-->

الفصل العشرون - مرآة مزدوجة





الفصل العشرون



كانت ليلى تقضم أظافرها بتوتر وهي تجلس في السيارة بينما تشعر بأعين ابن خالها ينظر لها من حين إلى آخر، كانت قد طلبت منه إيصالها للمقهى الذي ستلتقي به سليم وأن يجلس معهما حتى لا تكون معه بمفردها، ما زالت حتى الآن لا تفهم لماذا هذا اللعين أصر على لقائها.

كانت تحب أن تكون صريحة في كل شيء؛ ولهذا أخبرت والدتها بكل شيء، أخبرتها أن سليم زميلها في الكلية والذي كانت تدرس معه هو وهاجر، كانت والدتها على علم مسبق بهذا ولكنها أعادت تلك الكلمات على مسامعها مجددًا وهي تخبرها أنها عليها مقابلته ليتحدثا في شأن هاجر وزين وأنها تريد أن تفعل هذا لأجل صديقتها فقط، أبدت والدتها الإعتراض في بادئ الأمر، ولكنها تقبلت بامتعاض عندها قالت ليلى أنها ستطلب من عادل ابن خالها أن يوصلها ويحضر نقاشهما حتى ينتهيا.


كان عادل شخصًا مرحًا وطيبًا بعادته، ولم يرفض لها أو لليليان طلبًا يومًا، فقد اعتبرهما شقيقات له ليس فقط بنات عمته، ورغم كون علاقته بليلى أصبحت معدومة بسبب عمله وقلة الزيارات إلا أنه لم يرفض طلبها عندما هاتفته.


صف عادل السيارة فترجلت ليلى ببطء وسارت نحو المقهى يتبعها عادل. بحثت ليلى عن سليم الذي جلس في بقعة بعيدة نسبيًا، فأشارت لعادل وتوجهت نحو الطاولة.


نهض سليم حالما رآها بينما نظر لعادل، فحمحمت ليلى وقالت:


- ده عادل ابن خالي، هيقعد معانا علشان منبقاش لوحدنا.


أومأ سليم وصافحوا ثم جلسوا جميعًا، أخرج عادل هاتفه من جيبه وجلس يتصفح به بعض الأشياء ليترك لهما حرية الحديث.


عدل سليم نظارته وقال:


- مبدأيًا كدا، أنا بصراحة كنت شاكك زيكوا في حوار زين، فـ اتكلمت معاه، قالي إنه متردد في علاقته وكل شوية بيفكر في ايه سبب استمراره في العلاقة واشمعنا هاجر، وبمعنى أصح طلع تفكير هاجر صح.


زفرت ليلى الهواء بثقل ووضعت يدها أسفل ذقنها وقالت بخفوت:


- طب هنعمل ايه؟


تنهد سليم وأجاب:


- مش عارف، بس أنا مش هسيبه يإذي هاجر، صحيح هي مبطيقش سيرتي، بس أنا بعتبرها زي أختي ومستحيل أخليه يإذيها، كمان حتى لو الموضوع يبان تافه بس أنا فاهم تفكيركوا كبنات هيبقا ازاي وهتبصوا له ازاي، بما إني اتعاملت مع بنات كتير.


نظر له عادل بطرف عينه، وضربت ليلى ساقه بقدمها بقوة أسفل الطاولة؛ لتتجعد ملامحه كدليل على تألمه وضحك بحرج ثم عدل جملته وقال:


- يعني أنا حكيت لك إني عيلتي كلها بنات ومتربيين مع بعض وكدا فـ عارف دماغ البنات.


صفعت ليلى جبهتها كدليل على يأسها منه، فابتسم بتوتر ولم يعد يشعر أن تواجد عادل يريحه، عدل نظارته ولكن تلك المرة ليخفف من توتره وقال:


- المهم علشان نختم حوار هاجر وزين بشكل نهائي.


لا تدري لماذا صمت في تلك اللحظة، وكأنه يتعمد أن يثير فضوله، نظرت له بترقب عله يعطيها حلًا يساعدها في مساعدة صديقتها، كان سليم يشعر بالشجن مما هو على وشك قوله ولكنه لم يجد طريقة أخرى لحل تلك المشكلة، يجب زين أن يصاب بصدمة حتى يستفيق، عليه أن يصاب بصدمة من هاجر ولن يحدث هذا إلا عندما تعلم هاجر؛ لهذا قال:


- لازم تحكي لهاجر كل ده، لازم هاجر تعرف وتواجهه، يمكن لما تواجهه وياخد على دماغه يعقل ساعتها.


فكرت ليلى لوهلة بصمت، كان قرارًا صعبًا ولكنه أكثر قرار صائب يمكن أن يقوما به، فإن علمت هاجر ستكون هي الرابحة في جميع الأحوال، فإن عاد زين لرشده وقرر أن يكمل تلك العلاقة، أو أن تنتهي تلك العلاقة وتخرج هاجر منها مبكرًا قبل التورط أكثر، تنهدت ليلى بثقل وقالت:


- مفيش حل غيره بصراحة يا سليم، حتى لو مكنتش قولت لي كنت هعمل كدا.


أومأ سليم وتبع حديثهما فترة طويلة من الصمت شربا بها المشروبات التي طلباها، كان سليم ينظر لها من وقت إلى آخر وهو يحاول أن يتحدث معها حول أمرًا ما، فلم يجد سوى السؤال التقليدي عن أحوالها، فقال:


- وأنتِ عملتِ ايه في الأجازة؟


ابتسمت ليلى بضعف، فقد شعرت بالقلق تجاه هاجر وما ستقوله لها وأجابت:


- ولا حاجه يعتبر، قاعدة في البيت علشان أختي بقت بتشتغل وكدا، فـ بقعد مع ماما.


هز سليم رأسه عدة مرات، ثم قال بحماس لا يناسب النبرة الهادئة التي كان يتحدث بها منذ لحظات:


- أنا بقا بقيت انسان جديد، وبدأت اصلي وتوبت إلى الله.


كان يحترق شوقًا لإخبارها بالأمر ولفرط حماسه لم يشعر أنه تحدث بطريقة مضحكة، مما جعل ليلى تضحك وقالت بنبرة متأثرة من الضحك:


- المهم تبقا عملت كدا من نفسك محدش فرض عليك.


قال سليم بغرور:


- عيب عليكِ، ده أنا سوحت بابا تلات سنين علشان فرض عليا طب.


ضحكت ليلى مجددًا وقالت:


- أنت فظيع على فكرة، وكل ما أحاول أخد موقف منك تبوظ كل حاجه.


رفع سليم حاجبه الأيسر باستنكار وقال:


- يعني عايزة تاخدي موقف مني وأسيبك؟ والله لأضحكك.


ابتسمت ليلى وقالت:


- فعلًا مش هتسيبني، علشان كدا سماح المرادي علشان تحل عن سمايا وعلشان توبت وكدا.


- ومن نفسي كمان، المفروض الشفاعة تبقا أكبر.


ابتسمت ليلى ولم تعلق، مرت لحظة من الصمت تبادلا بها النظرات وكلاهما مبتسمان، بدا مظهرهما ساذجًا قليلًا كمراهقان هربا من المدرسة والتقيا بإحدى المقاهي، شعرت ليلى بسذاجة الموقف ولكنها لم تجد ما تقوله، بينما اخجلتها نظرته وحاولت أن تنكر هذا بداخلها؛ لهذا نظرت له بدورها، قال سليم ليجذب انتباهها:


- ليلى، شايفة اللي لابسة بلوزة كحلي؟


نظرت ليلى نحو الفتاة التي ينظر لها وأومأت بتعجب وقد شعرت بداخلها بالضيق كونه ينظر لفتاة ما رغم أنه قال أنه توقف عما كان يفعله، مهلًا؟ هو لم ينفي هذا!، تابع سليم ليجذب انتباهها مجددًا:


- باين عليها بتحب الشاب اللي قاعد قدامها ده ومقرية بسهولة، بس هو شكله يا إما بيتسلى يا إما مش دريان أصلًا إنها بتحبه.


شعرت ليلى بالراحة كونه ينصب تركيزه حول الثنائي بشكل عام وليس الفتاة فقط، نظرت لهما لبرهة قبل أن تقول موافقة:


- فعلًا شكله مبيحبهاش، بس أنا برجح الاقتراح التاني علشان باين عليه بيتصرف بعفوية وكل انفعالاته طبيعية مش علشان يبهرها وخلاص.


أومأ سليم وقال مضيقًا عينيه:


- ممكن يكون معاكِ حق، شكله من انفعالاته زي ما بتقولي إنه عفوي، ممكن يكونوا صحاب بس هي بتحبه وهو بيعاملها كصديقة وأخت وهو مش فاهم حاجه.


- حب من طرف واحد.


همس كلاهما في نفس الوقت، لينظرا لبعضهما البعض بتعجب وضحكا بضخب، مما جعل عادل يترك هاتفه ويتدخل في النقاش قائلًا:


- ايه سكتنا له دخل بحماره؟


نظرا له كلاهما بصمت، لينظر عادل لسليم وقال:


- ايه يا عم سليم؟ ما تخف شوية، أنا اللي هتضرب مش هي. 


- أديني سكت أهو.


وضع سليم يده على فمه، بينما حمحمت ليلى بحرج مما قاله، وقالت:


- طب يلا يا عادل علشان منتأخرش.


نهضا وودعت ليلى سليم بإيماءة خفيفة ثم رحلت مع عادل، ليتابعهما سليم حتى اختفيا عن نظره.


❈-❈-❈



أغلق عادل محرك السيارة أمام البناية التي تسكن بها عمته وبناتها، لتقول ليلى مبتسمة:


- شكرًا يا عادل، تعبتك معايا.


ابتسم عادل وقال ممازحًا:


- يا بت ده أنتِ أختي.


اتسعت ابتسامة ليلى، بينما قال عادل وهي تفتح باب السيارة:


- هنستناكوا قريب.


- إن شاء الله.


همست ليلى وترجلت من السيارة، ليوقفها عادل مناديًا إياها فاستدارت له، فقال:


- متخسريش سليم.


نظرت له ليلى بعدم فهم وقالت:


- ازاي يعني؟


ابتسم عادل وحدق بها لوهلة ثم قال بخفوت:


- سلام يا ليلى.


أدار محرك السيارة ورحل، بينما نظرت ليلى للسيارة حتى اختفت عن نظرها بتعجب وصعدت بنايتها، دلفت الشقة وخلعت وشاحها متنهدة براحة، فالطقس كان حارًا بشدة، وجدت والدتها في وجهها تتساءل بامتعاض واضح:


- ايه أخبار اجتماع الوزارة يا ترى؟


تنهدت ليلى من نبرتها الساخرة وأجابت بحزن:


- شكل الخطوبة هتتفسخ.


- ليه؟


جلست ليلى على الأريكة وأجابت بشرود:


- هاجر مش هتقبل بيه بعد اللي هقوله لها.


نظرت لها والدتها بحدة وقالت:


- وأنتِ يعني عايزة تهدمي بيت صاحبتك قبل ما يتبني أصلًا؟


أجابت ليلى بحدة أيضًا وقد سئمت هذه المعتقدات الحمقاء:


- لما أهدمه قبل ما يتبني أحسن ما يهدمه زين فوق دماغها بعد ما يتبني وتبقا مطلقة ومنبوذة من المجتمع!


تنهد والدتها ولم تعلق، فقد كانت ليلى محقة في تلك النقطة، ولكنها عادت تستجوبها:


- ويا ترى كلامك مع سليم ده كان في حوار الخطوبة بس؟


تنهدت ليلى وابتسمت بينما أجابت بصدق:


- بالله ما فيه حاجه بيني وبينه يا ماما، ايش حال أنا حكيت لك عنه من أول يوم قابلته ومن ساعة ما اتخانق معايا أول مرة ومخبتش عليكِ، لو كنت بحبه مثلًا كنت هخبي عليكِ ده؟


تنهدت والدتها وقالت مدافعة عن نفسها:


- ما أنتِ بنتي بردو ولازم أخاف عليكِ.


نهضت ليلى وقبلت رأسها وقالت:


- متخافيش عليا، بنتك راجل وتقدر تدافع عن نفسها بردو.


ابتسمت والدتها وراقبتها بينما توجهت ليلى لغرفتها لتبدل ملابسها، دلفت ليلى الغرفة لتجد ليليان تتناول إحدى قطع الشوكولاتة التي اشتراها عمر لها، فقالت ليلى بمكر:


- شوكولاتة بالقهوة اللي بتحبيها.


نظرت لها ليليان بحدة وهي تضمغ القطعة بينما قالت:


- ملكيش دعوة.


ضحكت ليلى وجلست على طرف الفراش وقالت:


- بس بالله عليكِ قولي لي ليه خلتيه يفكر إنك بتحبيها؟


مسحت ليليان طرف أنفها وأجابت:


- مرة عزمني على كوباية قهوة ومحبتش أحرجه فـ شربتها، بس تصدقي طعمها مش وحش؟


غمزت لها ليلى بمكر وقالت:


- دي شرارة الحب ولا ايه؟


نظرت لها ليليان بحدة مجددًا ثم تحولت نظرتها للمكر لتشابه شقيقتها وقالت:


- على الأقل مش واقعة من الترم اللي فات.


لا تعلم ليلى لماذا شعرت بالاضطراب من جملتها بينما لم تر في مخيلتها سوى صورة سليم، حاولت ألا تظهر اضطرابها لشقيقتها وقالت بنبرة مضطربة لم تستطع التحكم بها:


- مين دي اللي واقعة؟


ابتسمت ليليان بخبث ورفعت كتفيها وأخفضتهما وقالت:


- أنا كنت بتكلم عن هاجر.


عند تلك النقطة عاد الحزن ليغلف قلب ليلى، خصوصًا أنها ستضطر لمواجهتها اليوم حتى تتخذ هاجر قرارها سريعًا، تنهدت ليلى وقالت بثقل:


- والله هاجر حكايتها حكاية يا ليليان، والمصيبة إن مصيرها بين ايديا وأنا مش هاين عليها تبقا حزينة.


قطبت ليليان جبينها وقالت مستفهمة:


- ليه حصل ايه؟


أخذت ليلى نفسًا عميقًا وبدأت بسرد كل شيء لليليان التي قالت ما إن انتهت شقيقتها من حديثها:


- الحوار رخم جدًا، هو ليه صحيح عمل كدا؟


قلبت ليلى شفتيها كعلامة على عدم علمها وقالت:


- مفيش حد يعرف والله.


شردت ليليان للحظة ثم عادت تقول بخفوت:


- طب اتصلي بيها خليها تيجي نكلمها أنا وأنتِ.


سعدت ليلى من اقتراح شقيقتها، فليليان تتميز بحسن المدخل وتستطيع أن تتحدث لهاجر بطريقة لطيفة وتهون عليها بنبرتها الخافتة؛ لهذا أمسكت ليلى بهاتفها وهاتفت هاجر.


❈-❈-❈


هبطت هاجر السلم بثقل، بعد مواجهة لم تظن أنها ستوضع بها يومًا، عقلها ما زال لا يستوعب ما قالته ليلى وليليان، لقد كانت ترتاب من معاملة زين ولكنها لم تتخيل يومًا أن حدسها سيكون في محله! قد يبدو للبعض أنه أمر عادي، ولكنه ليس كذلك، فإن كان متردد من وجودها بجانبه، فهذا سيجعل حياتهما في منتهى الصعوبة، فهو سيتردد تجاه كل شيء، هذا غير أن علاقتهما ستكون قائمة على أسس متداعية.


لماذا فعل بها هذا؟ لماذا جعلها تبدأ تثق به ويبدأ قلبها ينبض له ثم قام بايقاظها من هذا الحلم الجميل؟ هي لم تثق بشاب يومًا ولطالما كانت حادة معهم حتى يبتعدوا عنها؛ لأنها كانت تخاف منهم، لأن والدها علمها ألا تثق بهم، لأن معظمهم لن يريدوا الخير منها، لقد استمرت على ما قاله لها والدها، حتى جاء هو، كان ساذجًا ومرتبكًا معظم الوقت بطريقة لم تفهمها ولكنها بدت لها لطيفة، بطريقة جذبتها نحوه لا إراديًا، اخترق حصونها وكسب ثقتها بسرعة لم تتخيلها، لينتهي هذا الحلم الجميل بنفس السرعة، لقد كان بمثابة طعنة، فكرة أنها خُدعت في الشخص الوحيد الذي وثقت به دون شروط تقتلها، وفكرة أنه لا يراها كافية بالنسبة له تدمر ما تبقى من ثقتها في نفسها المتزعزعة، فكونه متردد ولا يعلم لماذا هو يستمر في علاقة كتلك يعني أنه لا يراها كافية له، وكونه لا يراها كافية قد يؤدي إلى خيانته في المستقبل، حتى إن لم يخونها فكل قرار يرتبط بها سيكون متردد تجاهه، فإن فكرت بالإيجاب سيظل هو متردد من ناحية هل يريد هذا حقًا أم لا، وهذا مثال بسيط على كل ما ستعيش به، وهذا بعيدًا عن الشعور الذي سيلازمها بكونها ليست كافية في نظره، ليست جميلة كفاية أو ليست شخصيتها جيدة كفاية لتجذبه، كل تلك احتمالات دارت برأسها أرادت من سخطها عليه.


لا تفهم لماذا عليها أن تعيش خائفة طوال حياتها وعندما تثق بأحدهم يخذلها؟ عليها إنهاء تلك المهزلة، بأسرع وقت ممكن، أخرجت هاتفها من حقيبتها وهاتفت زين، عليها أن تلتقي به وتتحدث معه.


كانت شاردة طوال الوقت، جالسة بإحدى المقاهي تحاول ترتيب ما ستقوله، تركز في نقطة في الفراغ وتحدق بها بجمود بينما تفكر، حتى أتى زين وأقبل نحوها متبسمًا، نظرت له هاجر بجمود وما إن جلس حتى باغتته هاجر بسؤالها:


- زين أنت بتحبني؟


نظر له زين بصمت للحظة قبل أن تتسع ابتسامته وأجاب:


- أكيد، ده أنا اتسوحت وراكِ تلات سنين من يوم ما شوفتك. 


نظرت له هاجر بشك وقالت:


- متأكد؟


ضيق زين عينيه ناظرًا لها وقال:


- هاجر هو أنتِ حد قالك حاجه؟


أرجعت هاجر ظهرها للخلف وقررت أن توقف تلك اللعبة الحمقاء وأجابت:


- أه، ليلى.


مسح زين بكفه على وجهه وقال بتهكم:


- وطبعًا ليلى عرفت من سليم.


أومأت هاجر ببطء وهي تتابع ردة فعله منتظرة منه أن يدافع عن نفسه، أن ينكر كل ما يُقال حتى وإن كان خاطئًا، ولكنها وجدته يقول:


- بس يعني الحياة مش كلها حب، وفيه علاقات ناجحة من غير حب، ليه منكونش كدا؟ صحيح إني مش متأكد من مشاعري تجاهك ومتردد بس ده ميمنعش إني بحس تجاهك بحاجه، وأعتقد إن علاقتنا هتنجح.


هل يؤكد ما قالته ليلى؟ لم يبرر موقفه، لم ينكر ما يُقال، بتلك البساطة يخبرها بأنه متردد وغير متأكد من مشاعره تجاهها؟ أجل! لقد فعلها بتلك البساطة؛ لهذا قررت هاجر قرارًا مؤلمًا، مثلما كان سهل عليه الاعتراف بهذا، فسيكون من السهل عليها أن تنهي كل شيء؛ لهذا قالت:


- غلط، العلاقات الناجحة من غير حب نجحت علشان الطرفين كانوا متأكدين من إنهم يقدروا يعيشوا ويكملوا مع بعض، أنت حتى ده مش متأكد منه، فاهم ده ممكن يعمل ايه؟ هيخلي علاقتنا قايمة على أسس متزعزعة وغير ثابتة، أقل حاجه هتدمرها، وأنا بصراحة مستحيل أكمل مع حد متردد في وجوده معايا وشايفني مش كفاية.


نظر لها زين لوهلة ولم يكن قد سمع جملتها الأخيرة جيدًا، وقال بنبرة خافتة:


- قصدك ايه؟


خلعت هاجر خاتم خطبتها وقد شعرت بجرح غائر بقلبها، وضعت الخاتم على الطاولة وقالت:


- فرصة سعيدة.


ثم حملت حقيبتها ورحلت وهي تقاوم رغبتها في البكاء.


❈-❈-❈


كانت ليلى تنظر لهاتفها بقلق، فقد هاتفت هاجر عدة مرات ولم تجب عليها حتى أرسلت لها رسالة عبر تطبيق المراسلة: « مترنيش لو سمحتِ يا ليلى علشان هنام. »


كانت تشعر بحزن صديقتها وأرادت أن تهون عنها ولكن هاجر لا تسمح لها، كانت تفكر في طريقة للوصول لها، بينما نظرت لها ليليان بقلق بدورها، حتى صدح صوت هاتف ليلى لينظرا كلتاهما للهاتف ليجدا اسم سليم يصدح بدلًا من اسم هاجر، نظرت لها ليليان سريعًا وقالت:


- افتحي السبيكر عايزة أسمع.


نظرت لها ليلى بحدة ولكنها لم تلقي بالًا لطلبها وأجابت اتصاله لتجد سليم يقول:


- ليلى هو أنتِ اسمك ايه؟


حدقت ليلى في الفراغ ببلاهة، بينما الصقت ليليان رأسها برأس شقيقتها لتسمع ما يقوله سليم، بينما قالت ليلى بسخرية:


- بتكلم سنية معاك يعني ولا ايه؟


صدحت صوت ضحكاته وأجاب من بين ضحكه:


- يا بنتي أقصد اسمك ليلى ايه؟


قطبت ليلى جبينها وقالت:


- ليه يعني هتطلع لي بطاقة؟


ضحك سليم مجددًا وقال بتعب مصطنع:


- يا بنتي بسألك علشان كنت ببص على كشف الأوائل وملقيتش ليلى حسني، لقيت ليلى أحمد حسني بس فـ كنت هسألك ده أنتِ ولا لا؟


أجابت ليلى:


- أيوه أنا، بس وايت أنت لسه جايب النتيجة النهاردة؟


- أه


عادت ليلى تسأل:


- بعد تلات أسابيع من نزولها؟


عاد ليجيب نفس الإجابة المختصرة بنبرة ضاحكة:


- أه


ضيقت ليلى عينيها وقالت بتعجب:


- أنت عبيط يابني ولا بارد؟ ازاي استحملت تقعد كل ده من غير ما تشوف النتيجة؟


أجاب سليم بتلقائية:


- لما بتكوني مش حابة الكلية مش بتهتمي بدرجتك.


همهمت ليلى بتفهم، ليقول سليم:


- صحيح أنتِ ليه بتستخدمي اسم جدك مش باباكِ؟ ده أنا اتحولت وقولت مستحيل يعني الدحيحة حجنا متطلعش من الأوائل.


ضحكت ليلى بخفوت وأجابت موضحة:


- علشان فيه بنات كتيرة اسمهم ليلى أحمد معانا، فـ اختصرت علشان أبقا معروفة أنا أنهي واحدة فيهم وكدا.


- آه، فهمت.


قال سليم بخفوت، لتمر لحظة من الصمت فقالت ليلى:


- سليم


- نعم؟


سألت ليلى وقد شعرت أنها اكتشفت مخططه:


- هو أنت مخترع الحوار ده كله علشان تكلمني؟


أجاب سليم مقلدًا أحد الإعلاميين على القنوات الرياضية:


- برافو عليكِ.


ضحكت ليليان التي استمعت المكالمة كلها، بينما قالت ليلى:


- روح يا سليم، روح صلي المغرب قرب يأذن.


ضحك سليم وقال:


- حاضر


ثم أنهى المكالمة، نهض يؤدي صلاته بعد أن أعلن المؤذن بالمسجد المجاور عن صلاة المغرب، أمسك بهاتفه بعد أنهى صلاته ليجد زين قد هاتفه عدة مرات وهو لم يستمع لأنه يجعل هاتفه في وضع الصامت دائمًا، شعر سليم بأن شيئًا ما قد حدث، فهاتفه.


❈-❈-❈



هبط سليم السلم وهو يعدل من كم قميصه، فقد هاتف زين الذي أخبره أنه آتٍ إلى منزله لأنه يريد أن يتحدث معه؛ لهذا ما إن رأى زين يقبل نحو شارع الذي يسكن به هبط له، ابتسم سليم له رغم توجسه مما يريد زين الذي باغته بلكمة على وجهه ما إن رآه، ليرتد سليم للخلف، فجذبه زين من ياقة قميصه وصاح به بغضب:


- ليه تعمل كدا؟ ليه تقول لليلى؟


دفعه سليم وصاح به بدوره:


- علشان هاجر متستحقش كدا، ومش ذنبها إنك متردد ومش عارف تاخد قرار!


- وأنت مالك! كان يخصك في ايه؟


صرخ زين وهو يحاول أن يلكمه مجددًا، ولكن سليم استطاع أن يقبض على يده ولكمه، ابتعد زين قليلًا ومسح على وجهه وأنفه التي بدأت تنزف ونظر لسليم بغضب وقال:


- وأدي هاجر فسخت الخطوبة، يا ريت تبقا ارتحت.


كانت نبرته تتسم بالقوة في البداية ولكنها تحولت لنبرة منكسرة في النهاية، ثم تركه ورحل بصمت.


نظر سليم لطيفه بشجن ثم صعد للبناية ببطء.


❈-❈-❈


مر أسبوع من الجلوس بالفراش وأخيرًا تعافت ليليان، كانت تشعر بنشاط رهيب بيومها الأول بعد العودة للعمل، لأول مرة تشعر بالحرية كونها تعمل والذي بدا شيئًا غريبًا، ولكنها رأت بالعمل حرية بعد سجن المرض اللعين، باشرت عملها بحيوية حتى أتى وقت جولة عمر الاعتيادية، والذي طلب منها أن تحضر عملها لمكتبه في وقت الراحة، كانت ليليان تترقب وقت الراحة لترى ماذا يريد منها، فبالمرة الأخيرة التي طلب منها هذا الطلب كان يريد أن يتجاذب أطراف الحديث معها للمرة الأولى، تنهدت ليليان وهي ترتب الأوراق في الملف، ونهضت لتتوجه نحو مكتبه، طرقت بخفة على الباب ليأذن لها بالدلوف، فدلفت ببطء، وجدت عمر يتجول بمكتبه وقد نزع سترته السوداء وربطة عنقه، ليظهر قميصه ناصع البياض والذي تراه ليليان للمرة الأولى، فعمر معتاد أن يرتدي القمصان الداكنة، ابتسم عمر ما إن رآها، ابتسامة لم ترها يومًا على وجهه، مما جعلها تجفل وتشعر بالتوتر، أهو سعيد برؤيتها؟ جلست ليليان عندما أشار إليها عمر، وقف خلف مقعده واستند عليه بكلتا ذراعيه وقال مبتسمًا:


- عاملة ايه دلوقت؟


ابتسمت ليليان وهزت رأسها بمعنى « بخير » ليعود عمر لتجوله وهو يعبث بقلم ما وقال:


- آنسة ليليان، تفتكري ليه الرجالة بتحب تعمل صداقات مع البنات؟


فكرت ليليان لوهلة، كانت تفكر بهذا الأمر منذ بضعة أيام، فحمحمت لتنظف حلقها وقالت:


- أظن يمكن علشان الرجالة بتعتبر البنات علشان رقيقات يتخذوهم لا إراديًا في مكان الأم، فـ يحاولوا يستخدموهم ويدفعوهم ويجبروهم في بعض الأحيان إنهم يبقوا جنبهم ويساعدوهم يصلحوا أخطائهم عن طريقهم، يمكن علشان هما معندهمش استقرار داخلي وبيستغلوا طبيعة البنت كونها حنونة بشكل عام وبتحب تدي عطاء ومشاعر لا متناهية فـ يمكن ده بيخليهم مطمنين شوية ومتغافلين عن اضطرابهم الداخلي.


عقب عمر مقترحًا:


- ويمكن بيرتاحوا في الكلام معاهم، لأنك قولتِ إن البنات بتدي عطاء ومشاعر لا متناهية، فـ أكيد هيحبوا يسمعوا ليهم وهيقدموا لهم حلول لو عندهم مشاكل، مش شرط أن الرجالة تبقا مستغلة في جميع المواقف، صح؟


قال جملته الأخيرة بمكر وهو ينظر لها، مما جعلها تحمر وتتوتر وقالت مصححة:


- لا مقصدتش، بس كنت بدي احتمالات، وبعدين حضرتك اديت الجزء التاني من الموضوع، لأن كل موضوع ليه أبعاد، وليه مميزات وعيوب، الحلو والوحش، وزي ما أنا قولت الوحش، حضرتك قولت الحلو، وهي دي فايدة النقاش يعني.


ضحك عمر بصخب وقال:


- أه معاكِ حق فعلًا، مالك خايفة كدا ليه؟


نظرت له ليليان بصمت دون أن تجيب؛ ليقول عمر بخبث:


- ولا علشان خوفك بيمنعك من حاجات كتيرة، فـ مش هتعرفي تجاوبي؟


ما زالت تحدق به دون إجابة على تساؤلاته، هو يربكها، يربكها ويوترها ويثير بداخلها مئات المشاعر بنفس الثانية مما يجعلها مشتتة ولا تجد ما تقوله، ويبدو أنه يستمتع بهذا!


جذب عمر انتباهها عندما مد لها دفترًا صغيرًا والقلم الذي كان يحمله وقال بنبرة لطيفة:


- ينفع تكتبي اللي قولناه بسرعة، كان نفسي أقعد معاكِ ونتناقش لمدة أطول بس عندي مشوار ومضطر أمشي.


أومأت ليليان وتناولت منه الدفتر والقلم، كان قربه وهو يراقبها تكتب بخط منمق يربكها، كلماته التي تحمل غزلًا مستتر تبعثر أفكارها وتشتتها، بل ذلك الخليط من الجمود واللطافة والخبرة الذي يتمثل بتلك الكتلة الحية التي تقف وتراقبها تعبث بها وبعقلها باستمتاع، وهي تنجرف مع هذا الطيار ولا تستطيع أن تقف أو تمنع انجراف هذا الطيار. 



يتبع