-->

رواية لا أحد سواك رائفي- بقلم الكاتبة سماح نجيب- الفصل الحادي عشر

 رواية لا أحد سواك رائفي 
بقلم الكاتبة سماح نجيب


رواية لا أحد سواك رائفي

الفصل الحادي عشر

١١– " قرار مفاجئ بالزواج "


رفع أكرم يده وأشار لها بالخروج ، ليتسنى له الحديث معها بذلك الأمر ، الذى من أجله ترك أسرته بالداخل وخرج إليها ، فإيماءة خفيفة من رأس سجى أبلغته أنها مرحبة بإقتراحه ، فخرجت من الشقة للحديقة ، وجلست على مقعد حول تلك الطاولة المستديرة ، فجلس أكرم مقابل لها ، ووضع يديه على الطاولة ولكن أنتبهت سجى على أنه يفركهما بتوتر وإرتباك ، ولا تعلم سر هذا التوتر ، الذى أصابه فجأة 


ولكن وجدته يخرج عن صمته وهو يقول بصوته الهادئ :

– أنا يا سجى حابب اتكلم معاكى شوية بخصوص الكلام اللى انتى سمعتيه واحنا كنا قاعدين جوا ، بس أنتى كنتى بتعيطى ولا ايه ،باين على وشك انك كنتى بتعيطى وبتعيطى جامد كمان


رفعت سجى يديها تلقائياً لعينيها تتحسس إنتفاخهما إثر بكاءها ، ولكن حاولت أن توارى إرتباكها خلف إبتسامة هادئة وهى تقول :

–أنا كنت بعيط علشان افتكرت ماما 


حرك أكرم رأسه قائلاً بتفهم ، رغم عدم إقتناعه بأسبابها :

– الله يرحمها ويصبرك ، بس عايز أقولك أنك ياسچى أكيد دلوقتى عارفة انك بقيتى غالية علينا كلنا وانا قولتلك انا فى مقام اخوكى فلو فى حاجة مضيقاكى ممكن تقوليلى ومتخبيش عليا


ردت سجى مبتسمة بتهذيب:

–تسلم يا دكتور أكرم بس أنا كويسة الحمد لله مفيش حاجة كنت حضرتك عايزنى فى ايه 


أخذ أكرم نفساً عميقاً وقال:

– كنت عايز اعرفك يا سچى مين مايا وايه علاقتها بأخويا وايه اللى حصل لرائف ، فأتمنى تسمعينى للأخر ، أنتى زى ما سمعتى ، مايا كانت خطيبة رائف ، كلنا كنا مستغربين ايه سر ان رائف متمسك بيها ، بس كان بيقول انه بيحبها وبالرغم ان مافيش حد فينا كان موافق على الخطوبة دى ، بس سكتنا علشان رائف ميزعلش ، بس هى كانت بنت فى منتهى التفاهة اللى فى الدنيا ومدلعة وانانية ومبيهمهاش حد تانى غير نفسها ،  فى يوم رائف خرج من البيت على أساس انه رايح لمايا علشان يشوفها ولما أتأخر برا قلقنا عليه واتصلوا علينا  من المستشفى وعرفنا أنه عمل حادثة وحصله اصابة فى العمود الفقري اثرت على رجله لما هى سيادتها طبعا عرفت كده بعدت عنه ومكلفتش نفسها حتى انها تطمن عليه او حتى تقف جمبه فى محنته ، لاء بعدت وسابته وهو رضى بالأمر الواقع وعرف ساعتها انها متستاهلوش وان كان اختياره ليها من البداية اختيار غلط ، بس الموضوع ده اثر فى نفسية رائف بقى كل اعتقاده دلوقتى ان مفيش واحدة ممكن تحبه او ترتبط بيه وهو بحالته دى


إستمعت سجى لحديثه كاملاً ، فوضعت يديها على ساقيها تفركهما بتوتر من أسفل الطاولة ، ولكن إستطاعت القول وعيناها تزوغ بكل مكان :

–وحضرتك بتقولى ليه  الكلام ده ، أظن كل واحد حر فى حياته الشخصية وحضرتك مش مضطر انك تشرحلى او تعرفنى حاجة عنهم ، ومش ملزم توضحلى حاجة وانا مش بدخل فى حاجة مليش فيها او متخصنيش ، بس بالنسبة لتفكير أخوك فدى حاجة بتاعة ربنا ، وهو ملوش يد فيها ،ثم ان اخوك عنده المميزات اللى تخلى أى بنت تتمنى ترتبط بيه متعلم وابن ناس محترمين واللى حصل ده ميعبوش ابدا


هز أكرم رأسه بثقل قائلاً بإشفاق على حال شقيقه ولكن تبسم بمكر :

– أنا عارف الكلام ده بس حبيت اوضحلك الموضوع مش اكتر ، وكمان حاولت كتير  اقوله أنه يبطل تفكيره ده وافهمه انه ينسى ويحاول يبدأ من جديد بس رائف عنيد رافض انه يسمع الكلام ، ثم انتى متأكده ان الموضوع ميخصكيش يا سچى


أتسعت حدقتيها وتساءلت بحذر :

– أنت تقصد إيه بكلامك ده يا دكتور أكرم 


إبتسم لها أكرم قائلاً :

– أبداً مش قصدى حاجة ، بس أنتى بقيتى واحدة من العيلة وأظن أنك بقيتى تهتمى بأمر كل واحد فينا ، 


حديثه معها جعل الشك يسكنها من أن يكون أكرم على علم ودراية بشأن حبها لشقيقه وإلا لما أقدم على إخبارها بحقيقة الأمر وتبرير تصرف رائف


فشدت على راحتيها حتى شعرت بألم ، ولكنها رغبت فى معرفة المزيد عن حياة رائف السابقة ، فنظرت لأكرم وتساءلت بشئ من الفضول :

– هو أخوك دارس ايه فى الجامعة ؟


أجابها أكرم وهو ينقر بأطراف أصابعه على الطاولة :

–هندسة ميكانيكا زى بابا بس هو حب انه يبقى ظابط فى الجيش


قالت سجى بتفكير :

–طب ماهو عنده الفرصة انه يبتدى مثلا يشتغل بشهادته طالما ربنا مش رايد انه يكمل ظابط فى الجيش وزى ما انت بتقول تخصصه زى باباك ممكن يشتغل مع باباك


صدرت عن أكرم نهدة عميقة وهو يقول:

–قولتله الكلام ده بس زى ما قولتلك رائف فى المرحلة دى تحسى ان ثقته بكل حاجة بقت معدومة بقى عامل زى القنبلة الموقوتة اللى ممكن تنفجر فى اللى يقرب منه ولولا ان احنا اهله وهو عارف ان احنا بنحبه وهنفضل جمبه كان ممكن يكون تصرفاته معانا غير كده خالص


جذبت طرف حجابها لتحاول تخفيف وطأة شعورها بالخجل وهى تقول:

–انا برضه الصراحة يا دكتور أكرم مش فاهمة انا ايه علاقتى بالموضوع او ايه اللى ممكن اقدر اعمله


أسند أكرم ظهره لمقعده ، ورد قائلاً بهدوء:

– أنا يا سچى مش بطلب منك انك يكون ليكى علاقة بالموضوع او أنك تعملى حاجة انا بس بفضفض معاكى حبيت تعرفى ايه سر تصرفات رائف علشان متحكميش عليه غلط أو تتصورى حاجات مش صح ولا انتى اضايقتى من كلامى معاكى ، أنا دلوقتى بتمنى أن يكون فى واحدة فى حياة رائف وتقدر تساعده انه يتخطى المحنة دى


زاد شعورها بالخجل ، فالدماء تسير بأوردتها حارة تكاد تُصهر خلاياها ، ولكن إستطاعت القول بصوت خافت :

–لا ابداً مضايقتش من كلامك ازاى تقول كده ، وربنا يوفقه ويرزقه بالبنت اللى تقدر تسعده


لو كانت تملك أن تهبه حياتها ، لكانت فعلت ذلك دون تردد ، ولكن بأى ميثاق ستقدم روحها فداء له ، وأن تهبه كامل رضاها بأن تكون هى من تسانده وتشد من أزره حتى تمر تلك السحابة السوداء التى غيمت على أفق حياته ، فرائف يبدو عليه أنه لن يجعل أى أنثى تقترب منه


دلك أكرم مؤخرة عنقه كأنه يشعر بالحرج وهو يقول:

–هى الآنسة ريهام عاملة ايه


ردت سجى قائلة بإبتسامة :

–الحمد لله بس انت بتسأل عليها ليه فى حاجة ولا ايه


إبتسم أكرم بتوتر قائلاً :

– لا ابدا عادى هى يعنى كانت بتدرب عندنا فى المستشفى  وكنت متعود اشوفها معاكى وطبيعى اسأل عليها يعنى ، بس مقولتيش عملتى إيه فى موضوع الدكتور يوسف بخصوص أرتباطكم


أجابته سجى وهى تخفض وجهها أرضاً:

– رفضت طلبه ، ملناش نصيب ان احنا نرتبط ، وكل واحد بياخد نصيبه


– فعلا كل واحد بياخد نصيبه ، هى ريهام فى حد فى حياتها

قال أكرم بحذر ونظر لسجى وجدها تبتسم بإتساع ،كأنها فطنت لسبب سؤاله عن ريهام 


فما كان منها سوى أن أجابته بإبتسامة ماكرة :

–لاء مفيش حد فى حياتها بس ايه حكايتك بتسأل عن ريهام كتير ليه كده النهاردة


رد أكرم بصدق :

– مش عارف انا بفكر فيها ليه يمكن اكون معجب بيها او مشدود ليها


وضعت سجى مرفقها على طرف الطاولة ، وأسندت وجهها لكف يدها الرقيق وتساءلت :

–ها وبعدين ، بعد الاعجاب ده يعنى هيحصل ايه ، أنت ناوى على ايه


ضحك أكرم وقال :

– ناوى اتأهل إن شاء الله ، بس اكلم اهلى فى الموضوع و عايزك أنتى تسأليها الأول جايز يكون عندها اعتراض عليا ولا حاجة


غمغمت سجى بصوت هامس:

–اعتراض! ريهام تعترض عليك دى فاضل شوية وتيجى هى تتطلبك للجواز


ولكن عادت وإبتسمت إبتسامة عريضة مستأنفة حديثها :

– ميكنش عندك فكر أنا هكلمهالك وأشوف رأيها إيه وبعد كده أنت تقول لاهلك وان شاء الله خير ومبروك مقدماً يا دكتور أكرم 


قال أكرم بعد أن أبتهج لسماع تهنئتها  :

–الله يبارك فيكى و عقبالك ان شاء الله لما تنولى اللى بتتمنيه ، بس ايه يابنتى دكتور اكرم دكتور أكرم قوليلى أكرم عادى كده خلاص ملهاش لزوم كلمة يا دكتور دى


أماءت برأسها وقالت بإبتسامة:

–ماشى يا أكرم متتنرفزش يا عريس صحتك


رفع أكرم يديه متفكها :

– يسمع منك ربنا ان شاء الله ، وأبقى عريس قريب


رفعت سجى حاجبيها قائلة:

–أنت معجب بريهام اوى كده


حرك رأسه بقوة وهو يقول:

– جدا وخصوصا جنانها وكلامها تحسى كأنها طفلة فى تصرفاتها مع انها بسم الله ماشاء الله عليها لسان متبرى منها


–اه أنت هتقولى دى ريهام ست المجانين بس محترمة ومؤدبة ومش هتلاقى زيها ابداً

قالتها سجى بحب وهى تشيد بأخلاق صديقتها المقربة 


فرد أكرم قائلاً بإعجاب :

–عارف لأن واحدة فى أخلاقك مش هتصاحب أى حد علشان كده متاكد ان ريهام محترمة ومؤدبة


شكرت سجى إطراءه لأخلاقها ، ولكن أثناء حديثهما ، رآت رائف يقترب من مجلسهما ، فتعجب من جلوسهما بمفردهما علاوة على أنهما يضحكان ويبتسمان 


نظر أكرم لرائف فرفع يده يشير له بالإقتراب قائلاً:

–تعالى يا رائف أقعد


وصل رائف إليهما ، فسحب مقعد من مقاعد الطاولة وجلس عليه متسائلاً:

–خير بتضحكوا على ايه كده ؟ ولا قاعدين لوحدكم هنا كده ليه ؟ بتقولوا كلام سر


نهضت سجى عن مقعدها وقالت وهى تهم بالمغادرة :

–عن أذنكم وتصبحوا على خير


فضلت أن تذهب لغرفتها وتظل وحيدة مع أفكارها ، إلا أنها سمعته يقول :

–هو أنا جيت علشان انتى تقومى تمشى


ردت سجى قائلة بدون أن تلتفت إليهما :

– لا أبدا بس ورايا تدريب الصبح وكمان عايزة اذاكر شوية عن اذنكم


ذهبت حتى قبل أن تسمع رده على قولها ، فشخص رائف ببصره لشقيقه متسائلاً بغيرة وحدة :

– انتوا كنتوا بتتكلموا فى ايه يا اكرم وبتضحكوا على ايه


لمس أكرم نبرة الغيرة بصوت شقيقه ، فأراد له المزيد ، لعله يصرح بما يحاول إخفاءه ، ويكف عن تعذيب نفسه بلوعة الحب ، على الرغم من مقدرته من أن ينالها ويظفر بها 


فحمحم أكرم قائلاً :

–كنت بعرف سچى قالت إيه ليوسف فى موضوع الجواز 


جذب رائف ذراع أكرم متسائلاً بلهفة :

–ها قالتله ايه يا أكرم ما تقول بقى


تصنع أكرم البرود وهو يجيبه :

– وانت مالك يا رائف يا حبيبى ملهوف اوى تعرف ليه كده ، على العموم هقولك ما انت كده كده هتعرف مفيش حاجة بتستخبى على طول ، هى خلاص وافقت على جوازها من يوسف وهو الصراحة عريس ميترفضش


أطاح أكرم بصوابه ، فرد قائلاً بعصبية وغيرة عاصفة :

–ليه يعنى هو اللى خلقه مخلقش غيره فيه إيه زيادة عن غيره هو راجل زى أى راجل يعنى


أنتبه أكرم على إنفعال شقيقه الزائد ، فربت على صدره قائلاً :

–اهدى اهدى بس ايه العصبية دى كلها اهدى يا رائف يا حبيبى ، دا انت الغيرة مولعة ومشعللة فى قلبك اوى يا اخويا


نفض رائف يد أكرم عنه قائلاً بحدة :

–تصدق الكلام معاك هو اللى بيعصبنى يا أكرم ، و غيرة ايه وزفت ايه مفيش حاجة من الكلام ده انت لسه بتفكر فى اوهامك الغريبة دى ، واخرص بقى ومتنساش إن انا اخوك الكبير واحترم نفسك ، أنا هقوم أدخل اوضتى ياريتنى ما خرجت أقعد معاك دا أنت رخم وغتت يا أكرم


أخذت أكرم الشفقة على حال شقيقه ، فأجابه بحنان :

– دا أنا اكرم حبيبك و أنا عاجنك وخابزك يا اخويا ،و اهدى   مش كده على فكرة كنت بهزر معاك يا رائف ، سچى رفضت يوسف يا رائف فهمت يارب تكون فهمت علشان انا تعبت والله ، أنا بس حبيت اشوف رد فعلك ايه لو عرفت ان سچى ممكن تتجوز واحد تانى


رد رائف قائلاً متصنعاً البرود :

–ماتتجوز اعملها ايه يعنى هى حرة فى نفسها ، ثم انت مش لاقى حد تتسلى عليه غيرى ما تتجوز يا أكرم يمكن تحل عنى وتسيبنى فى حالى


إبتسم أكرم قائلاً: 

– أنت بتقول فيها أنا شكلى هعملها قريب اوى


قال رائف وهو يرمقه بإهتمام:

–ومين بقى دى سعيدة الحظ اللى هتبليها بذاتك المصون


– دى سچى...

لم يكمل حديثه ، إذ سمع صيحة شقيقه المتعجبة وهو يقول :

–نعم يا اخويا بتقول مين


رفع أكرم يديه بإستسلام محاولاً تهدئته فقال :

– أنت فهمت إيه أصبر عليا ومتتهورش ومتمدش إيدك عليا أنا قصدى صاحبة سچى اسمها ريهام


زفر رائف قائلاً براحة :

– اه بحسب قول كده بقى


جز أكرم على أسنانه قائلاً بغيظ:

–بتحسب ايه طالما كده ما تلحق بقى قبل ما حد ييجى يخطفها منك وأنت تغنى ظلموه ،دا انا ملقتش فى برودك يا اخى يا ساتر يارب اعصابك دى ايه تلاجة ،دا انا تعبتلك سلف يا اخى ربنا يصبرها عليك اللى هتكون من نصيبك ان شاء الله ، واللى أنا بدعيلها أن ربنا يديها القوة والصبر عليك


رفع رائف عصاه بوجه أكرم محذراً إياه وهو يقول:

–بس ياض أنت اسكت وخليك فى حالك ، واحترم نفسك شويةوبطل غلط ايه قلة ادبك دى أنت ناسى أن أنا أخوك الكبير ، وامشى غور روح نام يلا


ترك أكرم مقعده وهو يقول بمشاغبة :

–قوم يلا ندخل ، ولا هتقعد هنا تعد النجوم لوحدك ، أقولك أقعد شم هوا تصبح على سجى إن شاء الله 


قال أكرم عبارته وفر هارباً ، خاصة بعد رؤيته لرائف يهم بترك مقعده لتأديبه على قوله ، فحرك رائف رأسه وهو يبتسم على أفعال شقيقه ، ولكن ظل جالساً مكانه يفكر فى أسباب رفض سجى لزواجها من يوسف ، ولما هى أعلنت رفضها لتلك الزيجة ، فهل من الممكن أنها.....

ولكنه عاد ونفض رأسه بقوة من تلك الأوهام التي مرت بها ، لا يريد أن ينسج أحلاماً مرة أخرى ، ويفيق على واقع أشد مرارة مما هو فيه 

❈-❈-❈

فى المشفى، أنتظرت سجى حتى أنتهيتا من تدريبهما العملى ، وجلستا لأخذ راحة قصيرة ، قبل العودة ثانية لإكمال التدريب ، أخرجت ريهام من حقيبتها عدة شطائر وناولت سجى منها ، فبدأتا الأكل بهدوء ، وريهام تنظر حولها ، فتارة تنظر للمرضى وتارة تنظر للسيارات المصفوفة أمام المشفى ، ولكن سجى أنتبهت على أنها تحرك عنقها ، كأنها تشعر بالألم


فقالت ريهام بأنين وإرهاق :

–ياااه دا النهاردة طلع عينينا خالص ومش حاسة بنفسى ، حاسة بتعب وجوع فظيع


قضمت سجى من شطيرتها وقالت بإبتسامة هادئة:

– و اللى يقولك على خبر ينسيكى التعب ده تعملى ايه


قطبت ريهام حاجبيها قائلة بغرابة وتفكه:

– خبر إيه ده اللى هينسينى تعبى ، هتقوليلى أختارونى فى برنامج من سيربح المليون


ضحكت سجى على قولها ، فوكزتها بكتفها وهى تقول:

– لاء يا أختى دا الموضوع عن أكرم مش هو ناوى يخطب ، فى واحدة كده شافها واعجب بيها وناوى يرتبط بيها


سقطت الشطيرة من يد ريهام ودمعت عيناها قائلة :

– يادى بختى المنيل بستين نيلة ، بس ربنا يوفقه ويسعده يا سچى


أدركت سجى أنها على وشك البكاء ، فشدت على كتفها وهى تقول بعطف :

–أنتى حبتيه اوى كده يا ريهام ، بس محدش عارف الخير فين ، ياقلبى وكمان بتتمنيله التوفيق والسعادة وانتى عارفة انه هيخطب


قالت ريهام بصدق وهى تمسح عينيها بمحرمة ورقية :

–مش معنى انه مش هيكون من نصيبى إن أنا احقد عليه أو أكره أو حتى أدعى عليه


ضمتها سجى إليها وهى تقول بمحبة :

– حبيبة قلبى طب أقوله ييجى أمتى بقى علشان يخطبك يا ريهام لأن العروسة هى انتى مش واحدة تانية يا أذكى أخواتك


فغرت ريهام فاها وقالت بصدمة :

– أنتى قولتى ايه ييجى يخطبنى أنا ، أنتى بتتكلمى جد ولا بتشتغلينى يا سچى


ضحكت سجى على ملامح الصدمة التى أعترتها منذ علمها  بنية أكرم للزواج منها ، فردت قائلة:

– دا موضوع ينفع فيه الهزار يعنى يا ريهام ، ايوة يا ستى وهو طلب منى أسألك رأيك إيه ها رأيك إيه بقى واقوله ايه


أنتفضت ريهام من مكانها وهى تقول:

– أنتى لسه بتسألى طبعا موافقة بالتلاتة


جذبتها سجى من ذراعها وأعادتها لمكانها ثانية وقالت :

–  اتقلى يابت كده ومتبينيش أنك مدلوقة كده على طول عززى نفسك


قبضت ريهام على يديى سجى وقالت بطاعة :

–حاضر هتقل واعزز نفسى بس عيزاكى تحكيلى اللى حصل بالتفصيل الممل ما تسبيش حرف ماشى يلا قولى بقى


– أولاً هو طلب يتكلم معايا وبعدين سألنى عنك و.....

عندما أرادت إكمال حديثها ، لم تدعها ريهام تسترسل بقولها ، إذ قالت بسعادة غامرة :

– بصى يا سچى من الأول ها من الاول ماشى


كلما حاولت سجى قول ما لديها ، تجد ريهام تعاود إلحاحها بشأن أن تبدأ بسرد القصة من البداية ، فسأمت سجى من فعلتها فكممت فمها بيدها ونهرتها بغيظ قائلة :

– أنتى هتسكتى وتسيبينى اتكلم ولا لاء متبقيش عاملة زى محمد هنيدى فى فيلم امير البحار لما قالها من الاول ها من الاول عايز اسمع القصيدة من اولها اخرصى بقى خلينى اتكلم فى يومك ده احسن مش هحكيلك حاجة خالص واسيبك بنارك وفضولك ده فاهمة


هزت ريهام رأسها بعنف ، دليلاً على إلتزامها بما قالته سجى ، فلم تأمن سجى لوعدها ، فظلت واضعة يدها على فمها حتى أنتهت من سرد القصة كاملة ، مروراً بإخبار أكرم لها بشأن خطبة رائف السابقة ، فبعد إنتهاءها سحبت يدها من على فم ريهام


فنظرت لها ريهام قائلة بدهشة :

– إيه ده هو رائف كان خاطب قبل كده


أماءت سجى برأسها ، تجاهد على ألا تنهمر دموعها ، فقالت بغصة مريرة :

–ايوة وبعد الحادثة سابته ودلوقتى اتخطبت لواحد تانى ، ولما عرف أنها أتخطبت فضل طول النهار فى اوضته ومخرجش الا وانا قاعدة انا واكرم بنتكلم شكله بيحبها أوى يا ريهام


قالت ريهام وهى تحاول نفى ظنونها:

– بس بتقولى أكرم قالك انه عرف انها متستاهلوش بعد ما سابته وان بسبب الحادثة هو فقد ثقته فى كل حاجة


ردت سجى قائلة بقهر :

– طب ليه لما عرف أضايق اوى كده وحبس نفسه فى أوضته أنا مجرد ما عرفت انه كان بيحب واحدة تانية حسيت بنار فى قلبى يا ريهام مش قادرة أتخيل أن ممكن يكون قلبه ده دق لواحدة تانية أنه يكون قالها أنا بحبك أنه أتمناها تبقى مراته وشريكة عمره أنا من كتر الافكار دى شكلى هتجنن ، وأنا قولتلك قبل كده يا ريهام رائف مش هيبقى من نصيبى شكلى هفضل بوجع قلبى كده على طول


مسدت ريهام على ذراع سجى وقالت بحزن لحال صديقتها :

–متزعليش يا سچى ، انتى حبتيه للدرجة دى يا سچى


ذرفت عيناها الدموع بغزارة وهى تجيبها :

–اااه يا ريهام من حبه اللى ملك قلبى وكيانى دا تحسى انه خطف قلبى منى بقى ملكه هو مش ملكى انا وخايفة يكون انه لسه بيفكر في اللى اسمها مايا دى و زعلان عليها انها اتخطبت لحد تانى


مدت ريهام يدها ومسحت وجه سجى قائلة بحنو بالغ:

– خلاص يا سچى اهدى يا حبيبتى محدش عارف نصيبه فين مش جايز يكون رائف من نصيبك ، ومحدش عارف الغيب فيه ايه وربنا هو اللى بيسبب الاسباب


وضعت سجى وجهها بين كفيها وقالت:

– ونعم بالله المهم دلوقتى أنا هقول لأكرم أن أنتى قولتيلى ادينى يومين أفكر ماشى


ردت ريهام ممازحة لتخفف من شعور سجى بالضيق :

–ماشى انا هاخد منوم وانام اليومين دول على ما يعدوا


إبتسمت لها سجى قائلة :

–دا أنتى واقعة اوى يا ريهام ، الله يكون فى عون أكرم منك


اجابتها ريهام بحالمية :

– دا انا واقعة من فوق برج القاهرة ، وقعت فى غمازاته 


عادت سجى تكمل طعامها وهى تقول:

–ربنا يسعدكم يا حبيبتى ، يلا نكمل أكل علشان نقوم وقت البريك قرب يخلص


قالت ريهام وهى تنظر بهاتفها :

– أه دا فاضل عشر دقايق ، ربنا يفرح قلبك يا سجى زى ما فرحتى قلبى النهاردة ويسعدك انتى كمان ويرزقك باللى بتتمنيه ، وتصبحى الصبح تلاقى نفسك متجوزة رائف


غصت سجى بطعامها ، خاصة بعد ذكر ريهام لتلك الأمنية ، التى ما فتأت تراود عقلها منذ أن وعت على حقيقة شعورها نحو رائف ، فهمست بقرارة نفسها بذلك اللقب الذى من الممكن أن تحصل عليه بزواجها منه " مدام رائف زيدان " ، تشعر بالفخر كمن ستحمل وساماً ، فهى باتت لا تتمنى شئ بحياتها الآن سوى رائف ، فمتى سيكون لها ويكون رائفها من لوعة الحب والغرام المتقد بقلبها البكر ، الذى لم يطرق بابه أحداً من قبل سواه هو ، ذلك العنيد المسمى رائف

❈-❈-❈

جلس حامد واضعاً رأسه بين يديه ، يعتصرها لعله يجد حل لذلك المأزق الذى يواجهه ، فمن سيوافق على أن يقرضه النقود اللازمة لإنقاذ عمله وبيته من الخراب المهدد به ، فعندما حاول إستمالة فادية لتوافق على أن تساعده بحل أزمته المالية ، تعللت بأنها لا تملك شئ ، سوى القليل من الحُلى الذهبية ، التى لن تفيد بحل تلك الضائقة المالية 


أستفاق من شروده على صوت أحد أصحاب المتاجر المجاورة ويدعى " صبحى " وهو يقول بصوته الخشن :

–ايه يا حامد مالك اليومين دول كده مهموم ومش على بعضك


رفع حامد رأسه ونظر لصبحى قائلاً :

– أتفضل اقعد يا صبحى تشرب ايه


جلس صبحى على المقعد المجاور له ورد قائلاً بإبتسامة :

–ولا حاجة بس انا شايفك اليومين دول مشغول ومهموم اوى خير فى ايه ، لو فى أى حاجة قولى يا أخويا


ضم حامد كفيه قائلاً بحزن وأسى:

– الصراحة واقع فى مشكلة كبيرة ومحتاج فلوس علشان احل المشكلة دى يا صبحى ، لأن ممكن بيتى يتخرب


رفع صبحى يده وربت على عنقه مراراً وهو يقول :

– بس كده اؤمر يا حامد رقبتى سدادة اللى انت عاوزه يا أخويا


شعر حامد بالسعادة كونه وجد من يساهم بحل ضائقته المالية ، فرد قائلاً بإمتنان :

– تسلم يا صبحى طول عمرك شهم وجدع 


ربت صبحى على ساق حامد ، بينما مد يده الأخرى يداعب شاربه الكثيف وقال :

– انا بتكلم جد يا حامد بس انا عندى طلب صغير أوى أنا طالب ايد بنتك الدكتورة سچى عايز اتجوزها على سنة الله ورسوله ، وأنت عارف انا راجل جيبى مليان ومقتدر وهعيشها فى عز وهنا ، ولو وافقت الفلوس اللى انت عايزها تحت امرك 


بُهت حامد بعد سماعه حديث صبحى ، فأتسعت عيناه قائلاً بفزع :

– أنت بتقول إيه يا صبحى ، دى فى سن ولادك


وضع صبحى ساق على الأخرى وهو يقول :

–انا بطلب حاجة حرام  لا سمح الله ، على العموم هسيبك برضه تفكر وترد عليا سلام عليكم


عاد صبحى لمتجره ، بعد أن ترك حامد بحالة من الذهول لطلبه الزواج من إبنته الكبرى ، والتى لا يتخطى عمرها عمر أصغر أبناءه ، فكلما رفع وجهه ونظر إليه جالساً بداخل المتجر الخاص به ، يعود ويشيح بوجهه عنه ، فسأم من جلوسه بمكانه ، فعاد لمنزله وهو مازال يشعر بالصدمة مما حدث بينه وبين صبحى


قابلته زوجته والتى تعجبت من تلك الحالة من التيه التى تلبسته ، فنظرت إليه بتمعن وتساءلت :

– مالك يا راجل أنت ماشى تايه كده ليه فى ايه


أرتمى حامد جالساً على الأريكة قائلاً وهو ينظر بالفراغ :

– المعلم صبحى طالب ايد سچى بنتى ،وكمان عارض عليا يدينى الفلوس اللى عايزها علشان الورشة ، وبيقولى الفلوس اللي انت عايزها انا رقبتى سدادة


برقت عيناها ببريق الأمل والشماتة ، فجلست بجواره قائلة بسعادة :

–هو قالك كده يعنى ، طب كويس يا حامد هتلاقى حد يحل ليك مشكلتك ، والراجل  باين عليه أنه شاريك انت وبنتك عايز ايه تانى


حدجها حامد بنظرة نارية قائلاً بإستياء :

– هو ايه ده اللى كويس يا ولية ، أنتى عيزانى أوافق يا فادية على جواز سچى من المعلم صبحى ، أنتى أتجننتى دا راجل كبير عن بنتى وعنده عيال فى سنها ويمكن اكبر منها كمان 


شهقت فادية وهى تضع يدها على وجهها قائلة بسخرية :

–ومتوافقش ليه يعنى دى فرصة متتعوضش ، وفيها ايه يعنى الراجل ميعبوش غير جيبه يا حامد وهو شكله شاريها ، وإلا ما كنش عرض عليك الفلوس علشان ينقذك من المصيبة اللى أنت فيها واللى هتخرب بيتنا ، فأنت لازم توافق يا حامد صدقنى دى فرصة متتعوضش


أجادت فادية إستخدام كل ما تملكه من حيل لإقناع زوجها بالموافقة على تلك الزيجة ، فكلما رآت بوادر الرفض على وجهه ، تعود وتقنعه بأن زواج سجى من صبحى ، سيعود عليهما بالنفع والفائدة ، ولو حاول الرفض ستؤول أموره للخراب والدمار ، فبعد ساعتين كاملتين من الإلحاح ، وافق حامد على تلك الزيجة ، وأخذ قراره بالذهاب لسجى وإخبارها بما حدث ، فذهب لغرفته لنيل قسط من الراحة ، حتى يحين المساء ويذهب لمنزل " ماهر زيدان " لمقابلة إبنته الكبرى حتى تمنحه موافقتها على زواجها من صبحى 

❈-❈-❈

بالمساء ارتدى حامد ثيابه ببطئ ، كأنه يريد إطالة الوقت ، قبل أن يخرج من منزله ، ولكن صياح وإلحاح زوجته جعلاه ينتهى سريعاً ، فوصل لمنزل ماهر زيدان ، ولكن من داخله يشعر بالحرج كونه أنه لم يأتى لهنا من قبل ، فهو لم يرى سجى منذ أن جاءت لتحيا بهذا المنزل ، فبعد أن أخبر الخادمة بأن يريد مقابلة سيد المنزل على وجه السرعة ، خرجت للحديقة حيث كانوا جالسين 


فأقتربت الخادمة من ماهر قائلة بتهذيب :

–ماهر بيه فى واحد برا بيقول انه أبو الانسة سچى وعايز يشوفها


نهض ماهر من مكانه وأشار إليها قائلاً :

– خليه يتفضل بسرعة 


ولج حامد للحديقة بعد أن سمحت له الخادمة بالدخول ، فوقع بصره على إبنته الجالسة بجوار صفية ، فألقى عليهم التحية وهو يقول:

–سلام عليكم ،انا آسف أن جيت فى وقت مش مناسب


أقترب منه ماهر مصافحاً قائلاً بود :

–وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته ، لا أبداً متقولش كده أنت تنور فى أى وقت يا أبو سچى أتفضل


أشارت له صفية بالجلوس وقالت :

–اتفضل يا أبو سچى اقعد واقف ليه


ربت حامد على صدره دلاله على شكره لطفها ، فرد قائلاً:

–تسلمى يا ست صفية انا بس كنت عايز سچى فى كلمتين على انفراد ضرورى


أماءت صفية برأسها وهى تقول بترحيب :

–اه طبعاً طبعاً أتفضل ،خديه يا سچى على جوا علشان تتكلموا براحتكم


نهضت سجى من جوارها وهى تفكر بأسباب مجئ أبيها ورغبته فى التحدث معها ، إلا أنها تصنعت الهدوء حتى تعلم ماذا يريد منها ، فرفعت يدها تشير له بأن يسبقها وهى تقول بهدوء :

– أتفضل معايا يا بابا


فتحت سجى باب الشقة ودعته للدخول ، فولج للداخل وعيناه تجول بكل أرجاء الصالة الفسيحة ، فجلس على تلك الأريكة الوثيرة قائلاً :

– أنتى عاملة ايه يا سچى دلوقتى ، وهم عاملين ايه معاكى بيعاملوكى كويس ولا تعبينك ، انتى مرتاحة فى القعدة هنا يعنى


ردت سجى بصدق وإمتنان :

–الحمد لله تمام نحمد ربنا على كل حال ، دول بقوا اهلى واكتر كمان ومشفتش حد فى حنيتهم عليا واهتمامهم ورعايتهم ليا بعد موت امى الله يرحمها ، بس حضرتك بتسأل الأسئلة دى كلها ليه دلوقتى فى ايه


مسح حامد وجهه كأنه شعر بتعرقه فجأة ، فرد قائلاً بتوتر :

–بطمن عليكى بلاش يعنى اطمن على بنتى ، على العموم كنت عايزك فى موضوع يخصك


عقدت سجى ذراعيها أمام صدرها وقالت بإهتمام :

–غريبة انك جاى تطمن عليا بعد العمر ده كله بس ما علينا حضرتك كنت عايزنى فى ايه ، وموضوع ايه ده اللى يخصني اتفضل قول


أبتلع حامد لعابه وقال:

– الصراحة هو فى عريس طالب ايدك ، هو عريس مقتدر ومبسوط وهيعيشك عيشة حلوة اوى يا سچى


أنتفضت سجى من مقعدها وقالت بإنفعال حاد:

–ومين قالك إن أنا عايزة اتجوز دلوقتى انا مخلصتش دراسة ثم مش اى عريس هيتقدملى هوافق على طول لازم اكون مرتاحة للموضوع علشان اوافق غير كده لاء ، ثم مين العريس ده بقى ان شاء الله


أجابها والدها بحذر :

– يبقى المعلم صبحى


صُدمت سجى من سماع الإسم ، فردت قائلة بذهول :

–المعلم صبحى ! اللى هو ورشته جمب ورشتك ده ،حضرتك عارف بتقول ايه وبتطلب منى ايه


ترك حامد مكانه وأقترب منها وقبض على كتفيها قائلاً برجاء :

– ايوة هو ده يا سچى ، صدقينى الجوازة دى لازم تتم ضرورى ، انا محتاج فلوس وهو هيدفعلى الفلوس مقابل الجواز منك


شعرت سجى بالنفور من حديثه ، فأبتعدت عن مرمى يديه وحدجته بنظرات مذهولة ، فردت قائلة بإمتعاض :

– ليه بقى ان شاء الله لازم تتم ضرورى ، حضرتك مستوعب أنت بتقول ايه ، عايز تجوزنى راجل فى سنك وكمان هتجوزنى مقابل انك تأخد فلوس منه يعنى عايز تبعنى قصاد مصلحتك


غمغم حامد قائلاً بتبرم :

–أنتى بنتى ولازم تقفى جمبى وتسمعى كلامى


نظرت إليه سجى وإبتسمت قائلة بسخرية :

– أقف جمبك واسمع كلامك ! وده من أمتى ، أنت طول عمرك رامينى انا وامى  ومبتسألش فينا وسبتنا فى الدنيا دى لوحدينا دلوقتى افتكرت انى بنتك وعايزنى اقف جمبك ، بس أنا حضرتك مش موافقة ، أنا مش هضحى بنفسى علشان حد هو أصلا مفتكرنيش الا علشان مصلحته وبس


قبض حامد على ذراعها وهز جسدها قائلاً بإصرار :

–بس لازم تتجوزيه يا سچى يعنى ترضى ابوكى ينخرب بيته والراجل شاريكى ومستعد لكل طلباتك ، وهو مش هيمنعك من التعليم وهيعيشك احسن عيشة وانا هسيبك تفكرى بس لازم توافقى يا سچى


سحبت سجى ذراعها من بين يدى والدها وقالت بإستهجان :

– علشان بيتك ما يخربش تضحى بيا وبمستقبلى وبحياتى وعايز تدينى لراجل فى سن ابويا وكمان كل شوية يتجوز ويطلق ، لاء ده مش هيحصل أبداً ولا هوافق أتجوزه


– لاء هتوافقى يا سجى ، أنا هسيبك دلوقتى تفكرى بس لازم توافقى

قال حامد ما لديه ، وتركها بعد أن هدم كل أحلامها ، فهو لا يخيرها بالزواج ، ولكنه يجبرها على الموافقة 

فماذا تفعل هى الآن ؟ فهى سبق وأخذت قرارها ، بأنها إن لم تصبح زوجة لرائف ، فهى لن تتزوج أبداً 


ظلت جالسة مكانها تبكى ، حتى صار صوت بكاءها مسموعاً ، فأستبد بهم القلق ، خاصة بعد خروج حامد مسرعاً بعدما ألقى عليهم التحية ورفض أن يجلس معهم ، معللاً أنه يجب عليه العودة لمنزله لأمر طارئ

فنهضت صفية وأشارت لهدى وماهر  بأن يرافقاها للداخل ، ولجوا ثلاثتهم ورآوا سجى واضعة رأسها بين يديها وهى تبكى 


فأقتربت منها صفية وتساءلت بقلق :

–مالك يا سچى بتعيطى ليه يا حبيبتى


رفعت سجى وجهها لهم وقالت بنهنهة :

–بابا عايز يجوزنى يا تيتة


إبتسم لها ماهر قائلاً بلين :

–وده يخليكى تعيطى يا بنتى كل بنت مسيرها تتجوز ودى حاجة طبيعية


أجهشت سجى بالبكاء وردت قائلة بشهقات متتالية من أثر بكاءها :

– حضرتك دا عايز يجوزنى لراجل كبير فى السن وكمان متجوز ومخلف يمكن ولاده اكبر منى


وضعت هدى يدها على وجنتها وهى تقول بدهشة وصدمة:

– يا خبر أبيض إزاى باباكى يفكر فى حاجة زى دى وإزاى يوافق على حاجة زى دى اصلا


أنحنى ماهر بجزعه العلوى قليلاً للأمام متسائلاً بجدية :

– طب ليه باباكى عايز يجوزك الراجل ده يا سچى ؟


أعتصرت سجى جفنيها وقالت بغصة مريرة:

– أنا كل اللى فهمته منه أن جوازى قصاد أن الراجل ده يساعده بفلوس هو محتاجها ، وأنا مش عارفة أعمل إيه وأنا مستحيل أتجوز الراجل ده أو أوافق على حاجة زى كده


ضمتها صفية إليها وراحت تربت عليها لعلها تكف عن بكاءها ، فقالت محاولة بث الاطمئنان بها :

– اهدى يا حبيبتى ومتعيطيش ومفيش حاجة هتحصل غصب عنك


رفعت سجى رأسها عن صدر صفية تنظر إليها بعينان ممتلئتان بالعبرات الحارة المعبأة بالألم:

– أنا مش عارفة أعمل إيه وشكل بابا مصمم على الجوازة دى


مررت هدى يدها على رأس سجى وقالت بحنان :

– محدش يقدر يغصبك على حاجة ، طول ما أحنا موجودين  قومى أغسلى وشك وان شاء الله مفيش حاجة هتحصل ضد رغبتك


قال ماهر مؤيداً قول زوجته :

– أيوة أطمنى يا سچى احنا مش هنخلى حاجة زى دى تحصل وتضايقى


ذهبت سجى للمرحاض ، فبعد ذهابها نظر ماهر لوالدته وزوجته قائلاً :

–احنا لازم نشوف حل فى الموضوع ده


زفرت هدى زفرة مطولة وقالت بتفكير :

– هنعمل ايه دلوقتى يا ماهر البنت حالتها صعبة أوى


حكت صفية جبتها وهى تفكر بحل ، ولكن سرعان ما قالت بأمل :

– يبقى إحنا اللى نجوز سچى قبل ما أبوها هو اللى يجوزها الراجل ده


نظر إليها ماهر مقطباً حاجبيه قائلاً بغرابة:

– نجوزها ازاى يعنى يا أمى 


أدنت صفية برأسها من ولدها وزوجته وهى تقول بصوت منخفض :

– يعنى إحنا اللى نختارلها عريس كويس ومناسب ليها يتجوزها ، وبكده نضمن ان باباها ميقدرش يجوزها الراجل اللى بيقول عليه ده لانها ساعتها هتبقى فى عصمة راجل


راق تفكير صفية لهدى ، فرمقتها قائلة بحماس :

– طب نجوزها مين دلوقتى مين العريس ده اللى هنجوزه لسچى يا ماما


إبتسمت صفية إبتسامة هادئة وأجابتها وهى تنظر للخارج حيث يجلس أحفادها الثلاثة :

– أكرم هو العريس يا هدى


يتبع....