الفصل التاسع عشر- أنين وابتهاج
الفصل التاسع عشر
يوجد صوتان يصرخان بداخلها
صوت منهما يجبرها على التخلي عن حبه
والصوت الآخر يجبرها أن فؤادها لن يستطع التخلي عن حبه ونبضاته التي تحييها
وفي النهاية تقف مشتتة لا تعلم لأي صوت تستمع؟!_
❈-❈-❈
تحدثت آلاء ترد على سؤال عمر بكبرياء ورأس مرفوعة بشموخ، وابتسامتها الواسعة تزين ثغرها
:- عدي عازمني على العشا فيها حاجة دي ولا إيه ناوي تحبسني يا ابن عمتي؟
قالت كلمتها الاخيرة عن عمد، تريد أن ذكره بدوره ومكانته في حياتها، لا تريد أن يتعدى الحدود التي وضعتها هي، لكن بالطبع كل ما تفعله لن يجعله يصمت كما تريد.
فهو لم يهتم بكلمتها من الأساس، وتعامل كأنه لم يستمع إليها، تحولت هيئته إلي أخرى غاضبة في وهلة، وتشنجت جميع ملامحه بغضب يبدو بوضوح عليه، وقد أصبح يشعر بنيران متأهبة تزداد بداخله، نيران ستحرقها وتحرق العالم بأكمله حولها بسبب حديثها الأحمق الذي جعله في تلك الحالة الغاضبة.
خشيت رد فعله على حديثها، لكنها لم تجد أيضا مفر للهرب من أمامه ومن براثن غضبه الشديدة، انكمشت على ذاتها بخوف وقلق راودها من هيئته الغاضبة، وللأسف قبل ان تفعل أي شئ يساعدها في الهروب منه باغتها بصوته الغاضب الحاد، وهو يضغط بشدة فوق كل حرف يتفوه به
:- دة أنا هعرفك حالا مين اللي عازمك بحق وحقيقي لو مطلعتيش على اوضتك زي الشاطرة كدة وقفلتي على نفسك؛ لأنك لو أنتِ مستغنية عن نفسك يا آلاء عيدي الجملة اللي لسة قايلاهالي كدة، ومترجعيش تزعلي في الآخر من اللي هعمله.
لو كان اردف ذلك الحديث تحديدا في وقت آخر وبظروف أخرى من دون مكالمة نهى له، كانت ستنصاع تنفذ أوامره، فأي شخص يراه وهو بذلك الغضب وتلك الهيئة سيلبي اوامره بالطبع من دون نقاش، ولكن حالتها هي الآن تختلف عن أي أحد آخر.
هي أنثى متمردة العقل على عشقه الذي يتغلغل بين ثتايا قلبها الذي ترعرع وكبر على حبه وعشقه، بداخل شعوران متناقضان تماما، ولمنها ستفضل كبرياءها وتمردها على قلبها في تلك المرة، عقدت زراعها أمام صدࢪها الذي كان يعلو ويهبط من التقاط أنفاسها بعنف، وتمتمت ترد عليه بعناد وتحدي
:- عمر لو سمحت مش هسمح بطريقتك دي معايا نهائي، أنتَ ملكش حق تديني أوامر والمطلوب نني أني انفذها، لأ المفروض تحترمني وتحترم الحدود اللي بينا، وبعدين بدل ما أنتَ واقف ليا هنا، روح اقف لخطيبتك اللي مش فاهمة سايبها ليه مرمية في كل داهية شوية، وجاي تكلمني أنا في الآخر.
أنهت حديثها وتركته، خطت خطوتها صوب الامام لكن تلك الخطوة كانت خطوتها الوحيدة بعدما قام هو بالقبض فوق زراعها بقوة مجددا يعيدها إلى الخلف حيث كانت تقف، وتمتم بغضب عارم
:- اقسم بالله يا آلاء لو اتحديتيني تاني لهكسر دماغك دي، أنا سايبك تشتغلي عند الزفت دة ورغم إنك غبية وبتعقدي الدنيا بس سايبك بمزاجي عشان بس متزعليش ولا حد يفكر في دايب فيكي، لكن لو عايز امنعك همنعك وغصب عن الكل، بس بقول لا اسيبك تحققي اللي عاوزاه في نطاق الشغل حتى لو هو بيستغل دة لصالحه وبيسوأ سمعتي ويقول إن أنا اللي باعتك عنده عشان حاجة معينة للشغل والاخبار، بس عادي الكلام بيوصلي وبعديه بمزاجي مش بيهمني، ولاجيبتلك سيرة أنه بيستغل شغلك عنده ضدي، لأن أنا كل دة ميهمنيش، لكن نسيب شغلنا بقى وتقولي عشا وزفت مش هسمح بيه اتعدلي وادخلي اوضتك، ولو عاوزة تخرجي تتعشي برة اتفضلي معايا غير كدة مفيش.
صُعِقت من حديثه الذي كان غير متوقع لها بالتحديد حديثه عن استغلال عدي العمل عنده بطريقة أخرى لكنها بالطبع قررت ألا تصدقه قررت أن تصدق ما تراه، وهي ترى عدي شخص جيد؛ لذلك تمتمت ترد عليه بشراسة وصوت متحشرج
:- لأ طبعا استحالة أنتَ كداب يا عمر وبتتبلى على عدي عاوز تظلمه، وبعدين بقى غير طريقتك دي مش هتقبلها، انت ملكش أي حكم عليا أصلا، أنتَ أناني على فكرة ومتملك، وكل اللي قولتهولك قبل كدة كان صح، أنتَ عاوزني أفضل قاعدة زعلانة عشان أنتَ هتتجوز ومكسورة قدامك عشان افضل تحت رحمتك يا حرام، لكن اشوف حياتي واتخطاك و اكمل مع شخص مناسب غيرك لأ طبعا دة مش مسموح معاك، بجد عمري ما شوفت ولا هشوف حد مؤذي زيك.
كور يده بغضب ثم قام بضرب اقرب حائط أمامه بقوة في محاولة منه للتنفيث عن غضبه؛ حتى لا يؤذيها بعد استماعه لحديثها، تطلع نحوها مرة أخرى ورد عليها بحدة شديدة فقد ظنت هي أن انفاسه كلهيب الجمرات المشتعلة تحرقها
:- مؤذي هي دي نظرتك طب تمام وحلو أوي، هو اللي يخاف عليكي، وعلى مصلحتك يبقي مؤذي، اللي يجي على نفسه عشانك يبقى مؤذي، شوفي أنا بحاول أبرر كل تصرفاتك عشان مش عارفة الحقيقة، لكن انك تكوني شايفاني كدة و بالشكل دة، يبقي أنتِ متستاهليش إني أخاف عليكي اصلا، أنا يا آلاء هانم يا بنت خالي لا متتملك ولا مؤذي، أنا بحاول احميكي من حاجات مؤذية بس واضح اني غلطت فعلا عشان قررت ابقي في صف واحدة ساذجة زيك مش فاهمة، غلطت عشان جيت على نفسي وكل حاجة عشان واحدة مش عارفة في الآخر مين العدو ومين الحبيب، اتفضلي روحي مكان ما أنتِ عاوزة، ودي آخر مرة هتدخل في أي حاجة تخصك لو بتموتي قدامي مليش فيه.
أنهى أحرف جملته وأعطاها ظهره بلا مبالاه، ثم تحرك متوحه صوب غرفته كأنها لم تقف أمامه، عاملها كانها شئ شفاف ليس لها أهمية لديه، بعدما استمع الى حديثها.
لم تنكر أن حديثه قد أثر بها وستت ذهنها أكثر عما كان مشتت في السابق، لا تعلم اتصدق حديثه أم تصدق أفعاله التي تراه يفعلها أمامها...أفعاله التي لا تتناسب مع ما يقوله تماما.
لكن ما أثار غيظها أكثر هو تجاهله لها بتلك الطريقة، قررت أن تحسم أمرها سريعا، هي ستواصل حياتها الجديدة التي بدأتها بقرارتها، ستخرجه من حياتها كما أن تجاهله لها سيساعدها على نجاح ما تريد.
استكملت طريقها صوب الخارج بالفعل ثم ركبت سيارتها منطلقة حيث مكان المطعم الذي اتفقت عليه مع عدى ولم تعط لحديثه أي اهتمام وهي تمتم بغضب شديد
:- والله ماشي يا عمر ماشي فاكر أني هسمع كلامك بعد كدة وبتتعصب، خلاص بقى من بعد كدة أنا مش هعمل غير اللي عاوزاه.
تنهد عمر بغضب شديد، فهو كان يقف يتابعها من الشرفة الخاصة بغرفته، يعلم انها عنيدة وستذهب لكنه كان لا يتمنى ذلك، مسك هاتفه وقام بالاتصال على أحد الحراس وأمره بأن يتبع الاء ويحرص الا تراه و تشعر بوحوده حولها، أعطاه عدة أوامر حرصا عليها بجدية تامة وصرامة
:- اهم حاجة تخلي بالك منها، عينك تبقى عليها طول الوقت، ومش عاوزها تاخد بالها من وجودك.
أغلق الهاتف وهو يلعنها ويلعن ذاته، لأول مرة يشعر بضعفه أمام حبه لها، لأول مرة يشعر بصدق مقولة أن الحب ضعف يصيب مَن يقع به، فهو دائما يري انها عبارة خاطئة، يري أن الحب شعور جميل يكسب صاحبه القوة بوجود من يحبه بحانبه، ولكن للأسف هي الآن ليست بجانبه، بل بجانب شخص آخر غيره.
تمنى أن ينهي كل ما في عقله سريعا، يريد أن تعود حياتهما سويا كما كانت في السابق، تسير بطبيعية وهدوء، حياة لهما فقط مليئة بعشقهما الصادق الذي يحمله كل منهما نحو الآخر..
❈-❈-❈
ترجلت آلاء من سيارتها بهوء بعدما وصلت إلى المطعم، وسارت بكبرياء يليق بها، وجدت عدى ينتظرها قد علمت أنه وصل قبل إن تصل هي، وكان يجلس في انتظارها.
ابتسمت ابتسامة مزيفة غير حقيقية، فعقلها كان لازال مشتت شارد يفكر في حديث عمر، مهما ادعت اللا مبالاه سيظل عقلها يفكر رغما عنها، جلست مع عدى الذي تحدث قائلا لها بهدوء وابتسامة خبيثة تزين ثغره
:- معلش يا حبيبتي أنا آسف، مش عاوزك تكوني لسة زعلانة مني زي ما قولتلك كنت غيران بس يا لولو، اتمنى متكونيش زعلانة.
أومأت برأسها إلى الأمام من دون أن تعقب على حديثه أو ترد عليه، لازالت تتذكر حديث عمر عنه وعن استغلاله لأمر عملها، تأفأف عدي بضيق وغضب عندما لاحظ عدم تركيزها معه، فسألها مستفسرا وهو يدعي الإهتمام عليها
:- في إيه يا الاء مالك، أنا شايفك مش مركزة معايا خالص، هو في حاجة مزعلاكي، لو فيه شاركيني على طول يا حبيبتي وأنا هتصرف.
لا تهلم لماذا بدون وعي منها بدأت تسرد له حديث عمر، الذي يشغل بالها وتخبره ما حدث قبل أن تأتي إليه، تريده ان يطمئنها ويجعلها تهدأ، هي اصبحت تلك الفترة كالهشة الضعيفة تتشبت بأي شئ ليطمئنها ويطمئن قلبها، تريد أن تقوى بعض الشئ.
بينما عدى ظل يستمع إليها حتى انتهت تماما من سرد كل ما تريد أن تخبره به، كان يشعر بالغضب سيفجر عقله مم شك آلاء به، تمنى لو أنه يقوم بقتل عمر نهائي، فبسبب حديث عمر سيؤجل هو مخططه منها، لا يريد أن يجعلها تشك به خاصة بعد حدبث عمر، صاح بغضب ما أن انتهت من حديثها
:- شوفي الكداب بيتبلى عليا ازاي، آلاء أنا بجد مش عارف هو ليه بيحقد عليا للدرجة دي، هو بجد الموضوع شكله بعيد عم الشغل، دة عاوز يبوظ علاقتنا مع أنه خطب خلاص، لا كمان دة خطب وسابك عادي، وجاي في الاخر زعلان عشان تخطتيه و بتشوفي حياتك، آلاء حبيبتي اوعي تكوني صدقتي كلامه دة، هو ببكدب عليكي الجبان أنا عمري ما اعمل حاجة زي كدة، انا بحبك بجد ومستعد اتحوزك انهارده قبل بكرة.
ابتسامة خفيفة شاحبة زينت محياها بهدوء لرؤيتها لإصراره الواضح والتمسك بها الذي يجعلها سعيدة، تمتمت ترد عليه بهدوء وهي تأومأ برأسها صوب الأمام
:- لأ طبعا، انا واثقة فيك يا عدي، أنا بس كنت قلقانة، لكن عارفة قد إيه أنتَ شخص كويس، وأنا محظوظة أني عرفتك، وبجد فرحانة إنك موجود في حياتي يا عدي.
ابتسم بخبث على نجاح مخططه في إفساد حديث عمر، حديث عمر الذي جعلها تشك، وكان على وشك الافساد بسبب عمر وحديثه الذي آثر عليها، لكنه أعد كل شئ بينهما كما كان.
بدأت تتناول معه الطعام، ويتحدثان سويا، وهي تبتسم من حين لآخر من أجل اهتمامه بها، واخيرا وجدت مَن يهتم بها بعدما نسي قلبها وعقلها معنى الإهتمام الحقيقي، فاستغل هو تلك النقطة لصالحه بمهارة شديدة..
❈-❈-❈
في الصباح
كانت الاء ترتدي ملابسها مستعدة للذهاب إلى الشركة، كانت ترتدي بذلة نسائية أنيقة تتناسب مع هيئتها حيث ازدادت من اناقتها ولونها الهادئ الذي عكس جمالها، وقفت تهندم من ذاتها امام المرآه.
لكنها تفاجأت بمَن يقتحم غرفتها من دون استئذان، عقدت حاجبيها بدهشة عندما وجدت أن فريدة هي مَن دلفت عليها الغرفة، لكنها كانت في حالة غير مألوفة، وجهها كان شاحب بشدة كشحوب الموتى، كأن يوجد بها شي ما يرعبها أو رأت أكثر شئ يخوفها في الحياة، تمتمت تسألها باهتمام، وهي تشعر بالقلق عليها
:- إيه يا فريدة مالك، في إيه يا قلبي تامر هو اللي زعلك، ولا أنتِ تعبانة.
ردت هي تخمن اجابة سؤالها لعلها تهدِئ من ذلك القلق الذي تشعر به بداخلها.
حركت فريدة رأسها يمينًا ويسارا نافية اجابتها، وتمتمت بصوت خافت مرتعش، وهي لا تقوى على جمع الأحرف للتتحدث
:- لـ... لا مش.. تامر يا آلاء مش تامر، لأ أنا في مصيبة اكبر من كدة بكتير، أكبر من خناقاتي مع تامر ومشاكله وأي حاجة تانية.
اقتربت آلاء منها وربتت فوق كتفها برفق في محاولة منها لتهدئة لوعة خوفها المشتعل، وارتباكها الواضح، ثم تحدثت بهدوء تخفي خلفه قلقها، وهي تتوجه بها صوب الفراش لتجلسها فوقه وقامت بتناول كوب الماء الذي كان فوق المنضدة، وتحدثت بهدوء
:- خدي بس اشربي، واقعدي كدة احكيلي براحة في إيه مالك ومصيبة ايه اللي بتتكلمي عنها عشان انا مش فاهمة أي حاجة من اللي بتقوليه.
بالفعل انصاعت فريدة تلبي ما قالته لها وهي لازالت ترتعش بخوف، وتناولت منها الكوب بيدين مرتعشتين من فرط القلق، ثم تناولت منها رشفة صغيرة لعلها تجعلها تهدأ وتقوى على الحديث، وتمتمت بصوت ضعيف خافت بعدها بثوانٍ معدودة
:- ب.. بصي يا آلاء فاكرة لما قولتلك أن تامر بيقولي مش عاوز نخلف وكدة وأنه مش ضامن نفسه لو حملت هيحصل إيه، فمش عاوز يجيب عيال تتعاقب ما بينا وخلاص، وقتها أنتِ قولتيلي إيه قولتي أن أنا مليش دعوة بيه ولا بكلامه، واعمل اللي يريحني أهم حاجة أكون مرتاحة وبس.
هتفت بجملتها الأخيرة بنبرة متسائلة، فأومأت آلاء برأسها إلى الأمام تؤكد على حديثها، وقد تذكرت تلك المحادثة التي تمت بينهما منذ أشهر مضت، فواصلت فريدة حديثها بنفس النبرة الخافتة القلقة
:- وقتها أنا قررت اني أوقف الحبوب وأعمل اللي يريحني، وبليل تعبت خالص وكنت شكة يعني لان المعاد الشهري جه وعدا بس عمالة اكدب نفسي واقول استحالة يحصل حمل دلوقتي، لغاية ما قومت الصبح عملت تحليل و لقيت فيه شرطتين يا آلاء، فيه شرطتين يعني فيه حمل، وأنا وتامر خلاص شبه بننفصل فيه حمل يا آلاء فيه حمل، أعمل إيه مش عارفة.
رددت كلماتها الاخيرة بوهن وهي تشعر بالضياع لا تعلم ما يجب عليها فعله، والأكثر لا تعلم هل ما فعلته كان هو الصواب ام خطأ؟!...هل ستجلب طفل برئ يعيش في تلك الحياة القاسية ويعاني ليحمل هو نتيجة خطأها؟
هي التي لم تحسب حساب كل ذلك من قبل، بل كانت غريزتها الامومية هي مَن تحركها ولغت عقلها تماما، لكن لماذا كل ذلك عليها؟! هي لم تفعل شي، هي مثل أي انسانة طبيعية، تتمنى ان تصبح أُمًا في يوم من الأيام.
لماذا يجب عليها أن تُحرم من ذلك الحق الطبيعي، تخشي أن يعيش ذلك الطفل مع زوجة اب تجعله يعاني ويكره حياته كما حصل معها، لكنها لن تسمح أن يحدث ذلك له ابدا، فاقت من شرودها وأفكارها التي ستجعل عقلها ينفجر على يد آلاء التي ضمتها داخل حضنها وهي تطالعها بشفقة وحزن، ثم تحدثت بتعقل محاولة أن تتعامل مع الأمر بهدوء
:- يا بنتي متخافيش عشان خاطري وأهدي شوية، التحليل دة ممكن يبقي غلط أصلا، تعالي نروح نكشف ونتأكد، بعدين أنتِ معملتيش جريمة عشان تخافي للدرجة دي، مش هيحصل حاجة خليكي واثقة فيا ولو حامل أنا هتصرف مش محتاجة كل الخوف دة ثقي فيا مش أنتِ دايما بتقولي أن أنا زي اختك، قومي البسي وأجهزي وانزلي معايا كأني رايحة مشوار مهم وعاوزاكي فيه عشان تامر ميشكش في حاجة ونتأكد بعدها بقى نبقى نشوف المهم أنتِ اهدي الأول عشان خاطري.
تمتمت جملتها بهدوء تام؛ حتى تجعلها تهدأ، فأومأت فريدة براسها إلى الأمام من دون أن تعقب، ونهضت تخبر تامر أنها ستذهب مع آلاء، وهي تدعو ربها أن يفعل لها الخير.
سارت آلاء بصحبة فريدة بالفعل وقد طلبت من الحراسة ألا يأتوا معها، وسارت منطلقة بسيارتها نحو المركز الطبي حتى تتأكد من صحة حمل فريدة، لم تنكر أنها هي الأخرى تشعر بالتوتر لكنها تحاول أن تخفي شعورها حتى لا تجعل فريدة تتوتر مثلما كانت حالتها في الصباح عندما دلفت إليها.
ترجلت من السيارة بهدوء وقامت بمساعدة فريدة في النزول ايضا، ثم صعدت وتوجهت نحو الطبيبة التي قامت بالاتصال بها والاتفاق معها اثناء الطريق.
بدأت الطبيبة في فحص فريدة بدقة وعملية حتى انتهت، فعادت تجلس فوق مكتبها مرة أخرى، وأردفت قائلة لـ آلاء التي كانت تسند فريدة و تساعدها على الجلوس، وتحاول ان تجعلها تظل هادئة
:- هي الحمدلله صحتها كويسة جدًا، تهتم بس بأكلها وبالنظام الغذائي اللي هقولهولها، لكن هي كويسة والحمل الحمدلله كويس ولسة في بدايته.
ازداد وجه فريدة شحوبا بعدما اكدت الطبيبة على حملها، من دون إرادتها بدأت تبكي بصوت مسموع، وقد تبخر آخر أمل لديها، تبكي على مخاوفها التي تملكت من عقلها، وتشعر أنها هي المذنبة في حق الطفل الذي سيعيش حياة غير سوية بسببها.
لكن بكاءها في ذلك الوقت تحديدًا جعل الطبيبة تطالعها بنظرات شك، مما جعل الاء تتدخل على الغور تحاول تهدىة الوضع من حولها، وتحدثت قائلة لفريدة بنبرة مغزية
:- خلاص يا حبيبتي مالك محصلش حاجة، هتعرفي تربيه أحسن تربية مش لازم أبوه الله يرحمه، انا واثقة في تربيتك يا حبيبتي.
طالعتها فريدة بأعين متسعة مذهولة من الصدمة، فاشارت لها آلاء أن تصمت وتخرج تنتظرها في الخارج، نهضت بالفعل تلبي ما قالته وهي تشعر أنها في عالم آخر، وجهت آلاء بصرها نحو الطبيبة مرة أخرى طالعتها بهدوء، وتمتمت تواصل حديثها مع الطبيبة وهي ترسم فوق شفتيها ابتسامة كاذبة
:- معلش يا كتورة على اللي حصل، بس أصل جوزها لسة متوفي من فترة قريبة مش شايفاها لابسة اسود، عشان كدة زعلانه أصله كان نفسه يخلف أوي.
اومات لها الطبيبة بتفهم، وأعتذرت لها عن سوء الفهم الذي حدث لها، ثم خرجت آلاء تلحق بفريدة ونزلا سويا، كانت آلاء طوال الطريق تحاول ان تجعلها تهدأ وتثق بها، هي ستحل كل شئ بهدوء.
وصلتها نحو المنزل، وذهبت الاء نحو الشركة بعدما قد اعتذرت لعدي عن تأخيرها الذي بررت له بأنه قد حدث بسبب شئ خارج عن ارادتها.
أومأ لها بتفهم وهو حتى الآن لا يعلم كيف يقنعها ان تنفذ مخططه الخبيث الذي سيستغلها بسببه، لكنه يخشى أن يتسرع فيفشل كل ما خطط له، قرر الا يتسرع، ينتظر الوقت المناسب وينفذ ما في عقله، سيضرب عمر باكبر ضربة يأخذها منه، شئ لا يتوقعه ابدا مهما فكر لن يصل لما يدور في دماغ عدي من خبث وكره له.
❈-❈-❈
في المكتب الخاص بتامر كانت يجلس وعقله ليس معه نهائيًا، لا يعلم ما الذي يجب عليه فعله، لم يستطع أن يحدد مشاعره حتى الآن، يشعر انه وقع كالتائه في تلك الحياة الواسعة، لا يغلم ما الذي يصيبه عندما يري فريدة يشعر بأن جميع مشاعره امتزجت مع بعضها، على الرغم من انه ينكر ما يصيبه، لم يريد أن يعترف بمشاعره نهائيا حتى بينه و بين ذاته، يتهرب من مشاعره نحوها، هي فريدة بالفعل كالعملة النادرة الفريدة التي لم يجد مثلها من قبل، لكنه يحاول أن يعمي ذاته عن كل ذلك.
هو الآن يجاهد أن يقنع عقله وقلبه بحبه لبسملة، وأنه لن يخونها ويخون حبه لها، هو يقنع ذاته انه لن يحب أحد بعدها، شعر ان كل شئ بداخله غير مرتب لا يعلم هو ماذا يريد؟!... يخشى أن تكون فريدة مازالت مريضة حتى الآن نعم هو يخاف عليها ولن يستطع أن يفسر سبب الخوف الذي يشعر به تجاهها، ولكنه فجأة قطع شروده صوت هاتفه الذي صدح برقم غريب من الخارج.
فتح الهاتف ولكن قبل أن يتحدث وصل إلى مسامعه صوتها الذي يعلمه جيدا
:- الو يا تامر يا حبيبي أنا بسملة..
شعر بجميع عضلات جسده قد تشنجت بذهول من فرط الصدمة الذي اجتاحته، صُعق و كأنه في عالم آخر غير ذلك العالم، غير مصدق ما وصل إليه للتو، يخشي أن يكتشف أنه يتخيل في ذلك الوقت؛ لذلك قرر ان يتحاوز صدمته سريعًا، ويرد عليها ليتأكد هل هي عادت من جديد لتنير حياته كما يري هو من وجهة نظره؟!
ولكن هل هي ستنيرها أم ستهدمها وتدمرها تماما بعد ظهورها في ذلك الوقت بالتحديد؟!..
يُتبع