-->

الفصل الخامس عشر - أشواك وحرير

 



الفصل الخامس عشر 


”الرجل ألعوبة المرأة،

 والمرأة ألعوبة الشيطان”

                                        "ڤيكتور هيجو”



غلّف الدجي تلك المدينة السياحية الراقية، وقد هدأت الحركة في شوارعها قليلًا كحال أغلب المدن الأوروبية مما ضاعف من جمالها وسحرها، وقف "مجد" شاردًا يطالع ذلك الظلام الماثل أمامه بصمت شديد يحاكي سكون الليل، خبطت بأطراف أصابعها برقة أعلي كتفه فألتفت إليها بإبتسامة ود صغيره زينت ملامحه البائسة التعيسة لم تعتاد رؤيته هكذا قبل ذلك كثيرًا...ابتسمت إليه بمودة حقيقية قائلة بعتاب أخوي محبب :


_يعني لما أفرح إني شوفتك تكون زعلان كده؟!


ابتسم لها بقلة حيلة وزفر بعمق :


_آسف بس مش بإيدي.


ربتت علي كتفه عدة مرات بدعم ثم أخبرته موضحة :


_متزعلش مني بس أنت غلطان!


لم يجاري حديثها، ولكنه نظر إليها بقوة؛ فأومأت له بنعم مؤكدة لجملتها السابقة :


_أيوه غلطان...حتي لو هي قالتلك إنها هتخطب إزاي متصارحهاش بمشاعرك مادام بتحبها؟!...أنا مستغرباك بجد!


حرك كتفيه لأعلي ولأسفل بحيرة ونظر إليها مردفًا بهدوء :


_أول ما قالتلي كنت عازمها في مطعم لوحدنا؛ علشان أقولها كل حاجه لقيتها بتقولي هتخطب.


صمت قليلًا ثم تنهد بعمق متطلعًا في بخار الماء الخارج من فمه بفعل برودة الجو ثم ابتلع ذكري ذلك اليوم، واستكمل بسرد ما حدث :


_اتصدمت ومقدرتش اتصرف، واضطريت أكذب عليها، وبعد ما فكرت أقولها ولا لا طلعت بتحبه!...فليه بقي احطها في موقف إحراج وأكسر فرحتها وفرحتي؟!


أخذت كفه بين كفيها وسحبته ناحية البُرجلة للجلوس ثم جلست في مواجهته تمامًا مربعة قدميها أسفل منها، ووضعت كفها أسفل ذقنها قائلة بأسي :


_غبية والله إنها تضيعك من إيديها.


ابتسم لها إبتسامة باهتة لم تلامس عينه، وأردف مازحًا وكأنه شخصًا آخر غير ذلك التعيس منذ ثوانِ :


_القلب وما يريد!


بالرغم من إبتسامته، ومرحه إلا أنها استشعرت الألم جليًا في نبرته مع أنه حاول إخفائه خلف قناعه الودود...أخذت تفكر للحظات ثم أخبرته علي مضض بما قررته في نفسها :


_أنا هقولها!


ألتفت إليها بعدم فهم، وسألها بغباء :


_تقوليلها إيه؟!


همت أن تجيبه فأستدرك الموقف سريعًا وهب واقفًا من مكانه بإنفعال مستطردًا بنبرة تحذيرية :


_لو كلمتيها يا مريم صدقيني بجد هكون زعلان منك، ويمكن مكلمكيش تاني ولا أعرفك أي حاجة عني.


سألته بذهول مستنكرة تمامًا لنبرته العدائية :


_ليه كل ده؟!...مش أقولها وتعرف ويمكن آ....


_يمكن إيه؟!.. أظهر قدامها مثير للشفقة فتحن عليا وتتجوزني!!..صح كده؟


هتف بها "مجد" بغضب؛ وقد ارتفعت نبرته؛ رمقته شقيقته بندم ثم أردفت معتذره :


_أنا آسفه مش قصدي كده...بس مش عاوزه أشوفك زعلان!


شعر بالندم لرفع صوته عليها؛ فأمسك بكفيها بين كفيه مقبلًا إياهما بحنان :


_متزعليش مني...مش قاصد أعلي صوتي...هي شايفاني ولي نعمتها بمعني أصح، مستحيل تبص لي!..علشان كده مقولتلهاش، عاوزه أنتي بقي تروحي تقوليلها إني بحبها؟!


صمت قليلًا مما استرعي انتباهها أكثر، فتناول نفسًا عميقًا وأخبرها موضحًا :


_هتبعد وهتفقد الثقة فيا لأنها فاكرة إني كنت بسمعها كصديق ومش هتأمن لي بعد كده لأنها هتشوف إن نظراتي ليها طول الوقت مكنتش بريئة!


انتابتها الحيرة والتشتت بسبب حديثه؛ ثم سألته بإهتمام :


_وأنت بقي هتتحمل تشوفها مع غيرك وأنت مش عاوزها تبعد؟!...ده النهارده مجرد خطوبتها وطفشت من البلد كلها!


نهش الألم قلبه بدون رحمه بعدما استمع لسؤالها وقد علت أنفاسه؛ فتظاهر بالتثاؤب وتمدد علي ظهره واضعًا رأسه علي إحدى ساقيها ثم رفع عينيه إليها قائلًا بوجع استشعرته هي :


_مقدرتش احضر الخطوبة...خوفت اعمل حركة عيالي واحضنها قدامهم! 


ملست بأصابعها علي خصلاته البنية الملساء وأخبرته بيقين كامل في بارئها عزوجل :


_أنت عملت خير، وحبيتها حب شريف...فتأكد إن لو ربنا كاتب لك فيها الخير كنت خدتها أو هتاخدها مهما كانت الظروف!...بس أهم حاجه متزعلش نفسك مهما كانت النتيجة إيه!


أصاب حديثها صمام قلبه مباشرة وابتسم لها بإمتنان حقيقي فلقد أشعرته ببعض الراحة والطمأنينة التي لم يعتد عليها سوي منها...شقيقته! تلك التي تكبره بثلاثة أعوام فقط!...لطالما كان يظن أنه يبغضها وينتابه الغيرة الشديدة منها لأنها كانت مدللة أبيه وأمه نظرًا لإصابتها بإحدى الأمراض في الصغر، ولكن قد تغيرت كل تلك الظنون التي ألمت به بعدما كانت تدافع عنه بإستماته أمام والديها حتي لا يُعاقب مخبرة إياهما بأنها مَنْ قامت بإفتعال الأخطاء وليس هو لأنها خشيت عليه أن يتعرض للعقاب الشديد منهما فلا يتحمله لصغر سنه!...منذ تلك الفترة وأصبحت هي شقيقته ووالدته وصديقته المقربة فلا يشعر بالإرتياح في الحديث سوي معها!...أغمض عينيه شاردًا في أيامه القادمة بعدما حمد الله الآلآف المرات علي تلك الهبة القيّمة المُهداه إليه من أبيه وأمه!


❈-❈-❈



ارتشف "مصطفي" بعض القطرات من فنجان قهوته في ڤيلا المحمدي وهو ينتظر ابنة شقيقته...ظهر عليه الضيق جليًا بسبب تأخرها في النزول إليه؛ فخرج من حجرة الإستقبال عازمًا النية في الصعود إلى غرفتها فلقد استاء من تصرفاتها الهوجاء الطائشة...اصطدم برؤيتها أسفل الدرج؛ ضيق عينيه بذهول من مظهرها الفوضوي فقد كانت ترتدي كنزة صوفية تتسع عليها ببزخ واضح، شعرها جاف، غير مرتب بالإضافة لتلك الهالات السوداء التي اتخذت من أسفل جفنيها ملجًأ لها في مشهد غير مألوف عليه بالمرة مما جعله يصيح بإستهزاء :


_ كل الوقت اللي أخدتيه ده علشان في الآخر تنزلي بالمنظر ده؟!


وضعت كفيها بداخل جيبي السترة بلامبالاة، ثم سألته بهدوء :


_ماله شكلي؟!


بدا وكأنه لم يستمع لسؤالها فأجابها بسؤال آخر متطلعًا إليها بترقب :


_مش بتيجي الكلية ليه؟


ابتسمت بسخرية علي سؤاله ثم سألته بتهكم :


_لسه قايم تعرف دلوقتي إني مش بحضر؟!


رمش بأهدابه عدة مرات، ولقد استاء كثيرًا من حديثها الساخر فأمسك بعضدها ضاغطًا عليه بقوة آلمتها :


_أنتي مالك الأيام دي؟!


لم تتفاجئ من عدم معرفته بما يدور حولها؛ مما جعلها تبتسم بسخرية من سؤاله :


_قد إيه إحنا عيلة مترابطة!


بدي وكأنه لم يستوعب جملتها فصمت بضع ثوانِ ثم سألها بإندهاش :


_تقصدي إيه؟


استمرت علي سخريتها السابقة فسألته بتعجب مصطنع :


_هي طنط صفية مقالتلكش إني عرفت كل حاجه؟!


ظهرت عليه بعض علامات الغباء، ومالبث أن عاد لعقله من جديد، ثم نكس رأسه لأسفل وأجابها بهدوء مزيف يناقض تمامًا دوامة المشاعر التي تشكلت بداخله والتي لم تكن سوي مشاعر مختلطة من الخزي والشفقة بالإضافة للحزن علي حال شقيقتيه :


_ مكنش فيه في إيدينا غير الحل ده علشان نحافظ عليها وكمان متتربيش مع حد غريب!


تخلت عن سخريتها هذه المرة، ودمعت عينيها ثم أردفت مهاجمة بإختناق :


_معتقدش إن أنا فرقت معاكم أصلًا بس علي الأقل حتي كنتوا تعرفوني علشان محسش إني اتيتمت تلت مرات!


اتضحت عليه إشارات الخزي الواضحة ورق قلبه لأجلها فلم يعهدها أبدًا بتلك الحالة التي هي عليها الآن...لعن بداخله مشاغل الحياة التي وضعت المسافات الشاسعة بينه وبين أحبته فرد عليها بحكمة أتقنها تمامًا من سنوات عمره في العمل الإداري :


_غلطنا ده حقيقي... بس أنتي لغاية امتي هتفضلي بالبؤس ده؟!...مش بقولك متزعليش...ازعلي وعيطي ده حقك!..بس لغاية امتي هتفضلي توقفي حياتك عند أي حاجة تحصلك؟!..هتفضلي طول عمرك تبكي على الأطلال؟!...شوفي منظرك بقي عامل إزاي!


طالعته بصمت فأمسك بعضدها ثم سحبها في اتجاه المرآة الكبيرة المعلقة علي الحائط، و أردف سائلًا إياها بإستنكار :


_ده منظر ميرا الهاي كلاس اللي البنات كلهم كانوا بيغيروا منها ومن جمالها؟!...أهملتي دراستك سنين بسبب واحد مبيحبكيش، ودلوقتي راجعه تغرقي نفسك من تاني؟!..خلاص اللي حصل حصل!


استمعت إليه بكامل تركيزها ودمعت عينيها بقوة حينما تذكرت ما فعلته بنفسها طوال السنوات الماضية وبسبب مَنْ؟!...بسبب رجل؟! لم يلمح حتي طيفها ولو كـ سحابه مرت عليه في إحدى أيام الصيف الحارقة!..والآن أصبحت من مدمني السموم البيضاء!..اللعنة عليها وعلي ضعفها وسلبيتها في مواجهة الأمور... لطالمًا كانت تهرب دائمًا من مواجهة أمورها بشكلٍ ضعيف سلبي لتنتظر اللاشئ!...يالها من ضعيفة جبانه...كانت علي يقين تمامًا من مصداقية حديثه ولكنها خافت من أن يكتشف أمرها فبمَ ستدافع عن نفسها أمامهما وهما عهدوها تلك الفتاة السلبية الضعيفة!...ربما سئموا منها ومن أفعالها الصبيانية فلم يكن لديها أي رصيد عندهما!...ربما هي مجرد أيام وسيتخلي عنها خالها كما تخلي "مازن"!...لذا قررت أن تتخلي هي تلك المرة، كتفت ذراعيها أمام صدرها وشمخت بأنفها بكبرياء مصطنع :


_أنا حره في نفسي اختارت طريقي وأنا لوحدي اللي هكمله!


لم يجد "مصطفى" طريقه لإثنائها عن رأيها خاصة في حالتها الماثلة أمامه فقرر العودة والتحدث إليها في وقتٍ آخر تاركًا لها المزيد من الوقت حتي تستوعب إلي أي مدي ستنحدر حالتها...أمسك بكتفيها بين ذراعيه و أردف بهدوء توقعت هي ما يناقضه تمامًا خاصة بعد هجومها عليه :


_أنا هسيبك دلوقتي فكري في كلامي كويس يا ميرا وإعقلي الكلام، وخديها نصيحة من أب لبنته اوعي تضيعي باقي عمرك علشان خاطر حد مهما كان مين!


كان "مازن" قد وصل منذ دقائق إلي باب الڤيلا الداخلي فتفاجأ بحديث ابنة عمه وخالها بصوتٍ عالٍ مما جعله يندفع مسرعًا للداخل حتي يطمئن إذا ما ألم بها مكروه فلقد ظنها واقعة في إحدى المشاكل، ولكنه تسمر في مكانه بخزلان حينما استمع لحديث "مصطفي" الأخير ورد "ميرا" عليه بشأن سنوات عمرها المهدرة!.. لم يكن الأمر عليه بتلك الصعوبة حتي يُأكد جميع ظنونه بأن الحوار يخص صديقه المقرب وإنها لازالت تطلع إليه وترفض هجره، فلهذا لم تحضر خطبته مما يعني صدق حديث "ميرنا" بكل شئٍ قالته عنها!


❈-❈-❈


تمددت "روان" علي سريرها بإنهاك وتعب، ضاممة الوسادة إلي صدرها شاعرة بوحدتها القاسية فكم كانت تحتاج إلى الدعم في هذا الوقت!.. تحتاج للبوح بشدة عما تشعر به الآن.. لقد مر ذلك اليوم الذي كانت تخشاه طوال عمرها...كانت دائمًا تستمع إلى ثرثرة الفتيات حول فرحة ذلك اليوم لطالما كانت أحاديثهم تثير إعجابها وفضولها حول شعور ذلك اليوم...كانت دائمًا تضمر رغبتها ظاهريًا في الشعور بمثل تلك المشاعر التي تداعب أنوثة فتيات جيلها، ولكنها لم تستطع أبدًا أن تضمر رغبة الأنثي بداخلها في التلذذ بهذه المشاعر كغيرها من الإناث، لكن لمَ هي الآن تشعر بالخواء..وحده الخواء فقط ما يسيطر عليها بالإضافة لتلك الأثقال الموضوعة علي قلبها ولا تدري ما مصدرها!...لم تتمكن أبدًا من نكران شعور القلق الذي اعتراها بسبب حالة هالة وابنتها المتناقضة تمامًا لما هي عرفتهم عليه!...تشعر وكأنهما تخططان لشئٍ ما سيضرها بالتأكيد، ولكن " هل سيتركها مالك تعاني معهما؟! " بالتأكيد لن يفعل!...تذكرت غيرته عليها الواضحة للعيان من صديقه "مازن" حينما كان يتعمد التغزل بها لإغاظته...ابتسمت بسعادة لتلك الذكري البسيطة فلكم أرضي ذلك غرورها وحرك بداخلها مشاعر الأنثي التي وأدتها بداخلها منذ سنوات؛ فظنت أنها قد بهتت وشوهها الزمن لتتأكد تمامًا أن ذلك لم يكن سوي مجرد وهم منها!...ضمت الوسادة إلي أحضانها بقوة أكبر ولكن تلك المرة بسعادة فائقة وأغمضت عينيها مستمتعه بذلك الإحساس الذي زارها لأول مرة طوال سنوات عمرها السابعة والعشرين، متناسية تمامًا شعوري القلق والخوف اللذان سيطرا عليها مؤكده لنفسها بأنها ستصنع معه حياة رائعة بعيده عن أهله!.. غرقت في دوامة أحلامها الوردية معه، و التي ستزين سنواتها القادمة كما تعتقد!



❈-❈-❈


بعد مرور يومين


استلقت "رونا" علي بطنها تلف حول الملأة حول جسدها العاري، محركه ساقيها للخلف وللإمام بحركات رتيبة متتالية...أمسكت بهاتفها المحمول تتصفح إحدى مواقع التواصل الإجتماعي وهي بنفس وضعيتها السابقة، فقاطع إنسجامها رنين هاتفها؛ زفرت بتأفف عندما لمحت إسم المتصل والذي لم يكن سوي تلك السيدة الكريهة قريبة "روان"...ألقت الهاتف بضيق علي السرير بجانبها، و انفتح باب الحمام الداخلي للغرفة في نفس الوقت...خرج "هيثم" لاففًا خصره بإحدى المناشف المتوسطة، وقطرات الماء تتصب من شعره علي عضلات صدره المنحوتة بإغواء ذكوري...تطلع في وجهها العابس ثم جلس بجانبها علي السرير ممررًا أطراف أصابعه بعبث علي ظهرها العاري ثم أردف بمغزي :


_لو منبصتيش أول مره، أنا جاهز نعيد تاني!


تطلعت فيه بضيق، ثم أبعدت كفه الذي أخذ يتجول علي منحنياتها بجرأة أكثر، وتحدثت بعصبية مكتومه :


_الست المتخلفة دي مش راضيه تبطل زن علي دماغي!


ضيق عينيه شاعرًا بالدهشة من حديثها؛ وسألها بفضول بعدما شرع في ارتداء سرواله الداخلي :


_ست مين؟


تأففت بإنزعاج من سؤاله فهي ليست بمزاجٍ رائق حتي تشرح له، ولكنها ردت بقرف :


_قريبة اللي ما تتسمي اللي مالك عاوز يتجوزها.


_طب ودي بترن عليكِ ليه؟!


أعتدلت في وضعيتها، وجلست مربعه ساقيها أعلي السرير لتسرد عليه تفاصيل ذلك اليوم البغيض الذي لا تفارقها ذكراه :


_يوم الخطوبة، أنا ومامي كنا بنتكلم عن الشحاتة اللي مالك هيتجوزها، وفاجأة كده ظهرت لنا الحرباية مرات خالها مش عارفه منين، وقالت أنا مستعده أساعدكم علشان الجوازة دي متمش، و بقالها يومين مش مبطله رن، وأنا مش برد عليها.


صمت مفكرًا في حديثها ثم سألها بإهتمام :


_طب وهي إيه مصلحتها تعمل كده وأنتي بتقولي إنها مرات خالها؟


تناولت إحدى سجائرها مشعلة إياها ثم أجابته بشكوكها نحوها :


_أنا مش مرتاحه لها، يمكن متفقه مع قريبتها علشان تشوه سمعتنا قدام مالك، ويخلالها الجو معاه وساعتها تقدر تكوش علي فلوسه، واللي إسمها روان دي صايعه، وشكلها دماغها سم!


رد عليها ببساطة محركًا كتفيه لأعلي ولأسفل :


_طب ما تردي عليها، وشوفي هي عاوزه إيه؟


أعطاها هاتفها مشجعًا إياها علي تلك الخطوة، فتناولته منه علي مضض؛ مما جعله يومأ إليها برأسه مؤكدًا صحة التصرف :


_أنتي هترني عليها عادي، واسأليها عاوزه إيه؟.. وبعدين اطلبي منها اللي يثبت حسن نيتها، بس طبعًا اوعي تنسي تسجلي المكالمة!.. علشان لو كانت فعلًا بتلعب بديلها نعرف نتصرف!


اومأت له برأسها متفهمه لحديثه، وقامت بالضغط علي عدة أزرار، ولم تلبث ثوانِ حتي أتاها رد الطرف الآخر بلهفه؛ ليزداد شك "رونا" بها أكثر، فأبعدت الهاتف عن أذنها بإنزعاج شديد ثم وبدون أي أحاديث جانبية سألتها مباشرة بفظاظة :


_أنا إيه اللي يضمن لي حُسن نيتك؟


صمتت "ريهام" بضع ثوانِ ثم أردفت بهدوء يناقض تمامًا تلك النيران التي أندلعت بداخلها كلمًا تذكرت أفضلية "روان" عنها لدي الجميع :


_حاليًا معنديش إثبات، بس مش هقولك غير حاجه واحده...إني فعلًا بكرهها، وهي كمان بتكرهني أوي...طول عمرها مستكتره خالها عليا، وشيفاني أقل منها....


_وأنا مالي بكل ده؟!...أنا هعمل إيه بالهبل اللي بتقوليه؟!


تأففت "رونا" بعصبية من ثرثرتها التافهة، وابتلعت الأخري إهانتها جبرًا لأنها لابد أن تتحمل أي شئٍ حتي لا تتم تلك الزيجة؛ فتتعالي عليها "روان" أكثر وأكثر فيكفيها ما وصلت إليه إلي الآن!


_فيه واد هي ماشيه معاه بقالها سبع سنين، والواد د....


جعدت الأخري ما بين حاجبيها وذمت شفتيها بعبوث، ثم سألتها بترقب :


_ماشيه معاه يعني إيه؟...بينهم علاقة؟!


ابتسمت "ريهام" إبتسامة شيطانية علي ما وصلت إليه في الحديث، ثم أردفت بقلة حيلة مصطنعة :


_ده اللي أنا فكرت فيه؛ لأنها بتتدرب في شركته من سبع سنين وكانت بتصرف علي نفسها، وكمان مرتبها عالي أوي، والولد بيعاملها معاملة خاصة جدًا ولا المخطوبين!...ده كمان أبو الولد بيعاملها كويس أوي مش بعيد تكون علي علاقه بيه هو وابنه في وقت واحد!...أصلهم هيعاملوها كده ليه؟!


أعتدلت "رونا" في جلستها حتي تستمع إليها بكامل تركيزها، وأعطت "هيثم" نظرة متعجبه ليقابلها هو بالصمت، وقد بدا عليه التركيز في حديث المرأة فأردفت بإهتمام :


_كده الكلام اختلف!...أنتي تقدري تمسكي عليها حاجه تدينها مع الولد ده؟


نفت "ريهام" بأسف"للأسف لا هي طول عمرها حويطة وصعب تسيب وراها حاجه" ، صمتت بضع ثوانِ ثم استطردت بنبرة شيطانية لا تمت للإنسانية بصلة وكأنها لا تتحدث عن ابنة أخت زوجها الذي آواها في منزله مستأمنًا إياها علي عرضه وماله :


_الأستاذ مالك عرفها أصلا من الشركة دي، يعني أكيد شاف أو حس إن فيه حاجه، وهو يا حبة عيني فكرهم أصحاب!...فأحنا هنحاول نشككه فيها ونعرفه حقيقتها!..وهو زي أي راجل شرقي مش هيقبل علي كرامته إن أم ولاده مدوراها قبله في الحرام!


_أنا عاوزه اقابلك!...كلامنا في الموبايل مش هينفع.. عاوزه افهم أكتر.


لمعت أعين "ريهام" ببريق شيطاني مرعب، ووافقت سريعًا بدون أدني تفكير...أغلقت الأخري الخط وألتفتت إلي عشيقها تسأله بشك :


_تفتكر كلامها صح؟


مط شفتيه لأسفل بعدم معرفه، ثم أردف بتساؤل متعجب وكأنه يرد على نفسه وليس عليها :


_مش عارف!...بس لو هي معاها يعني إيه اللي هيخليها تقول كده عليها؟!


صففت شعرها للخلف بأطراف أصابعها، وأردفت بتهكم لاذع :


_مش كفاية شحاته! لا وكمان الهانم طلعت سافلة و مدوراها، وجاية تعمل علي أسيادها المحترمين خضره الشريفة!


تمتم "هيثم" لنفسه بسخرية أكبر :


_لا وأنتي إله العفاف أوي عند القدماء المصريين!


لم تنتبه إلى حديثه المتهكم عنها...وقفت على أصابع قدميها علي أرضية الغرفة، وكومت إحدى كفيها لتضرب بيه الكف الآخر كرياضة البوكس الشهيرة!...لم يجيبها "هيثم" علي سخريتها وإنما أمسك بخصرها مقربًا إياها منه بحميمية، ونظر في عينيها بتفحص شديد :


_لما أنتي ضد إن مرات أخوكِ يبقي أصلها فقير وإن أنتو ولاد الباشا يعني ومفيش حد قدكم...طب حبتيني ليه؟!


ابتسمت له إبتسامة لم تظهر بها أي مشاعر، وحركت أطراف أصابعها بإغواء علي جانب عنقه حتي تثيره ثم أردفت بالحقيقة التي كان يعلمها من قبل بدون أدني شك :


_علشان إحنا اللي بينا مجرد علاقة سرير مش أكتر، وعمرها ما هتوصل أبدًا للجواز!


ابتسم له إبتسامة صفراء، وقد قرر بين نفسه أنه لابد وأن يتخلص منها عما قريب، ولكنه عليه أن يخرج منها بأعلي المكاسب المادية، والجسدية!



❈-❈-❈



في إحدى المقاهي الراقية


جلس "مازن" في مقابلتها مباشرًة مضيقًا عينيه عليها بتفحص يفكر في سبب طلبها مقابلته خاصة وأن اليوم عطلة عن العمل فسألها مستفسرًا بإهتمام :


_خير يا ميرنا؟... إيه الموضوع المهم اللي طلبتي تقابليني علشانه؟!


تنهدت بعمق ثم أجابته بقلة حيلة محركه كتفيها لأعلي ولأسفل، وقد سيطر عليها الوجوم تمامًا :


_أنا جايلي عريس!


رمش بأهدابه عدة مرات شاعرًا بالغرابة من جملتها "فما شأنه هو بأمر زواجها؟!"... حدق فيها بكامل تركيزه ثم سألها مباشرة :


_مش فاهم!


شبكت كفيها ببعضهما البعض أعلي الطاولة شاعرة بالخوف والحرج من حديثها القادم، والذي من المؤكد لا تدري بردة فعله تجاهه :


_مازن!...أنا بحبك...يمكن أنت هتستغرب من كلامي، أنا عمري ما كنت هقولك... بس آآ...بس بابا مصمم علي العريس ده، وأنا مش قادره اتخيل نفسي مع راجل غيرك!


تطلع إليها بصدمة من حديثها فهو أبدًا لم يكن ليتوقع أنها تكن إليه أي مشاعر...عم الصمت بينهما لبضع ثوانِ أخذ فيها يفكر قليلًا في كيفية صياغته لحديثه القادم أما هي أخذت تترقب ردة فعله بأعين متلهفة لأي إشارة منه ثم أردفت بهدوء :


_مازن!..قول أي حاجة.


تنهد في إرهاق، وقرر أن يذكرها بحقيقة مشاعره حتي لا تتأمل منه ما لا يقدر على إعطائها إياه :


_ميرنا...أنتي عارفه إني بحب ميرا من وإحنا صغيرين وإن عمري ما قدرت ولا هقدر ادي قلبي لواحدة غيرها!


أصابها حديثه بالغضب والتلعثم قليلًا "فماذا ستقول له أكثر مما أخبرته؟!"..فكرت سريعًا في حديثها القادم ثم أدعت المسكنة بحرفية شديدة أتقنتها وتعمدت تذكيره بمشاعر غريمتها تجاهه :


_أنا عارفه إني مكنش لازم أحبك وخصوصًا إني عارفه ومتأكدة إنك بتحب أقرب صاحبة ليا.


تنهدت مطولًا ثم عادت لإستكمال حديثها :


_بس غصب عني...مقدرتش محبكش...حبيت حبك ليها أوي واتمنيت إني أتحب الحب ده...بعد ما كتمت مشاعري وقت طويل اتأكدت إن ميرا مش بتحبك علشان كده ضميري ارتاح شوية؛ ومبقتش أحس إني خنت صاحبتي!...أنا آسفه إني صدمتك فيا بس مش هتأسف إني حبيتك...مش بإيدي ومتأكدة إنك عارف إنه مش بإيدينا!


كلماتها كـ سهام حارقة سامة أصابت صمامات قلبه مباشرة!..لا يدري لمْ حين يقرر نسيان حقيقتها تتواطئ كل الظروف وتنهال عليه من أجل تذكيره بفشله في جعلها تبادله مشاعره المراهقة تجاهها...رأت سكونه وتخبطه بأم عينيها فأبتسمت بداخلها علي ما وصلت إليه فتابعت حديثها بإستعطاف شديد :


_عارفه إن كلامي مش هيغير من الواقع ومش طالبة إني أصعب عليك...أنا بس حبيت أعرفك بحقيقة مشاعري!


زيفت ملامح الانكسار وارتشفت من كأس المياة أمامها بصمت شديد، بينما هو أخذ يفكر في حديثها بدقة شديدة "فماذا سوف يفعل معها؟..أيصر علي رأيه؟ أم ماذا يفعل معها؟!"...تضاربت الأفكار بين ثنايا عقله فوضع كفيه علي جانبي رأسه ليحلل الموقف "فهل أخبرته الآن ليعرض عليها الزواج؟!..كما لو أنها تريد طلبه هي بالفعل لكنها محرجه!"...ولكن ماذا سيفعل "فهل يلعب دور الشهم علي حساب سعادته؟...أتاه صوتٌ ما بداخله ربما كان صوت كرامته المذبوحة والتي أصبحت وأن عليه أكثر من اللازم "طب ما توافق خدت إيه يعني من اللي أنت جريت وراها غير الخيبة والكسرة!...ما تجرب تاخد اللي بيحب! "وافق عقله علي تلك الفكرة بشدة وخاصة بعدما تذكر حديث ابنة عمه مع خالها؛ فلم يدري بنفسه سوي و لسانه يردد بدون وعي منه :


_تتجوزيني؟!


يتبع