رواية صمت الفتيات - الفصل الثامن عشر - بقلم الكاتبة خديجة السيد
رواية صمت الفتيات بقلم الكاتبة خديجة السيد
تعريف الرواية
تبدأ الحكاية في نسق مشوق مع ظهور عروسة بفستان زفاف ملطخ بالدماء قد ارتكبت جريمة قتل وبعدها يتم القبض عليها ليلة زفافها؟ ويفشل المحقق أن يقنع العروسه بالتحديث وتستمر بالصمت فقط في ظل أحداث غامضة دون دوافع للقتل! و هكذا توصد كل الأبواب وتساق عليها؟
حتى كانوا لا يعرفون اسباب عائله المجني عليها وخطيبها الذي يصاب بصدمة كبيرة، وفي مجتمعاتنا الشرقية وتكون التأويلات كثيرة ويُصدر الناس أحكامهم ضد المتهم من لحظة الإمساك به، ويتشوق الجميع لرؤية القاتل معلقا بحبل المشنقة وباسرع وقت مما يدفع أجهزة النيابة والقضاء سرعة، فعندما تكون المتهمة امرأة وبأي قضية فلا أعذار لها ولا بحث عن الدوافع.
لكن فجأة تعاكس الأقدار ومع قرار المتهمه المفاجئ اخيرا بالتحديث لكن أمام الصحافه!! لكن ليس حتى تنقذ نفسها بل لانقاذ حياة اطفال ابرياء حتى لا يقعون مثلها في ذلك الفخ! و تبدأ بالسرد بما تستطع البوح به خلال طفولتها بما أصابها لتحمل طيلة عمرها عقدة الخوف والوحدة لتوصلها في نهاية المطاف إلى ذلك الحل حتي لا يقع غيرها بي، حتى لو اضطرت الي فضح نفسها؟ بصفتها قضية حساسة يرفض المجتمع علاجها خوفاً من الفضيحة والعار الذي سيلحق بالفتيات الصغار الغير مذنبات، مستخدمة نظرية العـ ــنف يولد العنف، والحل من وجهه نظرهم "صمت الفتيات"
لكن يا ترى ماذا سوف يكون رد فعل الاهالي والمجتمع وخطيبها على حديثها ذلك؟.
تصنيف الرواية
اجتماعية، واقعيه، قضايا هامة، روايات مصريه، قصص واقعية
حوار الرواية
عاميه مصرية، لهجة عامية
سرد الرواية
اللغة العربية الفصحى
❈-❈-❈
الفصل الثامن عشر
= اسكتي ولا كلمه مش عاوزه اسمع منك حاجه ذي كده واياكي ثاني مره تقولي الكلام ده فاهمه ولا لاء
ابتلعت ريقي بصعوبة بالغة وتذكرت تلك اللحظات والسنوات التي مروا عليا كالدهر بعد تلك الليلة المشؤومه من تحت رأسه! ليله زفافي..!! وقد اثاره هواجسي وهمست وأنا شاحبة.. خائفة.. مضطربة حد القيئ
= التحرش في بلادنا ذي وصمة عار مقرفة مالهاش طعم ولا لون ولا معنى.. ومجتمع منهار وبيوت مليانة مشاكل وستات خايفة تتكلم وتعترض و تاخد حقها؛ عشان خايفة من الوصمة وعيون الناس ولسانهم واللي بيزيد ويغطي الخوف من العيلة اللي اول ناس بيقفوا ويحاربونا!! العيلة اللي المفروض تدعم وتحب وتطبطب.. تدعم قرار البنت اللي تتكلم وتقول انا اتحـ ـ ــرش بيا او اغتصـ ــ ــبت.. مفروض يسندونا احنا ويقفوا جنبنا ،احنا الصح، هم ازاي بيقدروا يزيفوا الحقيقه كده ويجوا علينا بدل ما يساعدونا مفروض كل بنت تتعرض لحاجه زي كده تلاقي كل واحد حواليها بيساندها فتديهم ثقة اكبر في نفسهم واختياراتهم عشان انا وكل بنت ذيي نستحق حياة افضل، حياة مفيهاش خوف ولا قلق من الناس حياه احنا نختارها بنفسنا.. هم ليه مش عاوزين يقتنعوا ان الحق معانا احنا مش هم..
صرخت من بين أنياب أسناني وجسدي كان ينتفض اشبه بالصدمه الكهربائية بالنسبه لي فأنا لأول مرة في حياتي اتجرا واتحدث عن ذلك واكشف المستور والحقائق الخفيه ..وكل هذا يسقط عليه في انٍ واحد كالصاعقه التي شلت حركتي وتفكيري
= هم اللي بيعـ ــ ــتدوا علينا ويدخلونا في حاله نفسيه صعبه جدا وخوف و وجع وقرف من كل حاجه
تصلب وجه الضابط بغضب عاصف ضاغطاً بقوة على فكه وهو يشعر بالاسي علي حالي بينما أنا؟
رفعت عيناي انظر له بألم وقد هوت دموعي فوق خدي بغزاره و ضعف و رأيت الضابط وهو يجلس امامي فوق المقعد ولكن هذه المره بعيون يملؤها الشفقه وهو يتابع بصدمه ما أقوله.. حاله من صمت دامت للحظات فهو حقاً لا يعرف بماذا يجب عليه ان يفعل الان؟! اصره الجميع على قول الحقيقه، وعندما تحدثت اصابوا بحاله ذهول وصمت!! حتي هتفت من بين شفتي بعيون تترقق بها الدموع وصوت متحشرج اثر الغصه المريرة التي سرت بحلقي
= صح انا فضلت سنين طويله قوي ساكته ومش بتكلم ولا باحكي اللي حصل لي لاحد من بعد ما ياست انهم يصدقوني ويدوني فرصه يسمعوني اصلا.. لدرجه أنا بقيت مستغرب الهدوء اللي انا فيه، رغم إني جوايا كلام كتير أوي.. بس مش عارفه اقول لمين.. او اقولة لي حتي ايه اللي هيتغير، تفتكر هو انا لو كنت حكيت لحد اللي حصل لي كان هياخذوا موقف منه ويبعده عننا وعن العيله كلها عشان ما يضرنيش.. ولا كانوا هيتعاملوا عادي ولا اكن حاجه حصلت
شعرت بشمإزاز وخوف وقد اقشعر جسدي وأنا اتذكر واتحدث عن الخطط البشعه من عمي حمدي و من حولي اتنفضت تلك الافكار في ذهني فأنا لا اتحمل ما كان يحدث لي من تلك الخطط الدنيئه..!!
ولم استطيع منع سيل دموعي فوق وجنتي بانهيار فقد كانت الحقيقه صادمه لي ولي الجميع ولكن هذا فوق طاقتي ..!! ولكن قد حان وقت كشف الاسرار التي تدثرت طويلاً بين ثنايا الزمن.
= عارف انا بعد ما كبرت واستوعبت الحقيقه واللي كان بيجبرني عمي حمدي يعمله معايا ده اسمه ايه! أنا معيطتش وقتها، ايوه حتى خوفي كتمته جوايا.. بس أنا عيطت لما ملقتش حاجه ألبسها في اكثر مناسبه مهمه ليا في تخرجي،ولما سلسلتي إللي بحبها اتقطعت، ولما سرحت شعري ومتظبطش، أنا عيطت على كُل حاجه تافهه علشان قُدام السبب الكبير كتمت وعملت مش هاممني و اتجاهلت
لم تكن هذه المره الاولى التي حاولت فيها التحدث مع امي حول موضوع التحرش و الاعتداء الذي ظليت أتعرض لي لعدد سنوات بصمت، لكن كنت دائما اجد رد فعل قاسي جدا منها ومن غيرها! فحاولت ان اجد احد غيرها اتحدث معه لعله يفهمني ويفهم ما اقصده!
وفي ليله كانت جدتي زبيده في منزلنا فهو معروف لدينا يوم الجمعه تتجمع العائله يوم الاجازه، وعندما جاءت جدتي هذا اليوم مبكراً حاولت استغلال الامر لاتحدث معها وانا ادعي داخلي ان تفهمني ولا اجد منها رد فعل لا احبذه .. تقدمت وجلست بجانبها عده ساعات وانا احاول اؤهل واشجع نفسي للتحدث فلم يكون الامر بهذه السهولة مطلقاً.. وكان الجانب الأصعب عندما اتحدث وبعد ذلك لم يعطوني فرصه لاكمال الحديث ..وبعد صراع طول معي تحدثت بصوتي المرتبك بشده وانا أقول
= تيته كنت عاوزه اقول لك على حاجه!
ابتسمت لي بحب وقبلتني من وجنتي بلطف وقالت
= قولي يا روح تيته عاوزه ايه
لم يكن حب زائف منها او مصطنع فهي بالفعل تحبني لذالك تشجعت حتى اتحدث معها فبالتاكيد سوف تعطيني الفرصه للحديث وتسمعني! ومع ذلك حاولت اجمع الكلمات بطريقه غير مباشره للتحدث وقلت
= تيته انا لي واحده صاحبتي بتقعد مع واحد قريبها لوحدهم كثير و ساعات هو بيجبرها تقعد معاه وهي مش عاوزه ..بس هو بيقرب منها بطريقه وحشه وبيلمـ ــ ــسها فـ..
وكالعاده لم استطيع اكمل حديثي! حيث نهضت فجاه وهي ترمقني بنظرة جامدة صائحه بصدمه وعصبية
= بيلمـ ــ ــسها فين؟ يا نهار اسود اسكتي ايه الكلام اللي انتي بتقوليه ده.. تعالي يا نشوي شوفي بنتك بتقعد مع مين ولا بتصاحب مين؟ وبيملي عقلها بكلام مش كويس..
جاءت والدتي تهرول من الداخل بخطوات غاضبه نحوي وهي تنظر إليه بملامح متهجمه و مزعجة مني لتفهم ما كنت أقوله لها وبدات في تبويخي دون اعطائي فرصه للحديث او الدفاع عن نفسي!
وكأنه بركان غضب اشتعل و تدفق بعروقها فأفقدتها رشدها لتهتف بحزم
= الحقي بنتك بدل ما تضيع و ترجعي تعيطي عليها.. وابعديها عن صحابها اللي مش كويسين دول؟ احنا الحمد لله طول عمرنا الكل بيحلف باخلاق بنات واولاد العيله.. تيجي بنتك على اخر الزمن تشبه سمعه العيله
حدجتني أمي بضيق شديد بينما أنا نظرت لهم بعين خاوية من أي مشاعر، احاول بمجهود جبار كتم بكائي الذي سينقلب صراخًا يرج ويحاوطني بعد أن اترك لي العنان
وبدل من اشكو لأجل أن يتعاقب الجاني تم معاقبتي أنا هذا اليوم، لجلوسي في غرفتي بمفردي! ولم اجلس مع الأسرة كـعقاب سيء إليه لكن والدتي لم تكن تعلم ان كان هذا افضل عقاب إليه..!!
وبعد تلك اللحظه لم احاول مره ثانيه ان اتحدث مع عائلتي حول هذا الموضوع مطلقاً او بالاحرى لم اتحدث طول باقي حياتي.. ويبقى الصمت هو المحطة الأخيرة لكل الأشياء المؤلمة.
اغمضت عيني بشده اثر تلك الرجفه التي تسري بجسدي والتي اشعر بها لأول مره لم تكن خوف بل شعور اخر تتلذذت بي ولكني لا اعرف هويته فهو كضيف يدق بابي لأول مره.. لكن ربما ذلك الشعور النادر عليه وهو "الراحه" وقلت
= حرفياً فكره إنك تخبى إللى تاعبك وتفضل ساكته عشان ما تبينش لحد مهلكه جداً
جائت انمالي تحيط بوجنتي ومسحت دموعي بعنف نازعه نفسي من دوامه افكاري وكان الضابط يهم بسؤال أخري ولكن تحدثت بما في داخلي من مرارة وقهر
= وبعدين كنت هتكلم ازاي واحكي لماما وبابا وهم اول ناس وانا صغيره فهموني ان اللي بيتحرش بواحده هي اللي غلطانه مش هو وجابوا الحق عليها.. ده كمان عمل لي خلل في عقلي وانا صغيره وخلاني اصدق كلامه عن العار و الفضيحه ..اللي هاجيبهم لاهلي لما اقول لهم حاجه زي كده حصلتلي
ساد الهدوء والصمت فتره قصيره ثم رأيت الضابط يمسح وجهه بضيق مكتوم ويحاول ضبط انفعاليته ثم نظر إليه قائلا بنبرة محذرة
= هو ايه اللي خلاه يبعد عنك بعد ثلاث سنين اشمعنى الوقت ده بالذات بعد وبطل يعمل اللي بيعمله معاكي
ابتسمت بسخرية مريره واضافت من بين عيوني الحمراء بشده وكانت تلتمع الدموع متحجرة داخلها وقلت بصوت ضعيف متعب بضعف
= عشان كبرت! وهو بيعمل القرف ده مع اطفال بس؟ انا باخاف قوي من الفكره دي؟ لما بتخيل ان ممكن يكون عمل اللي بيعمله معايا مع بنات غيري.. ويعيشوا نفس اللي انا كنت بعيشه
رأيت نظرات الاشفاق بين عينه وهو يتنهد الضابط قائلاً بقلة حيلة
= يعني انتي يا ريحانه فضلتي طول السنين دي كلها ساكته وما حاولتيش تعرفي حد ولا حد حس بحاجه؟ طب كنتي بتتعاملي ازاي معاه لما كبرتي؟
هززت رأسي بصمت لدقيقه واحده حتي نهيت هذا الصراع الذي بداخلي ونطقت حروف كلماتي ببطء شديد بسبب الارهاق النفسي الذي بدات اشعر به من كثر البكاء والتفكير بالماضي
= يااه فكرتني بحاجات بقالي سنين بحاول انساها المشكلة انه من العيلة ومحدش عرف حاجة ولسة مضطرة اشوفه في كل مناسبة ولازم اسلم عليه والا هيقولوا عليا قليلة الادب ومش متربيه.. مش عارفه ازاي كانت بتيجيله الجراه ان يدخل البيت ويقعد وسط بابا وماما وياكل ويشرب عادي.. ويسلم عليا ويحط عينه في عيني ولا اكنه عامل حاجه، ازاي بسهوله كده نسي الاذى النفسي اللي عملهلي؟ وكل اللي انا مريت به بسببه ومش قادره انساه! عارف لما كبرت كان بياجي يزورنا في البيت كنت باحاول اخترع اي اسباب عشان ما اطلعش واسلم عليه واشوفه؟ تخيل! انا اللي كنت بخاف واداري نفسي منه وهو قاعد بره بيضحك ولا في دماغه حاجه، بس كان غصبا عني لازم اطلع واسلم عليه! لا إلا ابقي قليله الذوق وما باحترمش الكبير
يـتـبع..