-->

الفصل الحادي والعشرون ج2 - بعد الاحتراق After Burn


الفصل الواحد والعشرون 
(الجزء الثاني) 


عليّ أن أصدق أنك وحش

ما من طريقة أخرى

الأمر أشبه بالأفلام،

عندما يفسرون لنا كيف أصبح الشخص السيئ مؤذيًا، ليمنعونا من كراهيته!

 

لا أريد أن أفهم أية شيء؛

عندما أفهم، أحبك،

وأنا لا أريد أن أحبك بعد الآن!

 

علي أن أصدق أنك وحش،

لأني لو عدت للاعتقاد في أنك لطيف وكسير فحسب

ستكون نهايتي!

 

سوف يتهامس الناس بشأن حبنا لسنوات

كيف كان مرعبًا الوجود في غرفة واحدة

مع شخصين يرغبان بشدة في تحطيم بعضهما

كيف حطم كل منا الآخر تمامًا.

 

سوف يتهامس الناس بشأن حبنا لسنوات

وهذا ما سوف يتذكرونه

كيف كنتُ شجاعة

كيف تفهمتُ وتفهمتُ حتى عجزتُ عن المزيد

كيف -وآسفة لذلك- عجزتُ عن المزيد!!

 

-فورتيسا لاتيفي-


وقفت فريدة أمام مكتب استقبال بعيادة الطبيب 'هشام'، وما إن رأتها الموظفة حتى وقفت بترحاب شديد وهي بالكاد تصدق أنها تراها أمامها بعد كل الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بهذا الوقت المبكر من اليوم.. مدت عينها بعيدًا فوجدت مَن يتبع فريدة ويمشط المكان بعينه من نوافذ ومخارج ويشملها بنظرة ثاقبة جعلتها تتلجلج بينما ترد عليها:

- إنه موجود، دكتور هشام..

- حسنًا، هل لي بجلسة مبكرة؟؟

- آه.. دقيقة واحدة سأخبره بوجود حضرتك..

أومأت لها فريدة بتفهم ورجحت تلبك الفتاة لرؤية للحائط المتنقل خلفها، لا تنكر فهيئة 'ماتيو' الضخمة مُرّهبه حقًا، هذا إذا تجاهلنا عينيه الإيطالية الساحرة ووسامته ذو الملامح الخطيرة، لذلك هي تعذر الفتاة.. سّبته داخلها بسبب التصاقه بها كالغراء، مع ذلك اعتبرت ما فعلت إنجاز، أن تُحرّكه خلفها دون أن يستأذن سيده اللعين مثله!!.. أخبرته نائم نومه أبدية بعد ليلة أمس التي تناول فيها الدواء بوقت متأخر من الليل، ونام بعد أن أرّق منامها هي!!.. كانت مفتقرة للنوم وأعصابها مشدودة إلى أقصى درجة، شفتيها جافه وثمة ارتجافه بيُمناها بالكاد تُخفيها.. أجل، ليلة البارحة كانت حافلة بكل شيء إلا النوم!!.. وما قالته خلالها -تبًا لمّ قالته- كان كارثيًا!!

هل تسير على الخطى نحو الهاوية من جديد؟!.. خامرها هذا الشعور وفتك بها، فها هي مرة أخرى تخضع له وتعطيه كل الصلاحيات لتدميرها.. أم أنها هي مَن تسير على نهج تدمير ذاتها؟!

آوه، أجل، بدى الأمر واضحًا والمُرعب أنها باتت فاقدة السيطرة على أفعالها، لا تعرف ماذا تفعل بالتحديد ولا إذا كانت على صواب، كانت تريد الشيء وعكسه في الوقت ذاته، كأنما ترغب بالحياة والموت معًا .. بدى الأر جنونيًا، بل في أوج ذروة الجنون، لذلك كان لِزامًا عليها أن تتحرك وتفعل شيئًا لتفيق من غفوتها قبل أن تستيقظ وسط الحطام مجددًا!!

عادت الفتاة وأخبرتها بالدخول، وحينما فعلت أغلقت الباب بوجه ماتيو وقد كان باديًا لها أنه لن يُمانع إطلاقًا في أن يلحقها إلى الداخل!!

- عندما أخبرتني 'هدير' أنكِ بالخارج لم أصدق، ظننت أنها تتوهم!!

عبر هشام بمزاح وهو ينهض ليرحب بها، لكنها لم تبتسم فقط عقبت بينما تجلس:

- انظر.. ما أتيتُ فيه اليوم لا يحتمل أية سخرية!!

فحص هيئتها سريعًا قبل أن يسألها بتقييم:

- متى آخر مرة حظيتِ فيها بنومٍ طبيعي؟!

- ليس من قريب..

منحته الإجابة على الفور بابتسامة زائفة وكأنما قد تحضرت للسؤال، ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها باحتواء وراحت تكمل بعبرة مختنقة:

- ثمة ذنب هائل يجثم على أنفاسي ويسلب مني رفاهية النوم.. اعتقد أن لدي رغبة متعاظمة في تدمير ذاتي ولا انفك اتخيل طرق عديدة للتخلص من حياتي.. كل ما سبق وقلته قد تحقق!!

اعترفت في نهاية جملتها بينما تتحاشى اتصال العين خزيًا منه.. ولم يكن من الصعب عليه رؤية هذا لذلك اختصر عليها الحرج وساعدها بالسؤال:

- إذًا.. هل يعني هذا أنكِ قد أتيتِ للعلاج؟؟

هتفت فريدة محتجة من فورها لتصدمه:

- لا وقت للعلاج.. أريد حل فوري يخلصني من تلك الاعراض اللعينة قبل أن أفقد عقلي وأدمر كل شيء!!

التوى ثغرة ببسمة متهكمة:

- ماذا تتوقعين مني بالضبط، لستُ ساحر فريدة!!

احتقن وجهها، وفجأة تساءلت ماذا تفعل هنا، ولمّ لجأت له بالأساس وقد أيقنت أنه لن يساعدها.. مع ذلك أردفت بجمود:

- لكن يمكنك كتابة وصفة دوائية فعالة!!

هنا، وفهم أنها لم تسلم بعد للعلاج ولازالت تتخبط في متاهات مرضها، لذلك كان لا مفر من أن يكون حازمًا لها في توضيح الحدود الفارقة بين خبرتها في العلاج النفسي سابقًا ومرضها حاليًا:

- تعرفين أنني لن أفعل، ذلك ليس نوع العلاج الذي تحتاجينه ثم أنتِ لستِ بحاجة لوصفة فعلى ما يبدو لديكِ طرقك الخاصة في الحصول على ما تريدين، دكتور!!

برقت من عينها عبرة حزن وألم عاكست احتفاظها بابتسامة ساخرة:

- بلى، أنا كذلك، ألا يخبرك هذا بشيء؟؟

ارتجع هشام في كرسيه وهو يعيد تقييم حالتها من جديد، وقد بدى له اليأس واضحًا في عينها، وخالجه الأسف على ما آلت له حالته وعلى عجزة عن تقديم المساعدة التي تحتاجها.. لذلك ناشدها بصدق:

- أنتِ تستغيثين.. من فضلك اسمحي لي بمساعدتك!!

حادت بعينيها بعيدًا عنه بينما تهتف موضحه طلبها:

- هذه هي المساعدة التي احتاجها!!

استاء هشام من طريقتها ليردف بتحفظ:

- آسف فريدة، أنتِ تأتين وتريدين فرض نوعية العلاج الخاصة بكِ والتي تعلمين جيدًا أنها أحد أساليب تدميرك لنفسك.. وانا لن أسمح بأن تشركيني في ذلك!!

رمقته فريدة بنظرة أخيرة قبل أن تمط شفتيها بحنق وهي تنهض استعدادًا للرحيل:

- شكرًا..

ما إن شارفت على الخروج، حتى وصلها صوته المحذر:

- فريدة.. أتنمى على الأقل أن تؤجلي أية خطوات حتي تستقرين نفسيًا!!

عقبت من خلف كتفها بأسى حقيقي وقد لمست الجملة موضع ألمًا معين بصدرها:

- أخبرتك.. ليس هناك وقت!!


❈-❈-❈


فيما بعد، وصل المصعد للطابق الخاص بأدهم وما إن شارفت فريدة على الخروج حتى وجدت 'مصطفى' والد أدهم وزوجته 'سمر' مقبلين عليها وبدى أنهما كانت في زيارة لأدهم .. تجمدت موضعها لجزء من الثانية ثم تجاوزتهما بعدها وكأنها لم تراهما مطلقًا.. كانت في غناءٍ تام عن تعكير مزاجها أكثر مما هو بالحديث معهم لذلك أكملت طريقها صوب جناح أدهم وحمدت ربها أنها لم تكن حاضرة في تلك الزيارة السقيمة!!

توجهت للغرفة الداخلية مباشرةً، ولم تجد أدهم نائمًا في فراشه رغم تأكدها من أنها قد عادت قبل ميعاد استيقاظه، ولم يكن كذلك في المرحاض، لذا رجحت بأنه ربما قد ذهب لإجراء إحدى الفحوصات اللازمة .. عادت لغرفة الاستقبال، ورمت جسدها على أقرب مقعد قابلها لتُرجع رأسها مغمضة عينيها بإرهاق شديد، وقبل أن تغرق في تفكيرها تنبهت حواسها لحركة أحدهم معها في الجوار.. فتحت إحدى عينيها بحذر ظنًا منها أنه أحد المجرمين الذي يسعون خلف قتلها، لتجده أمامها جالسًا على أريكة منزوية في ركن بنهاية الغرفة لذلك لم تلاحظه وهو جالس في أبهى حُلّته واضعًا قدمًا على أخرى ويحدقها بنظرة قاتمة..

اللعنة!!

انتفضت في جلستها ومازال عقلها يستوعب كيف، تعني كيف شخص مصاب إصابة خطيرة كإصابته أن يجلس هكذا وكأنه ذاهبًا لحفلٍ ما؟! .. لا شيء سوى وحده أدهم الشاذلي القادر على فعل هذا!!

ظل يمرر إصبعه برتابة على شفته السفلى ولا ينكر أن جزءًا منه كان مستمتعًا بمفاجئتها .. منذ أمد بعيد لم ينتابه هذا الشعور بشرارة الإثارة الخطيرة التي تنشب بينهما حينما يكون غاضبًا!!.. أجل وهو غاضب جدًا، منذ أن استيقظ من نومه وهو في مزاج عكر لا يُحسد عليه ويستجير منه كل من حوله.. فلم يستطع أحد من طاقم الاطباء والتمريض أن يقوم بالفحص الصباحي له بسبب عكارة مزاجه ولسانه السليط الذي لم يسلم منه أحد.. كان غاضبًا لدرجة مرعبة فور اكتشافه لغياب فريدة دون علمه، ورغم أن ماتيو قد وافاه بكل خطوة تخطوها من زيارة ذلك الطبيب النفسي، ثم عودتها للشقة لتبديل ملابسها وإطعام كلبها إلا أنه كان يفور من الغيظ خاصة كلما تذكر تجولها بتلك الملابس الرياضية الغبية التي تلتصق بجسدها دون أن تتعظ مطلقًا مما فعله بالطبيب الأحمق!!.. حتى خشي الأطباء من تدهور حالته نتيجة انفعاله، وكلما حاول أحدهم تهدئته كان يشتعل أكثر!!

وزاد من أجيج نيرانه المكالمة الصباحية التي حضرها مع الكابو 'روبرت لامارا' ،ولأول مرة منذ ما يزيد عن شهر يتواصل معه مباشرة ولم يكن بتواصل خير كما توقع.. كل شيء كان كارثيًا بسبب غيابه، الوضع قد تأزم كثيرًا والجميع يتصيد له وسيكون مغفلًا إن ظن أن الفرصة التي منحوها له حقيقية، فلا يستبعد أن تكون تلك محض خُدعة لتصفيته هو وفريدة في هدوء.. فحتى وإن كان الكابو يتضامن معه فهناك العديد من الكباتن الذين يتصيدون الفرصة للخلاص منه في الضجة التي تحيط به هو وفريدة مؤخرًا.. فبعد كل شيء، هم يعلمون مع مَن يتعاملون، وأنه إذا عاد لسابق عهده لن يترك لغيره مكان!!

 في عالمه، لا يمكنه الوثوق بأحد!!

لكن المشكلة أن بوجود فريدة، ليس هناك فرصة للإخفاق أبدًا.. خاصةً، بعد ما صرحت له به أمس ويعرف بشدة أنها قد ندمت عليه كثيرًا.. وإلا لم ّ هرعت من بكيرة الصباح عند الطبيب؟!

طالعها بغموض مجددًا وهو يفكر في فيما بينه وبين والده قبل قليل، وأعترف أن والده كان محق في ضرورة خطوة زواجهما، ستوفر لهما بعض الوقت.. وكلما كان أسرع كان أفيد لهما، ورغم ذلك، لا يعلم لمّ تصاعد غضبه عندما ذكر والده ذلك .. الحقيقة، كان هو تدخله هو السبب، أثار جنونه واستفز شياطينه القديمة!!.. لم يحب تطور علاقتهما مؤخرًا وممارسة والده لدور الأب في حياته، بدايةً من إظهار خوفه ومحاولته للتدخل وإيجاد حل مع المنظمة وحتى اكتشافه أنه منذ رجوعها وقد مهد إعلاميًا جيدًا لذلك الخبر وعمل على وضع فريدة في دور العاشقة المهوسة التي تلهث وراءه، هذا خلاف معاملته المهينة لها، لم ينس ما ذكرته فريدة على المركب .. بحق الجحيم، هل صدق نفسه أنه والده حقًا وسيعي الدور عليه وسينصحه الآن لمّ فيه الصالح والأكثر فائدة؟!

كل ذلك تكالب عليه وجعله كبركان فائر يرمي حممه على أي عابر.. وكان صاحب النصيب الأكبر هو والده، لأول مرة ينفعل بتلك الطريقة عليه دون مبرر، حتى خشيَ الاطباء من حدوث مضاعفات له بعد تعافيه نسبيًا، لكن المضاعفات كانت لتحدث حقًا لو لم يضع حد لتلك المهازل التي تحدث، كان لزامًا عليه من إعادة تقويم علاقته بوالده ووضع الحواجز التي أزيلت في خضم الفوضى كيلا ينسى أيًا منهما ما حدث!!.. خاصة تلك التي تُسمى زوجة أبيه، توعد لها حينما يفرغ بسبب الحماقات التي تظن أنه غافل عنها، وآخرها إهمالها لـ'ريم' وتركتها تسافر رحلة تخييم مع أصدقائها دون أن تكلف نفسها عناء معرفة أين الرحلة أو مع مَن، مبررة أنها لن تترك ابنتها في تلك الاجواء الكئيبة؟!.. رويدًا رويدًا أدهم، ستكون واهمة إن ظنت أنه قد ضعفت هامته أو أنه قد نسى أمرها في زحمة نكباته، لا بأس، سيكون لديه الوقت فيما بعد لإنعاش ذاكرتها بمَن هو 'أدهم الشاذلي'، ابن زوجها العزيز!!

- كف عن التحديق بي هكذا!!

قاوم الابتسامة التي تراوغ فمه كلما تغلبها حُمرة الغضب ليتصنع الاندهاش قائلًا بحيرة مفتعلة:

- وكيف أحدق بكِ؟؟

”كما كنت تفعل بالقلعة!!“

ودت بشدة لو استطاعت قولها لكن حلقها الذي ضاق من مرارة القهر حال دون ذلك، ومع هذا طالت نظرتها الفارغ له أكثر من اللازم وللحظة شعرت بأنه قد فهم ما يحدث لها من تبدل ملامحه.. لكنها في النهاية نفخت في سأم قبل أن تردف مُغيره الموضوع برمته:

- أرى أنك قد عقدت العزم على الخروج، لم تخبرني إلى أين؟؟

توهجت عيناه بشرارة الغضب من جديد، وكأنها ذكرته بالأمر:

- ليس قبل أن تخبرني أنتِ أولًا أين ذهبتِ وأنا أتذكر جيدًا أنكِ قولتِ بالأمس شيئًا ما عن الخضوع وأنكِ لن تخطي خطوة دون علمي!!

زفير حانق فارق جوفها قبل أن تعقد كفيها معًا محاولة ألا تبدي انفعال من استخفافه بها:

- دعنا نتفق اتفاق أدهم..

ضيق عينه بثانية واعتبرتها إشارة لتُكمل في تريث:

- لا تسألني عن شيء أنت تعرفه، وانا أعرف أنك تعرفه؛ لأن ذلك يستفزني لأبعد الحدود، واضح؟!

رفع أدهم حاجبه ثم اعطاها ابتسامة سمكة قرش استفزتها أكثر وهو يهز رأسه لها في استحان زائف:

- واضح.. وبما إننا سنكون صادقين مع بعضنا البعض، ما هي آخر تطورات علاجك؟، أقصد هل كل شيء يسير معك على ما يرام؟؟

ارتابت من تعابيره اللئيمة وانتابها غثيان من محاولته لإبداء الاهتمام لتهتف بنزق كاذبة:

- لا شيء لتعرفه.. لقد أعطاني وصفة طبية جديدة..

ضاقت عينيه بنظرة متشككة ليسألها محاولًا جعل نبرته مهذبة:

- هل لي أن أراها؟؟

- لا..!!

قبل أن تدرك الكلمة كانت لفظتها بفظاظة شديدة، وهَبَّتْ فيه بنوبة استنكار جارف من إلحاحه وتدخله السافر في شئونها من جديد لتفيض موضحها عدائها كيلا ينسى:

- أظن أن ذلك شيء يخصني ولا يخصك أنت أو العصابة التي تضلّع بها!!

انطفت في ثانية لمعت التسلية من عينه وأي عاطفة أخرى لينهض جامعًا سترته في هدوء شديد وَترَّ أعصابها وبدأت تتساءل في عقلها إذا كان عليها الهروب أم لا.. حتى وجدته ينهض ملقيًا القنبلة عليها بينما يغادر بلا اهتمام:

- حضري حالك لأننا سنغادر المشفى حالًا، فلدينا الليلة عقد قران سيُذاع في بث مباشر لنجعل العصابة التي أضلّع بها تعرف أنكِ قد عُدتِ ليّ!!


❈-❈-❈


افرغت ريم ما في معدتها للمرة العشرون وهي تشعر أنها على حافة الموت إذا استمرت على ذلك المنوال اللعين.. فتبًا منذ ما يزيد عن يومين لم تتناول حرفيًا شيء، حتى المياه معدتها لا تتحملها، ستموت بسبب القيء المستمر والاسهال لكن واللعنة لا يمكن أن تذهب لأي مستشفى وإلا سيُفضح أمرها وسيعرف الجميع أنها مدمنة كوكايين!!.. كل ما استطاع الحصول عليه هي دواء عديم الفائدة بالكاد سكنّ ألمها لساعة أو اثنين ومن ثم عادت الأوجاع دفعة واحدة ولم يفيد معها حتى لو ابتلعت منه شريط بأكمله!!

لعنت الوغد 'أوليفر' مع كل نفس تلفظه لأنه السبب فيما يحدث لها الآن، ليس لأنه علّمها تعاطي تلك اللعنة ولكن لأن العاهر منع عنها المخدر منذ أن عرف بأنها قد ضاعفت جرعتها وقت إصابة أدهم!! .. ستُجن، لا تعرف كيف استطاع فعلها وهو في ألمانيا، وهي التي من مصر ولم تكن تعرف أحد، لا أحد تعرفه بمصر يمكنها اللجوء له، حتى أصدقائها لم تكن تجرأ لتفكر باللجوء لأحدهم لأنها على علم بأنه لن يستر سرها أكثر من ساعة واحدة!!.. هي التي بمصر وليس هو، مع ذلك أمكنه تسلّيط المروج كيلا يبيع لها مهما عرضت عليه من أموال رغم أنه هو مَن عرفها عليه!!

اللعنة على غبائك ريم، هو مَن عرّفك عليه ووفره لكِ داخل مصر، إذًا بالطبع سيكون ولاء المروج له هو وليس لكِ!!

لعنت مجددًا وهي تتقيأ من جديد عصارة معدتها لتخبط رأسها بالنهاية في ارضية الحمام من فرط الألم.. لا يمكن.. لا يمكن أن يفعل 'أوليفر' بها ذلك!!.. ولمّ؟! .. لمّ بالأساس يفعل هذا؟! .. لم تصدقه حينما أخبرها أنه سيعاقبها على تصرفها الأهوج وتهورها في حياتها، لم تصدقه عندما قال أنه سيمنع عنها مقدار الكمية الزائدة عن معدل جرعتها الأساسية، وكأنها أخذتهم مقدمًا، وبحسبة بسيط لما استهلكته مؤخرًا فهذا يعني أنه سيمنع عنها المخدر لما يزيد عن عشرة أيام، وها هي تموت في أول يومان فقط!!.. لم تصدق قط أنه قد يقدم على فعل دنئ كهذا!!.. تعني، هو 'أوُليّ' حبيبها الأول ومَن دق له قلبها.. يذلها ويُؤلمها هكذا؟!

فقط هكذا، قال كلمته ببرود شديد ثم أغلق في وجهها أي وسائل للتواصل معه لتعاني للمرة الأولى أعراض الانسحاب اللعينة بينما تقتلها ببطء.. وعندما أيست وعرفت أنه جَديّ تمامًا في قراره، اصطنعت حُجة بلهاء عن رحلة مع أصدقائها وبسهولة دخلت على والدتها لتؤجر هذه الشقة بمنطقة ساحلية نائية أملًا في ان تقضي أيام انسحابها وتعود لكن سحقًا لهذا يبدو أنها ستموت هنا!! .. لقد أحرق قلبها بفعلته وبمرور الوقت كان جزء من حبه داخلها يموت مع كل مرة تموت فيها ألمًا وهي تعي جيدًا أنه يعرف!!

للمرة الأولى كانت ترى الجانب المظلم من شخصيته، والذي طالما شعرت به، لكن لم تتوقع مطلقًا أن يكون بهذا السوء!!

بترنح شديد نهضت من أرضية المرحاض الذي حرفيًا قضت أغلب يومها فيه، وللحظة بدت مترددة في مفارقته، لأنها غالبًا ستعود له بعد دقيقة أو اثنين لكن جسدها الذي تخشب ولم تفارقه رعشت البرد اجبراها على النهوض.. وبينما تغسل وجهها وشعرها القصير سمعت رنين جرس الباب تعجبت له، لأن لا أحد يعلم أنها هنا ولم تطلب شيء.. لذلك رجحت بأن الطارق مخطئ فالعنوان وقررت تجاهله لتجر قدميها لأقرب أريكة.. لكن الطارق واصل الرنين حتى صرعها، فنهضت بإعياء شديد وأعصاب ثائرة منتوية أن تصب لعنتها عليه..

فتحت الباب لتُفاجئ برجل ذو قامه مهيبة يحني رأسه لأسفل ويُخفي ملامحه بـ (كـاب) أسود.. وقبل أن تسأله مَن هو، دفعها واقتحم الشقة عنوة، ما إن همت بالصراخ حتى كشف الكاب عن وجهُ لتتعرف عليه بشهقة صادمة:

- 'عادل' ؟!

- لمّ؟؟.. لمّ، بيبي، تريدين اغضابي ومضاعفة عقابك بعد أن رق قلبي وجِئتُ لأعطيكِ جرعتك بنفسي؟! .. ألم أخبرك أنني أكره سماع هذا الاسم؟! .. 'أوليفر'، بيبي، اسمي 'أوليفر'!!

يتبع