-->

الفصل الثامن عشر - كما يحلو لكِ - النسخة العامية



الفصل الثامن عشر

النسخة العامية 

نهض مضطرًا أن يُصافحه، لم يخطر بباله أنه سيكون مجبورًا أن يُلاقيه وجهًا إلي وجه يومًا ما وظن أن نهاية معرفته به هو بانتهاء حملته الانتخابية ليس إلا، حظه اللعين لا ينفك يُذكره بالماضي بكل الطرق المستحيلة والممكنة.

 

هو وزوجته، وابن عمه وزوجته التي هي ابنة عمه كذلك، لو كان رآها دون زوجها لما تعرف عليها ولا لاحظها، لمّ عليه التعرض لعائلته التي لا يكره أكثر منها وهو مع "روان"؟

 

-       أنس سامح الجندي ابن عمي ومراته رضوى بنت عمنا.. روان مراتي.

 

عرف "روان" عليهما التي نهضت وابتسمت لكلاهما بلباقة وصافحتهما ثم اخبرتهم بابتسامة:

-       أهلًا وسهلًا، اتفضلوا.

 

اشارت على المقعدين كي ينضمان لهما من باب التصرف اللائق ليس إلا لتلاحظ ابتسامة "عمر" التي تشبعت بالغيظ الشديد بالرغم من اتضاح اسنانه بها وكل من يراها قد يؤكد أنه سعيد بهذا اللقاء ولكن من معرفتها به تيقنت أنه على وشك الانفجار.

 

-       بقى ينفع اكلمك كذا مرة من ساعة ما رجعت من السفر وأنت متردش؟

 

قالها "أنس" ببعض اللوم فرد "عمر" بثبات وكأنه قد تدرب مليًا على هذه اللحظة تحديدًا:

-       إجازة وبعدها كان فيه شغل كتير وبعدين إجازة فمعلش اكيد مخدتش بالي من كتر المكالمات.. اتفضلوا.

 

يتمنى أن يرفض، أن يكون لديهما التزامات أو خطط أخرى، لا يريد أن تواجه عائلته فهي تختلف كثيرًا عنهم، ولا يريدها أن تعرف الكثير، يكفي أنها تعاملت مع والديه وأخيه وأخته، لماذا حظه عاثر للغاية؟

 

تفقد "أنس" ساعة يده ثم نظر إلى زوجته "رضوى" فأومأت له بابتسامة ثم جلس كلاهما فتحدثت الأخيرة إلي "روان" بلباقة واستفهمت بود:

-       عاملة ايه؟ ايه اخبارك؟

 

بادلتها ملامحها البشوشة وهي تتسرع بالحكم على مظهرها فمن الواضح أن نساء عائلته ملابسهن تختلف اختلاف شاسع عن ملابسها المتحررة نوعًا ما وكلهن محجبات، فها هي ابنة عمه ووالدته وكذلك أخته، الآن تعلم لماذا كان يحاول اختيار ملابس مُعينة لها بالسابق، ولكن على كل حال لم يكن عليه أن يقوم باختيار امرأة ترتدي ما تشاء بطريقة معينة وبعدها يرغمها على ارتداء ما يراه مقبولًا من وجهة نظره، خاصةً وأنه لم يفاتحها في الأمر بفترة خطبتهما.

 

-       كله تمام، انتي عاملة ايه؟

 

-       الحمد لله، كله حلو، مبسوطة جدًا اننا شوفناكم صُدفة واخيرًا هتعرف عليكي.

 

 

اتسعت ابتسامة "روان" ليتدخل صوت "أنس" بفخرٍ شديد ونبرة مُعلنة أجبرت ثلاثتهم على الالتفات له:

-       باركوا بقى لرضوى، النهاردة اصلًا كنا بنحتفل كده على الضيق علشان السمينار بتاعها اتقبل واتوافق عليه من الكلية وقريب هتقدم الرسالة إن شاء الله.

 

التفتت لها "روان" لتجدها تنظر نحو زوجها بامتنان شديد فقالت سريعًا بملامح متهللة وسعادة اظهرتها لها:

-       ألف مبروك، وعقبال ما تخلصي وتنجحي في الباقي، بس بجد اكيد مجهود جبار، أنا بعد الماجيستير مقدرتش اكمل بصراحة خالص.

 

قال "عمر" بنبرة هادئة واقتضاب شديد:

-       مبروك.

 

تحدثت لهما "رضوى" وهي توزع نظراتها بينهما:

-       الله يبارك فيكم.

 

سلطت نظرها على "روان" ثم وجهت حديثها لها متسائلة:

-       مكملتيش ليه بس؟

 

هزت كتفيها بتلقائية واجابتها وهي تحافظ على ابتسامتها إليها:

-       اتشغلت في الشغل اوي وبعدها وفاة بابي فمكنش عندي وقت خالص.

 

عضو بالبرلمان، وله عمله الخاص بعيدًا عن والده، طبيبة نساء ناجحة، وأخرى تدير شركات للبرمجيات ذات سمعة معروفة، لماذا يشعر بمزيد من سوء الحظ وهو محامي مثل والده ولم تسمح له الفرصة بدراسة ما يُريده ويحبه ويُجبر أن يدير شركة محاماة لا يبقيها سوى من أجل هؤلاء المحامين الذين ستتشرد عائلاتهم لو قرر فجأة أن يغلقها للأبد!

صُدفة رؤية ابن عمه وزوجته ليست سعيدة أبدًا.

 

-       سيبك منهم بقى وقولي، اخبارك ايه من ساعة ما شوفتك اخر مرة؟

 

انتشله سؤال "أنس" من أفكاره السلبية وكذلك أصبح صوت ثرثرة كلتاهما يقبع بالخلفية فالتفت له واجابه:

-       كله تمام.. أنت عامل ايه؟

 

تأزمت ملامح "أنس" قليلًا واجابه بصوت مُرهق:

-       المسئوليات زادت اكتر، ومن ساعة ما نجحت في الانتخابات اعمامك مش بينزلوا من على وداني رغي رغي رغي، وكمان رضوى مشغولة اوي، أنا اصلًا عشان اخرجها الخروجة دي قلت ظز في كل حاجة وهنفصل يعني هنفصل واخدت موضوع نجاحها ده حِجة وخليتها تعتذر عن باقي مواعيدها في العيادة، مش هنقضيها كده شغل ومسئوليات طول الوقت، سبنا الولاد عند اختها وقولنا نفرفش شوية، واضح ان فيه ناس اهو بتعمل زينا.

 

غمز له بمرح وهو ينظر بلمحة سريعة نحو "روان" ثم أعاد نظره له وتابع حديثه:

-       خدها نصيحة، الحقوا اتبسطوا قبل مسئوليات الولاد لأن بمجرد ما أول واحد فيهم يشرف هتسيبوا الدنيا كلها وهتركزوا معاهم اوي وهيبقوا أولوية بمزاجكم او غصب عنكم.

 

 ابتسم له باقتضاب وأومأ بتفهم وتذكر مكالمات والده معه بشأن تأخر انجابهما إلي الآن فحمحم مُجليًا حلقه ثم حدثه بلباقة:

-       طيب لو معطلينكم او حاجة أو شغلناكم ممـ

-       لا معطلينا ايه، رضوى اصلًا بتحب تشوف الناس وتقعد معاهم، ده زمانها مبسوطة اوي.

 

قاطعه كما قاطع حديثهم نهوض كلتاهما فأضاف "أنس" بمرح:

-       اهو يا عم، ملحقوش يعرفوا بعض عشر دقايق واديهم اتصاحبوا وسايبنا وقايمين، عطلتونا ايه بس.

 

ابتسمت كلتاهما وعقبت "رضوى" بمزاح:

-       رايحين الـ toilet وراجعين، وبعدين اه اتصاحبنا، حد فيكم عنده مُشكلة؟

 

نظرت لكلاهما ولم تلقى تلك الكلمات اعجاب "عمر" على الاطلاق بينما رفع زوجها يديه باستسلام:

-       دكتور رضوى تعمل اللي هي عايزاه، ولا اقدر أقول كلمة، اللي نفسك فيه تعمليه يا حبيبتي.

-       قولت كده برضو!

 

اخبرته بملامح منتصرة لتضحك "روان" بخفوت ونظرت نحو "عمر" لتلاحظ انزعاج راسخ بأعماق فحميتيه وقبل أن تحاول سؤاله استمعت لصوت ابنة عمه وهي تقول:

-       يالا بينا.

 

اتجهت كلتاهما نحو تلك المحلات التجارية فامتنت لها "رضوى" بشدة:

-       بجد مش عارفة اقولك ايه، شكرًا إنك جيتي معايا..

 

ابتسمت لها وقالت بلباقة:

-       فيها ايه يعني أنا معملتش حاجة، بس انتي بتحبيه اوي كده ولا ايه، المفروض هو اللي يجيبلك هدية مش انتي اللي تجبيله!

 

 نظرت لها وهي تتنهد وتحدث بجدية لم تغب عنها السعادة:

-       أنس سبب من أسباب كل اللي أنا فيه ده، ولولا مساعدته ليا في الدراسة والولاد وحتى في شُغلي مكونتش وصلت للي وصلتله ده، معندكيش فكرة تعب معايا ازاي، هو اصلًا اللي عملي العيادة، هو بجد يستحق كل حاجة حلوة في الدُنيا مش بس هدية صُغيرة.

 

 

لوهلة تمنت بداخلها لو أن تلك السعادة التي تملكها تُصبح من نصيبها هي الأخرى، ولكنها لم تعي ولم تر بل ولم تتخذ قرارات منطقية معه منذ البداية.

 

-       ربنا يسعدكم.

 

قالتها بابتسامة ولا تدري لماذا لم تتذكر سوى تلك الليلة التي ذهبت بها إلى المقهى بعد مغادرة منزله وتوقعيها على قسيمة الزواج، تتذكر كيف عاملها وقتها، ربما لو كانت تعرف بعض التفاصيل عن العلاقات أو حتى لديها خبرة ولو صغيرة مثل تلك التي تملكها أخته "عنود" أو حتى لو التقت بابنة عمه وزوجها منذ البداية لكانت كونت فكرة مختلفة تمامًا عن هذا الزواج، ليتها اهتمت بامتلاك الأصدقاء وتوطيد علاقتها بابنة خالتها "يارا" أو حتى عرفت طريق تلك المجموعات النسائية المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وكل امرأة تُشارك خبراتها مع الأخرى، لو كانت فعلت هذا لما انتهى بها الأمر هنا بداخل أسر زواج لا تضمن استمراره ولا نجاحه ولا سعادتها به.

 

-       وانتي وعمر عاملين ايه؟

 

همهمت لها منتبهة وقبل أن يشحب وجهها رسمت ابتسامة على وجهها واكتفت أن تجيب باقتضاب:

-       احنا تمام.

 

ضيقت ما بين حاجبيها ونظرت له باستغراب ثم تعجبت من ردها المقتضب لتقول:

-       تمام وبس، يا بنتي انتي لسه تعتبري عروسة، ولا مبتحبيش تحكي تفاصيل عشان اول مرة تقابليني وتعرفيني.

 

أومأت بالإنكار وتفوهت بلهجة متعجلة لتنفي أي أفكار سلبية قد تراوض رأسها:

-       لا لا أبدًا، بالعكس أنا مبسوطة جدًا إني عرفتك انتي وأنس واتقابلنا، بس فعلًا أنا وعمر كويسين ومن ساعة ما اتجوزنا والدُنيا ماشية تمام

 

تفقدتها ببعض الاستغراب ثم سألتها بابتسامة:

-       وعمي يزيد كويس معاكي من اول الجواز برضو، مفيش حاجة كده ولا كده حصلت منه؟

 

تريثت لبُرهة قبل الإجابة على سؤالها فتفقدتها الأخرى بجدية وحدثتها بنبرة ناصحة واهتمام شديد:

-       بصي يا روان كلنا عارفين إن عمي صعب اوي، وأنا بصراحة بثق جدًا في رأي أنس، هو دايمًا يقول إن عمر غلبان ومجبور يبقى نسخة من باباه، بس احنا كبرنا، واهم حاجة تكونوا كويسين انتي وهو، وحاولي على قد ما تقدري تتجنبي عمو خالص عشان حياتك تبقى هادية، انما عُدي وعنود وحتى طنط كلهم كويسين على قد ما اعرف من جوزي يعني.

 

ابتسمت لها وأومأت بالتفهم وحدثتها قائلة:

-       اصلًا عشان شغلي كتير فين وفين لما بشوفهم وهم كلهم كويسين معايا وحتى عمو يمكن من اول جوازنا مشوفتوش خمس او ست مرات على بعض.

 

اختلفت ملامحها للراحة الشديدة ثم قالت بهتاف متهللة وتنهيدة عميقة بالخلاص:

-       بس وهو ده المطلوب، كفاية اوي عليكي الخمس ست مرات دول وخليكي مع جوزك في حياة هادية وكويسة بعيد عنه، ولو حصل اي حوار اتجنبيه خالص وبلاش تطولي معاه في الكلام تبقي كده زي الفل معاه..

 

 ابتسمت واعينها تتسع بالتعجب واخبرتها باقتضاب:

-       لا متقلقيش ده اخري في التعامل معاه

 

ربتت على كتفها بلطف ثم كلمتها بود:

-       ربنا يسعدكم يارب، ويالا بينا نشوف هنجيب للراجل اللي مستني ده ايه.

 

أومأت لها وردت عليها قبل أن تتجها سويًا لابتياع هدية لزوجها:

-       يالا بينا.

--

رفعت رأسها نحوه وهو جالس بجانبها بمقعد السيارة الخلفي اثناء عودتهما إلى المنزل وتيقنت من أن ملامحه التي تزداد شرودًا ووجومًا منذ رؤيته لابن عمه وزوجته لا تدل سوى عن استياءه الشديد من هذه الصُدفة العابرة التي اسعدتها للغاية ولكنها لا تدري ما السبب خلف كل ما يتضح على وجهه فلقد كانا رجل وامرأة في غاية الود والتهذيب بل وأضافا الكثير من المرح لأمسيتهما.

 

احتضنت كف يده بلمسات رقيقة وهي تنبهه إليها بلطفٍ شديد ثم تعجبت باهتمام:

-       مالك؟ حساك مش مبسوط من ساعة ما قابلنا رضوى وأنس، هو أنت مش بتحبهم؟

 

لم يبادلها مقدار الاهتمام واكتفى بترك يده بين اصابعها كما استغنى عن الثرثرة بالكثير من المبررات واجابها باقتضاب:

-       عادي، مش بكرههم ولا بحبهم.

 

قربت حاجبيها باستنكار لرده المقتضب وعاودت الكرة ولكن بصوت هادئ:

-       عايز تقولي إنك مش متضايق مثلًا من ساعة ما قابلناهم؟ أنت وشك اتغير مية وتمانين درجة من أول ما شوفتهم لغاية دلوقتي!

 

زفر بحنق اضطرم بسائر دماء عروقه، هو لا يريد أن يناقشها بالأمر ولا يود أكثر من وضع نهاية لتساؤلاتها وفي نفس الوقت لا يجرؤ أن يخسر هذا الهدوء والتوازن فيما بينه وبينها منذ أيام فتريث كي ينتقي كلماته بعناية ثم عقب بهدوء:

-       مبحبش اختلط بعيلتي كتير، مشاكلهم مبتخلصش، الاحسن اني افضل بعيد عنهم، كده اريح.

 

ابتسمت ببلاهة فهي لم تقتنع بمثقال ذرة من تبريره الواهي واطنبت متعجبة:

-       أنا حاسة انهم ناس كويسين جدًا وكل القاعدة كانت ضحك وهزار وكمان رضوى حسيت انها اختي اللي بتنصحني او واحدة صاحبتي وفضلت تحكيلي اتقابلت ازاي هي وهو واتجوزوا ازاي، وشكلها شاطرة وناجحة في مجالها وبتحب أنس جدًا وهو كمان بيحبها وبيحترمها، ازاي الناس دي باللي شوفته منهم النهاردة بتوع مشاكل؟! مش مصدقاك بصراحة!

 

التفت لها بانزعاج سيطر على ملامحه وانطلقت الكلمات من فمه دون أن تمر على عقله أولًا دون اكتراث وتفوه بنبرة آمرة:

-       بطلي تحكمي على الناس من غير ما تعرفيهم كويس.

 

تغيرت ملامحها وكادت أن تفقد هدوئها وتخبره أنه معه حق فهي لو كانت عرفته منذ البداية جيدًا لكانت الآن بعيد عن كل هذه الدوامة القاتلة التي تعيش بها معه منذ زواجهما ولكنها سيطرت سريعًا على لسانها وقنعت عن لمستها له وعقدت ذراعيها أمام صدرها والتزمت الصمت طوال طريق العودة.

 

عادته هلوساته ولكنها هذه المرة كانت تبدو كهمس بعيد يقبع بأعماق رأسه، وكأن صوته بات يتحدث بمنتهى الخفوت ليشعر بالمواساة بينه وبين نفسه وهو يقول:

-       محدش فيهم فرق معاه حاجة زمان وأنت مرمي لواحدك في المستشفى ولا هيفرق معاهم دلوقتي، أنت صح وهم غلطانين!

هذا الشعور لن ينتهي أبدًا بداخل عقله ورأسه، منذ الأبد وبعد ما عايشه يعرف أن الجميع لا يكترثون له، ربما والده هو الرجل الوحيد الذي ود أن يراه رجلًا ناجحًا متفوقًا وبالرغم من جفائه وبعض القسوة منه ولكنه في النهاية طالما أدرك أنه يريد أن يراه الأفضل بين الجميع، ليس أخيه ولا أمه وبالطبع ليس أبناء عمومته ولا اعمامه نفسهم.

 

من الأفضل أن يستمر هكذا دون معرفتهم، فالاقتراب منهم لن يُسبب له سوى صداع الرأس والكثير من الثرثرة وهو في غنى عن كل ذلك، كما أن كل منهم لا يريد سوى المنفعة الشخصية له فقط، وهو لا يريد بداخله سوى المثل، وليس هناك منفعة سيحتاج إليها منهم قط ولن يسمح لنفسه بأن يحتاج لهم مهما كان.

--

غادرت الحمام لتجده نائم على الفراش وشارد بسقف الغرفة، هادئ بشدة منذ عودتهما، لم يتبادل معها ولو كلمة واحدة ولا حتى حديث عابر، وبتلقائية شديدة تعجبت بداخلها هل هذا بسبب الصُدفة تلك أم بسبب تقلب مزاجي جديد، هي تحتاج حقًا لحديث طويل مع "مريم" بشأنه وبشأن ما وصلت له حالته بهذه الأيام!

 

تنهدت وهي تلمح الساعة لتجدها قاربت على الثانية صباحًا فتوجهت هي الأخرى للفراش ثم سألته باقتضاب:

-       احنا هنسافر بكرة ولا لأ؟

 

لم يستمع حقًا لسؤالها فنادته بعد أن انتظرت سماع رده:

-       عمر، بقولك هنعمل ايه بكرة؟

 

همهم بعد أن استمع لاسمه التي نطقت به شفتيها وأخبرها مستفهمًا بعفوية شديدة:

-       بتقولي ايه؟

 

 تعجبت منه للغاية وكررت سؤالها للمرة الثالثة وهي تتفحصه بعسليتين واقعتين بإدراك أن أيًا كان ما يُعاني منه بسبب رؤيته ابن عمه وزوجته ليس بيسير:

-       هنسافر بكرة ولا لأ؟ ولو هنسافر هيبقى امتى؟

 

هز رأسه بالموافقة ثم اجابها:

-       رديت على باسم لما مشيتي انتي ورضوى، هنسافر بكرة بليل

 

قبل أن تسأله عن حاله أطفأ الأنوار الجانبية لفراشهما ثم جذبها بعناقٍ قوي وابتلع بصعوبة كانت تتوافق مع ملامحه المتأزمة بشدة التي احتوتها الظلمة حولهما وبعد معاناة بين اختياره أن يتحدث مخبرًا إياها بما يشعر به وبين أن يصمت ويكتفي بعدم التوضيح وسكوتها همس مطنبًا بنبرة خافتة مبحوحة:

-       أنا مقصدش اننا نكون متضايقين، ولا اقصد إني افضل ساكت، بس أنس مبيفكرنيش غير باللي حصلي زمان، وأنا فكرت كتير أوي، كنت بفضل أقول لو كان استنى معايا مكنش هيحصلي حاجة، أو لو مكونتش اصلًا سافرت مع بابا زمان وخرجت مع أنس ليلتها مكنش حصلي حاجات كتيرة، ولما شوفته من شهرين تقريبًا افتكرت كل حاجة من أول زيارتي ليهم لغاية شهور المستشفى واللي بقيت بعمله في المدرسة وأنا صغير، افتكرت كل عقاب اخدته واتطبق عليا، افتكرت كلام بابا وهو بيعلمني ازاي ادافع عن نفسي ومبقاش ضعيف، افتكرت نظراتهم ليا وأنا داخل البيت وبجري على بابا، أنا مبحبش الناس دي عشان بيفكروني بالموضوع ده كل ما بشوفهم، لكن أنا وانتي كويسين ومفيش حاجة هتحصل ما بينا تاني، وبلاش تفكري غلط يا روان، أنا بكرة الصبح هاكون كويس وهرجع انسى الموضوع وكأن مفيش حاجة حصلت.. تصبحي على خير.

 

حاولت أن تلتفت نحوه فمنعها وشعرت به يحول بينها وبين أن تلمح وجهه أو أن تنظر له، فقالت وهي تحاول استغلال الفُرصة:

-       أنا مقدرة اوي كل اللي حصل، بس ليه متحاولش تلاقي المساعدة إنك تتغلب على اللي حصل زمان، وتنسى كل الماضي ده، وإنك تقدر تتعامل مع الناس بشكل طبيعي وسهل، ممكن لو بس واظبنا على اننا نروح لدكتور أو حتى نـ..

 

-       أنا مش عايز أتكلم في الموضوع، ولو مكونتش عديته مكونتش بقيت كويس في حاجات كتير وقدرت أكمل حياتي عادي، نامي.. تصبحي على خير!

 

 

اوقفها عن حديثها بنبرة نافذة للصبر واستطال صمتها بعد أن جدد بداخلها خيبة الأمل التي لا ينفك عن اصابتها بها، ولكن لو كان هو مصمم على أنه بخير وأنه لا يُعاني من صدمات افسدت حياته بأكملها فهي الأخرى مصممة على الهروب والحصول على انفصال أبدي بينهما، حتى ولو عشقها له سيُصيبها بالموت، لن تستطيع الاستمرار مع رجل لا تضمن ما قد تؤول إليه أفعاله بين ليلة وضحاها، لقد كان هذا الصواب منذ البداية ولكنها لم تنتبه، وسيكون غباء فادح أن يخطأ المرء بمنتهى الرعونة والسذاجة ويستمر بهذا الخطأ، على الأقل؛ تصحيح الخطأ سيكون أأمن اختيار دائمًا وأبدًا..

 

-       وأنت من أهله.

 

همست بها وتوقفت محاولتها عن التحرك، ولقد استمع لتعقيبها العفوي، وأحس بالحزن يغلف نبرتها، ولكنه لا يريد أن يبقى ضعيفًا ولا يريد أن يرى أحد وهنه، وخاصةً هي بعد رؤيتها للكثير من لحظات ألمه التي ليست بموطن تفاخر على الاطلاق..

--

في صباح اليوم التالي..

 

لماذا باتت رائحة القهوة مألوفة للغاية كلما شعرت بمغادرة النعاس وأخذ الاستيقاظ في التسلل إليها، هل هذه تقلبات بسبب دورتها الشهرية؟ هل هي تحمل جنين آخر منه؟! اللعنة على هرمونات النساء، لا يُمكن أن يحدث ويستحيل أن تُنجب منه طفل!

 

نهضت في فزع وقد انعدم أمانها تمامًا لمجرد الفكرة لتجد ملامحه المبتسمة وهو جالس بجانبها على طرف الفراش وسرعان ما التقطت أنفها رائحة شطائر طازجة وكذلك القهوة ليصبح خليط شهي للغاية ولكنها أدركت في نفس الوقت أنها خسرت لتوها فرصة دس الدواء في افطاره.

 

-       صباح الخير يا بنوتي.

 

ابتسمت له بالرغم مما يدور بداخل رأسها من محاولتها إيجاد طريقة وفرصة أخرى اليوم كي تجعله يتناول دواءه دون أن يدري واخبرته بنبرة ناعسة:

-       صباح النور، هي الساعة كام؟

 

ابتسم وهو يتفقد مظهرها الذي تحاول طرد النعاس عنه وهي تفرك وجهها وتنمق تلك الخصلات الثائرة حوله لتبدو كالقطة تمامًا عند استيقاظها فأجابها وعينيه لا تزال تُشاهدها باستمتاع:

-       اتناشر وشوية

 

جحظت عينيها بدهشة ولكنها حاولت ألا تُثير قلقه ولا شكوكه بها فلحقت ملامحها بتساؤل مستنكر:

-       معقول نمت كل ده؟

 

حاولت تعديل جلستها لتتوسع ابتسامته ثم عقب قائلًا:

-       صحيتك الصبح لقيتك تعبانة أوي، قومتي دخلتي الحمام ونمتي تاني، قولت اسيبك تنامي براحتك.

 

حسنًا، إمّا هذا هو معنى أن يسقيك القدر من نفس الكأس، وإمّا هو يهذي بكلمات غير مفهومة، أو ربما هذا كابوس وهي تحلم، لماذا لم تستيقظ بعد؟

 

استشعر استغرابها الشديد فاقترب نحوها وتلمس وجهها بأنامله وأخبرها بملامح غرقت في تفحص خاصتها:

-       نسيتي بتتعبي ازاي كل شهر ولا ايه!

 

ضيقت ما بين حاجبيها وهي تحاول أن تتذكر ما يقوله، هل يتبع حيله الخبيثة معها مرة أخرى؟ ولكنه يمتلك مزاج رائق واعينه تدل على هيامه بها وليس محاولة ايقاعها بخدائعه ومكره حتى تنطق بسذاجة ما يريد أن يصل له، ما لعنة ما يحدث؟

 

التفتت وهي تُمسك بالقهوة وارتشفت منها واعتصرت ثنايا عقلها لعله يُساعدها في تذكر ما يقوله وحاولت أن تحرك جسدها لتجد ما يؤازر كلماته ويدل على صحتها بملابسها، هي تُعاني من دورتها الشهرية اللعينة التي لا تفلت منها سوى ببعض الراحة والنوم، وهذا الألم بأسفل بطنها دليل آخر، حسنًا، قد نست وكانت نعسة، وهذا تذكير لها بأن المرء يستطيع نسيان ما يحدث له وهو نائم، كيف لم تتذكر؟ ربما حدث، الأمر يبدو وكأنها كانت تحلم، التفاصيل تعود وكأنه أمر حدث وهي ثملة أو غائبة عن الوعي، هو محق اذن، ولكن؛ لُعن عدم الأمان الذي باتت تعيش به.

 

ابتسمت له عندما أمسك بشطيرة تفوح منها رائحة الجبن السائل وتناولت القليل منها حين قربها من فمها ومضغته بهدوء ثم حاولت أن تكون ماكرة بسؤالها دون التطرق لما يُثير ارتيابه:

-       عملت ايه من غيري، حضرت الشنط عشان السفر ولا اشتغلت؟

 

ضيق عينيه نحوها بحقدٍ مازح وتمتم بتنهيدة:

-       اه حضرت الشنط وعملت الفطار ووديت الولاد المدرسة وحضرت كمان الغدا!

 

ضحكت بخفوت على رده الذي التقطته اذنها بالرغم من خفوت نبرته ثم مازحته بنظراتٍ متشفية:

-       برافو، ست بيت شاطرة.

 

رفع احدى حاجباه واختلفت ملامحه ثم زجرها بسؤال مستنكر:

-       نعم يا قطة؟! تحبي اوريكي مين ست البيت الشاطرة؟ ولا دلعي ليكي زاد عن اللزوم؟

 

تركت قهوتها جانبًا ثم لمست صدره بدلالٍ بطرف سبابتها وهمست بأنوثة اهلكته:

-       بهزر معاك يا عمور، متخدش كل حاجة جد كده.

 

نظر لها عاقدًا حاجباه وقال بامتعاض لم يتخل عن تحذيره:

-       هزري، هزري براحتك، كله هيطلع عليكي لما تفوقي!

 

قربته إليها لتُقبله واستطالت بتحسسها شفتيه بين خاصتيها ونهلت من أنفاسه إلى أن انعدم الهواء برئتيهما فتوقفت وهي تنظر له بابتسامة وأعين متلاعبة وقالت بين التقاطها لأنفاسها:

-       صدقني لو كنت في ظروف تانية كنت خليتك تطلع كل اللي ضايقك عليا، بس أعمل ايه، نصيبنا، وبعدين يا عمور محتاجين إجازة برضو نريح فيها شوية.. ولا إيه رأيك؟!

 

داعبت عنقه بأناملها لتلتمع الرغبة بعينيه ولم تتوقف وسبابتها تنتقل لشعيرات ذقنه وشفتيه ليبتلع وهو يتفحص ملامحها بأنفاسٍ تسارعت ليهمس بنبرة جعلتها تبتلع:

-       بطلي بقى بدل ما اعمل حاجات ملهاش أي علاقة بظروفك يا قطتي، وأظن جربنا قبل كده حاجت كتير تعرفك إني مبهزرش

 

حاولت تكذيب هذا الوجل الذي احست به من كلماته واقتربت منه محاولة أن تتمسك بشجاعتها وهمست بمزيد من الدلال وهي تنتقي كلماتها بعناية وفكرت بكل حرف وهي تنطقه بتباطؤ كي لا تُفسد تلك الغُلبة التي باتت تمتلكها بالآونة الأخيرة عليه:

-       عارفة إنك مبتهزرش، وعارفة إنك تقدر تعمل حاجات كتير، بس عارفة إن جوزي حبيبي بيحب يبسطني ومبيسبنيش أبدًا غير وأنا مبسوطة.. مش كده ولا ايه؟

 

تفحص عينيها المتحليتين بالثقة الشديدة ليهز رأسه بعدم تصديق ثم تمتم بغيظ:

-       استاهل، أنا اللي دلعتك!

 

قبلت وجنته بمرح ثم نهضت بنشاط شديد وأدركت أنه يستحيل أن تصل لهذه الحيوية خاصةً بمثل هذا اليوم اللعين إلا لو نالت قسط كافي من الراحة وربما قد تناولت هذه الأعشاب الغريبة التي جعلها تتناولها في السابق، لا يهم، كل ما يهم الآن أنه بخير، وربما بعض الحلوى ستكفي لترغمه على تناول دواءه، لن تيأس مع هذا السلطان اللعين المغرور ولن تستسلم لجنونه إما تُعالجه وإما تتركه للأبد ولو سيقتلها العشق آلاف المرات!

 

--

 

بعد مرور ثلاثة أيام..

تحديدًا، مدينة أكابولكو دي خواريز، ولاية غيريرو بالمكسيك..

 

وقفت بالشرفة للجناح الفندقي القابع بمنتجع بالطرف الجنوبي للمدينة التي اعتاد أن يذهب لها الأثرياء ونجوم هوليوود في فترة ما من الزمن، تتفقد ذلك الغروب الساحر بصحبة لون مياه المحيط الهادئ وهي تتنعم بتلك النسمات المنعشة المعبئة برائحة المحيط والدفء الساحر بصحبة هذا الهدوء الذي لم تكن أن تتصور أن تتمتع به بعد نوبته الأخيرة.

 

لن تُنكر أنها مذعورة، تشعر بالرعب طوال اليوم، حتى أثناء نومها لا يغيب عنها هذا الشعور، ولكن الأيام تمر وتتأكد من أنه لا يتذكر، وتتيقن من عشقها لهذا المختل، تسأل نفسها بكل لحظة تمر عليها كيف ستترك رجل يعشقه قلبها لهذه الدرجة الشديدة، كثرة اللحظات السعيدة معه هذه الأيام باتت كفيلة بأن تُنسيها تلك النوبة القاتلة التي واجهتها معه، بل هذه الأيام وحدها كافية لتُنسيها الدنيا بكل من فيها، بداية بعملها نهاية بوالدتها وأخيها، تتمنى بطيات قلبها لو استمرت حياتهما بهذه الفرحة الدائمة ولكن هذا درب من دروب المستحيل، حتى هذا لا يمكنه أن يحدث بالأحلام، وخاصة مع رجل مثله.

 

التفتت خلفها لتستمع لإغلاقه للمياه بداخل الحمام المُلحق بجناحهما فالتمعت عينيها بالحماس ثم توجهت لهاتفها وهي تحاول أن تمنع يدها عن التوجه إلى أي تطبيق يصلها بعالمها الروتيني الواقعي ثم سرعان ما اختارت تطبيق للأغاني لتجد اغنيتها المنشودة وقامت بتوصيل هاتفها بنظام الصوت المُعد مسبقًا بالجناح، وتحدت نفسها، إمّا حيلها التافهة معه، وإمّا خبثه الماكر الذي تعلمته باحترافية منه!

 

بدأ جسدها يتمايل داخل سروالها القصير الأزرق الحالك وقميصها الذي انتهى بمنتصف التواء خصرها وتركت لحماسها العنان لتصاحب صوت المُغني بمجرد شدوه بمطلع الأغنية وهي تدرك مليًا أنه لتوه غادر الحمام ويُشاهدها جيدًا.

 

I can’t read ya, my sexy Mona Liza, can’t tell if you gon’ leave here, or if you wanna stay

لا أستطيع فهمك، موناليزتي المثيرة.. لا اعرف إن كنتِ ستغادرين، أم تريدين البقاء

 

Girl, just ease up, don’t yell in my two-seater, you say that youafreaker,but fall asleepat eight

 

يا فتاة فقط استرخي، لا تصرخي في سيارتي ذات المقعدين، تقولين أنكِ غريبة الأطوار ولكنك تنامين بالثامنة مساءًا

 

التفتت له متصنعة براءة الذئب من دم ابن يعقوب ورسمت الدهشة على وجهها وكأنه فاجأها بتواجده خلفها ومغادرته للحمام دون ملاحظتها وزيفت خجلها منه لتجد شفتاه تتكلف بانحنائه متحدية وكلمها آمرًا:

-       كملي، اعتبريني مش موجود!

 

قبلت تحديه سريعًا خاصة بملامحه المثيرة التي لا تزال تحمل اثار استحمامه ولم يحجبها عنها سوى سرواله القصير لينضم صوتها لصوت المغني لتُكمل معه غناءها لتلك الأغنية وخاصة هذه الجملة التي تلاءمه للغاية لو فقط يعرف أنها موجهة له وليست لامرأة كما تقصد كلمات الأغنية:

Baby, oh-oh, you just a little loco, like boats in Acapulco, I’m just ridin’ the wave

 

حبيبي أنت فقط مجنون قليلًا، مثل القوارب في مدينة اكابولكو، أنا فقط أمارس ركوب الأمواج..

 

توضيح (اكابولكو) مدينة تقع على ساحل المحيط الهادئ بالمكسيك وشهدت هذه المدينة غزو واستعمار وحروب جنونية وعصابات وقتال دموي كما أنها معروفة بالكنوز والثروات. وهي المدينة المتواجدان بها.

 

اشارت نحوه واستكملت رقصها ليعقد حاجباه وهو لا يستطيع تقبل تلك الإشارات منها، من هنا المجنون فيهما الذي تقصده؟ هل هي المجنونة التي تعذبه منذ أيام ولا يستطيع الاقتراب منها والحصول عليها كما يحلو له، أم هو الذي فقد عقله بفعل أشياء لم يخطر على باله فعلها بصحبة امرأة قط؟! وليست أي امرأة، بل زوجته التي اهلكه عشقها ويجد نفسه معها كالطفل المطيع الذي لا يأبى أي من ارشادات والدته التي يرى حنانها نحوه بعسليتيها كلما تفقدته.

 

Baby, oh-oh, you just a little loco, emotions like a yo-yo, but I love you that way

 

حبيبي أنت فقط مجنون قليلًا، مشاعرك مثل اليويو، ولكنني احبك بهذه الطريقة.

 

توضيح:

يُقصد باليويو شخص غبي أو غير كفء أو غريب الأطوار، وتعبر عن أن الموصوف بها يتعرض لتقلبات وانعكاسات مفاجئة في الرأي أو العواطف.

 

تجرأت واقتربت منه وهي تشجعه على مراقصتها وبدأت تحركاتها تنعكس على جسده لتوقظ تلك الرغبة الممتزجة بإدراكه السريع بكم يريدها ولأي درجة أصبح يعشقها ليقع بدوامة من الخوف والمشاعر لا يستطيع السيطرة على أي منها.

 

أخذت تُغني بملامح مرحة وهي تمرر أناملها على جسده اثناء تمايلاتها والتصقت بجسده وهو عاقد لذراعيه مراقبًا كل ما تفعله وكل تلك الإشارات التي توجهها له بعسليتيها الحيويتين وتلك الرشاقة الأنثوية بتحركاتها:

 

Damn, that body, devil in Versace, Did I win the lottery or am I gonna pay?

Damn, you got me, like bitcoin and like Doge, I’m rich with you beside me, ’cause you’re not goin’, babe

 

اللعنة، ذلك الجسد، الشيطانة ترتدي (فيرزاتشي، ماركة شهيرة)، هل فُزت باليانصيب، أم أنني سوف أقوم بالدفع؟

اللعنة، لقد هزمتني، مثل البت كوين ودوجي (عملات رقمية)، أنا ثري وأنا بجانبك، لأنك لا تعتمدين على العملة (لا تهتمي بالأموال)

 

أخذت تتراقص على هذه الأغنية التي لم يعد يتبقى منها سوى القليل وهي تمازحه وتستعرض تلك الأنوثة أمامه بمنتهى الجرأة وعدم الخجل، لابد من أن تقوده لهذه البؤرة بعد أن تيقنت أنها هي الأخرى تمتلك تأثير قوي عليه للغاية، وبعد كل ما تعرفت عليه من نساء مختلفة ولو حتى عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، المرأة التي تمتلك سُلطة المشاعر والجسد الأنثوي الفاتن وهذا الاتصال الجسدي المجحوم فيما بينها وبين زوجها بالإضافة إلى بعض الطاعة الظاهرية، تمتلك رجلها بين اصابعها كدمية بين أصابع طفل.

 

خطتها الوحيدة أن تعود من هذه العطلة ذات الحرارة المشعة كالشمس فيما بينهما وهي تحرقه بنيران الثقة العمياء بها والأمان المطلق لكل ما تفعله، سواء ستستخدم الحنان، العلاقة الحميمة، المرح، الاهتمام، أيًا ما كان بين يديها لن تتراجع عن استغلاله حتى يُصبح طوع إشارة وحيدة من عينيها قبل اصبعها.

 

عانقته بقوة شديدة بعد أن انتهت تلك النغمات وهي تريح رأسها على صدره العريض وقصدت أن تداعب تلك الشعيرات السوداء بتمرير وجهها عليها وعادت لتصنعها البراءة وكأنها لم تتقصد ايقاظ رغبته بداخله بلمساتها واشارتها الماجنة التي ليس لها معنى سوى تأجيج رغبته رغمًا عن أنفه ولا عزاء لتلك السيطرة التي كان يملكها دائمًا وأبدًا مع أي امرأة لمسها، بداية بـ "يُمنى" ونهاية بتلك الفتاة التي كادت أن تلفظ أنفاسها الأخيرة بسببه!

 

-       انتي بتعملي ايه يا قطتي؟

 

 جعلها سؤاله تنتبه له وتغادر عناقهما ونظرت له مُدعية السذاجة وكأنها لا تعرف ما يُرمي إليه وتفقدته باستغراب ليتنهد وهو ينظر لها بمكرٍ ثم أشار بعينيه ممهلها ثواني لتمتثل نية تلك السوداويتين الآمرتين وهي يقصد أن تتجه للأسفل فقلبت شفتيها متصنعة البلاهة بالرغم من انعكاس ذلك التصلب الذي يحتدم بجسده على قوامها وهي تفهم مليًا ما الذي يُريده ليهمس لها بنفاذ صبر:

-       عمال احذرك من أول السفرية، انتي اللي جبتيه لنفسك!

 

دفعها بهوادة للأسفل فأخذت ترمقه ببراءة امتزجت بتلاعب بعينيها ثم سألته:

-       مش قادر تصبر يوم واحد كمان؟

 

ابتسم بخبثٍ ثم صحح قولها بثقة طاغية:

-       انتِ اللي مش قادرة تصبري يوم واحد.

 

تلمست اعلى سرواله بأنامل مداعبة وأخذت نظراتها تتحول من بريئة لأخرى خليعة وصاحبتها بابتسامة عابثة تحرض شياطينه على امتلاكها وتصرخ به أن يتجاهل كونها بالمحيض، وليحدث ما يحدث، لم يعد يكترث بعد كل هذا العذاب الذي باتت تسطو به على كيانه.

 

-       يالا يا قطتي!

 

ثبت يديه محتويًا أناملها كي تُخفض ما يحول بينهما وتبدأ بمداعبته وعينيه تحلك بالتوق للمساتها ولفمها حوله بأسرع وقت ممكن كي تخلصه من تلك النيران المحتدمة بدمائه.

 

-       يالا ايه، مش فاهمة قصدك!

 

ضيق عيناه نحوها وابتسامة مغتاظة علت شفتاه، فهذا ليس الوقت المناسب لادعائها الغباء وعدم فهم ما يُريده وهي لا تزال تُعطيه تلك النظرات المتلاعبة بدلال بات من الصعب الصمود أمامه ليدنو منها قليلًا وهو يخلل أصابعه بشعرها دون أن يقوم بجذبه وأخبرها آمرًا بخفوت:

-       اسمعي الكلام عشان نفضل حلوين مع بعض!

 

-       ولو مسمعتش الكلام؟

 

 

رمقته بتحدي مرِح وشعر بأناملها تمسه بلمسات تثير المزيد من اشتهاءه بالحصول عليها ليطنب بمشاهدتها فرآها تبتسم له بتلاعب فاستوى بوقفته وهو يخلل شعره الفحمي وحاول التريث لبُرهة قبل أن يفعل ما قد يُفسد الكثير من الأمور بينهما وبمجرد انحناء ناظره للأسفل وجدها بدأت بلمساتها له ولكن هذه المرة يلمح بأفعالها انهاء معاناته التي بالكاد يحتويها بداخله دون الانفجار.

 

--

بعد مرور يومين..

 

-       أنا مبسوطة اوي، مش عايزة ارجع خالص.

 

ابتسم بلينٍ وهو يستنشق دخانه في هذا الهدوء من ساعات الصباح الأولى وضمها لصدره أكثر ثم عقب باقتضاب لم يخل من مصداقيته:

-       أنا كمان مبسوط.

 

اغمضت عينيها وهي تتخيل لو أن هذه هي علاقتهما الدائمة دون تقلباته وهمست له مستفهمة:

-       مبسوط عشان السفر وتغيير الجو، ولا عشان حاجة تانية؟

 

القى سيجارته بالمنفضة جانبًا ونهض جالسًا باعتدال لتنتبه بنومتها وجلست بجانبه ونظرت له مليًا ليداعب وجنتها وهو يجيبها بأعين تتفقد كل تفاصيل ملامحها بتوقٍ جارفٍ لكل ما فيها:

-       مبسوط إنك عرفتي توصلي معايا لحياة كنت بحلم بيها من زمان اوي وحسيت إني مستحيل اوصلها لدرجة إني نسيتها بس جيتي انتي وصحيتي الحلم وحققتيه كمان.

 

ابتسمت له بينما وجدت ملامحه تتحول للجدية الهائلة بعيدًا عن ذلك المرح والضحكات والرقص والسهرات الطويلة التي لا تنتهي فتركت له الفُرصة ليُبرر لها ما سر اختلاف ملامحه وانتظرت حتى أخبرها بعد بُرهة:

-       لما كنت مسافر حسيت أن جوازنا عمره ما هيكمل وإنك هتبعدي عني، وبعدها مش عارف ايه اللي حصل بس زي ما أكون نمت وصحيت لقيت كل حاجة كويسة

 

أطرقت برأسها لأحدى الجوانب بدلال ولمسته بسبابتها وهي تزجره بمرح:

-       عشان تبطل تشرب كتير!!

 

عقد حاجباه وهو يتفقدها بمزيد من الجدية ولم يتخل عقله عن كامل ارتيابه بعد بخصوص تلك الفترة التي بالكاد يتذكر قشور من تفاصيلها وهتف بها بنبرة رزينة محتويًا جانب وجهها بكف يده:

-       روان أنتِ خلتيني اثق فيكي، واطمنلك، بلاش نخسر اللي احنا وصلناله.

 

تفحصها بتلك الأعين التي تحاول تبين معرفة صدقها من كذبها والتفريق بينهما وبالرغم من ذلك الألم الذي سببه اعتصار قلبها بعد أن سمعت منه تلك الكلمات، امتهنت باحتراف رمقة صدق نحوه وعقبت بمنتهى الثقة:

-       عمرنا ما هنخسر اللي ما بينا.

 

زفر بارتباكٍ ولوهلة كان يُريد أن يُمسك بلسانه الثرثار كي لا ينطق بحرفٍ واحدٍ ولكنه لم يستطع منعه فتكلم دون أن يخفي عنها شيئًا، ربما هذا هو الحل الوحيد ليحصل عليها دائمًا وأبدًا بجانبه بيقين وتأكيد تام منها أنها لا تفضل أكثر من الصدق والشفافية، لذا كان عليه فعل ما ترضى به وتريده:

-       عارفة، في الأول يمكن اتجوزتك لأنك شبهها، وكل اللي فكرت فيه هو اني اوجعك بكل الطرق الممكنة لمجرد بس شكلك انتي وهي، بس كل مرة كنت بحاول اعمل كده فيها كنتي من غير ما تقصدي ولا حتى تعرفي انتي بتعملي ايه كنتي بترجعيلي مشاعر قديمة وحاجات كان نفسي إنها تتحقق، واثبتيلي إنك مش شبهها في أي حاجة، ورتيني أحلى واحدة في الدنيا كنت بتمناها من زمان بس ملقتهاش، وكل ما كنت بحاول امنع نفسي ومشاعري الاقيني بقرب منك وانتي مصممة تخليني احبك زي ما انتي لغاية ما حصل فعلًا.. مكونتش احلم حتى إن ممكن يكون فيه بنت زيك ولا ست زيك، يمكن من برا تباني حاجة بس اللي يقرب منك هيعرف قد ايه انتي مختلفة.

 

ابتلعت غصة لم تتركها لتظهر اسفل عينيه، لا يزال بداخلها جزء يخبرها بأنه تزوجها وعشقها لوجه الشبه بين كلتاهما ليس إلا، ولكن هذا ليس الوقت المناسب لهذا التفكير، ربما عليها استغلال هذه الثقة وهذا المزاج الرائق بالانفتاح لها والتحدث بالكثير فسألته بابتسامة رسمتها بصعوبة على شفتيها:

-       مختلفة في ايه بالظبط؟

 

قلب شفتاه وأومأ بعدم التأكد وأغمض عينيه متأنيًا في انتقاء اجابته ليرمقها بعدها بتنهيدة طويلة:

-       بنت ملهاش علاقات وشاطرة اوي، صعب تلاقي الاتنين في واحدة، أي واحدة مكانك كان زمانها يا متجوزة يا بتتبسط بلمة الرجالة حواليها، فمصدقتش في الأول انك حقانية اوي وبتدوري على محامي وعايزة تمشي بالقانون لما جيتيلي عشان القضية وكمان كان فيه مليون طريقة تحلي بيها مشاكلك من غير محامي، وبعد الجواز بقى، مش عارف.

 

زفر وعيناه تبحثان بملامحها عن الإجابة الصحيحة ولكنه هز كتفيه بعدم معرفة وتحدث بقليل من الحنق:

-       مش هعرف أقول الكلمتين دول بطريقة حلوة، وأصلًا مش عارف أفسر اللي حصل، بس يمكن في الأول كنت عايز اخليكي تسمعي كلامي، وأنا اللي ابقى مسيطر على كل حاجة ما بينا، وأنا الراجل وانتي الست، وأنا اللي امشي كل حاجة وانتي بس تسمعي الكلام، بس من أول مرة لمستك فيها ولغاية دلوقتي مش فاهم فيه ايه، في الأول مكونتش قادر ابعد نفسي عنك وبعد كده بقيت عايزك موجودة في كل ثانية في يومي!

 

ضيقت ما بين حاجبيها وقالت مستفهمة بابتسامة متعجبة وقليل من التهكم:

-       الراجل اللي عرف ستات بعدد شعر راسه مش عارف يفسر اللي بيحصل، مش غريبة شوية عليك؟

 

انحنت رأسه للخلف بتذمر شديد فتلمست شعيرات ذقنه فأعاد رأسه للأمام وتبادلا النظرات لثواني ليُنهي هذا الشجار بداخله فهناك ما يخبره أن يصارحها وهناك جزء آخر بعقله يُنبهه بأنه قد أخبرها بالكثير بالفعل، سيخبرها وليحدث ما يحدث:

-       روان أنا مكونتش كده مع أي واحدة ست، الهدوء والهزار والضحك واني احكيلهم كل حاجة عن نفسي، مكونتش بعمل كده، وحتى مكونتش بنام معاهم علشان اتبسط، وعمري في حياتي ما عملت اللي بعمله معاكي مع أي واحدة، مش عارف بسبب اني بحبك ولا فيه سبب تاني، أنا نفسي مش قادر افهم، انتي بتخليني مش عارف اتحكم في نفسي، في أي حاجة عمومًا مش بس ساعة ما بنام معاكي، الموضوع مش مجرد physical attraction (انجذاب جسدي) وخلاص يا إما كان راح بعد أول كام مرة.. بس اللي عارفه ومتأكد منه إن كل اللي ما بينا ده جديد عليا، وبحب كل حاجة ما بينا، ومعرفش السبب اني ظلمتك في الأول عشان كده حسيت بعدها إني لازم اتغير معاكي، ولا عشان أنا أصلًا وأنا معاكي مبقدرش ازعلك، مش عارف، ومش عارف كمان اتغيرت بجد ولا لأ، أنا في يوم فكرة الجواز بالنسبالي كانت مستحيلة وعمرها ما هتنجح، بس انتي وكل اللي عيشناه سوا بالحلو والوحش اللي فيه مخليني مش عايز حاجة غير كل لحظة في الحياة دي.

 

تفقدته بجدية ولوهلة تراجعت عن سؤالها فإجابته لن تفيد سوى أنها ستُسبب المزيد من الوجع لها أو المزيد من عشقها له وفي كلتا الحالتين ستكون خاسرة، وقبل أن تسيطر على نفسها اخرست عقلها بعد أن وجدت سبيلًا لوصولها لما تريده وحدثته في البداية بما يجعله يطمئن ويُعطيها المزيد من ثقته قبل أن تتفوه بسؤالها في النهاية:

-       أنت اتغيرت كتير اوي يا عمر مقدرش أنكر ده، يمكن في كل حاجة، مش بس بعد ما رجعت من السفر، يمكن من ساعة لما البيبي نزل وابتديت الاحظ إنك متغير للأحسن، بس اللي مش عارفاه، هو انت بتتغير وخلاص عشان انت حاسس إنك ظلمتني؟ ولا عشان أنت بتلاقي نفسك بتتصرف تصرفات مختلفة معايا؟ وبعد ما اتغيرت كده، مبتحسش إن اسلوبك القديم مع الستات عمومًا وحشك، أو مثلًا بتتمنى ساعات إني ابقى زي أي واحدة فيهم؟

 

قست ملامحه واجابها سائلًا بعد مدة من التريث:

-       عايزة تعرفي اللي يرضيكي ولا الحقيقة؟

 

رطبت شفتيها واجابته بمرح:

-       اظن بعد كل اللي جربناه سوا اللي بيرضيني شوية دلوقتي، قدام بيبقى رد فعلي وحش اوي لو لقيته كدب!

 

تنهد بعمق وداعب وجهها واضطر أن يجيبها بمصداقية:

-       أنا بتغير عشان عايزك اكتر ما أنا عايز أي حاجة تانية، ولو بتوحشني السادية في العموم واسلوبي مع الستات لو ده قصدك فأيوة، وكتير بحس اننا لو كنا مع بعض بشكل مختلف كنت هبقى مبسوط اكتر، بس لو اخترت بينك وبينها هختارك انتي، لو اخترت بينك وبين أي حاجة دايمًا هختارك..

 

توسعت ابتسامتها له وعانقته بقوة كي تخفي دموعها التي تحاول أن تسيطر عليها، لماذا الأمر دائمًا صعب معه؟ لماذا يُصيبها بهذا العشق اللعين ويُضاعفه اضعافًا بداخلها؟

 

حاولت أن تستعيد سيطرتها على تلك الدموع بعينيها وهي تتمنى لو هذه المشاعر بينهما تستمر للأبد وحاولت للمرة الآلف بخصوص العلاج من كل هذا فهمست له:

-       أنا بحبك أوي، ونفسي اخليك مبسوط، حاول عشان خاطري إن كنت بتحبني تروح لأي اخصائي نفسي، يمكن يساعدك في إنك تعدل أفكار كتير مش صح، أو حتى يفهمك إن السادية دي مرض مش ميول أبدًا، ويساعدك تتغلب على الصدمات اللي لسه بتفتكرها لغاية دلوقتي وبتأثر عليك..

 

جذب جسدها ليحدق بوجهها وسألها بابتسامة:

-       مش انتي بتقولي إني اتغيرت؟ وإنك مبسوطة معايا؟

 

أومأت له بالقبول والتأكيد على كلماته فأردف متسائلًا:

-       وحاسة إننا بقينا كويسين ومبقاش فيه ما بينا مشاكل؟

 

هزت رأسها من جديد في صمتٍ وهي تتمنى لو يهزم كل افكارها بموافقته على الذهاب ولو لجلسة واحدة فواصل وهو يمرر سبابته على ملامحها بلطف:

-       خلاص أنا مش عايز في الدنيا غير كده، نفضل كويسين بغض النظر أنا شايف ايه وانتي شايفة ايه.. أنا مش محتاج دكتور للمجانين يا روان، أنا محتاجك، انتي بالنسبالي علاج لكل حاجة وحشة مرت عليا في حياتي.

 

ها هي اصابته لها بخيبة الأمل أمام نفسها، لا يقبل أبدًا إلا ما يقتنع به ويُصدقه، وهي لن تقبل رجل لا يقتنع بمرضه، ولن تقبل سوى الهروب من تلك الأيام القليلة السعيدة بصحبته، والشهور المؤلمة التي عايشتها معه، لذا عليها الطرق على الحديد وهو ساخن، ابتسامة ودلال ونبرة هادئة واتفاق ظاهري قد يكونون خليط جيد يُمهد لها الطريق لتلك الغرفة بكل ما تحتويه من عذاب، ووسيلة للفرار منه:

-       طيب، بما إنك متأكد إنك اتغيرت، وبتحبني، فأنا كمان متأكدة إني بحبك ومعنديش مانع اتغير عشانك.. ومش هاقدر اشوفك محتاج لحاجة وفي ايدي إني اقدمها ليك وامنعها عنك.

 

عقد حاجباه مستفهمًا فاقتربت منه وهي تعانق وجنته بكفها ثم أخبرته بنبرة مقترحة:

-       ممكن نجرب واحدة واحدة اننا نرجع للأوضة بتاعتك تاني، وأظن اننا دلوقتي بقينا بنعرف نتفق غير زمان، وأنا متأكدة إنك عمرك ما هتؤذيني.

 

اقتربت جفونه من بعضها البعض وهو يتفقدها بغير تصديق واكتفى بابتسامة بدت كخط مستقيم على شفتيه ورد مُعقبًا:

-       لا مش ممكن، عمرك ما هتقبلي، مش انتي يا بنوتي اللي هتقبلي راجل سادي بكل لعبه وطريقته.

 

رفعت احدى حاجباها بتحدي وقالت:

-       نجرب، مش هانخسر حاجة!

 

استطالت نظراتهما فهي في انتظار سماع رده لعله يؤكد لها أنها ستقترب من هدفها بينما هو مشتت بين قبول هذا العرض منها وبين الابتعاد عن طريق وعر لا تعرف هي ماذا يوجد به وقُبيل موافقته أمام تلك العسليتين المناشدتين صدح هاتفها بالرنين فجذبه بتلقائية ولم يقصد سوى مناولتها إياه ليرى اسم ابن خالتها اللعين يتضح على الشاشة فسألته:

-       مين؟ أنا كلمت بسام ومامي من شوية وكانوا لسه بيفطروا.

 

-       ابن خالتك!!

 

 

رد باقتضاب دون ملامح مقروءة على وجهه وأعطى لها الهاتف مغادرًا الفراش وأشعل احدى سجائره وأذنيه تنصت بعناية لكل حرفٍ سيغادر شفتيها بعد أن تُجيب هذا اللعين، فهو لا يُطيق تواجده ولا حقيقة قرابته لها، ويوم رؤيته له عندما قام بدعوة الجميع بهذا الفندق لم تطمئنه أبدًا.

 

يُتبع..