-->

الفصل الرابع والعشرون - مرآة مزدوجة






الفصل الرابع والعشرون




جلس سليم يستمع لأغاني هادئة عكس العادة، فهو دائمًا يستمع للأغاني الصاخبة التي تكاد تثقب طبلة أذنه وهو بالأصل لا يحبها، ولكنها تعزله عن الحياة المحيطة به عندما يكون قد طفح به الكيل، كانت نعناعة نائمة بين ذراعيه بينما يداعب شعرها لتغط في النوم، لقد تعلق بهذا الكائن المكسو بالشعر بطريقة لم يتخيلها، فهو لم يبدِ شغفًا تجاه أي نوع من الحيوانات في السابق، ولكن تلك اللطيفة قد سلبت قلبه بسرعة، فبات يشعر بالحزن عندما يتركها للذهاب للجامعة، ولكن لحسن حظه أن والده يبقى بالمنزل، فلا تكون وحيدة، زفر سليم بعمق ونظر للسقف بشرود بينما تلك الموسيقى الهادئة تدعوه للاسترخاء، لقد كانت نعناعة تشبه سبب مجيئها، تستمع له وتميز نبرة صوته من بين الجميع، لقد جعله هذا سعيدًا، على الأقل لديه كيانًا ما يراه مميزًا، شيء يتحدث له غير جدران غرفته، رغم أنها لن تتحدث، لن تنصحه إن كان بحاجه للنصيحة، ولكن على الأقل ستستمع، أغمض عينيه وتنهد للمرة التي لا يعرف عددها، لقد التقى بليلى عدة مرات في الأسبوع الماضي، في الواقع لقد التقيا بشكل شبه يومي، ولكنها كانت لقاءات مقتصرة على بضعة نظرات من على مسافة كبيرة بينهما، لم يتبادلا حتى التحيات، لم يحدث شي لقد عادت حياته لما كانت عليه، وهذا يضايقه؛ لأنه لم يعد مثل السابق، تلك الأشهر القليلة فعلت به الكثير، لقد تغير وتحرر من خوفه، تمكن أخيرًا من كسر حاجز الخوف الذي منعه من التغير، وقد توقع أن تتغير حياته بدورها ويتغير روتينه، ولكن هذا لم يحدث، لقد تحسن مستواه الدراسي، أجل، ولكنه ما زال وحيدًا، فحتى زين لم يعد يتحدث معه منذ ما حدث بينهما، كانت حياته في السابق مؤلمة، ولكن أن يغزو بعض الأشخاص حياتك ويصبحوا جزء كبير منها ثم يرحلوا جميعًا دفعة واحدة أشد ألمًا، وكونه يتألم من هذا جعله يقرر أن سيتحدث لليلى، لتزجره وتفعل ما تريد ولكنه سيتحدث لها، لن يدعها تفعل به ما تفعله الآن، سيعود مثلها توقع سابقًا، فقد حان وقت المواجهة التي ربما قد تكون الأخيرة بحق.


❈-❈-❈


كانت ليليان تضع حاجياتها بحقيبتها لتستعد للذهاب للعمل، بينما راقبتها ليلى بصمت، لقد ابتعدوا عن بعضهما البعض كثيرًا، وهذا يؤلم ليلى بشدة، فليليان تذهب للعمل وتعود متعبة وفي عطلة نهاية الأسبوع تجلس لتدرس ما فاتها، داخليًا شعرت ليلى بأن شقيقتها تتجاهلها؛ لهذا قالت بخفوت:


- ليليان هو أنا زعلتك في حاجه؟ 


تركت ليليان ما في يدها ونظرت لها بدهشة وقالت:


- لا ليه بتسألي؟ 


فركت ليلى يديها معًا وأجابت بنفس الخفوت وكأن الحروف تخجل من الخروج:


- أصلك متجاهلة وجودي خالص من ساعة ما بدأتِ تشتغلي. 


حدقت بها ليليان لوهلة بدهشة، ثم أعادت كلمات شقيقتها بعقلها مجددًا، نعم هي محقة، لقد تجاهلت وجودها هي ووالدتها، ولكنها لن تقصد هذا، لقد فعلت هذا عفويًا؛ لأنها لم تكن قد اعتادت على هذا الروتين الجديد، وكانت تنوي داخليًا أن تعود كما كانت عليه مع ليلى ووالدتها بعد أن تنظم جدولها، وقد نظمته بالفعل الأسبوع الأول وعلمت ما عليها فعله، تنهدت ليليان توجهت لشقيقتها وعانقتها وقالت بصدق:


- أنا آسفة والله ما لاحظت، أنا أصلًا كنت ناوية نرجع زي الأول وتحكي لي ونهزر مع ماما وكدا، بس كنت مستنية أظبط روتيني الجديد وأنظم وقتي وعملت كدا في الأسبوع اللي فات، لو سمحتِ متزعليش مني. 


ابتسمت ليلى ابتسامة خافتة وقالت:


- أنا مش زعلانة منك، بس حسيتك بقيتِ بعيدة مرة واحدة وأنا وماما متعودين إنك قريبة دايمًا، لو سمحتِ أنتِ متبعديش تاني، الحياة رخمة وأنتِ بعيدة. 


ابتسمت ليليان بدورها، أحيانًا تشعر أن ليلى طفلة صغيرة بحاجه لأن يهتم بها الجميع، وهي لا تبئس من هذا، فصلت عناقهما وقالت:


- حاضر مش هعملها تاني، وإن شاء الله هعوضكوا النهاردة لما أرجع من الشغل. 


توسعت ابتسامة ليلى وقالت بفضول:


- هتعملي ايه يعني؟ 


هزت ليليان رأسها بالنفي وأجابت:


- لا مش هقولك، لما أرجع هتشوفي. 


ثم عادت لوضع هاتفها بالحقيبة وأغلقتها، بينما اعتلت ملامح ليلى الاحباط، فنظرت لها ليليان بمكر وقالت:


- وعلى فكرة، أنا سمعت طراطيش كلام إن فيه تطورات بينك وبين سليم، عايزة أسمع كل ده لما أرجع. 


شعرت ليلى بتوتر لا مبرر له، مما بدا لها شيئًا مزعجًا بحق، ولكنها ابتسمت وأومأت لشقيقتها التي ارتدت حذائها وخرجت من الغرفة متوجهة نحو عملها.


❈-❈-❈



ذهبت هاجر للجامعة دون رغبة حقيقية في ذلك، ولكنها أرادت أن تثبت لنفسها أنها يمكنها المواجهة بكل قوة والعودة دون الإكتراث لشيء، لم ترد أن تخبر ليلى بهذا، فقد أرادت أن تبقى بمفردها في يومها الأول بعيدًا عن الجميع، ابتسمت هاجر بسخرية عندما تذكرت أن يومها الأول هو بداية الأسبوع الثاني للبعض، البعض الذي كانت منهم، فهي كانت تحب أن تذهب للجامعة، ولكن جميع موازينها وثوابتها اهتزت، نفضت تلك الأفكار بشكل مؤقت حتى تتمكن من التركيز بالدروس التي ستأخذها.


حضرت محاضرتها الأولى وحاولت الإختباء بعيدًا عن أنظار ليلى، ولكن عندما حاولت أن تفعل هذا صادفت سليم أمامها، ابتسم لها محييًا وعاد لتدوين الملاحظات، بينما كان يجلس زين أمامها فلم يرها، ولكنها رأته وشعرت باضطراب غريب في قلبها، شعرت بقلبها يغطس في محيط متثلج، والذي كان مزيج بين الألم والاشتياق، لماذا تحرك هذا القلب الغبي؟ لماذا شعر بشيء تجاه أحدهم؟ لقد أحكمت الخناق عليه وحاولت ألا تجعله يكن المشاعر لأحدهم، لأنها تخاف، تخاف أن يتم إيذائها، وقد حدث بالفعل، لقد صدق خوفها عندما كانت قد نفته بعيدًا وكانت تشعر بالسعادة كونها وجدت شخصًا يختلف عن الجميع كما ظنت، شخص يحبها ويحترمها ويحترم آرائها ويريد أن يتحدث معها كثيرًا، لقد فعل كل هذا بالفعل ولكن كل شيء بدا لها مزيفًا عندما علمت أنه متردد تجاه وجودها بحياته، قد يبدو للآخرين أنه أمرًا تافهًا مثل والدتها وسيتهمها بتصيد أخطاء خطيبها، ولكنها لا تفعل! لقد تغاضت بالفعل عن الكثير من الأشياء، أصعبها عصبيته المفرطة والتي تمكنت من تفتيتها بعد عدة محاولات فاشلة أدت لنزاع بينهما، لقد استطاعت التكيف معه ومع عيوبه وتقبلتها لأنها رأت أنها تستطيع تقبلها ومسايرتها والعيش معها في المستقبل، ولكن التردد؟ هذا هو الشيء الوحيد الذي لن تتقبله يومًا، لأنه سيجعل أهم القرارات بحياتهما أصعب شيء يمران به، والحياة ما هي إلا قرارات مصيرية، فإن لم يكن يستطيع إتخاذ القرارات فبكل تأكيد ستتحول حياتهما للجحيم.


انتهت المحاضرة بشكل روتيني وانصرف الجميع، ولكنها على ما يبدو سارت بوتيرة سريعة، مما جعل زين يلاحظها، فلحق بها ونادى اسمها، ولكنها قررت أن تتجاهله، استمر في مناداتها، فتوقفت وصاحت به بانفعال فهي لم تكن تريد أن تواجهه الآن:


- عايز ايه؟ 


تنهد زين وأخذ نفسًا عميقًا وقال:


- أنا آسف، آسف على كل حاجه حصلت، أنا.. 


قاطعته هاجر قائلة بحرقة:


- آسف؟ آسف على ايه؟ هو الأسف بيعمل حاجه أصلًا ولا بيصلح حاجه؟ أنت بجد متصور إن آسف دي ممكن تعمل حاجه؟ أنا عملت لك حاجات كتيرة وأنت جرحتني بأكتر حاجه كنت خايفة منها، مفيش أسف على ده، احنا بقينا في طريق مسدود والحل الوحيد إنه ميبقاش فيه احنا، يبقا فيه أنا وأنت، يا ريت بقا تسبني في حالي أحاول أصلح اللي دمرته. 


نظر لها زين بندم بينما تركته وتابعت سيرها، لقد كان هذا الكلام مؤلمًا عليها بشدة، لقد كانت نبرتها منكسرة وكأن الكلمات تجرح حلقها وهي تخرج، لقد أخبرته بأكثر أسرارها عمقًا وربما هو لم يلاحظ، الخوف من الخذلان، لقد خذلها بالفعل، عندما يحبها ويرفعها لأعلى السماوات، ثم يدفعها لتصتدم بأرض الواقع مجددًا وتجده يقول أن هذا ليس حبًا، ألا يعتبر هذا خذلانًا؟ أجل، أجل يعتبر.


❈-❈-❈


جلست ليلى بالمقهى بمفردها تراجع الملاحظات التي دونتها بالمحاضرة وتكتب مزيدًا من الملاحظات، ليقطع ما تفعله قدوم سليم وجلوسه أمامها، ابتسم وقال:


- بقالنا كتير متكلمناش. 


جفلت ليلى من هجومه المفاجئ عليها، ولكنها حافظت على مظهرها الهادئ وقالت:


- علشان احنا اتفقنا إننا مش هنتكلم تاني خلاص. 


نظر لها سليم نظرة غريبة لم ترها يومًا وزفر، عدل من نظارته وقال وهو يحاول أن يعطيها نبذة مما يشعره؛ لأنه لم يرد أن يقول الحقيقة كاملة:


- بس أنا مش عاجبني الاتفاق ده، ونفسي نرجع زي الأول. 


تنهدت ليلى بنفاذ صبر، فهي تريد أن تنهي أمره بأسرع وقت ممكن، وأن تحبه عن بعد حب بريء إن كان ما تشعر به حبًا بالأصل؛ لهذا قالت بلا مبالاة وهي تدون بدفترها:


- مش شرط يعجبك، هو كويس وده الصح يا سليم، وأنا مرتاحة وأنا كدا. 


حسنًا لقد كانت تلك القشة التي قسمت ظهر البعير، هو لم يعد يحتمل الصمت وسيصرخ بما أراد أنه يقوله دائمًا ومنذ سنوات، وستسمع هي رغمًا عنها، ضرب بكلتا يديه على الطاولة لتجزع وتنظر له بأعين جاحظة بينما قال بانفعال:


- أنتِ مرتاحة دلوقت وأنا لا، لأن أنا الوحيد اللي فكر إنه مش هيبقا وحيد تاني بس رجع وحيد تاني بردو، مفكرتيش للحظة قبل ما تيجي لي وتدخلي حياتي إني ممكن أكون وحيد منتظر الشخص اللي يجي يونسني؟ ولا جيتي مندفعة ناحية هدفك في إنك تصلحيني رغم إني مكانش فيا حاجه؟ مفكرتيش أنا هبقا ازاي لما تمشي بعد ما اتعودت على وجودك؟ ولا قررتِ بكل أنانية تمشي وخلاص طاما بقا كويس، أنا كنت كويس فعلًا رغم إني كنت وحيد ومتعذب بوحدتي ونفسي ألاقي حد أقوله كل ده من سنين بس كنت كويس، ودلوقت مبقتش كويس بسببك، مبقتش كويس علشان فكرتك عوض من ربنا على وحدتي لسنين وإنك هتبقي ونسي، بس أنتِ مشيتِ وهاجرتيني، وده وجعني أكتر من وحدتي في الأول، لأن في الأول مكنتش عارف يعني ايه يبقا عندك ونس بتتكلم معاه وبتحكي له وبيحكي لك، إنما بعدك عرفت كل ده، وبقت الوحدة بتوجعني أكتر من الأول، بسببك! 


كان سليم يتحدث باندفاع في البداية ولكن تحولت نبرته لمزيج بين الهدوء وحزن في نهاية حديثه، لم يتصور أنه سيبوح بما في صدره الآن والموقف بينهما ليس في أفضل حال، كما أنه شعر أنه أخفق عدة مرات ولم يصف لها شعوره بطريقة صحيحة، بينما ليلى كانت قد طفح بها الكيل بدورها، كانت تعبة من مشاعرها المتضاربة، من حزنها على الفرقة بين شقيقتها والحالة التي بها هاجر، كانت تعبة من كل شيء، وقد زاد حديثه الهجومي همًا على هم، فلم تجد سوى سلاحها الأعظن عندما تكون في حصار من الحزن كهذا، وهو البكاء، تجمعت الدموع بعينيها وقالت بنبرة باكية:


- أنا مكنتش أقصد ده، احنا علاقتنا حرام ومينفعش، وبعدين أنا كنت بحس بحاجات فـ خوفت علشان كدا بعدت، أنا غلطت بس ما الكل بيغلط يا سليم. 


تنهد سليم بتعب، لقد عادا للشجار حيث يتوقف كل شيء ويبتعدا، ولكنه لا يريد أن ينتهي الأمر كما انتهى سابقًا، يكفي ما تركه يمضي دون أن يقف وقفة حاسمة، لن يجعل علاقته بليلى بتلك الطريقة، ولكنه لا يعلم ماذا يفعل الآن، أخرج بضعة مناديل ورقية من جيبه وأعطاهم لها، تناولتهم ليلى ومسحت وجهها بأحدهم بينما قالت بتلعثم اثر بكائها:


- أنا آسفة، كان فيه كذا حاجه كدا، وأنت عارف.. 


قاطعها سليم بهدوء كإشارة لها أن تتوقف عن التبرير:


- هديتي طيب؟ 


مسحت ليلى أنفها وأومأت بالإيجاب، ساد الصمت بينهما للحظة لتقطعه ليلى قائلًا بخفوت:


- أنا آسفة، مكنتش أقصد إني أسبب لك كل ده. 


تنهد سليم وعبث بشعره وقال:


- أنا اللي آسف، قولت حاجات كتيرة مكانتش حلوة، أنا آسف. 


كانت ليلى تكره كونها قد بكت أمامه، ولكنها لم تستطع منع هذا لقد أجبرتها نفسها على ذلك لترتاح قليلًا، وقد شعرت بالراحة حقًا عندما فعلت هذا وعندما وجدت تفهم من الطرف الآخر، كانت مضطربة بشدة في هذا الوقت ولا تعلم ماذا تقول أو ماذا تفعل، هي تعاصر هذا الأمر للمرة الأولى، فهي لأول مرة تبكي أمام شخص غريب عليها، وقد انزعجت من هذا، فهي تكره أن تبدو ضعيفة أمام أحدهم.


كان سليم يحاول أن يفتح حديثًا ليسد تلك الفجوة التي فعلتها نقاشهما الحاد، أو لسد الفجوة التي بينهما بشكل عام والتي تتوسع كل يوم أكثر مم السابق، كان يشعر بالاضطراب، فهو لتوه قد أفصح على الأشياء التي سجنها بداخله طويلًا، ولكن بدا أن ليلى لم تهتم بالأمر، مما جعله يشعر بالحزن والندم أنه حتى عندما تفوه بهذا تفوه به لشخص لا يهتم.


عندما طردت ليلى جميع آثار البكاء، بدأت تفكر في ما قاله جيدًا، لاحظت عدة أشياء، أنه وحيد، وأنه تمنى أن يكون له صديق يؤنس وحدته، وأنه بحاجه للحديث مع أحدهم؛ لهذا قالت بعد أن استوعبت ما قاله:


- هو أنت مقولتش ليه قبل كدا إنك وحيد؟ 


نظر لها سليم مقطب الجبين للحظة، شعر بالسعادة كونها قد لاحظت ما قاله، إذًا هنالك من يهتم بحق! جذبت ليلى انتباهه مجددًا قبل أن يجيب على سؤالها عندما قالت:


- كنت ممكن تقولي على الأقل، كنت فهمني أنت ليه كدا، كنت هساعدك والله وهعذرك.


هز سليم رأسه وقال:


- صعب يا ليلى صعب، ده مش من شهر او اتنين أو حتى سنة، ده من أكتر من عشر سنين. 


أخذ نفسًا عميقًا وتابع:


- أنا كنت ناوي أحكي لك فعلًا، بس مكنتش عايزه يبقا بالطريقة دي، كنت عايزك تسمعيني كويس وتفهميني، بس دلوقت أنتِ مش هتعرفي. 


قالت ليلى معترضة:


- لا هعرف، احكي أنت بس وأنا هسمع. 


كانت تريده أن يتحدث، كانت تريد أن تعرف عنه المزيد وأن تفهمه بحق، فيبدو الآن لها عندما كشف عن بعضًا من دواخله كشخص غامض لا تعرفه، كشخص آخر غير الشخص الذي حللته أكثر من مرة، كان مختلفًا وأرادت أن تمتزج مع مزيجه الغريب من الشخصية المزيفة التي يدعيها والشخصية الحزينة التي تمثله، فهي بحاجه لأن تفهم مَن يكون مَن تكن له المشاعر.


نهض سليم ليجذب انتباهها وقال بنبرة مثيرة الاستفزاز:


- مش أنتِ قولتِ مينفعش نتكلم علشان حرام يا سليم؟ خلاص مينفعش أقولك. 


ابتسم لها ورحل، لتنظر ليلى لاثره بدهشة، كيف يمكنه أن يتحول من شاب حزين لطفل يريد أن يغضب من أمامه لينتقم؟ ضحكت ليلى وهمست لنفسها بحسرة:


- وقعتِ وقعة سودة يا ليلى. 


❈-❈-❈



استلقى عمر فوق فراشه بطريقة خرقاء حيث تلامس رأسه الأرضية وقدميه ظهر الفراش، كان يشعر بالملل في هذا الوقت من النهار، فوالده في هذا الوقت يذهب لأخذ قيلولة بينما تنشغل والدته بطهي الطعام، وهو لم يذهب للعمل منذ أسبوع، أراد أن يأخذ قليلًا من الراحة بعد نقاشه الأخير مع ليليان الذي عصف بأفكاره؛ لهذا أعتقد أن بعضًا من الراحة، يعلم أن عقله لن يتوقف عن التفكير بملايين الأفكار غير المرتبة، ولكن على الأقل سيريح جسده، كان يفكر بشكل جدي في ما قالته ليليان، هي محقة في كونه غير سعيد بالطريقة التي تسير بها حياته، فبجانب أنه يبذل مجهودًا جسديًا كبيرًا ليحقق المثالية فهو يشعر بزيف تلك الحياة، حقًا يشعر أنه يركض في حلقة تعيده لنفس نقطة البداية، فرغم محاولاته المستميتة في إرضاء جميع الناس هو يتعرض للانتقاد! إذًا لماذا تلك المحاولات التي لا تستنزف قوى أحدهم سواه؟ لقد سأل نفسه هذا السؤال عدة مرات، ولكنه كان يرفض أن يجيب على ذلك التساؤل؛ لأنه كان يعلم أنه رغم كونه يتعب من ذلك السعي المستمر، أنه لم يكن لديه شخص يعتمد عليه ويظهر له جميع دواخله، ويبدو أن ليليان مستعدة لأن تكون هذا الشخص، ولكن حسم هذا الأمر الآن، عليه أن يعطي نفسه وقتًا وفيرًا ليفكر به، عليه في البداية أن ينهي تلك الرواية، ثم يترك كل شيء ليأخد مجراه، حتى يهتدي لقرار فقط.


❈-❈-❈


عاد زين لمنزله يجر أذيال الهزيمة، كان يعلم أن هاجر ستقابله بالرفض، ولكن ما قالته آلمته وازادت من حزنه، فقد أشعرته أنه شخص عديم الضمير والأخلاق كل ما أراده هو التسلية، ولكنه ليس كذلك! هو فقط كان خائفًا، وقد أدى خوفه لتردده وتوتره في كثير من المواقف، أو بالمعنى الأصح في المواقف الخاطئة، أو يمكن قول في المواقف الصحيحة من ناحية أخرى، فهو إن لم يحدث هذا لكان استمر في التفكير بتلك الطريقة السلبية، ولربما كانت لتتدمر علاقتهما بشكل أكبر، ولولا هذا الفراق، لولا هذا الخلاف، لما استيقظ، لما توقف عن التفكير السلبي هذا، الآن هو يعود وهو متأكد مئة بالمئة أنه يريد هاجر ولا يريد سواها، وكل هذا لم يكن ليحدث إن لم يحدث هذا الخلاف، الآن هو سعيد بهذا الخلاف لأنه حسم كل شيء بالنسبة له، وأعاده لطريق الصواب، ولكن لإصلاح كل شيء بشكل صحيح عليه أن يبدأ بشخص آخر غير هاجر، سليم، قرر أنه سيحادثه ويصلح ما حدث بينهما، ولكن سيأخذ قسطًا قصيرًا من الراحة أولًا. 



يتبع