-->

الفصل الثامن - مرآة مزدوجة

 


الفصل الثامن



وضعت ليليان ملعقة من الحلوى في فمها، ثم قالت وهي تنظر لليلى:


- صحيح عملتِ ايه مع سليم ده؟


أجابت هاجر بدلًا عنها:


- رجعوا زي السمنة على العسل، مش قولت لك أختك دي مهزقة.


نظرت لها ليلى بحدة ولكنها لم تستطع أن تتحدث؛ لأن فمها كانت ممتلئ، فانتظرت حتى فرغ فمها وقالت وهي تقطع قطعة أخرى مدعية اللا مبالاة:


- احنا اتكلمنا في الدراسة بس، إنما الحوار اللي اتخانقنا عليه من الأصل اللي هو الارتباط ده اتخانقنا عليه تاني بعدها محدش فتح الحوار تاني بقية اليوم، أعتقد إنه مش هيذكر الحوار ده تاني وأنا أفضل كدا بردو.


نظرت لها هاجر بامتعاض وقالت:


- أنتِ ليه مصرة إنك هتستمري معاه بالشكل ده؟ مش قولنا هتقطعي عرق وتسيحي دم؟


تنهدت ليلى بنفاذ صبر وقالت:


- يا بنتي ما هو بيساعدنا في المذاكرة بردو، وإحنا بنساعده، فـ ليه نقطع العلاقة اللي عايدنا علينا كلنا بالنفع؟ صحيح إنه ثور متحضر دماغه عايزة الحرق بس ممكن نتجاهل كدا في سبيل الدراسة وكدا صح يا ليليان؟


سألت ليلى ناظرة لليليان التي كانت تنظر للفراغ نظرة ثاقبة وقد بدا عليها أنها تفكر بشيء ما، فقالت وهي ترفع معلقتها تشير بها نحو الفراغ:


- عارفه يا ليلى؟ أنا حاسة إن سليم مش هيغير معتقداته دي غير لما يحب.


نظرت لها كلا من هاجر وليلى بعدم فهم، فقالت ليليان موضحة:


- أيوه فعلًا، ما هو مشكلته إنه تقريبًا عايز يرمرم وكدا بس علشان عنده مبادئ فـ بيحاول يبرر ده بالهبل اللي بيقوله، فـ أنا شايفة إنه لو حب واحدة واستكفى بيها تلقائيًا هيتخلى عن المعتقدات دي.


بدا حديثها منطقيًا لليلى وهاجر، ولكن هاجر عادت تقول وهي تضع قطعة أخرى من الحلوى بفمها:


- ممكن يكون معاكِ حق، بس إحنا ملناش دعوة بيه، مش كدا ولا ايه يا ليلى؟


قالت موجهة حديثها لليلى وهي تنظر لها بحدة فقالت ليلى بهدوء والحلوى بفمها:


- بس أنا بردو شايفة إننا محتاجين مساعدته وإنه بيضيف لينا جزء كويس وإحنا كدا بردو.


كزت هاجر على أسنانها، فركزت على الحلوى فقد بدت أن تلك الحلوى تستحق تركيزها أكثر من ليلى، بينما تذكرت ليلى فورًا عندما حاولت مناقشة سليم وتغيير معتقده وكان رده في النهاية: « معاكِ حق في كل اللي قولتيه، بس أنا بردو مش شايف أني بقول أو بعمل حاجه غلط. » فضحكت وكادت تبصق الطعام من فمها، عندما لاحظت أنهما يتشاركان في العناد والتصميم على رأيهما، بينما حدقت بها هاجر وليليان بعدم فهم وتناولتا الحلوى بصمت، قالت ليلى بعد أن هدأت:


- تصدقوا الواد أحمد ده كان صارف وجايب جاتوه كتير، لولا إنه ابن الولية القرشانة فتكات كان زماني مش سايباه غير لما يخطب ليليان.


صمتت للحظة، ثم تذكرت شيئًا ما، فنظرت لهاجر بمكر وقالت:


- هاجر هو ليه كل شوية بلاقي زين واقف معاكِ ليه؟


حمحمت هاجر وأجابت:


- عادي يعني يا ليلى، زمايل.


لعنت هاجر ليلى في نفسها، فهي كانت قد توقفت عن التفكير به وهي قد عادت لتذكرها به، كانت كلما تذكرت حديثهما الأخير تشعر بالذنب، هل هي كانت حادة معه؟ هل كان يتعين عليها أن تكون ألطف؟ فقد رحل وتركها بعدما تحدثت معه بفظاظة، هذا يعني أنه غاضب منها ولم يرد أن يهاجمها وينتقدها، لا تعلم، ولكنها أرادت أن تفتك بليلى في تلك اللحظة كونها سبب في تذكره.


- بصي يا ليليان أهي سرحت، وترجع تقولي ابعدي عن سليم وهي دايبة.


نظرت لها هاجر بحدة، بينما راقبتهما ليليان بملل وهمست:


- أطفال يا ربي.


ثم تابعت بصوت أعلى لتسمعانها:


- سيبكوا من الحوارات دي دلوقت وكلوا، خلوا اليوم يعدي.


❈-❈-❈


كان سليم يجلس خلف مكتبه حائرًا وقد وضع أمام عيناه هدفين مختلفين، عليه أن يتخير واحدًا منهما فقط، وضع كتبه الدراسية في كومة أمام معدات الرسم في كومة أخرى، علم أنه لن يستطيع أن يفعل مثل السابق، فكلما اطلع على المواد الدراسية -بفضل ليلى- علم أنه لن يستطيع التوفيق بينهم وإن حاول فهو لن ينفذ بجلده مثل المعتاد وسيرسب بمادة أو اثنين على الأقل، تمتم سليم بتذمر:


- يعني هو الترم التاني لازم يبقا رخم دايمًا؟ 


وضع ذراعيه على مكتبه واسند رأسه عليهما وجلس يحدق بكل كومة تارة، الأمر كان محيرًا بشدة، ولكنه اهتدي لطريقة يمكنه بها أن يقرر ماذا سيختار، أخذ دفترًا وقلمًا ورسم جدول للعيوب وللمميزات وقرر أنه سيحدد بكل حيادية، وجد أن الرسم يعبر عن مشاعره وأفكاره بطريقة رقيقة لا تؤذي، ولكنه أيضًا لا يُعد عملًا ثابتًا يُمكن الاعتماد عليه، أما الطب فهو سيعطيه مكانة مرموقة في نظر المجتمع -الذي لطالما احتقر نظرته تلك- سيشعره بنوع من السلام النفسي كونه يساعد الآخرين ويخفف آلامهم، هذا غير أنه واقع أُجبر عليه في جميع الأحوال، وهذا جعله بين خيارين: أن يجتهد ويكون طبيبًا جيدًا أو أن يستمر في إهماله لمذاكرته ويصبح طبيبًا فاشلًا لا يفقه شيء عن الطب، وهو يفضل أن يكون طبيبًا جيدًا لا يتسبب في موت مرضاه بسبب خطأ بسيط، ولكن تكمن أصعب عيوبه في أنه لم يريد أن يلتحق بكلية الطب، وهو عنيد وما زال لا يرغب في الرضوخ وقبول الأمر.


ترك القلم بإنزعاج وقد أصبح القرار واضحًا، ورغم هذا هو لا يريد أن يعترف به، نهض ووقف أمام المرآة الطويلة والمعلقة على خزانة الملابس ونظر لانعكاسه بصمت ولكن عقله لم يتوقف عن استجوابه، هل سيتمكن من فعل هذا؟ هل سيُرضي والده حقًا مثلما يتمنى؟ هل يمكنه أن يتوقف عن عناده ولو للحظة؟


لعن سليم ليلى تحت أنفاسه، فهي السبب في كل هذا إن لم تأتي إليه وتتفق معه هذا الاتفاق، إن لم تطرد نفسها من المحاضرة عندما طرده ياسر لما حدث له كل هذا، لما وقع في هذا التشتت اللعين، لا يعلم لماذا أصبح ينظر للأمور بطريقة مختلفة الآن؟ لماذا أصبح يفكر بكل شيء بعقلانية أكثر من السابق؟ هل تأثر لتلك الدرجة بليلى في أسبوعين فقط؟


نعم، فليلى الوحيدة التي قابلها في الفترة الأخيرة التي تفكر بعقلانية، عقلانية أربكته حقًا، هي توزن كل الأمور وتحسب أبعادها جيدًا، دائمًا ما تشرد في كتبها ليجدها بعد ذلك تسأل سؤال وجودي يربكه ويثير دهشته، لا يعلم كيف تستطيع أن تقرأ الجمل التي بين السطور وتربط بينها وبين أشياء أخرى لتضع نظرية قد تسمع عنها للمرة الأولى منها، وتحاول تحليل الشخصيات التي أمامها مهما كلف الأمر، فطالما حاولت تحليل شخصيته ولكنه يشعر أنها ما زالت تفقد شيء ما حوله وإن وجدته ستحلل شخصيته وتكتشف ما تريده من أسرار يخفيها، ولكنه لا يعلم أي جزء المفقود لديها، ولكنه يشعر بالراحة كونها لم تعثر عليه بعد، فهو لا يحب أن يبدو بائسًا في نظر أحدهم.


مهلًا؟ من جاء بأمر ليلى الآن؟ ألم يكن يفكر في اتخاذ القرار الذي سيبني عليه حياته؟ لماذا يفكر الآن بتلك الفتاة التي تلقبه بالثور المتحضر؟ ضحك بخفوت عندما تذكر لقبه الجديد وعاد يجلس خلف مكتبه وما زالت الابتسامة مرتسمة على وجهه، إن كان هو ثور متحضر فهي تلك العنيدة التي تتمنى لو تكسر معتقداته تلك فوق رأسه وهو يعلم هذا جيدًا.


تنهد سليم واختفت ابتسامته وقد اتخذ قراره أخيرًا، فوضع يده على الكومة التي أختارها ووضع الكومة الأخرى في أدراج مكتبه.


❈-❈-❈



قاد عمر سيارته بشرود وقد أعاد ما سيفعله بعد قليل في رأسه مئات المرات وأعد ما سيقوله جيدًا حتى لا يخفق مثلما يفعل كثيرًا، فلسوء حظه هو ليس شخصًا لبقًا ولطالما عانى بسبب تلك المشكلة، كان ذاهبًا لمقابلة أحد « الأصدقاء القدامى » الذي تواصل معه منذ يومين ليدعوه للقائه مع بعض الأصدقاء الآخرون في إحدى المقاهي ليستعيدوا ذكريات الطفولة والمدرسة، ابتسم عمر بسخرية، فهذا الشخص الذي دعاه كان أكثر شخص يكرهه في أيام المدرسة، لطالما كره عمر المدرسة وربما يظن أنه الشخص الوحيد الذي لن يتمنى أن يعود طفلًا، لن يتمنى أن يعود ليرى شخصيته تتحول للانعزال والجمود تدريجيًا وهو لا يستطيع أن يفعل شيء بينما يهمله الجميع من حوله، لن يتمنى أن يعود لتلك الأيام أبدًا، ولكن لشدة سروره كان الوقت قد مضى سريعًا وتلك الأيام انتهت، لا يعلم لماذا عندما يريد للوقت أن يمر سريعًا يمر ببطء شديد وعندما يتمنى لو يتوقف الوقت يمر مرورًا سريعًا؟ فهو ينتظر طويلًا لتحقيق حلمه والوقت يمر ببطء شديد، يتمنى لو ينقضي الشهران القادمان بسرعة حتى يباشر في عمله الجديد.


ضغط عمر على المقود بعصبية، فقد سئم هذا الزحام ويقسم لولا أنه تشاجر مع والدتها بسبب الزواج لما ذهب لهذا اللقاء السخيف، يعلم أنه بالسابعة والعشرين من عمره وأنه قارب على إنهاء عقده الثاني، ولكنه لن يتزوج حتى يضمن مستقبل مادي جيد للأسرة التي سينشئها، فليس ذنب تلك الفتاة التي سيتزوجها دون حب أنه لم يكن مستعدًا ماديًا، فهو لن يجعل زوجته تعيش في شقاء معه فقط لأنه لم ينتظر لعام أو اثنين حتى يصبح مقتدر ماديًا ويستطيع أن يوفر لها ولأبنائهما المستقبليين حياة جيدة، وهذا أقل شيء يمكنه تقديمه لها لأنه متأكد أنه لن يتزوج عن حب ولن يقع في الحب يومًا، فالأمر لم يشغله يومًا، وعندما كان بالجامعة كان معجب بإحدى الفتيات ولكن لم يتعدى الأمر الإعجاب لتنطفئ تلك الشعلة الصغيرة سريعًا، واستمر هذا الحال حتى عندما تخرج وخرج لميدان العمل، مما جعله يوقن أنه لن يقع في الحب وأنه ربما لن يرى من سيتزوجها حتى موعد الخطبة، تنهد عمر براحة عندما فك الزحام وقاد بسرعة نحو وجهته.


❈-❈-❈


قالت هاجر بحدة:


- بردو هيجي ويقعد معانا؟ بردو يا ليلى؟


تنهدت ليلى وتركت الدفتر الذي كانت تدون به الملاحظات ونظرت لها وقالت:


- يا هاجر أنا مش قليلة الذوق وقولت لك قبل كدا طالما نقدر نساعد حد منساعدهوش ليه يعني؟


قالت هاجر بسخرية مستنكرة:


- والله؟ ولما عملتِ خطة علشان تطفشي عريس ليليان واتبليتي عليه وطردتيه من البيت دي مكانتش قلة ذوق؟


لم تجد ليلى ما تقوله فنظرت لها بحدة، ولكنها قررت أن تقلب الطاولة على رأس هاجر، فابتسمت باصفرار وقالت:


- خلاص يا ستي أنا قليلة الذوق، وبعدين ما سليم مش هيجي لوحده ده معاه زين.


لكزتها هاجر وقالت بعصبية تخفي بها توترها:


- وأنا مالي بسي زفت ده دلوقت؟


نظرت لها ليلى بمكر وقالت:


- عليا بردو؟ ما أنا عارفه إنك طول عمرك عايزة تتجوزي واحد اسمه زيـ..


وضعت هاجر يدها على فم ليلى لتمنعها من إكمال جملتها وقالت:


- اسكتي، دول داخلين علينا.


اقترب سليم وزين من طاولتهما وعندما سحب سليم كرسي ليجلس قال زين مانعًا إياه:


- لا بلاش يا عم تعالى نقعد في حته تانية أحسن.


ثم نظر لهاجر مبتسمًا ابتسامة ذات مغزى، فأشاحت نظرها عنه وقد فهمت ما يرمي إليه جيدًا، عادت تنظر إليه وقالت مبتسمة باصفرار:


- أنا كدا كدا قايمة علشان عندي محاضرة عايزة أحضرها.


نهضت واضعة حقيبتها على كتفها، اتسعت ابتسامة زين وقال مشيرًا لها أن تتقدمه:


- تمام، هاجي معاكِ، كدا كدا كنت عايز أحضر.


تنهدت هاجر بتعب كونها تعلم أنها سيتعين عليها أن تواجهه لمدة أطول وأن تحاول إخفاء توترها.


سار زين ببطء ليتماشى مع حركتها، نظر لها وابتسم وقال:


- عادي على فكرة لو بينتِ إنك متوترة أو مكسوفة، أنا شخصيًا ببقا متوتر لما بتكلم معاكِ، لأن بصراحة..


بتر عبارته وحمحم بحرج وتابع:


- البنت الوحيدة اللي كلمتها كانت داليا أختي.


نظرت له هاجر باستنكار وقالت باحتقار وكأنها تبصقه بتلك الكلمات:


- مستحيل أنت كداب، تلاقيك مقضيها طول عمرك وجاي تعمل فيها بريء.


ضحك زين بعدم تصديق وقال:


- وليه يا ترى هعمل كدا؟


أجابت هاجر بتلقائية:


- علشان مفيش بنت تشوفك وحش وتفضحك بعد كدا.


نظر لها نظرة لعوب وقال مقترحًا:


- ولو أنتِ صح، ليه مكونش مثلًا عايز أوقعك؟


توقفت هاجر عن السير ونظرت له بدهشة بينما شعرت بالدماء تتسرب لوجهها، هي لم تتوقع أن يقول شيء كهذا، فهي حتى وإن ظنت أنه شاب لعوب لم تتخيل أن يحاول أن يستدرجها، فهي ترى أنها لن يقع أحد في حبها أو حتى تعجبه فيريدها في علاقة عابرة، لماذا يصر على جعلها ترتبك؟


يبدو أنه يسهل ارباكها، قد يساعده هذا مقدمًا، هذا ما فكر به زين عندما كان ينظر لوجهها المندهش، تنهد بتعب وقال مبتسمًا:


- أمشي يا هاجر دلوقت خلينا نحضر المحاضرة ونبقا نكمل نقاشنا بعدها.


تنهدت بدورها وأغلقت عينيها لتطرد تلك الأفكار بعيدًا وأومأت موافقة ثم تقدمته لتسمعه يقول بسخرية:


- و يا ريت تبطلي فرجة على عمر وسلمى، مش كل الشباب كدا يا هاجر.


سرعت هاجر من وتيرة سيرها لتوحي له أنها غاضبة ولكنها في الواقع كانت تكافح شبح ابتسامة بدأ يظهر على وجهها.


❈-❈-❈



عندما نهضت هاجر تتبعها زين ورحلا قال سليم هامسًا:


- بتحبني أوي.


ضحكت ليلى ووضعت يدها على الطاولة وأسندت وجنت ها إليه.


بينما لاحظ سليم نظرات ياسر الذي كان يجلس على طاولة قريبة منهما ولكن ليلى لم تلاحظه، شعر سليم بالضيق من نظراته تلك خاصة أنها لم تكن نظرات مريحة، ماذا يُمكن أن يكون ما يفكر به هذا الأستاذ الذي لا يطيقه؟ هل ما قالته ليلى قد يكون حقيقيًا؟ لقد أخبره زين بدوره أن هذا الأستاذ لديه علاقات مشبوهة مع طالباته، هل يؤكد هذا على نظرية ليلى؟ هل هو يفكر بها بتلك الطريقة؟، يعترف أن ليلى تستحق الإعجاب حقًا، ولولا أنها صارمة في علاقتها مع أي شاب، ولولا أنها تنتقد تفكيره في تلك الأمور تحديدًا وتحتقر وجهة نظره لكان حاول معها بدوره، ولكنهما مختلفان في وجهات النظر وهو ليس من نوعها وهي ليست من نوعه، أي علاقة تقوم بينهما عدا الصداقة أو الزمالة على حد قولها لن تنجح، فإن كان هو ثورًا متحضرًا، فهي ماعز عنيدة، ونحن لم نرى يومًا أن هناك ثور تزوج بماعز، رغم معرفته بكل هذا لا يعلم لماذا تضايق عندما راوده شك أن ذلك الياسر معجب بها.


لفتت نظره ليلى عندما قالت مبتسمة:


- بس شكلك كنت جاي متضايق يعني؟


لوح سليم بيده في الهواء بلا مبالاة وقال:


- يا ستي متخديش في بالك، المهم أنتِ عاملة ايه؟


حاول تجاهل نظرات ياسر، أو بالمعنى الأصح ينظر له نظرات حادة عله يتوقف عن وقاحته تلك، ولكنه ابتسم وحياه بصمت، ذلك اللعين! كيف احتمله علي عندما كان يدرس معه؟ تنهد بقوة حتى يخفف من ضيقه.


حاولت ليلى منع الابتسامة التي شقت وجهها وقالت:


- الحمدلله كويسة.


ابتسم سليم لتهاونها اليوم معه في الحديث، فتابع:


- لابسة أسود يعني على غير العادة، خير؟


أجابت ليلى ببساطة:


- لا مفيش سبب عادي.


شعرت ليلى أنه يعود مجددًا لفتح أحاديث معها ويحاول تجاوز الحدود التي وضعتها ليلى ونبهته إلى عدم تجاوزها مجددًا، ولكنه يعود ليكسر قواعدها مجددًا، قالت ليلى مبتسمة بحرج:


- طب مش كفاية حوارات بقا ويلا نذاكر.


ضحك سليم بخفوت وأخرج الكتب ودفتره من حقيبة ظهره والأقلام من جيبه وأومأ موافقًا، بينما فعلت ليلى المثل وبدأا بالاستذكار.


ولكن قاطعهما تقدم ياسر نحوهما الذي قال مبتسمًا:


- عفارم عليكوا يا شباب.


رفعت ليلى نظرها له ثم نظرت لسليم بحيرة، ليتولى سليم دفة الحديث وقال ببرود:


- شكرًا يا دكتور.


اتسعت ابتسامة ياسر ثم وضع ذراعه أمام ليلى لتجفل وتبتعد للخلف سريعًا بينما قال ياسر:


- ليلى ينفع تساعديني في الامتحان اللي هعمله آخر الشهر، عايزك تبقي تبعتي الشرح لبقية الدفعة وتنبيههم أول بأول وتبلغيني، تمام؟


أومأت ليلى بطريقة هيستيرية من شدة خوفها، فابتعد ياسر ثم ابتسم باصفرار وقال موجهًا حديثه لسليم:


- أبقا سلم لي على علي متنساش.


ثم تركهما ورحل، شعرت ليلى بالتشتت، لم تستطع التحكم في مشاعرها، شعرت بالارتجاف بداخلها فقبضت على كفيها بقوة علها تنهي هذا الارتجاف.


رأي سليم حالتها المزرية، فشعر بالغضب الشديد من هذا اللعين، كيف يُسمى هذا القذر برجل؟ هذا لا يصنف شبه رجل حتى، إن الشخص الذي يوصل الخوف لقلب فتاة حتى تصبح ترتجف بهذا الشكل المزري ليس سوى حيوان قذر لعين.


- قومي يا ليلى روحي وأنا هقول لهاجر وزين لما يخرجوا إنك مشيتِ.


أومأت ليلى بشرود ونهضت، كانت تريد الهروب بأسرع وقت ممكن، فكل ما رأته بتلك اللحظة هن الفتيات التي رأتهن بنفسها وسمعت عن علاقتهن مع هذا الأستاذ، تذكر جيدًا كيف انفضح أمرهن، كيف نسرن إحترامهن أمام الجميع بالجامعة وكيف تخلى عنهن أهلهن ولوهلة رأت نفسها مكانهن، مما جعلها ترتعد وتهلع، قد تبدو ردة فعلها تلك مبالغ بها بالنسبة للكثيرين، ولكنها ليس لديها أعز وأغلى من إحترامها لذاتها وإحترام الجميع لها وأهلها وتخشى أن تخسر هذا وتصبح وحيدة منبوذة ومُتحتقرة من الجميع، والشيء الذي أزاد من خوفها هو كون ياسر قادر على إستخدام سلطته ليجعلها تخضع لما يريد، وما فعله اليوم لم يكن سوى إشارة منه أنها هي القادمة وأنه سيتقرب منها أكثر من ذي قبل. 


لحق بها وقال ليخرجها من شرودها:


- تعالي هطلب لك تاكسي، ولا تحبي أمشي معاكِ؟


هزت ليلى رأسها نافية وقالت بخفوت:


- لا أنا همشي لوحدي.


أومأ وتركها تتقدمه وتوجها نحو البوابة الرئيسية.


❈-❈-❈


خرج زين وهاجر من المحاضرة بعد انتهائها وسرعان ما ابتعدا عن زملائهما حتى قال زين:


- نبدأ النقاش بقا.


نظرت له هاجر منتبهة؛ ليتابع:


- كيف بدأ الارتباط أصلًا؟


أجابت:


- لما الشباب حبوا يلاقوا طريقة للتهرب من الجواز وفي نفس الوقت يرمرموا براحتهم. 


قطب زين جبينه وابتسم مقترحًا:


- وليه مثلًا ميكونش بسبب إننا بنحب نقلد الغرب تقليد أعمى.


أشارت هاجر نحوه بسبابتها وقالت مؤيده:


- وارد بردو، خاصة إننا حرفيًا بنقلدهم في كل حاجه مدعيين التحضر.


أضاف زين بانفعال:


- والمشكلة إننا حتى لو قولنا بنقلدهم علشان نبقا متقدمين زيهم بس احنا مبنعملش كدا، احنا بنقلد عيوبهم مش مميزاتهم اللي مخلياهم متقدمين.


- لأن عيوبهم دي أسهل في التنفيذ.


هز زين رأسه موافقًا وقال:


- أيوه ودي مشكلة، لأن العيوب دي بتنافي تعاليم الدين والمعتقدات بشكل عام.


ابتسمت هاجر وقالت ساخرة:


- وتلاقي الأغنية بيقلدوهم واحنا أوبن مايند وهوبا هاي وكدا.


تنهد زين وقال:


- أنا حقيقي بحتقر النوعية دي من البشر. 


- وأنا كمان.


همست هاجر بينما أخرجت هاتفها بعد أن سمعت صوت إحدى الإشعارات والذي كان رسالة من ليلى تخبرها أنها شعرت بالإرهاق فعادت لمنزلها، توقفت هاجر عن السير وقالت:


- ليلى تعبت شوية ومشيت.


توقف زين بدوره الذي أخرج هاتفه وحدق به؛ ليقول بتعجب:


- وسليم كمان.


نظرت له هاجر مضيقة عينيها بتفكير وقالت بخفوت:


- أنا مش مطمنة للاتنين دول.


قال زين مضيقًا عينيه بدوره:


- هناك شيء يُبرم من وراء ظهرنا أختاه.


ضحكت هاجر بخفوت وقالت:


- أختاه؟ طب روح شوف مصالحك بقا يا أخي.


ابتسم زين ابتسامة خفيفة لم تصل لعينيه وقال:


- سلام يا هاجر.


ابتسمت بلطف مثله وقالت:


- سلام.


ثم تفرقا ليذهب كل منهما لطريقه، بينما حاولت هاجر مهاتفه ليلى للإطمئنان عليها.


يتبع