-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل الثاني

 رواية نابغة بعصر الأغبياء
للكاتبة أسماء المصري


رواية نابغة بعصر الأغبياء

الفصل الثاني

شتاء يناير عام 1904 


تلك السعادة التي غمرتها عندما تمسكت رضيعتها بسبابتها بقوة وهي تبتسم لها فشعرت بأنها امتلكت العالم بعد أن عانت الأمرين حتى تستطيع الإنجاب وأخيراً تحقق حلمها فأنجبت طفلة بجمال خاص وعسليتين ساحرتين تبتسم لكل العيون التي تنظر لها .


اقترب إيدي من زوجته وهمس بأذنها بشئ جعلها تبتسم باتساع وأومأت فورا ليرفع بصره صوب عائلتهما ويقول بفرحة: 

-لقد اتخذنا قرارنا وسنميها دورثي لويز على اسم والديتنا .


اقتربتا منهما بفرحة وتمنتا لهما وافر الصحة والعافية، ولكن الأمور لم تظل هكذا عندما جاءت تلك السيدة لتبارك المولود الجديد ففزع أهل البيت وهدرت هانده بزوجها: 

-اخرجها من هنا ، فأنت تعلم أنها تجلب النحس .


ابتسمت لهما مارسيل و قالت بغضب: 

-كل ما هنالك أن تنبؤاتي تكون صائبة لذلك الكل يهابني ولكني لا أسبب الفعل فقط أتنبأ به .


همست والدة هانده لها قائلة: 

-هي معها حق فكما تنبأت أنك ستحملين ثلاث مرات وتخسرين الأجنة، قد تنبات أيضاً أن تلك المرة سيكتمل الحمل لذا دعيها تقول لنا ماذا ترى .


انصاعت هانده لحديث والدتها فاقتربت مارسيل وامسكت الرضيعة والتي لم يتخطى عمرها بضع ساعات وقالت بإثارة: 

-تلك الفتاة ستحيا من رمادها ويصبح لها شأن عظيم ولكن بعد أن تولد من جديد .


نظرت لها هانده بتعجب وسألتها: 

-ماذا تعني  بحديثك هذا، وضحي أكثر!


ردت بخزي: 

-للأسف فطالعها غير واضح وبه غيوم كثيره ولكنني أشعر باﻻرتياح وأنها ستكون ذات شأن كبير .

❈-❈-❈

ربيع عام 1907


لم تصدق أنها كادت أن تفقد صغيرتها بعد أن سقطت على الدرج ولكنها ها هي أمامها بشحمها ولحمها تنظر للجميع وتلعب بدميتها الخشبية فاقتربت منها تحتضنها هاتفة بلهفة: 

-حمدا لله على سلامتك صغيرتي، كدت أموت من خوفي عليكِ.


رفعت الصغيرة دورثي وجهها وقالت بتلعثم وصوت طفولي: 

-أين أنا؟


رد إيدي ببسمة هادئة: 

-أنتِ ببيتك حبيبتي وبين أهلك.


ردت بخوف ظاهر على وجهها: 

_أنا أريد العودة للمنزل، أريد العودة لموطني .


تعجب الجميع من تفوهها بهذا الحديث فاقتربت منها هانده بهدوء تربت عليها بحنان وهي ترمق زوجها بحيرة وهمست لها بحب: 

-حبيبتي دورثي، أنتِ بمنزلك يا صغيرتي.


ردت الأخرى بصراخ وبكاء حاد: 

-لاااا أنا أريد العودة لمنزلي، من أنتم فأنا أريد والدي!


بكى الجميع على حالها فسألها إيدي بهدوء: 

-من يكون والدك صغيرتي؟ 


ردت موضحة: 

-والدي هو ڤاريس منكاو، جندي يعمل لدى الملك.


اتسعت حدقتي والدها وهو يستمع لتلك الكلمات الغريبة التى تخرج من فم طفلة بالثالثة من عمرها تتحدث وكأنها فتاة كبيرة فسألها مجددا: 

-وأمك؟


ردت: 

-لا أتذكر.


ابتعد عنها لحظات وأتبعه الجميع من عائلتيهما فتحدث بتوضيح: 

_يبدو أن السقطة قد أثرت عليها لذلك لابد من إحضار الطبيب مرة أخرى حتى نطمئن عليها أكثر.

❈-❈-❈


-بترشيييييييت ، أين أنتِ حبيبتي؟

استمعت لتلك الأصوات اﻵتية من بعيد ولكنها لا تعلم مصدرها فتلفتت حولها تنظر يمينا ويسارا بتلك العتمة ليعود الصوت من جديد: 

-عشيقتي أين أنتِ؟


همست بتوتر: 

-أنا هنا، أرجوك لا توترني.

ابتسم سيتي واقترب منها من الخلف واحتضنها واضعا ذقنه على كتفها ومحكما ذراعيه على جسدها وقال بحب: 

-اشتقت لكِ.


اسندت رأسها على صدره ورددت بدورها: 

-وأنا أيضاً اشتقت لك مولاي وحبيبي .


أدارها لتنظر له فابتسم فورا من جمالها الآخاذ وقال بإطراء: 

-أجمل من رأت عيناي، كيف استطعتِ سرقة قلبي يا فتاة.


ضحكت بفرحة وداعبت وجهه بأناملها تجيبه بتساؤل: 

-من منا سرق قلب الأخر؟


دفعها بمشاكسة فسقطت على الأرض المزروعه أسفلها والخضراء وانقض عليها يداعبها ويدغدغها بمرح وكأنه شخص عادي لا ملك وفرعون وظلت هي تضحك حتى انفطر قلبها من كثرة الضحك فقالت بلهاث: 

-توقف، هذا يدغدغ كثيراً.


ظل يشاكسها حتى بكت من كثرة الضحك راجية إياه: 

-أرجوك مولاي توقف فهذا مؤلم حد البكاء.


لم يعبأ بما تقوله و هتف بمرح: 

-حد البكاء الضاحك أليس كذلك يا من سرقت قلبي!


اعتدلت بجسدها عندما توقف لحظة ونظرت له بوله وأحاطت وجهه بكفيها واقتربت من شفتيه وتحدثت بحب: 

-أنا خُلقت لأجلك يا مولاي وحبيبي ، وكم أخشى المستقبل وما يمكن أن يجلبه لنا من أهوال.


قبلها بحب ولهفة وعقب على حديثها مؤكدا: 

-لن يفرق بيننا إﻻ الموت بنترشيت، تأكدي أنني لن أتركك أبدا حتى وإن خسرت ملكي ومملكتي.


استرسل بالحديث مطنبا: 

-فقط أعلمي أنني أحاول لأجلك ولكن عليكِ الإنتظار قليلاً حتى أستطيع أن أفي بوعدي لكِ وآخذك بعيداً عن هنا حتى نعيش سويا دون قيد أو شرط، فقط أصبري وسوف أجعلك أسعد امرأة بالعالم جميلتي.


نظر لها مطولا وأكمل: 

-تعلمين أن والدي أشركني معه بالحكم حتى يوطد قدماي، فكما تعلمين أننا لسنا من العائلة الحاكمة وقد كان أبي قائد جيوش الملك حور محب الذي لم ينجب ذكورا ليحكموا؛ لذا كان لزاما على والدي أن يشركني معه بالحكم حتى يوطد قدماي بحكم مصر .


ابتلعت ريقها وسألته بحزن: 

-وزواجك من الملكة تويا؟


ضحك على غيرتها فقبلها قبلة عميقة وأجاب:

-تعلمين انني لست من العائلة المالكة وكان لابد أن أتزوج مم أصول ملكية حتى لا يحاول أحد انتزاع الحكم مني، تلك كانت رغبة أبي ولكن اعلمي يا قيثارة الحب أنني لم ولن أحب غيرك، هي فقط قرينتي حتى أظهر أمام العالم بصفة شرعية لا أكثر .


تنهدت عميقا فسحبها داخل حضنه ورمقها بنظرة مطولة قائلاً بهمس مثير: 

-اصبحت كل لقاءاتنا هكذا حبيبتي، نتحدث بالماضي وبزواجي وعائلتي بدلاً من أن نقضي الوقت سويا.


ردت باكية: 

-أشعر بنيران تحرق جوفي يا مليكي فقط من مجرد التفكير بأنها تنام بجوارك وتتلمسك وتقبلك و......


قاطعها بقبلة شغوفة بث لها حبه وعشقه بها وابتعد لحظة هامساً لها باثارة: 

-لا توجد امرأة على وجه الأرض تستطيع تحريك مشاعري تجاهها سواكِ أنتِ بنترشيت الجميلة التي تغار ممن أقل منها جمالاً ومكانة بقلبي، فقط دعي تلك الأفكار بعيدا ودعيني أريك كيف يكون الحب!


انحنى يقبلها بشغف ولهفة وبادلته هي القبلات المشتاقة حتى غابا بطيات عشقهما.

❈-❈-❈

صيف عام 1913


مرت تسع سنوات عانا فيها والديها الأمرين وزارا العديد من الأطباء بكافة التخصصات حتى يستطيعا تفسير الأمور العجيبة التي تحدث لفلذة كبدهما من تهيؤات وتخاريف وسير أثناء النوم وصراخ وكوابيس مرعبة.


لم تنسَ مطلقا الليالي التي قضتها برفقتها بالمشافي المخصصة للأمراض العقلية ومصحات العلاج وجلسات الكهرباء حتى تتوقف عن التشنجات والأمور غير الاعتيادية مثل التحدث بلغة غريبة، فتذكرت ذلك اليوم عندما حضرت تلك الجلسة والمعروفة بالتنويم المغناطيسي لأحد المختصين بلندن.


اقترب منها الطبيب وأمسك بيده جندول طويل  أخذ يحركه أمام وجهها وقال بصوت خافت: 

-أغلقي عينيك دورثي وتخيلي انكِ تسيرين بممر طويل والشجيرات الخضراء متراصة بمحاذاة الممر.


فعلت ما أمرها به فسألها: 

-ماذا ترين الآن؟

ردت بصوت طفولي: 

-أرى منزلي.

سألها باهتمام: 

-صفي لي شكله.


رمشت قليلا وقالت: 

-هناك أعمدة طويلة من الحجر والكثير من الكباش على جانبي الممر والشجيرات الخضراء تحيط الباحة.


سألها باستنباط: 

-انتِ تصفين منزلك الذي تعيشين فيه أم المنزل الذي تودين الذهاب له؟


ردت مجيبة : 

-نعم، أنا أصف منزلي الذي أود العودة له.


شهقت هانده واضعة كفها أعلى فمها فنظر لها الطبيب بتحذير وعاد يكمل أسئلته: 

-حسنا دورثي ق....


قاطعته مصححة: 

-هذا ليس اسمي.

سألها بمراوغة: 

-ما اسمك إذا؟


صمتت هنيهة و كأنها تعتصر عقلها ورمشت قليلا فتدخل الطبيب منهيا الأمر: 

-هل نسيتي اسمك؟


ردت بحزن: 

-بل لا استطيع نطقه بتلك اللغة.


أومأ وصفق مرتين متتاليتين وقال بصوتٍ عالٍ:

-هيا أفيقي دورثي.


فتحت دورثي عيناها ونظرت حولها فابتسم لها وسألها: 

-أنتِ بخير؟


أومأت مؤكدة فتسائل بحيرة: 

-أتتذكرين ما حدث منذ قليل؟


ردت بتلقائية: 

-فقط تلاعبك بالجندول وأخبارك لي بأن أغلق عيناي.


لمعت عين هانده ورفعت حاجبها و هتفت متسائلة: 

-هل نسيت ما حدث؟


رد الطبيب موضحا: 

-هي لم تكن تعي ما حدث، بل عقلها الباطن من كان يتحدث معنا وحتى أستطيع تحديد حالتها جيداً أظن أن جلسة واحدة لن تكفي.



دلف إيدي بعد يوماً شاقا بمواقع التصوير فهو يعمل كمصور سنيمائي، ارتمي على الأريكة فاقتربت منه زوجته هامسة: 

-الأستاذ سام بالداخل معها.


ثم احتدت بحديثها هادرة بصوت منخفض: 

-حقا لا أعلم سببا لتلبيتك طلبها بتعلم الهيروغليفية وكاننا لسنا فى غنى عن تلك الأمور!


زفر بضيق وقال بهدوء: 

-ظننت إن تقبلنا الأمر ونفذنا رغبتها ستكف عن تلك الأفعال الغريبة، وكان ظني بمحله.


اعتدل بجسده على الأريكة ورمقها بنظرة متفحصة وأكمل: 

-أﻻ ترين الفرق؟ لقد كفت عن الكوابيس وأصبحت تنام ساعات متواصلة دون السير أثناء النوم و...


قاطعته موضحة: 

-ظننت أن جلسات التنويم المغناطيسي هي السبب!


رد مؤيدا: 

-نعم كان لها عامل كبير ولكن لا تنسِ أن الطبيب هو من نصحني بتنفيذ رغبتها بتعلم اللغة الهيروغليفية وأنا أنفذ أوامره.


تنهدت بحزن وقالت: 

-لقد أخبرني البروفيسور سام اليوم أنها تعلمت سريعا ونصحني أن نجعلها تزور متحف الآثار المصرية الموجود بلندن لتوطيد الأمر داخل عقلها، ولكنني لا أجدها فكرة سديدة فما رأيك أنت؟


حرك رأسه ممتعضا وهتف: 

-إن كان في مصلحتها فسوف أصنع المستحيل لأجلها هانده، وأتوسل لكِ كُفي عن معاملتها كمجنونة فابنتي ليست كذلك.


صرت على أسنانها وردت بغضب: 

-لقد تنبأت أختك بأنها ستعود من رمادها كشخص جديد وهذا ما حدث لابنتي ولولا...


أكمل عنها بعصبية: 

-ولولا زيارة أختي ذلك اليوم لما حدث ما حدث أليس كذلك؟ ذلك الحديث المكرر الذي أستمع له لتسع سنوات متواصلة وكأنه حقيقة.


وقف وتحرك من أمامها وهو يتمتم بغضب: 

-لا تريدين تصديق أن أمرا كبيراً حدث لابنتك ذلك اليوم بعد أن سقطت من الدرج، ومارسيل فقط تنبأت بحدوثه كما تفعل دائما، وهي ليست سبب في حدوثه واللعنة.


تركها وغادر صاعدا لأعلى فالتفتت تنظر خلفها لصوت صغيرتها الهاتف: 

-لقد غادر الأستاذ منذ قليل، و استمعت لحديثكما وأظن أنه من الجيد زيارة المتحف المصري أمي، إذا سمحتِ.


سحبت نفسا عميقا وأومأت مجيبة : 

-حسنا دورثي فقط اصعدي لغرفتك الآن و سأتناقش مع والدك باللأمر.


❈-❈-❈

خرجت برفقة والديها بسعادة تقفز فرحا وهي ممسكة براحتيهما داخل ذلك الصرح الكبير المخصص لحفظ الآثار أﻻ وهو متحف لندن والذي يحتوي على العديد من الآثار الفرعونية فلمعت عينها وابتسمت بسعادة تجري باللأروقة وتدور بين التماثيل العملاقة لقدماء المصريين وملوكهم وهي تصرخ هاتفة: 

-هؤلاء هم أهلي، هؤلاء هم عائلتي وعشيرتي.


اقتربت من أحد التماثيل وقبلت قدمه ورفعت وجهها تنظر لوجه التمثال هاتفة بلهفة: 

-ذلك هو مليكي وفروعون البلاد، حامي الشعوب والفقراء محبوب المعبود ست.


انحنى إيدي وسحبها ناظرا لها بحزن شديد وهمس لها بخفوت: 

-ابنتي، لا تفعلي ذلك استحلفك بالله الناس تنظر لنا.


توسلته باكية: 

-أريد العودة لمنزلي أرجوك!


أومأ لها ودمعت عيناه وسحبها معه للخارج فاستوقفتها صورة لمعبد ابيدوس معلقة بأحد جدران المتحف فوقفت أمامها تنظر لها بذهول وأشارت هاتفة بلهفة: 

-ذلك هو منزلي، أنا أعيش هنا.


ردت هانده نافية: 

-لا حبيبتي مكتوب أنه معبد.....


قاطعتها دورثي معقبة: 

-معبد أبيدوس الذي بناه الفرعون سيتي، أعلم ذلك فأنا كاهنة بالمعبد ولكن...


صمتت تنظر لشكل المعبد فسألت أحد الواقفين ممن يعملون بالمتحف كمرشد سياحي: 

-لماذا تهدمت جدرانه هكذا وأين الحديقة التي تحيط به؟


رد المرشد بتوضيح: 

-لا يوجد حديقة بمعبد أبيدوس يا صغيرتي، ذلك هو شكله الحالي ولقد تهدم قليلا لأنه مر عليه آلاف السنوات.


أصرت صارخة: 

-لا، هناك حديقة تحيط بالمعبد أنا متاكدة، فلقد كنت ألعب بها دائما حتى قبل أن أصبح كاهنة بالمعبد.


نظر لها المرشد بحيرة و رفع كتفيه لأعلي فسحبتها والدتها قائلة: 

-حسنا عزيزتي، هيا بنا اﻵن لنعود وسوف أرى بشأن الحديقة والمعبد وكل تلك الخرافات التي تهذين بها صغيرتي.

❈-❈-❈

اندفعت بشراسة قاصدة مكان واحد فدقت الباب بحدة وغضب لتقترب مارسيل بفزع تفتح لها متفاجئة من طريقتها قائلة بوجل: 

-إلهي هانده ماذا يحدث معكِ؟


ردت بغضب جحيمي: 

-أنتِ من عليه إخباري بما يحدث واللعنة.


رمقتها بنظرة حائرة فعقبت الأولى: 

-ابنتي تضيع من بين يدي، لا يوجد لها علاج أو حل.


بكت بانهيار وأضافت: 

-أنتِ تنبأت لها وما قلته كان مبهما ففسري لي استحلفك بالله، إن لم يكن لخاطري فبالنهاية هي ابنة أخيكِ.


نظرت لها بدمع عينيها وقالت: 

-لو رأيتها اليوم ماذا فعلت بعد أن أعدناها للمنزل من تلك الزيارة المشؤمة للمتحف، وهرعها لتقبيل أقدام تلك التماثيل والمنحوتات الفرعونية، فقط قولي لي ما تعلميه.


ردت مارسيل بهدوء: 

-حقا لا أتذكر جيداً فقد حدث ذلك منذ تسع سنوات وأنااا.......


قاطعتها صارخة بتوسل ورجاء : 

-أرجوكِ مارسيل ارئفي بي وبأبنتي الوحيدة كلانا يعلم اأنكِ من ساعدتني بطلاسمك حتى أستطيع إنجابها، والآن لا تتحاذقي علي وتتهربي من الأمر.


ابتلعت مارسيل ريقها وردت بصوت منخفض: 

-فقط اخفضي صوتك فزوجي نائم بالداخل، وتذكري جيداً أنني حذرتك من العواقب التي قد تحدث جراء تلك الطلاسم والتعاويذ وأنا لست ضليعة بالأمر فقط اجتهد حتى.......


عادت لمقاطعتها مرددة : 

-أتوسل إليكِ ساعديني، وإن لم يكن باستطاعتك فأوجدي لي من يستطيع.


زفرت مارسيل أنفاسها وأومأت لها هاتفة: 

-حسنا هانده سوف أنظر للأمر ولكنني لا أعدك بشيئ ، ستكون محاولة مني لا أكثر إما أن تنجح أو تفشل؛ فحقا تلك المراسم التي قمنا بها سويا كانت جديدة وأمارسها لأول مرة ولم أكن لأعلم إن كانت ستفلح أم لا!


ردت بانهيار : 

-فلحت ونجحت وها أنا أصبحت أما كما تمنيت ولكن...


صمتت لتمسح دموعها وعقبت: 

-ولكنني لا استطيع النظر لابنتي وهي لا تدعونني بأمي وتفعل تلك الأفعال المجنونة، ساعديني مارسيل لأجل خاطر أخيكِ.


أومأت موافقة وودعتها وعادت تنظر بدفترها لتسترجع أحداث ذلك اليوم منذ عشر سنوات عندما أتت لها زوجة أخيها باكية وحزينة فجلست بجوارها تهدأها: 

-اطمأني عزيزتي هانده فأخي يحبك ولا يمكنه التفريط بكِ.


ردت بحزن: 

-بل يمكنه، فكما ترين أمك كم تتحدث بشأن انفصالنا الوشيك لكثرة إجهاضي.


عبرت مارسيل عن رفضها لحديث أمها وقالت: 

-أمي لا تعلم ما تتحدث بشأنه وأنا سأساعدك لا تقلقي.


تخوفت قليلا وسألتها: 

-كيف تنوين مساعدتي؟ لا أظنك تنوين إشراكي بأمور الشعوذة تلك التي تستخدمينها و....


قاطعتها مارسيل موضحة: 

-ألم تكن تلك الأمور هي من أخبرتك مسبقا أنك ستفقدين تلك الأجنة قبل أن تحمليهم بأحشائك، والآن أنا أتنبأ لك بفتاة جميلة ولكن بمساعدتي فقط تحتفظين بها ولا تخسريها كالبقية.


بللت شفتها وتسائلت: 

-كيف؟


ردت موضحة: 

-هناك تعويذة قوية تعلمتها مؤخرا وهي فعالة وسبق أن نجحت مع أصدقائي.


عادت تسألها: 

-هل فعلتها بنفسك؟


نفت وعقبت: 

-لا، ولكنني حضرت جلسة كانت مع أستاذي وهو من فعلها وصدقيني تنفيذها سهل للغاية، فقط لا أضمن النتائج وكل ما أضمنه لكِ هو أن تنبؤاتي لم تخلف أبدا فهي هبة أنا أتمتع بها؛ لذلك سأطلب الدعم من أستاذي حتى يساعدني بالأمر.


رفضت بشدة معللة : 

-لا أتوسل لكِ فأنا لا أريد أن يعلم أحداً بذلك.


رمقتها بدهشة وحاجب مرفوع وهتفت: 

-لا أظنني أستطيع التنفيذ بمفردي!


سألتها هانده بإهتمام: 

-ألم تقولي أنكِ رأيته يفعلها وأنها سهلة؟


أومأت معقبة: 

-نعم ولكنه متمرس ويسهل عليه التصرف إن حدث خطب ما أثناء الجلسة، أما أنا فلن استطيع.


توسلتها باكية: 

-لقد توسلت لكِ ورجوتك والآن أعاود توسلك مارسيل ساعديني.


❈-❈-❈


تنهدت بملل وهي تهاتفها وأخبرتها بتوضيح: 

-استمعي لي جيداً، لقد اتفقت مع المعالج الروحاني أديسون ملنر الذي أخبرتك عنه و سيقيم جلسة لدورثي بحضور العديد من الخبراء حتى يستطيع تقييم حالتها وبعدها لربما يُقدم على علاجها إن ما صدُقت ظنوني.


سألتها هانده بتخوف: 

-ماذا تظنين مارسيل؟


أجابتها بحزن: 

-يبدو أن دورثي ممسوسة من روح تلك الكاهنة الفرعونية والحل الوحيد للتأكد من ظنوني هي بإقامة جلسة لطرد الأرواح ولكن ليس قبل أن يُقيم المعالج الروحاني حالتها جيداً.


وافقت هاند فهي لا يوجد أمامها حل آخر سوي السير بذلك الطريق الوعر بعد أن جربت كل الطرق العقلانية والطبية و اﻵنستضطر للجوء للطرق المنافية للعقل والمنطق والتي تتعدي الظواهر الطبيعية وتتجه للظواهر الخارقة كما حال ابنتها.


صعدت غرفة ابنتها وابتسمت لها بتصنع لتخفي ترددها وحيرتها و نادت عليها بصوت ناعم: 

-دورثي ابنتي العزيزة، ما رأيك أن نقضي اليوم بمنزل عمتك مارسيل؟ لقد دعتني لقضاء اليوم برفقتها هي وابناءها.


نظرت لها دورثي بعدم اهتمام وحركت كتفيها لأعلي دليل على عدم اكتراثها وزمت شفتيها معا هاتفة: 

-لا فرق.


سألتها هانده باهتمام زائف عن رأيها: 

-هل تودين الذهاب أم لا صغيرتي؟


أجابت بملل مرددة: 

-قلت لا فرق، إن كنتِ تودين الذهاب فلا مانع لدي.


ابتسمت بداخلها وهتفت بلهفة: 

-حسنا صغيرتي، تجهزي الآن سريعاً حتى نذهب قبل توهج الشمس.


ابتسمت وعقبت على حديث والدتها: 

-أي شمس تتحدثين عنها؟ أنا لم أجد لديكم شمسٌ تذكر، يا ليتك ترين الشمس الساطعة ببلدتي شمس المعبود رع.


قلبت عيناها بحزن وحاولت تصنع اللامبالاة وأومأت لها بصمت وغادرت الغرفة استعدادا للذهاب لمنزل عمة ابنتها لتحديد حال فلذة كبدها الوحيدة.

❈-❈-❈


ممددة على طاولة الطعام ومقيدة بحبال بداية من كتفيها و ذراعيها حتى قدميها تصرخ بحده وأصوات مزدوجة عاليا وكل من حولها يحاولون تثبيت جيدها الصغير حتى لا تتأذي من عنف حركتها، ولكن قوتها كانت عجيبة وحركتها تعادل أربعة رجال اشداء؛ فاستاطعت أن تدفعهم بعيداً وتشنج جسدها بشكل غريب؛ فتخوفت هانده شاهقة بخضة ولكن المعالج نظر لها بتحذير لتصمت و تبتعد عن محيطها هادرا:

-لا تقتربي أكثر واثبتي مكانك.


وقفت مصدومة مما تراه وظلت صامتة وكأن الطير قد حط على رأسها وبكت بحرقة وتخوف وهي تجد المعالج ينحني بالقرب من أذن ابنتها يردد بعض الكلمات المتكررة حتى هدأت قليلاً فسألها بصوت رخيم: 

-من انتِ؟


ردت بصوت مزدوج: 

-أنت تعلم من أنا فابتعد ولا تتدخل بالأمر.


عاد لسؤالها بحذر: 

-حسنا فقط اعطنى اسمك حتى أستطيع مناداتك به.


قلبت حدقتيها لتتسع أكثر وردت بغضب: 

-أنا من بيده هلاكك إن لم تتركني وشأني.


أومأ لها بهدوء وسأل: 

-هل ستسكني هذا الجسد طويلا؟


زمجرت بشراسة ولمعت عيناها بإحمرار رهيب وصرخت بصوت مفزع هاتفة: 

-قلت لك ابتعد.


بدأ المعالج بسكب بعض المياه حولها وهو يلقي الكثير من التعاويذ وجسد تلك الصغيرة يتقوس بشكل مبالغ فيه، وصوت صرخاتها كادت أن تصم آذان الجميع حتى هدأت فجأة وساد السكون و عم الهدوء حولهم .


يتبع..


إلى حين نشر فصل جديد من رواية نابغة بعصر الأغبياء للكاتبة أسماء المصري، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة