الفصل الثالث عشر - أشواك وحرير
الفصل الثالث عشر
"كنت لا أريد من العالم أي شئ سواك
فأعطاني العالم كل شئ إلا أنت"
"محمد طارق"
❈-❈-❈
خطا معا نحو الداخل لتلمح "روان" أركان المحل الفاخرة والذي يبدو أنه لا يرتاده سوي أصحاب الطبقة المخملية فأطلقت صفيرًا بإعجاب حينما علمت بأنه قد حجزه لحسابهم فقط وتمتمت ببعض الكلمات المازحة :
_باين عليها صفقة القرن.
استدار للجلوس أمامها مباشرة بعدما عدل لها من وضعية مقعدها فأبتسم لها بود، وسألها ببعض الفضول :
_مش هتقوليلي مالك النهارده؟!
هزت رأسها بنعم وارتسمت إبتسامه صغيرة زينت ثغرها المطلي بالأحمر القاني فلم تجد أفضل من تلك المناسبة حتي تخبره بخطبتها فهي تعلم تمام المعرفة بكونه سيفرح لفرحها!...تناولت نفسًا عميقًا ثم لفظته بقوة، و تفوهت بساهمها السامة التي لم تدري أنها ستشطر قلبه لنصفين :
_أنا هتخطب لـ مالك نصار!
صمت لبضع لحظات، وبدا وكأنه لم يستوعب ما تفوهت به فضيق عينيه بعدم فهم مما جعل حاجبيه يتقاربا معًا، ثم سألها بإبتسامة متوتره :
_أنتي بتقولي إيه؟!
تعجبت من ردة فعله فظنت بأنه غير مصدق لحديثها معتقدًا بأنها تمزح، فلم تتلاشي ابتسامتها وأجابته ببساطة محركه كتفيها لأعلي ولأسفل :
_بقولك هتخطب لـ مالك نصار.
شعر بنصلٍ حاد مسموم غرز في منتصف قلبه بدون رحمه، وانخفضت ضربات قلبه بشكلٍ ملحوظ كما بدأ جبينه يتعرق وأحس ببرودة أطرافه...تعجبت من حالته، وهمّت بسؤاله ولكنه فاجئها حينما أجلي صوته بصراخ في وجهها :
_وأنا فين من حياتك؟!...جايه تقوليلي دلوقتي بكل برود إنك هتخطبي؟!...مكنش فيه في يوم حاجه حلوه بينا أستاهل تعرفيني علشانها؟!
تطلعت فيه بذهول من حالته، وشعرت بغباؤها الشديد لعدم إخباره منذ البداية فهو معه كل الحق...نكست رأسها لأسفل بإحراج وكادت أن تبرر له فعلتها لكنه لم يعطيها فرصة للرد؛ فسارع بالإبتعاد عنها متجهًا نحو الشرفة، متطلعًا في الظلام الماثل أمامه بصمتٍ شديد يحاكي صمت الليل، استمر على صمته وابتعاده بضع دقائق لا يدري ماذا يفعل؟!...هو حقًا مازال غير مستوعب لحديثها أهي ستصبح ملكٍ لآخر؟!...لقد أخفي عنها مشاعره طوال تلك السنوات خوفًا من ابتعادها؛ فكان يقبل منها بأقل الفتات!...لتأتي اليوم وتخبره بتلك البساطة إنها باتت لآخر!!..هو الآن لا يدري ماذا يفعل "أيخبرها إلي أي مدي عشقها!..إلي أي مدي أصبح صوتها ونبرتها إدمانًا له خلال تلك السنوات!...لقد بات كالطفل الذي يأبي النوم زيارته حتي تطمأنه والدته أنها بخير وإنها لن تتركه أبدًا "...سيذهب إليها ليدفنها في أحضانه ويخبرها كم أضناه شوقه لفعل ذلك، ولكن مهلاً لقد كانت السعادة تطل من عينيها..."هل عليه أن يكسر سعادتها بسبب أنانيته؟!" مزقه التشتت بين عقله الذي يلحق عليه بإخبارها، بينما قلبه الذي ارهقهاه الألم والنزيف يأبي تمامًا إخبارها مضحيًا بسعادته هو مقابل سعادتها! فهو لم يرها أبدًا بتلك السعادة منذ أن حصلت على وظيفة مستقرة عقب تخرجها!...وقفت خلفه مباشرة، ثم أمسكت بطرف سترته عله ينتبه لوجودها...تشنجت عضلات ظهره عقب لمسها لثيابه؛ لكنه لم يستدير إليها فأردفت بنبرة نادمة معتذرة وقد أصابها بعضً من الخجل بسبب ما ستتفوه به :
_مجد...أنت مش عارف أنت بالنسبالي إيه، أنا والله مقدرش أخبي عليك أنت عندي غالي أوي بس...بس أهلي مكنوش موافقين وأنا اقنعتهم بصعوبة؛ فمحبتش أقولك قبل ما يحصل حاجه.
أدرك تمامًا من حديثها أنها أحبت الآخر أو علي الأقل تحمل له بعض المشاعر التي لم تحملها يومٌ ما وكم آلمه ذلك كثيرًا؛ فأستدار إليها وقد لمعت عينيه بدموعه التي أبت الهطول قائلاً بصدق :
_يارب دايمًا تكوني سعيدة يا روان.
شكرته بإمتنان حقيقي وعادت من جديد تكرر إعتذارها ليوقفها هو مانعًا إياها من الإعتذار ثم تعالي رنين هاتفه ليعلن عن استقبال إحدى الرسائل فوجدها "مجد" فرصه ليحفظ ماء وجهه، وقد تخلي عن قناعه الجليدي وظهرت عليه مشاعره الحقيقة مشاعر الحزن، الضيق، والخزلان :
_الصفقة اتلغت.
ضيقت عينيها بإستغراب من حديثه المباغت، وهتفت بإستنكار :
_إزاي ده هو لعب عيال؟!
ابتسم ابتسامة صغيرة يشوبها السخرية والألم معًا، وأردف بلوم :
_عادي أحيانًا مش بتتنفذ الوعود.
أصابها القلق الشديد من حالته؛ فهي لم تره يومًا بمثل تلك الحالة، مما جعلها تشعر بحركة أمعائها من كثرة التوتر فأردفت مهونة :
_ربنا هيعوضك بأحسن منها والله، انت الف شركة تتمني تشتغل معاك دي مش أول مرة يعني تخسر صفقة ولا آخر مرة برضه.
طال صمته كثيرًا، واستمر موليًا ظهره إياها ثم تكلم بتحشرج :
_كنت عاوزها يا روان...كنت عاوز دي...تخيلي تفضلي سنين متعشمة بحاجة بعيدة أوي وبتخافي تقربي فتقربي بالراحة علشان متضيعش وأول ما تقربي منها تضيع!
لجمتها الصدمة من حديثها "فأي صفقة تلك التي كان يحلم بها لسنوات وهي بعيدة عنه؟!" آلمها قاولونها أكثر من تلك الفكرة التي طرأت على ذهنها "هل من الممكن أن يكون كل ذلك الحزن بسبب خبر خِطبتها؟! "ولكن لِمْ؟!...لا لا مستحيل "مجد" دائمًا يسعده فرحها فلقد كان لها أكثر من أخويها! لابد من أنها تهذي...فاقت من شرودها علي نبرته الآمره :
_يلا علشان هوصلك.
اومأت برأسها بصمت تام، واتجهت للسير أمامه للخارج وكلاهما يتخبط في أفكاره التي أوشكت أن تقضي عليهما!
❈-❈-❈
دلفت "روان" إلي شقتها تلملم أذيال الخيبة التي غلفت يومهما...فكم أحزنتها تلك الحالة التي كان عليها صديقها، فهي لم تره كذلك طوال السبع سنوات الماضية فلقد كان حزنًا من نوع خاص وغريبٌ جدًا عليها، لقد حاولت مرارًا وتكرارًا طوال طريق العودة بالحديث معه، ولكنه كان يقابلها بالوجوم والصمت هو السائد بينهما...حتي عندما توسلت إليه بأن يخبرها بإسم الشركة لتتفاوض هي معهم فكان يقابلها بذلك الرد البائس بدون حتي أن ينظر إليها " خلاص مبقاش ينفع "...عادت تلك الفكرة تلح عليها من جديد بأن خطبتها هي سبب حزنه، ولكنها وبخت نفسها بشدة على تلك الفكرة البلهاء كما اسمتها فلمَ ستحزنه خطبتها فلا يوجد سبب منطقي لتلك الخرافات!...تناولت هاتفها المحمول لتجد عدة اتصالات هاتفية فائتة من "مالك" فأبتسمت بإرهاق؛ وقامت بالضغط على عدة ازرار فأتاها صوته عبر سماعة الهاتف قائلًا بلهفة يشوبها بعض العصبية :
_أنتي فين؟!...رنيت عليكِ كتير مش بتردي ليه؟!
تنهدت بإحباط، وابتسمت إبتسامة صغيره لم تصل لعينيها :
_كان عندنا شغل أنا ومجد؛ ولسه راجعه من بره.
حك شعره بغيظ، وقد تملكت منه غيرته فسألها بإستنكار حاول إخفائه خلف نبرته الجليدية :
_وأنتي متعوده تخرجي معاه بالليل؟!
لم تفهم المغزي من سؤاله، فأجابته بعدم إهتمام وهي تحرر نفسها من ثوبها :
_اه عادي أحيانًا بيكون فيه شغل فبنخرج بالليل.
كانت إجابتها طمأنينه لعقله الذي لم يرحمه بكونها تحمل المشاعر لصديقها اللزج؛ مما جعله يبتسم بإرتياح، وسألها بإهتمام :
_هتعملي إيه دلوقتي؟!
حركت كتفيها لأعلي ولأسفل بلامبالاة، واتجهت نحو حاسوبها المحمول :
_هشتغل شوية، وبعدين هنام علشان عندي شغل في الجامعة الصبح.
تمتم بتفهم، ثم سارع بتذكيرها بموعد مقابلتها لوالدته غدًا :
_بكره هتقابلي والدتي الساعة تمانية.
أخبرته بأنها علي وعدها ولن تنسي الموعد، وفي داخلها لا تعلم لِمْ انخفضت نبضات قلبها بكل ذلك القلق، وكم أسعدها صوت الخادمة التي أخبرته بإذن لديه ضيوف مما جعله يعتذر لها منهيًا للحديث بينهما فلا يوجد أي طاقة لديها في الحديث معه خاصة في ذلك الوقت!...وضعت كفها علي موضع قلبها حتي تستشعر تلك النبضات الخافتة...تشعر وكأن ثقل ما وضع علي قلبها، فطمأنت نفسها بأن ذلك أمرًا عاديًا كونها ستقابل والدة شريكها فهذا حتمًا كان سيحدث إذا قابلت أي سيدة أخري! بالإضافة لكونها من الطبقة المخملية مما يشعرها بمزيٍد من القلق!...نفضت عنها تلك الأفكار مفوضة أمرها لخالقها وابتدأت عملها بمشاعر مختلطة يسودها الحزن علي رفيقها، والقلق والتوتر من ذلك اللقاء الحتمي!
❈-❈-❈
علي الجانب الآخر
صف "مجد" سيارته بمحازاة ذلك النهر العظيم الذي حظي منذ فجر الحضارات باهتمامٍ واسعٍ، فهو أساس تشكّل الحضارات المصرية ونهضتها، والذي اعتُبر من أهم مقوّمات وجودها...افترش الأرضية الترابية واضعًا ساقيه لأسفل في إتجاه المياة ناظرًا أمامه في اللاشئ...مازال لا يستوعب أمر خطبتها يشعر وكأن تلك الغبية تمازحه! رفع وجهه للسماء متمنيًا أن يكون مجرد كابوسًا سيستيقظ منه!...تناول نفسًا عميقًا وزفره بقوة ناظرًا لبخار الماء الخارج من فمه بفعل برودة الجو ثم خاطب تلك المياة أمامه كما كان يفعل دائمًا منذ الصغر :
_طب اعمل إيه؟..اقولها؟...أنا أحق بيها منه...أنا اللي أعرف كل حاجه عنها.
تنهد بوجع وعاد يستكمل حديثه قائلًا :
_أنا اللي بفهمها من نظرة عنيها...فضلت مخبي ست سنين علشان خايف من عقدها، خوفت تبعد.
ألح عليه قلبه بشدة بضرورة الذهاب إليها وأخذها في أحضانه حتي يبث لها جميع أشواقه ويخبرها كم عشقها لدرجة أنه صام عن التطلع في جميع النساء مستشعرًا بأن نظره لغيرها يعد خيانة لها...لقد أصبحت شاغله الأول في جميع أوقاته...يستنكر تمامًا أنها ستصبح لآخر!...ذكره عقله بتلك السعادة التي كانت تزين ملامحها قبل أن يقابلها هو بالإحباط، وأنها أختارت شريك غيره فلا داعي لفرض نفسه عليها فلقد كان أمامها طوال السنوات الماضية لكنها اختارت الآخر!...آلمه قلبه بشدة من تلك الكلمة الأخيرة؛ ورفع وجهه للسماء بعدما دمعت عينيه :
_يارب...أنت اللي عالم بحالي...يارب خفف عني وارشدني اعمل إيه؟
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي
استندت "ميرا" علي الطاولة أمامها تحاول أن تستجمع بعضٍ من تركيزها حتي تستطيع إنهاء تلك اللوحة أمامها قبل انتهاء موعد السيكشن...خلعت سترتها وبقت فقط بكنزة صوفيه خفيفه رغم برودة الجو!، المتها عضلات ذراعها بقوة فألقت بالقلم من يدها بعصبية شديدة لم تصل إليها يومًا ما، واندفعت الدموع نحو مقلتيها بسبب ما تمر به من إعراض بسبب إنسحاب ذلك المخدر اللعين من دمائها...فلقد وعدت نفسها بضرورة التوقف عن تعاطي تلك السموم مجددًا؛ ولكنها لم تعد تحتمل ذلك الصداع وكل تلك الآلآم...ربتت "روان" علي كتفها فشهقت "ميرا" والتفتت للوراء بخوف مما استرعي انتباه الأخيرة لها فقد كانت بمظهر فوضوي عكس ما عهدتها؛ فسألتها بإهتمام :
_أنتي كويسة؟!
نكست "ميرا" رأسها لأسفل حتي تهدأ من روعها ثم رفعت أنظارها إليها، وقد كانت تلك المرة الأولى التي تقابلها بعد يوم الحفل اللعين!...طالعتها "ميرا" من أعلي لأسفل بتقييم أنثوي بحت حتي تري ما الذي يميزها عنها ليفضلها "مالك" عليها!...انتبهت "روان" لشرودها وتعرق جبهتها رغم برودة الطقس فشعرت بالإستغراب، وناولتها إحدى المحارم الورقية لتجفف وجها فتناولته الأخري وشكرتها بخفوت، فعادت "روان" تسألها بذلك الإهتمام الذي أشع من عينيها :
_محتاجة حاجه في اللوحة؟!
قرأت "ميرا" نظرات الإهتمام الحقيقي التي انبعثت من أعين غريمتها فحركت رأسها بلا وأشاحت بوجهها عنها، ثم عادت بإمساك إحدى الأقلام المخصصة لرسم تلك اللوحات دون أن توليها أي إهتمام!...أرتعشت يديها بشدة فزفرت بإنفعال حقيقي، وامسكت بهاتفها المحمول لتهاتف صديقتها حتي تجد لها حلًا في تلك الورطة التي كانت سببًا رئيسيًا بها...حاولت عدة مرات حتي أغلقت الأخري الهاتف في وجهها مما جعل الغضب يتفاقم بداخلها وشعورًا يلح عليها بضرورة قتل أحدهم!
❈-❈-❈
في مقر شركة مالك نصار
تهادت "ميرنا" بحذائها ذو الكعب العالي علي أرضية مكتب "مازن" والذي استقبلها بإبتسامة واسعة أظهرت تقاسيمه الوسيمة بعدما علم بهويتها فأقتربت منه بدلال أنثوي مصافحة إياه قائلة بعتاب :
_بقي كل ده علشان اعرف أقابلك؟!
أشار إليها بالجلوس قائلًا بلباقته المعتادة :
_الشركة نورت...لو كنت أعرف إن القمر بنفسه جاي كنت لغيت كل مواعيدي، واستقبلتك بنفسي علي باب الشركة.
لمعت عينيها بفرحه وحدّثته بخجل مصطنع :
_merci يا مازن طول عمرك جنتل اوي .
ابتسم لإطرائها، ورفع سماعة الهاتف الداخلي لمكتبه سائلًا إياها بإهتمام :
_تشربي إيه؟!
شكرته بلباقه، ثم تصنعت الحرج :
_في الحقيقة أنا مش جاية زيارة..أنا...أنا هطلب منك طلب بس خايفة تحرجني!
ضيق مازن عينيه بعدم فهم، وقد شعر بالاستغراب من حديثها؛ فنظر إليها بثبات قائلًا بجدية :
_ميرنا...أنتي مش غريبة وعيب الكلام اللي بتقوليه ده، أكيد لو في إيدي أساعدك مش هتأخر!
هزت رأسها بتفهم وأردفت بهدوء :
_عاوزه أشتغل معاك هنا.
رمش "مازن" بأهدابة عدة مرات ثم استرسل حديثه بنفس جديته السابقة :
_أيوة بس أنتي لسه بتدرسي وكده الشغل هيعطلك.
نفت برأسها، وحدثته بإصرار وإستماتة :
_متقلقش..أنا هعرف اوازن بين الشغل والدراسة.
أطرق برأسه لأسفل شاعرًا بالإحراج من طلبها المفاجئ فهو يعلم بمستواها الدراسي المتدني؛ أستشعرت هي رفضه بالعمل معه فسارعت بتمثيل دور الأسف :
_أنا آسفه يا مازن مكنتش اعرف إن طلبي هيحطك في موقف الإحراج ده...أنا آسفه بعد إذنك!
أجلي صوته مناديًا إياها، وقد وجدها فرصة لا بأس بها حتي تقوم بأعمال سكرتيرته والتي ستغيب لشهرين لظروف زواجها...ألفتت إليه بملامح كسها الإحباط فوقف في مقابلتها مباشرة وأردف بنبرة هادئة موضحه :
_استني... السكرتيرة بتاعتي خدت إجازة شهرين علشان هتتجوز...أنتي كده ممكن تشتغلي مكانها لغاية ما ترجع.
تهللت أساريرها بسعادة تلك المرة وشكرته بإمتنان حقيقي :
_شكرًا جدًا أنت حد لطيف أوي.
ابتسم لها بمجاملة، وأشار إليها بالتقدم أمامه حتي يُريها مكتبها فتقدمت أمامه تتهادي في خطواتها بغنج أنثوي مما جعله يقيم قدها بتقييم ذكوري بحت، وأبتلع لعابه شاعرًا بالضيق من ملابسها الفاضحة ولا يدري بينه وبين نفسه كيف سيحدثها في ذلك الأمر!
❈-❈-❈
في مساء نفس اليوم
أخذت تقلب في دولاب ملابسها حتي تختار أنسب ما ترتديه في تلك المناسبة، شعرت بالحيرة الشديدة من إختيار الزي المناسب، ولأول مره منذ فترة طويلة تتمني لو كان لديها صديقة لتشاركها في تلك اللحظات...ابتسمت بسخرية حينما وجدت نفسها محاطة بكمٍ هائل من الثياب يكفيها لعشرة سنوات كما كان يزعم والدها دائماً حينما كان ينفق عليها، وأول ما طرأ في عقلها "ماذا كانت سترتدي إذا كانت علي حالتها السابقة منذ ثمانِ سنوات!!...حمدت ربها كثيرًا علي ما أهداها من النعم، واختارت إحدي ثياب الخروج المتأنقة بدون أي تكلف، وتركت شعرها منسدلٍ حول كتفيها، كما قامت بوضع زينة وجه بسيطة للغاية لم تخفي ملامحها الأصلية ثم وصلها تنبيه بإحدى رسائل مواقع التواصل الإجتماعي والتي لم تكن سوي من "مجد" وكان محتواها "أنا كويس متقلقيش...كان عندي شغل مهم في العين السخنة واضطريت أسافر فاجأة"...سارعت بإرسال رساله أخري إليه حتي تسأله عن موعد عودته فوجدته قد أغلق شبكة الأنترنت فلم تصله الرسالة....تنهدت بإرتياح بأنه بخير فلا يهم أي شئ آخر، والتقطت حقيبتها متجه لإسفل وفي داخلها رغبة ملحة بإلغاء ذلك الموعد ولكن إلي متي الهرب؟!
❈-❈-❈
طرقت "ميرا" بعنف علي منزل رفيقتها فقابلتها الخادمة قائلة بهلع :
_خير يا آنسه ميرا؟!
لم توليها الأخيرة أي إهتمام وسألتها بنبرة مرتفعه قاربت على الجنون :
_ميرنا هنا ؟
اومأت لها الخادمة برأسها فأزاحتها "ميرا" من أمامها واتجهت نحو السلم مهرولة مباشرة نحو رفيقتها...أقتحمت باب الغرفة بعنف مما جعل "ميرنا" تنتفض في مكانها، وسألتها برعب من هيئتها التي لا تبشر بالخير :
_فيه إيه؟...إزاي تدخلي عليا كده؟! خضتيني.
_مش بتردي ليه علي الزفت؟!
قابلتها الأخري بحركه من كتفيها قائلة ببرود ولا مبالاة :
_كنت مشغولة.
تناولت "ميرا" نفسًا عميقًا وحبسته في صدرها بضع ثوانِ في محاولة بائسة منها لتهدئة أعصابها التي بائت تفقدها كثيرًا في الآونة الأخيرة، ثم سألتها بضجر ونفاذ صبر :
_إزاي ابطل الزفت اللي أنا باخده ده؟!
شعرت "ميرنا" بالغضب كونها ترغب في التوقف عن تعاطي تلك السموم البيضاء فأجابتها بضيق مكتوم :
_مش هتعرفي تبطليه!
اتسعت أعين "ميرا" من إجابة الأخري، وسألتها بإستنكار :
_مش أنتي قولتيلي إنك وقفتيه؟!
حركت الأخري رأسها نافيه، ثم شمخت بكبرياء وردت بقرف :
_أنا قولتلك إني جربت كام مره علي فترات متباعدة أوي مكنتش باخده زيك كده...أنتي محتاجة مصحة لعلاج الإدمان.
أُصيبت بالصدمة من حديث الأخيرة فكيف ستذهب لمصحة بدون علم الأخرين؟!...بأي حجة ستختفي عن الناس؟!...سيعرف الكل بإدمانها وبالتأكيد سيتشمتون بها وبأهلها؛ دمعت عينيها بقوة فلا أحد من عائلتها يستحق منها كل تلك الخيبة، ثم جففت دموعها وسألتها بإنهاك ويأس :
_ينفع ابطله لوحدي؟
طالعتها "ميرنا" بسخرية وبدون أي نظرة شفقة واحدة فقد حانت تلك اللحظة التي كانت تنتظرها منذ سنوات! ثم أخبرتها ببرود :
_هتتعبي وهترجعيله تاني..مش هتقدري تسبيه!
تذكرت "ميرا" انهزامها المخزي أمام ذلك المسحوق الأبيض منذ بضع ساعات بعدما وعدت نفسها بضرورة التوقف عن تعاطيه، ولكن قد سال لعابها عليه رغمًا عنها بعدما تمكن الألم من رأسها وانهكها قلة التركيز وإرتعاش يديها بشكل مرئي للآخرين؛ ففرت من أمامها مسرعه بدون أن تتفوه بأي حديث، وقد شقت الدموع الطريق نحو وجنتيها...طالعت "ميرنا" أثرها بتشفي خالص وأردفت لنفسها بنبرة شيطانية :
_ولسه يا ميرا هكسرك وأحرق قلبك كمان وكمان.
❈-❈-❈
أدارت "رونا" محرك سيارتها متجه إلى منازل أحد أصدقائها هاربة من المواجهة مع تلك "الجرباء" كما أسمتها...وقبل تحركها لمحت أخيها يقوم بفتح الباب لها فتمتمت ببعض الكلمات الساخطة :
_والله عال يا سي مالك بتفتح الباب كمان للشحاته!
أشتعل رأسها بالغيظ ففرت متحركة بسيارتها قبل أن ترتكب بها إحدى الجرائم، بينما علي الطرف الآخر...طالعت "روان" الڤيلا بإعجاب حقيقي فقد كانت تتكون من ثلاث طوابق مبنية علي الطراز المعاصر فقيمتها تقييمً معماريًا بحت!...لمح "مالك" نظرات الإعجاب تشع من عينيها فأبتسم بإنتشاء ذكوري وأخبرها بعنجهيه :
_المهندس اللي صممها إيطالي، واتبنت من حوالي سبع سنين.
اومأت له برأسها بتفهم ثم سألته بترقب :
_يعني دي أصلًا مش بيت باباك؟!
هز رأسه بنفي وابتسم لها بمرح قائلًا :
_دي حكاية طويلة أوي هبقي أقولك عليها بعدين.
اومأت له برأسها وعادت من جديد تشعر بالإرتباك فسألته بقلق مشيرة لنفسها :
_هو كده حلو؟!...أقصد يعني شكلي مناسب؟
أسبل عينيه متطلعًا إليها بهيام :
_زي القمر.
احمرت وجنتيها فأتجهت للسير أمامه بصمت مما أرضي رغبة ذكورية بداخلة!...اتجها معًا نحو صالة الإستقبال بداخل المنزل، وجلسا معًا بضع دقائق في إنتظار "هالة"، وقد ظهر علي كلًا منهما مشاعر متغايرة من الفرحة من جهة "مالك" والتوتر والقلق من جهة "روان"...أستشعر الأخير حالتها فربت علي كفها بدفء مطمئنًا إياها بمرح :
_متقلقيش ماما مش بتعُض.
ابتسمت له بإمتنان وسارعت بسحب كفها من أسفل كفه بحرج ولم تعقب، دلفت "هالة" إلي صالة الإستقبال وقد كسى الجمود ملامحها ترتدي فستانً من الصوف يصل لما بعد ركبتيها بقليل، ويحدد تقاسيمها بإغواء لا يتناسب أبدًا مع سنوات عمرها التي قاربت على الستين كما خمنت "روان"...لم تشعر "روان" بالراحة أبدًا لتلك السيدة من طلتها؛ ولكنها رسمت إبتسامة صغيرة مجاملة علي وجهها ثم مدت يديها للسلام عليها فسلمت الأخري بأطراف أصابعها بإستعلاء مما أشعر الأولي بالحرج.
_سيبنا لوحدنا شوية يا مالك!
ألقت "هالة" بأمرها لوحيدها فقابلها "مالك" بنظراته الراجية، لكنها لم توليه أي إهتمام، طالعته "روان" بعدم فهم فبادلها بالنظرات المشجعة، واتجه إلى الباب مغادرًا الغرفة... طالعتها "هالة" بتقييم نسائي ثم طالعت علبة الشيكولاتة التي أحضرتها "روان" ببعض الرضا ثم اتجهت للجلوس علي أحد المقاعد بإستعلاء واضعة إحدي ساقيها فوق الأخري ثم أشارت للآخري بالجلوس...تعالى الغضب بداخل "روان" فسارعت بتهدئة نفسها حتي يمر ذلك اللقاء علي خير!!
_أنتي بتشتغلي إيه يا رنا؟!
سألتها "هالة" بتكبر مما جعلها تشعر بالتعجب قليلًا ثم وضعت إحدى خصلاتها خلف أذنها وأجابتها بتوضيح :
_أنا إسمي روان!
حركت "هالة" كتفيها بلامبالاة مصطنعة ثم ابتسمت لها بإصفرار :
_مش هتفرق رنا أو روان.
بادلتها "روان" الإبتسام بإصفرار هي الأخري وفي داخلها قد فهمت تلك الشخصية الماثلة أمامها والمسماة بهالة فقررت أن تتعامل معاها بمثل طريقتها وكم اعتادت طوال سنوات دراستها وعملها بشركات والد "مجد" علي تلك الشخصيات المشابهه لها فوضعت إحدي قدميها فوق الأخري وأجابتها بفخر :
_أنا بشتغل مهندسة في شركة International اونلاين، ومعيدة في BUE بالإضافة إني أحيانًا بساعد صديق ليا في شركات والده.
طالعتها "هالة" بذهول وإعجاب حقيقي حاولت إخفائه خلف قناع الجمود؛ فلاحظته "روان" وابتسمت بإنتشاء وزهو...إغتاظت الأخري من إبتسامتها فتمتمت بسخرية :
_أوه...هايل، وعلي كده والدك بيشتغل إيه؟!
توترت "روان" من الحديث عن والداها ولكنها حاولت إستدراك الأمر فأخبرتها بهدوء :
_بابا بيشتغل موظف في الإدارة الصحية في الدقهلية.
اومأت "هالة" بتفهم ثم سألتها بجهل مصطنع :
_إيه ده أنتي من الأرياف؟!
أخبرتها "روان" بنعم مؤكده كونها من أسرة تنتمي قليلًا للحياة الريفية...فعادت الأخري تسألها بتعجب وذهول زائفان :
_بس غريبة إن المناطق دي عندهم بنات متعلمين! أنا أعرف إن المناطق دي ناسها جهلّه!!
تفاقم الغضب بداخل"روان" وشعرت بإحتراق أعصابها حتي كادت أن تلفظ الدخان من أذنيها؛ ولكنها عادت تذكّر نفسها بضرورة خروجها من ذلك البيت منتصرة! فأبتسمت لها بإصطناع وأجابتها بنبرة جليدية باردة :
_لا مفيش كلام الأفلام ده... دلوقتي الريف بيخرج منه الدكتور، والمهندس، والقاضي، وحتي رئيس الجمهورية، وأكبر دليل على كلامي أنا قدامك اهو مهندسة وجوزي هيكون business man يعني مفيش أي جو الفروق الطبقية ولا التعليم ده!
حمل حديثها الأخير كثيرًا من التشفي والسخرية، وقد ظهرت نتيجته جليه علي وجه الأخري فتحرك جفنها بحركات متتالية سريعة من الغضب، وصمتت بضع ثوانِ حتي تستجمع شتات نفسها بعدما ذكرتها تلك "الحقيرة" بالكارثه التي أوشك ابنها علي ارتكابها في حقهم!..اعترضت السيدة قائلة بإبتسامة واثقة :
_اختلف معاكي يا روان...الباشا هيفضل باشا والناس فاكرة أصله، وبرضه البواب هيفضل بواب والناس فاكرة أصله..أنا أهو أهلي من أكبر عائلات الصعيد، ووالد مالك كان business man مشهور...الوظايف عمرها مش بتأثر في أصل الإنسان.
عارضت "روان" بإحدي الأصوات التي أصدرتها من لسانها وابتسمت لها إبتسامة بلهاء :
_ للأسف مش هنختلف في النقطة دي... الزمن بيغير أي حاجة، وزي ما أنتي عندك الڤيلا الكبيرة دي بكره أنا كمان بنت الموظف هشاركك فيها، وإن شاء الله بعد زمن طويل يعني ربنا يديك الصحة هتبقي بتاعتي!
شعرت "روان" بالخطر من نظرات السيدة عقب حديثها الأخير؛ فأصابها بعض الإرتباك، ولكنها لم تستطع إخفاء ذلك التشفي الذي شعرت به ناحيتها، ودعت بداخلها بأن لا يتأخر "مالك" أكثر من ذلك ، ولم تمر ثواني حتي أستجاب الله لدعائها وسمعت صوته يهتف بمرح وقد جلس على ذراع كرسي والدته :
_اتعرفتوا علي بعض؟!
اومأت له"روان" برأسها بينما ردت "هالة" أخيرًا وقد تخلت عن صمتها بعدما أخرستها تلك الجرباء :
_لطيفة روان يا مالك...حقيقي ذوقك هايل!
لا يدري "مالك" لِمْ شعر بعدم الإرتياح من ذلك الحديث الذي دار بينهما، ولكنه ابتسم لوالدته بحبور مقبلًا يديها مما جعلها ترمق الأخري بتحدي، وقد تأكدت بأن تلك "روان" ليست لقمة مستساغة علي الأطلاق مذكره نفسها بحديث ابنتها لتتأكد بأن معها كل الحق في وصفها لها فأزداد إصرارها أكثر بأن يتم الزواج في تلك الڤيلا خوفًا من إختلاء تلك الحرباء بإبنها!
❈-❈-❈
أوصلها "مالك" إلي سيارتها مودعًا إياها ثم سألها بإهتمام حقيقي :
_ليه حاسس إنك زعلانة؟!
ابتسمت له بإرهاق، وقد تأكدت من سر ذلك الثِقل الجاثي علي قلبها منذ ليلة أمس؛ فردت بنبرة هادئة محبطة بعكس حالتها في الداخل :
_لا أبدًا فرحت أوي...مامتك ست راقيه وهاي كلاس.
بادلها الإبتسام وهز رأسه بتأكيد لحديثها ثم عاتبها قائلًا بجدية :
_برضه مصممه تروحي لوحدك؟!...كنت عاوز أوصلك أنا.
_معلشي بلاش المرادي...كفاية إنك جبتني لغاية هنا.
_طيب بكره هكلم خالك نتفق على قراية الفاتحة.
اومأت له برأسها، واستقلت سيارتها متجهة علي الفور إلى خارج تلك الڤيلا اللعينة كما أسمتها! وفي داخلها تتخبط أفكارها بين طيات عقلها حول ذلك اللقاء فلم تشعر بذرة إرتياح واحدة لتلك السيدة فقد بدت لها كإبنتها تمامًا أو ربما أسوء منها لا تعلم! لِمْ لم تكن تلك المدعوة "هالة" كالسيدة الحنون "كاميليا" والدة صديقها فكلاهما من نفس الطبقة المخملية؟!، وربما "كاميليا" أكثر ثراءًا ورقيًا منها!...لا تدري لم قارنت بين السيدتين! ولكنها أشادت بنفسها في ردودها عليها :
_ولية حرباية ملهاش إلا كده.
أدارت عجلة القيادة حتي تأخذ طريقًا جانبيًا، ولم تري تلك السيارة القادمة هي الأخري في عكس إتجاهها فأنعطف السائق بحركة صبيانية للدوران مما أدى لإرتطام السيارتين معًا!
يُتبع