الفصل الخامس (دقلديانوس) - طغاة التاريخ
الفصل الخامس
دقلديانوس
هنتكلم النهاردة عن واحد من أشهر الطغاه في التاريخ وصل جبروته لدرجة إنهم أطلقوا على عصره اسم عصر الشهداء من كتر الناس اللي ماتوا في عهده واللي كانوا كلهم من المسيحين ووصل عدد الشهداء من المسيحين في عهده لمليون شهيد وأكتر.
هنتكلم عن "دقلديانوس"
وهو الإمبراطور الروماني من عام 284م إلى 305م واسمه بالكامل "غايوس أوريليوس فاليريوس ديوكلتيانوس"
ولد "دقلديانوس" أو "ديوكلتيانوس" يوم ٢٢ ديسمبر من عام ٢٢٤م في مدينة "سالونا" بولاية "دالماشيا" بإقليم "أيلليريا" المطلّ على البحر الأدرياتى غرب كرواتيا.
ولد في عيلة فقيرة جدًا جدًا ويقال إن أبوه و أمه كانوا من العبيد الدلماشيين وتم اعتاقهم.
اشتغل أول حاجة سايس في اسطبلات الخيل وبعدين انضم للجيش وفضل يترقى لحد ما انضم لطبقة الفرسان وقدر ياخد لقب دوق ولاية ميسيا وبعدين قدر يوصل إنه يبقى قائد قوات الحرس الإمبراطوري الخاص ودى كانت وظيفة خطيرة جدا في الوقت ده.
كفاءته كقائد بقى ظهرت في حرب فارس اللي قدر يثبت فيها إنه قد المسؤلية ويعتمد عليه وكان السبب في فوز الإمبراطورية الرومانية بالحرب دي ومن هنا زادت شعبيته جدا في البلاد.
عام ٢٨٤م توفي الإمبراطور "نوريانوس" وهنا مكانش فيه قدامهم إلا دقلديانوس علشان يتولى الحكم واللي كان اسمه وقتها "ديوقليز" وفعلا اتولى عرش الإمبراطورية الرومانية وغير اسمه وسمى نفسه "ديوكلتيانوساو دقلديانوس"
❈-❈-❈
كان دقلديانوس بعد ما اتولى الحكم ينطبق عليه المثل اللي بيقول "شبعة من بعد جوعة" بالظبط عمل لنفسه تاج من اللؤلؤ وكان بيلبس ملابس مصنوعة من الحرير والذهب حتى الأحذية كانت مرصعة بالأحجار الكريمة.
بِعِد دقلديانوس عن عيون الناس وكان علطول قاعد في القصر بتاعه وعلشان واحد يزوره لازم يعدي الأول على صفين طوال عراض من الخصيان والحجاب وأمناء القصر من أصحاب الألقاب والرتب كمان لازم اللي يدخل يركع قدامه ويقبل طرف الثوب بتاعه.
(مش بقولكم جعان وما صدق)
كان حكم دقلديانوس نقطة تحول في تاريخ الامبراطورية الرومانية يعتبر من أول حكمه تحولت الامبراطورية الرومانية للعصر البيزنطى ودا طبعا بسبب التغييرات اللي عملها في نظام الحكم.
عمل دقلديانوس تغييرات في إدارة الامبراطورية وغير تقسيم الولايات فيها، فيه ولايات ضمها على بعض وولايات تانية اتقسمت زي مصر مثلا قسمها ٣ أقسام وكل قسم ليه حاكم مدني مختلف أما السلطة العسكرية فكانت تحت حكم حاكم عسكري اداله لقب دوق مصر.
كمان ساب العاصمة روما واختار عاصمة جديدة وهى "نيقوميديا" ودي مدينة في آسيا الصغرى جنب بيزنطة من جهة الجنوب بينها وبين بيزنطة كام ميل كدا وبيزنطة دي اللي عملها قسطنطين الأول عاصمة لحكمه وسماها القسطنطينية نسبة ليه وهي موجودة دلوقتى في تركيا.
عام ٢٨٦م يعنى بعد سنتين من حكمه حس إن الامبراطورية كبيرة عليه امبراطورية ضخمة مترامية الأطراف تمتد في ٣ قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا فقرر يقسمها نصين ويعين صاحبه "ماكسيميان" إمبراطور معاه وخد هو الجزء الشرقي من الامبراطورية وماكسيميان الجزء الغربي وأطلق على نفسه لقب أغسطس الشرق وماكسيميان أغسطس الغرب واختار ماكسيميان مدينة "ميلان" عاصمة له.
فضلت الأمور ماشية كويس لمدة ٦ سنين وبعدين طلع في دماغه يقسمها على أربعة مش اتنين بس.
عمل إيه؟ قالك كل أغسطس يعين نائب ليه يكون محل ثقة ويجوزه بنته ويقوم بمهام الأغسطس وفعلا اختار دقلديانوس "جاليريوس" Galerius نائب ليه وقرر جاليريوس أن تكون عاصمته مدينة "صرميوم Sirmium"وهي "متروفيتسا Mitrovica" على نهر السافا Save، وعهد إليه حكم ولايات الدانوب.
واختار ماكسيميان "قسطنطينيوس طلورس" Constantius Chlorus (الأصغر) نائب له ودا بقى اختار العاصمة بتاعته تكون مدينة "أوغسطا ترفرورم" Augusta Trevirorum (تريف Treves) وأطلق عليهم لقب "قيصر" جاليريوس قيصر الشرق وقسطنطينيوس قيصر الغرب واتقسمت السلطة على الأربعة وفعلا بدأ كل واحد يقوم بمهامه من غير ما يحصل خلافات بينهم.
كمان تعهد كل أغسطس أن يعتزل الملك بعد عشرين عاماً ليخلفه قيصره؛ وكان من حق هذا القيصر أن يعين هو الآخر "قيصراً" يعاونه ويخلفه.
طبعا التغيير اللي عمله دقلديانوس ده كان علشان يجنب الإمبراطورية أي فوضى تحصل لو حصل أي حدث مفاجئ موت الإمبراطور مثلا أو ثورة تقوم أو نشوب حرب فجأة أو أي حاجة واهو لو حصل حاجة لواحد فيه تلاتة غيره مفيش حاجة تأثر على الإمبراطورية.
طبعا التقسيم ده مبانش سلبياته أيام عهد دقلديانوس إنما بان بعد كدا لما حصل خلاف على السلطة بين ماكسميان، وقسطنطنيوس وكان كل واحد عايز يستحوز على السلطة ودا أدى لحرب أهلية بعد اعتزال دقلديانوس الحكم.
❈-❈-❈
بالنسبة لسياسته الاقتصادية في إدارة شؤون البلاد: فكانت سياسة فاشلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى وعرضت الامبراطورية لأزمات اقتصادية كبيرة جدا.
منذ توليه الحكم عام ٢٨٤م وبدأ فورًا في زيادة الإنفاق العام بصورة كبيرة جدا وغير مسبوقة علشان يمول مشاريع حكومية بميزانية ضخمة جدا.
وفقاً لريتشارد إبلينج ارتفع في عهد دقلديانوس الإنفاق على تسليح الجيش والإنفاق العسكري بصفة عامة.
توسّعت البيروقراطية الرومانية في عهد دقلديانوس، وتم تسخير العمالة لإنهاء المشروعات الكبرى التي خطط لها.
وعلشان يقدر على تمويل الأنشطة الحكومية دي قام الإمبراطور برفع الضرائب على جميع فئات الشعب الروماني، وطبعا ده نتج عنه تراجع الحافز على العمل والإنتاج والاستثمار وطبعا دا كله نشأ عنه تدهور حركة التجارة.
لما عجزت الضرائب عن تمويل احتياجاته من الإنفاق العام لجأ لتخفيض قيمة العملة في البلاد وعمل كدا بمزج المعدن اللي العملة بتتكون منه وهو الذهب والفضة بمعادن تانية رخيصة وقلل وزن العملة الجديدة وأصدر قوانين تجبر الناس في روما و كل أنحاء الإمبراطورية انهم يتقبلوا العملة الجديد دي غصب عنهم وطبعا المفروض يتقبلوها بنفس قيمة العملة القديمة.
الناس بقى عملت ايه؟ قبلت العملة الجديدة عادي بس كانت بتداولها بقيمة أقل من قيمتها وبدأ التجار إنهم يخزنوا العملات القديمة ويستعملوا العملات الجديدة بس طبعا لأنها بتشتري كميات أقل من السلع عكس العملة القديمة وطبعا دا أدى لحدوث تضخم واضطر الإمبراطور يسك عملات أكتر وأكتر من العملة الجديدة علشان يقدر يسد العجز الموجود في الميزانية.
موقفش دقلديانوس عند هذا الحد من العبث في اقتصاد البلاد دا كمان فرض ضرائب عينية بدل الضرائب النقدية ودا طبعا كان إقرار منه إن نقودة رديئة ومالهاش قيمة مما تسبب في حدوث شلل في حركة الاقتصاد في البلاد
في عام 301م أقدم الإمبراطور على إصدار أسوأ مرسوم في تاريخ البلاد والمعروف "بمرسوم دقلديانوس"
قام في المرسوم ده بتثبيت أسعار القمح واللحوم والبيض والملابس وعدد من المنتجات الأخرى كمان قام بتثبيت أجور العاملين في إنتاج السلع دي وكانت عقوبة أي حد يخالف تسعيرته الجبرية دي هي الموت فورا وعلشان كدا اختفى الحافز عند الناس أنها تنتج السلع دي لأنهم لو قاموا بانتاجها قدامهم حاجة من اتنين يا إما الخسارة من بيعها بالتمن اللي حدده يا إما الموت نظير بيعها بسعر أكبر من التسعيرة وطبعا الناس قالت وعلى إيه الطيب احسن بلاش وخلاص.
كمان أصدر قانون بمنع احتكار السلع دي وأي حد هيتقبض عليه وعنده منها هيتم مصادرتها فورا وإعدام المحتكر.
فى الأجزاء اليونانية من الإمبراطورية الرومانية عثر الأثريون على جداول التسعيرة الجبرية لأكثر من ألف صنف من السلع والأجور، التى أقرتها الحكومة وفرضتها على الشعوب الخاضعة لسيطرتها، وقد وجدت مخطوطة لرجل روماني يدعى "لاكتانيوس" كتب فيها عن دقلديانوس:
"إنه نصّب نفسه وليا على تنظيم أسعار كل ما يتم تداوله، وكان هناك الكثير من الدماء المسفوكة على جوانب مخالفات تافهة، مما جعل الناس يعزفون عن إدخال مزيد من السلع إلى الأسواق، وقد ساهم ذلك فى تعزيز ندرة تلك السلع، وفي النهاية وبعد أن مات عدد كبير من البشر بسبب تلك القوانين، تم تنحيتها جانباً"
علشان كدا كان رأي الكثير من المؤرخين والاقتصاديين أن دقلديانوس كان لا يؤمن بالقيم الفردية ويتبنى مفهوماً فوقياً للدولة على حساب مصالح الأفراد.
كمان كانوا شايفين إن تنظيم الأسواق بالكيفية اللي فرضها المرسوم يمكن أن ينجح خلال فترات محدودة جداً، وعلى نطاق ضيق للغاية، لكن استدامة هذا النوع من سيطرة الدولة أمر مستحيل.
❈-❈-❈
أما بقى عن سياسته الدينية: كان دقلديانوس وثني الديانة وكان يؤمن بتأليه الإمبراطور وإنه نصف إله ولازم الناس تعبده لكن في أول حكمه مكانش فيه من ناحيته أي عداء للمسيحيين وكان سايبهم يمارسوا شعائرهم براحتهم لكن لما بدأ عددهم يزيد اتحولت معاملته ليهم ١٨٠ درجة عاملهم بمنتهى الوحشية مارس كل وسائل التعذيب اللي ممكن تتخيلوها أو متتخيلوهاش هدم الكنائس والأديرة، أعدم الاساقفة، والرهبان، والراهبات، معتقش ومرحمش ولا أطفال، ولا نساء، ولا كبار السن، خلص على كله.
اللي حصل بقى للمسيحين في كل الامبراطورية كوم واللي حصل للمسيحين في مصر كوم تاني خالص خدوا نصيب الأسد من التعذيب والقتل لدرجة إن المؤرخين قالوا لو حطوا اللي حصل لكل المسيحيين في الإمبراطورية في كفة واللي حصل للمصريين في كفة لرجحت كفة المصريين.
من المواقف اللي حصلت إن واحدة اسمها "زوئي" ودي كانت زوجة السَّجان المكلف بحبس المسيحين قبل إعدامهم وكانت زوئي دي هى المسؤولة عنهم ومن تعاملها معاهم اقتنعت بالديانة المسيحية وتنصرت وهنا قبضوا عليها وربطوها في شجرة وولعوا فيها وبعد كدا خدوها وربطوا حجر في رقبتها وحدفوها فى البحر.
في عام 286 م اِستُشهِدت الكتيبة العسكرية الطيبية ودول كان عددهم ٦٦٠٠ واحد من طيبة في مصر اللي هى الأقصر حاليا بعتهم الحاكم العسكري لفرنسا اللي كان اسمها فى الوقت ده "بلاد الغال" علشان يساعدوا ماكسيميان هناك وهما هناك أمرهم الإمبراطور إنهم يقدموا الذبائح والقرابين للأوثان فطبعا رفضوا ورفضوا كمان إنهم يرددوا القسم اللي بيجبرهم أن يقضوا على المسيحية في بلاد الغال فقام ماكسيميان بقتلهم كلهم مسابش منهم ولا واحد ودا حصل يوم 22 سبتمبر عام 286م.
كمان في مصر قام أريانوس ودا كان والي "أنصِنا" بتعذيب عدد كبير من المسيحيين في بلاد الصعيد من ضمنهم الشهيدة "دُولاجي" الأُم وأبنائها، والقديس "أبو قلتة" والأنبا "بضابا" الأسقف وغيرهم آلاف مؤلفة لكن بعد كدا حصلت لأريانوس ده معجزة خلته يعتنق الدين المسيحى وبعت رسالة لدقلديانوس قاله إنه تنصر وإنه ندمان على اللي عمله وكان رد دقلديانوس على رسالته انه أمر بقتله فورا.
استمر الاضطهاد للمسيحين لحد ما وصل لذروته عام ٣٠٢م ولحد ٣٠٥م لما أصدر دقلديانوس أربع مراسيم تحث على اضهاد المسيحيين، زى حرق الأناجيل، و الكتب الدينية، و منع المسيحيين من التجمع، و تحريم القيام بأي صلوات أو طقوس دينية، و قتل كل الرجال و النساء و الأولاد وأي حد يرفض تقديم القرابين للالة الوثنية.
أصدر في مارس عام ٣٠٣م منشورين أمر فيهم بسجن رؤساء الكنائس وتعذيبهم لحد ما يرتدوا عن دينهم.
طبعا كل السياسات بتاعته دي من قتل وتعذيب كانت دافع للناس إنهم يتمسكوا بدينهم أكتر وكمان كان دافع لدقلديانوس إنه يعذب فيهم أكتر ويبتكر أدوات تعذيب وأساليب جديدة علشان يسيبوا دينهم.
وصل عدد اللي اتقتلوا لأكثر من مليون مسيحي علشان كدا سموه سفاح المسيحين وقالوا على عصره زي ما قولنا "عصر الشهداء" كمان الأقباط في مصر من كتر التعذيب اللي شافوه خلوا بداية التقويم القبطى من عام ٢٨٤م وهي السنة التي تولى فيها دقلديانوس الحكم.
عام ٣٠٥م تنازل دقلديانوس عن الحكم هو وماكسيميان لجاليريوس وقسطنطينيوس واعتزل الحكم وعاش في القصر بتاعه في مدينة "سبليت" في كرواتيا معزول عن العالم عايش حياته وبيقضي وقته في زراعة الكرنب آه والله زي ما بقولكم كدا كان معظم وقته ضايع في زراعة الكرنب أو الملفوف زي ما بيقولوا عليه ومزاجه ميت فل وعشرة لدرجة ان لما حصل النزاع على الحكم وبعتله ماكسيميان علشان يرجع الحكم تاني ويقضي على الخلاف اللي حاصل رفض وقاله:
- إذا كان بإمكانك إظهار الملفوف الذي زرعته بيدي لإمبراطورك، فهو بالتأكيد لن يجرؤ على اقتراح أنني استبدل السلام والسعادة في هذا المكان بعواصف الجشع الذي لا يرضي أبدًا.
مات دقلديانوس سنة ٣١١م وساب وراه تاريخ طويل مليان بالقتل وسفك الدماء.
يتبع