-->

الفصل الثاني والعشرون - كما يحلو لكِ - نسخة عامية



 الفصل الثاني والعشرون

النسخة العامية

 

اتجهت للخارج وهي تحاول منع نفسها عن البكاء أمام الجميع واتجهت مباشرة حيث كانت حقيبتها لتجد من ينظر لها بتفحص ونهض "يونس" من مقعده بتأهب يتفقدها باستغرابٍ هائل وهو لا يدري ما الذي حدث لها فهي للتو كانت جالسة معه وملامحها طبيعية ولم يستطع نفسه من أن يسألها:

-       انتِ كويسة؟

 

لم تكترث حتى للنظر له ثم غمغمت بنبرة بالكاد فسر ما تقوله بها:

-       كنت ناقصة مشكلة بسببك أنت كمان!

 

سرعان ما أكملت طريقها للخارج فتبعها ليرى ما الذي حدث لها وسألها مرة ثانية:

-       ايه اللي حصل بس؟ أنا ضايقتك في حاجة؟

 

لم تتوقف ولو للحظة ومباشرة جلست بالكرسي الخلفي للسيارة بينما انطلق "محمود" فورًا بعد أن أرسل له "عمر" بأن يقلها إلى منزل والده ولم يحصل منها على أي تفسير ولا حتى اهتمام بسؤاله لها فرفع حاجباه في تعجب هائل من شأنها وعاد من جديد لداخل المنزل!

 

حاول أن يبحث عن الأسباب بعقله فلم يجد إجابة واحدة تتوافق مع مظهرها وبُكائها فعاد من جديد ليجد أن "يارا" قد عادت وبعدها "بسام" الذي سرعان ما توجه نحوه ثم أخبره متسائلًا بمرح:

-       جاهز تتغلب؟

 

ابتسم له باقتضاب واجابه محاولًا أن يحدثه بنبرة تناسب نبرته المرحة دائمًا:

-       يا باشا وأنا اتغلب للي اعز منك.. بس أنا خايف اعورك جامد

 

رفع يده وهو يشيح له بعدم اكتراث ليُتابع كلماته له حتى يتفقد ما سبب بُكائها على الأقل عليه تفقد الأمر مع "روان" فهو لا يدري لماذا اثارت غمغمتها ريبته، هو لم يفعل أي شيء خاطئ ليضرها به:

-       خللي بس هدى تعملي فنجان قهوة حلو وهتلاقيني جاهز على طول!

 

زفر ببعض الضيق وأومأ له ثم اتجه ليُبلغ "هدى" بينما بحث عن "روان" الذي رآها تأتي لتوها متجهة نحو الجميع ليسألها بهمس:

-       هي عنود مالها فيه ايه؟ لقيتها خارجة بتعيط واخدت شنطتها ومشيت! فيه حاجة حصلت؟

 

ضيقت ما بين حاجبيها واجابت بعفوية وهي تخبره:

-       لا مفيش حاجة دي كانت بتـ..

 

سكتت من تلقاء نفسها عندما استجمعت ما كان يحدث منذ قليل وتيقنت أن زوجها المجنون لابد وأنه فعل شيء بدوره جعلها تبكي وحرفيًا لا تستبعد مدى ما قد يُفكر به أو يفعله معها!

 

بحثت عن هاتفها لتتذكر أنه بغرفة مكتبه واتضح على ملامحها أنها تدرك شيئًا فسألها "يونس" باهتمام:

-       ايه اللي حصل؟

 

تغلفت ملامحها بالغضب لتقول بنبرة واثقة قبل أن تغادره فورًا دون انتظار كلمات منه:

-       هيكون ايه اللي حصل غير عمايله اللي مبتخلصش!

 

اتجهت سريعًا صوب غرفة المكتب وفتحت الباب بمزيد من الغضب ولم تهتم بتفقده بالرغم من شعورها بعينيه التي تتابعها وتناولت هاتفها وحاولت أن تتصل بأخته مرة واثنان وثلاثة وهي توجه ظهرها له بينما لم تستطع الوصول إليها!

 

اكتفت بإرسال رسالة إليها وأخذت تحدق بشاشة هاتفها ولم تنتظر لكثير من الوقت لتجدها قد قامت بقراءة الرسالة ولم ترد حتى انها انتظرت خمس دقائق ولم تجبها فأدركت أنها تتجنبها، ما تعرفة عن أخت زوجها أنها لطالما قامت بالرد فورًا فما تفعله معها الآن غريب للغاية، هي تتجاهلها بمنتهى الوضوح ولا تريد أن تتحدث لها ولا حتى تريد الرد عليها!

 

 

هنا لم يكن هناك مفر من مواجهته هو شخصيًا بعد كل محاولاتها الفاشلة في الوصول إلى "عنود" فوقفت أمامه بتحفز وهي تعقد ذراعيها وتركت كل تلك النظرات العميقة المخيفة جانبًا فهي لم تعد تكترث بما قد يفعله لها يقينًا منها أنها قد واجهت معه الأسوأ بالفعل ولكن لا تزال لا تعرف ما قد يُفيه رجل مثله!

 

-       أنت عملت لعنود ايه؟

 

يا لها من شهية، فاتنة، واثقة للغاية بنفسها، وستبدو أشهى عندما يقوم بنزع هذه الثقة منها، نفس النظرة ونفس الرغبة التي نظر لها بها ورغبته تحركه ليفتك بها، نفس التجاهل يبدر منه كما كان يتجاهلها في أول زواجهما، نفس الصمت وملامحه المريبة التي يستطيع أن يتحكم بها ببراعة، التاريخ يُعيد نفسه أليس كذلك؟!

 

ترقبت منه أي إجابة بينما ادعى عدم الاكتراث وحتى نظرته إليها تلاشت وتحولت لحاسوبه واستمر في اعداد تلك الخطة بداخل رأسه إليها بينما لا تعلم هي عنها شيء، عليه فقط الانتهاء من تلك الرسائل ببريده الالكتروني المكتظ بشدة، عليه استلام هذه الأوراق لتوقيعها ليُرسل إلي "باسم" رسالة من هاتفه تُفيد أن يبعث بكل الأوراق المتأخرة بصحبة "محمود" سائقه الخاص، يُكفيه فقط أن ينتهي من هذه الإجراءات المتأخرة وتصريحات الدفع التي عليه أن يُنهيها، فالشركة بأكملها لا ذنب لها في تلك الأعمال العالقة، ولتُلعن القضايا، لن يترافع مجددًا قبل أن ينتهي من قضيتها معه، وهذه المرة سيُعيد تهيئة عقلها المسموم إلي أن يجد الدليل على خيانتها التي لا يقبل سوى بوجودها، ولو حدث، لا يمانع قتلها بيديه!

 

همهمت بتفهم وهزت رأسها مرارًا ثم تحدثت بنبرة هادئة:

-       ناوي تكمل في فيلم السكوت بتاعك ده.. تمام اوي..

 

وكأن الكلمات لا توجه له، تركيزه مُسلطًا على حاسوبه يُنجز أكبر قدر مما تأخر به، لو فقط كان اكترث مثلها بمجرد مناقشة بسيطة مع مساعده الشخصي لكان انجز الكثير بالفعل ولكنه ليس الرجل الذكي بعمله، وهذه هي النهاية لرجل لا يحب ما يفعله..

 

التفتت وغادرته وقد أخذت قرارها هي الأخرى بالفعل، لا يُمكن التعامل مع مرضه سوى بالمرض المساوي له في المقدار، وهي لا تريد أي من أُسرتها الصغيرة لتضرر كما تضررت أخته اليوم وأخيه بالسابق، يكفي كيف ينظر لها ابن خالتها وابنة خالتها، هما الآن يتأكدان أن زوجها رجل مجنون، عليها اصطحابه بعيدًا عن الجميع بأي طريقة ممكنة!!

--

بعد مرور ساعة..

اعدت بالفعل كل ما تحتاج له، عقاقير لمنع الحمل، هاتف احتياطي دسته بجيب خفي في هذه الحقيبة تحديدًا حتى لا يعلم عنه شيء فهذا أحيانًا كل ما تحتاج له معه بصحبة بطاقة ائتمانية، أموال، حافظة نقودها، علاجه لعل مزاجه الهادئ يستمر دون أن تفاجئ بنوبة هوس أو اكتئاب، هاتفها الأساسي الذي عبثت بإعداداته ليظهر متصلًا أمام عينيه ولا يفاجئها أحد برسالةٍ جديدة تجعله يزداد ارتيابًا، ووضعت كل هذا في حقيبة يدها حتى لا يرتاب بشيء، جميعها أشياء صغيرة على كل حال..

 

ودعت كلًا من "يارا" و "يونس" واكتفت بإخبار والدتها أنها تريد التركيز على العمل هي وزوجها وسيعودان عما قريب وستهاتفها لتطمئن على حالها هي وأخيها، وبالطبع والدتها لن تمانع، أهم ما تريد معرفته أنها بخير، تبتسم، وتنتظر إنجابها بفارغ الصبر!

 

اتجهت من جديد لتعود له، تحمل كل مخاوفها بداخلها في نهاية أولوياتها، هو لم يكتشف بعد أمر التوكيل، وعلى ما يبدو المعلومات التي وردته من الأمن الخاص بشركتها قد نسيها بصحبة ما نساه بالفعل أثناء نوبة هوسه، أو يتذكر، هي حقًا ليست متأكدة تجاه هذا الأمر، ولكنها ستعلم عما قريب.. عليها استفزازه أولًا لترى ما الذي سيفعله تجاه هذا!

 

وقفت أمامه وحدثته بمنتهى الهدوء بالرغم من عدم رفعه لنظره نحوها:

-       أنا معنديش أي مشكلة معاك، ولو كمان فاكر إني بخونك فبراحتك، بس مامي وبسام مالهومش ذنب في حاجة، الأفضل والأحسن نروح نقعد في بيتك التاني شوية، أنا رايحة دلوقتي، لو حابب تيجي معايا اتفضل.. عشر دقايق هستناك في العربية برا مع السواق، لو مجتش هروح من غيرك..

 

كما لم يرد عليها منذ أمس، لم تُعطه الفرصة لإعطائها المزيد من النظرات الثاقبة خاصته وتوجهت سريعًا للخارج، فاكتفى هو الآخر بمتابعتها بعينيه وسواد عينيه يتسمر على سواد ثوبها، يلاصق منحنياتها بطريقة تجعله يود أن يفتك بها، سيفعل عما قريب، ولقد وفرت عليه المجهود وهو يجذبها رغمًا عنها ليعودا لمنزله، فلقد قرر هو الآخر أن يذهبان لمنزله، أمّا عن تلك اللهجة التي حدثته بها فسيرى كيف ستقوى على اسقاطها على مسامعه في المستقبل مرة أخرى، سيعمل ألف مرة قبل أن يخطر على بالها أن تتحدث بمثل هذه الطريقة له!

 

الخطأ من البداية خطأه، وقع في عشقها بلمح البصر، ودفعه عشقها لفعل كل ما لا يؤمن به، أمّا في النهاية هي امرأة لا تختلف عن النساء، والنساء لابد من التعامل معهن بطريقة خاصة حتى لا تفلت زمام الأمور من بين أيدي الرجال أمام عشقهن الذي دائمًا ما ينتهي بالخداع!

--

 الغرفة، الأوراق، الطلاق، هذا كل ما يلوح بعقلها، عليها أن تصبح عا هرة ستفعل، عليها أن تجاريه بأمراضه بمنتهى الثقة، ليس لديها مانع، تتظاهر بأنها خاضعة مخضرمة، ليس لديها أي مُشكلة، أهم شيء هو أن تحصل على كل ما تريده، ألا وهو الفرار!!

 

انتظرت بالمقعد الخلفي للسيارة، حاولت مهاتفة "عنود" من جديد، أرسلت لها المزيد من الرسائل، ولكنها لم تُجبها، فأعادت الاعدادات من جديد، بينما ازداد خوفها مما حدث، فهي لا تضمن ما الذي قد فعله لها، قد يُفسر كل الأمور بشكل خاطئ، هي على ثقة من هذا!

 

فجأة وجدت السائق يترجل للخارج، فسألته قبل أن يذهب:

-       فيه ايه؟ احنا مش هنتحرك دلوقتي، رايح فين؟

 

فورًا اجابها قائلًا:

-       معلش يا فندم، عمر بيه بلغني انزل من العربية..

 

رفعت احدى حاجبيها بتحدي وغادرت السيارة ثم اتجهت لكرسي السائق لتقود هي وبمجرد اشعالها للمحرك وجدته يدخل للسيارة بالكرسي الجانبي ولم يُعطها لو نظرة واحدة متيقنًا أن بكاملها داخل الثقة أنها استطاعت استفزازه وأنه آتى من أجلها، ليدعها تفعل ما يحلو لها إلى الآن، ليدعها تظن أنه لا يطيق فراقها!

 

انطلقت بالسيارة في صمتٍ تام، لم تنظر له، لم تتحدث معه، تعاملت معه بالمثل تمامًا كما يفعل، إذا كان هو يتجاهلها فها هي الأخرى تتجاهله مثل ما يتجاهلها هو، ستصل للمنزل بعد دقائق على كل حال، ووقتها لن تتوقف لتصيبه بجنون فوق جنونه حتى يفقد عقله ويُلقيها بهذه الغرفة الملعونة، هذا ما كانت تتوقعه، ولكن هذا لن يحدث بالطبع، فكل مرة معه تختلف عن سابقتها حتى ولو تكررت نفس القصة مرارًا وتكرارًا، دائمًا ما يحمل في جعبته فكرة مبتكرة لإلحاق العذاب بها!

 

مرت الدقائق في سكوت حتى وصلا منزله البعيد الناء، لابد أنه فعل كل هذا من أجل هوسه بساديته اللعينة حتى لا يستمع أحد لأصوات عذاب نسائه، هذا اللعين ستتخلص منه، حتى ولو كان عن طريق الجنون المحض!

 

ترجلت من السيارة، توجهت مباشرة للغرفة وصعدت إليها، شعرت به خلفها وعينيه تحرق جسدها، لم تبالغ بالطبع في تبديل ملابسها، مجرد ثوب منزلي لا يغيب عنه الأنوثة مثل بقية ملابسها، وضعت حقيبتها واخرجت منها هاتفها وامسكت به بيدها، أدركت أنه اكتفى بالنظر من على مسافة، فعادت لتجلس على الفراش ووضعت هاتفها أمامه على المنضدة الجانبية للسرير، وعدلت من جلستها لتضع ساق فوق الأخرى لتصبح ساقها مكشوفة له أكثر، هذه الجلسة تستفزه للغاية، حان وقت المواجهة اذن!

 

-       ممكن بقا تفهمني أنت عملت إيه لعنود عشان تطلع بتجري وهي بتعيط قدام الناس بالمنظر ده ورافضة ترد عليا أو تكلمني خالص؟

 

مددت كلتا يديها يمينًا ويسارًا بجانبها على الفراش، استقامت بجلستها، ترقبته باكتراث شديد، ومن جديد، لا يوجد إجابة!

 

بداخل عقله وهو يتذكر ما حدث مع أخته منذ قليل، هذه هي الطريقة المُثلى للتعامل مع النساء، يبدو أن والده معه كل الحق فيما كان يُخبره به بكل تلك الأيام السابقة، تعامل "يزيد الجندي" مع النساء يؤتي بثماره حقًا لدرجة أن "عنود" لم تتجرأ على مجرد الرد عليها كما تخبره، جيد للغاية!

 

هزت كتفيها وأخذت تلاحقه بالأسئلة وأضافت نبرة مستفزة للأخرى الهادئة التي كانت تحدثه بها:

-       عملت ايه؟ زعقتلها؟ ولا عشان خرجت معايا اتهمتها كمان انها خاينة؟ ولا ممكن تكون وصلتلها انها مش محترمة عشان تعرف واحدة زيي خاينة لغاية ما تتصرف معايا وتشوف فعلًا إذا كنت خاينة ولا لأ؟ ضربتها مثلًا؟ أصل مستبعدش كل ده عنك، بقالك كتير كمان مبتتصرفش بالأسلوب ده فأكيد وحشك اوي!

 

نفس النظرات ونفس جماد الصخر ينهمر من عينيه، لا يتوقف عن بروده، حسنًا هناك المزيد، بابتسامة رائعة منها:

-       أنا كنت متأكدة إن مع كل موقف نختلف عليه هلاقي الأسلوب ده منك، أصل ايه اللي هيخلي عنود تعيط غير يا قولتلها كلام جرحها أو فعلًا خوفتها أو ضربتها، اذا كان معايا بتزق وبتضرب وبتعاقب، فما بالك بيها! أكيد ده اللي حصل!

 

حسنًا، المزيد لا يُفيد، وتفحصه الجامد لا يتغير، واستفزازها لا ينتهِ:

-       طيب تمام، هتكمل في سكوتك ده كتير؟ مش أحسن كده بدل الزهق ده تقوم تضربني ولا تشعلقني في أي حاجة من الحاجات العجيبة اللي جوا اوضة عذاب الكُفار بتاعتك دي وتكتفني وتقولي ثواب وعقاب؟ حتى كتغيير بدل ما تطق من كتر سكوتك.. البشر الطبيعية بتتكلم على فكرة وربنا خلقنا محتاجين بشر زينا عشان نعيش معاهم!

 

قربت ما بين حاجبيها بتعجب وهي تتفحصه بينما لا يغيب عنه محاولات استفزازه لتقلب شفتيها ثم حدثته بسخرية هائلة:

-       آه نسيت معلش، مش هي دي الطريقة اللي كنت قولتلي عليها أيام ما كنت شايفة انها مش ميول وشايفة انه مرض.. أنت بتحب شغل الحيوانات، زي الكلاب اللي بتقعد تحت رجلين أصحابها..

 

نهضت ثم جلست أسفل قدميه ليطالعها بنظرات تميل للغضب هذه المرة ولم يمنعها هذا من رفع عيناها الواثقتان نحوه ثم همست له باستهزاء:

-       اه نسيت حاجة كمان، أبوس ايدك عشان حضرتك تتفضل عليا وتعاملني زي الهمج!

 

قبلت يده بتقزز استطاع الشعور به ليقارب على الانفجار ولكنه ثبت أمامها بصلابة ولم تحرك به ساكنًا بأفعالها المستهزئة التي لن يغفل أيًا منها لاحقًا ليجدها تُكمل بالمزيد:

-       ازاي انسى، ايه الغباء ده، أنت بتحبهم قالعين!

 

نهضت وهي تتخلص من ملابسها، لم يعد هناك مجالًا بينها وبين مُغتصبها الذي لا يتوقف عن انتزاع ملابسها بين الحين والآخر، فانتهت ثم عادت من جديد وكررت فعلتها بتقبيل يده لتضيف ابتسامة ساخرة وهي تقول:

-       يالا يا سيدي اتفضل، بهدلني على إني شوفت ابن خالتي في بيتك وتحت عينيك وكنت بشرق وهو ساعدني، ازاي اسمح لنفسي اقابله صدفة في مكان عام مع اختك، استحق اتبهدل على حاجة زي دي، اقولك!!

 

اتسعت عينيها بملامح مقترحة وكأنها وجدت فكرة رائعة ثم اضافت بما وقع على مسامعه مثل الصاعقة:

-       أنا أسوأ من البنت دي اللي كانت شبهي، أقصد شبهنا، يعني البنت اللي كانت هتموت في ايدك دي من تلت سنين فاتت اللي حكيت لي عنها، انا فعلًا استحق العقاب!

 

ابتلع وهو يحاول التماسك أمامها قبل أن يفقد اعصابه بالكامل فهي لا تدري ما لعنة ما تتحدث عنه لتضيف بهمس مبالغ في سخريته:

-       أنا استحق العقاب وأنت ملاك!!

 

لم يفهم في البداية ما ترمي إليه ليجدها تنهض وتبتعد عنه وهي تنظر له بمنتهى الغضب ثم تابعت:

-       حضرتك ملاك، مبتغلطش، مبتجرحنيش، الستات والبنات وكل الزفت والقرف ده أنا استحمله وأنت بتتكلم عنه بتفاصيل التفاصيل إنما أنا يكون ليا علاقة طبيعية مع واحد قريبي، لا ممنوع طبعًا.. حرام عليا وحلال ليك!

 

تعالت أنفاسها بغضب وهي تتفقده بجدية شديدة خالية من استخفافها وأكملت:

-       استحمل منك كلام كتير وانت حرفيًا بتنام مع الستات دي لكن أنا اقابل قريبي، لا استحالة، ميصحش، لكن أنت تتكلم زي ما تحب وتنام مع اللي تعجبك، لأ وتيجي تكلمني وتقولي كل الكلام ده وأنا استحمل عادي!

 

لم تتغير نظراته ليتصاعد غضبها من صلادته التي لا تنتهي وبروده الذي يلتهمها ثم صرخت به:

-       تحب اقولك إني مثلًا شوفت رضوى مرات أنس بتبصلك بصة مش عجباني، أو طولت معاك وهي بتسلم عليك؟ وأشك بقا براحتي فيك؟ وأفضل اتخيل في حاجات مش حقيقية واوهم نفسي بيها؟ مانا اصلي بفكر غلط.. زيك بالظبط

 

امسكت بملابسها وهي ترتديها بينما ما زال جالسًا كما هو لتتابع بالمزيد من كلماتها:

-       أنت تسكر وتعيط في حضني من واحدة ست غيري وانا استحمل واطبطب، تحكيلي عن اللي نمت معاهم، وأنا عادي المفروض مضايقش عشان أنا في نظرك مش انسانة، إنما أنا يكون ليا أي علاقة من أي نوع مع أي حد ممنوع وحرام وغلط عشان أنت الوحيد اللي صح وكل الناس غلط..

 

اخفضت من ثوبها مرة أخرى ثم رمقته باحتقار لتبصق بالحروف بملامح متقززة:

-       اختك مالهاش أي ذنب عشان تسمعها كلمتين ولا تضايقها ولا تضربها، مُشكلتك معايا أنا وأنا اللي تكلمني.. أنا اختارت أسوأ انسان في الدنيا وأنا اللي استحمل نتيجة اختياري، إنما الواحد مبيختارش أخواته ولا أهله.. متبقاش مفتري وكمان غبي بتجري ورا وهم في دماغك مش حقيقي!

 

انتظرت لدقيقة واحدة قبل أن تلتفت وتغادره بينما لم تختلف نظراته، لم ينطق بحرف، ولن يفعل، واستمر في صمته لمدة شهر بأكمله!

--

مساءًا في نفس الليلة..

شعر بالحيرة تجاه ما عليه فعله، هل يهاتفها، أم يكتفي بإرسال رسالة إليها، أم عليه أن يتتبعها ويفاجئها بلقاءٍ آخر، الكثير من الأفكار تجول بخلده ولا يدري ما الذي عليه فعله!

 

فكر مليًا في كل السُبل المتاحة أمامه، لو أرسل رسالة إليها ربما ستتجاهلها كما تجاهلته أمام عينها ولن تقوم بالرد، وإذا قام بالاتصال بها ربما لن تُجيبه، يا لها من خبيرة بهذا الأمر وهو ينزعج بشدة من أي امرأة تتجاهله، لم يتعامل قط مع فتاة أو امرأة تتجاهله، ولو فعلت احادهن لطالما لم يُعجب بهن في الأساس، أمّا هذه الفاتنة الصغيرة فهي تُزيده بها تعلقًا كلما رآها!

 

حسنًا، هي بالفعل تملك رقم هاتفه الشخصي، ولكنها لا تملك رقم هاتفه الذي يستخدمه للعمل، ومن حسن حظه أن رقمه محجوب ولا يظهر للمتصل، ليحاول أن يفعلها اذن..

 

تردد قليلًا ليستغرق في التفكير فنهض أولًا ثم اغلق باب غُرفته، لا يضمن أبناء أخته، ولا يضمن أخته نفسها، ولا خبر من زوج أخته يخبره أنه يريد أن يحدثه بشأن ما بخصوص العمل، هذه هي الخطوة الأولى..

 

لديه كوب من العصير، لديه سجائره، لديه هدوء يعم المكان، قد حضر ما الذي عليه قوله مُسبقًا، لا يدري لم هو متوتر هكذا فهي ليست مرته الأولى بالتحدث لفتاة.. حسنًا ليفعلها اذن والوقت لم يتأخر بعد!

 

لم يقم بالانتظار كثيرًا، فلقد اجابته مباشرة ليأتيه صوتها الذي أدرك لتوه كم هو ناعمًا عبر الهاتف:

-       آلو.

 

ارتبكت ملامحه قليلًا فهو حقًا يشعر بالخوف بداخله، ففي مرتهم الأولى لقد حولت كلمة بسيطة منه إلى جدال عن حقوق المرأة في المجتمع فأخبرها بعد أن فكر بجملته مليًا:

-       ازيك عاملة ايه؟

 

سؤال بسيط لا يحتوي على ما يُفسد الأمر:

-       مين حضرتك؟

 

آتاه تساؤلها بنبرة رسمية للغاية ولكنه لم ينس ما غمغمت به قبيل مغادرتها لمنزل ابنة خالته فأجابها بما تلقاه منها بالفعل:

-       أنا اللي مكونتيش ناقصة مشاكل بسببه هو كمان، بتطمن عليكي.. اصلك مشيتي وكان شكلك زعلان، فقولت اتطمن مش اكتر!

 

لوهلة دام صمت، ربما لثلاثة ثواني، ثم حدث ما صدمه تمامًا:

-       أنا تمام وشكرًا لحضرتك، مع السلامة!

 

نظر بشاشة هاتفه ثم تمتم مكررًا كلمتها:

-       حضرتك!! هو أنا قد السيد الوالد ولا ايه؟ ده انا أصغر من اخواتها الاتنين.. فعلًا شكله خازوق!

--

في المساء، بعد مرور يومين..

نظر مليًا لتلك المحادثة بينه وبينها التي تحتوي على ثلاث ارقام ارسلهم إليها بالسابق عبر احدى التطبيقات الشهيرة، انزعج من هذا التردد الذي يلازمه طوال اليومان الماضيان، هل عليه أن يُرسل لها بشيء، أم ستقوم بصفعه بتجاهل لا ينتهِ، أم عليه مفاجئتها بمراقبتها إلى أن تخرج من المنزل وتجده أمامها بشارع من الشوارع..

 

أحكم أمره وقرر أن يحاول لمرة أخيرة، لعلها تستجيب له!

 

-       فيه حد يقفل في وش حد كده وهو بيتطمن عليه، حركة مش حلوة على فكرة!

 

انتظر مترقبًا أن تجيبه وقد فعلت مباشرةً، يبدو أن هاتفها هو الشيء الذي تعتمد عليه لقتل الوقت!

 

-       أنا مقدرة جدًا كلامك وشكرًا إنك سألت، وافتكر إني شكرت حضرتك.. فيه حاجة تانية أقدر اعملها؟

 

صخر يترامى عليه كلما نطقت هذه الفتاة بكلمة، وجد نفسه يحدق بشاشة هاتفه بصدمة شديدة وملامحه متعجبة ليجد نفسه يكتب ويُرسل بدون تفكير فيا قد أرسله بالفعل:

-       افتكر إنك رديتي عليا وقولتيلي إنك مكونتيش ناقصة مشاكل بسببي وانتي ماشية ساعتها، فيه حاجة عملتها وأنا مش واخد بالي؟

 

انتظر ردها لبعض الوقت بينما ندم على تلك الجملة، كانت من المفترض أن تكون أفضل من هذا، ولم يصله الرد فورًا هذه المرة، بل آتى بعد مدة جعلته يرتبك بشدة:

-       لا مفيش حاجة

-       فيه حاجة تانية أقدر أساعد حضرتك فيها؟

 

هذه الكلمة من جديد، هل تراه يبلغ المائة عام أم ماذا بها هذه الفتاة ومن جديد لم يفكر بما أرسله سريعًا:

-       إنك تديني إجابة، انتي فجأة اختفيتي ورجعتي تقوليلي مكونتيش ناقصة مشكلة بسببي، وأنا مش بتاع مشاكل.. المفروض لما حد يقولي كلمة زي دي افهم فيه ايه!

 

غبي رسمي بدليل موثق أمام عينيه، هذه الفتاة تثير جنونه، وفجأة تحول مجرد تعرفه على فتاة لمناقشة رسمية بحتة، ما لعنة ما يفعله، ولماذا هي قاسية ورسمية بردودها، وما كل هذا الوقت الذي تأخذه لمجرد رد بسيط!

 

أخيرًا آتاه رسالة طويلة بعد دقيقتان وهي تقوم بالرد على احدى رسائلها ليقرأها مليًا:

-       لو افترضنا إن حضرتك عملتي مُشكلة، يبقا أقصى حاجة هتعملها هو إنك هتعتذر، هتقول إنك آسف وإنك مقصدتش، واعتذارك مش هيفدني في حاجة.. ولو افترضنا إن أصلًا إن مفيش حاجة زي ما جاوبت حضرتك هنا، يبقا لا أنت محتاج تعتذر ولا أنا فيه أصلًا حاجة حصلت بسببك ويبقا زي ما وضحت ليك في المكالمة وكمان هنا.. فيه أي حاجة تانية ممكن أساعد فيها؟

 

هل هي تعمل بقسم خدمة عملاء ما، من هذه الفتاة حقًا ولم تتعامل بكل هذه الرسمية، حسنًا، فليُريها إذن كل هذه الرسائل التي ستثير جنونها:

-       آه فيه!

-       هو انتِ بتتكلمي من غير ما تفكري؟

-       ولا يمكن بتمشي وأنتِ نايمة؟

-       أصل مفيش بنت جميلة عاقلة تشوف واحد لسه بيتعرف عليها تقوله مكنتش ناقصة مُشكلة بسببك أنت كمان!

-       وكل كلامك ده ملوش معنى عندي غير إنك عايزة تخبي حاجة عني، ومش عايزة تقوليلي مُشكلة ايه اللي حصلت بسببي..

-       أو يمكن خايفة إني أعرف!!

 

هل يظن أنه أوشك على كسب هذه المناقشة، ليس معها أبدًا، سترد الصاع مليون صاع:

 

قامت الرد على رسالته هذه " هو انتِ بتتكلمي من غير ما تفكري؟"

-       ده حضرتك مش أسلوب!

 

وكذلك فعلت بتلك "ولا يمكن بتمشي وأنتِ نايمة؟"

-       ولا ده كمان أسلوب تتكلم بيه معايا!

 

ولم تتهاون في غزله المخفي بداخل احتدام مناقشتهما لتعقب على هذه الرسالة برفض صريح لكلمة مثل هذه " أصل مفيش بنت جميلة عاقلة تشوف واحد لسه بيتعرف عليها تقوله مكنتش ناقصة مُشكلة بسببك أنت كمان"

-       ومعتقدش فيه بيني وبينك حاجة عشان تقولي كلمة زي جميلة دي، ولا تحكم إني عاقلة ولا مش عاقلة لأن مالكش أي حق تكلمني أصلًا فأرجوك تلتزم بحدودك كويس أوي ده يعني لو حصل بيني وبينك كلام تاني..

 

صدمات، صخر يُلقى به أصاب كل كرامته واقتات على ماء وجهه الذي بعثرته بالفعل تحت قدميها ووطأت عليه بخطوات واثقة، بل ويبدو لديها المزيد، لا تزال تقوم بالكتابة!!

 

بعد دقيقتان آتاه رد طويل أصابه بالذهول:

-       احنا مفيش ما بينا تعارف لأننا قرايب وبس، ولو قولت إنك عملتلي مُشكلة فممكن طبعًا تراجع نفسك براحتك خالص وتشوف أنت غلطت في إيه، أو ممكن وجودك يسببلي مشكلة ازاي، ده بما إنك عايز تعرف والموضوع فارق معاك أوي ومهتم جدًا لدرجة إنك تكلمني يومها بليل والنهاردة مخصوص سبت كل شغلك وحياتك وجاي تسأل عليا، وياريت تحاسب على كلامك، أنا هخاف منك بتاع ايه يعني ولا هاخبي عليك حاجة عشان أنت مين مثلًا بالنسبالي؟ أنا كل اللي يربطني بحضرتك إنك ابن خالة مرات أخويا، ولو حضرتك مفكر إني يعني هتكلم معاك عشان تعرف دكتور تامر اللي بعتلي ارقامي فأنا متشكرة جدًا بس عمري ما هحتاج مساعدتك لو التمن إنك تكلمني كل شوية، ولو في يوم كلمته ابقا تعالى حاسبني.. ياريت متفكرش تكلمني تاني لأني مبكلمش راجل معرفهوش.. لا أخلاقي ولا تربيتي ولا ديني يسمحولي بكده.. سلام!

 

وكأن هذه الرسالة غير كافية، بل حظر لرقمه، وبعثرة لماء وجهه، وإحراج غير مسبوق له على يد فتاة، وجعلته يلعن هذا الأمسية التي رآها بها، بل ويلعن ابنة خالته التي تزوجت من رجل غريب الأطوار يملك أخت صغيرة فتنته بشدة!

--

بعد مرور أسبوعين..

لقد قرر بالفعل أن يعرض عن الفكرة تمامًا، ولكنه فشل بكل الطرق الممكنة أن يتوقف عن التفكير بها هي نفسها، كلما تذكر أي تفاصيل عنها، طريقتها الشرسة في الحديث ودفاعها عما تُريده وتلك الرسمية الغريبة التي تتعامل بها معه، اللعنة عليها، لم يصدق قط أن سيتعقب فتاة بالكاد تترك منزلها، بأي عالم تعيش؟ بل وبأي طريقة؟!

 

لقد بات مصمم أن يمحي هذا الرفض القاطع منها، ولو السبيل الوحيد هو مداهمتها بمجرد مغادرتها لمنزلها، لم يتصور قط أن عليه مهاتفة أخيها "عُدي" ليُناقشه بشأن عمل واهي لو علمت عنه "روان" ستقتله من أجله بالتأكيد، فأنظمة الشركة بأكملها تتولاها شركة زوج خالته الراحل منذ زمن طويل، وأن يُقنع "عدي" بأنه يريد الحصول على نظام آخر منه هو كفترة تجريبية أخذ منه الكثير من التظاهر والكذب فقط ليعلم أن يقطن وعنوان منزله بالتحديد! وبدأ بمصادقته نوعًا ما.. فعلى الأقل هو أفضل من أخيه الآخر غريب الأطوار!

 

وأخيرًا وبعد انتظار كل هذه المُدة لقد غادرت المنزل، وها هو قد تلقى اتصالًا من سائق وكله بمتابعتها، وقارب للغاية من الوصول حيث خرجت هي، وكانت مفاجئة له أنها قد ذهبت للجامعة بالفعل.. ما هذه الورطة الذي وقع بها..

 

دخل من الباب الخاص المجاور لكلية الطب، ليوقفه أمن البوابة فأخفض من زجاج سيارته واستمع لسؤال الرجل:

-       حضرتك داخل فين يا أستاذ؟

 

ابتلع وقال ببعض الارتباك:

-       داخل، ادفع المصاريف!

 

نظر له الرجل بريبة بينما وجد هذا الأمر منطقي نوعًا ما للدخول للجامعة:

-       طيب رخص العربية لو سمحت ورخصتك

 

أخرج من جيب سترته الرسمية حافظة نقوده وناوله الرخصة الخاصة بالسيارة وكذلك الخاصة به ثم انطلق بالسيارة لا يدري إلي أين ولكن من حسن حظه أن مقر الكلية بجوار الباب تمامًا!

 

صف السيارة في أول مكان وجده بالقرب من مقر الكلية ثم توجه للداخل وتحمل حرارة الشمس الشديدة واتجه سريعًا إلي الداخل بمنتهى الثقة وقبل أن يرتاب أحد آخر سوى هذا الأمن الخاص بالبوابة الخارجية اتجه بنفسه نحو الرجل ثم حدثه قائلًا:

-       لو سمحت أنا جاي ادفع لأختي المصاريف، ممكن تقولي أروح فين بالظبط؟

 

نظر له الرجل وسأله:

-       سنة كام؟

 

همهم لوهلة ثم قال سريعًا:

-       تالتة..

 

قام بوصف الطريق له فتوجه حيث أخبره الرجل وهو لا يدري أيم يجدها في هذا المبنى الغريب الذي يمتلئ بالفتيات بملابسهن الغريبة تلك، ربما عليه العودة والخروج، والتوقف عن كونه لحوحًا ولينسى هذه الفتاة تمامًا!

 

وأخيرًا ولمرة وحيدة كان الحظ حليفه معها، رآها تأتي بصحبة فتاتان وكل واحدة تحمل الكثير من الكُتب وهي تحديدًا تلتفت لواحدة وتحدثها بابتسامة لأول مرة يراها على وجهها ليتوقف أمامها على مسافة وبمجرد رؤيتها له توقفت بارتباك فنادتها واحدة من اصدقائها متسائلة:

-       انتي وقفتي كده ليه؟

 

بينما اقتربت الثالثة وهمست بمرح:

-       بصو بصو العظمة اللي هناك ده، جاي سجن النسا يدور على مين!

 

ابتلعت "عنود" بصدمة ثم قالت وهي تنظر له:

-       اسكتي يا بسمة ده يبقى ابن خالة مرات أخويا!!

 

قالت معقبة على كلماتها ولكن بجدية:

-       وده جايلك عايز منك ايه ده كمان؟

 

ردت بتوتر شديد:

-       معرفش، ما هو ده اللي حكيتلكم عليه في الجروب من أسبوعين!

 

قالت صديقتها الأخرى بمزاح:

-       يا سيدي، وسايب اللي وراه واللي قدامه عشان يجيلك مخصوص اليوم اللي تظبطيه عشان تاخدي الكُتب.. قولي انك بتكلميه من ورانا بقى!

 

نظرت لهما بإندهاش ثم اخبرتهما:

-       والله ما بكلمه ولسه عملاله بلوك لغاية النهاردة، وبعدين السواق برا، لو شافني معاه  هيقول لبابا وهيبهدلني.. أنا أصلًا قاعدة مرعوبة بقالي أسبوعين لو عمر كلم بابا وحكاله اللي حصل، بطلو هبل وقولولي هتصرف ازاي في المصيبة دي أنا مش ناقصة كوارث!

 

رمقتها صديقتها "بسمة" بريبة ثم قالت بتنهيدة:

-       أنا هتصرف في عم أشرف الغلبان اللي برا ده، امسكي..

 

تركت الكتب فوق الكُتب الخاصة بها لتتحمل هي هذا الثقل دفعة واحدة لدرجة أنها أوشكت على السقوط من بين يديها ثم قالت:

-       تعالي يا نوران نشوف صرفة ونوزع السواق واهو يمكن نتعزم على خطوبة قريب ولا حاجة!

 

تناولت "بسمة" من صديقتها الأخرى الكُتب التي تقوم بحملها ثم اتجهت بثقة نحوه واعطت له الكُتب من بين يديها واخبرته بنبرة ذات مغزى:

-       مش جاي عشان تشوفها، شيل بقا على ما نتصرف مع ظابط المباحث اللي مستنينا برا ده، هخليه يروح يجيبلنا أكل، انجز ومتطولش معاها عشان يومها يعدي على خير!

 

تابعها "يونس" بعينيه وهو حتى لا يعرف من هذه الفتاة ليجد "عنود" تقترب منه بأنظار غاضبة وغادر ملامحها الارتباك ولم يغفل عن صعوبة حملها لهذه الكُتب بينما وجدها تزجره بهمس:

-       أنت باينك انسان معندكش دم عشان تجيلي الكُلية كده وتعملي مشاكل، هو أنت فاكر نفسك ايه، أنا آخر مرة قولت لحضرتك متكـ..

 

-       ما تبس بقا واديني فرصة أتكلم، هو كل مرة دبش دبش كده، وبطلي تقولي حضرتك دي!

 

 

زفر براحة شديدة عندما نجح في مقاطعتها وتوقفت بالفعل عن الكلام ليحدثها بنبرة هادئة عن سابقتها نوعًا ما ولم يجد مفر من الصراحة مع فتاة مثلها ثم أخبرها قائلًا:

-       أنا من يوم ما شوفتك ساعة عيد ميلادك وأنا اعجبت بيكي، قولت لروان إني عايز اشوفك واتعرف عليكي اكتر ونكون لوحدنا بعيد عن يارا أختي وعمر وعُدي، واستنيت انها ترجع من السفر اللي سافرته بفارغ الصبر، ولما قابلتكم صدفة مكانتش صدفة ولا حاجة، شوفي الطريقة اللي تعجبك إيه وأنا مستعد أخد الخطوة اللي تريحك!

 

أُصابت بالصدمة من كلماته وكادت تلك الكُتب أن تسقط من بين يديها وتفقدته لوهلة دون أن تجد كلمات مناسبة لصده هذه المرة بسرعة، بل وجدت لسانها ينعقد لتجده ينزعج بشدة من صمتها فأضاف سائلًا:

-       قولتي ايه؟

 

ابتلعت وتلعثمت في ردها:

-       أنا، أنا، أنا..

 

أكمل بدلًا منها ثم قال مستفهمًا:

-       ايوة انتي ايه؟

 

رطبت شفتيها وهي لا تنظر بعينيه مباشرة ثم قالت بنبرة حاسمة:

-       أنا مش عايزة اتعرف على حد، ومبفكرش في الكلام ده دلوقتي، أنا عندي دراسة وحاجات كتيرة والارتباط ده آخر حاجة ممكن اعملها، عن اذن حضرتك!

 

تركته واتجهت نحو الخارج ليُناديها لعلها تتوقف:

-       طب ليه فهميني؟

 

لم تتوقف لثانية ليناديها بنبرة أعلى:

-       طيب كتب صاحبتك دي هاعمل بيها ايه؟

 

أكملت في طريقها مباشرة ولم تلتفت له ولو للحظة ليلعن حظه آلاف المرات ونظر لتلك الكتب بين يديه ليتجه نحو الخارج خلفها مباشرة!

--

في نفس الوقت..

لم يتخل عن صمته، ولم تتخل هي عن صمتها، حرب ضارية من التجاهل والبرود والاثنان يبرعان بها، ولكن في الحقيقة هي تزداد رعبًا فوق رعبها من ذلك اليوم الذي سيتحدث به، بالسابق عندما فعل المثل عندما تحدث كان يريد اقناعها بأن السادية هي العلاقة التي لابد من أن تدوم وتكون بينهما، إنما هذه المرة ما الذي يريد فعله؟ يُقنعها بأن القتل درب من دروب العشق وهو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الثقة بين الطرفين؟ حقًا لا تستبعد عنه هذا!

 

أيامها باتت تصيبها بالاختناق، لقد تناول هاتفها وحاسوبها وأخفاهما كعادته، لا يتناول طعام تصنعه وبالطبع لا تعرف ما الذي عليها أن تتوقعه، اكتئاب أو هوس أو ربما مزاجه المعتدل سيدوم لفترة، وها هي تجلس كامرأة لم تتعلم يومًا حرف أمام شاشة التلفاز اللعين وهي تشاهد الكثير من المسلسلات الشيقة التي باتت تصيبها بالملل!

 

يقرأ، لا يعمل، هاتفه مُغلق، وهي إلى الآن لم تستخدم هاتفها الذي قامت بإخفائه، يأتي كل ثلاثة أيام بعد أن يقوم بتشغيل هاتفه، ويُلقي به أمامها لتهاتف والدتها وأخيها بعد أن يقوم بالاتصال هو بهما أولًا.. وهذا بات دليلها الوحيد على أنه لا يزال يكترث إلى هذا الزواج..

 

لقد هجرها في الفراش، وهجر تلاقي السنتهما، بل وحتى اعينهما، وبالرغم من عدم اكتراثها الظاهري ولكن بداخلها هي لا تتوقع كل هذا منه!

 

فاق توقعاتها هذه المرة، تشعر بالرعب الشديد مما سيفعله بها، ولا تغفل عن تلك الكلمات التي خطتها يده عندما وجدتها في ورقة فوق مكتبه من ثلاثة أيامٍ مضت وكانت تحتوي على كلماتٍ غريبة لا تعرف ما قصده بها:

 

وأنت أول من يدعو الثيران البطيئة..

مشدودة إلي نيرها المنحني لشق الأخاديد..

وأنتِ تخدعين أطفال المدارس بالنوم ثم تسلمينهم

إلي المُعلمين لتتلقى أكفهم ضربات قاسية!

 

وأنت ترسلين الرجال إلى المحكمة ليوفوا بعهودهم،

وهم يكابدون خسائر هائلة من كلمة واحدة؛

ولا تحملين أي بهجة للقاضي أو المحامي!!

 فكلاهما مكره على النهوض لسماع قضايا جديدة؛

وأنتِ عندما تتعرض أعمال النسوة للتأجيل

تستدعين عمال الغزل لإنجاز الأعمال المؤجلة..

 

هذا كله أستطيع احتماله، ولكن من يستطيع يومًا أن يتحمل

أن ترغم الصبايا الحسان على النهوض مع الفجر،

باستثناء ذلك الشخص الذي لم يحظ بواحدة أبدًا

فأمضى لياليه الطويلة متوحدًا بائسًا؟

 

لكم تمنيت لو أن الليل لم يكن قبلك،

وأن النجوم لا تلوذ بالفرار حين تصلين؛

وكم تمنيت لو أن الريح تحطم مركبتك

أو أن الغيوم تزل بجيادك وتدفعها للسقوط..

 

لم العجلة أيتها المخلوقة الغيرى؟

فليس في السماء من حكاية أشد خزيًا..

أنت هربت منه لأنه تقدم في العمر،

وقد ارتفعت عجلاتك عنه مع أول شعاع..

ولكن إذا كانت ذراعاكِ تطوقان سيفالوس الحبيب

فإنك تصرخين: "سيري بطيئة، سيري على مهل يا جياد الليل"..

أينبغي على حبيبتي أن تقاسي لأن زوجك خرف؟

وهل كان زواجك من رجل عجوز إحدى خططي؟

تأملي أي نوم طويل منحت ربة القمر فتاها،

مع أن جمالها ليس أقل روعة ولا بذرة واحدة..

 

إن جوف – من أجل متعته – ولكي لايراكِ كثيرًا،

جعل الليل الواحد ليلين اثنين بلا نهار –

ذلك توبيخي الأخير؛ توردت خجلًا، ولا شك أنها سمعتني..

لكن النهار طلع بلا إبطاء بطريقته المعتادة!!

كم كانت تتمنى لو أضاف بعض الترجمة لذلك الشعر الغريب الذي لم تقرأ مثله قط، ولكن هناك العديد من الرسائل بتلك الكلمات التي لا تفهمها.. لا يهم، لا يزال لديها كلمة وحيدة لا تجد غيرها لتستفزه بها، أيام قليلة بعد، إن لم يكسر هذا الصمت الذي يداوم عليه سيكون آخر سبيل تستطيع تحريكه به!

--

مساءًا، نفس الليلة..

 

-       أنا شايفة إن الراجل محترم ودخل البيت من بابه وتشوفيه عايز ايه..

 

قالت "نوران" هذه الكلمات لتلاحقها "بسمة" وهي تضيف:

-       وأنا بضم صوتي لصوت الأخت الحونينة وبقول تقومي تكلمي الراجل بدل ما هو قاعد مستني وقرب يفرفر يا حبة عينه.. ده كان ناقص يبوس ايدي عشان ياخد رقمي ويقنعني اقنعك!

 

لم تتقبل "عنود" هذه الكلمات لتصيح بكلتاهما:

-       بقولكم ايه، انتو تافهين، انتو الاتنين معندكوش طموح ولا كرامة، هو عشان حلو يعني المفروض اجري عليه واخده بالحضن، احنا لسه ورانا دراسة ولسه بدري اوي على الكلام ده، انتو فاهمين اننا عندنا عشرين سنة، وفاهمين ان ورانا سنين دراسة عمرها ما بتخلص، وبعدين مدخلش البيت من بابه، وحرام اصلًا اكلمه واحنا مفيش ما بينا حاجة!

 

تدخل صوت "بسمة" الرافض تمامًا لكلماتها بينما قالت:

-       يعني هم اللي بيعملو دكتوراة ولا ماجيستير مبيبقوش متجوزين يعني وداخلين الجامعة حوامل وعندهم بيت وحياة ومرتبطين.. ده فيه بنات في سنة أولى بيبقو مخطوبين.. بصي يا ست الفيمنيست انتي، هم كلمتين مفيش غيرهم، تلت مكالمات بالكتير اوي تشوفي بجد انسان مناسب ليكي وفيه تقارب في الأفكار ولا لأ ومن غير تسبيل ولا مُحن، ولو أوك معاه فعلًا تنزلي تقابليه مع اخوكي الهادي ده شوية وسيبك من المتخلف اللي ضربك عشان ده نسخة من أبوكي، مرة اتنين لو حصل اعجاب فعلًا وارتياح وحستيه مش عايز يهزر يجي بيتكم ويتقدم وتتخطبو ولا فيها عيب ولا حرام اهو، لو موافقش على الكلمتين دول يبقى بيلعب وعايز يتسلى.. ولو وافق انتي الكسبانة تخلصي من بيت اهلك المقرف ده بصراحة، بعد كلامك عن بنت خالته وعيلتهم شكلهم الطف بكتير من أهلك.. وبصي بقى الراجل شغال شغل كويس وابن ناس ومش هيبقالك حماة عقربة والله يرحمها مطرح ما راحت، وكمان شكله حلو، يعني معاكي الكومبو جاهز وبتقولي أخته كمان لطيفة وبنت خالته تبقى مرات اخوكي وبتحبيها، هتعوزي ايه تاني؟

 

عقبت "نوران" بعد أن دام الصمت للحظات:

-       بصراحة، لو قاصد يعني ارتباط رسمي يبقى كلام بسمة صح!

 

زفرت ثم ردت غاضبة:

-       انتو الاتنين تافهين، وأنا غلطانة اني رديت عليكم، وانتو زيكو زي أي واحدة تافهة بتفكر بتفاهة وكل همها الجواز ويالا سلام!

 

انهت المكالمة وهي تُفكر في كلمات أصدقائها بعد أن استطاعت الهدوء بأعجوبة، لم يلفت نظرها سوى جملة واحدة بكلام "بسمة" مرت على رأسها آلاف المرات:

-       ... ولو وافق انتي الكسبانة تخلصي من بيت اهلك المقرف ده بصراحة، بعد كلامك عن بنت خالته وعيلتهم شكلهم الطف بكتير من اهلك..

 

جلست تُفكر مرارًا وتكرارًا، لم تُفكر قط بأن ترتبط برجل بهذه السن الصغيرة، ولكنها فكرت في كلماته التي تحدث بها سابقًا، مساعدته لها، محاولاته التي يبدو أنها لم تنته فقط من أجل أن يراها أو يُحدثها.. لم قد يفعل كل ذلك فقط للتسلية؟!

 

ربما عليها أن ترى ماذا هناك، مكالمة واحدة فقط، وليُعينها الله على اقناع "عُدي" بالأمر.. على ما يبدو هو الرجل الوحيد في حياتها الذي قد يتقبل هذا دون عنف أو غضب!

يُتبع..