-->

الفصل الرابع والعشرون - أشواك وحرير


 

الفصل الرابع والعشرون


صرخت في وجهها بعصبية زائدة، فهي لم تعد تحتمل ذلك الوضع البغيض بالنسبة لها فهو يزيد عن طاقتها :


_هو ده اللي مش هتخلي الجوازة تتم يا روح أمك؟!..اتجوزته وخدها تتفسح بفلوس أبويا، وأنتِ نايمه على ودانك.


تأنت ثوانِ ثم تابعت بتهكم :


_أو يمكن بتستعبطي علشان ينولك من الحب جانب!


أبعدت "ريهام" سماعة الهاتف عن أذنها بسبب صراخ الأخرى، وردت بضيق مكتوم :


_مسبتش كلمه غير وقولتها لأمها علشان متوافقش، بس هي طمعت قالت طالمًا غني وهيعيشها مرتاحه وهي عوزاه خلاص!...ده غير الفضيحة اللي عملتها يوم الفرح!


_فضيحة!!


رددتها "رونا" بدهشة، فقصت عليها "ريهام" تلك الفضيحة التي افتعلتها يوم عقد القرآن؛ فلم يكن من الأولى سوى أن صرخت في وجهها بغيظ :


_غبيه!..واهو اتجوزها وطلعت شريفة وكمان سفرها honey moon هتعملي إيه يا عبقرية؟!


قالت جملتها الأخيرة بسخرية؛ جعلت الغضب يتعالى بداخل "ريهام" وأردفت بحنق :


_ما أنا مكنتش أعرف إنها محافظة على نفسها، كنت فاكره إنها دايره على حل شعرها مع الواد ده اللي متصاحبه عليه!


_مين ده؟


سألتها "رونا" بإهتمام وقد رأت بريق أمل؛ فقصت "ريهام" عليها كل ما تعرفه عن "مجد" من خلال ما عرفته من "سهير" أو مواقع التواصل الإجتماعي...فأردفت "رونا" بدهشة :


_بس كان باين إنها مفيش بينها وبينه حاجه لما عرفت إنه بيحب، ومش معنى إنه كان مديلها امتيازات إن بينهم حاجه عادي صداقه عاديه!


_حتى لو كده أخوكِ كان باين عليه مش طايقه يوم الفرح، وشكله بيغير منه...مفيهاش حاجه لما نخليه يشك فيهم!


ازداد وميض الأمل بداخل "رونا" لتلك الفكرة؛ فوافقت بدون تردد مقرره العزف على وتر الغيرة لدى شقيقها :


_هشوف ناس تراقب مجد ده وأشوف طبيعية العلاقة بينهم بالظبط كانت إيه...هكلمك تاني علشان أقولك تعملي إيه!


تمتمت "ريهام" بالموافقة، وأغلقت الخط بسعادة جلية؛ لا تصدق إنها قاربت على تحقيق إنتقامها من "سهير" وابنتها بل وكسر أنفهما بفضيحة كبرى ستضع رأسهما في الطين للأبد!...أما عن الأخرى فسألتها والدتها بقلق :


_هتعملي إيه؟


رفعت كتفيها بلامبالاة، وأجابتها بهدوء :


_مش عارفه، لسه بفكر!


احتوت "هالة" كفها بين راحتيها التي زينتهما تجاعيد الزمان، وأردفت بتخوف :


_اعملي اللي أنتِ عوزاه، المهم أخوكِ ميتأذيش!


ابتسمت "رونا" بسخرية على حديث والدتها "ها هي مجددًا تخاف عليه وتفضله عليها بالرغم من كونه منْ عصى أوامرها وليست هي!...فضّلته عنها في كل شئ حتى في إدارة ميراثهم كان هو وليست هي بالرغم من أنها الأكبر"...طال صمتها، فسحبت كفها بهدوء، وأنزلت عينيها نحو أطباق الطعام :


_أنا مستحيل أأذي أخويا!...هو بس مش عارف مصلحته، وفاكر إن سعادته مع الشحاتة دي!


طالعتها والدتها بفخر وثقه؛ فما كان من الأخرى سوى الإبتسام الفاتر وعودتها لإستكمال طعامها في هدوء وسرعه حتى تخرج لمقابلة "هشام" من أجل لقاء حميمي آخر بينهما علّه يُعيد لها صفاء الذهن، ويمنحها بعض الدعم!



❈-❈-❈




ابتعدت عن حاسوبها المحمول بتعب شديد ظهر جليًا على وجهها؛ فلم تعد تستطع مواصلة التركيز بسبب ألم قاتل أسفل بطنها وركبتيها...استنبطت أنه موعد زائرتها الشهرية خاصةً مع تقلباتها المزاجية في الأيام الأخيرة، ورغبتها الدائمة في البكاء...أخذت تدور في أرجاء الغرفة بحثًا عن أحد المسكنات فلم تجد، وقد قاربت على البكاء لعدم قدرتها على الخروج بالإضافة لسؤاله الدائم عن سبب خروجها وعن الأشياء التي تبتاعها! "كيف ستخبره بذلك؟! "...لم تشعر بدخوله للحجرة، فأقترب منها واحتوى وجنتيها بين كفي يده، ثم سألها بقلق واضح بسبب علامات الألم المرتسمة على جبهتها :


_أنتِ كويسه؟


اومأت له برأسها، وأجابته بضعف :


_بطني وجعاني بس شويه.


ضيق عينيه بإهتمام :


_البريود ولا حاجه تانيه؟!


أحمرت وجنتيها بخجل، ولعنت غبائها لأنها أخبرته "فكيف نسيت بأنه كان متزوج سابقًا وبالتأكيد سيفهم! "...تناولت أنفاسها بإنتظام حتى تُهدأ من نفسها "فهذه طبيعتها البيولوجية لا يجب أن تخجل منها أبدًا"...أما عنه فقد فهم من صمتها وحركة عينيها العشوائية أنها تعاني من الدورة الشهرية كما خمن، فأبتسم لها بحنان، ثم سحبها من ذراعها واتجه نحو الفراش :


_حاولي تريحي ضهرك وأنا هخرج عشر دقايق اشتري حاجه وارجع!


اومأت له برأسها، واستلقت على السرير متكومه في وضع الجنين في محاولة بائسة للتخفيف من الألم...خرج "مالك" وعاد بعد بضعة دقائق أعطاها حقيبة بلاستيكية بها إحدى الاشرطة المسكنة، وفوطٍ صحيه، بالإضافة لمشروب الأعشاب الساخنة!...تناولتهم منه بأيدي مرتعشة، ثم تكلمت بنبرة خفيضة بالكاد سمعها فهي لازالت تعاني من الحرج :


_شكرًا!


أبتسم لها بإتساع، وحاول السيطرة على نفسه لكي لا يضحك؛ فهو يعلم أنها تكاد تنصهر من الخجل :


_على إيه يا روحي، ده أنا زي جوزك يعني، وعلشان تبقي عارفه إني عارف كل حاجه عن الستات!


قالها بمرح وغمز لها بعينه؛ فأجلت صوتها بالضحك، وأدارت وجهها للجانب حتى تتحاشى النظر إليه؛ ضحك هو الآخر، واتجه نحو الشرفات لجعل الغرفة مظلمه لكي تستطيع الخلود للنوم....غطت نفسها جيدًا، وابتسمت بسعادة حقيقية من إهتمامه بها؛ تشعر أنها أصبحت تحبه بالفعل!...تذكرت قبلاته لها الليلة الماضية، ونومها في حضنه لأول مرة؛ فكست وجهها الفرحة أثناء نظرها إليه وهو يحتل السرير بجانبها، ثم غطت في نومٍ عميق سريع لأول مرة تجربه منذ عدة سنوات!



❈-❈-❈





جلس "مازن" يطالع بعض الملفات الخاصة بالأمور المالية للشركة...فدلفت "ميرنا" للداخل وأخبرته بهدوء :


_مستر ممدوح محامي جدك طالب يشوفك يا مازن.


رفع رأسه عن كومة الأوراق أمامه، ثم سألها بإستغراب :


_غريبه!...هيكون عاوز إيه؟


لوت شفتيها بعدم معرفه فأمرها بإدخاله سريعًا...استقام في مكانه ليرحب به، كان رجل طويل أبيض البشرة خطا الشيب شعره ملامحه جاده صارمه، وبعد دقائق من السؤال عن الأحوال أخبره "ممدوح" بأنه يحتاجه في أمرٍ هام يخص وصية جده!...طالعه "مازن" بحاجبين مقتضبين، فطمأنه الأول وطلب أن يكونا بمفردهما أفضل!...همت "ميرنا" بالخروج فأمسك "مازن" كفها :


_اتكلم يا أستاذ ممدوح ميرنا خطيبتي مش حد غريب!


أومأ "ممدوح" بتفهم، بينما ابتسمت "ميرنا" بسعادة حقيقية؛ فيبدو أنه قارب على مبادلتها مشاعرها تجاهه!...أما عنه فلم يدري لمَ طلب ذلك "من الممكن أنه شعر بالذنب لإقصائها الدائم من حياته الشخصية على العكس منها فقرر أن يعطيها ويعطيه فرصه أخيره قبل أن يحسم مصيرهما! "


_جدك الله يرحمه جه كتب وصيته قبل ما يسافر لندن بيوم، وكان طلب مني أفتحها بعد وفاته بشهر.


مط "مازن" شفتيه للأمام، وسأله بإهتمام :


_بس ميرا مش موجوده، وكده مش هينفع الوصية تتفتح صح؟


أومأ له "ممدوح" بتأكيد وأردف بثبات :


_الوصية لازم تكون في وجود بنت عمك ومرات عمك كمان!


شبك "مازن" كفيه ببعضهما، ورد بهدوء :


_أيوه بس ميرا مسافره هي ومامتها، كده مش هينفع تتفتح!


_في الحالات اللي زي دي ممكن وكيل بالنيابة عنهم يحضر فتح الوصية!


تبادل كلًا من "مازن" و"ميرنا" النظرات المتسائلة، فسأله الأول بجديه :


_ممكن خال ميرا يحضر؟


أومأ له "ممدوح" بالموافقة، ثم أسترسل بهدوء :


_بس ياريت الكلام ده يتم في أسرع وقت لأني مسافر بره مصر!



تمتم "مازن" فأستاذن "ممدوح" وهب واقفًا إستعدادًا للمغادره، فصافحه "مازن" وقام بإيصاله لباب الخروج، ثم عاد إلى مكتبه من جديد؛ فرمقته "ميرنا" بإهتمام وسألته مضيقه عينيها :


_تفتكر جدك كاتب لهم زياده؟


 حرك كتفيه بعدم معرفه، ولكنه لم يبدي أي إعتراض على الفكرة بل وافق سريعًا ورحب بالأمر؛ فهو يعلم بالتأكيد أن جده سيحاول تعويضهما!...تفاجئت "ميرنا" من سعادته وعدم رفضه؛ فقد اعتقدت أنه سيعارض ذلك بشدة؛ نظرًا لسخافة الأمر!...رمقته بغيظ :


_يعني هتوافق إنها تاخد من نصيبك؟!


أمسك قلمه وعاد لمتابعة الأوراق أمامه، ثم سألها بهدوء :


_وفيها إيه يعني؟...أنا وبنت عمي، يعني الفلوس مش هتروح لحد غريب! ثم إن الموضوع لسه متمش فبلاش نسبق الأحداث!


تخصرت في وقفتها، وأخبرته بضيق حاولت إخفائه :


_يعني أنت مش هتتضايق إن خدت أكتر منك؟!


ظهرت إمارات الضيق جليه على وجهه بسبب إصرارها على الحديث في ذلك الأمر، وندم على إدخالها في أمورهما الشخصية؛ فرد بضيق مكتوم :


_ميرنا!...الموضوع ده بيني وبين ميرا، وأنا عارف إنها تستحق الفلوس دي لو فعلًا جدي كتبها لها بلس إني مش محتاج فلوس، وزي ما قولتلك بلاش نسبق الأحداث!


نهشت الغيرة قلبها من تساهله معها الشديد في ذلك الأمر، بل ودافعه عنها...كادت أن تتشاجر معه بدافع غيرتها الأنثوية فبالرغم ابتعادها إلا أنه ما زال يتأثر بها ويكن لها المشاعر! ولكنها ذكرت نفسها بأنها من ستكون الخاسرة؛ عليها أن تستمع لقراراته فقط وتصمت فيكفيها ما وصلت إليه معه...يجب عليها الصمت الآن والترقب فقط؛ وعندما تحصل عليه حينها ستبعده عنها للأبد....لاحظت تجهم قسمات وجهه، فأقتربت تمسد كتفيه برقه، وقامت بطبع قبله على جانب وجهه :


_متزعلش مني.


أزاح يديها عن جسده بهدوء، وحدثها بصرامه يشوبها بعضٍ من الإنزعاج :


_ميرنا!...أنتِ عارفه إني مش حابب الأسلوب ده!


ابتلعت إهانتها، وردت مبرره بتلعثم :


_أنا مش قصدي أضايقك، ولا أتدخل بينك أنت وبنت عمك!


زفر أنفاسه بهدوء، وسألها بإهتمام؛ فالأمر يشغل ذهنه منذ وقتٍ طويل والآن حان الوقت لكشف كل شئ :


_هو إيه اللي حصل بينك أنتِ وميرا يخليكوا تكرهوا بعض كده؟!


جلست أعلى المكتب في مقابلته، وصمتت بضع ثوانِ حتى تستجمع ما يجب أن تقوله...بينما هو راقب حركات جسدها؛ ففهم أنها على وشك الكذب :


_هي بعدت لما أنا حذرتها من السهر والشرب قبل ما اجي اشتغل عندك!


أومأ لها برأسه بعدم إقتناع فمن الواضح أن الأمر بينهما ليس بتلك السهولة، ثم أشار لها بالإنصراف للخارج لمتابعة العمل، فخرجت من أمامه بعدما أخبرته بضرورة حضوره لتناول طعام الغداء مع والدها فهز رأسه بالموافقة وعاد بتركيزه لمتابعة أعماله.



❈-❈-❈



استلقت "ريهام" على الأريكة تستمع لتلك الكلمات المعسولة التي باتت تتلقاها مؤخرًا بطيب خاطر.


_أنا فرحان أوي إننا بقينا نتكلم زي زمان!


لفت سبابتها حول إحدى خصلات شعرها، ورددت بدلع وإعتراض طفيف :


_وبعدين بقى يا هيثم...إحنا صحاب وبس!


كان يعلم أنها سترفع الراية مسبقًا، والآن تأكد له ذلك الإحساس؛ فهي لم ولن يغيرها الزمن!..تنهد بعمق، ورد بنبره دافئة يشوبها الإشتياق :


_غصب عني...أنا مش إله علشان يكون قدامي الفرس العربي الأصيل ده واضيعه من إيدي، ما أنا راجل وليا طلبات!


ابتسمت بحبور عبر الطرف الآخر، ولم تستطع شاشة الهاتف أن تمنعه من التنبؤ بالحالة التي سيطرت عليها بسبب كلامه، فأردف بهمس مثير :


_سكتي ليه؟


استلقت على بطنها رافعه قدميها لأعلي، وأصبحت تحركهما بحركات رتيبه متتالية شارده في حديثه العاشق، ثم أجابته بسؤال هامس هي الأخرى :


_أنا لسه حلوه بجد؟!


أطلق زفرات ساخنه من فمه، وردد بإستنكار :


_أنتِ إزاي مش شايفه نفسك؟!..ده اللي يشوفك يقول بنت ١٧ سنه!


وتابع بنبره أكثر وقاحه يعلم أنها ستهيم بها :


_ولا جسمك!...أنا مش عارف إزاي فيه راجل يكون متجوز الغزال ده ومش مقدره!


ضحكت بخفه، ثم ردت بمرح وكأنها تذّكر نفسها بالأمر وليس هو :


_متنساش إنه لسه جوزي!


عارض حديثها هو الآخر، ورد بإصرار :


_وأنا لسه عاوزك وبحبك!


لم تعقب على جملته الأخيرة، ولكنها أشعرتها بحالة غريبة من السعادة فلم تكن تتوقع أنه لازال يكن لها تلك المشاعر حتى بعد مرور أكثر من عشرين عامًا...أخرجها من هيامها طرقات الباب الهادئة، وصوت قرينها يناديها لفتح الباب!...أصابها التوتر حينما علمت بهوية الطارق، فأغلقت الخط بعجالة بعدما أخبرته بقدوم "محمود"....أرتدت مأزر طويل فوق عبائتها المنزلية، وفتحت بملامح متجهمه :


_اتفضل!


دلف للداخل بخطى بطيئة، وجلس على الأريكة :


_عامله إيه يا ريهام؟


لم يرف لها جفن، وأجابته بسؤال يحمل ضيق واضح :


_جاي ليه يا محمود؟!


_عجبتك القاعدة هنا ولا إيه؟!...جاي أرجعك البيت!


ضمت المأزر بقوة على صدرها حينما استشعرت عُريها أمامه!!..تفاجأ من حركتها فلم يعقب، وهم بالحديث فقاطعته هي صارخه بغيظ :


_هو تطردني بمزاجك وتهيني قدام الناس، وترجعني بمزاجك!


هب من مكانه، ووقف في مقابلتها يضع يديه في جيوب بنطاله، ثم طالعها بنظرات ثاقبه :


_مش شايفه إنك غلطتي؟!


أشاحت بوجهها للجانب الآخر، وأجابته بوقاحه :


_شايف إني غلطت في الشريفة العفيـ....


اصطكت أسنانه بعنف، ورمقها بغضب؛ فأبتلعت لعابها بتوتر وصمتت من تلقاء نفسها "فهي بالرغم من قوتها إلا أنها تخشى عصبيته!"...أسترسل بفحيح أخافها :


_بتعيبي في أخلاق البنت اللي أنا مربيها وبتعتبرني أبوها، وبتقذفيها في فرحها...لا احترمتي نفسك ولا احترمتيني، ومش شايفه إنك غلطانه؟!...إيه الجبروت ده؟


لم تجيب سؤاله واستمرت على صمتها ترمقه بضيق؛ مما جعله يضع أصابعه أسفل ذقنها ويدير رأسها في اتجاهه قائلًا بلوم : 


_مخوفتيش يترد في بناتك؟!


أبتسم بسخرية على سؤاله، واستطرد بغلب وقلة حيلة :


_بناتك إيه بقى!...واحده ختنتيها بالرغم إني رفضت، والتانية قسيتي قلبها على خطيبها لغاية ما فسخ الخطوبة!


لمعت عينيها ببريق سعاده، ورددت بإصرار واستعلاء :


_بركه يا جامع!...أنا أساسًا مكنتش عاوزه الجوازة دي!


طالعها بعتاب، فلم يحصد منها سوى اللامبالاة والبرود.


_ادخلي البسي عشان نرجع بيتنا!


شمخت بأنفها بكبرياء زائف :


_أنا مش هرجع غير لما بنت أختك تعتذر لي!


شدد من الضغط على كف يده حتى يحافظ على هدوء أعصابه، فهو لا يريد زيادة الفراغ بينهما أكثر من ذلك بالإضافة أنه يخشى أن تنضر ابنتيه بسبب ابتعاد والدتهما؛ فما كان منه سوى الرد بلطف :


_وأنا اللي جيت لك اهو علشان اعتذر لك.


نظرت لعينيه مباشرةً، وأجابته بتكبر :


_آسفه مش هرجع غير لما هي تعتذر لي!


أومأ لها برأسه واتجه للخروج من المنزل، فهو فعل ما بوسعه تجاهها، وبالتأكيد لن يخبر ابنة شقيقته بالإعتذار لها حتى وإن كانت مخطئة هي الأخرى، فهي لم تحاول يومها سوى الدفاع عن شرفها بعدما طُعنت فيه أمام الناس ليلة زفافها، ولتتكفل ابنته الكبرى بمحاولة إعادة والدتها!...تابعت خروجه من المنزل بغيظ، ولم تدري لما عاندته فهي كانت تشتاق للعودة خوفًا من شماتة الناس بها...تنفست بعمق واتجهت نحو المرآة لكي تتأمل تقاسيم جسدها بإنبهار بعدما تذكرت مغازلة "هيثم" لها!



❈-❈-❈


بعد مرور ثلاثة أيام


خطا معًا لداخل الڤيلا...كان يلف ذراعه حول خصرها، فأستقبلتهما "رونا" على الباب أثناء خروجها للسهر في الخارج :


_Oh, my god!


قالتها "رونا" بدهشة حينما رأت "روان" يغطي رأسها الحجاب، فأبتسمت لها الأخيرة بتوتر...شدد "مالك" من الضغط على خصرها بقوة لكي يدعمها، وسأل شقيقته ببسمه هادئه تشوبها الثقة :


_إيه رأيك؟...قمر صح؟


بادلته الإبتسام وردت مؤكده على حديثه، وقد تعالى القرف بداخلها...استأذنت "روان" للصعود لأعلى متعلله بالإرهاق حتى تترك لهما مساحتهما الخاصة للحديث...احتوى "مالك" خديها بين كفيه، وسألها بإهتمام حقيقي :


_ها محتاجه حاجه للبيوتي سنتر؟!


ابتسمت له بتصنع، وشكرته بلطف زائف :


_ لا يا حبيبي thanks أنا خلاص جبت الأجهزة، والإفتتاح قريب!


اومأ لها رأسه بفخر، فتابعت هي حديثها بنبرة لينة :


_مراتك عامله معاك إيه؟...فرحان معاها؟!


تنهد بإرتياح وكست وجهه السعادة، ثم ردد بفرحه ظهرت جليه في صوته :


_بحبها أوي يا رونا...جدعه وحنينه ومش بيهون عليها زعلي، رأسها ناشفه شويه بس حاسس إنها نسخة تانيه من حبيبه الله يرحمها!


اومأت له بتفهم، وربتت على ذراعه بدعم :


_يبقى متزعلهاش شكلها طيبه، أنا كنت ظلماها!!


عانقها "مالك" ومرر كفيه على ظهرها بحنان أخوي، وأردف بإمتنان :


_شكرًا إنك بتعامليها كويس!


_متقولش كده...أنت أخويا الصغير!


شكرها مجددًا، وصعد للأعلى بينما هي تجهمت قسماتها من جديد، وظهرت عليها علامات الغضب، فأخذت سيارتها وفرت لخارج المنطقة بالكامل...وجدها بدلت ملابسها، واستلقت على السرير بإنهاك فبدل ملابسه هو الآخر، واستلقى بجانبها، ثم أخذها في أحضانه فهمهمت ببعض الكلمات الغير مفهومة بسبب نومها...بينما هو همس بالقرب من أذنها بنبرة دافئة :


_أنتِ مش عارفه بتكوني جميله قد إيه وأنتِ بتسمعي الكلام، بتمنى تكوني كده عالطول!


تفوه بجملته الأخيرة بعدما طبع قبلات هادئة أعلى رأسها وعلى وجنتيها؛ فكم أسعده خضوعها له الأيام السابقة، وتلامسهم شبه الدائم بعدما أخبرته بأنها سترتدي الحجاب! بل ومبادرتها الغريبة للنوم في أحضانه كل يوم...شعر بأنها طفله صغيره في السادسة من عمرها تحتمي به وكأنها تبحث من خلاله عن أبيها!... وكم أسعده ذلك الأمر! فيكفيه ما وصل إليه معها إلى الآن، وهو متأكد بشدة أنها قاربت على تسليم رايات حصونها المنيعة له، وبالتأكيد سيكون سعيد حينها للغاية لأنه سيأخذها بإرادتها وليس عنوه!



❈-❈-❈



صباح اليوم التالي


اقتحم "مازن" مكتب "كامل" بدون أي إستإذان...تفاجأ الأخير من وقاحته؛ فصرخ في وجهه بإنفعال :


_أنت اتجننت؟...إزاي تدخل عليا كده؟!


لم يأبه "مازن" لصراخه فقد قارب أن يجن جنونه عندما تأكد من عدم وجودها بالجلالة، بالإضافة لكيس البودرة الذي وجدته إحدى الخادمات أثناء تنظيفها لحجرة الطعام، والذي لم يدخلها منذ ذلك اليوم "مما أكد له حديث سامح بأن أحدهم وضع له المخدرات، والذي لم يكن سوى ابنة عمه! "..صك أسنانه بعنف، وأردف بفحيح غاضب :


_بنت عمي فين؟


في تلك الأثناء دلفت "سلوى" للداخل بسرعه وكانت تلهث بشدة عندما علمت بإقتحام "مازن" فهي لم تكن في محل عملها!...أشار لها "كامل" بالإنصراف بملامح متجهمه، وأجاب سؤال الآخر بضيق :


_هو أنا مفيش ورايا غيرك؟!...ما قولتلك بنت عمك في الجلا....


قاطعه بغضب ونفاذ صبر، ثم خلل شعره بأصابعه بعنف حتى كاد أن يقتلعه :


_ميرا مش في الزفت، أنا اتأكدت بنفسي!


_وجاي تقولي ليه؟!...ما تروح تبلغ البوليس ولا تشوف بنت عمك راحت فين!


عدل "مازن" من وضعية ثيابه، ثم ردد بهدوء مصطنع :


_ما أنا هخرج أبلغ فعلًا وأقول إن ابنك خطفها!


أتسعت عيني "كامل" بدهشة من تلك الجريمة التي أُلصقت بإبنه، وردد بإستنكار وعصبيه مماثله لعصبيه الآخر :


_ابني مين اللي خطفها يا مجنون أنت!..ابني في شغل بره البلد، وقرب يرجع منه!


_ميرا قالت إنها مسافره مع ابنك وخدت أوراق سفرها، والبيه ابنك اتضح إنه سافر لوحده، وسجل إنها سافرت مع المهندسين وهي أساسًا مش معاهم!


تملك القلق من "كامل" حتى وإن كان يثق بوحيده ثقه عمياء؛ إلا أنه يخشى عليه خصوصًا بعد إدعاءات "مازن"...قرر أن يتحكم في انفعاله لمراضاة الآخر حتى يفهم الموضوع بالكامل؛ فلا يتعرض ابنه للمشاكل بدون أي دليل!...أمره بالجلوس فلبى "مازن" نداءه على مضض، وأردف "كامل" بتعقل بعدما سمع منه الأمر بأكمله وقد تملك منه الخوف :


_طب ما يمكن تكون في مستشفى مثلًا!


ابتسم "مازن" بإستهزاء، ورد بقلق :


_للأسف سألت في كل المستشفيات ملهاش أثر!


دلف "مجد" بصحبة شقيقته التي تأبطت ذراعه، فهجم "مازن" عليه ممسكًا بتلابيبه!...كان يشعر بأن أمره سينكشف، ولكن ليس بهذه السرعة؛ فلم يبدي أي ردة فعل وتركه يفعل ما يحلو له مُستقبلًا إياه ببرود، بينما صرخت "يارا" في وجه "مازن" بغضب حتى يترك أخيها :


_ابعد إيدك عنه بدل ما اطلبلك الأمن!


لم يحرك ساكنًا، وهمّت بضربه بحقيبتها متعجبه من هدوء شقيقها وأبيها فأوقفها "مجد" بصرامة؛ لكي لا تتدخل، سأله "مازن" بعصبيه وقد جحظت زرقاوتيه الداكنتان بسبب غضبه :


_فين ميرا؟


_معرفش!


رددها "مجد" ببرود فلكمه الآخر بقوة أسفل فكه؛ جعلته يتألم بشدة...عدل من وضعية ثيابه، و رد له اللكمة بقوة أكبر في فمه...حينها تخلى "كامل" عن هدوءه، وأسرع بطلب الأمن حتى يوقفوا تلك المشاجرة التي شابهت شجار أبناء الشوارع، وقف حائل فيما بينهما بوقاره، وسأل ابنه بصرامة :


_أنت ليك علاقه بإختفائها؟


صمت "مجد" بتجهم، فهو لا يدري ما عليه فعله لقد وعدها بأنه لن يخبر أحدًا كما اوصته، ولكن الأمر خرج من يديه...أشاح وجهه للجهة الأخرى ففهم والده أنه له علاقة بالأمر فالهرب والمراوغة ليسا من طبيعته!...استدار "كامل" لـ "مازن" الذي كان يلفظ أنفاسه بغضب وترقب، وحدثه بثقه :


_ابني مش كذاب، روح بلغ البوليس، وانسى الشراكة اللي ما بينا خلاص!


لم يكن "كامل" بالرجل الذي يظهر أبنائه مخطئين أمام الأغراب حتى وإن وكانوا كذلك؛ فدائمًا ما كان يدعمهم أمام الناس، وفي الخفاء يوبخهم...فهم تورط نجله، فأختار الصمت والنظر لذلك الأمر لاحقًا فما حدث حدث!


علم "مجد" أن الأمور قد خرجت من يده تمامًا؛ كما خشي من إفتعال الفضيحة لهم في سوق العمل، وبالتالي خسارة الكثير من الأسهم التي تعب والده لسنوات طويلة من أجل جمعها!...وستستمر خسارتهم لحين معرفة الحقيقة والتي لا مفر من معرفتها فكل الدلائل تؤكد تورطه لحين أن يثبت أنها تُعالج وليست مخطتفه!...استوقفه "مجد" بنداء متردد، وقد قرر أنه يخبره بالحقيقة على الأقل ليكون بجوارها!...يعلم أنه سيُعّرض نفسه ووالده للحرج ولكن هذا أفضل!


_استنى أنا عارف مكانها!


ألتفت إليه "مازن" بملامح مبهمه، ولكن استطاع "مجد" أن يرى وميض أبيض لامع يشع بلهفه داخل زرقاوتيه...تناول الآخير أنفاسه برتابه :


_ميرا بتتعالج في مصحة إدمان، وطلبت إن مفيش حد يعرف!



يُتبع...