رواية في غياهب القدر - للكاتبة بسمة بدران - الفصل الثاني
رواية في غياهب القدر
للكاتبة بسمة بدران
رواية في غياهب القدر
الفصل الثاني
مكيدة
❈-❈-❈
"متى ستعرف كم اهواك يا رجلا.
ابيع من اجله الدنيا وما فيها.
لو تطلب البحر في عينيك اسكبه.
او تطلب الشمس في كفيك ارميها"
(نزار قباني)
❈-❈-❈
تجلس خلف مكتبها في الغرفة المخصصة لها في المشفى.
تتلاعب باحد اقلامها وابتسامة بلهاء تزين ثغرها وصورته تلوح امام عينيها.
فهي لم تصدق ما فعله اليوم من اجلها.
دفاعه المستميت عنها وعن سمعتها.
يا الله كم تعشق ذلك الرجل الذي فتحت عينيها على الدنيا فوجدته امامها.
تحبه كما لم تحب أحدا من قبل.
لم تصدق اذنيها عندما استمعت لوالده ذات مرة وهو يخبر والدتها بانه يريد الزواج من فتاة تجاورهم في الحي.
وقتها تحطم قلبها إلى اشلاء
وأخذت وقت طويل تداويه.
لكن للاسف بعد عشر سنوات ما زال ينزف وبقوة.
لم تطلع أحدا على سرها الا لاخته
عزة والتي تحمد الله كثيرا بانها تزوجت وتعيش في إحدى البلدان العربية مع زوجها.
والا ربما كانت كشفت هذا السر لاحد ما.
فهي قررت منذ زواجه بان تكتم ذلك الحب بداخلها.
ولن تبوح به إلى يوم يبعثون.
استفاقت من شرودها عندما انفتح الباب يليه ولوج إحدى رفيقاتها في العمل
التي هتفت بعجالة: صٓبا دكتور مدحت عيزك بسرعة ترحيله.
هبت واقفة على الفور تلبي نداء العمل.
فهي تعشق عملها كثيرا.
❈-❈-❈
وعلى الجانب الاخر
في أحد الاحياء الراقية بالقاهرة وبالتحديد حي الزمالك.
انتهت غزل من اعداد وجبة الفطور ثم صاحت بصوت مرتفع: يلا يا رامي الفطار جاهز عشان ماتتأخرش.
وما هي الا ثواني حتى ابصرته يدلف خارجا من غرفتهما.
يرتدي بنطال من خامة الجين وقميص ابيض يعلوه سترة سوداء.
تفحصته بعينين جاحزتان فهو كان فائق الجمال.
فقد كان يمتلك عينان بلون الزيتون وشعر اسود يميل إلى البني وبشرة بيضاء.
دنت منه على حين غرة ثم امسكت بتلابيب سطرته: بقولك ايه انت هتخرج بالمنظر ده برة والبنات تفضل تبص عليك
لا يا حبيبي ماعنديش الكلام ده.
ازدردت ريقها وهي تنظر في عينيه الجميلتين
ثم هزت رأسها بالنفي: لا لا لا. هقولك انت تاخد كاب معاك وتلبس نضارة شمس اه.
لا انت تتنكر أنا بقولك اهو
انت تمشي في الشارع متنكر.
اطلق ضحكة مجلجلة ثم ضمها إلى قلبه فهو يعشقها كثيرا
ويعشق غيرتها العمياء تلك.
احيانا تخنقه تلك الغيرة لكنه سرعان ما يوبخ نفسه.
فهي تفعل كل هذا بدافع عشقها له.
هو تزوجها عن حب.
كانت صديقته في كلية التجارة
خطبها وهما في السنة الثالثة بالجامعة
وتزوجها بعد التخرج.
جذبته من يده إلى مائدة الطعام ثم اجلسته ومن ثم جلست في الكرسي المقابل له.
أخذ ينظر في جميع الاتجاهات سائلا اياها باهتمام: هما البنات فين?
اجابته وهي تضع فنجان القهوة امامه.
البنات لسه نايمين.
أومأ متفهما ثم راح يتناول فطوره في صمت.
غافلا عن التي ترمقه بنظرات عاشقة بين الفينة والأخرى.
❈-❈-❈
ايه يا عم عمار اتأخرت كده ليه?
هتف بها رؤوف الذي كان يجلس فوق أحد المقاعد يحمل في يده كوبا من الشاي الساخن.
اجابه وهو يلقي بجسده فوق المقعد المجاور له: العربية كانت رايحة في داهية.
السواق الغبي ساقها وهي ما فيهاش زيت.
فباظت المكنة يعني كده بالصلاة على النبي العربية عايزة مكنة.
هتتكلف شيء وشويات.
ارتشف رشفة كبيرة من كوبه
ثم غمغم بلا مبالاة: عادي هي الناس اللي زي دي بتفرق معاها فلوس.
هز رأسه بعدم تصديق: انت بتقر على الناس ياد يا رؤوف.
عليا الطلاق ابدا يا صاحبي بس أنا قصدي افهمك يعني ان الناس اللي زي دول ما بتفرقش معاهم الفلوس عشان هم معاهم.
لكن عندك واحد غلبان لو عربيته جابت مكنة دلوقتي كان زمانه قاعد بيعيط وناعي الهم هيجيب فلوسها منين.
ما انت عارف العربية لما بتعمر بتبقى عايزة فلوس كتير.
أومأ موافقا ثم القى نظرة في ساعة يده وهب واقفا: قوم بينا نقفل ونروح الجامع الضهر خلاص هيأذن.
ارتشف آخر رشفة في الكوب ثم وضعه فوق المندضة واستقام واقفا جازبا المفاتيح وتبع صديقه للخارج.
اضطر بان يغلق الورشة بنفسه فالصبي الذي يعمل معهما في اجازة اليوم.
❈-❈-❈
شهقت بعنف عندما شعرت بكوب من الماء يسكب فوق وجهها.
فتحت عينيها فابصرته واقفا يحدجها ببرود شديد
واضعا إحدى يديه في جيب بنطاله.
كادت ان تنهض لكن جسدها يؤلمها بشدة من اثر الضرب الذي تعرضت له.
فبقيت مكانها ساكنة.
تحدث اخيرا ببرود شديد: قومي يا هانم اعمليلنا الغدا.
اومأت باستسلام ثم تحاملت على ألمها واستقامت واقفة.
كادت ان تسقط لكن استندت على الحائط ودلفت للخارج باعياء شديد.
تمتمت في نفسها: يا نهار اسود ده برضه ما راحش الشغل.
هيترفد. اعمل ايه في البنيآدم ده بس يا ربي.
لو كنت اعرف كده قبل ما اتجوزه ما كنتش وافقت ابدا عليه.
ولو حكيت لابويا هيقول لي لازم تستحملي جوزك.
والبنت الاصيلة لازم تقف جنب جوزها.
ايوة هو عمار أنا هقول لعمار وعمار هو اللي هيتصرف معاه.
انتفضت عندما استمعت إلى صوته الغاضب: انتي لسه واقفة مكانك!
مش قلت لك روحي اعملي لينا طفح.
أومأت عدة مرات ثم اسرعت مهرولة للمطبخ وهي تلعن نفسها على موافقتها على ذلك البغيض.
اما عنه فقد جلس فوق الفراش
واضعا إحدى ساقيه على الأخرى
وبيده سجارته التي تحتوي على نوع من المخدرات الفاخر يستنشقها بشراهة شديدة.
صاح بها وهو في مكانه: اعمليلي فنجان قهوة الاول.
ابتسم بنصر عندما استمع إلى صوتها المتعب: حالا هعملهالك.
❈-❈-❈
بينما في منزل المعلم فكري الذي يحتوي على عدة طوابق.
فلكل زوجة من زوجاته طابقا خاصا بها هي واولادها.
تجمع النساء الثلاثة في شقة السيدة نعمة زوجته الاولى.
فاردفت أحداهن بغل: صحيح اللي سمعته يا نعمة يا اختي؟
رمقتها باستفهام؟
فاستطردت حديثها: بيقولوا المعلم فكري بيجري ورا البت بنت سعاد وهيموت عليها والبت فرجت عليه الشارع النهاردة الصبح.
تحدثت فتحية زوجته الوسطى وهي تصك على صدرها بيدها: يا نهار اسود كده البت السنكوحة دي تبوظ سمعة المعلم في المنطقة.
وديني لاكون مسلطة عليها شوية نسوان يشوهلها وشها الحلو اللي هي فرحانة بيه ده.
قاطعتها حسناء التي هي على دراية بالموضوع: لا مش بس كده بيقولوا ان المحروس عمار ابن الحاج هنداوي ضربو العلقة التمام قدام رجالته كلهم.
لطمت السيدة نعمة وجهها بقوة: يا نهار اسود اياكش تنقطع ايده اللي مدها على المعلم.
غمغمت فتحية بغل: ما هو بصراحة بقى يا اختي منك ليها المعلم يستاهل هو اللي طفس وما بيملاش عينه إلا التراب.
ما تزعليش مني يا اختي
هي الحاجة نعمة تتعايب؟
الاول اتجوزني عليها.
وبعدين اتجوزك انتي كمان يا حسناء عليا.
طب ما هو طبيعي يبقا عايز يتجوز الرابعة.
غير كمان ان في اشاعات بتقول ان هو كل يوم والتاني بيتجوز واحدة ويطلقها وواخد لها شقة برة الحارة.
هزت السيدة نعمة رأسها بالنفي: لا لا ياختي ده كله كلام.
هم بس غيرانين من المعلم عشان يعني أكمن ربنا كرمه.
لوت حسناء شدقها بغضب: يعني هو يختي ابن الحاج هنداوي ولا اللي ما تتسماش صٓبا طمعوا في المعلم ما هما عندهم قد كده.
طيب اسمعيني منك ليها بس ومش هنخسر حاجة.
رمقتها كل من السيدة نعمة وفتحية باهتمام.
فاسترسلت حديثها: أنا هأجر كم ولية كده يكونوا مجرمين يدوا البت دي علقة تمام عشان تتعلم الادب.
واهو بالمرة يشوهلها وشها علشان نضمن ان المعلم ما يبصلهاش اصلا لا هو ولا غيره.
لمعت الفكرة في رأس السيدة نعمة التي هتفت: والله براوى عليكي يا بت يا حسناء
خلاص شوفي النسوان دول وشوفيهم هيعوزوا فلوس قد ايه وأنا رقبتي سدادة.
شهقت السيدة فتحية بعنف: يا نهار اسود انتي هتعومي على عومها يا حاجة نعمة!
دي عيلة هبلة وهتودينا في داهية
البت صٓبا من عيلة هنداوي برضك لو حد شم خبر هتكون مجزرة.
وهما ياختي هيعرفوا منين؟
إلا بقى لو انتي او الحاجة نعمة قلتوا هو حد غريب قاعد في وسطينا يا اختي انتي وهيا؟
هزت السيده نعمة راسها بالنفي ثم هبت واقفة: استنوني هنا على ما اجبلك قرشين يا بنت يا حسنا وابدأي في الموضوع وأنا معاكي.
❈-❈-❈
ها ايه رأيك يا أستاذ وليد؟
تفحص المكان بعينين خبيرتان ثم همهم: مش بطال بس تفتكر يا حاج المكان هيبقى عليه اقبال؟
صلي على النبي يا باشا ده المكان على ناصيتين يعني متشاف من الشارع الرئيسي ومن الشارع الجانبي.
ده انت هتلاقي الناس هنا زي الدبان.
الدبان. غمغم بها وليد باشمئزاز من التعبير الذي استخدمه ذلك الرجل.
فتابع وليد: خلاص يا باشا أنا هاخد المكان وربنا يستر.
ما تقلقش يا باشا وبعدين اسم حضرتك اسم يا سلام لو اتحط على اي حاجة بيبقى ماركة على طول
ده انتم عليكم شوية سندوتشات شاورما عنب.
اطلق وليد ضحكة مجلجلة
ثم هتف بلوهاث: شاورما طيب ماشي يا سيدي ليك عليا بعد الافتتاح هعملك احلى سندوتشات شاورما.
صفق الرجل بحماس: طيب يا باشا هتعوز مني أنا حاجة بقى عطير انا.
تشكر يا حاج.
انصرف الرجل من امامه
فالقى وليد بجسده فوق احد المقاعد
مردفا بابتسامة: أنا جيتلك يا صٓبا.
اخترت المكان ده بالذات عشان اشوفك في الرايحة والجاية.
أنا فرطت فيكي زمان بس مش هفرط فيكي دلوقتي.
وكانك ما اتجوزتيش لحد دلوقتي عشان تبقي ليا في الاخر.
اراحا ظهره فوق الكرسي واغمض عينيه.
فجاءت في مخيلته اول لقاء بينهما.
كانت في السنة الثالثة من كلية التمريض.
وقتها كان وليد تخرج منذ اربع اعوام.
وكان يعمل في أحد المحلات الخاصة بوالده.
لطالما كان من عائلة ثرية.
وذات يوم هاتفته اخته تسنيم بان ياتي ويأخذها من الجامعة لان سيارتها حدث بها عطل ما.
وعلى الفور ذهب اليها.
فتسنيم كانت مدللة العائلة.
ولجا إلى الجامعة يبحث عنها بعينيه ثواني وابصرها تقف برفقة إحدى الفتيات.
لم يتبين ملامحها من بعيد
سارة باتجاههما حتى وقفا بالقرب منهما.
خفق قلبه عندما ابصر تلك الفتاة التي ترافق اخته فقد كانت جميلة وبريئة لدرجة لا توصف.
بدءا من عينيها الذهبيتين وبشرتها البيضاء شفتيها المكتنزتين التي تشبه حبة الكريز وحجابها البسيط.
راحة يتأملها لوقت لا بأس به.
حتى استفاق على صوت اخته التي انتبهت لوجوده: وليد تعالى.
انصاع لكلامها ثم اقترب منهما اكثر.
مد يده وقرص وجنة اخته: مش تطمني على عربيتك قبل ما تنزلي
ينفع الشحططة دي يعني وسايب الشغل قد كده هناك في المحل.
ابعدت يده بعبوث طفولي: معلش بقى يا ليلو انت عارف اصلا ده أنا بسوق بالعافية والله.
طيب مش تعرفينا.
القى كلماته وهو يوجه نظراته لصٓبا التي اخفضت وجهها رضا.
اه دي صٓبا صحبتي.
صبا. كرر الاسم خلفها وكأنه يتذوقه.
غمغم في سره: اسم جميل زي صحبته.
رفع يده ليصافحها لكنها هزت رأسها نفيا: اسفة ما مبسلمش.
يا الله من تلك الفتاة التي تبهره بين الفينة والأخرى!.
أومأ لها متفهما.
ثم رمقها مطولا بنظرات اربكت صٓبا.
فلم تجد بدا سواء ان تستأذن منهما.
تابعها بعينيه حتى اختفت عن مرمى بصره.
تنهد بحرارة فاستمع إلى صوت اخته المازح: زي القمر صح?
يا ابني أنا ما بصحبش اي حد.
ضرب رأسها بخفة: فدي عندك حق.
يلا انجري قدامي.
استفاق من شروده
على صوت احد الباعة المتجولين المزعج.
فهب واقفا فهو يتمنى بداخله ان تكون تلك الحسناء له يوما ما.
❈-❈-❈
ولجت محل العطارة وهي تطوي الأرض تحت قدمها من شدة الغضب.
ثم صاحت بقوة: يا حاج هنداوي اطلعلي هنا يا اخويا.
اشار إلى الصبي الذي يعمل برفقته ليذهب ثم دنا منها هاتفا بحدة: فيه ايه يا ست انتي?
ووطي صوتك.
مصمصت بشفتيها: اوطي صوتي ليه يا اخويا?
هو أنا عاملة عملة ولا اكنش عاملة عملة?
رمقها باستغراب ثم سألها من بين اسنانه: انتي مين يا ست انتي?
أنا ما شفتكيش قبل كده.
اجابته بسخرية: أنا الحاجة صٓباح يا اخويا اللي ساكنة جديد في المنطقة
عند الحج فريد درغام.
ايوة وعايزة ايه يعني وايه الغلبة اللي انتي عملاها على الضهر دي?
صكت اسنانها بغضب ثم صاحت: بقى يا راجل ابعت البت نورهان بنتي تشتري زيت خروع بعشرين جنيه تقوم تديها تلت تربع الكيس فاضي ليه?
حد قال لك ان احنا لاقيين فلوسنا ولا لاقيين فلوسنا?
كاد ان يضحك بقوة على ملامح تلك السيدة الغاضبة.
تفحص ملامح وجهها بدقة شديدة.
فقد كانت ملامحها هادئة بعض الشيء.
تمتلك وجه مستدير ناصع البياض.
عينيها مزيج بين اللونين العسلي والاخضر.
من يراها لا يعطيها اكثر من اربعون عاما.
تنحنح بقوة عندما زجرته بعينيها: ما تحترم نفسك يا راجل انت بتبصلي كده ليه?
معجب. هتف بها وابتسامة مشاكسة تزين وجهه.
نعم لا بقول لك ايه انت تحترم نفسك أنا بقول لك اهو.
وعيب عليك كده تبقى راجل شايب وتعاكس في الستات.
ده أنا حتى سمعت انك راجل محترم.
بس الظاهر بقى ان الناس ما تعرفكش.
اتسعت ابتسامته ثم سألها بلهفة: فين جوزك يا ست صٓباح?
لوت شدقها بعدم رضا ثم اجابته: غار في ستين داهية اتطلقت منه
اصله بعيد عنك يا اخويا كان بتاع كوباية وأمرجي.
فهددته قلت له لو ما طلقتنيش هخلعك.
يلا الظاهر ان الرجالة كلها ناقصة.
ابتلع اهانتها ثم ابتسم رغما عنه فملامحها مضحكة للغاية.
تحدث بهدوء: طيب تعالي اتفضلي اقعدي يا ست صٓباح واحلى زيت خروع ليكي انتي ولبنتك نورهان.
صاحت بعنف: ليه انت هتبقىشش عليا ولا هتبقشش عليا?
عض على شفته السفلى بغضب: طيب انتي عايزة ايه دلوقتي?
ولا حاجة أنا جيت اقول لك بس انك تبيع بما يرضي الله. ماشي?
القت كلمتها الاخيرة ودلفت للخارج كالإعصار مثلما دخلت منذ قليل.
تاركة الآخر ينظر لها بذهول شديد
وما ذالت ابتسامة كبيرة ترتسم على محياه.
❈-❈-❈
تسير بخطى مرتعشة وبين الفينة والأخرى تنظر خلفها خشية من ان يراها احد.
وما هي الا دقائق حتى وصلت امام الباب المنشود.
طرقتها الباب عدة طرقات.
ثواني وانفتح الباب لتظهر من خلفه امرأة غريبة المنظر.
نحيلة وطويلة وعلى وجهها بعض الخدوش العميقة.
من يراه يظنها خرجت من شجار عنيف للتو.
تفحصتها المرأة بعينيها ثم حركت شفتيها يمينا ويسارا
مغمغمة بفظاظة: نعم.
ازدردت ريقاها بصعوبة ثم سألتها: هو انتي ام اسماعيل?
ايوا يا حلوة أنا ام اسماعيل.
نظرت خلفها ثم تحدثت بسرعة: طيب هو أنا ممكن ادخل.
اجابتها وهي تفسح لها الطريق: اتفضلي ياختي.
وبعد بضع دقائق قصت عليها حسناء ما تريده منها.
فسألتها السيدة بتوجس: وانتي ياختي ما لقيتيش غير بت عيلة هنداوي اللي تعملي معاها كده.
انتي عارفة لو حد شم خبر هيعملوا فينا ايه?
أجاباتها ببرود: ومين بس هيعرف يا ام اسماعيل!
وبعدين أنا هاديكي الفلوس اللي انتي عايزاها.
وانتي عرفاني أنا متجوزة مين يعني مش هضحك عليكي.
اومأت عدة مرات.
ثم هتفت: طيب ياختي.
أنا هاخد عشرين الف جنيه.
عشرة ليا وخمسة لكل واحدة من الستات اللي هتيجي معايا.
كااام.
صاحت بها حسناء بقوة.
زي ما سمعتي كدة الموضوع مش سهل ولو الحوار ده اتعرف هنروح في داهية
عشان كده أنا هاخد عشرين الف جنيه.
اومات حسناء بالموافقة.
ثم هبت واقفة مصافحة المرأة بقوة: عجلي بقى ياختي ها عايزة اسمع خبر حلو قريب.
ياااااه للدرجة دي البت دي فرساكي!
اوي فوق ما تتصوري
عايزة تخطف المعلم فكري مننا
مش كفاية أنا ومرتاته الاتنين.
لوت المرأة شدقها بغيظ: فكري ايه ده اللي بتتعاركوا عليه
ده وشه يقطع الخميرة من البيت.
يلا عموما أنا مالي مع السلامة ياختي وقريب قوي هتسمعي اللي يسرك.
اغلقت المراة الباب من خلفها.
ثم راحت تبدل ثيابها كي تذهب لشريكتيها التان ستساعدناها في تلك الجريمة
❈-❈-❈
في أحد المخازن التابعة للمعلم فكري
يجلس كل من الشخص المجهول والمعلم فكري وبرفقتهما رجلا ثلاثينيا ترتسم ملامح الاجرام فوق وجهه بحرفية.
فقد كان اصلعا وجهه به بعض الخدوش الكبيرة مما اعطاه منظرا مرعبا بعض الشيء.
تفحصه ذلك المجهول بتركيز واشعل إحدى سجائره الكوبية مستنشقا دخانها باستمتاع
ثم نفسه بقوة سائلا اياه بجدية: انت بقى منعم؟
ايوة يا سعادة الباشا محسوبك منعم.
ابعد يده قليلا ثم رمقه باشمئزاز: بغض النظر عن خلقتك اللي ما يعلم بيها الا ربنا دي أنا قصدك في مصلحة.
اردف وهو يشير على عنقه: رقبتي سدادة يا باشا اؤمرني.
أخذ نفس اخر من سجارته ثم ظفره بقوة: عارف عمار ابن المعلم هنداوي؟
أومأ موافقا.
فاستطرد حديثه: عايز اخلص منه.
اتسعت ابتسامة المعلم فكري.
ثم هتف بغل: قصدك نخلص منه يا سعادة الباشا.
رمقهما الشاب بتركيز ثم سألهما: عايزين تقتلوه يعني؟
ولا يتعلم عليه بس?
لا. عايزه يقابل وجه كريم النهاردة قبل بكرة.
يتبع...