-->

الفصل الثالث عشر - مرآة مزدوجة

 


 

الفصل الثاني عشر



وقفت ليليان تنظر إلى هيئتها بالمرآة وقد بدت غير متأكدة من حسن مظهرها، بينما قالت والدتها وقد فهمت ما تفكر به:


- شكلك حلو يا ليليان ومنظم زي ما أنت عايزة أهو.


نظرت ليليان إلى التنورة الضيقة السوداء الطويلة، والقميص الأبيض ذي الأكمام الواسعة، وشعرها الذي عقدته على هيئة كعكة عالية مرتبة بعناية لا تخرج منها أي خصلة وقالت بسخرية:


- شكلي عامل زي ست عجوزة طالعة على معاش.


قهقهت ليلى عاليًا، ثم نهضت ووقفت بجانب والدتها خلف ليليان وقالت:


- قولتلك مش هينفع معاكِ غير الفستان المنقط بتاع شقط مدير الشركة.


- ليلى!


صاحت ليليان بتذمر، فضحكت ليلى وقالت موجهة حديثها لوالدتها:


- أنا عندي فستان سماوي جمدان هيليق عليها أجيبه؟


قالت ليليان معارضة:


- أنتِ عارفه كويس إن الفساتين مبتليقش عليا بشكل عام.


بينما قالت والدتها منهية النقاش:


- روحي يا ليلى هاتيه بدل ما البت بقت عاملة زي أبلة نعمات.


قالت ليلى بنبرة ضاحكة وهي تفتح خزانة الملابس:


- اسمها فتكات يا ماما.


ضحكت والدتها ولم تعلق بينما أعطتها ليلى الفستان وتوجهت نحو ليليان وقامت بفك ربطة شعرها وقالت:


- تعالي بقا نعملك تسريحة حلوة بدل كحكة التسعينات دي.


❈-❈-❈

وصلت ليليان أمام أحد المباني الراقية، أمكنها رؤية لافتات تحمل أسماء أطباء معروفين على بعض طوابق المبنى ولافتة أخرى تحمل اسم أحد المهندسين، تأكدت ليليان من العنوان المدون على الصفحة الرسمية للكاتب الذي أنشأ الدار، وتوجهت بخطى مترددة للداخل، وجدت موظفة الاستقبال فأخبرتها أنها أتت للمقابلة من أجل وظيفة حسب الموعد الذي حُدد لها عندما ملئت الاستمارة الالكترونية، فطلبت منها الموظفة الانتظار قليلًا، دلفت ليليان غرفة الانتظار وجلست على أقرب مقعد وجدته، كان هناك شابان آخران يجلسان في مواجهتها مما جعلها تبتلع لعابها بتوتر، فهي تكره التواجد في مكان به شباب، هذا يوترها ويجعلها تشعر بعدم الراحة، لا تعلم لماذا هي تشعر بتلك المشاعر ولكنها ببساطة تشعر بها، حاولت كثيرًا أن تتجاهل تلك المشاعر وألا تلقي لها بالًا علها لا تشعر بها مجددًا ولكنها في كل مرة كانت تفشل؛ لهذا لم ترد يومًا أن تعمل حتى لا تكون في بيئة مليئة بالشبان.


تنهدت بخفوت بينما لم تستطع إيقاف اهتزاز قدمها من فرط توترها، أخرجت هاتفها من حقيبتها وعبثت به دون اهتمام حقيقي، ثم شعرت بسخافة ما تفعله فأغلقت هاتفها وأعادت لحقيبتها، جلست تتأمل المكان بشرود، اللون الرمادي الفاتح الذي يقارب اللون السماوي يسيطر على جدران المكان، يوحي هذا اللون بالجدية ربما؟ لم تفهم لماذا تفعل هذا ولماذا تتأمل المكان رغم أن فرص قبولها بهذا المكان تكاد تكون معدومة.


دلفت موظفة الاستقبال ونادت اسمها فنهضت بتردد، أخبرتها الموظفة أن تصعد للطابق الثاني وتذهب للغرفة التي ستجدها في الأمام ما إن تصعد، أومأت ليليان موافقة وتحركت خارج الغرفة نحو السلم رغم ملاحظتها للمصعد ولكنها أرادت أن تؤجل مواجهتها بذلك العمر قليلًا، كانت كلما تصعد درجة على السلم تزداد دقات قلبها ارتفاعًا وتزداد توترًا، فجملة عمر التي قالها لها بجمود لم تُمحَى من ذاكرتها منذ أن علمت أنه هو صاحب دار النشر تلك، وصلت للطابق الثاني والذي بدا لها الطابق الأخير لهذه الدار، وجدت جميع المكاتب الخاصة بالموظفين في منتصف الطابق على هيئة طاولات بجانب بعضهم البعض، ووجدت جميع الطاولات فارغة، بالطبع لم يُباشر العمل بعض، بحثت عن الغرفة التي أخبرتها عنها موظفة الاستقبال، فوجدت غرفتين واحدة كان في مواجهة السلم والمصعد مباشرةً والأخرى بعيدة قليلًا، فتوجهت نحو الغرفة التي أمامها مثلما قالت لها الموظفة، طرقت الباب طرقات تكاد تسمع، فسمعت صوت رخيم يأذن لها بالدلوف، صوت حفظته عن ظهر قلب؛ لأنه الصوت الذي أخبرها جملة أعتبرتها من أوقح الجمل التي سمعتها يومًا، ابتلعت لعابها بخوف ودعت الله في قلبها أن تمر المقابلة على خير ودلفت بتردد.


كان عمر يقرأ إحدى الملفات بتركيز دون أن يحيد عينه عنه أشار لها بالجلوس على مقعد عملاق جلدي لتكون في مواجهته، ابتلعت ليليان لعابها للمرة التي لا تعرف عددها اليوم وجلست على المقعد بصمت، مرت دقيقة، اثنتين، خمس وعمر لا يوجه لها شيئًا، جالس بصمت ينظر إلى الملف ولا يتحرك به شيء سوى جفونه، ليجعل ليليان تشعر بالتوتر وتستمر في مراقبته بترقب، رفع عمر عينيه فجأة ونظر لها بجمود مما جعلها تجفل وتعود بظهرها للخلف.


أغلق عمر الملف ووضعها جانبًا، ثم شبك يديه أمام مكتبه وقال:


- آنسة...


- ليليان أحمد


نظر لها نظرة لم تفهم معناها، ولكنها جعلتها تجفل من جديد وقد شعرت أنها تحذرها من مقاطعته مجددًا، صمت عمر للحظة وقال:


- بتدرسي في آداب تالت سنة ليكِ.


أومأت ليليان وقد شعرت أن جملته تقريرية أكثر من كونها سؤال، عاد عمر يقول:


- قسم أدب انجليزي؟ يعني بتقدمي هنا علشان تشتغلي في الترجمة صح؟


- صح


أجابت ليليان بصوت مبحوح منتظرة أن يبدأ في طرح أسئلة حقيقية، أمسك عمر بالقلم الموضوع على المكتب وأسند ظهره للخلف، نظر لها بجمود وقال بلهجة جامدة ليس بها حياة:


- وأنتِ جاية تتقدمي لوظيفة وأنتِ لسه مش متخرجة؟ كأنك واثقة مثلًا أنك هتتقبلي.


جف حلق ليليان وبحثت عن إجابة واضحة تُرضي ذلك الجامد الجالس أمامها الذي يكاد يقارب التمثال الخشبي، لعنت ليلى في نفسها؛ فهي السبب في كل ما يحدث الآن، تنهدت ليليان بتوتر وقالت بلهجة عملية:


- علشان أتدرب قبل ما أتخرج وأكتسب خبرات، وحضرتك عارف إن الدار دي جديدة وهيبقا عندي فرصة أكبر إني أتقبل أكتر من أي دار، ده غير إن حضرتك ممكن تطلع على تقديراتي وتعرف إن قديرة بالشغل ده وأقدر أعمله على أكمل وجه زي ما حضرتك تقول.


ابتسم ابتسامة جانبية وقد بدا أن إجابتها أعجبته رغم عينيه التي لم تصرح بشيء سوى الجمود، أسند عمر يديه المتشابكتان مجددًا فوق المكتب وقال:


- فعلًا علشان الدار جديدة وزي ما أنتِ شايفة محتاجين موظفين، فـ فعلًا نسبة إنك تتقبلي هنا أعلى من نسبة قبولك في أي دار تانية، بس ده بردو اللي هيحدده إجاباتك على الأسئلة اللي هنبدأها دلوقت.


صمتت ليليان لتستمع لأسئلته جيدًا وبدأت بالإجابة ببطء وهدوء، سألها عمر عن كل ما تعرفه عن اللغة الانجليزية في جميع سنوات دراستها بجانب أسئلة أخرى عن الأدب، ولكنه نصب أهم الأسئلة على اللغة الانجليزية، فتذكرت ليليان سريعًا أنه مرشد سياحي ويتعامل مع الأجانب كثيرًا، عندما انتهت من الإجابة عن آخر سؤال أرجع عمر ظهره للخلف وابتسم برضى، ثم نهض ووقف بجانب مكتبه وقال:


- تمام كدا خلصنا، وبعد أسبوع هتبعتلك الـ receptionist لو اتقبلتِ أو لا.


أومأت ليليان ونهضت سريعًا وكأنها كانت في سجن وأُطلق سراحها توًا، هرعت نحو الباب دون أن تشعر أن هاتفها - الذي أخرجته لتنظر به قبل أن تصعد الغرفة ولم تضعه في حقيبتها - قد سقط على الأرضية المغطاة بسجاد سميك فلم يصدر له صوت، انحنى عمر؛ ليلتقطه ولحق بها، وضع الهاتف على الباب الذي كانت على وشك أن تفتحه حتى يجعلها تراه، وبالفعل عندما رأت الهاتف بيده، التفتت لتواجهه لتجد المسافة بينهما منعدمة وعلى تلك المسافة الصغيرة تأملت وجهه بوضوح أكثر من المرة الأولى، وذلك الشعور بأنها رأته سابقًا قبل لقائهما بالمعرض ما زال يراودها، فدققت النظر في ملامح وجهه علها تتذكره، جحظت عينيها عندما تذكرت أين رأته أول مرة، فقالت بنبرة سعيدة ولكنها لم تختفي منها الدهشة:


- أنت الشاب بتاع الكافيه؟!


❈-❈-❈


جلست ليليان في الأريكة الخلفية لسيارة الأجرة، نظرت للنافذة بجانبها بينما أعادت في عقلها ما حدث عندما كانت بالدار، تذكرت كيف تحولت نظراته للتعجب عندما قالت ما قالته، كيف اختفى قناع الجمود ذلك لتتحول ملامحه لملامح بشري على حد شعورها، وبعد لحظة من الصمت بينهما كانت صامتة هي فيها لأنها شعرت أنها تفوت بشيء سيء ولم تفهم السبب من صمته الذي كسره بعودة ملامحه الجامدة لمكانها الطبيعي، ثم شقت ابتسامة متكلفة وجهه وقام بفتح الباب بنفسه كإشارة واضحة لها أنه يريدها أن ترحل، فالتقطت هاتفها من بين أنامله الطويلة ورحلت.


ابتسمت ليليان حالما تذكرت ملامحه وانفعالاته طوال المقابلة، هو جامد، حاد، غامض، وسيم، وكاتب، كما أنه كان يركض عندما رأته بالمرة الأولى، بدا لها كشخص مبتذل يدعي المثالية مثل الأبطال الذين يظهرون بالروايات العاطفية والأفلام الرومانسية، مؤكد أنها لو عاشرته لفترة أطول ستجده مغرورًا متغطرسًا، فهاتان صفتان تلازم تلك الشخصية التي يؤديها والتي تراها مزيفة ومبتذلة، حمدت الله أنها شبه واثقة أنه لن يقبل بتوظيفها خاصة بعد أن قالت ما قالته، واستمتعت بمراقبة الشوارع من النافذة، فهذه هي هوايتها المفضلة.


❈-❈-❈


ما إن أغلقت ليليان الباب خلفها حتى اتسعت ابتسامة عمر، ثم عاد للجلوس خلف مكتبه، لو لم يكن يدقق بأدق التفاصيل لما تذكر أنه رآها لأول مرة المقهى عندما كان في صراعه مع العجز عن الكتابة، مؤكد أنها تظنه مجرد وقح لعين جامد، وهو في الواقع تعمد الظهور أمامها وأمام كل من يتقدمون للوظيفة بتلك الطريقة؛ حتى يرى هل سيتحملوا هذا النوع من الضغط أم لا، ويبدو أن تلك الفأرة الصغيرة تخطت هذا الاختبار، رغم أنه قد راهن على فشلها ولكنها أدهشته اليوم، تحولت ابتسامته لضحكة صغيرة مكتومة بينما رفع الهاتف ليطلب من موظفة الاستقبال أن تحضر له الشخص الذي سيجري مقابلته معه الآن.


❈-❈-❈

استيقظ سليم باكرًا على غير عادته، كان مجبرًا على الاستيقاظ باكًرا لأن اليوم هو اليوم الذي أتفق عليه والده مع عميه للقاء في بيت جده، كان سليم يكره تلك اللقاءات؛ لأنه بطريقة أو بأخرى يصبح محور الحديث والسخرية، فجميع أفراد العائلة يستمرون في السخرية منه ومن هوايته مما يجعله يود لو يكسر رأس أحدهم ولكنه يكتفي بالتحلي بالصمت.


تنهد سليم ثم خرج من غرفته ليجد والدته تحضر الإفطار بينما يعد علي ووالده الطاولة، قال والده ما إن رآه:


- يلا يا سليم تعالى ساعدنا علشان نفطر بسرعة ونمشي.


فرك سليم عينيه بنعاس ووضع النظارة التي كان بين شعره الذي ازداد طوله بشكل ملحوظ ولكنه لم يهتم بقصه وقال:


- هدخل الحمام وجاي طيب.


تناولوا الإفطار في أجواء عائلية اشتاق سليم إليه كثيرًا، فقد مضى الوقت بين مزاح والده ومناوشاته مع والدته، لم يجد سليم والده سعيدًا هكذا منذ وقت طويل، ربما منذ أن أعلن الحرب عليه، ألهذه الدرجة آثار عناده البؤس والتعاسة على منزلهم؟ إن كان هذا صحيحًا فليذهب عناده للجحيم مقابل لحظة من تلك اللحظات التي افتقدها بحق.


بعد انتهاء الطعام ارتدى الجميع ملابسهم وذهبوا لمنزل جد سليم، وبعد التحيات التقليدية جلسوا جميعًا يتحدثون، بينما ثار أحفاد عميه ثورة لم يرها سليم يومًا، سرعان ما تحول المكان إلى ضجيج لا يُحتمل، كان الضجيج أكثر صخبًا من الأغاني المزعجة التي يستمع لها عندما يكون غاضبًا، جذب انتباهه أحد أعمامه وهو يقول لحفيده:


- لا لا سيب كراسة الرسم دي يا معاذ، مش عايزك تبقا عيل طري وتعملي فيها راجل على أبوك.


لم يكن عمه يجيد هذا النوع من الإهانة وقد وضح هذا، ولكن هذا لم يمنع أن الجميع فهم من يقصده، عم الصمت لوهلة على المكان عدا الأطفال الذين أخذوا يلعبون كما السابق، نهض سليم متوجهًا نحو الشرفة وقد سمع والده يرد على عمه ولكنه لم يتبين ما قاله، كان سليم قد سئم مما يحدث، حتى عندما قرر التركيز على جامعته ومسامحة والده على ما حدث، يأتي شخص دخيل ليفسد عليه سلامه النفسي، لعن سليم عمه تحت أنفاسه دون أن يهتم لكونه عمه ويجب احترامه، كان يريد التحدث مع أحد خارج إطار العائلة؛ لهذا فتح هاتفه وبحث في السجل، علقت عيناه على اسم ليلى ووقف لوهلة يحدق به بتردد، لا، ليلى لن تتهاون معه إن هاتفها هي صارمة بشدة تجاه تلك الأمور ولن تمر الأمر مرور الكرام، هي حتى لا تعرف أنه يحتفظ برقم هاتفها، هز رأسه بالنفي وتخطى اسمها ليجد نفسه أمام اسم زين، زين؟ كلا هو مشغول بأمور الخطبة وهو لا يريد أن يفسد سعادته، آدم أو بلال؟ هو ليس قريبًا منهما كفاية ليتحدث مع أحدهم بهذا الشأن خاصة أنه لم يلتق بهم سوى مرات قليلة، علا؟، هل يفعلها؟ هو بحاجه للتحدث مع حد ليخرجه من أفكاره التي يوشك أن يغرق بها ولم تكن أفكار جيدة بالمرة بل ستؤثر عليه بالسلب، ولكن أليس اتصاله بعلا سيؤثر عليه بالسلب؟ لا يعلم ولكنه يريد التحدث وحسب لا يريد الصمت، تغلب على تردده وضغط زر الاتصال ثم وضعه على أذنه ينتظر الرد من الجهة الأخرى، رن بعقله جميع كلمات ليلى عن هذا الأمر في رأسه، كان على وشك التراجع وإنهاء المكالمة، ولكن مهلًا! هل أصبح ينصاع لكل ما تقوله ليلى؟ كلا لن يفعل، هو لم يفعل هذا مع والده حتى! سيطر عليه عناده وقرر أنه لن ينصاع لأحد حتى وإن كان محقًا، هو لا يهتم، أتى صوت علا من الجهة الأخرى فقال سليم:


- علا، أزيك عاملة ايه؟ واحشاني.


لم يشعر بالراحة وهو يقول تلك الكلمات وكأنها ليست في موضعها الصحيح، لماذا يشعر وكأن شيئًا خاطئًا يحدث؟ استيقظ من شروده وأجاب عليها:


- أنا كويس الحمدلله، عملتِ ايه في الامتحانات؟


كان علي قد لحق به ليتحدث معه ولكن ما إن سمعه يتحدث مع علا كما قال، شعر علي بالغيظ وهمس بغضب:


- وربنا حلال فيك اللي هتعمله ليلى لو عرفت، وأنا هكون السبب في كدا إن شاء الله يا سليم الكلب.


ثم ابتعد عن الشرفة مجددًا وجلس بجانب والدته مبتسمًا بتكلف، بينما بالشرفة كان سليم يحاول متابعة الحديث مع علا ولكن قلبه يخبره أن يتوقف، يخبره أن هناك شيئًا خاطئًا وأنه إن استمر بتلك المكالمة لن يستحب ما سيحدث، ماذا عن ليلى؟ ليلى! كيف يمكنه تخييب أملها بهذا الشكل؟ لا لن يقوم بهذا يكفي ما فعله، قال سليم مقاطعًا ما كانت تقوله علا:


- معلش يا علا هقفل دلوقت علشان خارج مع عيلتي نزور عمي، سلام.


أغلق دون أن يستمع لردها، وضع الهاتف في جيب بنطاله واستند إلى السور الحديدي للشرفة متنهدًا بحزن من عناده الذي يسوقه لأشياء خاطئة ويعميه عن صواب، رفع رأسه وقال بخفوت محدثًا نفسه:


- أنت شكلك محتاج تتعالج بجد يا سليم.


ضرب السور بخفة ثم دلف للداخل وجلس بجانب ابن عمه، بينما شعر بعينا علي عليه وقد كان يتابعه منذ أن دلف للشرفة، توتر سليم وحمحم منظفًا حلقه وأبعد نظره عن شقيقه، تجاذب أطراف الحديث مع ابن عمه عله ينشغل بشيء ما بعيدًا عن وجه علي ونظراته الذين لم يبشرا بالخير أبدًا.


❈-❈-❈


جلس زين فوق فراشه يحدق بالسقف وهو يفكر، لقد مر ثلاثة أسابيع منذ آخر مرة رأى بها هاجر، لقد وصلته موافقتها وحدد موعد للقاء عائلتها والذي من المفترض أنه الغد، لقد تجهزت عائلته جيدًا ليوم غد، اشترت شقيقته فستانًا جديدًا للذهاب معه غدًا وكذلك والدته بينما فضل والده ارتداء ملابس رسمية وما أكثرها لديه، تنهد زين براحة، كل شيء مخطط له، لا يعلم ردة فعل هاجر لأنه ليس على اتصال بها، ولكنه تمنى أن تكون سعيدة، ألم تخبره أنها موافقة على عرضه للزواج؟ إذًا هي سعيدة، حسنًا ليكن صريحًا هو ليس متأكدًا من مشاعرها نحوه، هي لا تحبه فلا يمكن أن يقع أحدهم في الحب في تلك المدة القصيرة، هو يرى الإعجاب في عينيها، ولكنه لا يعتبر حبًا.


ولكن قبل أن يسأل نفسه عن مشاعر هاجر لماذا لا يسأل نفسه عن مشاعره الشخصية؟ مهلًا وهل بعد كل هذا هو ليس متأكدًا من مشاعره؟ لا يعلم، هو يريدها كزوجة لأنها فتاة على قدر من الأخلاق والاجتهاد كما أنها مرحة بطبعها وحسنة المظهر، بها جميع المواصفات التي تؤهلها لتكون زوجة جيدة، ولكن هل اختياره لها يعتمد على التفكير العقلاني فقط؟ حقًا؟ ألا يحبها؟ إن كان اختياره يعتمد على التفكير العقلاني فلماذا يريد طلب يدها للزواج الآن؟ يمكنه إنتظارها حتى ينتهيا من دراستهما، لماذا التسرع؟ لأنه يحبها ويخاف أن يأتي أحدهم ليأخذها منه، هذا ما أقنع به نفسه، رغم تلك الدوامة من التردد التي تسيطر عليه عندما يوشك على اتخاذ قرار مصيري، فهو لم يعتد يومًا أن يتخذ قرارات صعبة كتلك بنفسه، كان والديه هم من يتخذان القرارات بدلًا عنه، الألعاب التي يلعب بها في طفولته، المعلمون الذين يعطوه دروسًا خصوصية، الكلية التي سيلتحق بها، كل تلك قرارات كان واجب عليه اتخذاها بنفسه في الماضي، ولكنه لم يفعل وهو يكره نفسه بشدة على ترك والديه يفعلان ما فعلاه به.


جذب انتباهه صوت شقيقته داليا وهي تقول:


- زين، تعالى كلم ماما.


تنهد ونهض ملبيًا نداء شقيقته. 


يُتبع..