-->

الفصل السادس - غرف فندقية





الفصل السادس



جلست في غرفتي حتى الظهيرة، كنت خائفة من مواجهة ميلاني، فقد أخبرتني أنها ستتحدث مع اليوم، وأنا لم أرد أن أواجهها خاصة بعد ما قُلته لها بالأمس، فأنا لم أنم طوال الليل بسبب تفكيري بما قُلت، قضيت ليلتي أضرب رأسي بوسادتي وأدفنها فيها وأنا ألعن غبائي، ما قُلته لميلاني، وما فعلته مع مانويل، كانت هذه أكثر أفعال غبية أفعلها في حياتي، فأنا دائمًا أتوجس من الجميع، خاصةً من الذين أبوح لهم بجزء من ذاتي، وقد فعلت هذا بالأمس، لهذا أشعر أنها ستقوم بإيذائي، لن ينفعها أن تؤذيني ولكني لن أستطيع أن أمنع نفسي من الخوف منها، هي تعرف عني شيء ما وهذا يجعلني أحذر منها، رغم أني من سردت لها هذا بنفسي، ولهذا ألعن غبائي، والشيء الآخر هو تأثري السلبي بمانويل، أجل سلبي فهو يجذبني نحوه بطريقة سيئة، أنا لا أريد هذا، أنا لست مستعدة بعد لهذا، وهو وإن شعر بالانجذاب نحوي فهو لن يدوم طويلًا، وأقصى طموحاته هو مغامرة عاطفية تنتهي عندما أترك الفندق، حتى وإن شفيت من علاقتي القديمة فأنا لست مستعدة للخوض في هذا النوع من العلاقات، هذا النوع في نظري حقير بشدة ويثير النفور والاشمئزاز، كل تلك الأشياء كانت أسبابًا كافية للتهرب منهم في الصباح، وفي الظدما تأكدت أن ميلاني قد رحلت لعملها، هبطت نحو الأسفل، لم أجد مانويل خلف مكتب الاستقبال كما اعتدت أن أراه، تنهدت براحة عندما علمت أني لن اصطدم به اليوم، على أية حال لقد هبطت بالأصل لأجلس مع كارين قليلًا، توجهت نحو المطبخ بعد أن تأكدت أن كارين ستكون هناك.


سمعت صوت ضحكات كارين، إذًا هناك أحد ما يتحدث معها، فتحت الباب لأجدها تقف أمام مانويل ويبدو أنهما كانا يتحدثان، نظرت باحراج نحوهما بينما شعرت بشيء يعتصر قلبي عندما وقعت نظري على مانويل الذي اختفت ابتسامته عندما نظر لي، أردت أن أرحل في الحال ولكني شعرت أن ساقيّ تصلبتا في مكانهما ولم أستطع أن أتحرك، شعرت كارين بالحرج الذي بداخلي وقالت:


- آه دافني تعالي إلى هنا، كان مانويل يتحدث عن ابنة شقيقته المضحكة.


تقدمت بارتباك ولكني حاولت أن أظهر عكس هذا، فنظرت له باستهجان وقُلت باستنكار:


- حقًا؟


نظر لي مبتسمًا بخبث وقال:


- أجل، إنها مراهقة ساذجة واقعة في الحب بشكل يائس.


عبست عندما تذكرت تشبيهه لي بابنة شقيقته، إذًا هو يراني مراهقة ساذجة واقعة بالحب؟ لتحل اللعنة عليه، نظرت له بجمود وقُلت:


- وهل ترى الوقوع في الحب شيء ساذج؟


تقدمت منه بجرأة مزيفة لم أعرف كيف اختلقتها، بينما نظر لي بتحدي وأجاب:


- لا يكون ساذجًا إلا عندما يكون بشكل مفرط وتجاه الشخص الخاطئ.


وقفت على أطراف أصابعي حتى أقلص فارق الطول بيننا ونظرت له بتحدي وقُلت:


- وكيف يمكنك أن تعرف أنه الشخص الخاطئ؟


أخفض رأسه ليقلص المسافة بيننا أكثر وأجاب:


- يمكن رؤية هذا بسهولة، ولكنكِ فقط عمياء.


- حسنًا لا تتحدثا بالألغاز، أشعر أن هناك شيئًا ما يفوتني.


قالت كارين لتفصل الشجار الذي كان على وشك الاشتعال بيننا، اعتدلت في وقفتي وأشحت بوجههي بعيدًا عنه وقد سمعت صوت ضحكته الخافتة مما آثار غيظي، التففت حول الجزيرة التي تفصل بين كارين داخل المطبخ ومانويل ووقفت بجانبها وقُلت:


- على أية حال، لقد أتيت لأقدم لكِ المساعدة إن أردتِ.


- أي نوع من المساعدات؟


سألت كارين مقطبة الجبين فأجبت:


- في الطهي.


- هل تجيدين الطهي؟


سأل مانويل وقد استشعرت السخرية من نبرته، ولكني تجاهلته وسحبت المريول لأقوم بربطه حول خصري وأنا اتمتم:


- لا تعلم كم الأشياء التي أجيدها.


ابتسمت كارين التي لم تسمع ما قُلته وقالت:


- هذا يسعدني حقًا.


وضعت يدي حول خصري بعد أن عقدت المريول وقُلت:


- حسنًا أعطيني الأوامر، رئيستي.


بدأنا العمل معًا بنشاط، كانت كارين تمليني ما عليّ فعله ولا تصمت، ورغم شعوري بالصداع من كثرة حديثها عن الطعام والوجبة التي نعدها إلا أنها علمتني الكثير من الأشياء التي لم أكن أعلمها، وبطريقة غير مباشرة ودون شعور منها أعطتني لمستها السحرية التي تجعل طعامها لا يقاوم، كنت في بداية الأمر أشعر بالتوتر وعدم الراحة أثناء عملي معها وهذا بسبب مراقبة مانويل لي وأنا أعمل، ولكن لحسن حظي أتى إحدى الضيوف الذين أخذوا يقرعون الجرس على مكتب الاستقبال فاضطر مانويل أن ينصرف ليلبي نداء ضيوفه الجدد، ولم يأتِ مجددًا مما جعلني أعمل براحة، تحدثت كارين معي عن الكثير من الأشياء حولها، كهواياتها وطموحها وتطلعها إلى زواج هادئ في أحضان الريف، كانت أحاديثها لطيفة مثلها، كان من الجيد أن أنشغل لأبتعد عن أفكاري حول كوني غبية وحمقاء.


بعد أن انتهينا من إعداد الغداء وقام مانويل بتقديمه للعجوزين الذين أتيا إلى الفندق اليوم، جلست أنا وكارين نتناول غدائنا في المطبخ ونتشارك عدة أحاديث عشوائية، وبعد الانتهاء من الطعام ذهبت كارين إلى غرفتها لترتاح قليلًا، فقد بذلت مجهودًا كبيرًا في إعداد الغداء رغم قلة الكمية، وهذا جعلني أتساءل كيف تحتمل العمل بالصيف عندما يكون الفندق مقتظًا؟ ربما يأتي البعض لمساعدتها، كان غريبًا أن يكون الفندق شبه مهجور في الشتاء وما زلت أتعجب من هذا، ولكن ربما هذا بسبب البرد الشديد والذي لم ينتهِ حتى الآن.


جلست وحيدة في مطبخ أنظر هنا وهناك في ملل، حتى دلف مانويل إلى المطبخ، نظر لي بنظرة لم أستطع تفسيرها وقال:


- هل يمكنني الحديث معكِ قليلًا؟


- لا يمكنني الآن، لديّ شيئًا ما أقوم به.


أجبت وأنا أحاول ادعاء انشغالي بالصحون الفارغة وأن أنهض لأضعهم بالحوض وأبدأ في غسلهم.


- وما هو هذا الشيء؟


سأل وهو يقترب قليلًا، فأجبت وأنا أعطيه ظهري:


- الصحون كما ترى.


- وسيلة جيدة للتهرب.


تمتم ببرود وهو ينسحب إلى الخارج، شعرت بأنه ربما ود أنا يقول شيئًا مهمًا، لم أستطع أن أتوقف عن التفكير في هذا الأمر حتى بدا التركيز على الصحون وعلى عدم تكسيرها أمرًا صعبًا، تركت الصحون وأنا أتأفأف بسئم بعد أن عجزت عن التوقف عن التفكير مجددًا.


قررت أن أذهب إلى ميلاني وأتحدث معها قليلًا علّي أتوقف عن التفكير، أعتقد أن حان وقت الحديث معها حول ما حدث بالأمس، وربما لأكون الممرضة من جديد، ها قد بدأ يومي ينشغل بالكامل حتى بدأت أشعر أنه لا يكفي، كان هذا شعورًا رائعًا، أن أشعر أني أعود لعادتي القديمة حيث أشغل نفسي بمئات الأشياء في يومي.


كانت تلك الفكرة ترادوني وأنا أقوم بتبديل ملابسي، وأنا أسير في طريقي نحو المستشفى، شعرت أنني خفيفة كالريشة، وأني أكاد ألمس الأرض وأضع بصمتي عليها، كانت تلك الفكرة بأني بدأت في الشفاء والعودة إلى دافني القديمة تجعلني منتعشة، كورقة من النعناع الأخضر في كوب من الشاي، كنت أنا كوب الشاي وورقة النعناع هي تلك المشاعر الإيجابية التي راودتني.


وصلت إلى المستوصف وعندما دلفت وجدت تلك الممرضة التي تحدثت إليّ بوقاحة في المرة الأولى واليوم هي تبتسم لي بود مريب، نظرت له بتعجب ولكني تجاهلت تصرفها هذا وتوجهت نحوها قائلة:


- أين الطبيبة ميلاني؟


- في مكتبها.


أجابت بلطف، فأومأت وأنا ما زلت أشعر بالريبة تجاهها، توجهت نحو مكتبها وطرقت بخفة على الباب، سمحت لي ميلاني بالدخول ففعلت، وجدتها تجلس خلف مكتبها تسند رأسها إلى ذراعيها وتمرر أناملها داخل شعرها، نظرت لحالتها الغريبة، فهي ليست من عادتها أن تبدو بتلك الطريقة، في العادة هي تبدو متحمسة ونشيطة دائمًا.


رفعت ميلاني وجهها نحوي ورأيت وجهها الحزين وعينيها المحمرة، بينما قالت:


- إن أمي تحتضر، دافني.


قلبت شفتيها وتجمعت العبرات في مقلتيها وبدا أنها تقاوم رغبتها في البكاء، اقتربت منها وضممتها في عناق فأنا أرى أن هذا أكبر الأشياء الداعمة وأهمها، أجهشت ميلاني في البكاء وتمتمت في نبرة يائسة:


- ستذهب إلى أبي، ستتركني وحيدة.


تابعت بكائها بحرقة، لم أكن أستطيع أن أواسيها بالكلمات، اكتفيت بعناقها وربت على شعرها للتخفيف عنها، بعد القليل من البكاء ابتعدت ميلاني وقالت وهي تأخذ منديل ورقي من فوق مكتبها وقالت:


- عليّ العودة إلى برلين، لن أستطيع البقاء حتى الغد.


- لا يمكن، ميلا..


قُلت محاولة تهدئتها ولأجعلها تعدل عن رأيها، ولكنها قاطعتني قائلة:


- لا تفكري حتى دافني، أنا سأعود إلى برلين اليوم.


نهضت بنشاط شاذ فقد بدا عليها الإرهاق ولكنها كانت تأبي الاعتراف بهذا وتدعي النشاط، سحبت حقيبتها وأسرعت نحو الخارج، تبعتها وأنا أحاول جعلها تعدل عن رأيها ولكنها رفضت كل الرفض، عُدنا إلى الفندق وما إن دلفت ميلاني حتى توجهت نحو مانويل وقالت:


- هل تعرف كيف أصل إلى برلين اليوم؟


- أجل، يمـ..


- جيد


قاطعته ميلاني وصعدت إلى غرفتها راكضة، نظر مانويل لي منتظرًا تفسيرًا واضحًا، فقُلت:


- الأمر يطول شرحه.


ثم تركته وصعدت نحو غرفة ميلاني، عندما فشلت في إقناعها بالمكوث إلى غدًا حتى تهدأ وتبدأ في ترتيب أمورها ساعدتها في حزم حقائبها، على الأقل حتى لا تنسى شيئًا ولأتمكن من مواساتها ببعض العبارات السخيفة.


بعد أن انتهينا حملت معها أمتعتها وهبطت بها إلى الأسفل، طلبت ميلاني من مانويل أن يرشدها إلى وجهتها، وقد أبدى مانويل استعداده للسفر معها، دعمت فكرته تلك فقد شعرت أنها ستكون بخير إن لم تكن بمفردها وكان معها أحد ما يساندها، ومع الكثير من الاقناع وافقت ميلاني أخيرًا على أن يذهب مانويل معها، راقبتهم من نافذة الردهة وهم يبتعدون عن الفندق حتى أختفوا تدريجيًا عن الأنظار، كان لساني يدعو لها ولوالدتها وقلبي يتألم على حالهما.


❈-❈-❈


استلقيت فوق فراشي أحدق في السقف، عقلي لا يتوقف عن التفكير، أرسم مئات السيناريوهات في عقلي حول رحلة ميلاني إلى برلين، ما زلت أشعر بوغزة في قلبي منذ أن أخبرتني ميلاني عما حدث لوالدتها، وهذا جعلني أشتاق إلى والدتي، يا ترى كيف حالها الآن؟ لم أتحدث معها منذ أن أتيت إلى هنا وقد شعرت بأني أنانية كوني لم أسأل على حالها، المزيد من الأفكار تراودني وأعجز تمامًا عن النوم، لهذا جلست على فراشي منتظرة عودة مانويل لأسأله عما حدث ولأسأله عن ميلاني، فلم يتسنَ لي توديعها بشكل لائق بسبب تلهفها على الرحيل، مر الوقت ببطء شديد، كانت الدقيقة تمر عليّ كالساعة، لاحظت أني توقفت عن التفكير في حزني وعلاقتي الفاشلة وهذا جعلني سعيدة، ابتسمت وأنا أنظر إلى الزخارف بالسقف، أشعر بأني شفيت، وهذا شيء يستعدي الاحتفال، ولكن لأطمئن على ميلاني أولًا وبعدها أحتفل داخليًا.


سمعت أصوات خافتة تأتي من الأسفل، كان الوقت قد تخطى منتصف الليل بقليل، أظنها كانت الواحدة، نهضت وهبطت إلى الأسفل متوقعة أن مانويل قد عاد، بحثت عنه في الردهة التي كانت مظلمة ولم يتواجد بها أحد، ولكني رأيت ضوءًا خافتًا يأتي من الشرفة، فتوجهت إلى الشرفة لأجد مانويل يجلس على الأرض ويسند ظهره إلى سور الشرفة، كان الضوء الأصفر الخافت ينعكس على وجهه لينشر الظلال عليه، بدا عليه الارهاق، بالطبع فقد قطعت تلك الرحلة بنفسي من المطار ببرلين إلى هنا ولم تكن سهلة، ومؤكد هو مرهق لأنه قطعها ذهابًا وعودة في يوم واحد، تقدمت نحوه وجلست بجانبه على الأرض، نظرت له بصمت لوهلة وقُلت:


- هل أنت بخير؟


أومأ مغمض عينيه بارهاق، فعُدت أقول:


- وميلاني؟


- توقفت عن البكاء وهذا جيد.


صمت ومر القليل من الوقت حتى فتح عينيه ونظر إلى الأرض بشرود وظل صامتًا، قُلت بعد أن لم أستطع منع فضولي:


- لماذا أصريت على مرافقتها؟


تنهد بقوة عقد ذراعيه أمام صدره وأجاب:


- لقد فقدت والدتي وأنا مدرك جيدًا لمخاوفها.


- أسفة


همست ونظرت إلى الأرض بدوري وتابعت بتأثر:


- التفكير في هذا الأمر وحده مؤلم، ذلك الفراغ الذي يخلفه الوالدين، تلك الوحدة.


- مؤلم بالفعل.


تمتم بخفوت، فهمست:


- ستعاني من الوحدة، أليس كذلك؟


- هذا مؤكد، فأنا أعاني منها الآن.


- وماذا ستفعل حيال هذا؟


سألت وأنا أنظر إليه باهتمام، فأجاب مبتسمًا بسخرية:


- سأكون الخال المزعج الذي يعيش مع أبناء أشقائه، ويضيق الخناق حولهم، ويستمر بالصياح طلبًا للهدوء.


ضحكت بخفوت وقُلت:


- إذًا أنت لا تنوي الزواج؟


- هذا شيء يترك للقدر، ولكن حاليًا ليس لديّ من أتزوجها، لهذا أتخيل مستقبلي من الآن تحسبًا.


أومأت وأنا اتمتم بسخرية:


- تمازح هذه وتلك ولا تجد من تتزوجها.


نظر لي مبتسمًا وقال:


- أتغارين؟


أجبت بحدة وأنا أنظر له بنفاذ صبر:


- الغيرة التي تذكرها مرارًا وتكرارًا لا تصدر سوى من زوجتك أو حبيبتك، لماذا أغار أنا؟


- ربما هذه غيرة المحب.


نظرت له بعدم تصديق وفغر فاهي بصدمة، وصحت باستنكار:


- غيرة المحب! أنت لا تصدق حقًا!


نظر لي بتسلية وقال بغرور:


- ولما لا؟ الكثيرات واقعات في حبي بالفعل.


قُلت بسماجة وابتسامة صفراء:


- صدقني أنا لا أنوي الانضمام إليهن، لست مولعة بك لتلك الدرجة.


حسنًا لا يمكنني الإنكار أنه يجذبني بشدة، هو ليس وسيمًا أو حسن المظهر حتى يكون هذا السبب في الانجذاب الذي يحدث لي الآن، ولكنه جذاب حقًا، الطريقة التي يتحدث بها، طريقته في المعاملة، تلك جميعها أشياء تجذبني نحوه بطريقة غريبة.


- أتعلمين دافني؟ الحديث معكِ ينسيني كل تعبي وارهاقي.


قال بنبرة ضاحكة وهو ينظر لي، نظرت له بدوري فتلاقت نظراتنا لبعض الوقت، شعرت بالتوتر مما قاله وتلك النبرة اللطيفة التي استخدمها، ومع نظرته تلك لم أستطع أن أمنع نفسي من الشعور بالسخونة في وجنتي وشعرت بالحمرة تتسرب إليهما، لم أظن أنه لاحظ هذا الأمر إلا عندما ضحك وداعب وجنتي قائلًا:


- هل تخجل دافني الصغيرة؟


أبعدت يده عن وجنتي وقُلت بحدة:


- أنا لست صغيرة، وتوقف عن ملاعبة وجنتي، أنا لست طفلة.


- إنها ناعمة وممتلئة، مداعبتها لعبة ممتعة.


كان يبدو عليه الاسترخاء التام وهو يقول هذا، عقدت ذراعيّ أمام صدري وقُلت متذمرة:


- لا يهمني، هذه من ممتلكاتي وأمنعك من لمسها.


ضحك بخفوت وقال:


- أنتِ تذكريني حقًا بابنة شقيقتي، هي متذمرة مثلكِ.


ثم بدأ يحدثني عن نفسه وعائلته، حدثني عن أشقائه الثمانية، بعضهم متزوج والبعض الآخر ما زال صغيرًا، حدثني عن شقيقته الكبرى التي لها مكانة كبيرة في قلبه، تلك الشقيقة التي لديها ابنة يشبهها بي.


تحدث عن هواياته وما يحبه وكيف يقضي أيامه وحيدًا بالفندق، تحدثت معه ووجدت بيننا تشابهات عدة، تشابهنا في ذوقنا الموسيقي، وفي أكلتنا المفضلة، ونوع القصص التي نقرأها، أخبرته عن هواياتي الأخرى، وحدثته عن عائلتي الصغيرة مقارنة بعائلته، فكانت تتكون من أمي وأبي وشقيقي الصغير، لم يكن هناك الكثير من القصص التي قد أقولها له، لم أخبره أي شيء عن ستيفان، قد اكتفيت باخباره أني قد تم خطبتي قبلًا وانفصلنا منذ عدة أشهر، كنت متعجبة من كونه يتحدث معي بتلك الأريحية ولكني شعرت السعادة كوني أتشارك تلك الأحاديث مع أحد ما، شعرت بالود يخيم على علاقتنا في تلك اللحظة، ولكني شعرت بالنعاس فقد طال حديثنا حتى تسللت الشمس إلى السماء لتشرق معلنة عن قدوم يوم جديد، نهضت عن الأرض وأنا أقول:


- حسنًا، أظن أن عليّ الذهاب لأخلد إلى النوم.


- بعد أن أشرقت الشمس بالفعل؟


سأل باستنكار، فنظرت له بتعجب وقُلت:


- هل ستظل مستيقظًا؟


أومأ فصحت متذمرة:


- كلا لا تفعل، سأشعر بالذنب إن لم تذهب إلى النوم، رجاءً خذ قسطًا من الراحة.


تنهد باستسلام ونهض، ابتسمت ابتسامة خافتة بعد أن وجدته انصاع لرجائي دون جدال أو عناد، اقترب مني حتى وقف أمامي، نظر لي تلك النظرة التي لا أفهمها فخفتت ابتسامتي بعد أن شعرت أن هناك خطب ما، ولكنه انحنى في حركة مفاجئة وقبل وجنتي، شهقت بقوة بينما ابتعد هو وقال:


- عمتِ مساءً إذًا، أو صباحًا.


ثم دلف إلى الداخل وتركني أقف أستوعب ما حدث منذ دقيقة، لقد قبلني! ماذا يريد أن يفعل بي بعد؟ ألا يدرك كم الخجل الذي سأعانيه الآن؟ لتحل اللعنة عليك مانويل! ضربت الأرض بقدمي بقوة وكأن هذا سيمنع ما حدث، ودلفت بخطوات تكاد تكسر الأرض متوجهة نحو غرفتي. 


يتبع