-->

الفصل الرابع عشر - أشواك وحرير

 



الفصل الرابع عشر

”إذا أخفق الشيطان في التسرب إلي مكان أوفد المرأة“


                                            ”مُقتبس“



استلقي "مالك" علي ظهره متطلعًا في سقف حجرته بشرود تام حول أحداث يومه... لم يقتنع أبدًا بذلك الوجه الهادئ المسالم الذي حاولت والدته إيصاله إليه، يشعر وكأنها تخطط لشئ ما فهو يعلم والدته تمام المعرفة بأنها لا تتقبل تلك الفوارق الطبقية، وما أكد له شعوره هدوء "روان" وصمتها عقب المقابلة...انتبه لرنين هاتفه المحمول فأجاب بلهفة عندما لمح إسمها :


_وصلتي؟!


آتاه صوتها متحشرجًا عبر سماعة الهاتف :


_أنا عملت حادثه.


هب من مكانه مسرعًا وقد استطاع الخوف أن يسيطر عليه فتعالت ضربات قلبه، وكل ما فكر فيه هو احتمال خسارتها كزوجته الراحلة!...أكملت حديثها بتعب وانهاك :


أنا في القسم مش معايا إثبات شخصية..لو سمحت تعال خرجني.


سألها بهلع وهو يبدل ثيابه بسرعه :


_قسم إيه؟


أجابته ببعض الكلمات البسيطة ليستنتج من حديثها مكان القسم القريب من بيته فطمأنها بنبرة هادئة مصطنعه :


_طب اهدي اهدي أنا عشر دقايق واكون عندك.


أغلق الخط، وسارع بإرتداء ملابسه بقلق متجهًا إليها وهو يتمني بداخله أن تكون بخير.



❈-❈-❈



في إحدى المقاهي ببلدة روان


ارتشف "عاصم" بعض قطرات من كوب الشاي أمامه، متطلعًا بترقب في "محمود" الجالس أمامه بهدوء تام...حك لحيته بأظافره الطويلة التي يظهر منها الوَسخ ثم سأله بنبرة متوجسة :


_خير؟!..إيه سر المقابلة دي؟


تناول الأخير نفسًا عميقًا حتي يهدأ من أعصابه إستعدادًا لحديثه القادم، ثم أجابه ببساطة :


_روان جالها عريس.


ضحك الأخر بسخريه :


_وإيه الجديد يعني؟..ما هي دايمًا بيجيلها عرسان وترفضهم لما بقت زي الخيار المخلل.


لم يُظهر "محمود" أي مشاعر تجاه سخرية طليق شقيقته؛ فلقد اعتاد على طباعه المتدنية طوال الثلاثين عامًا الماضية مما جعله يُجيبه بهدؤه المعتاد :


_العريس هي اللي جيباه المرادي، وكمان موافقه عليه.


ظهرت علي "عاصم" علامات الحيرة والتعجب فسأله بإهتمام حقيقي :


_اوعي يكون العريس الواد ده ابن الذوات اللي ماشيه معاه؟


رمقه "محمود" بإشمئزاز وقرف من خوضه في عرض ابنته بمثل تلك الطريقة الوقحة؛ ثم أجابه بإستهجان ونبرة مرتفعه قليلًا :


_مجد يبقي صاحب الشغل بتاعها مهياش ماشيه معاه، وبالنسبة للعريس فهو راجل أعمال برضه أُعجب بيها وبأخلاقها.


هم "محمود" بالرحيل من أمامه بغضب شديد بينما الآخر لمعت عينيه بسعادة حقيقية فأمسك بساعده مسرعًا قائلًا بإستنكار :


_الله..الله!...الكلام يبقي أخد وعطا مش كده.


عاد "محمود" لمقعده زافرًا بتأفف بعدما لمح أنظار الأخرين موجّه نحوهما، فأستطرد "عاصم" قائلًا :


_البت دي طول عمرها بتقع واقفه!


لم يأبه "محمود" له وكأنه غير موجود فأكمل حديثه بلامبالاة ونفاذ صبر :


_مالك وأهله هييجوا يقرأوا الفاتحة، ويلبسوا الشبكة.


اضطجع "عاصم" في كرسيه راجعًا بظهره للخلف، ثم وضع احدي قدميه علي الأخري بكبرياء، وسأله بإنفه :


_طب وأنا إيه المطلوب مني؟


شعر الأخر بالتعجب وظهرت عليه علامات الاستغراب فسأله مستنكرًا :


_أنت اتهبلت يا راجل أنت؟...بقولك بنتك هيتقرأ فاتحتها تقولي إيه المطلوب مني؟!


_طب وبنت الكلب دي مكلمتنيش هي ليه؟...ولا أنا يعني مشبهش؟!


ابتسم له "محمود" بسماجه ثم أخبره ببرود :


_لا ما هي مكنتش عاوزه إنك تعرف أصلًا .


أصدر أحد الأصوات الوقحة من فمه، وسأله بتجهم وضيق :


_ليه؟...هو أنا يعني كنت عدوها؟!..بنت الكلب مطمرش فيها دم قلبي اللي صرفته عليها!...واد يا سيد تعالي هاتلي حجر يروق دمي!


_وهو أنت كنت قدمت السبت علشان تلاقي منها الأحد؟!...ما أنت طردتها، ومسألتش فيها ولا في علاجها.


سحب بعض الدخان من ارجيلته ثم زفره بإستمتاع شديد، وأردف بإصرار متهكم :


_أنا أبوها مش هي اللي أمي... والله عال هتيجي العيال علي اخر الزمن يحاسبوا أهاليهم!


لم يرد عليه "محمود" لأنه متأكد تمامًا من قناعاته

الغريبة التي يأبي الزمان أن يخلصه منها، وتسأل في نفسه "كيف استطاعت شقيقته تحمل ذلك الصعلوك طوال الثلاثين عامًا الماضية؟!..يالها حقًا من طويلة البال! "...وضع بعض الوريقات المالية أسفل كوب الشاي الخاص به وودعه قائلًا بتأكيد :


_لازم امشي عندي معاد مهم...متنساش الخطوبة.


عاد عاصم إلي ارجيلته ساحبًا منها بعض الدخان ثم ودعه هو الآخر بسخريه :


_سلام يا أخويا.


تفحص الوريقات المالية أمامه فظهرت علي وجهه إشارات عدم الرضا :


_الله...الله... البجح مشي من غير ما يحاسب لي علي تمن الشاي والحجر!



❈-❈-❈



جلست "روان" في مكتب ظابط القسم منكسه رأسها لأسفل تشعر بالغضب، والمقت حيال نفسها بعدما تخلت عن حقها أمام ذلك الحقير...فبعد أن أخبرها الضابط بأنه سيحصل لها علي حقها وتأكد من صدق حديثها حول تعاطي غريمها للخمور، بالإضافة لمحاولته بلمس جسدها اللذان أكدها الرجلان؛ لذلك أقدمت على صعقه بالكهرباء فأنتابتها سعادة هائلة سرعان ما تحولت لحزن وخيبة أمل بعدما دلف عليهم ذلك الرجل الوقور ذو الشعر الأشيب؛ ليظهر أنه محامي غريمها ،والذي اتضح أنه من أبناء أحد رجال الأعمال الكبار في البلد ثم أخبرها بكل وقاحة بضرورة تخليها عن ذلك المحضر والأ سينقلب المحضر ضددها، وخاصة عدم امتلاكها لأية شهود بعدما هددهم الرجل بنفوذ حليفه فأضطر الرجلان للرحيل :


_أنتي زي بنتي، ومرضاش ليكي بالبهدلة...الشهود هيخافوا يعادوا صلاح بيه لا وممكن كمان يشهدوا إن أنتي اللي تعديتي عليه بالضرب وفتحتي دماغه وصعقتيه!


نظرت له "روان" بصدمة من حديثه، ولم تستوعب حقًا كيف استطاع قلب الطاولة عليها، فبعدما كانت المجني عليها قد حولها ذلك الشيطان للجاني قاومت شعور الريبة وردت عليه بهدوء وثقه :


_الولد مخمور، وأكيد الشارع فيه كاميرات!


لم يهتز للأخر جفن ورد عليها بثقه مضاهيه لثقتها :


_هتثبتي إزاي إنه مخمور وإحنا نقدر نثبت العكس؟!..ثم إن الكاميرات لو اتفرغت...أنتي هتبقي سعيدة وأنتي بتقولي للناس إن حته من جسمك اتلمست!...شكلك بنت ناس اقبلي الصلح، وتصليح العربية وبلاش تبهدلي نفسك في الأقسام! ده أنتي حتي جايه من غير بطاقة، والولد عيل وغلط مش أخر الدنيا يعني!


رمقته بكراهيه فقد استطاع ذلك الحقير أن يتلاعب بعقلها ويُشعرها تمامًا بالخوف، والعار!!...فكيف حقًا ستواجه أهلها إن علموا بتلك الحادثة بالإضافة كيف سيظن بها "مالك"؟!...لتضطر آسفًا أن تقبل بذلك الصلح.


_شجاعتك عجباني...أنا كنت زيك وأنا في سنك!


أخبرها بها المحامي لترفع أنظارها إليه رامقةً إياه بمزيجًا من القهر والكراهية، وقد أبت عينيها زرف الدموع وكأنها إلي الآن لم تستوعب ما تمر به، ثم أخرجت هاتفها المحمول لتهاتف صديقها حتي يخرجها من ذلك القسم بعدما تحولت لحبيسة مجهولة الهوية..ضغطت على عدة أزرار ثم تذكرت أنه خارج البلاد...صفعت جبهتها بضيقٍ شديد فلم يعد أمامها سوى"مالك" فهاتفته متوجسة تمامًا من ردة فعله وسؤاله عن سبب تواجدها هنا فهي إلي الآن لم تعرف طباعه!


أفاقت من دوامة شرودها علي صوت "مالك" الذي دلف إلي حجرة الضابط، ثم ركع في مواجهتها مباشرة سائلًا إياها بقلق :


_أنتي كويسه؟


رفعت أنظارها إليه ثم حركت له رأسها بصمت...سأل "مالك" الضابط بإستفهام بعدما أعطاه بطاقته :


_ممكن أعرف إيه سر إحتجازها؟!


أبتسم له الضابط بمجاملة ثم أشار إليه بالجلوس مطمئنًا إياه :


_الهانم عملت حادثة بسيطة، ومش معاها إثبات شخصية مش أكتر.


لم يقتنع "مالك" بحديث الضابط حول سبب إحتجازاها فما هي علاقة الحادث بدخولها للقسم؟...لمح أحد العساكر يقوم بجمع محتوياتها الشخصية بما فيها ذلك الصاعق الكهربي الذي رآه في شقته؛ فرمقها بتساؤل لتشيح عنه عينيها بحزنٍ لم يعلم سببه إلي الآن!



❈-❈-❈





في سيارة مالك


استكانت "روان" في كرسيها بصمت شديد محتضنه حقيبتها بذراعيها وكأنها تستمد منها قوتها حتي لا تنهار أمامه...نقل "مالك" أنظاره من الطريق إليها، وسألها بقلق وتعجب من حالتها :


_مالك يا روان؟!..حد زعلك؟


نفت برأسها بدون حديث ولم تتخلي عن صمتها؛ مما أشعره بمزيٍد من القلق :


_أنا عارف إن حالتك متسمحش دلوقتي بس عاوز اطمن عليكي.


لمحته بطرف عينها، وقد استشفت سبب حديثه فأخبرته بجمود :


_اتفضل اسأل علي طول.


هز رأسه في تفهم وتسائل مستفسرًا :


_أنتي ليه شايلة صاعق؟!


حدقت أمامها في الفراغ وأجابته بلامبالاة مصطنعة :


_احتياطي علشان النماذج الـ**** اللي بنشوفها في الشوارع.


رفرف بأهدابه عدة مرات محاولًا استيعاب سبّتها الوقحة من وجهة نظره فلا يجوز للنساء التلفظ بمثل تلك الألفاظ، وخاصة في حضرة الرجال!...لاحظت صمته؛ فأبتسمت إبتسامة صغيرة لم تصل لعينيها وسألته بسخريتها المعتادة التي لم تتخلي عنها حتي في أوج لحظات حزنها :


_إيه؟...الشتيمة خدشت حيائك؟!


رمقها بغيظ من سخريتها ثم نادي عليها فألتفتت إليه بكامل إنتباهها، فـ حدثها بهدوءٍ تام :


_شوفي يا روان...أنا عارف إن الشتايم ملهاش علاقه بإحترام البنت، بس أنا محبش شريكة حياتي تقول ألفاظ خارجة.


علت أصوات ضحكاتها حتي دمعت عينيها ليشعر هو بالضيق من إستهزأها به وبحديثه؛ ثم سألته بإستنكار :


_أنت بجد وقفت عند الشتيمة، وموقفتش عند الأشكال الزبالة اللي في الشوارع؟!...بتهزر والله!


عادت للضحك مره أخري؛ فألتفت إليها متسائلًا بضيق، وتحفز :


_أنتي فيه حد اتعرض لك؟!


توترت قليلًا من سؤاله فهي لا تدري بما يفكر؛ مما جعلها تقلب عليه الطاولة هي الآخري سائلة إياه بإهتمام وتفحص :


_ولو فيه يعني هتحط الغلط عليا؟!



تملك منه الضيق بسبب سؤالها فرد عليها مستنكرًا :



_أنا مش رجعي يا روان، وعارف إن فيه متحرشين فبسألك علشان اجيب لك حقك!


شعرت بصدق نبرته فتنفست الصعداء، وأخبرته بكذب لم تعتاد عليه يومًا، ولكنها اضطرت لذلك بسبب خوفها :


_لا مفيش بس بشيل الصاعق احتياطي برضه!


طمأنته إجابتها فلكم كان يشعر بالقلق عليها بعدما علم بإمتلاكها للصاعق الكهربي فخشي أن يتعرض لها أحدًا بسبب عيشها بمفردها! بإلاضافة لشعور الفخر الذي تملكه عندما أدرك بعدم تعرضها للمس من قِبل الرجال ولكم أرضي ذلك ذكوريته وبشدة!



❈-❈-❈



صعدت "روان" سلم عمارتها، وقد انهارت تمامًا بسبب  لمس ذلك الحقير لجسدها فسالت دموعها، وهاجمتها تلك الذكري البغيضة منذ ثلاث سنوات أمام باب شقتها فشعرت وكأن الأرض أصبحت كعجينه رخوه أسفل قدميها، وقد تحولت الجدران لجدران عمارتها القديمة!


منذ ثلاث سنوات


عادت "روان" من عملها في التاسعة مساءًا، وبينما كانت تقوم بإخراج المفتاح من حقيبتها...شعرت بقرع أقدام خافتة تقترب منها من الخلف؛ فألتفتت للوراء وتسألت بإرتباك حينما لمحت جارها الشاب يقترب منها :


_فيه حاجه يا أستاذ محمد؟!


لم يجيبها بأي حرف وتابع إقترابه منها ببطء متعمد، فشعرت هي بالقلق خاصة مع حالته التي توحي بأنه مُتعاطيٍ للخمور...لفحت أنفاسه الساخنة بشرة وجهها مما جعلها تصدق حدثها بأنه مخمور، وظهرت علي وجهها إشارات القرف والإشمئزاز؛ فدفعته في كتفه بقوة، وقد شعرت بإنذارات الخطر تقترب منها...حركتها القوية لم تحركه من مكانه فبقي أمامها كالجدار الصلب...حاولت إخراج مفتاحها بثبات مصطنع وكأنه غير موجود فأمسك بساعدها مقربًا وجهه منها قائلًا بنبرة متدنية وقحة :


_يا بت طاوعيني وأنا اديلك اللي أنتي عوزاه.


تعرقت بشدة خاصة وأنها تُوضع لأول مرة في مثل تلك التجربة...حاول تقبيلها فركلته بركبتها بعنف بين ملتقي ساقيه؛ مما جعله يركع علي ركبتيه متألمًا بقوة، ثم حاولت فتح باب شقتها ليتضح لها تمزق حقيبتها وبالتالي سقوط المفتاح...حاولت الهرب من أمامه فأمسك بها مسرعًا صافعًا إياها بقوة حتي أدمي شفتها وتسرب منها خيطًا من الدماء :


_بقي أنا تضربيني يا بنت الكلب!..ورحمة أمي لربيكي، وكمان طلعتي خبرة، ومش سهلة!


كمم فمها بإحدى كفيه حتي لا تستطيع الصراخ؛ برزت عروق وجهها وانتحبت بصمت، كما سالت دموعها بقهر حينما تأكدت بأنها بضع دقائق فقط وستلقي حتفها!...شرع الآخر في تمزيق ثيابها العلوية، وبدأ لعابه في السيلان حينما ظهرت له بشرة جلدها البيضاء :


_صرخي زي ما أنتي عاوزه إحنا في الدور الآخير وأصحاب الشقه التالتة مسافرين، شوفتي مقامك فين؟!...علي السلـ...


لم يكمل حديثه حيث فوجئ بمن يرفعه عنها، ويسدد له الكثير من اللكمات المتتالية، والذي لم يكن سوي "مجد" الذي لحق بها بعدما وجد مفتاحها علي أرضية مكتب والده فسارع للحاق خلفها...استقامت واقفة تلملم بقايا ثيابها الممزقة؛ شاعرة بالخزي والمهانة من رؤيته لها بمثل تلك الحالة واستمرت دموعها في الهطول، بينما الآخر لم يتركه إلا غارقًا في دمائه وقد كسر له ذراعيه...كما علمت "روان" بعدها بأيام أن والد مجد قد زج به في السجن بسبب قضية تعاطي مخدرات ألفقها إليه!


اندفعت "روان" إلي حمام شقتها مسرعه، ووقفت أسفل مياه الدش بكامل ثيابها ثم بدأت في الإرتجاف بقوة حينما شعرت بيد الحقيران علي جسدها، وكأنهما يهاجمانها الآن بالفعل!؛ فتخلصت من ثيابها بعنف، وبدأت في حك صدرها موضع لمساتهما بقوة، وكأنه تريد أن تدميه ثم جثت علي ركبتيها مُطلقه صرخة وجع لم تدري كيف استطاعت كتمانها كل ذلك الوقت!



❈-❈-❈



في صباح اليوم التالي


مالت "ميرنا" بجزعها للأمام في مقابلة مازن حتي تعطيه مجالًا أوسع لرؤيته صدرها البارز من خلف قميصها الضيق المفتوح، ثم أعطته إحدى الأوراق قائلة برقة متناهية :


_اتفضل يا مازن.


رفع الآخير أنظاره إليها فلاحظ وضعية ثيابها الفاضحة؛ فأبتلع لعابه بتوتر، ثم أشاح بعينيه عنها بإحراج، فلاحظت هي تأثيرها عليه؛ مما جعلها تبتسم لنفسها بفخر وحماسة...بضع ثوانِ واستعاد "مازن" ثباته ثم سألها بتجهم :


_هو أنا مش قولت اللبس ده ميتلبسش تاني؟!


احمر وجهها من جرأته معها فسألته بجهل مصطنع :


_ماله لبسي يا مازن؟!


تناول نفسًا عميقًا ثم لفظه بتأفف :


_ضيق وعريان، وإحنا هنا في شركة محترمه!


نكست رأسها بإحراج زائف ثم أخبرته بوداعه مصطنعه :


_أنا آسفه يا مازن مكنش قصدي أسبب لك مشاكل...بعد إذنك.


شعر بفظاظته معها فتملكه الندم حيال نفسه لأنه لم يكن بهذه الفظاظة من قبل مع الإناث،و خاصة إن كن صديقات مقربة لحبيبته وابنة عمه :


_استني!... متزعليش يا ميرنا.


تصنعت الحزن ببراعة شديدة، ولمعت عينيها بسعادة غامرة تمكنت من إخفائها، وقد وجدتها فرصة لا بأس بها لتنفيذ مخططها؛ فردت بإحباط :


_أنا مقدرش ازعل منك يا مازن...أنا بس الأيام دي مشاعري ملخبطة، وبتصرف علي غير طبيعتي بسبب ميرا!


استحوذ إسمها علي كامل تركيزه، ولمَ لا وهي حب طفولته، وحلم مراهقته، وسبب شقاؤه وتألمه في شبابه؛ فسألها بإهتمام حقيقي إغتاظت هي منه :


_مالها ميرا؟!


_هو أنت متعرفش؟!


تضاعف قلقه خاصة مع نبرة الأخرى التي أوحت بوجود كارثة تمر بها ابنة عمه فأخبرها بقلق ونفاذ صبر :


_اخلصي يا ميرنا وقوليلي مالها؟!


لم يعجبها نبرته معها، وشعرت بالضيق والإنزعاج يتسربا بداخل دمائها، وأردفت بقلة حيلة مصطنعة :


_اتلمت علي شلة مش كويسة يا مازن!...كل يوم سهر وشرب، ولسه مش قادره تستوعب إن مالك مش بيحبها!...مش عارفه امتي بس هتشتري كرامتها دي؟!


أصابه حديثها في منتصف قلبه "فهل حقًا تحب رفيق دربه كل ذلك الحب؟!...وماذا عنه؟!..ألا تتذكر له أي شيئًا جيد يستحق عليه أن تحبه؟! أو حتي تشعر بإنكسار قلبه وضعف حيلته معها؟!...اللعنة عليه وعلي قلبه العليل الذي يأبي نسيانها، أو حتي التفكير في غيرها...أكملت "ميرنا" حديثها المسموم دون أن تأبه لحالته التي انقلبت للوجوم :


_ربنا يهديها يا مازن وترجع تركز في مستقبلها، مش عارفه راجل إيه ده اللي تعمل في نفسها كده علشانه حتي لو كانت بتعشقه!


أطرق رأسه لأسفل مركزًا عينيه علي الملف أمامه بلامبالاة مصطنعة، أما هي فأبتسمت بخبث لأنها استطاعت إيصاله لتلك الحالة من المقت تجاه ابنة عمه!...اتجهت للوقوف أمامه مباشرةً، ووضعت كفها البارد على صدره المحترق بنيران الغيرة، والآلم وخيبة الأمل؛ فرفع أنظاره إليها بإستفهام :


_متزعلش يا مازن أنت تستحق واحده أحسن منها وتكون بتحبك...مش هي صاحبتي؟!...بس أنا بقولك متستاهلكش!


أصابه حديثها بالتمزق، والتشتت بين قلبه، وعقله فهو فعلًا يستحق آمرأة تحبه وتخلص له في مشاعرها، ولا تكون فقط مشاعرها نحوه مجرد احتياج!!؛ ليعلن عقله الإنتصار في تلك الجلسة للمرة الأولى علي قلبه!...فلا بد حقًا من نسيانها بغيرها في أقرب وقت حتي يرد بعض الاحترام لكرامته التي هدرتها أسفل أقدامها!



❈-❈-❈





بعد مرور يومين


طرقت "روان" بهدوء علي باب مكتبه، وانتظرت بضع ثوانِ حتي أتاها إذنه بالدخول...رفع عينيه إليها، ودعاها للجلوس بنبرة هادئة للغاية لم يظهر بها أي مشاعر بعكس طبيعته معاها :


_تعالي يا روان.


جلست أمامه واضعه أحد الملفات ثم سألته بإهتمام حقيقي :


_أنت عامل إيه دلوقتي؟


رفع أنظاره عن الحاسوب أمامه، واومأ لها ببطء :


_أنا كويس...أنتي عملتي إيه في موضوعك؟


أصابتها الحيرة والتشتت فأجابته بعدم معرفه محركه كتفيها لأعلي ولأسفل :


_مش عارفه!


ضيق عينيه بعدم فهم، وقد شعر بشعاع من الأمل يلوح في الأفاق؛ ليدس يده في جيب سترته متلمسًا تلك العلبة المخملية السوداء :


_مش عارفه إزاي؟!...احكيلي إيه اللي حصل.


وضعت إحدى خصلاتها الشاردة خلف أذنها وأجابته ببساطة بعدما تنهدت بعمق :


_مش عارفه يا مجد... روحت قابلت والدته، وطلعت ست حرباية.


صمتت بضع ثوانِ تحت أنظاره المترقبة بإهتمام، ثم قصت عليه ذلك الحوار الذي دار بينهما بالتفصيل...لم يستطع أن يمنع نفسه من الضحك بالرغم من حالته المحبطة وانفجر ضاحكًا، ثم تفوه إستنكار :


_ده أنتي داهيه!...قاعدة في بيت الست وتقومي بكل برود تقوليلها ده هيبقي بيتي؟!


ضحكت هي الأخري بقلة حيلة علي ضحكه وسألته مستنكره :


_بقي بتضحك عليا؟!


عادت ملامحه للجديه بعدما هدأت ضحكاته، وأخبرها بكل هدوء :


_مش بضحك عليكي أنتي...بس فعلًا تخيلت شكل الست بصفاتها اللي قولتيها دي بعد ما سمعت كلامك.


اومأت له بتفهم، وابتسمت بصدق، فسألها بقلق وإهتمام حقيقي انبعج من عينيه :


_طب وأنتي هتعملي إيه؟!


رفعت كفيها إليه معًا بقلة حيلة، ثم أردفت بهدوء :


_محتاره أوي يا مجد..مامته ست حربايه بتلعب حرب باردة، وأخته كمان أول مره قابلتها مرتحتلهاش.


ازداد بريق الأمل في عينيه، وكاد أن يتحدث فسبقته هي قائلة :


_بس أنا ليا هو!...مليش دعوه بأهله، وخصوصًا إنه كويس يعني وبيحبني وأنا حبيت ابنه، وأهلي كمان وافقوا عليه!...أنا خايفه لو رفضت أكون بستكبر علي النعمة فعلًا زي ما عندنا في البلد بيقولولي!


استنكر حديثها قائلًا بضيق وصوت مرتفع :


_من امتي وأنتي بتصدقي في كلام أهل البلد؟!...ثم نعمة إيه اللي بتتكلمي عنها؟!..أنتي ليه مش حاسه بقيمة نفسك؟!...ده كمان أنتي محبتيش ابنه..أنتي بس حسيتي ناحيته بالمسؤولية مش أكتر!


قاومت منطقية حديثه التي استشعرتها، وأردفت بنفاذ صبر :


_يا مجد افهمني...أنا كبرت، ومفيش ولا واحد اتقدم لي كنت عوزاه كلهم كانوا متخلفين... دي أول مره حد يتقدم لي يكون شخصه كويس، واكون عوزاه...ممكن مش بحبه ولا حاجه، وكل المشاعر دي اعجاب ومراهقه مني، لأني محبتش قبل كده، ولما جربت أحب لقيت قلبي هيتكسر...فعمري ما هحب تاني!


لم يحاول أن يفهم المغزي الحقيقي من جملتها الأخيرة، و إنما فهمها بأنها أحبت غيره من قبل، وهو لم يكن في حيز رؤيتها من الأساس،فلم تكن له سوي مشاعر الصداقه والمعروف فقط بكونه رب عملها؛ فقاوم بمحاولة أخيرة كصديقٍ لها حتي تتثني عن رأيها فسألها بيأس :


_هتقدري علي أهله؟!


_هحاول، وكمان هو هيكون معايا!


أصابته كلماتها واستماتتها في الدفاع عنه بالإحباط، وقد تهشم أمله في مصارحتها والظفر بها، تراجع بصعوبة عن أخبارها بما يجيش في صدره لها منذ سبع سنوات؛ ثم وضع يديه في جيوب بنطاله مباركًا لها بألم حاول إخفائه خلف قناع البرود واللامبالاة :


_مبروك يا روان... حقيقي عمري ما كنت اتخيل إني ابارك لك وأنتي بتتجوزي!


ابتسمت لجملته الأخيرة فقد فهمتها بشكلٍ آخر تمامًا وهو كونها رافضة لفكرة الزواج فيبدو هذا ما أشعره بالإستغراب!


_هتيجي الخطوبة طبعًا!


عاد للجلوس على كرسيه مُحملًا بالآلآم وخيبة الأمل ثم أجابها بأسف مصطنع :


_مش هقدر للأسف...لازم اسافر لمريم علشان عندها شوية ظروف.


اومأت له بتفهم، واستأذنته للخروج متعلله ببعض أشغالها...تنفس بعمق، وقد دمعت عينيه بقوة فلا يحتمل فكرة أنها ستصبح لغيره...وقف بمحازاة شرفة مكتبه ثم حل رابطة عنقه داعيًا من المولي أن يلهمه قوة الصبر، والتحمل حتي لا يفتعل أي شئ صبياني يقلل من كرامته...أخرج العلبة المخملية السوداء من جيب سترته، ونظر لها بكثير من الحسرة و التفحص وكأنه يودعها للمرة الأخيرة، ثم قبلها بعمق، ورفع ذراعه بها عازمًا النية لإلقائها في البحيرة الصناعية أسفل شركته!



❈-❈-❈



مساء يوم الخطبة


علت أصوات الزغاريد منزل عائلة عياد، وانتشرت الفرحة في كل أركان المنزل، ولما لا؟!...وهي خطبة كريمتهم ذات السبعة والعشرين ربيعًا تلك التي مقتها الكثير من أقاربهم مطلقين عليها كلمة "عانس"...تأنقت "روان" في فستانها الأزرق من قماش الستان والذي احتضن منحنياتها العلوية بإغواء ثم يتسع من عند الخصر، ذات قصة قصيرة من الأمام بينما من الخلف طويل يصل لقبل كاحليها بقليل، وعقصت شعرها في رابطة أنيقة للخلف، ثم زينت وجهها بزينة وجه بسيطة أبرزت فقط جمال ملامحها...هنأتها "رنا" بود حقيقي :


_ألف مبروك يا روان...شكلك زي القمر بجد.


ابتسمت لها الأخيرة بدورها ثم سألتها بتوتر كأي فتاة في ذلك الموقف حتي، ومع بلوغها سن السابع والعشرين!


_شكلي حلو بجد؟!


_والله زي القمر!


دلفت "سهير" واحتضنت ابنتها بدموع فبادلتها هي الأخرى علي مضض!


_ألف مبروك يا بنتي.


أمسكت "روان" بكفيها، وأردفت بندم ورجاء :


_أنا عارفه إني خيبت أملك ومش دي الجوازة اللي كنتي تتنمهالي... أنا آسفه!


مسحت "سهير" دموعها بأطراف أصابعها وأردفت بنبرة أموية حنونه :


_أنا ميهمنيش غير سعادتك يا روان، ربنا يفرحك، وعلي الأقل العريس ده غني هيهنيكي بدل عيشة الفقر اللي أبوكي عيشنا فيها!


علي الجانب الآخر...خطا "مالك" إلي داخل الشقة...تتبعه والدته، وشقيقته بالإضافة إلى صديقه مازن...ظهر القرف والأمتعاض جليًا تمامًا علي ملامح "هالة" فتسمرت في مكانها بغضب....حثتها "رونا" بهمس علي الجلوس حتي لا تلفت الأنظار إليهما :


_وبعدين يا مامي!...مش قولنا هنهدي، وبعدين نبقي نشوف حل في الجربانة دي؟!


طالعتها والدتها بضيق، ثم أردفت بحزن وإحباط :


_مش قادرة بجد أصدق إني هناسب الشحاتين دول!...أنتي مشوفتيش منظر البلد عاملة إزاي؟..ولا الأراضي اللي علي الأطراف...outsh


مطت "رونا" شفتيها لأسفل بقرف هي الأخري، وأردفت بقلة حيلة :


_مكنش قدامنا حل غير كده، والأستاذ مالك كان مصمم عليها...كده أحسن ما كنا نرفض، وكان هيعاند ويتجوزها.


همست "هالة" لإبنتها برجاء :


_رونا...أنتي وعدتيني إنك هطفشيها، وأنا سمعت كلامك فأرجوكي اعملي أي حاجة!


_أنا مستعدة أساعدكم في أي حاجه تطلبوها يا هانم...المهم الجوازة متمش!



        يُتبع...


تفتكروا مين الست اللي ظهرت دي؟ ويا تري روان هتكمل الجوازة ولا لا؟

مجد هيحاول تاني ولا خلاص استسلم ؟!

مازن هينسي ميرا إزاي؟ ويا تري إيه اللي مخبياه ليهم الأيام!