-->

رواية لا أحد سواك رائفي - بقلم الكاتبة سماح نجيب - الفصل الأول


رواية لا أحد سواك رائفي 

بقلم الكاتبة سماح نجيب




تعريف الرواية

دائماً ما تأتينا المنحة من قلب المحنة ، فأحياناً كثيرة ننظر للإبتلاء على أنه نهاية العالم ، ولكن ربما يجعل الله إبتلائك سبباً لسعادتك ، ويمنحك ما كنت تبحث عنه طويلاً وسط الزحام 

لم يكن فارس أحلامها سوى أعرج وسيم ، وقع له حادث أدى لفقدانه الثقة بكل من حوله ، فهو لا يريد أن يكون عبئاً على أحد ، ولكن كيف سيجعل قلبه يطيعه بألا يقع بعشقها ؟ فلم يجد سوى أن يحاول إخراجها عن طورها بأفعاله ، لعلها تترك المنزل وترحل عنه 

ولكن قد فات الأوان ، فعشقه أحتل قلبها ، وجعل كل نبضة من نبضاته تهتف بإسمه ، حتى باتت تنشد منه أن يرحم قلبها وحبها ، حتى أعلنتها صريحة بأن يرأف بها 

فماذا سيحدث بين عاشقة لا ترى غيره فارسها ، وعاشق فقد الثقة حتى بنفسه ؟


تصنيف الرواية

إجتماعى _ رومانسى _ كوميدى _ دراما 

السرد

باللغة العربية الفصحى 

الحوار

عامى باللهجة المصرية


❈-❈-❈


الفصل الأول

رواية

 لا أحد سواك رائفي 


١– " بين هذا وذاك"


بأحد أحياء مصر القديمة ، وخاصة ذلك الحى الذى يطلق عليه " حى السيدة زينب " بمدينة القاهرة ، حى قديم يزخر بالعراقة والأصالة 

تناهى إلى مسامعها ، صوت قرقعة نِعال بالخارج ، فبمزيد من الجهد ازاحت جفنيها المطبقين بنعاس ، فعلمت أنه قد حان وقت صلاة الفجر ، فالمسجد القريب من المنزل ، صعد منبره المؤذن ليتردد صوته عبر مكبرات الصوت يردد الأذان بصوت جهورى 


سمعت هى صوت أذان الفجر ، فنهضت من نومها ، وأزاحت الغطاء الخفيف ، الذى أتخذته واقياً لها من نسمات الهواء بليالى الربيع ، ذلك الموسم الذى أمتزج به حرارة الجو نهاراً ، ونسمات تشوبها البرودة ليلاً ،  وضعت قدميها أرضاً ، لتستقيم بعد ذلك بجسد غير ممتلئ ، بل يتسم بنحافة ، تضفى عليها مظهراً متناسقاً ، غير ممتلئة الشحم ، وغير بارزة العظام ، وضعت يدها على فمها تكتم تثاؤباً ، فتبسمت شفتاها   النضرة ، ورفرفت أهدابها الكثيفة ، المتوارى خلفها سوداويتيها ، فمسحت براحتيها على وجهها المستدير البهى الطلة ، لتهم بعد ذلك بالذهاب إلى المرحاض ، لكى تتوضأ حتى تؤدى فرضها 


فبعد أن أسبغت وضوءها ، وجففت وجهها وذراعيها ، ووضعت المنشفة بمكانها ، خرجت من المرحاض ، متجهة صوب غرفة والدتها ، التى لا تبعد كثيراً عن غرفتها ، فالمنزل ليس بالفسيح ولكن يكفيهما 


طرقة خفيفة تبعها إدارتها لمقبض الباب ، فولجت للغرفة وأقتربت من فراش والدتها ، فبيد رقيقة كان توكزها بكتفها بحنان قائلة بصوتها ذو البحة الخلابة :

–ماما اصحى يا حبيبتى الفجر أذن يلا علشان نصلى مع بعض


سمعت تلك المرأة المدعوة نعمة صوت ابنتها ، ففتحت عينيها بابتسامة لوجه تلك الجميلة التى لا تترك فرضاً أبداً ، خاصة صلاة الفجر فهى تحرص على تأديتها فى وقتها


أعتدلت نعمة بجلستها بالفراش ،وهى تمد يدها تجذبها إليها ، لتهديها عناق الصباح وهى تقول :

– صباح الخير يا حبيبة ماما


ابتعدت سجى قليلاً ، ليتسنى لها التحديق بوجه والدتها فردت باسمة :

–صباح النور يلا علشان نصلى الفجر


أماءت نعمة برأسها وهى ترمقها بحب :

–حاضر يا حبيبتى قايمة أهو


تركت نعمة فراشها ، وذهبت لكى تتوضأ هى أيضاً ، ولكن إجتاحها شعور قوى بالغثيان ، سرعان ما أفرغت على أثره ما بمعدتها ، فوضعت يدها على بطنها وهى منحنية الجزع ، لعل تلك الألام التى داهمتها ، تختفى بعد برهة ، فهى أعتادت هذا الأمر بالأونة الأخيرة ، ولكنها لم تخبر ابنتها بما تعانيه حتى لا تسبب لها القلق ، وتثير خوفها عليها 


جلست تنتظر خروج والدتها ، فزاد القلق بقلبها ، فلما هى أستغرقت كل هذا الوقت بالمرحاض ، فدقت الباب بخفة وهى تقول :

–ماما فى حاجة انتى اتأخرتى ليه كده فى الحمام حصل حاجة


بسماع صوت إبنتها ، الذى شابه القلق وهى تناديها ، حرصت على الانتهاء من الوضوء ، قبل أن تجدها تعيد سؤالها عن سبب تأخرها ، فردت قائلة بعجالة :

–مفيش يا سجى يا حبيبتى انا جاية اهو خلصت وجاية


خرجت  نعمة من المرحاض ، وهى تحاول الظهور بمظهر عادى حتى لا تشك ابنتها فى أمرها

فتبسمت بوجهها وهى تقول :

– يلا بينا يا حبيبتى علشان نصلى


قامتا بأداء فريضة الصلاة ، وبعد الانتهاء ذهبت سجى لغرفتها ، فجلست على المقعد الخشبى خلف ذلك المكتب الصغير الموضوع بجانب فراشها ، وأخذت كتبها لتستكمل مذاكرة دروسها ، التى تركتها قبل نومها بالأمس ، فهى تفعل ذلك حتى يحين موعد ذهابها الى الجامعة ، فهى طالبة بالسنة الخامسة بكلية طب علاج طبيعي 


فهى أنتقت تلك الدراسة حتى تستطيع مساعدة المصابين الذين تعرضوا للحوادث ، فهى ترى انها مهنة نبيلة ان تستطيع ان تساعد شخص فى أمس الحاجة إلى المساعدة 


سمعت صوت هرتها الصغيرة فهى تعشق تلك الهرة وتطلق عليها لفظ تحببى ، فأشارت لها بالأقتراب وهى تقول:

– مشمشة تعالى هنا


أقتربت منها الهرة ، فأنحنت وحملتها بين يديها ، لتدعها بعد ذلك بين ذراعيها ، تمسد على فراءها الأبيض الغزير ، فتبسمت وهى تداعبها :

– تعالى نذاكر يلا سوا


وضعت الهرة على ساقيها ، تمسد فرائها بيسارها ، ويمناها تعمل على التدوين بالنقاط المهمة ، التى تستخلصها من مذاكرتها 


سمعت صوت خطوات والدتها تقترب منها ، فرفعت وجهها لها ، ترمقها بحب خالص :

– عايزة حاجة منى ياماما


حركت نعمة رأسها سلباً ، وهى تمسح بيدها الحانية ، على رأس سجى :

–لاء يا قلبى انا بسأل علشان اعملك حاجة تفطرى بيها


همت سجى بترك مقعدها وهى تقول :

–متتعبيش نفسك أنا هقوم اعمل اى حاجة اكلها


حطت نعمة بكفها على كتف سجى ، جعلتها تعود لمكانها :

–لاء خليكى فى مذاكرتك وانا هروح اعملك اكل


أخذت سچى يد أمها تقبلها بحب وإمتنان ، فوالدتها تعمل كل ما فى استطاعتها ، حتى توفر لها ما تحتاجه ، وبالرغم من كون والدها مازال على قيد الحياة ، إلا أنه أتخذ له زوجة أخرى غير والدتها منذ زمن بعيد ، فهو لا يأتى لرؤيتهما إلا نادراً ، إذا أذنت له بذلك زوجته الثانية 


فراحت تمسد بيدها ، على ظاهر يد والدتها ، تلك اليد التى عملت بشقاء لسنوات من أجلها :

–ربنا يباركلى فيكى يا ماما ومتحرمش منك ابدا يارب


فأدنت نعمة بوجهها من رأس إبنتها ، طابعة قبلة محبة على مفرق رأسها :

–ولا يحرمنى منك يا حبيبة ماما


تركتها وذهبت للمطبخ ، لتبدأ فى الشروع بتجهيز طعام الإفطار ، حتى تذهب هى أيضاً إلى عملها فهى تعمل عاملة بأحد المصانع الخاصة بتصنيع الملابس ، أنتهت من تحضير المائدة الصغيرة ، وبعد نداءها لسجى ، وجدتها تخرج من غرفتها 


فسحبت نعمت مقعدها ، وهى تحثها على تناول طعامها كاملاً :

– يلا يا حبيبتى كلى بالهنا والشفا والاكل بتاع مشمشة فى المطبخ


اتخذت سجى مقعدها هى الأخرى قائلة بصوت هادئ :

– تسلملى ايدك الحلوة دى أحلى طبق فول من إيد ست الحبايب


وضعت نعمة لقمة صغيرة بفمها ، وهى تبتسم على إشادة إبنتها دائماً لما تفعله من أجلها :

– طب يلا نلحق نخلص فطار علشان تلحقى كليتك وانا اروح الشغل


تهدل فمها الرقيق ، بعد سماعها ما قالته ، فخرج صوتها محملاً بالأسى :

– كان نفسى اريحك من كل ده يا ماما ، أنتى بتتعبى كتير علشانى 


فقبل أن تجدها باكية ، كحالها كل يوم ، أسرعت هى القول :

–كل حاجة تهون علشان خاطر عيونك الحلوة دى أنا بس عيزاكى تركزى فى مذاكرتك وكليتك وبس ومتفكريش فى اى حاجة تانية ماشى يا سجى


لم تملك سوى أن أماءت برأسها ، ولكن حزنها الذى يكتنف قلبها ، لم تدعه يطغى على صوتها أو وجهها ، حتى لا تزيد من يأس حياتهما ، فكل منهما تحاول أن تشد من أزر الأخرى ، حتى وإن كان ذلك ببضع عبارات ووعود تحاول هى الوفاء بها


بعد انتهائهما من تناول طعامهما ، ذهبت  كل منهما لغرفتها ليرتديا ثيابهما ، فألتفتت سجى خلفها ، تلقى تعليماتها للهرة وهى تقول بجدية :

–مشمشة خليكى مؤدبة على ما ارجع من الكلية ماشى يا روحى ، واوعى أرجع الاقيكى خرجتى من الشباك زى ما عملتى قبل كده


اصدرت الهرة مواء كأنها وعت ما أخبرتها به ، فالهرة تعشق صاحبتها ، ولا تجعل احد يداعبها غيرها ، خرجت سجى من غرفتها ، وجدت والدتها سبقتها بفتح باب الشقة ، فخرجتا سوياً من المنزل ذو الطابق الواحد ، فوجدت نعمة جارتها  التى تعمل برفقتها فى المصنع ، تنتظرها أمام منزلها ، فهى صديقتها المقربة وكاتمة اسرارها وتدعى عزة


فأقتربت منهما عزة تلقى عليهما تحية الصباح :

–صباح النور عليكم عاملة ايه يا سچى


أجابتها سجى بإبتسامة :

–الحمد لله يا طنط عزة عن اذنكم علشان ورايا محاضرة كمان شوية


ذهبت سجى يرافقها دعاء نعمة لها بالتوفيق ، فرمقتها عزة بأستفسار ، بعد رؤيتها ذلك إلاصفرار الطفيف الذى كسا وجهها  ، فهتفت بها بقلق :

–مالك يا نعمة لسه برضو معدتك وجعاكى وشك أصفر ليه كده


على ذكرها ذلك الأمر ، أنكمشت ملامح وجه نعمة بجهل :

–مش عارفة فى ايه يا عزة معقول يكون دور برد تقيل شوية


أحاطت عزة بيدها معصمها وهى تجيبها :

–تعالى نروح لدكتور اكشفى وشوفى هيقولك ايه اهو تطمنى على نفسك برضه يا حبيبتى متسبيش نفسك كده


هزت نعمة رأسها بإيماءة خفيفة :

–إن شاء الله يلا بينا دلوقتى نلحق الشغل


بدأتا السير حتى تركتها ذلك الحى ، الذى يقطنان به ، فأشارت عزة لعربة الأجرة ، التى يكثر إستخدامها بتلك المنطقة السكنية ، فجلستا متجاورتان ، ولم تستطيع عزة إخفاء خوفها وقلقها على صديقتها ورفيقة دربها ، فراحت من حين لأخر تشد بيدها على كفها


❈-❈-❈


تبسمت سچى وهى تلوح بيدها ، لتسترعى إنتباه تلك الفتاة ، التى أتخذت من درج مبنى الكلية مجلساً لها ، ولكن قبل وصولها إليها ، سمعت صوت صياحها بوجه ذلك الشاب ، الذى كأنه ظهر من العدم فجأة ، فربما اليوم ستشهد على مشاجرة جديدة لصديقتها ريهام ، التى غالباً ما تنعتها " بالفتوة '' لكثرة شجارها مع زملاءها ، فبعد أن نال ذلك الشاب نصيبه ، رحل من أمامها


فتقدمت سجى منها قائلة بتفكه :

– صباحو على اللى دايما مجرسانا فى كل حتة


رفعت ريهام حاجبها الأنيق وهى تقول :

– بس يابت أنتى مش كفاية أتأخرتى لحد ما أتلم عليا الدبان 


لم تستطيع سجى كتمان ضحكتها ، على وصف ريهام لكل شاب يحاول أن يستميلها من أجل صداقتها ، فهى حقاً فتاة فاتنة الملامح ، ولكن قبل أن ترفع ريهام يدها بكتابها ، لتحط به على كتف سجى ، لتجعلها تكف عن الضحك ، سمعتا صوت أنثوى رقيق ينادى بإسم سجى ، ولم تكن تلك الفتاة سوى أختها الصغرى غير الشقيقة وتسمى أروى


فنهضت سجى من مكانها ، تقترب منها تطوقها بذراعيها بحب وحنان ظاهر وهى تقول:

– أروى عاملة ايه وحشتينى أوى 


لم ترغب أروى بترك مأمنها بين ذراعى شقيقتها ، فأجابتها وهى مازالت تحيطها بذراعيها :

– وأنتى كمان وحشتينى أوى ، أنتى مش بتيجى عندنا ليه


أختفت ملامح السرور من وجه سجى ، وحل محلها العبوس ، عندما تذكرت تلك المرات القليلة ، التى كانت تذهب فيها لبيت والدها ، وتلقى الجفاء والصرامة من زوجة أبيها ، حتى كفت عن الذهاب لهناك ، مكتفية بلقاء شقيقتها بالجامعة ، أو بمجيئها هى لمنزلها 


فحاولت الابتسام وهى تبرر فعلتها :

– أنتى عارفة يا أروى مامتك مبتحبنيش أجى عندكم


وجوم أعتلى وجه أروى ، بعدما تذكرت أفعال والدتها مع سجى ، فحاولت التخفيف عنها بقولها :

– معلش يا سجى متزعليش حقك عليا


ظلت ريهام تتابع حديث الشقيقتان ، وهى تنظر لهما بإعجاب من قوة الترابط بينهما ، على الرغم من أنهما شقيقتان من الأب فقط 


❈-❈-❈

 

فكأن تلك المرآة ، ماهى إلا مرآة سحرية ، ستخبرها بمدى جمالها وفتنتها ، التى إستطاعت بها منذ سنوات طوال ، سلب إرادة ذلك الرجل المسمى زوجها ، فلم تجد جهداً وعناءاً ، بجعله يلهث خلفها ، تاركاً زوجة وطفلة كن بحاجة إليه كسند ، ولكن ضرب بكل أواصر المحبة عرض الحائط ، جاعلاً من ذاته أداة ولعبة بيد زوجته الثانية


وهاهو يلج الغرفة يبحث عنها ، يناديها بصوت متهدج ولعاب يسيل ، بعدما رآها تقف تمشط شعيراتها الناعمة ، كساحرة أتخذت من جمالها ، طوق أحكمت إغلاقه حول إرادته 


فأزدرد لعابه قائلاً بإعجاب :

– إيه الجمال ده كله يا فادية 


إلتفتت إليه تبتسم له بغنج :

– تسلملى يا حامد ، يلا علشان تفطر يا حبيبى قبل ما تنزل ورشتك وأه كنت عايزة فلوس أشترى دهب 


قبل أن تراه يبدى رفضه لمطلبها ، كانت هى الأسبق فى منحه تلك المغريات ، الكفيلة بإطاحة عقله ، فبشد وجذب ، كانت هى الفائزة بتلك اللحظة ، التى سمعته يقول بها :

– هو أنا عايز الفلوس علشان اشترى خشب للورشة ، بس أوعدك أخلص الطلبية وأجبلك كل اللى أنتى عيزاه


مسحت برفق على كتفيه ، بعدما غزت الإبتسامة شفتيها من وعده الذى منحه لها منذ ثوانى ، ولكن أختفت إبتسامتها عندما وجدته معقباً :

– النهاردة كنت عايز أروح أشوف نعمة وسجى وأخد أروى معايا


كاد أن يترنح بوقفته ، بعدما باغتته بدفعة جافة لتبعده عنها ، فصاحت به :

– تروح تشوف مين يا عنيا ليه إن شاء الله حنيت لنعمة ولا خلاص مبقتش عجباك 


حاول قمع غضبها ، فتبسم لها يقول برفق :

– فادية أنا عايش معاكم هنا على طول وبشوفهم كل فين وفين وهى مراتى وسجى بنتى وليها حق عليها


شهقت فادية بصوت سوقى :

– هاااا حق مين يا أبو حق مش كفاية أن أنا سيباك تخليها على ذمتك ، لكن أكتر كده لاء يا حبيبى ، ولو حنيت ليها روحلها وأتفلق أنا وبنتك ، بس هترجع مش هتلاقينى 


أستجلبت دموعها الزائفة ، لتختم مشهدها الدرامى ، الذى يثار من حين لأخر ، بإتيان حامد على ذكر زوجته الأولى وإبنته الكبرى ، فبتخيله من أنه ربما يعود يوماً للمنزل ولا يجدها ، يصيبه هذا بالجنون 


فبشتى الطرق حاول صرف غضبها ، ولكنها لم ترغب فى منحه ما يطيب خاطره ، إلا بعدما وجدته يعلمها بعدم ذهابه ، وإن كان من داخله يشعر بالسوء ، لإجحافه بحق زوجته الأولى وإبنته 


– طب أروح أديهم فلوس وهرجع على طول

قالها حامد بحذر ، ليجدها تقلب عينيها بملل وتزفر بحنق وهى تجيبه :

– ما أنت هتروح تديها فلوس وهى هترفض وهترجع قفاك يقمر عيش زى كل مرة ، ولا أنت غاوى تروح وتتمنظر عليك نعمة بأن نفسها عزيزة ومش عايزة منك حاجة ، ولا الست الدكتورة اللى هتقولك شكراً مش عايزين منك حاجة


تذكر حامد كل تلك المرات ، التى ذهب فيها إلى نعمة ، ولم يلقى منها سوى الجفاء والخشونة بمعاملتها له ، ولكنه غض الطرف عن أنه هو من بدأ بزرع بذور الهجر ، لتنبت ثمار القسوة يحصدها فيما بعد كراهية من جانب نعمة وسجى ، ولكن لا يتذكر من كل هذا ، سوى ملامح وجهيهما المتصلبة عند رؤيته ، فأتخذها ذريعة له بعدم ذهابه ، وليرسل لهما النقود مع شخص أخر


 ❈-❈-❈


حطت الطيور على تلك الشجرة القريبة ، من شرفة ذلك المنزل العريق ، الرابض على مساحة خضراء فسيحة ، تعلن بأصواتها العذبة ، عن بداية يوم جديد ، ستشرق شمسه على سكان ذلك البيت ، المؤلفين من أب صالح وأم جميلة وجدة بشوشة وثلاثة أبناء ذكور  

جفف رأسه الحليقة ، ذو الخصيلات القصيرة ، ليلقى بعد ذلك بالمنشفة على المقعد القريب منه ، وشرع فى إرتداء ثيابه الرسمية ، والتى تحمل شعار الجيش المصري ، فأغلق أزرار سترته ، وجلس على طرف الفراش ، يرتدى حذاءه الميرى ، وبعد الإطمئنان على حسن مظهره ، لملم ما تبقى من الثياب النظيفة ، يضعها بحقيبته التى ترافقه عندما يغادر المنزل ، ذاهباً لعمله 

أعاد كل شئ بالغرفة لما كان عليه ، مرتباً نظيفاً ، فالإنضباط والإلتزام والحرص على نظافة المكان الذي يسكنه ، كلها صفات إكتسبها من عمله كضابط صاعقة بالجيش ، فتلك البنية الجسدية المتينة والقوية ، والطول الفارع ، لم تكن تناسب أحد أخر غير ذلك الشاب ، ذو الوجه المليح ، فبشرته لوحتها الشمس من كثرة مكوثه بها وجهده المبذول بأداء التمارين الرياضية الشاقة 


صوت نقرات خفيفة على الباب ، جعلته يحيد بعيناه عما تفعل يداه ، وينظر للباب يقول بصوت قوى :

– أدخل 


أنفتح الباب ورآى والدته ، تلك المرأة الجميلة والحنون ، تلج الغرفة ، فترك ما بيده يقترب منها يقبل وجنتيها بحب :

– صباح الجمال على أجمل دودو فى الدنيا 


تبسمت هدى على ذلك اللفظ التحببى ، الذى يناديها به دائما ، فربتت على وجنته :

– أجمل دودو سمعتها فى حياتى من حضرة الظابط رائف باشا زيدان 


حمحم رائف يدعى الجدية :

– طب الفطار جاهز ولا لاء أحسن أتأخر 


– خلاص الفطار جاهز وبابا بيجهز علشان هينزل يلا انت كمان هات شنطتك وحصلنى على تحت

قالتها هدى وهى تعبر من الباب للخارج ، فهبطت الدرج بتأنى ، حتى وصلت لتلك المائدة الطويلة ، التى عملت الخادمة على تنسيق اطباق الطعام عليها ، فإبنها الأوسط والذى يدعى أكرم ، وجدته بدأ بتناول طعامه بتمهل ، تجلس بجانبه والدة زوجها 


فأتخذت مقعدها بعدما ألقت عليهما تحية الصباح ، فتبسمت على فعل أكرم وهى تهتف به:

– أنت بتعمل ايه يا أكرم


إبتلع اكرم ما بجوفه قائلاً بإبتسامة عريضة :

– بنقنق على ما تيجوا جعان وورايا عمليات كتير النهاردة 


نظرت لها والدة زوجها وتدعى صفية بتساؤل :

– فين ماهر ورائف يا هدى


– نازلين دلوقتى يا ماما ، صحيح هو فين شادى

قالتها هدى بتساؤل ، فقبل أن يهم أحد بالرد عليها ، جاءتها الإجابة على هيئة صوت إنفجار طفيف يأتى من الخارج ، يشبه صوت أنفجار الألعاب النارية


زفر أكرم بيأس :

– عرفتى المتخلف ده فين ، فى المعمل اللى مش هيرتاح إلا لما يفجرلنا البيت 


قهقهت هدى بصوت عالى ، وخاصة بعد رؤية نجلها الصغير يلج المنزل ، بعد قدومه من حديقة المنزل ، والمقام بها ذلك المختبر الخاص بالعلوم لذلك الشاب الجامعى ، فتركت مكانها تقترب منه تأنبه بلين :

– وبعدين معاك يا شادى انتى كل شوية تسمعنا صوت الانفجارات دى ، هتجبلى سكتة قلبية يا ابنى


أخذ شادى يقبل والدته على وجنتيها بنهم :

– بعد الشر عليكى يا جميلة الجميلات


– بتعمل ايه يا واد أنت

ذلك هو صوت أبيه ، وهو يدنو منهما ، يصفعه بخفة على مؤخرة رأسه ، فدلك شادى مكان تلك الصفعة قائلاً بصوت ممازح :

– كده يا بوب تعمل كده فى ابنك الصغير وأخر عنقودك 


سحبه والده يدنيه منه ، وهو يشاكسه بحب ، فبقدوم الأبن الأكبر ، جلس الجميع ليتناولوا طعامهم ، بجو من الألفة والمودة 

انتهى شادى من تناول طعامه محمحماً :

– خلاص خلصت أكل مين هديه بوسة قبل ما أمشى


أتخذوا جميعاً حذرهم ، فوضع كل منهم يديه على وجهه ، قبل أن يبدأ شادى بتقبيلهم ، وينتهى الأمر بترك أثار اسنانه على جلدوهم ، بعد إنتهاءه من عض المنشود بقبلته الممازحة


رفع سبابته كمن ينتقى شيئاً فهتف بمكر :

– اللى عليه الدور أبيه رائف


زمجر رائف بنظرات شرسة وهو يجيبه :

– أنت عارف لو فكرت بس مجرد تفكير تقرب منى هحط وشك فى طبق المربى يا شادى ، أصل أنا مش مستغنى عن هيبتى لما العساكر يشوفونى معضوض 


رفع شادى شفته العليا قائلاً بقلة حيلة :

– خلاص أنت يا أبيه أكرم


لم تكن نظرات أكرم تقل شراسة عن نظرات شقيقه الأكبر ، فرفض رفضاً قاطعاً أن يقترب شادى منه هو الآخر ، فأتخذ شادى تلك الوسيلة التى دائما ما يلجأ إليها 


فرسم ملامح الحزن على وجهه بإتقان قائلاً بصوت درامى :

– أنا عارف أن انتوا كلكم بتكرهونى ، أنا هروح أدور على أهلى شكرا انكم ربتونى السنين دى كلها


صفق رائف بيديه قائلا بصوت رخيم :

– الله الله على تمثيلك الفاشل يا شادى ايه المواهب دى كلها بس أنت عارف لقيناك فين يا شادى قدام المعبد اليهودى علشان بس تعرف هتدور فين


هز أكرم رأسه قائلاً برفض :

– لاء يا أخى مكنش المعبد اليهودي كان فى صندوق الزبالة اللى على أول الشارع


كشر شادى عن أنيابه من سخرية شقيقيه منه ، فنظر لأبيه قائلاً :

– شايف يا بابا ولادك بيقولوا عليا إيه 


تبسم ماهر على مشاجرة أبناءه المعتادة ، فهو يعلم مدى محبة ابناءه لبعضهم البعض ، ولكن لا تخلو جلساتهم من المزاج والمشادات الكلامية اللطيفة ، التى سرعان ما تنتهى بإقدام رائف على إظهار محبته لشقيقه الصغير 


فربت رائف على كتف شادى  :

– خلاص يا حبيبى متزعلش لا المعبد اليهودى ولا صندوق الزبالة لقيناك فى البخت 


ضحك شادى على قول شقيقه ، فأجابه قائلا بثقة :

– أكيد بختكم الحلو ويلا علشان توصلنى الكلية عربيتى خربت 


زاغ شادى بنظراته ، حتى لا تلتقى بنظرات والده الغاضبة ، فأبتسم بإتساع بعد فشله فى فعل ذلك ، معقبا بوداعة :

– أنا عارف البصة دى يا بابا بس صدقنى مكنش بمزاجى عربيتى تخرب


رفع ماهر حاجبيه قائلاً بغرابة :

– لا ياراجل هى خربت لوحدها كده أنت جزاءك تروح الكلية ماشى على رجليك 


ترك شادى مقعده ، واقترب من ابيه يقبله على وجنته :

– يعنى انت يابابا عندك شركة ومصنع قطع غيار عربيات وعايزنى اروح الكلية وانا ماشى على رجلى دا حتى الناس تاكل وشى 


شد ماهر أذنه مؤنباً :

– ما أنا زهقت منك يا شادى ومن عمايلك السودة 


أصدر شادى صوتاً متألماً :

– أى أى حبيبى يا بوب كده تزهق من حبيبك واخر عنقودك والعسلية اللى أنت جبتها فى الآخر وملزقلكم البيت سكر


أفتر ثغر ماهر عن إبتسامة وهو يقول:

– يلا يا واد انت على كليتك بقى قال عسلية دا انا ختمت خلفتى بعيل يجيب الضغط 


– أجيب الضغط أه بس برضه بتحبونى 

قالها شادى بثقة ، فوجد رائف يهتف به هادراً بصوت عالى نسبياً :

–يلا بقى يا اخرة صبرى خلينا نمشى  أنا عارف أنها توصيلة ما يعلم بيها الا ربنا وكمان عايز أروح أشوف مايا قبل ما أسافر يلا سلام عليكم جميعاً


تبادلت هدى النظرات مع الجميع ، فكل منهم ينظر للأخر ، خاصة بعد ذكر رائف لإسم خطيبته المدعوة مايا ، والتى لم تستطيع كسب مودة أحد من أفراد العائلة بطباعها المتعجرفة وغرورها اللعين ، ولكنهم يصمتون إكراماً لرائف ، فهو ليس طفلاً ليمنعوه عما يختاره ، فسنوات عمره الأربعة والثلاثون ، تخوله إدارة حياته كيفما يشاء ، مستنداً بذلك لرشده وحكمته فى وزن الأمور 


ولكن بسماعها جملة الوداع منه، تركت مقعدها وطوقته بذراعيها ، وهى تحاول منع دموعها من الإفلات من مقلتيها ، كلما رآته عائداً إلى عمله ، وتقضى أياماً بدون رؤيته 


فهمست بأذنه :

–تروح وترجع بالسلامة يا حبيبى خلى بالك من نفسك ماشى


ربت رائف على ظهرها بحنو بالغ :

–الله يسلمك يا ماما 


بعد أن ودع أفراد عائلته ، جر خلفه حقيبته بيده اليمنى ، بينما يده اليسرى يجر بها شادى من تلابيب ملابسه ، بعدما رآى أنه سيعمل على إضاعة الوقت بمزاحه كالعادة ، فوصلا للسيارة ، وأتخذ مكانه خلف مقود سيارته ، ينطلق بها قبل سماع حديث شقيقه الأصغر ، الذى سيبدى رفضه لما فعله به 


بعد فترة وجيزة ، كان رائف يصف سيارته أمام الحرم الجامعي ، فنظر لشادى قائلاً وهو ينقر بأصابعه على المقود :

– يلا يا ابنى انزل


فتح شادى باب السيارة بجانبه :

–خلاص يا عم متزقش نازل أهو هتوحشنى يا أبيه متجيب بوسة


جز رائف على أنيابه وهو يقول :

–انزل يا شادى احسن ما ارميك برا العربية


انفرجت شفتى شادى بإبتسامة ، فرد قائلاً بمحبة :

–تروح وترجع بالسلامة يا أبيه خلى بالك من نفسك


ربت رائف على وجه شادى بحنان :

– الله يسلمك يا حبيبى  وأنت كمان خلى بالك من نفسك ودراستك 


بعد أن أعطاه شادى وعده بالالتزام بما اوصاه به ، ترجل من السيارة ، فأخرج رائف هاتفه من جيبه ، لسماع صوت تلك الفاتنة ، ليعلمها بشأن أنه بطريقه إليها لرؤيتها ، ولكن فشلت محاولته الأولى ، فأعاد الكرة للمرة الثالثة ، يخشى أن يكون أصابها مكروه وهو لا يعلم


ولكن جاءها صوت مايا الناعس وهى تقول:

–ألو مين ؟


أصابه الضيق من ردها المتجاهل لصفته ، فأجابها بصوت فاتر :

–مين! حضرتك مش عارفة مين بيرن عليكى يا مايا


تداركت مايا فداحة قولها ، بعد سماع صوته ، فأبدت أسفها :

– سورى يا رائف اصل كنت نايمة ومأخدتش بالى من الإسم


لوى رائف ثغره بإبتسامة قائلاً :

–لسه نايمة لدلوقتى يا حبيبتى دا أنا كنت عايز أشوفك قبل ما أرجع الشغل


بسماع لهجته المتوددة لها ، شعرت براحة فأجابته بخفوت :

–اصل امبارح كنت فى بارتى بتاع واحدة صاحبتى والحفلة خلصت متأخر ويادوب كنت نايمة من ساعتين بس


أطاحت برزانته ، وبحة صوته المتهدجة والمختلجة بشوق كبير ، بإتيانها على ذكر ما فعلته البارحة ، خاصة وهو يشدد أوامره لها بعدم قضاء تلك السهرات المتأخرة 


فخرج صوته مفعماً بالسخط :

– أنا مش قولتلك مفيش سهر وحفلات من دى تانى انتى مبتسمعيش الكلام ليه يا مايا 


إجابته بنبرة صوت أشد سخطاً :

–يوووه بقى وبعدين يا رائف كل شوية تزعقلى علشان خرجت مع اصحابى  أو حضرت حفلة 


أصتكت أسنانه ببعضها ، تصدر صوت صرير ، مازاده إلا شعوراً بالسخط :

– لا قبلين ولا بعدين سلام علشان ألحق أروح شغلى


أغلق الهاتف وهو يتأفف كالعادة من تصرفاتها ، فهو يحاول إصلاحها وتقويم سلوكها ، ظناً منه أن حبه لها سيكون دافعاً لها ، من تغيير نمط معيشتها الصاخب ، ولكنها لا تستمع لتنبيه أو تحذيره ، فإن كان تعلن موافقتها أثناء جلستهما ، فإنها تحنث بوعودها له 


أدار المحرك بغضب ، ولكن ما كاد يتحرك بالسيارة ، حتى ضغط على المكابح ، لتقف سيارته قبل دعس تلك الفتاة التى رآها تقف مكانها ، واضعة كفيها على جانبى وجهها ، كأنها بذلك تتخذ دفاعاً من مصير سيئ ، كانت ستلقاه الآن ، فترجل من السيارة بسرعة 


وقف أمامها بقامته المديدة قائلا بتساؤل :

– أنتى كويسة يا آنسة 


حركت سجى شفتيها ، تحاول إخراج كلماتها من بينهما ، فخرج صوتها منخفضاً هامساً :

– الحمد لله


أحنى رأسه ليسمع ماذا تقول بهمهمتها ،التى لم يحسن فهمها ، فهتف بها :

–أنتى بتقولى ايه ما تعلى صوتك شوية طب حصلك حاجة


لم تقوى على الرد ، أو رفع وجهها لتنظر إليه ، فكل ما تراه هو حذاءه ، وشبح ظله المرتسم على الأرض ، والذى ينبأ بضخامة جسده مقارنة بها 


– خلاص محصلش حاجة

قالتها سجى وانصرفت من أمامه ،حتى بدون ان تنظر فى وجهه ، فعقد حاجبيه بغرابة من تصرفها ،  ولكن بعد مغادرتها لمح على الأرض سوار ذهبى رقيق يحمل حرف السين باللغة الإنجليزية ، فألتقطه عن الأرض ، وأستقام بوقفته ليناديها ، ولكن لم يجد لها أثراً


فغمغم بحيرة :

– دا الانسيال بتاعها وقع منها وهى أختفت فى ثانية 


ولكنه نظر بساعة معصمه ، وجد أن وقته قد حان ليذهب لعمله ، فليس بإمكانه التأخير ، وهو من يشدد دائماً  على الانضباط وإحترام الوقت ، فوضع السوار بجيب بنطاله ،وعاد لسيارته يقودها بسرعة


❈-❈-❈


شعور الغثيان الذى عاودها ثانية ، جعلها تسرع بأخذ الأذن للذهاب إلى المرحاض ، فبعد أن أوصدت الباب خلفها ، قامت بإفراغ ما فى معدتها مرة أخرى ، غير تلك المرة التى داهمتها هذا الصباح ، ظلت تلهث وهى تشعر بأن روحها تستل من بين جنبيها ، من كثرة القئ وتلك الرؤية الضبابية التى كست عينيها ، فأستندت على حوض الصنبور ، بعدما رشقت وجهها بالماء ، لترطيب وجهها الشاحب 


بإستغراقها وقت أكثر من اللازم ، شعرت عزة بالقلق يساورها حول ما يحدث لها الآن ، فحصلت على الأذن هى الأخرى ، وذهبت لترى ما سبب تأخيرها هكذا ، فبعد طرقها على باب المرحاض ، فتحت نعمة الباب وخرجت مترنحة ، فأسرعت عزة بإسنادها وهى تقول بخوف :

– نعمة كده مش هينفع احنا لازم نروح لدكتور يشوف فيكى إيه 


أجابتها نعمة بصوت مثقل بالإرهاق :

– إن شاء الله هنروح انا مبقتش عارفة ايه اللى بيحصلى يا عزة


ربتت عزة على ظهرها ، تحاول طمأنتها :

– خير ان شاء الله يا نعمة أنتى دلوقتى تعالى ناخد إذن ونروح أنتى مش هتقدرى تكملى يومك


عادت نعمة الى المنزل ، ولكن سچى لم تعود بعد ، ففكرت أن ترتاح قليلا حتى مجىء ابنتها ، دلفت غرفتها وتمددت على فراشها وهى تأن بألم طفيف ، حتى داهم النعاس عينيها ، وغطت بنوم عميق 


فبعد أن أنهت سچى يومها الدراسى ، وجلست مع شقيقتها الصغرى أروى تستطلع أحوالها ، عادت الى المنزل ولكنها لم تسمع صوتاً ، ففكرت أن والدتها لم تعود من عملها ، فقامت بإستبدال ثيابها بثوب بيتى مريح ، وذهبت الى المطبخ لإعداد الطعام لها ولوالدتها 


ولكنها لم ترى هرتها فخرجت تناديها :

– مشمشة يا مشمشة أنتى فين تعالى انا جيت


خرجت الهرة من مخبأها  فرفعتها سچى بين يديها تحتضنها وهى تقول :

– أنتى كنتى مستخبية فين يا شقية تعالى يلا نحضر الاكل على ما ماما ترجع انتى جعانة يا قلبى اسكتى يا مشمشة سچى كانت هتموت النهاردة ومش بس كده يخرجلها واحد من العربية عامل زى الحيطة لما سمعت صوته خفت اكتر ما كنت خايفة يلا الحمد لله ربنا ستر


عادت للمطبخ ثانية ، ووضعت للهرة بعض الطعام الخاص بها ، ثم شرعت فى طهو طعامهما ، فبعد إنتهاءها ، وجدت باب غرفة والدتها يفتح ، تخرج منه وعلى وجهها أثر نعاس 


فهتفت بها سجى :

–ماما انتى هنا من امتى انا افتكرت انك لسه فى الشغل


تبسمت نعمة لها ، وهى تجلس على الأريكة الخشبية ، الموضوعة أسفل النافذة بالصالة :

– أصلى حسيت انى تعبانة شوية فاستأذنت وجيت


بسماع سجى قول أمها ، أقتربت منها تعرب عن قلقها :

–مالك يا ماما فى ايه ايه اللى تاعبك يا حبيبتى ، لو تعبانة يلا بينا نروح للدكتور دلوقتى 


أجابتها نعمة بصوت هادئ :

–مفيش حاجة  يا حبيبتى دول شوية ارهاق ، متقلقيش مفيش حاجة انا كويسة 


وضعت سجى رأسها على صدر والدتها ، فلفت ذراعيها حولها تقول بصوت مرتجف :

–انتى عارفة انا مليش غيرك وبخاف عليكى اوى يا ماما


هدهدتها نعمة بين ذراعيها :

– وأنا كويسة يا روحى متخافيش أنا زى الفل قدامك أهو


بالرغم من محاولة نعمة طمأنة ابنتها إلا أن القلق استبد بسچى فهى تخشى أن يصيبها سوء ، فقبل أن تعاود إلحاحها بشأن ذهابها للطبيب ، كانت نعمة تخبرها بضرورة وضع الطعام على المائدة لشعورها بالجوع 


بعد يومين .. أخذت نعمة قرارها بالذهاب للطبيب ، ليقوم بمعاينتها ، ويخبرها أسباب ذلك الغثيان والقئ ، اللذان صارا لا يفارقنها ، خاصة بعدما تتناول طعامها ، ولكنها لم تخبر ابنتها انها ذاهبة الى الطبيب ، فهى أوصت عزة ان لا تخبر سجى ، فذهبتا لعيادة الطبيب ، الذى أسرع بمعاينتها  


فبعد إنتهاء الفحص الطبى ، جلس خلف مكتبه ، يدون بقلمه على إحدى صفحات دفتره ، فرفع وجهه لها يخاطبها بمهنية :

–حضرتك انا هكتبلك على شوية تحاليل واشعة تعمليها ضرورى


سألته عزة قائلة بتوتر :

–هو فى حاجة يا دكتور


ناولها الطبيب الورقة ، وهو يبتسم إبتسامة أنيقة معهودة لديه :

– احنا منسبقش الاحداث نشوف التحليل والاشاعة وبعدين هنعرف فى ايه بالظبط وإيه اللى مخلى مدام نعمة يحصلها كده


أخذت عزة من يده الورقة ، وخرجتا من الغرفة ، فحثتها على ضرورة الإسراع بعمل تلك التحاليل الطبية والأشعة التى أرادها الطبيب


فبعد عدة أيام ، ذهبتا ثانية للطبيب ، تحمل نعمة عدة أوراق ، ولكن قبل أن تلج غرفة الفحص ، نظرت لعزة نظرة مطولة ، تحمل خوفاً وقلقاً ، فحاولت أن تشد من أزرها ، فهى كانت رفيقتها بكل خطوة ، فتجنبت نعمة إخبار سجى بشئ مما يحدث ، مفضلة بذلك بأن لا تجعلها تعلم ما يدور بتلك الآونة ،   نظر لهما الطبيب وهو يراهما يقتربان ، تتخذ كل منهما مقعدها أمام المكتب ، فرفعت نعمة يدها بما تحمله ، فأخذ الطبيب الأوراق يمعن بها النظر جيداً 


ولكن ملامح الأسف والشفقة التى كست وجهه ، جعلت مقلتى نعمة تتسع بحذر مما ستسمعه منه ، فما كان منه سوى أن خلع نظارته الطبية قائلاً :

– للأسف يا مدام نعمة حضرتك......



يتبع