الفصل الثامن عشر - آنين وابتهاج
الفصل الثامن عشر
الفصل الثامن عشر
سيظل حبها أهم شئ في حياته، هي كالنبض الذي يسير بداخله،
كيف يتخلى عنها بعد كل ذلك؟!.. حبها السبب الذي يدفعه لفعل كل شئ
❈-❈-❈
بـعد مرور شهر
لم يحدث شئ جديد هام يُذكر على الأحداث
الماضية سوى سفر عُمر للخارج؛ حتى يستطع إتمام صفقة هامة سترفع من شأن عمله، لم
يوافق أن يجعل تامر هو مَن يسافر تلك المرة؛ حتى لا تتوتر علاقته بزوجته، فاضطر أن
يسافر هو.
استغل عدي سفره للخارج وعمل على توطيد علاقته
بـ آلاء أكثر من الاول بأفعاله ونواياه الخبيثة التي تعلم عنها شئ، حتى نجح في
النهاية مستغلا ضعفها وجروح قلبها التي لم تُشفى بعد.
مهما أدَّعت اللامبالاه وتظاهرت بالبرود لكن
كان بداخل قلبها ندبة كبيرة تؤلمها، فقام هو باللعب على تلك الندبة؛ ليوهم إياها
بحبه وإهتمامه بها؛ حتى يستطع إستغلالها، ومن المؤسف أنه نجح والذي ساعده على ذلك
هو أنها أنثى مجروحة الفؤاد تتمنى مَن يضمها بقوة ويجعلها تشعر بأهميتها.
فهي قد حُرِمَت مِن حنان والديها التي تتمنى
وجودهما بجانبها في ذلك الوقت الصعب بالنسبة لها، وعمر الذي تخلى عنها فجأة من دون
أن يبرر لها أي شئ، لم تجد سواه بجانبها، هو الذي قرر استغلال حزنها ووجعها اسوأ
استغلال؛ ليصبح له مكان في قلبها، بل بالتحديد مكانه ليس في قلبها هو يوجد داخل
تلك الندبة التي تقف لها كالشوك تمنعها من السعادةٍ والإبتسامة الحقيقية.
كانت آلاء تجلس في المكتب الخاص بها التابع
لشركة عدي، تعمل على الحاسوبها بمهارة ودقة شديدة، تصب تركيزها بأكمله فوقه، لاتفكر
في أي شئ آخر، حتى فاقت على صوت عدي الذي تحدث معها بهدوء ماكر
:- إيه يا حبيبتي كل التركيز دة، كدة شركتي
هتبقي أعلى شركة بوجودك أنا واثق.
طالعته بدهشة ارتسمت فوق ملامح وجهها، لا
تعلم متى ولج إلى الغرفة، لكنها سرعان ما تجاوزت دهشهتها، واتسعت بسمتها تزين
ثغرها، ثم تمتمت ترد عليه بنبرة هادئة
:- يارب يا حبيبي، إن شاء الله تبقي أعلى شركة
اتمناها ليك بجد، أنتَ تستاهل.
اقترب منها حتى أصبح يقف بجانبها مباشرة، ثم
مال بجذعه نحوها، حاوط المقعد الذي تجلس فوقه بزراعيه، ثم أردف يرد عليها صوت أجش
:- أول مرة تقولي حبيبي، قوليها تاني أنا مبسوط
أوي يا آلاء من التطور اللي بيحصل دة.
بدا الضيق على وجهها من اقترابه المباغت لها
بتلك الطريقة، لا تعلم لماذا لم تشعر بمشاعرها المعتادة عليها مع عمر، بل هي شعرت
بالضيق والأرتباك ليس السعادة والخجل كما تشعر دائمًا، حاولت بصعوبة أن تجعله
يبتعد عنها ويفك حصاره عليها لكنها فشلت، فتحدثت بضيق لا تعلم مصدره وبدا الإرتباك
والتوتر على وجهها
:- مـ... مكنتش أقصد على فكرة، سورى يا عدي هي
طلعت لوحدها كدة غصب عني، ممكن تشيل ايدك بقى وتبعد شوية عشان مينفعش كدة، لو حد
شاف الوضع دة هيفهم غلط، وأنا مش حابة كدة.
تأفأف عدة مرات متتالية بضيق وصوت مرتفع، ثم
طالعها بنظرات حادة اخترقتها وكأن نظراته كالسهام المُصوبة نحوها، وابتعد عنها وهو
يشعر بالغضب، أردف يرد عليها بتهكم ونبرة قاسية حادة
:- والله دلوقتي بقا سورى ومكنش قصدي، وأبعد يا
عدي، طبعا أنا عارف بتعملي كدة ليه، عشان عرفتي أن سي عمر بتاعك راجع انهاردة من
السفر أخيرا.
دُهِشَت حقا من حديثه لها بتلك الطريقة، هو
لم يتعامل معها بتلك الطريقة من قبل، ولم يتفوه بذلك الحديث، ولكت الذي زاد الأمر
دهشة هو أن عمر سيعود اليوم من السفر، هي لم تعلم أنه سيعود اليوم سوى منه، أسرعت
تتخطى دهشتها الاي كانت تسيطر عليها، وردت عليه بحدة وضيق وهي ترفع سبابتها أمام
وجهه بعدما نهضت من فوق مقعده، وصاحت بأسمه بغضب شديد يعكس مدى الغضب الذي يوجد
بداخل عقلها
:- عدي فوق وركز في كلامك كويس، أنتَ ملكش حق
اولآ إنك تكلمني بالطريقة دي، بعيد عن أي حاجة وبعدين أنا مالي ومال عمر أنا مكنتش
أعرف اصلا أن هو راجع انهاردة غير منك لما قولت، أنا استحالة اسمح ليك ولا
لأي حد أنه يكلمني كدة، مهما كان مين، أنا مش أي حد عشان تتعامل معايا كدة، أنا
آلاء الحامدي يعني مش واحدة عادية.
تنفست عدة مرات بصوت مسموع بعدما أنهت أحرف
كلماتها وقامت بلملمة أغراضها الخاصة بها، وسارت من أمامه بشموخ وكبرياء، سارت
وتركته خلفها يطالع أثرها بذهول.
يلعن طريقتها المتمردة التي تتغير حتى الآن،
هو ظنَّ لوهلة أنه يستطيع السيطرة عليها كما يفعل دائما مع أي واحدة، لكنه نسى
أنها ذات شخصية قوية تمتردة فريدة غير أي واحدة أخرى، هي من الصعب السيطرة عليها
والغاء شخصيتها، ظل يلعن تسرعه في تغيير طريقته معها بتلك السرعة، كيف له أن ينسى
طبيعة شخصيتها؟!...لكنه سيصلح الأمر ويعيد الأمور بينهما كما كانت من قبل...
❈-❈-❈
في المساء...
اجتمعت جميع أفراد العائلة في الفيلا
لأستقبال عمر بعد سفره الذي دام لشهر متواصل، كانت سناء في ذلك الشهر على
تواصل معه عبر الهاتف حتى تطمئن عليه، وكان دائما هو يطمئن على آلاء من الحارس
الشخصي الذي عيَّنه هو لها باختياره، ويعطيه عدة اوامر مشددة لحمياتها، على الرغم
من عدم معرفتها أنه يتابع ما يحدث معها، يتابع علاقتها بعدي التي اصبحت أكثر تطور،
وهو يشعر أن ودجه سينفجر غضبا مما يعلمه.
كان الجميع يجلس معه ماعدا آلاء التي كانت
ملتزمة غرفتها حتى الآن قررت ألا تنزل اسفل وتجلس معهم، تقنع ذاتها وقلبها أنه
أصبح شخص غير مهم لا يعنيها، ولا تريد أن تهتم به وبأمره.
في نفس الوقت
كانت تجلس أمام الحاسوب الخاص بها تعمل بعدم
تركيز، لكنها قطعت ما كانت تفعله عندما استمعت إلى رنين هاتفها الذي صدح في الغرفة
للمرة التي لم تعلم عددها، تنهدت بضيق ثم ابتسمت بانتصار وسعادة عندما رأت أن عدى
هو مَن يقوم بالإتصال بها تلك المرة، فقد اتصل عدة مرات حتى الآن، وهي تقوم بغلق
المكالمة، من دون أن ترد عليه، فعلت ذلك أيضا تلك المرة، استمعت إلى صوت مكابح
السيارة الخاصة بعمر معلنة عن وصوله المنزل، لكنها قررت ألا تهتم وألا تعيره
أي اهتمام، ستتجاهل وجوده تماما، وجوده الذي تتمنى ان يصبح يوما ما مثل عدمه
في حياتها..
أسفل حيث يجتمع الجميع، جلس عمر معهم، وعيناه
تدور بحثا عنها على أمل ان تكون جالسة معهم، لكنه كان يعلم أنها لن تجلس معهم،
يعلم كم هي عنيدة، هو يعلم جميع تفاصيلها وكل شئ تقوم بفعله، جميع أفكارها التي
ستفعلها يكون على دراية بها، ظل يتحدث معهم قليلا، ثم صعد نحو الطابق العلوي
متحججا أنه يريد أن يرتاح قليلا.
لكنه في الحقيقة قرر أن يدلف اليها ويراها،
يملئ قلبه وعينيه من رؤيتها، هو لن يستطع أن يرتاح من دون أن يراها ويُطَمْئِن
قلبه عليها...قلبه الذي يحترق بداخل صدره بنيران الإشتياق المتأهبة التي
تتآكله، فهو يشتاق إليها في كل ثانية، يتمنى أن يأخذها ويضعها بداخل قلبه ثم
يغلقه عليها هي فقط، قلبه لن يحتاج سواها؛ حتى تظل معه دائما في كل مكان وكل
ثانية، من الممكن وقتها أن تهدأ نيران اشتياقه بذلك الحل الوهمي الذي لم يحدث أبدا.
وهذا يعني أن تلك النيران التي توجد بداخله
لن تهدأ، ولن تنطفأ ابدا، مادام قلبه يدق وينبض في تلك الحياة، حبها مستحوذ على كل
ذرة في قلبه وعقله وحياته بأكملها.
وقف أمام باب غرفتها يشعر بالتردد بعض الشي،
صراع كبير يحدث بداخله، عقله يحثه الا يدلف اليها فهو لن يستفاد شئ ويعلم
طريقتها كيف ستكون معه؟!..لكن قلبه يعترض بالطبع، لن يقدر على استحمال تلك النيران
المشتاقة إليها، يريد أن يراها من الممكن ان تهدأ بعض الشي، فقام بإلغاء عقله
تماما، منذُ متى وهو يتعامل معها بعقله؟! دائما قلبه هو الذي ينتصر.
دلف الغرفة على الفور، فعندما يتعلق الامر
بها هي تحديدا لن يكن لعقله مكان بل قلبه هو الذي يقوم بكل ما يخصها، عقد حاجبيه
بدهشة، عندما لم يجدها في البداية، لكنه انتبه عندما رآها تقف في الشرفة الخاصة
بغرفتها، تتطلع من خلالها على اللا شئ وهي شاردة الذهن، عقلها ليس معها
أصبحت تشعر انها لم تفهم شئ في الحياة، ولا تعلم ما الذي يجب عليها فعله، كالطفلة
التي تنتظر والدها يمسك يدها برفق وحنو و طيرشدها نحو الطريق الصواب الذي سريحها
ويريح قلبها.
نعم هي طفلة...بالرغم من طبيعتها وطبيعة
شخصيتها إلا أنها في الحقيقة طفلة رقيقة ضعيفة، كانت تحتمي دائما بأجنحة والدها
وأجنحة عمر طوال الوقت، تحتمي بتلك الاجنحة في ثوب اخر ثوب القوة، الجمود،
والثبات، خُلقت من بين ضعفها شئ خفي تدعيه، ولكن فحاة قد أُزِيلت تلك الاجنحة التي
كانت تحيطها وتبنى شخصيتها، فأصبحت في النهاية تسير بمفردها من دون أن تعلم نتائج
قرارتها.
تنهدت بعمق تنهيدة حارة لم تعي شئ عما في
داخلها، لكنها سرعان ما انتفضت بخضة وصدر عنها شهقة بصوت مرتفع، عندما شعرت بشخص
ما يقوم بإحاطة زراعها بهدوء، تحولت جميع ملامح وجهها الهادئة إلى اخري متشنجة
غاضبة، تخبره أن وجوده اصبح شي غير مرغوب فيه، لم يريحها كما كان يريحها في
السابق، انتفضت مسرعة تبتعد عنه، وكأن حية هي مَن قامت بلدغها، تحدثت بجمود ونبرة
حادة وهي تطالعه بغضب وحدة
:- إيه اللي بتعمله دة، على فكرة ميصحش كدة،
وأنا مش قابلة إنك تدخل اوضتي من غير اذن، أو اقولك متدخلهاش اصلا لا بإذن ولا من
غير، أتفضل اطلع برة بقى، مش عاوزة أشوفك من الأساس.
بادلها نظراتها بحدة، وقد شعرت أن نظراته
كالسهام التي تخترقها، ولكنه بدلا من أن يرد عليها كما توقعت تفاجأت به يقبض فوق
زراعها مرة أخري، وقام بجرها خلفه ليدخلها من الشرفة.
بينما هي حاولت أن تسرع من خطواتها لتلحقه
بدلا من أن يجرها هو خلفه، وتمتمت بغضب وعصبية
:- إيه اللي بتعمله دة، ما تبطل بقى اسلوبك اللي
بتتعامل بيه، مجرجرني وراك زي الحمارة ليه مش فاهمة، وبقولك اطلع برة اصلا
مش عاوزاك في أوضتي وأعتقد إن أنا حرة.
ترك زراعها، ووقف في قبالتها، بعدما اعتلى
ثغره ابتسامة خفيفة زينت محياه؛ بسبب نظراتها الغاضبة التي تحدقه بها، ثم وضع يده
في جيب سترته بهدوء ولا مبالاه، كأن لم يحدث شئ، قد ازدادت فعلته من غضبها، فصاحت
به بغضب وضيق، وهي تعقد حاجبيها وتطالعه بحدة
:- عمر اطلع برة بجد، يخربيت برودك، أنتَ واقف
كدة ليه، إيه جاي تتأمل الاوضة ولا لاقي نفسك فاضي للدرجة دي.
رد عليها سريعا بنبرة عاشقة حانية، نعم هو
يعشقها بشدة، هي أهم ما في حياته، عشقها أصبح كالدم الذي يسير في جميع أوردته
:- تؤتؤ أنا قولت اتأملك أنتِ، بما إني بقالي
كتير مشوفتكيش، ووحشتيني أوي على فكرة.
لا تعلم كيف تبخر غضبها وجمودها منه في أقل
من ثانية، تلعن تقلب مزاجها السريع الذي يحدث لها بسببه، هي دائما تنسى انها أنثى
ابنة حواء، مهما بدت قوية غاضبة بأقل احرف يذهب غضبها ويتبخر كأنه لم يوجد من
الأساس.
هو يعلم جميع ثغراتها جيدا، حاول عقلها أن
ينبهها ويذكرها بما يحدث وبجميع بقرارتها، لكن لم ينجح عقلها في محاربته لغزيرتها
الانثوية، قطع شرودها وهدوءها من حديثه، وكلماته القليلة التي تؤثر عليها، دوى صوت
هاتفه الذي صدح في الغرفة يقطع ذلك الصمت السائد، والحرب الدائرة بنظراتهما سويا،
لكنها كانت حرب تختلف عن الحروب الأخرى، بل كانت حرب عاشقة بينهما.
امتضعت ملامح وجهها وتحولت مرو أخري، وقد
عادت كما كانت من قبل، وجميع الأنذار قد اشتغلت في عقلها، كل ذلك حدث بعدما رأت
اسم نهي الذي يبدو بوضوع فوق شاشة الهاتف الخاص به.
تلك الانسانة الماكرة الخبيثة التي حولت
حياتها الوردية الى حياة أخرى، لا تعلم لماذا وما هو السبب حتى تفعل بها كل
ذلك؟
فهي دائما كانت تعاملها بطيبة، وتخبرها بما
يخصها، ولكنها قد استغلت ذلك اسوأ استغلال، فهي تلك الشوكة التي تقف لها في منتصف
حياتها تمنعها من العودة الى الماضي، والتكملة و السير إلى المستقبل.
عقدت آلاء زراعيها أمام صدرها بغضب، وأعين
مشتعلة، ثم تحدثت بضيق يعكس ويعبر عن مدى الغضب الذي تشعر هي به الآن
:- لو سمحت يا عمر اتفضل برة، روح كلم خطيبتك
شوف هي عاوزة منك إيه، وأبعد عني.
أنهت جملتها، وأولته ظهرها من دون أن تعيره
اي اهتمام، وصدرها يعلو ويهبط بعنف، بينما هو ظل يلعن نهي التي دائما تتصل به في
اوقات خاطئة، خرج و تركها و هو يشعر هو الاخر بالغضب الشديد و كأن ودجه على وشك
الانفجار.
توجهت آلاء مرة أخري صوب الفراش، وجلست تتابع
ما كانت تفعله عبر الحاسوب الخاص بها، وهي تجاهد بأقصي جهدها أن تنسى ما حدث
أمامها، واتصال نهى لـ عمر، تربد أن تتعامل وكأن لم يحدث شئ، وأمره لم يعنيه.
وجدت عدى يكرر اتصاله مرة أخري للمرةِ التي
لا تعلد هي عددها، فزحفت ابتسامة جذابة تنمو فوق ثغرها، وهي تقارن ما يفعله هو لأجلها،
وما يفعل عمر معها، عدي يهتم بها دائما، بينما عمر تجرحها بأفعاله، وكأن الصراع
التي كانت واقعة فيه قد انتهى وعلمت إجابة سؤالها قامت بالرد على المكالمة و قبل
أن تتحدث لترد عليه، جاءها صوته وهو يدعي القلق والأسف بأتقان ومهارة
:- آلاء أنا آسف يا لولو بجد مكنش قصدي إني
ازعلك يا حبيبتي، هو بس الموضوع كله إني غيران عليكي مش أكتر، الواحد ليه حق يغير
مين يقدر يشوفك وميغيرش عليكي، وخاصة من عمر، فأسف يا حبيبتي، واعتبري كل الكلام
اللي قولته ليكي انهارده محصلش ولا في حاجة، ولو ينفع تنزلي وأعدي عليكي اعزمك على
العشا.
كانت سترفض في البداية، فهي لازالت لم تنس
حديثه معها، لكنها لا تعلم لماذا غيرت رأيها ووافقت، بل ردت تجيبه بهدوء، وهي
تبتسم كالبلهاء
:- تمام ماشي يا عدي، هقوم اجهز أهو.
اغلقت معه الهاتف، وهي تشعر بداخلها بشعور
غريب لا تعلم تفسيره، وكأن كل ما تمر به الآن هو شئ جديد عليها، حاولت أن تنفض
أفكارها بعيدا، ونهضت حتى تستعد للذهاب مع عدي.
❈-❈-❈
طالع عدي نهي التي كانت تجلس بحانبه بانتصار،
وأردف بمكر معتاد عليه
:- بس كدة تمام أوي، انا واثق انها هتوافق
تساعدني المرة دي، وهتنفذ طلبي، كويس إنك سألتي أخته دي هو فين دلوقتي، لولا كدة
كان زمانها فاكرة نفسها ملكة ومش بترد.
ابتسمت بخبث ابتسامة سامة تليق مع قلبها وما
يوجد بداخله من كره وحقد تجاه انسانة لم تفعل معها سوى الخير، لم تعاملها سوى بالحب والطيبة، لكنها لم تعط
لكل ذلك أهمية، ردت تجيبه بغرور و هي تهندم من هيئتها
:- طبعا هو أنا اي حد، اصلا كنت عارفة انه
هيدخلها بنت ال* دي و لا كأنها سحراله بجد، وقال بيمثل علينا أنه كرهها وأنها مش
فرقاله عشان منضغطش عليه بيها، بس مهما يمثل احنا عارفين يمكن اكون صدقت في الأول
بس بعد كدو عرفت تمثيله، وهي اللي بغبائها عرفتني، أما نشوف فالاخر مين هيكسب انا
ولا ست آلاء اللي فكرالي نفسها هانم دي، وفي الآخر هعرفها مين فينا اللي كسب.
صمتت ثم هتفت مرة أخرى بحدة ونبرة تحذيرية
حادة
:- عدى أنت بتعاملها كدة عشان الخطة صح ونوصل
للي عاوزينه، اوعي يكون اللي في بالي صح.
هرب من عينيها بتوتر، ورد يجيبها بارتباك وهو
يحاول أن يدعي الجدية
:- أ...أكيد طبعا، اللي بتفكري فيه مش صح، أصلا
هي عادية مفيهاش حاجة مميزة.
صمتت ولم تعقب على حديثه، وأعادت إتصالها على
عمر مرة أخرى، وهي تتأفأف يضيق، لكنه رد عليها تلك المرة، باغتها بصوته الغاضب
الذي وصل إلى مسامعها يعكس مدى غضبه وعدم رضاه من اتصالها
:- ايوة يا نهى، في إيه عشان تتصلي؟
كان يسألها باقتضاب ونبرة حادة، وهو يضغط فوق
كل حرف يتفوهه.
ردت عليه بضيق تجاهد اخفاءه، ليحل محله
الهدوء المصطنع؛ حتى لا يلاحظ هو شئ
:- لأ يا عمر مفيش حاجة، دة أنا قولت اشوفك يا
حبيبي، واشوف عملت إيه في السفر، مش أنت رجعت المفروض تيجي تعملي مفاجأة وكدة،
عشان أنتَ وحشتني أوي.
تنهد عدة مرات متتالية في محاولة منه؛ حتي
يحاول أن يهدأ من روعة غضبه المشتعل، لا يريد أن يجعلها تلاحظه، نجح اخيرا في
إخفاء غضبه، ورد عليها ببرود كعادته الطبيعية معها
:- آه طبعا، كنت ناوي اعمل كدة، بس أنا عندي ضعط
شغل الفترة دي أوي عشان كدة مش فاضي، هحاول اعوضهالك يا حبيبتي معلش اقفلي بقى
عشان حقيقي مش فاضي، ومش عاوزك تزعلي يا حبيبتي.
أغلق معها و اخيرا، يشعر بالفرحة العارمة لا
يعلم كيف سيتحملها للنهاية حتى ينجح في تنفيذ مخططه والإيقاع بها هي وعدى من دون
أن يسمح لهما بأذية آلاء، يريد أن يحميها بكل ما لديه، لكن عنادها وتمردها يقفان
له دائما، فكر العديد من المرات أن يخبرها، لكنه يعلم كم هي متسرعة وكيف ستتصرف،
ستجعلهم يعلمان أنه يعلم كل شي، وستفسد مخططه بسبب تصرفاتها المتهورة، هو يحفظها
جيدا، ويعلم جميع تصرفاتها.
بعد مرور بعض الوقت القليل
تفاجأ عمر بل دُهِشَ عندما وقع بصره
على آلاء التي خرجت من غرفتها في ذلك الوقت وهي ترتدي فستان سهرة طويل من اللون
الهاڤان الشبيه للبني يتناسب مع جسمها بشدة، ذو اكمام شفافة، تاركة شعرها يتطاير
فوق ظهرها بِحُرِية دون أن تقيده، مستعدة للذهاب؛ حتى تقابل عدي كما اتفقت معه و
اخبرها.
وقف عمر يطالعها بنظرة إعجاب ووميض مختلف
يظهر داخل عينيه عندما يراها دائما، ظل يحدق بها بنظرات عاشقة يتطلع نحو شعرها
الذي يعشقه، ملامح وجهها الهادئة الخلابة، عينيها الساحرتان المتيم بعشقهما.
فاق من شروده سريعا، وأستوقفها يسألها بجمود
وحدة، وهو يقبض فوق يديه حتى أبيضت مفاصله في محاولة منه لكبت غضبه، لا يريد أن
ينفجر بها، يتمنى أن ظنونه تكن كاذبة
:- ممكن أعرف الهانم متشيكة كدة، ورايحة على فين
من غير ما حد يعرف كدة.
كانت ستتجاهله في البداية، وتواصل طريقها
كأنها لم تراه، لولا أنه استوقفها، وقبض فوق زراعها بغضب، حيث شعرت هي أن يديه
تحولت إلى قبضة حديديه قوية تقبض فوق زراعها، فاضطرت أن تتحدث وترد عليه، تمتمت
بضيق و هي تتأوه بين يده بألم
:- اوعي ايدك أنتَ ملكش دعوة بيا، اروح مكان ما
اروح، وأجي برضو مكان ما أجي، لو سمحت متتدخلش في حياتي قولتهالك للمرة اللي مش
عارفة عددها، تحب أقولهالك بأنهي لغة عشان تفهمها، متدخلش في حياتي يا عمر،
ومتنساش إنك اصلا ابن عمتي مش اكتر ولا أقل.
تجاهل حديثها بأكمله كأنها لم تردف به من
الأساس، وأعاد سؤاله عليها مرة أخرى بنبرة اكثر حدة وغضب عما كان في السابق، وضغط
فوق كل حرف يتفوهه ببطءٍ
:- أنا سألت على فكرة، وأنتِ لسة مجاوبتيش
الهانم رايحة فين دلوقتي؟..مستنيكي تردي لغاية دلوقتي لأن زي ما قولتي ابن عمتك.
جذبت زراعها من بين يديه بعنف، واجابته
بكبرياء ورأس مرفوعة بشموخ
:- عدي عازمني على العشا، فيها حاجة دي ولا إيه
هتحبسني يا ابن عمتي كمان.
طالعته بمكر وقد اتسعت ابتسامتها الشامتة فهو
لن يتوقع أن تخبره ذلك الشئ بمنتهى السلاسة التي تتحدث بها هي الآن، لكن سرعان ما
تحولت عيناه الهادئة إلى أخري غاضبة،
والشرر يتطاير من عينيه.
انكمشت على ذاتها بخوف، شعرت أنه سينقض عليها
ويقتلها في أي وهلة من دون أن تشعر، هيئته بالفعل قد ازدادت غضبا، وتشنجت عضلاته
بغضب بادي عليه، فتمنت لوهلة لو أنها تركض وتفر هاربة من أمامه كالطفلة المذنبة
التي ستهرب من عقابها.
لكنها بالطبع تراجعت عن فكرتها الحمقاء،
مقررة أن تصمد أمامه وأمام غضبه، لن تسمح له أن يمنعها من الذهاب لكي تقابا
عدي...ستحاول أن تتجاهل نظراته الغاضبة التي تشير أنه في أشد مراحل غضبه، وتحديها
له سيكون ليس في صالحها تلك المرة...
❈-❈-❈
في نفس الوقت وبداخل الغرفة الخاصة بتامر
وفريدة.
ولج تامر الغرفة وهو غاضب بشدة، تنهد عدة
مرات متتالية بغضب يبدو عليه، فأسرعت هي تعقد حاجبيها بدهشة ملحوظة عليها، وهي حتى
الآن لن تستطع تفسير سبب غضبه المباغت لها.
كان يتحدث مع نفسه بغضب شديد، ويلعن ذاته كيف
له أن نسي أن أمس كان يوم معرفته بـبسملة،
هو منذ أن عرفها حتى بعدما رحلت من حياته لم ينسى تاريخ و ذكري ذلك اليوم.
لكنه تلك المرة قد اكتشفه بالصدفة، بالطبع
يطالع فريدة بغضب وكأنها هي المذنبة، ففي نظره هي التي جعلته ينسى اليوم
المهم، يبحث عن أي سبب حتى يتشاجر معها، يريد أن يفرغ طاقة غضبه بها كعادته،
حاولت أن تتجاهل وجوده في الغرفة كأنه لم يدلف اليها من الاساس، لا تريد أن تتحدث
معه لانها تعلم أنه سيتشاجر معها، إلا أنه أردف يسألها بنبرة حادة غاضبة
:- أنتِ هتفضلي تبصيلي كدة كتير ولا إيه؟
لا تعلم ما به وما هو الشئ الذي جعله غاضب
هكذا، فهو طوال الشهر الذي مضي عليهما وبعد آخر مشاجرة تمت بينهما عندما قام
بمصالحتها، وهو يعاملها بهدوء ولين، قد شعرت وشعر الجميع بتحسن علاقتهما سويا، لا
تعلم ما الذي به الآن، تمتمت تسأله بهدوء ومن دون توقع لما سيحدث نتيجة لسؤالها
البرئ ذلك
:- في إيه يا تامر، مالك انتَ من ساعة ما دخلت
وأنت متعصب، هو في حاجة مضايقاك؟
صاح بها بغضب، جعلها تنتفض إلى الخلف بخوف من
صوته الغاضب، وهيئته التي لم تقل غضب عن صوته، هو يشعر أن بداخله قنبلة
موقوته ستنفجر في اي وهلة، وقد حان الآن موعد انفجارها بها هي
:- هو أنا اللي في إيه و لا أنتِ، اوعي يكون
معاملتي ليكي الفترة اللي فاتت خليتك تنسي حقيفة علاقتنا، لا يا فريدة ركزي أننا
هننفصل قريب كدة كدة، أنا مش قادر استحملك اصلا أنتِ انسانة لا تطاقي.
شعرت بوجع قوي في موضع قلبها، حديثه يؤلها
بشدة، كأن شخص ما جلب خنجر، وقام بغرزه في منتصف قلبها بلا شفقة ورحمة،
لكنها قررت أن تصمد، وألا تنهار من أمامه، بل نهضت وردت عليه بضيق وعصبية، قد فاض بها الأمر، لمتى ستتحمله وتتحمل اقواله
وافعاله القاسية معها؟!..لمتى ستظل تنجرح وتصمت من دون أن تتحدث؟
هي تخشي الذهاب والعيش مع زوجة ابيها مرة
اخري بعد وفاة والدها، ولكن أيضا العيش مع تامر زوجها، هو أصبح يؤلمها اكثر و اكثر
من السابق، لم تستطع أن تتحمل تغيره المفاجئ،
ردت عليه بحدة وجدية
:- شوف يا تامر أنا كويسة، وزي الفل وبجد لو في
حد مش قادر يستحمل التاني هو أنا، لانك انسان حقيقي مش طبيعي، مش فاهمة ليه بج..
بترت جملتها عندما شعرت بغثيان قوى وتعب
مفاجئ لها، وكأن الدنيا قد اصبحت تدور بها فجاة، دخلت في دوامة أخري لا تعلم سببها.
وضعت يديها فوق دماغها بتعب، فاقترب هو منها سريعا،
ووضع زراعه يسند به ظهرها يمنعها من السقوط وهو لا يفهم ما بها، وما سبب ما يحدث
الأهم من كل ذلك، ما هو سبب خوفه عليها بتلك الدرجة؟... فهو شعر أن قلبه سيخرج من
موضعه من قلقه الشديد عليها.
تمتمت هي متحدثة بضعف وصوت خافت منخفض من فرط
التعب الذي تشعر به
:- اوعي بسرعة عاوزة ادخل الحمام مش قادرة حاسة
إني عاوزة أرجع.
اسرعت تتوجه نحو المرحاض بالفعل قد ازداد
شعور الغثيان لديها، لكنها هدأت بعدما فرغت كل ما اكلته، بينما هو كان بشعر بالقلق
الشديد عليها وعلى ما يحدث لها فجأة، أما عنها فقد شحب وجهها بخوف ورعب، تدعو ربها
أن ما يدور داخل عقلها يكن اوهام خاطئة لم يكن صحيحًا...
هو سبب وجعها ووجع قلبه، يحبها ويجعلها تتألم
في نفس الوقت...هل ذلك هو الحب الحقيقي والذي لم يعلمان عنه شئ؟!
يُتبع..