-->

الفصل السابع عشر - كما يحلو لكِ - النسخة الفصحى

 


الفصل السابع عشر

النسخة الفصحى

بدأت يده تلين فوق ذراعها رويدًا رويدًا وهو يتفقد التعليقات الغريبة المكتوبة أمامه على الشاشة فشعر وكأنه لا يفهم ما الذي تتحدث عنه تلك النساء فمرر ابهامه لأعلى حتى يجد بداية كل هذا حتى وقعت عينيه على هذا المنشور الذي دفعها لتبدو شاخصة الأنظار بذاك الذهول منذ قليل فأخذ يقرأ:

 

-  اريد مساعدتكن دون مزاح أو تعدي ارجوكن، زوجي قد أرسل لي هذا المنشور.. ولا أدرى هل عليّ أن أوافق على الأمر أم لا خاصة أنه هذا المنشور مثبت به اباحة دار الإفتاء للألفاظ اثناء العلاقة الحميمة.. ارجو من كل من مرت بتجربة مماثلة أن تخبرني عن تجربتها وهل على الموافقة أم لا ولكن في حدود الاحترام رجاء منكن!

 

انخفضت عينيه إلى هذه الصورة فقرأ ما بها سريعًا ليجد رد دار الإفتاء على رجل زوجته تطلب منه استخدام الألفاظ الخارجة عن المألوف اثناء العلاقة فشعر بالسخرية ونظرت له لتجده يرى الأمر بشكل فُكاهي ثم آخذ في قراءة التعليقات من جديد ليتعجب من تلك النساء:

-       فلتتركيه يفعل ما يحلو له، ستبدين الآن امرأة درامية إن لم تفعلِ

 

-       وهذا ما ينقصنا مثلًا، بعد شجارنا طوال النهار يأتي ليلًا ليسبك بألفاظ لا تليق!

 

 

-       من تسمح لزوجها بهذا لابد من أنها فقدت عقلها بالتأكيد!

 

-       لا أدري لماذا تسخر منك كل النساء بهذه الطريقة ولكن العلاقة الحميمة لا تكون سوى بالاتفاق بين الطرفين، ما دام أن الأمر ليس هناك به أذى لكِ أو له فلم لا؟!! وأظن زوجك يُريد هذا كنوع من أنواع التغيير وكسر الملل، ولكن بحدود دون اسراف بالطبع لو وافقتِ

 

-       ما هذه الإهانة؟ أين احترامك لذاتك؟

 

-       اعتذر لكِ على كل هذه التعليقات الهادمة والساخرة عزيزتي، هذه الأمور نسبية، هناك من تقبلها وهناك أخرى ترفضها ولا تشعر بالراحة خلالها، لن تعرفين ما تشعرين به سوى بعد التجربة، أنتِ الوحيدة من تستطيع أن تقرر هذا والأمر يعود لكِ

 

-       يا لها من ليلة!! لقد جربنا الأمر كثيرًا ولكن هذا قبل مسئوليات الأبناء.. ليلة مجنونة حتمًا!

 

-       هل تمزحن معي؟ الفاظ ماذا؟ هل تزوجت من كائن فضائي أم أنني أصبحت أقرأ بشكل خطأ؟ ربما عيناي أصيبت بالشلل على ما يبدو من كلماتكن!

 

-       وعاشروهن بالمعروف، أين المعروف في هذا لو حدث؟ من توافق زوجها على ذلك أو حتى تطلب منه ذلك لا تكون إلا عاهرة!

 

ضحك على ما يقرأه ثم ذهب لماكينة اعداد القهوة بعد أن ابتعد عنها وافلتها ثم قام بسكب البعض له وأخذ يرتشف منها وهو يقوم بقراءة المزيد ولم يكن يتصور كل تلك الكوميديا تقبع خلف شاشة الهاتف الزجاجية بمواقع التواصل الاجتماعي بين النساء وردودهن كانت مثيرة للضحك بشكل لا يُصدقه عقل، كيف لكل تلك النساء أن يشاركن تجاربهن مع ازواجهن ويخبرن بها الجميع؛ هذا لو كن متزوجات ولا تكذب أي منهن!!

 

تفقدته باستغراب شديد في اللحظات الأولى ولوهلة ظنت أنه لم يتعافى بعد من نوبة هوسه الخفيف ولكنها أطمئنت نوعًا ما وسكبت بعض القهوة لنفسها هي الأخرى وتفادت النظر إليه عندما لاحظته يبتسم بسخرية وابتلعت وهي تحاول تخيل العديد من المحادثات بينهما التي قد تنتج عن رؤيته لهذا المنشور وأخذت تُرتب ردودها بداخل رأسها لو وجه إليها أي أسئلة!

 

-       وما رأيكِ؟

 

اجلت حلقها وقررت التنحي عن التواري عنه والتفتت لتواجه ثم اجابته سائلة وهي تعانق كوبها بين يديها:

-       رأيي في ماذا؟

 

ارتشفت من كوبها وهو لا يدري لماذا تمثل دور الغبية فاكتفى بالنظر إلى هاتفها ثم سلط فحميتيه عليها وأخذ يحملق بها مغتاظًا من سؤالها ولكن تقاسيم وجهه ما زالت محتفظة ببقايا ابتسامته ومزاجه الرائق فحدثته بعد أن رفعت كتفيها واخفضتهما:

-       الأمر غريب وهذه أول مرة اسمع عنه، ولكن أظن لو يحدث بين الأزواج فهو شيء مقزز!

 

قلب شفتيه وهو يهز رأسه ثم ارتشف البعض من قهوته هو الآخر وسألها متصنعًا العفوية:

-       أتريدين اخباري أنكِ لم تقمي بالرد بين كل تلك النساء على صاحبة المنشور؟

 

توسعت عينيها وابتسمت ببلاهة ثم اجابته فهذا واحد من الأسئلة التي فكرت أنه سيطرحها عليها:

-       بالطبع لا، أنا لا اكتب أي تعليقات بمجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، لا أحب أن يعرف أحد من أنا، اكتفي بالمشاهدة والقراءة فقط!

 

همهم بالتفهم ورفع هاتفها ثم ازاحه بخفة على المائدة أمامه كمن يُلقيه لها ثم نهض وأكمل احتساء قهوته واتجه صاعدًا لأعلى فتعجبت لماذا يغادرها وبم يُفكر الآن ولوهلة ظنت أنها تفوهت بشيء خاطئ فأوقفته سائلة:

-       هل ستتناول الإفطار؟

-       حسنًا!

 

اجابها وهو يُكمل طريقه للأعلى فتنهدت هي ولكنها امتنت لمغادرته ليتيح لها بعض الثواني حتى تضع له الدواء بالطعام وفي نفس الوقت تملكها بعض الخوف من أن يصل لأي معلومات لو قام بتشغيل هاتفه.

 

على كل حال عليها هي أن ترى ما الذي فاتها من عمل وقضية وأم وأخ لا تدري كيف يُفكر بها كلاهما الآن بعد هذا الغياب الذي زاد عن شهرًا كاملًا ونصف الشهر!

 

--

 

المزاج الرائق يستمر، نومه انتظم بشكل كبير، دوائه يتناوله في مواعيد مُحددة، لم يقم بتشغيل هاتفه بعد، هي حقًا ممتنة لكل ذلك، ولكن ما الذي سيحدث لو كل هذا انتهى في ثانية واحدة؟ ماذا لو عادا للمنزل؟ هل عليها أن تتسلل نحو طعامه حتى تتأكد من تناوله لتلك العقاقير؟ ماذا لو عادت للعمل؟ كيف ستراقبه حينها؟ ومتى وكيف ستصل لما بداخل غرفة العذاب الخاصة به؟ وهل "يُمنى" محقة أم لا؟ وماذا عن كل هذا الاختناق الذي باتت تشعر به فهما معًا وسويًا طوال الوقت ولا ترى شخص سواه وأحيانًا سائقه، لو استمرت حياتهما بهذه الطريقة ستموت اختناقًا حتمًا!!

 

تخشى أن تتلفظ بالحقيقة دون أن تقصد، عن أي شيء، سواء حالته ومرضه، أم عن رغبتها في الانفصال، أو حتى عن كل ما حدث بينهما، أو عدم رغبتها في الانجاب، عقلها لم يعد يستطيع المواكبة، وستكون اغبى امرأة خُلقت لو ظنت أن هذا المزاج الرائق سيستمر، فبعد ما عرفته من "مريم" عن حالته التي تختلف بها امزجته من حين لآخر، وبعد ما اختبرته معه منذ بداية زواجهما، لا تستطيع سوى أن تجزم بأنها يومًا ما، بين ليلة وضحاها، ستنقلب سعادتهما إلى هم مقيم، سواء بكذبة جديدة، أو بحقيقة مستترة، أو بنوبة اكتئاب شديدة، وربما بثورة غضب غير مبرر، وليحفظها الله من مواجهة نوبة هوس جديدة معه!

 

-       ما الذي تريدين فعله اليوم؟

 

نبهها من غرقها بالتفكير ولا يزال يُربت على جبهة حصانه فهمهمت وقلبت شفتيها واجابته بعفوية:

-       كما يحلو لكَ

 

رمقها بطرف عينيه وعاود مسائلتها:

-       هل لديكِ الكثير من العمل؟

 

نظرت إليه واجابته بتلقائية:

-       لم اتفقد أي شيء يخص العمل بعد، ولكن بالطبع لدي الكثير مما لا اعرف عنه شيء، العمل لا ينتهي، ولو بدأت بقراءة بريد الكتروني واحد لن انتهي قبل أيام، وددت أن نستمر بهذا الهدوء لمزيد من الوقت!

 

همهم بالتفهم ثم وجدته يمتطي حصانه وامسك باللجام بيده اليُسرى ثم بسط يده اليُمنى له كي تشاركه فرفعت عينيها نحوه فابتلعت تذمرها من مجرد فكرة هذا الحيوان الذي تخشاه ثم امسكت بيده فساعدها على الامتطاء واتجه نحو الخارج.

 

وجدته يقرب خصرها نحوه ثم حاوطه بذراعيه وهو يُمسك باللجام بينما هي كل ما تتمناه أن تنجح بكل ما تحاول الوصول له، فلو تلهفت على العودة كسابق عهدها باهتمامها بالعمل ومغادرة هذا المنزل لن يُصدق أنها هي بنفسها من اعطته هاتفها وحاسوبها منذ فترة ليست بقليلة!

 

عليه التوقف عن تلك اللمسات التي يداعب بها ظهرها وعنقها، الأمر بات كاقتراب اللهيب من الوقود، وهي تعلم أن بصحبة مزاجه الرائق هذا لن تستطيع الصمود أمامه!

 

-       كان هناك اقتراح للسفر، ما رأيك؟

 

هل ترك كل الطرق التي يُمكنه أن يسأل بها عن أمرٍ ما ولم يجد سوى الهمس بأذنها؟ لماذا يُعذبها بأنفاسه تلك التي لا تصل نهايتها سوى لصورة في مخيلتها تنتهي بكلاهما مجردان من الملابس؟!

-       حسنًا، اختر المكان الذي تريده

 

ازاح شعرها لأحدى الجوانب ووجدته يوزع قبلات لطيفة دافئة على طول عنقها فابتلعت بتوتر، هل هناك دواء ما يجعله شرهًا؟ أو هي من بدأت بهذه اللعنة منذ استيقاظه ناسيًا لكل ما حدث بالفترة الماضية؟

-       سأتحدث مع باسم اليوم عندما أقوم بتشغيل هاتفي وسأجعله يُرسل لنا أكثر من مكان حتى نختار سويًا.

 

شعرت بمعانقة دفئه لكل حواسها واستمر بأفعاله المُشتتة وبدأت يديه في التوجه لمناطق أخرى ولكنه كان هادئًا على غير المعهود بشكل غريب لا تظن أنها تستطيع مواجهته فحمحمت شاعرة بعدم الراحة على ظهر حصانه وسألته ببعض التلعثم:

-       حسنًا، هل يُمكننا التوجه للداخل حتى اتحدث مع والدتي وبسام ونعد الحقائب معًا؟

 

انطلقت همهمة من بين شفتيها عندما سيطرت شفتاه على تلك البقع الحساسة التي هزمها عن طريقها بمنتهى السهولة لتتملك الرغبة منها واضطربت أنفاسها وسقطت جفونها ساترة مُقلتيها الصارختان بالمتعة لتجده يغرق روحها وكيانها به هو نفسه من جديد وهمهم بالموافقة وعاد ليهمس بأذنها مجددًا:

-       حسنًا ولكن هناك امر هام علينا أن نجربه حتى تعرفين ما الذي تتحدث عنه تلك النساء.

 

تفلتت شهقة منها وعسليتيها تتوسع بذهول لتلاحظه يجذب اللجام إلى أحد الجوانب واتجه للعودة فسألته بارتباك:

-       نجرب ماذا؟ هل تمزح معي؟

 

تأتأة رافضة كانت الرد الوحيد عليها وفي اقل من دقيقة وجدته أمام بوابة المنزل التي لم تبعد كثيرًا وترجل تاركًا حصانه ثم جذبها وحملها فوق ذراعه واشتدت قبضتيه عليها ثم قال بتنهيدة:

-       لا امزح، بل أنا اتحدث بمنتهى الجدية حبيبتي!

 

--

خارت قواه بالكامل ولم يعد يستطيع الاستمرار بجلسته هذه على ركبتيه فاتجه ليلقي بجسده فوق الفراش وهو يحاول التقاط أنفاسه اللاهثة واستمع لطنين غريب بأذنيه ولم تختلف هي عنه حالًا بلك بالكاد استطاعت التمسك بهذه الوسادة أمامها كي لا تسقط واثرت بها تلك الرجفة الشديدة الأخيرة التي لم تدرِ كيف استطاع جسدها الاستجابة لها بعد كل تلك المرات التي سبقتها!

 

استقرت بجانبه وهي تُهدأ من لهاثها لتشعر به يوجه انظاره نحوها لتغمض عينيها لوهلة وهي لا تُصدق أنها تجاوبت لكل هذا الجنون الذي تشاركاه سويًا، كيف نطقت بهذه الكلمات؟!

 

ابتلعت ببعض الارتباك ثم التفتت وتفقدته لترى الكثير من الأسئلة بعينيه، على ما يبدو أنه لم يعد يحتاج للنطق بالكلمات حتى تفهم ما الذي يُريد قوله فأخبرته بتلعثم:

-       لقد كنت، كنت..

 

توقفت الكلمات على طرف لسانها فأكمل بدلًا منها وقال مضيقًا عينيه:

-       فاسق!

 

ضيقت ما بين حاجبيها ونظرت بسقف الغرفة وهي تتذكر تلك اللحظات وقالت غير مُصدقة بنبرة مترددة:

-       وانا، لقد كنت، امرأة غير جيدة، أو، كنت كالـ..

 

أطلق ضحكة خافتة وأعاد كرته:

-       عاهرات!

 

حدجته بعصبية شديدة من وصفه إياها بتلك الكلمة فأردف وهو يقربها إليه:

-       ولكن وبالرغم من كل هذا لقد استمتعتِ وليس لديكِ أي مانع أن نعيدها لاحقًا.

 

دفن وجهها بصدره وهي تنزعج بشدة فلا تدري اترفض ما قاله أم تُصدقه القول لتتريث لبرهة ولكنها اتكأت بيديها على صدره لتنهض واخبرته على مضض:

-       نعم لقد استمتعت، ولكن لا أظن أننا سنُعيدها!

 

أعاد رأسه للخلف وهو يُغمض عينيه بقليل من الضيق ثم تفقدها وسألها بتنهيدة:

-       هل شعرتِ بدلالي لكِ في أي مرة أكثر مما حدث منذ قليل؟

 

تعجبت للحظات من سؤاله وأومأت بالرفض فأردف متسائلًا:

-       اظن هذه المرة الوحيدة التي ناديتك خلالها حبيبتي لأكثر من مرة، هل أنا محق؟

 

تنهدت وهي لا تدري إلى أين يريد الوصول ثم هزت رأسها بالموافقة فتابع:

-       بعد أن عرفِ ما الذي تعنيه كل كلمة نطقنا بها سويًا، هل تشعرين أن الأمر مهين أو يجعلك تشعرين بالحزن، أم كان يُشعرك بالمرح ويثير الضحك والمتعة؟

 

تريثت لبرهة ثم اجابت باقتضاب:

-       لقد كان جيدًا!

 

جذبها إليه مرة أخرى ليرغمها على الاستلقاء وعقب قائلًا:

-       أنا محق اذن، سنكرر الأمر لاحقًا

 

حاولت أن تصمت ولكن لسانها انطلق رغمًا عنها:

-       ولكن الكلمات نفسها غريبة على لساني

 

لم يعد يمتلك القدرة على معارضتها أو حتى اقناعها فقال بنبرة خافتة:

-       حسنًا صغيرتي، كما يحلو لكِ، ولكنكِ اصبحتِ تعلمين ما التي تعنيه تلك الكلمات واختبرتِ الأمر بنفسك بل تخليتِ عن خجلك بالنطق بمثل تلك الكلمات.

 

اتكأ على جانبه حتى ينظر لها مليًا ثم واصل:

-       فلتخبريني بكل ما تريديه وكل ما ترفضيه وسنصل لحل وسطي بمنتهى الهدوء والتفاهم، ليس هناك داعي للشجار، أظن الآن تغيرت الأمور ولم نعد مثل ما كنا بالماضي!

 

رأت عسليتيها المصداقية الجلية بعينيه وملامحه وبداخلها ودت لو صدقت كل ما ينطق به، ودت لو دام هذا الهدوء ولكن لا مفر من الحقيقة الموجعة، ما الذي يحدث له، لماذا يتضح التوجع على وجهه؟ ولماذا فر ناهضًا هكذا؟

 

-       هل أنت بخير؟

 

اتكأت وهي تتابعه يحاول أن يدلك ساقه وهسهسة ألم غادرت شفتاه ليقول بصوت يتضح به المعاناة:

-       شد عضلي لعين، لم يحدث لي قط بهذه الدرجة، أظن علينا التمهل قليلًا والتوقف عن الممارسات لفترة!

 

تفقدته وهو يتوجع ونظرت له بتشفي فلقد توجعت لمرات ومرات بسببه وحاولت أن تسيطر على ابتسامتها التي كادت أن تتحول لضحكة مجلجلة فلمحها ليُضيق عينيه بحقد نحوها ثم توجه إليها وشبح ابتسامة يتلاعب على فمه وأخبرها بتحذير:

-       نتمهل قطتي، هل سمعتِ؟!

 

ضحكت رغم عنها ثم رفعت يديها باستسلام وحدثته قائلة:

-       وما ذنبي أنا، لم أبدأ بشيء، فلتخبر من كان يداعبني على ظهر الحصان بأن يتمهل هو، أو يمكنك تحسين لياقتك بممارسة بعض الرياضة حتى تستطيع التحمل!

 

اشارت بأطراف أناملها ببعض الغطرسة وملامح مرحة ليرفع احدى حاجباه بتحدي وتفقدها بحنق ارتسم على ملامحه ثم عاد للفراش مرة أخرى فحاولت التقهقر للخلف وهي تدعم وزنها بيديها فجذبها نحوه بحركة سريعة ليمازحها قائلًا:

-       دعيني قطتي اريكِ من يستطيع التحمل!  

 

توسعت عينيها بدهشة وهي لا تصدق أنه قد يقترب منها بعد ما فعلاه واستنزف كل قدرتهما فهتفت به:

-       ماذا تفعل؟

 

همهم وهو يعتليها وتفقدها بجدية بالكاد استطاع التصنع بها ثم اجابها:

-       فلنرى من منا يحتاج لممارسة الرياضة وتحسين لياقته!

 

لم تصدق ما يرمي إليه فتعجبت:

-        انت تمزح بالتأكيد، هل تقصد أننا سنعيد ما فعلناه منذ قليل؟

 

تفقدها بنظرات راغبة بينما بداخله يكبح جماح تلك الضحكة التي تلح عليه للمغادرة واجابها:

-       ربما هذا الحل الوحيد لأثبت لكِ أن لياقتي بخير!

 

ابتلعت وهي تنظر له بتوتر وحمحمت وقالت بتوتر:

-       لياقتك بخير وأنت على ما يُرام والشد العضلي يحدث حتى لأمهر اللاعبين، ليس عليك أن تُثبت لي أي شيء، فلتنسى ما قلته منذ قليل!

 

ابتسامة ماكرة تلاعبت على شفتيه ثم عقب بتنهيدة قائلًا:

-       هذا كلام جيد للغاية، فتاة جيدة

 

تفقدته باستغراب لتجده ينخفض حتى قبلها على جبهتها برقة شديدة لم تتوافق مع تلك النظرات منه منذ اقل من دقيقة واحدة وشعر بالاطمئنان عندما وجدته يعود لمكانه مرة أخرى ليستلقي على الفراش ثم جذبها إليه وأطفأ الأنوار بجانبه وقبل جبهتها مرة ثانية ثم أطرى بهمس:

-       لقد كنتِ رائعة، على ما يبدو أن صغيرتي أصبحت امرأة مهلكة الأنوثة بالكاد استطيع الصمود أمامها

 

عانقته واغمضت عينيها ثم لم تجد مفر من مشاركة ولو بعض القليل مما تشعر به:

-       وانت كنت محق، لقد استمتعت، ولا امانع تكرار الأمر، ولكن بعد مدة!

 

همهم ثم قال بنبرة مُرهقة على مشارف النُعاس:

-       اعرف هذا جيدًا، ولكنك تخجلين الاعتراف بهذا، سأخبرك لاحقًا بالكثير ولكن بعد استيقاظنا، اذهبي للنوم حتى لا نتأخر عن موعد العشاء

--

فتحت عينيها وخفقات قلبها كانت تتسارع كالمذعورة عندما شعرت بثقل غريب فوق جسدها لتكتشف أنها لم تنم إلا لقليل من الدقائق، غفوة استمرت لما يقارب من نصف ساعة، ومجرد تحركه بجانبها أصابها بالفزع.

 

زفرت براحة شديدة وتفقدته بالقرب منها لتتأكد من انتظام أنفاسه وغرقه بنومٍ عميق، أطنبت بناظرها لمزيد من اللحظات وكلما مرت الثواني أدركت أنها تختنق، كل ثانية بمثابة قبضة محكمة حول عُنقها، وكلما ازدادت من ملامحه واستطالت في تأملها إياه يزداد الثقل فوق صدرها إلى أن يوقفها عن إمكانية التنفس!

 

تسللت بهدوء من الفراش وتوجهت إلى الحمام حتى لا يرتاب بشيء، أغلقت الباب بمنتهى الحرص كي لا توقظه، وبعدها لم تستطع أن تمنع تلك النوبة من البُكاء الجارف التي سيطرت عليها، لم يسعها سوى كتم أنفاسها حتى لا يتهادى نحيبها إلى مسامعه.

 

لماذا يُعطي لها الدلائل والبراهين الآن أنه لو التزم العلاج ولو حتى الدوائي فقط سيكون أفضل زوج يُمكن لامرأة أن تتمناه؟ لماذا الآن خصيصًا بعد كل ما مر عليهما؟

 

هادئ للغاية ويتناقش معها بكل الأمور، كل يوم يمر بهذه الأيام الثلاثة يُثبت لها أنه أخيرًا يُمكنه أن يتفق معها على كل شيء دون اجبار أو اكراه، يؤكد لها أنه يومه بأكمله لها وحدها ويكتفي بها دونًا عن أي شيء آخر، وحتى هاتفه الذي ابتاعه لم يقم بتشغيله بعد، هل يثق بها ويعشقها إلى هذه الدرجة التي ترى خلالها أنها تُكفيه عن كل ما في حياته؟

 

وماذا عنها هي؟ هي لا تعرف ما حقيقة ما تشعر به، ولماذا لم تقم بالتحدث لوالدتها وأخيها وإلى "علا"، هل هو الخوف من أن تجد المزيد من خباياه واسراره التي لا تنتهي؟ أم هو الخوف من أن تعود لحياتها الروتينية فتجد مُصيبة جديدة وتفقد تماسكها الذي بالكاد تستطيع السيطرة عليه بهذه الأيام الأخيرة؟ أم سوف تعود من جديد لفكرة أن كلاهما يستطيعان الاستمرار بهذا الزواج؟

 

لقد كان جيدًا معها قبل سفره، وكانا منسجمان، غارقان بالسعادة التي بدت أبدية قبل اكتشافها أمر "يُمنى"، من جديد يُثبت لها أنه الرجل الوحيد الذي يستطيع الولوج لعقلها وقلبها حتى ولو بعلاقة حميمة أو عدة ابتسامات وتبضع ومشاهدة فيلم والعودة بأولى ساعات الصباح الباكر، لماذا عليها أن تترك نفسها للتفكير بأنه يُخفي المزيد؟ أو أن هناك شيئًا ما سوف يحدث وسيُفسد هذه السعادة؟

 

الفكرة وحدها كانت كفيلة بأن تصيبها بالذعر الذي استوطن عقلها وسائر حواسها في خلال جزء من الثانية، لقد قررت أنها لن تُصبح فأر لتجارب لن تُفيد، ولن ينتج عنها سوى الأذى الشديد لها، إما النفسي أو الجسدي ولكنه سيقع وسيحل بها لا محالة!

 

حاولت استعادة رباطة جأشها وجففت دموعها ثم أمسكت برداء معلق بالحمام وسترت به نفسها واتجهت صوب المرآة لترى هيئتها وتأكدت أنها لا تبدو مثيرة للشكوك حتى إذا رآها لا تُثير تساؤلاته، اقتربت من المرحاض ثم افرغت خزان المياه به وبعدها ذهبت لتغسل يديها كي تفوح رائحة السائل العطري من يدها وتُثبت له أنها كانت تستخدم المرحاض ليس إلا، وبالرغم من كراهيتها لنفسها وخبثها وكذبها الذي لا يتوقف بالآونة الأخيرة ولكنه لم يترك لها حل آخر!

--

 

بعد مرور ساعتين..

 

استيقظت مجددًا ولكن هذه المرة بعد أن تسلل لأنفها رائحة القهوة الممتزجة برائحة عطره، تمنت لجزء من الثانية أنها تحلم بحلم ما، جسدها بأكمله يكافح كي يتحرك وعينيها ترفض التحرك، جفونها أصبحت متلاصقة تأبى التفرق ولكن بدأت غيبوبة النعاس تتلاشى وأدركت أنها على أرض الواقع وأنفها لن تتخيل هذه الرائحة أبدًا، لقد استيقظ قبلها!!

 

فتحت عينيها بتريث وهي تضرع داخلها ألا يتذكر شيئًا، تتمنى أنه لم يقم بتشغيل هاتفه، بعد كل هذه الشعور من استنزافها عقليًا وجسديًا وحتى مشاعرها التي انهمرت كشلال له وسيطر عليها بالكامل لا تطمح سوى بتنفيذ أمر واحد وخطة وحيدة ولا تريد سوى أن تنجح بالهروب منه للأبد!

 

وجدته جالسًا على طرف الفراش بالقرب منها، ابتسامته الهادئة ومزاجه الرائق مستمر، لا توجد تلك النظرة المتفحصة الماكرة بعينيه، يستعد على ما يبدو للذهاب خارجًا، ومن تلك الملابس الرسمية خمنت أنهما سيتناولان العشاء بمكان ما لا يذهب إليه سوى الأثرياء!

 

-        صباح الخير صغيرتي

 

وردة حمراء لا تدري من أين آتى بها تناولتها على الفور، وابتسامته بدت صادقة، مع اعتيادها نظراته وملامحه خلال الوقت أصبحت تعرف متى لا تشوبها أي تفكير أو خطة مستترة أو كذب، ولقد صنع لها القهوة، جعلها لوهلة تتذكر ذكرى بعيدة برأسها تُشابه هذا الموقف تحديدًا منذ شهور؛ ذكرى سمحت  لها بغبائها أن تصبح ماضي يجمعهما، لو كانت استطاعت الفرار منذ البداية لما كانت لتتذكرها الآن، لو كانت قامت بالاختيار الصائب وتعرفت على من تتزوجه جيدًا حتى بفترة الخطبة التي فرطت بها بسذاجة لما تورطت بهذه الورطة، على ما يبدو أن المرء هو الوحيد القادر على التحكم فيما يتذكره وفي كل ما يترتب على قرارته السابقة ولا يوجد هناك ما يُسمى بأن المشاعر من فعلت هذا، هي من سمحت لتلك المشاعر أن تتكون بداخلها وعندما أصبحت جزء من كيانها باتت هي الوحيدة التي تحركها، منذ هذه اللحظة وصاعدًا، ستتذكر آلف مرة ألا تسمح لمشاعرها ولا لقرارتها أن تقودها وتتصرف بناء عليها أبدًا دون مهلة من التفكير الجيد والتريث قبل أن توافق على أي أمرٍ كان!

 

حاولت أن تجلي حلقها وابعدت بعض الخصلات المتدلية على وجهها وحصلت على ابتسامة لا تعرف ما السبب بها هل الذكرى نفسها أم ما تريد أن تصل له وتنجح به وتفقدته بعسليتيها وتدرك جيدًا أنها ترمقه بعشق يُفيض من كلتيهما ولكن يبدو أن الأمر سيُلازمها شاءت أم أبت فردت بنعاس وهي تحاول أن توقف عقلها عن العمل:

-        صباح الخير، متى استيقظت؟ ومتى فعلت كل هذا؟

 

اشارت بسبابتها نحو ملابسه فناولها كوب صغير من القهوة ورد مجيبًا:

-        من حوالي ساعة.

 

تناولت الكوب منه وتعجبت من هاتفها الذي يحمله بيده ثم أردف:

-        بسام كان يهاتفك، لديك الكثير من المكالمات الفائتة والعديد من الرسائل.. فلتنظري لو كان لديك أمر هام قبل أن نذهب لتناول العشاء

 

مدت يدها بتلقائية نحو الهاتف ولكنها قلبت عينيها وغمغمت بسخرية متنهدة بسأم:

-       بالتأكيد لدي الكثير، ولكن لو تدري كم أنا خائفة من الدخول بتلك الدوامة التي ستلتهمني ستشفق علي حقًا، منذ أمس وحتى اليوم هناك الكثير من المكالمات والرسائل كما رأيت، اتعجب ما الذي سيحدث لو قمت بتشغيل أي تطبيق!!

 

ضحك بخفوت ساخرًا هو الآخر ثم عقب زافرًا بتأفف:

-       حدثيني ولا حرج، لقد فعلت مثلك، اكتفيت فقط بمحادثة باسم حتى يقوم بحجز طاولة لنا كما اخبرته بأن يرسل لنا الاختيارات المتاحة للسفر، واخبرته بأن يُرسلها على بريدي الالكتروني الشخصي لأنني لو بدأت بالعمل لن انتهِ، لم أرد حتى أن اتحدث لوالدي ولا مع أي شخص حدثني وهاتفي مُغلق.

 

دنت منه لتدفن وجهها بصدره وهي تشعر بالقلق من عودة الهاتف ليده مرة اخرى فربت على رأسها بتلقائية ولمسات مُتأنية بينما اخبرته:

-       اريد ان استمر بهذه الاجازة للأبد ولا أطيق فكرة العودة للعمل!

 

فاجئها برده الذي لم تكن تتوقع قط أن تستمع له منه:

-       لا أظن هذا، من يمنعك عن العمل يحكم عليكِ بالإعدام!

 

رفعت رأسها وتفقدته باستغراب فواصل مجيبًا تعجب مُقلتيها بتعجب ساخر:

-       فتاة رائعة قامت بدراسة في صميم عمل والدها الذي تعشقه، وكانت تذهب للعمل منذ أولى سنوات الجامعة وتعشق المجال نفسه، حوالي عشر سنوات تعملين ما تعشقيه حرفيًا، يومك بالكامل يدور حول العمل، هل تعتقدين أن الأمر سيكون هينًا عليها؟!

 

تنهد وهو يحتوي جانب وجهها بكفه الدافئ وتفقدها متفحصًا ولكنها رأت اعجاب غريب بعينيه ثم تابع:

-       ربما أنتِ سعيدة هذه الأيام لأنك كنتِ مستاءة قبلها بسبب ما حدث بيننا، ولكن بمجرد عودتك لعملك ستُرد روحكِ إليكِ.

 

أراد أن يبتسم ولكنه لا يستطيع مواجهة تلك الموجة الشديدة من الحزن عندما أدرك أن كل هذا سينتهي يومًا ما ولن يراها سوى لعدة ساعات قليلة بيومه لو عادت من جديد لعملها فاهتز جانب فمه مكونًا ارتجاف طفيف لم تلحظ له اثرًا على شفتيه وقلبت شفتيها ورفعت حاجبيها باندهاش ولكن اتضح به الاعجاب وسألته بمرح:

-       هل تعرفِ عني كل هذا أكثر من نفسي؟

 

ابتسم هذه المرة بمصداقية وأومأ لها بالتصديق على كلماتها فأردفت متسائلة مرة ثانية:

-       وما الذي تعرفه أيضًا عني سيد عمر؟

 

ابعدها قليلًا عنه واخفض بصره وهو يتفقدها بمكرٍ وامسك أسفل شفتيها بين سبابته وابهامه وضيق عينيه واجابها:

-        اعرف ما تحبيه وما تكرهيه، اعرف أن أهم شيء في حياتك هو عملك، اعرف أن ما حدث منذ قليل اعجبك مثل ما ستعجب به أي امرأة في الدنيا، واعرف أنكِ خائفة من الاعتراف بهذا كي لا أراكِ امرأة غير جيدة ولكن هذا لن يحدث لأنني اعرف جيدًا من اخترتها لتصبح زوجتي، واعرف الكثير أيضًا، مثل أنكِ صغيرتي تعشقيني، ولو كنت لا تفعلي لم تكني لتبقي معي طوال هذه الفترة بعيدًا عن الجميع!

 

تصنعت الاعجاب وتمنت لو استمر هكذا ناسيًا لكل تفاصيل ما مر بالأيام السابقة لتجادله وتجلى على ملامحها عدم اتفاقها معه بالكلام:

-        وكأنك خبير بكل شيء عني وعن نساء العالمين، لا أظن أنك تعرف ما رأي النساء بكل شيء، فلتتوقف عن غرورك قليلًا أيها المتغطرس.

 

هز كتفيه بتلقائية وأطنب بلهجة توضيحية بحتة وكأنه يجيب سؤال باختبار نهاية العام:

-       الأمر سهل، الفكرة تكمن في متى وكيف، فلنتخيل سويًا امرأة بمثل شخصيتك، زوجها قام بتعنيفها وسبها ثم الزمها أن تكون معه بمثل هذه الطريقة، ستكون أسوأ تجربة لها طوال حياتها، أما لو تم الأمر بالمرح وفي الوقت المناسب وكان هناك بعض المزاح بين تلك الكلمات التي استغربتِ منها وشعرتِ أنها فجة للغاية، وكذلك كل لمسة وطريقة وكلمة تحبها المرأة، لو اكترث لها زوجها ستكون من أحلى التجارب لها.. وأظن انتِ اختبرت الأمر بنفسكِ، لم يكن السُباب أو الكلمات الجريئة هو الأساسي بعلاقتنا الحميمة، بقد اخترت أن احدثكِ بطريقة مختلفة ليس إلا، وكنت أنا من أخبرك كيف هو شعوري، وكيف كان تأثيرك عليّ، ولكن بألفاظ مختلفة وجديدة على اذنيكِ، هناك فرق كبير للغاية بين رجل يفهم ما يفعله وبين آخر لا يدري ما الذي يفعله، حلوتي، واراهنك أن كل تلك التعليقات الرافضة من النساء بسبب إما تعقيدات وكراهية للرجال بصفة عامة وإما زوجها احمق لا يستطيع أن يصل معها لدرجة الاستمتاع  ولا يعرف ما يفعله، وحتى لو يعلم ما يفعله فهو لا يراعي كيفية فعله نفسها، والنساء تحب التجديد في العلاقة الحميمة اكثر من الرجال نفسهم ولكنهن لا تُردن الاعتراف بذلك من شدة الخجل أو لفقدهن الأمل في ازواجهن، لذا يتمسكن بالروتين الخانق.

 

اقتربت اهدابها وهي تضيق نظراتها وتفقدته بمحاكاة مرحة فهي لا تُصدق كيف يتحذق عليها بردوده التي لا تُجيبها سوى بما يُريد أن يقنعها به ولكنها واجهت الأمر معه مئات المرات قبلًا ولن يُفلح فيما يفعله الآن وسألته من جديد متنهدة:

-       يا لك من خبير عالمي بهذا، وما الذي تعرفه أيضًا زوجي العزيز؟

 

ابتسم على قولها ثم اجابها متسائلًا:

-       اعرف الكثير ولكن ما لا اعرفه هو متى ارتديتِ هذا الرداء؟

 

مع رجل مثله يبدو الوصول لم تريد معرفته حقًا مستحيل ولكنها لن تيأس وستحاول مرارًا، فردت باقتضاب لا يخلو من غيظها:

-        وانت نائم

 

همهم بتفهم وأمال رأسه يمينًا ثم قال بحقد:

-       يبدو أنني أصبحت أُصاب بالإرهاق لدرجة أنني أنام وأنتِ من تستيقظين بعد جماحنا هذا، عليّ أن اعرف جيدًا ما الذي يحدث لي وما الذي حدث بالأيام الماضية، لقد بدأت أُصاب بالقلق جراء هذا

 

تنهدت ثم تركت كوب القهوة جانبًا وتلمست صدره بدلال ونظرت له مُدعية البراءة:

-       أولًا، لقد نمت مثلك وفقط استيقظت لدخول الحمام، ثانيًا، هذا أمر طبيعي لرجل وامرأة لا يطيقا الابتعاد عن بعضهما البعض، والفترة الماضية وكل ما فعلناه بها يلزمنا الراحة والاسترخاء لفترة مساوية لها حتى نُصبح بخير، ثالثًا اطمئن، غدًا ستحصل على خمس أيام إجازة، فلتستمتع زوجي العزيز، او ربما عليك العودة لممارسة الرياضة حتى تستطيع أن تحسن من لياقتك البدنية!

 

عقد حاجباه باستفهام وحدقها بجدية لوهلة وتمتم بنبرة تكاد تُسمع:

-        إجازة خمس أيام!

 

همهم مرارًا وقد تفهم ما تُرمي إليه هذه النظرة ذات المغزى التي تخبره بموعد دورتها الشهرية فنهض مغادرًا الفراش وحدثها قائلًا:

-       نظرًا لأن هناك إجازة لمدة خمس أيام علينا اذن الذهاب والعودة سريعًا حتى نستطيع استغلال الساعات المتبقية حتى الغد بأفضل طريقة ممكنة، هيا صغيرتي انهضي واستعدي للذهاب.

 

توسعت عينيها كما انفرج ثغرها بضحكة خافتة فأعطاها تلك النظرة المنبهرة التي بات ينظر لها بها بالآونة الأخيرة ودنا ليطبع قُبلة على جبهتها وأخرى متأنية بجانب أذنها وأخبرها بنبرة اقشعرت لها حواسها:

-       لقد اعددت لكِ كل شيء، هيا قطتي، لو انتظرتك هنا ستكونين عشاءي ولن انتظر حتى نتناول العشاء بالخارج.

--

 

جلس كلاهما يتناولان طعام العشاء بنهمٍ شديد منه وتفقدته بين الحين والآخر لتبتسم كلما لاحظت اثناء مراقبتها له تضوره الشديد للجوع فقالت بمرح بعد أن ابتلعت دفعة من طعامها:

-       تبدو وكأنك لم تتذوق الطعام منذ سنوات

 

رمقها بلمحة سريعة ثم سلط تركيزه على صحنه وهو يقطع بسكينه شريحة من اللحم أمامه وعقب بنبرة بالكاد استمعت لها:

-       شيء منطقي بعد كل هذا المجهود والجموح الشديد قطتي

 

اتسعت ابتسامتها واستندت بذقنها على كف يدها وهي تقترب من الطاولة وتوقفت عن تناول الطعام وأخذت تشاهده باستمتاع وهمست له كي لا يستمع لهما أحد:

-       تناول كل ما تريده ولكن تمهل!

 

ابتلع ما بفمه ثم نظر لها بمكرٍ بعد ملاحظته كيف تستمتع بمراقبته وهمس لها:

-       فلتنتظري فقرة الحلوى، ستستمتعين بها اكثر من فقرة الساحر!

 

ضحكت رغمًا عنها لتعليقه الذي يسخر به من نفسه وهو يتصنع ملامح مُضحكة ولم تستطع أن تكبح تلك القهقهة الأنثوية التي تهربت منها فرفع عينه نحوها وابتسم بهدوء وهو يراقب ملامحها ليتوقف عن استكمال طعامه وأخبرها بأعين مُسبلة تهيم بتلك الملامح السعيدة على وجهها:

-       تبدين رائعة وانتِ تضحكين بهذه الطريقة، هذه أول مرة اجعلك تضحكين هكذا

 

لانت ضحكتها وللحظة بادلته تلك النظرات وتجنبت تلك الخطة بالفرار لعدة ثواني، فلا ضير من الاستمتاع معه ولو لقليل من اللحظات فأخبرته مبتسمة:

-       أنا مستعدة نضحك كوال الوقت هكذا، وليست المرة الأولى لمعلوماتك!

 

تلمست يده برقة فاتسعت ابتسامته لها وسألها وهو يتصنع ملامح مُستاءة:

-       أنا رجل كئيب، لا امازحك كثيرًا، أليس كذلك؟

 

أومأت بالإنكار ثم اجابته بمصداقية:

-       أنت هادئ، لست كئيب، هناك فرق!

 

قلب شفتاه بعدم اقتناع ثم نظر بصحنه وربت على يدها قبل أن ينتشل يده من أسفل يدها وامسك من جديد بسكينه وشوكته ليخبرها:

-       سأنتهي من هذا الطبق، وستتحدثين إلي بسام ووالدتكِ، وبعدها سنصل إلى فقرة الساحر خاصتي، ثم سنذهب إلي البيت سريعًا حتى نستغل الساعات المتبقية قطتي..

 

ابتسمت له بهدوء وأومأت له بالموافقة ثم جذبت هاتفها وبدأت بالاتصال بأخيها بمكالمة مرئية، فهي لن تُنكر أنها اشتاقت له ولوالدتها بالرغم من انزعاجها من تلك الطريقة التي تكاتفت بها معه وظنت أنها لا يحق لها أن تطالب بالطلاق منه، ولكن هذا أمرًا وأن تشعر بالحب لوالدتها أمرًا آخر، عليها أن تُفرق فرقًا شاسعًا بين حبها لوالدتها وبين اختلاف اراءها معها، وما مضى قد مضى، لقد باتت هذه القاعدة الجديدة والحيدة الآن!

 

نظرت نحو أخيها باشتياقٍ جارف وأخذت تتحدث له لتطمئن على دراسته وعلى حال والدتها الذي بات مُستقرًا لا تغُير به ليباغتها أخيها دافعًا إياها كي تتسلق أول سُلمة من درج الواقع وهو يخبرها متسائلًا بتذمر:  

-       لقد اشتقت لكم كثيرًا، متى ستعودين أنتِ وعمر؟

 

ابتسمت له بهدوء واجابته:

-       قريبًا، سنعود لا تقلق، ستجدني معك بعد أيام قليلة، فلتدرس جيدًا وتنتهي من اختباراتك حتى عودتي، وهيا انهض ودعني اتحدث لوالدتي أيها المشاغب

 

رد مُعقبًا ببعض السأم والمزيد من الأسئلة:

-       لقد نامت منذ قليل ولم تستيقظ بعد، وبأي يوم ستعودين؟ وأين عمر لقد اشتقت له كثيرًا!

 

نظرت نحوه فتناول الهاتف منها على الفور وبدأ بمحادثته وكالمعتاد سأله عن حاله وما الذي قد فاته في هذه الفترة التي غاب هو و "روان" عنه وما فعل بهذه الأيام السابقة واستمع له باهتمام وردوده آتت بمنتهى الود الشديد له فتفقدته من الجهة المقابلة لتلك الطاولة وهو يُشير للنادل برفع الصحون وقام بطلب الحلوى وكل هذا وهو يستمر بمحادثة أخيها فتمنت لو أن لهذه الأجواء أن تدوم فيما بينهما ولكنها بعد محاولاتٍ كثيرة باتت على يقين أن الاستمرار معه على حالٍ واحد أمرًا مستحيل، لن يحدث سوى بأمانيها واحلامها فقط.

 

شردت به وبداخلها تحاول أن تبحث عن شيء يدفعها للاستمرار معه، هي تعشقه، اغرمت به بين ليلة وضحاها بالرغم من كل ما فعله، ولكن؛ أن تحكم على نفسها أن تعيش حلم جميل سيستمر لعدة أيام لتستيقظ على واقع مرير معه، لن تُفيد حياة كتلك معه، ولا مع غيره!

 

ولكن ربما هناك أمل وحيد، الاستثناء أن يقتنع بمرضه، وإن لم يحدث فهي مستمرة بما تريد الوصول له، ستحاول اذن، ستحاول أن تحصل على تلك الأوراق حتى تستطيع أن تقايضه، طلاقها أمام أن تقدم تلك الأوراق والأدلة للصحافة والسُلطات، وستحاول معه للمرة المائة بأن تعرض عليه أمر الذهاب لأخصائي نفسي، لعله يقتنع بالأمر ويُصدق أن ما يحدث له ليس بطبيعي أبدًا.

 

شحب وجهها وسيطر عليها بعض الحُزن وهي غارقة بالتفكير الشديد، ملامحها كانت متأهبة، تلوم نفسها لتراجعها من أجله حتى ولو كان تراجع جزئي، وبنفس الوقت تشعر بالشفقة والندم إن تركته أو تخلت عنه، ولكنها لن تتخلى أبدًا عن فكرة امتلاكها لورقة ضغط تستطيع خلالها الفرار في أي لحظة كانت..

 

كما أن هناك تفكير يسيطر عليها، هل هو المحق؟ هل حبيبته السابقة هي الصادقة؟ من يا تُرى الكاذب؟ لو حكمت بناء على كلماته بتلك الخطابات بالطبع ستُصدقه وستُكذب "يُمنى" وسيكون هذا مبنيًا على ارادتها لتصديق رجل هي مغرمة به، ولو صدقتها هي، حسنًا، لا تدري، ستكون تحكم بنفور عقلها بأن تستمر بزواجها من رجل كذب مرات، ورجل رافض رفض تام أن يُعالج، ولا يُصدق أن هناك ما يُعاني منه!

 

اجلت حلقها تنبهت من شرودها لتجد أنه لا يزال يتحدث لأخيها ولقد آتى النادل بصحنين من الحلوى ووضعهما أمامهما فابتسمت له بعد ذهاب النادل وانصتت لصوت أخيها:

-       لقد سأمت من البقاء وحدي، فلتعودان بسرعة ارجوك

 

حدثه بجدية شديدة وتأكيد:

-       اعدك أن بعد اسبوعان ستجدنا أمامك

 

استمعت لصوت أخيها المتذمر مرة ثانية:

-       اسبوعان!! لن استطيع الانتظار..

 

ابتسم له وهو ينظر بشاشة هاتفها ثم أخبره:

-       الأيام تمر سريعًا بسام، فلتنتبه لدراستك حتى نستطيع اقناع شخص ما بذهابك معها للعمل، وهيا أمامك الفُرصة لتحل محلي بالمنزل كيفما أردت.

 

أنهى كلامه بغمزة من عينيه بمرح له ليعقب بخيبة أمل:

-       روان لن تقتنع سوى بما تريده فقط، وأنا بالفعل أحل محلك عندما يزورنا أي أحد وأدرس جيدًا وكل الأمور بخير فقط ينقصني وجودكما

 

عقد حاجباه باستفهام ثم بدأ في تناول ما بطبقه ولم يُنه حديثه معه بعد لتتعجب هي من مزاجه الرائق الذي يستمر لدرجة الحاحه أن يتجاذب مع أخيها أطراف الحديث كلما أوشكا على انهاء المكالمة:

-       اترك لي روان وسأقنعها، ودراستك ستؤهلك أن تكون أفضل مني ومنها يومًا ما، واخبرني من الذي يزورك، وما الذي حدث بغيابي وكيف أخذت مكاني أيها الرجل؟

 

تريث أخيها لبُرهة ثم اجابه:

-       هدى لم تعد تلح علي كثيرًا بالنوم باكرًا فلقد أصبحت رجل هذا البيت، كما أن والدتي توافقها في ذلك، ولقد التقيت يونس ويارا وأبناءها مرتين، بالمناسبة، يونس يحاول الوصول إلي روان بأي طريقة، يقول أن هناك أمر ضروري يريدها لأجله، اخبرها هذا أرجوك لقد نسيت أن أبلغها.

 

عقد حاجباه ولم يبد متأثرًا بتلك الكلمات بينما بداخله آلاف التخمينات وعاد ليتذكر تلك الليلة بالفندق عندما قام بدعوة أبناء خالتها لتناول العشاء وتذكر الحاحه بشأن الأموال المتعلقة بدفعة الحواسيب التي ابتاعتها منه ولكن لم تساعده ذاكرته بأن يتذكر بم ردت عليه ولكنه كذلك يظن أنها قامت بتسليمه شيك أو اثنان فأومأ له بالموافقة وسأله:

-        بالطبع سأفعل، متى كان هذا على كل حال؟

 

الأمر دعاه للارتياب، ولم يكن يعلم أن هذه ليست سوى مجرد البداية فقط لتكهناته بشأنها هي وابن خالتها، بينما حاول "بسام" أن يتذكر بصعوبة لثواني ثم قال:

-       ممم، لا أدري، اعتقد مرة منذ أسبوعين ومرة منذ حوالي شهر!

 

هز رأسه من جديد ثم نظر لها ليجدها تتصرف بمنتهى التلقائية فقرر أن يُنهي المكالمة وأخبره:

-       فلترسل سلامي إلي والدتك، وأنت ادرس جيدًا وبمجرد ظهور نتيجة الاختبارات النهائية سيكون هناك مفاجأة تنتظرك، هل لدينا اتفاق؟!

 

لم تمر سوى ثوانٍ وازاح لها هاتفها على الطاولة بعد أن أنهى حديثه مع أخيها وودعه ليتناول الحلوى في صمت وهو يحاول تذكر المزيد من التفاصيل بتلك الليلة ولكنه لم يستطع ليجدها تتلمس يده وتسأله:

-       أين فقرة الساحر؟ هل تشعر بالشبع أم ماذا؟

 

ابتسم لها باقتضاب ثم اجابها باختصار:

-       نعم لقد اكتفيت!

 

تنهدت وهي تتفقده بسعادة لم تستطع أن تمتنع عن الشعور بها لتمتن له قائلة:

-        شكرًا لك عمر، أعرف أنك ليس لديك الكثير من الأصدقاء وحتى أنك لست قريبًا من عُدي ولكنك دائمًا تُحدث بسام بطريقة جيدة وكأنك صديقه.

 

ابتسم لها وكاد أن يتفوه معقبًا على كلماتها ولكن قاطعهما صوت رجولي وهو يقول:

-       ما هذه الصُدفة الرائعة!!

 

رفع كلاهما رأسهما نحو صاحب الصوت ليلعن "عمر" بداخل نفسه مرارا وتكرارًا فرؤيته هُنا ومصادفته كان آخر ما يتوقع حدوثه في تلك الليلة التي كانت منذ قليل تسير بأفضل طريقة ممكنة وكاد أن يُنهيها بعودتهما للمنزل بسعادة حقيقية ولكن على ما يبدو حظه العاثر له رأي آخر ليُنهي هذه الليلة!

يُتبع..