنا كنت هاحبها، كنت هافتحلها بيتي بعد كل اللي عملته فيا زمان وهسامحها، بس من ساعة آخر مرة لما هزئت أمي أنا مبقتش قادر أشوفها بجبروتها ده من غير ما أنتقم من كل السنين اللي عيشتني فيها خايف ومرعوب.. وحتى بالرغم من إني بحاول أدمرها إلا إني لغاية دلوقتي مش قادر أواجهها.. عشان كده اتحاميت في اخواتي وخلتهم يعملوا كل حاجة وأنا بعيد، ولما عرفت إنك هتشوفيها وتكلميها خوفت عليكي.. خوفت تعملك حاجة، كنت مرعوب منها عليكي.."

❈-❈-❈

ازداد عويله لتتهشم هي بداخلها ولن تكترث تلك المرة لما سيقوله وفرت على الفور لتحل تلك الأوشحة السخيفة المثبتة بالجداران يمينا ويسارا ليحاول هو ايقافها

"لا سيبيني مربوط، أنا جبان، كان لازم أحس بالخوف عشان احكيلك واكلمك" صاح بين بكاءه وهي لا تكترث له

"أنا لسه مكملتش يا نورسين، أنا لسه عايز أقولك ايه اللي حصلي لما شوفت صورك مع راجل غيري" ارتجف جسده بينما أنتهت هي من فك وثاقه ثم أقتربت منه لتجلس أرضا على ركبتيها وهي تبكي هي الأخرى ونظرت له

"حسيت إن أي راجل في الدنيا هيكون أحسن مني، مش هايكون جبان ومعقد زيي، كان ممكن تعيشي سعيدة مع أي حد غيري لكن أنا مقدرتش أسيبك، مقدرتش استحمل أشوفك مع غيري، خوفت حد ياخد نوري ويسبني في ضلمتي لوحدي.. كنتي هتضيعي مني يا نوري.. كنتي هتضيعي وتسيبيني لوحدي"

انفجر باكيا لتقترب هي جالسة على ساقاه ثم عانقته بكل ما استطاعت من قوة وضمت رأسه لصدرها وأخذت تبكي هي الأخرى

"أنا مقدرش أسيبك.. مقدرش يا بدر.. والله ما أقدر" صاحت بين بكاءها ليعانقها بذراعيه في قوة مبالغ بها وكأنها ستتركه وستذهب لتتعالى خفقات قلبه في عنف

"أنا عارف إني ظلمتك وإنك تستاهلي حد احسن مني بس متسبينيش.. أرجوكي متسبنيش يا نورسين، أنا مقدرش أعيش من غيرك، أنا ممكن أبقا اسوء واسوء لغاية ما أموت نفسي.. أنا بحبك ومقدرش ابعد عنك تاني.. سامحيني وخليكي معايا وأنا مش هاعمل معاكي أي حاجة وحشة تاني، هحاول أكون أحسن في كل حاجة بس متحرمنيش منك ومن وجودك في حياتي"

صاح بين شهقاته لتزيد هي من معانقته وهي تبكي هي الأخرى ثم ابتعدت قليلا لتنظر له وهي تمرر يداها بين خصلات شعره الفحمي في حنان وبكت هي الأخرى

"ليه تبعد أنت عني؟ ليه محكتليش كل حاجة؟ كنت هافضل جنبك، كنت هساعدك في علاجك، أنا لسه بحبك يا بدر زي الأول وأكتر كمان.. كنا هنفضل كويسين أنا عارفة بس ليه مقولتليـ.."

"عشان أنا جبان وخواف" قاطعها صارخا بحرقة ليبكي مجددا لتضمه هي لصدرها وأخذت تربت على ظهره في حنان حتى شعرت بإبتلال ملابسها من دموعه

"عشان أنا مبقدرش أواجه حد، عشان أنا بترعب لما أبعد عن اللي بحبه، عشان كنت خايف تكرهيني بعد ما تعرفي كل حاجة عني.. أنا مريض نفسي ومعقد يا نورسين.. عشان أنا ما شوفتش حنية ولا حب ولا حنان اديهملك وأعوضك بيهم أنتي حقك تسيبيني وتعيشي حياتك وعارف إن أنا بظلمك بكل ده بس مش هاقدر أعيش من غيرك"

حاول التقاط أنفاسه بين شهقاته المتوالية والمتتابعة في سرعة شديدة لتشعر هي وكأنها تُقتل ببطئ مما يفعله وقاربت على الإنهيار مثله تماما وأرادت أن توقفه بأي شكل

"كفاية يا بدر أرجوك" صاحت ببكاء لترغمه على النظر لها "أنا عمري ما هاسيبك وهافضل جنبك لغاية ما أموت" نظرت له بتلك الزرقاوتان لترى ملامح الذعر ترتسم على وجهه

"لأ يا نورسن!! لأ متقوليش كده.. أوعي تسيبيني وتمشي أرجوكي.. ولا موت ولا غيره.. أنا عايزك جنبي على طول.. أوعدك إن عمري ما هأذيكي تاني.. اديني بس فرصة وأنا هاعوضك عن كل حاجة، أنا بتعالج والله ومع الوقت مش هابقى سادي زي زمان، هاكون احسن، هاعملك كل اللي نفسك فيه بس متيبنيش لو حبتيني متسبينيش"

رآته يتصرف بهيسترية بين شهقاته وآخذ يداها يُقبلها في توسل وهي لا تدري كيف عليها أن توقفه بعد كل ما يفعله وكأنه أصبح ممسوساً بجان ما يُسمى الخوف من ابتعادها عنه

"بدر!! أنت عارف إن أنا اللي خليتك تيجي؟!" صاحت به ليسمعها وهو ينظر لها في تعجب بين سودواتاه الباكيتان ولكنها يبدو أنها كانت الطريقة الوحيدة كي تنتشله من ذلك الإنهيار الذي سيطر عليه

"طلاقي وخطوبتي كانت فشنك.. خطة عشان ترجعلي تاني!!" عقد حاجباه وهو غير مُصدق لما يسمعه لتبتلع في خشية من ردة فعله هي ولكنه عليه أن يستمع لها هي الأخرى فتنهدت لتبحث عن القوة بداخلها ثم قررت أن تُخبره بكل شيء..

.. يُتبع