رواية لا أحد سواك رائفي- بقلم الكاتبة سماح نجيب- الفصل الرابع عشر
رواية لا أحد سواك رائفي
بقلم الكاتبة سماح نجيب
رواية لا أحد سواك رائفي
الفصل الرابع عشر
١٤–" إسمع نداء قلبى "
أيقظت حواسه من همهماتها الناعمة والهامسة ، فإن كان ما سمعه منها إستمع إليه خطأً ، فهو لا يريدها أن تصحح مفهومه ولتترك قلبه يظن كل الظنون المسموح بها بين المغرمين ، وأن تجعله يسبح بآفاق العشق ، الذى يحاول جاهداً إخفاءه عنها وعن كل عين بإمكانها رصد ومتابعة تصرفاته وهى حاضرة بأى مكان يتواجد هو به ، ولكن تفكيره الساذج هو ما يجعله يظن أن لا أحد يستطيع كشف أمره بسهولة ، وإلا ما كان شقيقه أكرم إستطاع قراءة الحب على محياه البارد
مرر إبهامه على وجنتها وهو يقول بهمس متسائلاً:
– اتمنتينى أنا ! ليه يا سچى
أرادت أن تجيبه على سؤاله ، فخرج صوتها متلعثماً :
– علشان علشان
ناشدها أن تكمل حديثها ، فهتف بها بما يشبه الرجاء:
– علشان إيه قولى يا سجى
لم تسمع صوتاً بالمكان سوى صوت أنفاسه المتصاعدة بترقب لإجابتها ، فيدها الموضوعة على موضع قلبه ، إستطاعت الشعور بخفقات قلبه أسفلها ، فأرتجفت لا إرادياً ، كأن أنتقل لها عدوى الإرتجاف ، تزامناً مع صعود وهبوط صدره ، كأنه يلتقط أنفاسه بصعوبة ، فعندما وجد أن صمتها قد طال ، أراد إتخاذ هو تلك الخطوة ، لعلها تقابله بمنتصف الطريق ، فما كاد يحصل على عناقه الأول بحياته منها ، حال بين وقوعه صوت الخادمة وهى تناديه بإحراج ، خاصة بعد رؤيتها له ولزوجته على وشك تبادل العناق
فحمحمت الخادمة وقالت وهى تحنى رأسها أرضاً:
– رائف بيه رائف بيه أنا أسفة بس...
تنفس رائف بعمق بعد أن إستطاع الإبتعاد عن سجى ، بعد مباغتة الخادمة لهما بحضورها ، فرد قائلاً بهدوء :
– أيوة فى ايه
فركت الخادمة يدها بمريولها الأبيض وقالت :
–حضرتك فى دكتورة جت علشان تعمل لحضرتك الجلسة بتاعة العلاج الطبيعى بدل دكتور يوسف
قطب رائف حاجبيها متسائلاً بدهشة :
– دكتورة مين دى ، طب دكتور يوسف فين ؟
هز الخادمة رأسها دلالة على أنها لا تعلم أكثر مما أخبرته به ، فرد قائلة بإحترام :
– مش عارفة بس هى حضرتك موجودة جوا مع هدى هانم والست صفية
أماء رائف برأسه قائلاً:
– خلاص ماشى روحى و أنا جاى وراكى
أسرعت الخادمة بالذهاب من أمامهما ، فهى تشعر بنضوب الدماء من وجهها ، خاصة بعد رؤية المشهد الغرامى بين العروسان حديثى العهد بالزواج فى هذا المنزل ، ولكنها تعلم أن زواجهما ينتهى إلى الحد الذى تحمل به سجى لقب زوجته وليس أكثر من ذلك
فبعد أن رآى أنه بحالة جيدة نسبياً بعد ذلك الشعور بالتشتت ، هب واقفاً وإستند على عصاه ، ليذهب ويرى من تكون تلك الطبيبة ، التى تحدث عنها الخادمة ، فنظر لسجى التى مازالت جالسة مكانها كأنها ساقيها فقدتا الحركة فجأة ، ولكن قلبها مازالت خفقاته تهدر بين ضلوعها ، كأنه يريد الفرار منها والإلتحاق به
فحمحم يجلى صوته قائلاً بهدوء :
– سچى أنتى كويسة
وضعت يدها على صدرها ، كأنها بذلك ستستطيع تنظيم أنفاسها المتقطعة واللاهثة جراء ما حدث بينهما ، فردت قائلة:
– أنا تمام تمام
أشاح بنظره عنها ، حتى لا تغريه نفسه بإكمال ما تركه عالقاً ، فتمتم قائلاً :
–طب مش هتيجى تدخلى ولا هتفضلى قاعدة هنا
تركت مكانها لعل الدماء تسير بقدميها المتيبستين ، فأجابته وهى تضع كلتا يديها خلف ظهرها ، كأنها تخفى إرتجافهما عنه :
– لاء جاية معاك
قدر ما كانت تسمح له قدميه بالسير ، كانت تأمر قدميها بأن تتبع خطواته وهى تسير بجواره جنباً إلى جنب ، فلو طالت المسافة ألف مرة لن يصيبها الملل ، ولكن تعثره بحجر صغير لم ينتبه عليه وكان سيؤدى لسقوطه أرضاً ، جعلها تسرع بالوقوف أمامه ، كأنها بذلك ستحول بين سقوطه ، فيد أمسكت بذراعه وأخرى ألتفت حول خصره ، ولا تعلم من أين جاءتها تلك القوة وإستطاعت إسناد جسده الضخم بالنسبة لجسدها الضئيل الحجم
فنظرت إليه قائلة بلهفة وخوف حقيقى :
– حاسب فى حجر انت كان ممكن تقع ، انت كويس يا رائف
كم صار يعشق نطقها لإسمه ، خاصة إذا ختمت به حديثها ، فرد قائلاً:
– أنا تمام شكراً يا سجى
زوت سجى حاجبيها قائلة:
–بتشكرنى على ايه
إستقام بوقفته قدر إمكانه وهو يجيبها بصوته القوى :
– على أنك مخلتنيش أقع
لم تجد ضرورة لأن تظل ملتصقة به ، فقالت وهى تزدرد لعابها :
–مش انا اللى اشوف حد قدامى فى محنة او موقف هيضره واسيبه او اتخلى عنه
لم يكن هذا ما يريد سماعه منها كأنه أحد مرضاها ، فهو كان يظن أنها ستخبره أنها لم تفعل ذلك إلا من أجل أنه زوجها وحبيبها ، فهتف بها بإبتسامة باردة :
–قلبك كبير أوى يا دكتورة سچى
أكملا طريقهما للمنزل ، فعندما وصلت سجى لغرفة المعيشة ورآت تلك الطبيبة جالسة بجوار هدى ، فغرت فاها بصدمة ، لكونها وعت على مدى جمال وفتنة تلك الطبيبة الحسناء ، يكفى فقط خصيلاتها التى تصففها بمهارة وأكسبت وجهها مظهراً خلاباً ، وتجلس بأناقة بتلك التنورة التى كشفت عن جزء من ساقيها البيضاوين ، فكأنها برؤيتها لها أضرمت نيران الغيرة بقلبها ، فكيف ستسمح لها بالإقتراب منه أو لمسه ، حتى وإن كان ذلك من أجل المعالجة الفيزيائية ، أو أن يقضيا أوقاتاً بمفردهما
ابتسم رائف ابتسامة خفيفة كما يقتضيه الذوق بالترحيب بالضيوف ، فأشارت والدته له بالإقتراب قائلة ببشاشة :
–تعالى يا حبيبى دى الدكتورة اللى هتعملك الجلسات الفترة الجاية
ألقى رائف التحية قائلاً بتهذيب :
– أهلا يا دكتورة ، بس هو دكتور يوسف فين
أجابته الطبيبة وهى تضع خصلة متمردة من شعرها خلف أذنها :
–هو حضرتك اليومين دول مشغول عنده ظروف طلب منى انى اكمل مع حضرتك الجلسات لحد هو ما يبقى فاضى ، أصله هيتجوز ان شاء الله ، وبيعمل ترتيبات الفرح علشان كده مشغول وأنا تحت أمركم علشان أعمل الجلسات للاستاذ رائف
هز رائف رأسه بتفهم ورد قائلاً بإبتسامة:
– أه تمام اهلا وسهلا بيكى يا دكتورة
بادلته الطبيبة إبتسامته بإبتسامة أكثر دفئاً وهى تقول:
– أهلا بيك يا استاذ رائف ممكن حضرتك نبتدى الجلسة ولا فى مانع
ترك رائف مقعده قائلاً :
– أه اتفضلى على الأوضة بتاعة الجلسات
أكتفت من صمتها ، فبسماعها أنهما على وشك الذهاب لغرفة جلسات العلاج الطبيعي ، هبت من مكانها وهى تقول :
– هو أنا ممكن احضر معاكم الجلسة اصل انا فى سنة الامتياز وعايزة اتعرف اكتر على عمل الجلسات
فما قالته لم يكن سوى حجة واهية من أجل أن تظل برفقتهما ، فجحيم الغيرة ، الذى إنفتح إحدى أبوابه بوجهها اليوم ، لن يجعلها تأمن وجوده بمفرده مع تلك الطبيبة الحسناء
فردت الطبيبة قائلة برقة ونعومة:
– أه طبعاً مفيش مشكلة أتفضلى أنتى فى كلية علاج طبيعى
أجابتها سجى وهى تقترب منها ، تتفحصها عن قرب :
– أيوة فى سنة الامتياز
قضم رائف طرف لسانه بعد تلك الفكرة التى طرأت على رأسه ، فنظر لسجى قائلاً:
– سجى وصلى الدكتورة للأوضة بتاعة الجلسات على ما أغير هدومى عن إذنك
قبل أن تفتح فمها لتسأله ما الحاجة لتبديل ثيابه ، فما يرتديه مناسباً ، كان وصل لغرفته وولج إليها وأغلق الباب خلفه ، فرافقت الطبيبة لتلك الغرفة التى أشار إليها رائف ، دلفت الطبيبة تتبعها سجى ، فتعجبت من وجود تلك المعدات الطبية ، والتى تستخدم بأكبر المستشفيات
فقالت الطبيبة بإستحسان :
– كويس جدا أن فى كل الاجهزة اللى أنا عيزاها علشان الجلسة
عقدت سجى ذراعيها وهى تقول:
–اه كل حاجة هتلاقيها موجودة هنا ، بس أنتى حضرتك عندك كام سنة ومتجوزة ولا لاء
رغم تعجبها من فضول سجى ، إلا أنها ردت قائلة بهدوء :
– انا يا ستى عندى ٢٨ سنة ، ومش متجوزة لسه ملقتش العريس المناسب
أبتلعت سجى لعابها وقالت:
– ربنا يوفقك إن شاء الله وتلاقى العريس المناسب
فهى ظنت أنها ستخبرها بأنها متجوزة وتملك نصف دزينة من الأطفال ، ولكن جاءت الإجابات مخيبة لأمالها ، فإن شعرت بغيرة طفيفة منذ رؤيتها ، فالأن تشعر بنيران حارقة تسرى بخلايا جسدها ، وزاد جنونها أكثر ، بعد رؤيتها لزوجها يلج الغرفة وهو يرتدى سروال قصير بالكاد وصل لركبتيه وقميص بدون أكمام ، ولا تعلم سر إرتداءه لتلك الملابس رغم برودة الطقس اليوم ، فكيف سمح له عقله بأن يأتى إليهما هكذا بتلك البنية الجسدية القوية ، والتى ما أن تصطدم بها ، تصبح كقطعة من الثلج ، أذابتها حرارة الشمس الحارقة
قالت الطبيبة بمهنية :
– لو جاهز يا أستاذ رائف أتفضل علشان نعمل الجلسة
تمدد رائف على ذلك السرير الصغير ، ورد قائلاً:
– تمام أنا جاهز يا دكتورة أتفضلى
بدأت الطبيبة بمباشرة عملها ، فكلما رآتها سجى تنحى صوبه ، تريد أن تجذبها من خصيلاتها المتمردة ، والتى تكاد تلامس وجه زوجها ، فربما هو صار يشتم رائحتها عن قرب ، فلو النظرات قادرة على القتل ، لكانت تلك الطبيبة مسجية بدماءها الآن ، بل لم تكتفى بذلك بل ظلت تثرثر معه وهو يجيبها على كل ما تسأله برحابة صدر ، كأنه سعيد بوجودها
فلم ينتشلها من بحر أفكارها ، سوى الطرق على باب الغرفة ، فأسرعت بفتح الباب وجدت الخادمة تحمل لهم المشروبات المرطبة ، والتى أوصت عليها هدى من أجلهم ، فتناولت منها الصينية وأنصرفت الخادمة ، فأغلقت سجى باب الغرفة بحدة ، لعلهما يصمتان ، فهى لم يعد لديها متسع من التحمل
إلتفتت لها الطبيبة قائلة بإعجاب :
–الله عصير فراولة انا بموت فيه
كزت سجى على أنيابها قائلة بغيظ وغيرة :
– بس حضرتك ده عصير رائف وعصير البرتقال ده ليكى علشان هو مبيحبش عصير البرتقال
شعرت الطبيبة بالحرج من قول سجى ، إلا أن رائف رد قائلاً بكياسة :
– مفيش مشكلة أتفضلى يا دكتورة مروة بالهنا والشفا ، أديها عصير الفراولة يا سجى
كم تمنت سجى أن تسكب محتوى الكوب على رأسه ورأسها ، خاصة بعد سماع تلك الطبيبة وهى تقول بصوت رقيق :
– ميرسى جدا يا رائف لذوقك أنا الصراحة ضعيفة جدا قدام عصير الفراولة
وضع رائف إحدى يديه أسفل رأسه قائلاً:
– بألف هنا و شفا ولو عايزة تانى ، هبعت سجى تجيبلك
رفعت سجى شفتها العليا ، فبعد أن وضعت الصينية من يدها ، وضعت إحدى كفيها حول خصرها ، ينقصها فقط أن تدب الأرض بقدميها ، أو أن تقبض على عنقه وتزهق أنفاسه
ولكن إزداد الأمر سوءًا بسماعها تلك الطبيبة تقول :
– هو أنا ممكن أقولك رائف عادى كده ولا ممكن تضايق
حرك رأسه نافياً وأجابها وعيناه شاخصة النظرات بتلك التى تقف على بعد بضعة أمتار منه :
– أه طبعا عادى أنا مبحبش الرسميات أوى يعنى
ضمت سجى أصابعها ، كأنها بذلك تأمن عدم تهورها ، حتى لا تفعل ما يوسوس به عقلها ، من أن تقتلع شعر تلك الطبيبة من جذوره ولا تكتفى بذلك فهو الأخر لابد أن ينال نصيبه مما تفعله ، فكلما تنظر إليه تجده يبتسم لها ببرود ، فى حين أن إبتسامته الدافئة يوزعها بسخاء لتلك الطبيبة ، فكم ألحت عليها دموع المهانة ، فكيف أرهق عشقه قلبها هكذا ، جعلها تتوهم وتتخيل أشياء لا وجود لها ، كأنها ستراه يرفع ذراعيه ويعانق تلك الطبيبة الآن ، فهى حتماً أصيبت بالجنون ، لتترك تلك الأوهام تتمكن منها
❈-❈-❈
سأمت من الجلوس بغرفتها ، فقررت الخروج للشرفة ، لعلها ترى شئ أخر سوى جدران غرفتها ، التى لا تبرحها إلا من أجل الذهاب للجامعة أو تناول الطعام ، فأثناء وجود أبيها بعمله ، تخشى الجلوس مع والدتها بمفردها ، حتى لا تتفوه بشئ تنال عليه عقاباً كما يحلو لوالدتها أن تفعل معها ، خاصة إذا أتت على ذكر سجى أو ما فعلته هى وأبيها بزوجته الأولى وإبنته الكبرى
خرجت للشرفة ولكنها لم تنتبه على ذلك الشاب ، الذى يقف بالشرفة فى المنزل المقابل ، ولكن ما أن رفعت وجهها حتى رآته يبتسم لها ، فأشاحت بوجهها وهى تشعر بالدماء تكاد تنفجر من وجهها ، فهى تعلم بشأن إعجابه بها ، ولا تنكر هى الأخرى إعجابها به ، ولكنها تنتظر أن يذهب لأبيها لطلب يدها ، فحينئذ ستعلم أنه صادق بعاطفته تجاهها
أخرجها صوت والدتها من شرودها ، خاصة بعد سماعها تصيح بها:
– ايه يا بت يا أروى عمالة انادى عليكى مبترديش ليه يا بت انتى
إلتفتت إليها أروى وردت قائلة بصوت منخفض :
– ايوة يا ماما فى ايه حضرتك عايزة حاجة
وقفت فادية بجانبها وجالت بعينها فى الشارع وهى تقول:
– أنتى واقفة فى البلكونة بتعملى ايه
أجابتها أروى وهى تبتعد عنها قليلاً:
– كنت بشم هوا يا ماما فيها حاجة دى
ولكن ما أن رآت فادية ذلك الشاب المدعو " هشام " قالت بسخرية :
–بتشمى هوا اه انا عرفت انتى واقفة هنا ليه انجرى خشى جوا يلا
دبت أروى الأرض بقدميها من جفاء والدتها الدائم معها ، فولجت للداخل وقالت بعصبية :
–فى ايه يا ماما وبتكلمينى ليه بالاسلوب ده هو انا عملت حاجة
قبضت فادية على ذراع إبنتها بقسوة وهى تقول:
– أنتى واقفة فى البلكونة علشان خاطر الواد اللى اسمه هشام ده مش كده
مدت أروى يدها الأخرى لتزيح أصابع والدتها القابضة على ذراعيها فهتفت بألم :
– أنتى إزاى حضرتك بتفكرى كده أنا متكلمتش معاه ولا بتكلم مع حد أنا كنت واقفة عادى وهو حر واقف فى بلكونتهم ولا أقوله لاء متخرجش تقف فى البلكونة كل واحد حر
رفضت فادية تركها فهزت جسد أروى بعنف هادرة بصوت عالى :
– ولا عيزاكى تتتكلمى معاه لان اللى فى دماغك مش هيحصل يا بنت فادية
قالت أروى بتوتر وإرتباك:
– ههو ايه اللى فى دماغى يا ماما قصدك إيه
لوت فادية شفتيها وقالت:
– أنا عارفة أنك ميالة للواد ده بس ده مش هيحصل ، ماهو مش بنت نعمة تتجوز ابن الناس الاغنيا دول وأنا بنتى تتجوز واحد أى كلام
ردت أروى قائلة بإنفعال حاد:
–ليه يعنى ماله هشام شاب محترم ومتعلم واهله ناس طيبين ومحترمين عيبه ايه ، وهو أى كلام ازاى يعنى هو كل حاجة فى نظرك الفلوس وبس مش هامك سعادة بنتك ولا راحتها
لم تكتفى بالقبض على إحدى ذراعيها فقبضت على ذراعها الثانى ، فوقفت أروى بين يديها كعصفور خائف فى مواجهة إحدى الصقور الجارحة ، فقالت فادية بإصرار :
– بقولك ايه سيبيكى من الكلمتين اللى أنتى بتقوليهم دول يا عين ماما
ردت أروى قائلة بتحدى رغم شعورها بالألم :
–علشان تبقى حضرتك عارفة هشام لو اتقدملى هوافق ولو حضرتك رفضتى انا مش هتجوز خالص لانى مش هتجوز غير الشخص اللى انا بحبه ومرتحاله ماشى يا ماما
جن جنون فادية لقول إبنتها فصرخت بوجهها قائلة :
– أنتى بتهددينى يا بنت فادية
قالت أروى وصدرها يعلو ويهبط من فرط حنقها :
–انا مش بهددك انا بعرفك بس اللى ممكن يحصل لو حضرتك رفضتيه لو هو جه اتقدملى
إستطاعت التخلص من يديى والدتها بعد جهد مرير ، فركضت بسرعة إلى غرفتها ، وأغلقت الباب خلفها ، فإلى متى ستظل تعانى من أفعال والدتها ، فما حال كونها أنها إبنتها الوحيدة ، فماذا كانت ستفعل معها أكثر من ذلك ، كأنها نزعت من داخلها كل شعور أمومى بالحب والعطف تجاهها ، فهى تشعر أن والدتها قد خلقت من أجل كراهية من حولها ، فكأن قلبها تم إستبداله بقطعة من الحجارة الصماء ، فحتى الحجارة ربما تأتى الوقت وتنكسر وتتفتت ، ولكن لن يأتى ذلك اليوم الذى تقوم به والدتها بواجبها تجاهها من أمور الحب والعطف
❈-❈-❈
أنتهى من سداد الديون المستحقة عليه ، بعد حصوله على المال نظير زواج إبنته من إبن أحد الأثرياء ، فحتى هو لم يفكر بأن يعترض على تلك الزيجة ، من باب الحرص على سعادة إبنته والتى ربما يراها الأخرون تتمثل بالزواج من شاب يخلو جسده من الإصابات أو العجز ، مثلما يرى معظم الآباء بأن بناتهن لابد لهن من الحصول على أفضل الزواج سواء مدياً أو بدنياً ، ولكن عاد وبرر لذاته أن إبنته هى من وافقت على تلك الزيجة بإرادتها الحرة
أنتبه حامد على قدوم صبحى من متجره ، فبالأيام الفائتة كان مسافراً وربما عاد اليوم ، فتقدم منه وألقى عليه التحية ، فجلس بعدما أشار له حامد بالجلوس
فداعب صبحى شاربيه قائلاً بإبتسامة عريضة:
– ها مقولتليش بقى ايه اخر الأخبار يا حامد ، وأخبار ست الدكتورة إيه
أزدرد حامد لعابه ورد قائلاً بإرتباك :
–والله يا معلم صبحى بنتى بنتى..
نظر إليه صبحى متسائلاً بقلق :
– مالها بنتك كفا الله الشر فيها حاجة ، ايه اللى حصل
أجابه حامد وهو ينظر بمكان أخر غير مكان جلوسه :
لاء مفيهاش حاجة بس الصراحة يا معلم صبحى سچى بنتى اتجوزت
صُدم صبحى مما سمعه منه ، فحدق به متسائلاً :
– إيه اتجوزت مين وأمتى ده
ربت حامد على ساقه وهو يقول بهدوء لا يخلو من البرود:
– إتجوزت واحد من قرايب امها الله يرحمها
رد صبحى قائلاً بتهكم :
– أه يعنى أنت وبنتك مستغنين يعنى ، احنا مكناش قد المقام يعنى ولا ايه
أسرع حامد بالقول نافياً :
– مش حكاية مستغنين يا معلم بس البت بتحب الشاب اللى اتجوزته ، و متقولش كده يا معلم أنت مقامك كبير بس كل شيء قسمة ونصيب
ترك صبحى مقعده ورد قائلاً بجفاء :
–براحتك بقى يا حامد انا كنت عايز اساعد بكيفك بقى
نهض حامد هو الأخر وهو يقول بشكر لم يكن يعنيه :
– تشكر يا معلم ، أنا برضه شايلك لوقت عوزة
لم ينتظر صبحى لسماع كلمة أخرى منه ، وعاد لمتجره وهو يغمغم بسخط ، فهو كان أتم إستعداده لزواجه من سجى ، فبالأيام الماضية ، إبتاع ما يلزم المنزل من آثاث وأخبر زوجاته أنه بصدد الزواج بوقت قريب ، ولكن عاد خالى الوفاض
– يلا يا ابنى انت وهو شوف شغلك مش عايزين كسل اللى عايز ينام يروح بيتهم كفاية ان كان بيتنا هيتخرب
صاح حامد بعبارته وهو يحث العاملين لديه أن يجتهدوا بعملهم ، فهو لا يريد أن يقع بضائقة مالية أخرى نتيجة تراخيهم بالعمل ، فتلك المرة ما أنقذه هو زواج إبنته ، التى رآى أنها حصلت على صفقة رابحة ، فعائلة زوجها تفوق صبحى ثراءً ، ولكن إذا إصابه الخراب ثانية ، فمن أين سيأتى بالمال ، لذلك هو لا يملك سوى أن يحاول إنهاء قطع الأثاث الخشبية بوقتها ، حتى لا يتأفف منه أصحاب المتاجر
❈-❈❈
زرعت الغرفة ذهاباً وإياباً للمرة التى لا تعلم عددها ، فأسندت ريهام مرفقها لتلك الطاولة ، ووضعت وجنتها على كفها وظلت تنظر لحركتها المفرطة والمتوترة ، كأنها طالبة وتنتظر ظهور نتائج الإختبارات ، التى ستؤهلها لدخول الجامعة ، ولكنها ليست طالبة بل زوجة غيورة ، كادت الغيرة تفتك بقلبها ، فهى أخبرتها بشأن تلك الطبيبة ،التى بدأت بالمعالجة الفيزيائية لزوجها ، وعلى الرغم من محاولتها لأن تجعلها تهدأ ، إلا أن محاولتها لم تأتى بالنتائج المرجوة
صاحت بها ريهام متتأففة :
– اوووووف اهدى بقى خيلتينى معاكى يا شيخة
وضعت سجى يدها على رأسها وهى تقول:
–مش قادرة يا ريهام نار جوايا حاسة انى هيجيلى سكتة قلبية
أشارت لها ريهام بالجلوس وهو تقول بلين :
– ليه يا ستى بعد الشر عليكى ده كله علشان اللى بتعمل الجلسات لجوزك دكتورة ست ، طب ما أنتى وأنا هنبقى دكاترة ستات معنى كده أن إحنا كل مريض هنعالجه هيكون ضميرنا مش كويس
أرتمت سجى على المقعد وهى تقول بغيرة عاصفة :
– أصلك مشوفتهاش يا ريهام هى حلوة وحلوة أوى كمان دى شبه الممثلات بتوع الأفلام وكمان مش محجبة وتحسى كده كأنها بترسم عليه ولاهو كمان
لوت ريهام شفتيها وقالت :
– عمل ايه الراجل هو كمان بيرسم عليها يا سجى
وكزتها سجى بكتفها وهى تقول بغيظ :
– لاء بس بيدخل يعمل الجلسة لابس شورت قصير وتيشرت
شهقت ريهام كأنها تعجبت من قولها :
– يا سلام لا يا شيخة وإزاى يتجرأ ويلبس كده ، طب عيزاه يدخل يعمل الجلسة بأيه بالجلبية دى انتى دماغك ضربت خالص يا سچى
قرصتها سجى من ذراعها قائلة :
– أصلك أنتى مشفتيش هو بيبقى عامل إزاى فى الهدوم دى يا ريهام بتبقى مبينه كل عضلاته وهو طويل وطبعاً كان ظابط صاعقة يعنى ليكى انك تتخيلى هو عامل ازاى ، حاجة كده طول بعرض
دلكت ريهام ذراعها وهى تقول بألم :
– آه خلاص فهمت ، كفاية بقى يا شيخة قرص فيا ، دراعى هيورم
نظرت إليها سجى وقالت بشماتة :
– أحسن علشان أنتى قاعدة باردة ومش حاسة باللى أنا فيه لما أشوف الدكتورة وأحس انها بتسبله بعنيها يا ريهام انا هيجرالى حاجة أه مش قادرة هتجنن
إستندت ريهام بمرفقيها على الطاولة ووضعت وجهها بين كفيها وقالت:
– هتعملى إيه يعنى ، ربنا يصبرك يا حبيبتى على ما بلاكى
أسرعت ريهام بالإبتعاد عن مرمى يد سجى ، التى قالت بغيظ :
– أنا مش عارفة أعمل إيه ولو استمر الحال على كده جلستين كمان وأموت انا فيها من غيرتى عليه ، ثم لو مبطلتيش تريقة عليا ، أنا هخلى أكرم يصرف نظر عن جوازه منك نهائى
ضحكت ريهام على قولها ، إلا أنها تصنعت الجدية وهى تقول بصوت خشن :
–لا كله الا كده انتى هاتى عنوان الدكتورة ونروحلها زى ريا وسكينة ونكتم نفسها ونريحوها من الدنيا وقرفها وترتاحى أنتى وأتجوز أنا أكرم ، معايا يا سكينة
جذبت سجى طرف حجابها وهى تقول بآمر :
– بت أنتى اكتمى خالص مش عايزة أسمعلك صوت ، أنا غلطانة أن قولتلك على حاجة وأتكلمت معاكى
علمت ريهام أنها ربما زادت بمزاحها وأغضبت صديقتها ، ولكنها لم تفعل ذلك إلا من أجل تخفيف وطأة شعورها بالضيق والغضب ، فقبضت على وجهها وجعلتها تنظر إليها ، فقالت بأسف :
– حبيبتى أنا والله ما قصدى حاجة أنا بحاول أضحكك بس الظاهر الموضوع كبير والغيرة مرة زى ما بيقولوا ، لأن اللى يشوفك دلوقتى مستحيل يصدق أنك سچى الكيوتة الخجولة اللى صوتها مكنش بيطلع وهى بتتكلم ، فمتزعليش منى
تبخر غضبها من ريهام ، فإبتسمت لها لعلمها أنها هى من زادت بالأمر من البداية ، ولكن كيف تلجم غيرتها ، أو تجعل عقلها يكف عن التفكير بإحتمال أن الطبيبة بإمكانها أن تجعل رائف يقع بحبائلها ، فى حين أنها هى لا تدرى أى درب تسلكه لتجعله يشعر بها ، فحياءها وخجلها يقف حائل بينهما ، فهى تنتظر منه المبادرة أولاً ، ولكن يبدو عليه أن ليس بنيته أن يجعلها زوجة فعلية له ، وتخشى أن يأتى الوقت الذى سيمنحها به الطلاق مثلما أخبر بيوم عقد قرانهما ، فمن السخرية أن تحصل بيوم واحد على عقد زواج ووعد بالطلاق
❈-❈-❈
لم يكن وجودها بغرفة الجلسات ، سوى تعذيب نفسى فرضته على ذاتها ، حتى لا تتركهما بمفردهما ، وتنعم تلك الطبيبة بقضاء وقتها معه وحدهما ، فما أن تعلم بشأن حضورها ، تسرع بمرافقتها ولا تترك الغرفة إلا بعد رحيلها ، فهى تعلم خير العلم أن ما تفعله يندرج تحت بند الرعونة والسخافة ، إلا أنها تأبى الإعتراف بذلك ، فهو وإن كان زوجها لم يحاول بمرة أن يمارس سلطة الزوج عليها ، فلما تظن أنه سيحاول إستمالة تلك الطبيبة له
تأففت من كثرة تفكيرها ، فظلت تدلك جبهتها بيمنيها ، لعلها تطرد تلك الوساوس عنها ، ولكنها سمعت تلك الطبيبة تقول :
– تمام كده يا رائف فى تحسن كبير جدا فى حالتك
رد رائف قائلاً بتهذيب :
– شكرا يا دكتورة على تعبك
ردت الطبيبة مبتسمة :
–متقولش كده ده واجبى وبلاش كلمة يا دكتورة دى ، انت مش بتقول مبتحبش الرسميات
رفعت سجى شفتها العليا قائلة بتهكم :
– والله ما تديله نمرة تليفونك بالمرة علشان لو احتاج منك حاجة يا دكتورة
أجابتها الطبيبة وهى تخرج هاتفها :
– لو حابب يا رائف تسألنى على أى حاجة ممكن اديك نمرة تليفونى عادى مفيش مشكلة
إستشاطت سجى منها غيظاً فردت قائلة بوقاحة :
– لا والله وأنتى حضرتك بقى بتدى نمرة تليفونك لاى حد يعنى عادى ، ماشية توزعى خدماتك على المرضى
رفعت الطبيبة سبابتها بوجه سجى قائلة بتحذير :
– أنتى تقصدى ايه بكلامك ده انا مسمحلكيش ماشى ، وأنتى
مضايقة أوى ليه كده دا أنتى لو مراته مش هتعملى كده
وضعت سجى يديها بخصرها وقالت
– متسمحليش بايه بالظبط ها ، بصى حضرتك إحنا مستغنين عن الجلسات متتعبيش نفسك وتيجى تانى ماشى خلاص كفاية عليكى كده ، وأن كان على موضوع مراته ولا لاء ، فأنا فعلا مراته يا دكتورة
حولت الطبيبة بصرها عن سجى ونظرت لرائف وتساءلت بدهشة :
– مراتك ! هو أنت فعلاً متجوزها
هز رائف رأسه صعوداً وهبوطاً ، دلالة على صحة ما تفوهت به سجى ، فهو بحال لا يخوله أن يتفوه بكلمة ، فدقاته قلبه تقفز فرحاً من أفعال سجى ، فالغيرة تسطرت على جبينها بوضوح فاضح
فردت سجى قائلة بسخرية :
– إيه مش مصدقة حضرتك انى مراته تحبى اجبلك قسيمة الجواز علشان تصدقى
تأسفت الطبيبة على ضياع وقتها هباءاً بجذب إنتباه رائف ، فهى لم تكن تعلم بشأن أنه متزوج ، فقالت وهى تلملم أغراضها لتنصرف :
– خلاص إهدى حضرتك ولو مش حابين اجى تانى خلاص مش هاجى براحتكم
رفعت سجى يدها وأشارت للباب قائلة ببرود :
– أيوة متجيش تانى ومع السلامة يا دكتورة
خرجت الطبيبة من الغرفة وهى تود لو كان بإمكانها الإنقضاض على سجى ، فربما كان هدأت نيران غيظها ، التى أشتعلت جراء أقوال سجى الغير مهذبة على الإطلاق
دارت سجى على عقبيها ونظرت إليه وقالت متعجبة من تلك الإبتسامة العريضة التى ملأت وجهه :
– أنت بتبتسم على إيه أنت دلوقتى
رفع رائف حاجبه الأيسر قائلاً:
–هو حرام ابتسم يعنى ولا ايه ممنوع يا دكتورة سچى
رفعت سبابتها بوجهه قائلة بما يشبه الأمر :
–اعمل حسابك الدكتورة دى مش هتعملك جلسات تانى يا دكتور راجل يا بلاش ماشى ، بلاش دكاترة ستات تانى
أجابها رائف بهدوء :
– ما أنتى سمعتى بودنك أن يوسف هيتجوز ومش فاضى أعمل إيه يعنى ثم من أمتى و أنتى بقى رد فعلك غريب كده وبقيتى بتردى بقلة ذوق وطريقة وقحة
رفعت يدها تشير لنفسها قائلة بذهول :
– أنت بتقول إن أنا قليلة الذوق ووقحة كمان
رد قائلاً ببرود :
– طب اللى عملتيه من شوية ده اسمه ايه لما طردتى الدكتورة بالطريقة دى ، ملهاش تفسير تانى غير الوقاحة
إعادته لنعتها بتلك الصفة ، جعل الدموع تتجمع بمآقيها ، تحاول ألا تخونها وتسقط أمامه ، ولكن أنتبه على إهتزاز مقلتيها ، فتمنى ألا تبكى الآن ، فجذبها إليه ورفع يده ومسح تلك العبرة التى لم تحفظ عهدها معها بعدم السقوط
فهتف بها بحنان :
–طب بتعيطى ليه دلوقتى يا سچى
أجابته وهى تحاول إبتلاع تلك الغصة بحلقها :
–علشان انت يا رائف بتقول عليا قليلة الذوق
ربت على وجهها كأنه يقدم إعتذاره لها عما بدر منه ، فقال بصوته الحانى :
– أصل أول مرة أشوفك بتتكلمى باللهجة والعصبية دى ، مش متعود أشوفك بتتعملى مع حد كده
إبتعدت سجى عن مرمى يديه وقالت بإصرار :
– يكون فى معلومك بقى خلاص محدش هيعملك الجلسات بعد كده غيرى انا ماشى ، طالما مفيش دكاترة رجالة
صُدم رائف مما سمعه منها ، فقال بإندهاش :
– أنتى قولتى إيه يا سچى
قالت بعدم إكتراث لدهشته :
– اللى أنت سمعته يا رائف وعن أذنك دلوقتى
خرجت من الغرفة وتركته جالساً مكانه، فما أن وصلت للصالة حتى وجدت هدى وصفية جالستان ويبدو أنهما منهمكتان بحديثهما
ولكن انتبهت صفية على سجى ، التى يبدو على وجهها سيمات الغضب ، فقالت بإهتمام :
– مالك يا حبيبتى فى إيه كده مال وشك متغير ليه كده
مسحت سجى وجهها بشعور الإرهاق وردت قائلة بهدوء:
– مفيش يا تيتة أنا كويسة مفيش حاجة
تناولت هدى تلك الحقيبة الصغيرة الموضوعة بجانبها ، ومدت يدها بها لسجى وهى تقول بإبتسامة ودودة :
– كل سنة وانتى طيبة يا سچى ولو انها متأخرة شوية
قالت صفية بحنان :
– كنا مستنيين ان نجبلك الهدية ونقولك كل سنة وانتى طيبة
أخذت سجى الحقيبة وردت قائلة بإبتسامة ممتنة :
– تسلمولى يارب أنتوا أحسن هدية ليا فى الدنيا
قالت هدى بمحبة :
– تسلمى يا حبيبتى اتمنى ان الهدايا تعجبك
فتحت سجى الحقيبة وأخرجت منها علبة خاصة بالحُلى ، فوجدت سوار ماسى وخاتم ، فشهقت سجى بخفوت ، وسرعان ما رفعت وجهها قائلة :
– بس كده كتير أوى ، هدايا ألماظ مرة واحدة
أشارت لها هدى بالإقتراب وهى تقول:
– مفيش حاجة تكتر عليكى يا قمر
وقالت صفية هى الأخرى :
– أنتى تستاهلى أحسن حاجة فى الدنيا يا حبيبتى
أمتثلت سجى لأمر هدى وأقتربت منها وطوقتها بذراعيها شكراً وإمتناناً ، وأعادت الكرة مع صفية وهى تقول بحب :
– ربنا ما يحرمنى منكم ابداً يارب
بعد ذلك أخذت الهدايا وذهبت للشقة وهى تفكر ، لما لم يهديها ذلك الرجل القاسى متحجر القلب المدعو زوجها أى هدية ، فكم تتمنى لو يهديها قلبه ، فهى تريده ولا تريد أى شئ أخر بحياتها ، لعلها تستطيع أن تجعله يفهم أن قلبها بات يحترق بلوعة الحب والعشق
باليوم التالى مساءً ، أخذ أكرم قراره بالتحدث مع والديه وجدته بشأن زواجه هو الأخر ، فالأن رائف صار متزوجاً ، وبإمكانه هو الأخر الحصول على زوجة
فنادى والده قائلاً بإحترام ولهفة :
–بابا أنا عايز أتجوز بقى
إبتسم ماهر على قوله ورد قائلاً:
–البنت اللى كنت بتقول عليها انها صاحبة سچى
أماء أكرم برأسه قائلاً:
– أيوة يا بابا اسمها ريهام
أقترب منه والدته وقبلت رأسه قائلة بحنان :
– أنت حبيت يا أكرم
حمحم أكرم قائلاً بحرج :
– وايه لزمته الاحراج ده دلوقتى يا ماما ايوة حبيتها خلاص قولتوا ايه بقى
قالت جدته وهى تشعر بالسعادة لزواج حفيدها الثانى :
– مبروك يا واد يا أكرم طالما صاحبة سچى هتبقى بنت مؤدبة وعسولة ومحترمة
رد أكرم قائلاً بحماس :
– هى متفرقش عن سچى فى الادب والاخلاق بس ممكن تكون من النوع اللى بيحب الهزار شوية
جلست والدته بجانبه وهى تقول:
– أهم حاجة يا حبيبى أنها تحبك وأنت تحبها وتبقوا مرتاحين مع بعض
قبل أكرم يد هدى قائلاً :
– أيوة يا ماما أنا بحبها وهى لو مش حابة إن أنا ارتبط بيها مكانتش وافقت اصلاً
نظرت صفية لأكرم وقالت بحسم :
– خلاص حدد ميعاد معاهم ونروح نخطبها ونفرح بيك أنت كمان
بسماعه كلمة الموافقة هب واقفاً وخرج من المنزل للحديقة ، ليخبر شقيقيه وسجى بالأمر ، فأقترب منهم وهو يصيح بسعادة :
– باركولى يا شباب باركولى ، بابا وماما وتيتة وافقوا على جوازى من ريهام
صفقت سجى بيدها قائلة بحماس وسعادة غامرة :
– ألف مبروك يا اكرم
رد أكرم قائلاً متبسماً :
– الله يبارك فيكى عايزك بقى تكلمى ريهام علشان تحدد ميعاد نروح نخطبها ماشى
تركت سجى مقعدها وأخذت هاتفها وهى تقول:
–بس كده من عنيا حاضر انا هقوم اكلمهالك دلوقتى حالاً
بعد إبتعاد سجى لتحدث ريهام بحرية ، قال شادى ممازحاً :
– يعنى الكل بيتجوز وأنا هقعد معنس كده لوحدى
ربت أكرم على صدره وقال :
–مش لما تخلص وتشتغل وتلاقى بنت الحلال يا شادى
زفر شادى قائلاً بحيرة :
– ودى ياترى هاقبلها فين بقى إن شاء الله
نظر أكرم لرائف ورد قائلاً بدهاء :
–ربك بيسبب الاسباب والله يا شادى فى ناس بنت الحلال قدامهم وبتاعتهم وعاملين نفسهم من بنها
علم رائف مدلول حديث أكرم ، فحدجه بنظرة ممستاءة قائلاً :
– أنت بتتكلم على إيه يا أكرم
أبتسم أكرم إبتسامة سمجة قائلاً:
– على الناس اللى من بنها يا حبيبى ، صحيح أفتكرت الهدية خلصت وجبتهالك أهى
أخرج أكرم من جيب بنطالة علبة من القطيفة ، فأخذها رائف منه قائلاً :
– وسايبها معاك ليه هتحنطها هات
زم أكرم شفتيه وقال :
– ماشى يا عم صحيح خلصت حاجتى من عند جارتى ، أبقى شوف مين اللى يعملك حاجة تانى
نظر شادى بفضول للعلبة قائلاً:
– هدية ايه دى ولمين يا أبيه رائف
رد رائف مبتسماً:
– دى علشان سچى بمناسبة عيد ميلادها
قال شادى بمكر :
– ااااه علشان سچى مش تقول كده
نفخ رائف بضيق ورد قائلاً:
–والله ماهى نقصاك انت كمان كفاية أكرم ابو دم خفيف ، واللى مبيكتم سر أبداً
ربت شادى على صدره وهو يقول :
– أنا يا ابيه اى حاجة أطلب ميهمكش وسرك فى بير
ضحك رائف على قول شقيقه الصغير ورد قائلاً:
–عندك حق يا شادى اذا كنت مش عايز حد يعرف حاجة اقولك يبقى البلد كلها هتعرف انت مبيتبلش فى بوقك فولة ، والسر معاك فى بير مسرب على الجيران
شاركه شادى الضحك وقال :
– دا جزاتى انى صريح واللى فى قلبى على لسانى
جلس أكرم بإرتياح بمقعده وقال بصوت حالم :
– يلا حضروا نفسكم علشان تفرحوا بيا قريب
قال رائف محاولاً إغاظته :
– قصدك نفرح فيك يا أكرم
قال أكرم بعد أن وضع يديه خلف رأسه :
– مش هتفرق كتير يا رائف يا حبيبى تفرح بيا تفرح فيا أى حاجة المهم أتجوز ، الجواز حلو مش كده يا رائف
قبل أن يقول شيئاً وجد زوجته عادت إليهم ، فنظرت لأكرم قائلة بإبتسامة صافية :
– خلاص يا أكرم الميعاد بعد بكرة إن شاء الله
نهض أكرم من مكانه قائلاً بشكر وإمتنان:
– تسلميلى يا مرات اخويا بقولك ايه يا شادى ما تيجى نلعب بلاى ستيشن
قفز شادى من مقعده قائلاً بحماس :
– يلا يا ابيه بقالنا كتير ملعبناش مع بعض
قال أكرم وهو يشير لشادى بالعودة للمنزل:
– اسبقنى جهز كل حاجة وأنا جاى وراك وخليهم يعملولنا فشار وعصير وشيبسى بص أى حاجة عندهم فى التلاجة يجبوها
قال شادى وهو يهرول تجاه المنزل :
– حاضر يا أبيه بس متتأخرش
بعد ذهاب شادى أنحنى أكرم لرائف وهمس بأذنه اليمنى قائلاً :
– ادينى سربتلك شادى وأنا كمان ماشى اهو عد الجمايل بقى يا حبيبى ،أنا عارف أنك هتموت وتديها الهدية وتلبسهالها بنفسك
وكزه رائف ببطنه قائلاً بغيظ :
– غور يا أكرم من وشى
رد أكرم قائلاً :
– ادينى ماشى أهو متزوقش يا عم الحاج ، سلام بقى يا سچى الحق اروح اكل فشار
ردت سجى مبتسمة:
– مع السلامة يا أكرم
رفع أكرم يده ولوح بها لرائف قائلاً :
– سلام بقى يا رائف يا حبيبى
نهره رائف عن إستكمال أفعاله التى تثير غضبه ، فقال بأمر :
– ما تغور بقى هو انت بتسلم علينا ليه هو انت مسافر دا انت داخل البيت
لم يشأ أكرم أن يثير حنق شقيقه أكثر ، فرحل بهدوء ، بينما ظلت سجى جالسة مكانها ، كأن قدميها لن تسعفها بالحركة لتذهب هى الأخرى ، فأخذت هاتفها تتصفحه ، حتى تأتيها الشجاعة وتعود للشقة
إلا أنها سمعته يناديها بلطف:
–سچى
رفعت وجهها له وردت قائلة :
–نعم
ولكنها أجفلت من نداءه خاصة بعد تذكرها ذلك اليوم الذى كانا جالسان هنا وأخبرها بنيته لطلاقها بعد إنتهاءها من دراستها الجامعية ، فخشيت أن تسمع منه ما سيحطم قلبها ثانية ، ولكن وجدته يمد يده لها بالعلبة قائلاً :
– أنا كنت جايبلك هدية علشان عيد ميلادك ، بس هى اخدت وقت على ما خلصت اتفضلى الهدية اهى
قالت سجى بإبتسامة خجولة:
_ هدية علشانى أنا
فتحت العلبة بشوق ولهفة وجدت قلادة ذهبية تحمل إسمها كاملاً منقوش بالحروف العربية ، ومزين بأحجار كريمة أضفت بريقاً لامعاً على الإسم
فردت قائلة بإعجاب :
– الله دى جميلة اوى ،حلوة أوى بجد
أبتهج رائف لسماع قولها ، فرمقها بحب متسائلاً:
– عجبتك يعنى يا سچى ؟
ضمت سجى القلادة إليها وقالت بصدق :
– أوى أوى شكراً يا رائف
حمحم قائلاً بشعور طفيف بالحرج :
– تحبى تلبسيها ولا هتحتفظ بيها فى علبتها
أجابته سجى وهى تهم بترك مقعدها :
– أيوة طبعاً هلبسها ودلوقتى حالاً
لا تعلم كيف أقتربت منه ومدت يدها له بالقلادة ، ليقوم هو بمهمة وضعها حول جيدها ، فأستجاب لها وإستقام بوقفته وأخذ القلادة وأولته ظهرها ، وضعها حول عنقها وهو يقول بصوت حانى :
– كل سنة وأنتى طيبة يا سجى
تنفست سجى بعمق قائلة بهمس حرصت على ألا يصل لأذنيه :
– وأنت طيب يا حبيبي
فكر رائف عن ماهية رد فعلها ، إذا عمل على تطويق كتفيها وضمها إليه أكثر ، لينعم بلحظات من الدفء ، فجعلها تستدير إليه ، وأخذ طرف القلادة بين أصابعه ، ينظر للإسم تارة ولوجهها تارة أخرى ، فأنتظرت هى خطوته التالية ، ولكن وجدته يترك القلادة وأعتذر مغادراً ليعود لغرفته ، فأصابتها الخيبة ، لظنها أن عطاياه لن تتوقف على تلك القلادة ،بل سيكون أكثر سخاءً معها ، بأن يمنحنها عناق صغير ، حتى وإن كان يشبه عناق الأشقاء ، فهى تريد إختبار ذلك الشعور عندما تكون بين ذراعى من تحب
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
جلست سجى على طرف فراش ريهام وتأملتها وهى تنهى زينتها ، فاليوم سيأتى أكرم برفقة عائلته من أجل خطبتها ، ولكن هى فضلت المجئ مبكراً من أجل مساعدة صديقتها المقربة بهذا اليوم الهام بحياتها ، والتى كانت بإنتظاره على أحر من الجمر ، رفعت سجى يديها وتحسست القلادة ، فبعد أن أهداها رائف لها ، عاد إلى عزلته ثانية ، فكلما أقتربت من هدم جدار من المشاعر الباردة بينهما ، تجد ألف جدار أخر ، نفضت عن ذهنها كل ما تفكر به ، فاليوم خاص برفيقة دربها ، وهى لا تريد إفساد سعادتها بجلستها الكئيبة ، لذلك تركت مكانها وأقتربت منها تنظر لإنعكاس صورتها بالمرأة
فقالت سجى مبتسمة :
– إيه القمر المنور ده
قالت ريهام وهى تتحسس ثوبها وحجابها :
– حلوة بجد يا سجى والفستان حلو
قرصت سجى وجنتيها قائلة بلطف :
– أنتى عندك شك فى نفسك ولا إيه يا ريهام دا أنتى قمر ١٤
أحتضنتها ريهام وردت قائلة:
– حبيبة قلبى اللى رافعة من معنوياتى تعيشيلى يارب أنتى عارف أحلى حاجة فى الموضوع أن برضه هنفضل مع بعض كنا أصحاب هنبقى سلايف
قالت سجى ممازحة :
– سلايف النينجا زى ما بتقولى
إبتعدت ريهام عنها قليلاً ، فإبتسمت على تلك الدعابة والتى سبق لها قولها ، ولكن سرعان ما أنطفئ بريق سعادتها ، وملأ الوجوم وجهها
فتعجبت سجى من حالها وقالت بإندهاش :
– مالك يا ريهام ابتسامتك اختفت ليه كده مرة واحدة وزى ما تكونى زعلتى
نهدة عميقة خرجت من جوف ريهام ، حملت على أجنحتها خوفاً ، فأسدلت جفنيها وقالت:
– أنا خايفة اوى يا سچى
شعرت سجى بالريبة والقلق من قولها ، فقبضت على ذراعها وهى تقول بإهتمام :
– خايفة من إيه وإيه اللى مخوفك كده يا ريهام ، فى حاجة أنا معرفهاش ؟
يتبع...