رواية لا أحد سواك رائفي- بقلم الكاتبة سماح نجيب- الفصل العاشر
رواية لا أحد سواك رائفي
بقلم الكاتبة سماح نجيب
رواية لا أحد سواك رائفي
الفصل العاشر
١٠– " وألتقينا مرة أخرى "
ما تفوهت به الخادمة ، جعلته يهب من مقعده ، حتى أجفل من شعوره بالألم بساقيه ، ولكن ذلك الألم لا يقارن بما يشعر به الآن من خوف ورهبة من أن يكون أصاب سجى مكروه ، فالأسرة بأكملها كانت بحالة من الإستنفار لسماع باقى حديث الخادمة ، ليعلموا ما تحويه من إجابة على سؤال هدى لها عما أصاب سجى
فتقدمت الخادمة من هدى وهى تقول بسرعة :
– كنت رايحة الاستراحة علشان أشوف لو فى حاجة ناقصة اعملها ليها ، لقيت الآنسة سچى مغمى عليها وواقعة على الأرض ومبتنطقش خالص ، حاولت افوقها بس برضه مش راضية تفوق ، وبالعافية على ما قدرت أدخلها أوضتها ، بس باين عليها تعبانة ، قولت أجى اقول لحضرتك تشوفى فيها ايه
دبت صفية بيدها على صدرها وهى تقول بخوف وفزع :
–يا حبيبتى يا بنتى يا ترى فيكى ايه
هرولوا جميعهم للخارج ، فكان رائف أخرهم وأبطأهم بالحركة ، ولكن كأن روحه تريد الفرار من جسده وتسبقه بالوصول إليها ، فمنذ سماعه بما حدث لها ، شعر بأنفاسه صارت ثقيلة ، وقلبه كاد يقفز خارج صدره ، من لهفته لرؤيتها
فبوصولهم أمام باب الشقة ، زفر بإرهاق ، كأنه لا يطيق صبراً حتى يراها ويطمئن قلبه لرؤيتها ، ولكن رفعت هدى يديها تشير لزوجها وأبناءها :
–ماما تعالى معايا وانتوا استنوا هنا محدش يدخل معانا
تقدم أكرم منها قائلاً :
–ماما انا دكتور هشوف فيها ايه لتكون تعبانة ولا حاجة
حركت هدى رأسها بتفهم ولكنها قالت بإصرار :
– عارفة يا أكرم بس لازم أشوف البنت الأول أفرض كانت مش لابسة الحجاب مينفعش تدخل عليها كده
رد شادى قائلاً وهو يشير لوالدته بالدخول :
– ماشى ماشى يا ماما فهمنا ادخلى شوفيها وطمنينا
دلفتا هدى وصفية إلى غرفة النوم ، فبذلك الوقت كانت سجى بدأت بإستعادة وعيها ببطىء وعندما فتحت عيناها وجدت هدى وصفية جالستان بجوارها على الفراش
فربتت صفية على صدرها بخوف شديد وحنان وهى تقول:
–حبيبتى مالك فى ايه وايه اللى حصل
رآت هدى الجبيرة بيدها ، فأتسعت عيناها وتساءلت :
– مالها ايدك يا سچى ايه ده ، أنتى حصلك إيه وأنتى برا
أعتدلت سجى بجلستها بعدما كانت مضجعة وقالت :
–دى حاجة بسيطة متقلقوش أنا كويسة
رفعت صفية يد سجى وهى تمعن نظرها بيدها المصابة قائلة :
– منقلقش ازاى انتى خرجتى كويسة رجعتى بايدك مكسورة وكمان مغمى عليكى ليه ده كله
تركت هدى مكانها وهمت بالخروج من الغرفة وهى تقول:
–دلوقتى هخلى اكرم يدخل يكشف عليكى علشان نطمن ماشى يا حبيبتى
صاحت سجى برفضها الخجول :
– مالوش لزوم انا كويسة والله يا طنط وفوقت أهو ، ومتخافوش انا بقيت تمام ، والله أنا كويسة
تفهمت صفية كون سجى تشعر بالخجل من أن تخضع للفحص الطبى على يد أكرم ، فجذبت سجى إليها وهى تقول بهدوء :
– خلاص يا هدى سبيها براحتها جايز تكون مكسوفة أن أكرم يكشف عليها
إبتسمت لهما هدى وقالت :
– طب هم واقفين برا الاستراحة عايزين يطمنوا عليكى اخليهم يدخلوا الصالة ولا لسه تعبانة ومش هتقدرى تخرجى
ردت سجى قائلة بإبتسامة صافية:
– حاضر أنا هخرج لهم دلوقتى يا طنط
أسرعت بترك الفراش وهى تبحث عن حجابها ، وجدته ملقى على طرف المقعد المجاور للفراش ، فحاولت إرتداءه بصعوبة ، فساعدتها هدى حتى أنتهت من إرتداءه ، فخرجن من الغرفة ، ونادت هدى زوجها وأبناءها ، فدلفوا للصالة ، وكان أول من وقع بصرها عليه هو رائف ، فأشاحت بوجهها عنه سريعاً ، كأنها تريد الهرب من رؤيته
رأى رائف الجبيرة بيدها ، فارتسمت على وجهه علامات الاستفهام عما يمكن أن يكون حدث لها وأوصلها لتلك الحالة ؟ فظلت الأفكار تعصف بعقله ، يريد إجابة منها تمنح قلبه الراحة ، والذى صار يرتجف خوفاً منذ سماعه أنها فاقدة الوعى
فكان شادى أسرعهم بسؤالها :
– ايه ده مال ايدك يا سجى فى إيه
ردت سجى مبتسمة:
– دى حاجة بسيطة حصلتلى لما كنت برا
رمقها أكرم قائلاً بإهتمام :
– هى إيدك انكسرت ولا ايه
هزت رأسها نفياً وقالت :
– لاء جزع بس الدكتور أصر يعملى جبيرة علشان تخف بسرعة
قال ماهر هو الأخر متسائلاً:
–وايه اللى حصل يابنتى وجزع ايدك
ضحكت سجى بخفوت عندما تذكرت ما حدث لها ، فردت قائلة بتفكه :
–دا كان فيلم أكشن والله يا عمى ، اتنين كانوا راكبين موتسكيل واحد فيهم شد شنطتى فضلت ماسكة فيها ومرديتش اسيبها فطبعا من الشد وقعت على الأرض وايدى اتجزعت
أتسعت حدقتىّ رائف ، وهتف بها بإستنكار لفعلتها :
–كنتى هتموتى نفسك علشان الشنطة كنتى سيبهاله مش تضحى بنفسك وتأذى نفسك بالشكل ده
أغتاظت سجى من كونه لم يحاول التحدث معها ، إلا بشأن معاتبتها على أنها حاولت الدفاع عن نفسها ضد السرقة ، فطحنت أسنانها ، حتى كادت تسمع صوت صريرها ، فقالت بغيظ :
–يعنى أسيبه يسرقنى واقف أتفرج عليه ، دا اللى خياله يصورله انه ممكن يضايقنى يبقى هو الجانى على روحه
قهقه شادى على قولها فرد قائلاً :
– دا أنتى كده ميتخافش عليكى بقى ، فتوة فتوة يعنى مفيش كلام
أفلتت إبتسامة من رائف ، لعلمه أنها تخصه بحديثها ، وتحذره من مغبة الإستمرار فى معاملته الخشنة لها ، فهو بات يعرفها جيداً ، على الرغم أنهما لم يتقابلا إلا منذ بضعة أشهر ، ولكن كأنه يستطيع رؤية ما يعتمل بعقلها مرسوماً على صفحة وجهها ، فهى تتحداه بشكل خفى ، فكم أحب هو ذلك وراق له عنادها ، فإن رغبت بالتحدى سيجعلها ترى كيف يكون التحدى
صارت تشعر بالضيق والغيظ أكثر بعد رؤية إبتسامته ، إلا أنها حولت بصرها عنه عندما سمعت والده يقول
– حمد الله على سلامتك يا بنتى أهم حاجة
ردت سجى مبتسمة بتهذيب:
– تسلم يا عمى وتسلموا كلكم
قبضت هدى على يد سجى السليمة وهى تقول بإصرار :
–بعد كده ما تخرجيش الا والسواق معاكى
تنفست سجى بقوة فما لبثت أن قالت :
– والله يا طنط انا شكلى وش حوادث قبل كده برضه قبل ما ماما تموت الله يرحمها ، واحد كان هيخبطنى بالعربية ، لولا ستر ربنا ، لاء وكمان نزل من العربية كان صوته عالى ، انا مشفتوش كل اللى فكراه انه كان لابس بدلة جيش وكان هيخبطنى قدام الجامعة ولما نزل مش قادرة اتكلم ، شخط فيا بيقولى ما تعلى صوتك انتى بتقولى ايه ، خفت زيادة روحت سيباه وماشية
نظر إليها أكرم مقطباً حاجبيه قائلاً:
–أنتى كنتى تاخديه وش كده على القسم ، يعنى مش كفاية كان هيخبطك نازل يزعق كمان
لم ينتبه رائف على شئ من الحديث ، الذى يدور حول تلك الذكرى ، غير ذكر سجى لمواصفات سائق السيارة ، ففكر هل من الممكن أن تكون تلك الفتاة التى كان على وشك دعسها بسيارته وصاحبة ذاك السوار الذهبى الذى بحوزته ، هى سجى بذاتها ؟ فلو صح ظنه ستكون تلك أغرب صدفة أعترضت حياته ، ولكن عليه التأكد أولاً من صحة ظنونه
بعد إنتهاء الحديث وإطمئنانهم أنها بخير ، أعلنت هدى ضرورة عودتهم للمنزل لتناول طعام العشاء ، فخرجوا تباعاً ، وتعمد رائف أن يكون أخر من يغادر
فقبل أن يطأ بقدميه الأرض خارج الشقة ، إلتفت إليها قائلاً بحنان لأول مرة :
–بعد الشر عليكى والف سلامة
أرتبكت سجى لحديثه الهادئ معها ، فردت قائلة بتوتر :
–الله يسلمك شكراً على ذوقك
أنتظرته أن يخرج ، إلا أنه أستغرق وقتاً أكثر من اللازم ، فتعمده بالنظر إليها ، يجعلها تشعر بأن الأرض تميد تحت قدميها ، وحرارة قوية تنبعث من وجنتيها ، فكلما ألتقت عيناها بعينيه ، ينتفض قلبها بصدرها ، وتظل تأنب نفسها مراراً وتكراراً على تلك المشاعر التى صارت تكنها له ، فنظرة منه تسعدها بينما أخرى تجعلها تشعر بالشقاء
خرج مستندا على عصاه ، فهو أصبح يسير بصعوبة أقل عما رآته أول مرة ، فصار قلبها يتضرع لله بالدعاء أن يمن عليه بالشفاء العاجل
فأثناء مروره بالحديقة ، مد يده واقتطف وردة جميلة ، فقربها أنفه وأستنشق عبيرها ، فأغمض عينيه بعد أن أنتشر عبير الوردة بوجدانه ، فالوردة تشبه بجمالها تلك الفتاة ، التى باتت تسيطر على أفكاره
إستدار إليها ووجد نفسه يمد يده لها بالوردة وهى لا تعلم كيف مدت يدها وأخذتها منه ، فهى تشعر بالدهشة والتعجب من حنانه ولطفه المفاجئ
ومازاد بدهشتها أنه إبتسم لها وهو يقول بهدوء:
–اتفضلى دى علشانك والف سلامة عليكى مرة تانية
فغرت سجى فاها ، إلا أنها ردت قائلة :
–شكراً على ذوقك
بعد أن أخذت منه الوردة شاكرة لطفه ، سبقها حتى وصل للمنزل ، بينما هى ظلت واقفة مكانها تنظر للوردة ، وعندما رفعتها لتنهل من رائحة عطرها ، وجدت أن عطره هو من ظل عالقاً بالوردة تزيد لعطرها عطر مميز لرجل مميز
أفاقت على حالتها وأطلقت نهدة حارة محمولة بتأنيب قوى على ما باتت تشعر به تجاهه ، فقالت بصوت هامس:
–وبعدين بقى فوقى لنفسك يابنت الناس كده مش هينفع لازم تشيلى الاوهام دى من دماغك ، وكده غلط أنتى مش لازم تنجرفى ورا مشاعرك دى فوقى بقى استغفر الله العظيم يارب
بعد إنتهاء العشاء وجلستهم الودية التى شعرت سجى بوجود شئ مبهم بها يحوم حول رائف ، خاصة وأنه لم يحاول طوال الجلسة أن يسخر منها أو أن يغضبها بحديثه ، عادت للشقة ،وذهب كل فرد منهم لغرفته
فقبل ذهاب أكرم لغرفته ناداه رائف بإلحاح :
–أكرم ممكن تطلع أوضتى اللى فوق ، الكومدينو اللى جمب السرير فى الدرج الاول هتلاقى انسيال جبهولى
تلاحمى حاجبى أكرم قائلاً بعدم فهم :
– انسيال إيه ده أنا مش فاهم حاجة
زفر رائف قائلاً بإرهاق :
– هاته بس وأنا هقولك على كل حاجة يا أكرم
صعد أكرم الدرج ، حتى وصل لغرفة رائف التى كان يسكنها قبل الحادث ، فبحث عن السوار الذهبى حتى وجده ، وعاد لشقيقه ثانية
فناوله لرائف متسائلاً :
– الأنسيال أهو قولى بقى إيه الحكاية ؟
تحسس رائف السوار الذهبى وقال مبتسماً:
–فاكر سچى لما قالت إن واحد كان هيخبطها بالعربية وكان لابس لبس جيش ، الظاهر أنا اللى كنت هخبطها بالعربية
رفع أكرم شفته العليا قائلاً:
–والله العظيم ما انا فاهم حاجة
إبتسم رائف على ملامح البلاهة التى أعترت وجه أكرم ، فبدأ بسرد ما حدث بذلك اليوم ، الذى قابل به سجى ، فبعد أن أنتهى من سرد القصة كاملة
نظر إليه أكرم رافعاً حاجبيه وهو يقول :
– دا ايه الفيلم ده يابنى ، حاجة غريبة أوى ، بنت تقابلها صدفة ويحصل كده وتطلع البنت دى عايشة معانا هنا وفى حاجة تخصها معاك كمان يعنى زى ما يكون القدر مصر يجمعكم مع بعض
ظل رائف ينظر للسوار وقال بإبتسامة هادئة :
– أنت هتقول زى تيتة لما شافت الانسيال ، قالتلى خليه معاك جايز تقابل صاحبته فى يوم من الأيام
شد أكرم على كتف رائف وهو يقول بثقة :
– وكلامها فعلا طلع صح ، وأهو أنت لقيت صاحبة الإنسيال ، انت هتديهولها ؟
هز رائف رأسه قائلاً:
– ايوة هديهولها جايز تكون زعلت لما ضاع منها
ذهب أكرم لغرفته ، بينما ظل رائف مستلقياً على فراشه يحدق بالسوار ، يداعب بأنامله ذلك الحرف الصغير ، الذى يتدلى منه ، فلم ينتبه على ما يفعل إلا عندما وجد نفسه يقرب السوار من فمه يقبله بمحبة ، ففزع من إنجرافه خلف عواطفه ، وهو الذى كان أتخذ قراره سابقاً بأن يقلع عن أوهامه ، وأن يجعلها تترك المنزل ، ولكن برؤيته لها اليوم وعلمه بما أصابها ، أقلع عن تصميمه بمضايقتها ، فإن كان حدث لها هذا وهى مازالت تقطن معهم ، فماذا سيصيبها إذا عاشت بكنف أبيها وزوجته ، أو عاشت بمفردها بمنزل والدتها ؟ لذلك قد قرر التخلى عن تصلبه وعناده معها ، وألا يحاول إغضابها ومضايقتها
❈-❈-❈
فزعت ريهام برؤية الجبيرة بيد سجى ، فعلى الرغم من شعور سجى بالألم إلا أنها لم تتخلف عن حضور التدريب ، ولعلها تمنح نفسها فرصة من الراحة ، عوضاً عن ذلك الصخب الذى تشعر به كلما رآت رائف ، حتى أنها باتت تفكر جدياً بترك المنزل ، فهى لا تريد الإنسياق خلف تلك المشاعر ، والتى يبدو عليها أنها شبه مستحيلة ، فالعلاقة بينها وبين رائف متوترة ، يشوبها الشجار والتحدى الظاهرى ، على الرغم بما صارت تشعر به من حب نبت بقلبها ، إلا أنها تحاول جاهدة وأد هذا الحب بمهده ، قبل أن تصير الأمور أسوء
فلم تترك ريهام صديقتها إلا بعدما روت لها ماحدث معها ، فوضعت يدها على فمها وقالت مشدوهة:
– يا خبر أبيض دا أنتى كنتى هتنسحلى على الأرض كده
ضحكت سجى وقالت :
– اعمل ايه اسيبه ياخد الشنطة وفيها كل حاجتى وبطاقتى وتليفونى وفلوسى وكل اشيائى وكل ما املك
بادلتها ريهام الضحك وقالت وهى توكزها بكتفها :
– لاء طبعا ميصحش لازم تحاربى بس ايدك دى هتفكيها امتى
نظرت سجى إليها وقالت ممازحة :
–كام يوم كده وهفكها متقلقيش وحلاوة لما افكها ليكى عندى قلم على وشك حلو اوى يا ريهام
جذبتها ريهام من تلابيب ثيابها قائلة :
نهارك مش فايت تفكيها وتضربينى طب ايه رأيك انا بقى هكسرهالك مش هجزعها بس يا سچى
أنكمشت ملامح وجه سجى قائلة بوداعة :
– أخص عليكى واهون عليكى يابت أنتى
تركت ريهام ثيابها وداعبت وجنتها بلطف وقالت :
– الصراحة متهونيش بس انتى عايزة تضربينى اهو
دفعتها سجى بخفة وقالت بإمتعاض :
– يعنى هو إحنا من أمتى بينا هزار البوابين ده انا كنت بهزر معاكى
مسدت ريهام على ذراع سجى وقالت مبتسمة :
– عارفة يا قمرى أنك بتهزرى و.....
بترت حديثها بعد رؤيتها لأكرم قادماً وألقى عليهما التحية وذهب لغرفة مكتبه ، فعادت مستطردة بحالمية :
– إبن الحلال ، بقولك إيه يا سجى ، انا طالبة القرب منك يا حبيبتى
حدقت سجى بوجه ريهام خاصة تلك الإبتسامة البلهاء ، المرتسمة على وجهها ، فصفعتها بخفة على وجنتها :
– ريهام أنتى اتهبلتى ولا ايه يابت انتى ، وطالباه فى مين بقى ان شاء الله لسه معنديش ولد علشان اجوزهولك
أمسكت ريهام ذراع سجى وهى تقول بما يشبه الرجاء الدرامى:
– أنا طالبة القرب منك فى الدكتور أكرم ها قولتى إيه ، هو ده اللى هيعوضنى عن العرسان العاهات اللى كنت بشوفها ها هتجوزهولى ولا ايه ، ولا انتحر واجبلكم مصيبة واطلعلكم عفريتة انكد عليكم عيشتكم
قهقت سجى على الشطر الأخير من حديثها ، إلا أنها نظرت إليها وتساءلت :
–بت أنتى حبتيه ولا ايه ، دا انتى حالتك صعبة أوى يا ريهام ، بس عززى نفسك يابت أنتى متدلقيش كده
حركت ريهام رأسها بعنف وهى تقول :
– حالتى بقت صعبة أوى أوى هتخليه يتجوزنى ولا لاء ؟ و أنا معززة نفسى أهو ، أنا بس بقولك أنتى ، هو مش قريبك لو قال اتجوز قوليله عندى ليك عروسة قيمة وسيما ووظيفة ميرى
أنخرطت سجى بالضحك على حديث صديقتها ، حتى دمعت عيناها ، ولكن لإدراكها بما تشعر به ريهام ، والذى سبق لها هى الشعور به ، صمتت فجأة بل وأختفت إبتسامتها ، لتيقنها من أنها من المحال الحصول على أمنيتها ، فربما ريهام أمامها الفرصة سانحة للفوز بأكرم ، أما هى فلن تحصل على ما تريده
نظرت ريهام لها قائلة بإندهاش :
–مالك يا سچى سكتى مرة واحدة ليه كده فى ايه ، شكل كده فى حاجة كبيرة كمان ، هتخبى عليا دا انا صاحبتك حبيبتك وسرنا مع بعض فى ايه بقى قرى واعترفى
ردت سجى بنهدة عميقة وهى تقول:
– فى إن أنا كمان شكلى حبيت يا ريهام
أخذتها ريهام من مرفقها وجلستا بمقعدين متجاورين وقالت ممازحة لتخفف من وطاة الحزن الذى أطل من عينىّ سجى :
–حبيتى مين اوعى يكون ابن الحلال بتاعى احسن كده نعمل قفلة
إبتسمت سجى بمرارة وردت قائلة بغصة قوية :
– مش هو بس حد قريب منه أوى ، يبقى أخوه رائف
ضيقت ريهام عينيها قائلة بتفكير :
– أخوه اللى كنتى بتقولى عامل حادثة ،وهو اخباره ايه معاكى عارف انك بتحبيه
مررت سجى أناملها على الجبيرة وهى تقول بصوت ملتاع :
–تقريباً بيتفنن فى أنه يضايقنى ، وساعات بيعصبنى جامد كأنه عايز يتحكم فيا ويمشى كلامه عليا ، وساعات يتعامل معايا كويس ، مبقتش فهماه بس كل اللى عرفاه وفهماه دلوقتى إن أنا حبيته وحبيته قوى كمان يا ريهام ، حتى حاولت كتير أمنع نفسى من الاحاسيس دى بس مش عارفة اعمل ايه
وضعت ريهام يدها أسفل ذقن سجى ورفعت وجهها إليها ، فإبتسمت بوجهها وهى تقول برصانة :
– الأحاسيس والمشاعر دى مش بايدنا يا سچى دى حاجة ممكن تحصل من غير إرادة منا
ترقرقت الدموع بعينيها وهى تقول:
– بس مش عايزة أعلق نفسى بوهم لأن ده عمره ما هيحصل ياريهام
قطبت ريهام حاجبيها قائلة بغرابة:
–ليه يعنى دا أنتى بسم الله ماشاء الله جميلة ومؤدبة ومتعلمة والف واحد يتمناكى
علقت الدموع بأهدابها ، فأسرعت بتجفيفها قبل أن تنزلق على وجنتيها وقالت :
– ألف واحد بس مظنش أنه هو يكون من الألف دول ، بقيت احس أنه مسيطر على مشاعرى ، بفكر فيه كتير بحس إن أنا عايزة اشوفه ، وبحاول اسيطر على نفسى على قد ما أقدر واهرب من مشاعرى دى، بس مش عارفة اعمل ايه ، تصدقى دلوقتى بفكر اسيب البيت وارجع بيتنا القديم ، بس أقولهم أنا عايزة أمشى ليه ، أقولهم أصل أنا حبيت إبنكم واتعلقت بيه ، أنا مبقتش عارفة افكر و مش عايزة اتعذب ، مش عايزة يبقى الشخص اللى حاسة إن أنا بحبه يبقى قدامى وعارفة انه مش هيبقى فى يوم من الايام فى حاجة بينا بشكل رسمى ، زى ما أنتى دلوقتى بتتمنى أنك أنتى وأكرم ترتبطوا جايز أنتى عندك فرصة لكن أنا مظنش رائف عمره ما هيكون من نصيبى
ضمتها ريهام إليها خاصة بعد لمسها شعور المرارة الطاغى على حديثها ، فتلك هى مرتها الأولى ، التى تشعر بها بالحب ، ولكن يأسها كان هو الغالب على تفكيرها ، فربما تكون محقة بشأن عدم حصولها على فرصة الزواج من رائف ، نظراً لتلك الحالة الصحية التى يعانى منها بوقته الحالى ، فحاولت ريهام التخفيف عنها بشتى السُبل ، بل أنها ظلت تلقى عليها النكات والطرائف حتى تنقشع ملامح الحزن عن وجهها
❈-❈-❈
جلست فى الحديقة بعد عودتها من المشفى ، وضعت الهرة على ساقيها وبدأت بمداعبتها وملاطفتها ، حتى تخفف من شعورها بالإختناق منذ إعلانها الصريح بحبها لرائف ، فهى كانت أتخذت قرارها بأن لا تبوح لأحد بما تشعر به ، ولكن جاءتها الهزيمة متمثلة فى إخبارها لريهام ، بل وأفصحت عن كل ما تختزنه من أحلام وأمنيات ، كانت اودعتها بغايب قلبها ، كمن يضع جواهره النفيسة بمنأى عن الأخرين
سمعت صوت عصا تنقر الأرض ، فرفعت وجهها ورآته قادماً إليها ، فأزدردت لعابها حتى لم يعد ما ترطب به فمها أو شفتيها الجافتين ، فأرادت النهوض من مكانها والفرار قبل أن يصل إليها
إلا أنه ناداها قائلاً:
– استنى يا سجى كنت عايز أديكى حاجة
إستدارت سجى إليه وقالت :
– أفندم ، حاجة إيه دى
أخرج رائف السوار الذهبى من جيب بنطاله وقال وهو يمد يده لها به :
– أظن ان الانسيال ده يخصك
أتسعت مقلتيها بعدما رآت سوارها الذهبى المفقود منذ بضعة أشهر ، فأين وجده ؟ فأخذته منه وتساءلت بدهشة :
– أنت لقيت الانسيال ده فين ،ده ضايع منى بقاله فترة بس انت لقيته ازاى
أبتهج رائف لإبتسامتها خاصة وأنها تنظر للسوار بسعادة ، فأجابها بهدوء :
رائف.... حاجة غريبة مش كده ، بس ده لأن أنا اللى كنت هخبطك بالعربية ، واللى أكرم كان بيقترح عليكى توديه القسم
تمثلت دهشتها من قوله بفتحها لفمها ، وسرعان ما قالت :
–بتهزر صح ، انا مش مصدقة الكلام ده
لم يندهش من عدم تصديقها لقوله ، فجلس ليريح قدميه المتعبتين وقال :
– ولا انا كمان بس صدفة غريبة ان نكون اتقابلنا قبل كده قبل ما تحصلى الحادثة ، أيام ما كنت لسه حضرة الظابط
أرادت تغيير دفة الحديث ، قبل أن يأخذه الحنين لماضيه ، وربما سيسبب له الحزن ، فنظرت إليه قائلة بسعادة :
–على العموم أنا متشكرة جدا لأن الانسيال ده غالى عليا أوى ولما ضاع زعلت أوى
أجتاحته غيرة مفاجئة ، فرمقها قائلاً بفضول :
– ليه مين اللى كان جايبهولك علشان يبقى غالى عليكى أوى كده
أجابته سجى وهى تضع السوار حول معصمها :
– ماما الله يرحمها كانت جابتهولى لما نجحت في الثانوية وفضل معايا لحد ما انت لاقيته
أطمأن لجوابها فرد إبتسامتها وهو يقول :
– أهم حاجة أنك مبسوطة أنه رجعلك تانى
نبرة صوته الدافئة والحنونة ، لم تزدها سوى إزدياد خفقات قلبها ، فأرادت الهروب منه ومن تلك المشاعر ، التى باتت تسرى بخلاياها كالنيران بالهشيم ، فإعتذرت منه وفرت هاربة من أمامه ، فيكفى عذاباً لقلبها لهذا الحد ، فهى لن تجنى من هذا الحب سوى ثمار اللوعة والألم ، لذلك أخذت قرارها بأن تتجنبه ، وأن لا تتحدث معه ، إلا بما يقتضيه الذوق من إلقاء التحية أو ما شابه
بدأ العام الدراسى الجديد ، فعادت سجى إلى الكلية ، وعاد شادى هو الأخر ، فعندما رآها تهم بالخروج من المنزل ناداها مقترحاً :
– سچى تعالى معايا نروح الكلية سوا ، احنا فى جامعة القاهرة بدل ما تتمرمطى فى المواصلات واعتبرينى السواق بتاعك
ردت سجى مبتسمة بتهذيب:
– شكرا يا شادى انا هاخد اى تاكسى ، حتى تيتة صفية عرضت عليا أن السواق بتاعها يوصلنى بس أنا رفضت لأن لازم هعدى على ريهام علشان السنة دى امتياز وهيبقى عندنا تدريب فى المستشفيات الحكومية
قال شادى بحماس وهو يعبث بمفتاح سيارته :
– ماشى يا ستى براحتك سلام علشان الحق أروح افرقع معمل الكلية
ضحكت سجى وردت قائلة:
– ربنا يستر منك يا شادى
خرج شادى واستقل سيارته متجها الى كليته ، بينما نظرت سجى لهدى وصفية قائلة :
تيتة انا رايحة الكلية ، وهروح لريهام علشان هنروح ندرب فى مستشفى حكومى
إبتسمت لها صفية قائلة:
– ربنا معاكى يا حبيبتى وخلى بالك من نفسك
اقتربت منها هدى وقبلتها على وجنتها وقالت :
– ربنا يوفقك يا سجى وتتخرجى بإمتياز إن شاء الله
–تسلمى يا طنط عن اذنكم
قالت سجى عبارتها ، ولكن قبل أن تخرج رآت باب غرفة رائف يفتح ورأته يخرج إليهن ، فنظرت إليه نظرة خاطفة ، وأسرعت الخطى للخروج من المنزل
تعجب من أفعالها بالأونة الأخيرة ، فهى صارت تتجنبه ولا تتحدث معه أو تتحداه مثلما كانت تفعل بالسابق ، فنظر لوالدته قائلاً بتعجب:
–هى سچى مالها مستعجلة ليه كده
أجابته جدته وهى تحتسى قدح القهوة الخاص بها :
– بتقول هتروح لصاحبتها علشان عندهم تتدريب فى مستشفى حكومى
خطت والدته خطواتها تجاهه ، فتأبطت ذراعه حتى جلس بالمقعد ، فربتت على وجنته قائلة بمحبة ولطف :
– إيه يا حبيبى هو الدكتور يوسف مش هييجى النهاردة
رد رائف قائلاً بفتور:
– هو ممكن ييجى بعد ما يخلص محاضرات فى الكلية انتى عارفة ان الدراسة بدأت
ضربت هدى جبهتها وهى تقول:
– صحيح أنا ناسية أنه دكتور فى الكلية
قالت صفية بإبتسامة :
– سچى بتقول انه هو اللى بيدرسلها ، بس غريبة مجبتش سيرة تانى عن موضوع أنه كان عايز يتقدملها
– هو فين الجرنال بتاع النهاردة
قالها رائف وعيناه تبحث عن الجريدة ، فهو يريد أن يلهى نفسه عن الإستماع لحديث جدته الخاص بيوسف أو سجى ، فناولته والدته الجريدة وأخذ بتصفحها وقراءتها ، حتى توقف بصره على ذلك الخبر المنشور بإحدى صفحاتها ، فأمعن النظر بالخبر مقطباً حاجبيه وسرعان ما ألقى الجريدة من يده على الأرض ، وهو يترك مقعده ، بل وأسرع بالذهاب إلى غرفته
فظلتا هدى وصفية تنظران لبعضهما بدهشة من فعلته ، فأقتربت هدى من الجريدة بعد قول صفية :
– هو فى ايه ماله رائف
رفعت هدى الجريدة بين يديها لترى ما الذى جعل ولدها يشعر بكل هذا الغضب ، فتجهم وجهها وهى تقول بإستياء :
– أنا دلوقتى عرفت إيه اللى حصل وخلاه يعمل كده ، دى الست مايا اتخطبت وناشره خبر الخطوبة فى الجرنال
نهضت صفية من مكانها وأقتربت منها وتساءلت :
– اتخطبت لمين دى كمان ؟
عادت هدى ونظرت بالجريدة لقراءة إسم ذلك الشاب ، فأجابت والدة زوجها :
– لشاب اسمه هانى نصار
أخذت صفية منها الجريدة وأمعنت النظر بتلك الصورة المرفقة مع خبر الخطبة ، فقالت بإشمئزاز:
–ومنزلة الخبر وصورتهم في الجرنال كمان يا بجاحتها ، بنت معندهاش ادنى إحساس ولا دم
أرتمت هدى على المقعد وهى تقول بإشفاق على حال رائف :
– على أساس أننا مش عارفين مايا وعارفين عمايلها المقرفة ، انا بس خايفة يكون رائف لسه بيفكر فيها وزعلان علشان هى اتخطبت
ألقت صفية الجريدة على المنضدة وردت قائلة:
– أظن بعد اللى حصل ده عرف أنها واحدة متستاهلوش بنت تافهة بجد
رفعت هدى وجهها ونظرت لصفية قائلة وعيناها على وشك البكاء :
– مش عارفة يا ماما أمتى بقى رائف يبتدى يفكر فى نفسه ويشوف حياته هيفضل يعمل فى نفسه كده لحد أمتى ، أنا قلبى بيتقطع عليه وأنا عاجزة عن أن أعمله أى حاجة
ربتت صفية على كتفها وهى تقول بثقة وإيمان :
– ربنا يصلح الحال يارب ويشفيه ويعافيه
ولج رائف غرفته ، وأستلقى على فراشه ، يحدق بسقف الغرفة ببرود أكتسح أوصاله بعدما علم بخطبة مايا ، فمن كان يعلم مقدار حبه لها ، كان سيظن أنه سيكون ثائراً ، بل وسيشعر بطعنات الغدر منها ، وسيبكى على أطلال الحب ، ولكن لم يحدث شئ من هذا سوى إلقاءه الجريدة من يده ، والذى لم يكن سوى تنفيس عن غضبه بأنها تركته من أجل إصابته بالعجز والعرج ، فهذا ما أجج بنفسه نيران الإستياء ، لكون أن أى فتاة تريد شريك حياتها يتمتع بصحته الجسدية ، وليس كونه يسير بعرج يلازمه بتلك الأونة ، أو ربما سيلازمه للأبد ، إذا أخفق الأطباء فى إجراء تلك الجراحة ، التى من المفترض أن يخضع لها بعد إنتهاءه من المعالجة الفيزيائية
❈-❈-❈
أنتهت أروى من إستعدادها للذهاب إلى الجامعة ، وأخذت حقيبتها وكتبها وخرجت من غرفتها ، لتتناول طعامها قبل أن تغادر ، وجدت أبيها جالساً ولكن يبدو عليه الشرود ، فهو جالساً بصمت ويحدق بالفراغ ، فجلست بصمت وتناولت طعامها حتى أكتفت ، ونهضت من مقعدها ومازالت تنظر لوالدها ، الذى بدأ يتناول طعامه ببطئ شديد ، كأنه فقد شهيته ولكن يفعل ذلك ليوهم زوجته بأنه يتناول طعامه
فنظرت أروى لوالديها وقالت
–انا همشى بقى علشان ورايا محاضرات كتير النهاردة ، مالك يا بابا فى ايه سرحان ليه كده
رفع حامد رأسه بعد سؤال إبنته عن حاله ، فرد قائلاً:
– ها لا أبداً يا حبيبتى مفيش حاجة ، عايزة فلوس
هزت رأسها نفياً وقالت:
– لاء معايا سلام
ردت فادية قائلة وهى تنظر لزوجها :
– مع السلامة وخلى بالك من نفسك
خرجت أروى ، فشخصت فادية ببصرها لزوجها ، فكلما تنظر إليه تجده شارداً ، كأنه يفكر بحل لمعضلة ، أو حلت به كارثة جسيمة
فوكزته فادية بذراعه وتساءلت :
–مالك يا راجل أنت مش على بعضك اليومين دول ايه اللى حصل
وضع حامد رأسه بين يديه وخرج صوته نائحاً :
–الورشة ممكن تتقفل يا فادية وبيتنا ممكن يتخرب ،أخر كام طلبية الناس رجعت فيها وده سبب خساير كتير ، وكمان فى ورشة فتحت قريب مننا وبتنافسنا بأسعار اقل ، فأحنا بالشكل ده ممكن نفلس ونقفل الورشة ، مش عارف أعمل ايه يا فادية أنا دلوقتى عايز مبلغ كبير علشان أرجع الورشة تانى زى ما كانت
لطمت فادية خديها وهى تقول بفزع:
– يامصيبتى السودة ليه كده ، وهتعمل ايه فى المصيبة دى يا حامد ،وهتجيب الفلوس دى منين دلوقتى
أجابها حامد وهو يعتصر رأسه بين يديه ، لعله يجد حلاً:
– مش عارف أعمل إيه ، وانتى عارفة الورشة هى اللى معيشانا ، ومش عارف أحل المشكلة دى إزاى دلوقتى
تركت فادية مقعدها ودارت حول نفسها وهى تقول بإصرار :
– عارفة يا حامد و علشان كده لازم نشوف حل فى المشكلة دى ، اتصرف يا حامد احنا مش هنقف نتفرج وبيتنا بيتخرب
على الرغم من إمتلاكها ما تستطيع به إنقاذ زوجها من هذا الخراب الذى سيحل عليهم قريباً ، إلا أنها لم تبادر بمساعدته ، بل ساهمت بشعوره بالخوف والقلق ، فإن كان سابقاً إستطاع إنقاذ عمله ، فسيستطيع فعلها الآن ، ولكن هى ليست على إستعداد بالتخلى عن تلك الأموال ، التى جمعتها على مدار سنوات عاشتها بكنفه وكان يغدقها بالمال والمشغولات الذهبية ، والتى من الممكن حل تلك المشكلة بدون الحاجة لأن يقترض المال من أحد ، ولكن هى لن تتخلى عن حُليها وأموالها من أجله
❈-❈-❈
بإحدى المستشفيات الحكومية ، كانت سجى تسير بجوار ريهام ، التى تأبطت ذراعها وتشاكسها بحديثها ، فريهام بات حديثها معها يحمل طابع التندر والفكاهة أكثر من ذى قبل ، وربما تفعل ذلك لأن تجعلها تشعر بالبهجة ، عوضاً عن ملامح العبوس والحزن ، التى صارت تلازمها معظم أوقاتها
فوصلتا لتلك الغرفة المخصصة للتدريب المكلفتان به من الكلية ، فشمرت ريهام عن ساعديها ممازحة :
– استعنا على الشقا بالله ، يلا فين المرضى اللى هعالجهم
كممت سجى فمها تحاول كبت ضحكتها وسرعان ما قالت :
– ربنا يشفى كل مريض يارب ، بس بقولك ايه حركات النص كوم بتاعتك دى بلاش هنا مش ناقصين فضايح فاهمة يا ريهام ، لما كنا فى مستشفى أكرم حاجة وهنا حاجة تانية ماشى يا ست الدكتورة
مطت ريهام شفتيها وقالت:
– ماشى يا ستى هسكت أهو الا قوليلى صحيح إبن الحلال بتاعى عامل ايه دلوقتى ، متهفش فى دماغه وسألك عنى يا سچى
ردت سجى مبتسمة:
– الحمد لله كويس ، لاء لسه محصلش ربنا يسهل
حكت ريهام وجنتها قائلة بحذر :
– وايه اخبار اخوه هو كمان
ضمت سجى ذراعيها لتوقف إرتجافهما فردت قائلة:
– مفيش جديد أنا بقيت اتجنبه خالص ، تقريباً مبقاش فى بينا كلام نهائى ، وكده أحسن كفاية وجع قلب
نفخت ريهام خديها قائلة بنفاذ صبر:
– وبعدين يا أختى فى العيلة اللى إحنا وقعنا فيها دى ، يعنى يوم ما نتنيل على عينينا ونحب يطلعوا باردين كده ، وأنا اللى كنت بطفش عرسان أشكال وألوان
قالت سجى بإبتسامة ساخرة :
– طول عمرنا الحظ بيجرى ورانا بالمشوار يا ريهام ، بس شكله جه المرة دى عندنا وعرج واتكسح كمان ، بقولك ايه يا ريهام قفلى على الموضوع ده انا مش ناقصة وجع قلب اكتر من اللى انا فيه بالله عليكى انا بحاول اتماسك بأى طريقة احسن اعيط دلوقتى ، ويلا بينا خلينا نشوف ورانا ايه يمكن دى حاجة تلهينا عن التفكير
طوقت ريهام كتفيها وهى تقول بمواساة :
– حاسة بيكى يا اختى والله احنا اللى فينا مش فى حد ، يلا نشوف حاجة تلهينا عن بلاوينا
وكزتها سجى بخفة وقالت :
– أنتى بتقولى شعر كمان يا ريهام وليكى نفس تهزرى
رفعت ريهام ذراعيها بوضع الدعاء قائلة :
– اه يا أختى اه ، يارب يا أكرم يا إبن أم أكرم ربنا يهديك وتسأل عليها وتيجى تخطبنى وتتجوزنى قادر يا كريم ، ونخلف عيال عسلات وعندهم غمازات زيك كده ، أحسن أنا مخى لسع اكتر ما كان ملسوع
دفعتها سجى لتتقدمها بالسير ، فضحكت قائلة :
– دا أنتى حالتك بقت صعبة أوى يا ريهام ، وشكلك قربتى تتجننى كمان
فلا أحد ملام بالعشق ، فما أن يطرق الهوى أبواب القلب ، تخضع الحواس لسلطانه ، تقدم فروض ولاءها وطاعتها ، فالعيون تغيم بُسحب الغرام ، والقلب يخفق بطاعة ، والجوارح تتوق للشعور بدفء الحب المتبادل بين العاشقان
صبيتان زار الغرام قلبيهما ، ففتحت كل منهما قلبها على مصراعيه ، وجلستا بجوار شجرة الأمنيات ، تقذفان فروعها بخفقة من خفقات قلبيهما الولهان ، فتتساقط أمنية بيد كل واحدة منهما ، لتعود وتجمعها بما سبقوها ، حتى يحين مجئ من سيشاركهما تلك الأحلام والأمنيات
❈-❈-❈
بالمساء كان كل منهم جالساً يحدث من بجواره بتفكه أو بجدية ، ولكن جلست هى بصمت مريع ، ولا تفه بكلمة ، فهى منذ دلوفها للمنزل لم تراه جالساً كعادته ، وحتى لم يتناول طعام العشاء برفقتهم ، ولا تعلم سر إعتكافه بغرفته الليلة ، فأثناء تناولهم الطعام ، أفصحت هدى عن عدم رغبة رائف بتناول طعامه وأنه يريد أن ينال قسط من الراحة لشعوره بالألم بساقيه
ولكنها ظنت أنه سيشعر بالملل ويخرج إليهم ، ولكنه لم يفعل ذلك ، فنظر شادى لباب غرفة شقيقه متسائلاً :
– هو أبيه رائف مش هيخرج يقعد معانا ليه يا ماما
رفع ماهر يده يشير لشادى قائلاً :
– طب قوم يا شادى ناديله علشان يقعد معانا ، بلاش نسيبه يقعد لوحده
ردت صفية قائلة بهدوء :
– سيبه يا ماهر النهاردة على راحته ، بلاش نضغط عليه
شعر أكرم بالقلق من حديث جدته ، فنظر لوالدته قائلاً بإهتمام وجدية :
–فى حاجة حصلت ولا ايه، ماله رائف يا ماما تعبان ولا ايه
زفرت هدى زفرات مطولة وقالت بما يشبه الإرهاق :
– لاء هو كويس بس مايا اتخطبت ، الخبر منشور فى الجرنال النهاردة ، وساعة ما شاف الخبر رمى الجرنال من ايده ودخل اوضته مطلعش منها لحد لدلوقتى
أنفعل ماهر بحديثه قائلاً بحدة :
–ما تتخطب هو رائف زعلان ولا ايه مافى ستين داهية ،كنتى تدخلى له وتشوفيه يا هدى مش تسيبيه كده
نظرت إليه زوجته وسرعان ما خفضت وجهها مغمغمة :
– انت عارف ابنك لما بيضايق ما بيحبش حد يقرب منه
أخذ الفضول مأخذه من نفس سجى التواقة لمعرفة من تكون تلك الفتاة التى يتحدثون عنها ، ويهم رائف أمرها إلى هذا الحد
فتلاحما حاجبيها الأنيقين وتساءلت :
– مين مايا دى اللى اتخطبت ، دى تبقى واحدة قريبتكم
رد شادى قائلاً بعفوية :
– دى كانت خطيبة أبيه رائف وسابته ، بس شكله لسه متأثر بالموضوع ده
لوت صفية فمها قائلة بإستياء :
– أنا عارفة كان عاجبه فيها ايه ، ولما كنت أساله يقولى بحبها يا تيتة ومقدرش أعيش من غيرها
إستمعت سجى لقول صفية ، فشبت نيران الغيرة بقلبها ، فهى لم تكن تعلم بأمر خطبته ، بل والأدهى والأمر هو أنه يعشق تلك الفتاة التى ذكروها وتدعى مايا ، فيبدو أنه لم ينسى حبه لها ، وإلا لما كان أصابه الضيق والحزن لعلمه بأمر خطبتها لشاب أخر ، فعلمها بأن قلبه دق من أجل فتاة أخرى ، كان ذلك أدعى لأن تتجمع الدموع بعينيها ، فهى تريد الفرار من المكان على وجه السرعة ، حتى لا تسقط دموعها أمامهم
فنهضت من مقعدها وقالت بصوت منخفض :
– عن اذنكم علشان عندى مذاكرة كتير وعايزة أذاكر شوية قبل ما أنام
إبتسمت لها هدى قائلة:
–اتفضلى يا حبيبتى وهخليهم يجيبولك عصير على الاستراحة
ردت سجى مبتسمة قدر إمكانها :
–فى عصير فى التلاجة هناك وكل حاجة فى المطبخ تسلمى يارب
رمقها ماهر بنظرة تشجيع وهو يقول:
–ربنا يوفقك وشدى حيلك علشان تتخرجى وتروحى تشتغلى فى المستشفى بتاعتنا
– إن شاء الله عن اذنكم
قالتها سجى وخرجت سريعاً من المنزل ، قبل أن تنزلق دموعها من مقلتيها ، فهى لم تراه قبل نومها ، وعلمت أيضاً انه يحب فتاة أخرى ولكنها تركته
فهل يتألم لفراقها ؟ هل مازال يشعر بالحب نحوها؟
أسئلة كثيرة كادت تفتك بعقلها من شدة التفكير ، فوصلت للشقة واغلقت الباب خلفها ، فما لبثت أن أطلقت العنان لدموعها ، أسندت ظهرها للباب وسرعان ما تهاوى جسدها وجلست خلف الباب باكية ، فهى لا تشتهى شئ الآن ، سوى أنها تريد الصراخ
فلماذا رماها القدر بطريقه؟ ولماذا أحتل حبه قلبها؟ ولما تفتك الغيرة بها من سماع إسم فتاة أخرى حظيت بوقت من الأوقات بأنها كانت خطيبته وعلى وشك الزواج منه ؟
أرهقها البكاء فضمت ركبتيها ووضعت رأسها بينهما ، فبعد مرور عشر دقائق ، نهضت من مكانها وذهبت للمرحاض ، غسلت وجهها بالماء ، لعل الماء البارد يخفف من إلتهاب جفونها من أثر بكاءها ،فبعد خروجها من المرحاض ، سمعت صوت دقات متتالية على الباب
فأقتربت منه وفتحته ، فنظرت للطارق قائلة بإندهاش :
– دكتور أكرم
أطرق أكرم برأسه أرضاً قائلاً:
– ممكن أتكلم معاكى شوية فى الجنينة
شعرت سجى بالقلق فردت قائلة:
– خير فى حاجة ولا ايه يا دكتور أكرم
يتبع...