-->

رواية لا أحد سواك رائفي- بقلم الكاتبة سماح نجيب- الفصل السابع

 رواية لا أحد سواك رائفي بقلم الكاتبة سماح نجيب



الفصل السابع
لا أحد سواك رائفي

٧– " تُشبه نسيم الصباح"

حاولت سجى إيجاد عبارات منمقة ، حتى لا تتسبب بحزن صفية وهدى ، اللتان يبدوا عليهما أنهما تشعران بسعادة بالغة كونها ستقيم معهما بالمنزل ، ولكن من داخلها تشعر بالخوف الذى وصل حد الرعب ، من تلك الوساوس التى ملأت عقلها ، من أنها ستحيا بهذا المنزل ، خاصة أن عدد الذكور به يفوق عدد الإناث ، وهى التى أعتادت أن تعيش برفقة والدتها فقط ، دون الحاجة للعنصر الرجالى بحياتهما 

فضمت شفتيها ومسحت وجهها لتخفف من تلك الحرارة التى تشعر بها ولكن خرجت كلماتها متعثرة :
– علشان علشان

لم تفه سوى بهاتان الكلمتان ، فأسرعت هدى بطمأنتها بحديثها الهادئ :
– علشان ايه يا حبيبتى قولى متنكسفيش

تسلحت سجى بشجاعتها ، فلتقول ما لديها وتنهى الأمر ، فقالت بإستحياء :
–الصراحة مقدرش اقعد فى مكان فيه شباب انا مش متعودة على كده ،انا مش قصدى حاجة لا سمح الله انا عارفة ان ولادك متربين احسن تربية بس انا مقدرش والله لأن أنا متعرضتش لحاجة زى دى قبل كده لانكم عارفين انا كنت عائشة انا وماما الله يرحمها لوحدنا

ردت صفية قائلة بتفهم لقولها :
– اه فهمناكى يا سچى

تأملتها هدى بإعجاب وهى تقول بإبتسامة صافية :
– خلاص يا حبيبتى لو مش عايزة تقعدى هنا فى استراحة فى الجنينة جميلة جدا وهتاخدى فيها حريتك بس هتبقى بالنهار هنا وهتاكلى معانا يعنى الاستراحة علشان تنامى فيها وتذاكرى ماشى يا سچى قولتى ايه

أقتربت صفية من سجى وأخذت يدها بين كفيها وقالت وهى تمسد على رأسها :
– ولو إن أنا كنت حابة تقعدى معانا هنا بس طالما دى رغبتك خلاص زى هدى ما بتقولك والاستراحة مفروشة زى هنا واحسن كمان

ردت سجى قائلة بإبتسامة شكر وإمتنان :
– تمام حضرتك انا متشكرة جدا واسفة لو كنت هسببلكم ازعاج وأتمنى متزعلوش منى

نهضت هدى واقتربت منها وربتت على وجهها وقالت بلطف :
–مش عايزة اسمع منك الكلام ده تانى انتى بقيتى واحدة مننا يعنى زيك زى ولادى دلوقتى

أقتضاها الذوق أن تنهض هى الأخرى لتهديها قبلة ممتنة وليست هى وحسب ، بل صفية نالت منها قبلة على وجنتها ، فقالت سجى بشعور طفيف بالراحة :
– شكراً حضرتك طيبة وذوق جدا انتى وتيتة صفية ، ولو سمحتم ممكن اروح الاستراحة دلوقتى 

هزت هدى رأسها بالإيجاب وقالت :
– وانتى عسولة يا سچى ربنا يحميكى، وأه ممكن يا حبيبتى تروحى الاستراحة انا عارفة انك ممكن تكونى تعبتى وعايزة ترتاحى

إستقامت صفية بوقفتها وهى تقول :
– خلى أم سيد توصلها ولو محتاجة حاجة تعملها ليها

رفعت هدى يدها تشير لسجى بأن تتبعها فقالت وهى بطريقها لفتح باب الغرفة :
– أتفضلى معايا يا سچى

ربما إقتراح سيدة المنزل الثانية ، كان هو الأفضل ، فهى ستنعم بحريتها بالتحرك أو التجول أو إرتداء ما تشاء من الثياب ، دون أن يراها أحد ، أو أن تشعر بأن هناك قيود مفروضة عليها ، خاصة تلك القيود التى أنبعث من عينىّ ذلك الأعرج الوسيم ، والذى جعلتها تجفل عندما إصطدمت نظراتها به 
هزت رأسها بعنف لتنفض عنها تلك الأفكار العجيبة ، التى ملأتها فجأة حوله ، فهى لم تراه سوى من بضع ساعات ، فلم نسيت أفعال الجميع وتذكرته هو فقط ، فربما ذلك عائد لجفاءه بترحيبه بمجيئها خلافاً لباقى أفراد الأسرة

خرجن من الغرفة ، فخفضت رأسها أرضاً كعادتها ، فبذلك الوقت كان ماهر جالساً يتحدث مع أبناءه ، ولكن ما أن سمع رائف باب الغرفة يفتح وصوت والدته تنادى الخادمة ، إلتفت برأسه إليهن ، ولا يعلم لما فعل ذلك ؟ كأن هناك شئ بداخله حرضه على الإلتفات ورؤية تلك الفتاة ، التى جاءت لتعيش بكنف والديه وجدته 

هرولت الخادمة إليهن ، لتعلم ماذا تريد منها هدى ، فأوصتها بالذهاب للمبنى الملحق بالحديقة برفقة سجى ، فأمتثلت لأمرها ، فما كادت سجى تقترب من حقيبتها وقفص هرتها ، حتى أسرعت الخادمة تحملهم عنها وهى تقول بإحترام :

– لاء ميصحش يا انسة سچى عنك أنتى أنا هشيلهم

ردت سجى مبتسمة برفض قاطع :
– أنا متعودتش أن حد يخدمنى فانا اللى هشيلهم هو انتى بس تيجى معايا توصلينى للاستراحة بس انا هشيل حاجتى متتعبيش نفسك

أمام إلحاح سچى فى حمل اغراضها ، وافقت الخادمة ، فتقدمتها بالسير ، وكل هذا يحدث على مسمع ومرئى من الجالسين، ولكن كان رائف أكثرهم تعجباً من أفعال وأقوال سجى ، فهو يتذكر جيداً كيف كانت مايا تعامل من حولها كأنها ملكة متوجة و يجب ان تطاع غير مبالية بأى احد سوى نفسها 

بعد خروج سجى والخادمة نظر ماهر لزوجته قائلاً :
–ايه ده يا هدى انتى ازاى تخليها تقعد فى الاستراحة هى ضيفة مش كانت هتقعد هنا معانا فى البيت

ردت هدى وهى تجلس بجانبه :
–رفضت يا ماهر تقعد فى البيت وانا محبتش اغصب عليها

نظر أكرم لوالدته متسائلاً :
–ليه يعنى ترفض انها تقعد معانا هنا يا ماما

ضحكت صفية وقالت متفكهة :
– علشانكم أنتم يا حلوين انتوا السبب طفشتوها من البيت

رفع رائف شفته العليا قائلاً بإمتعاض :
– علشانا إزاى يعنى ، هو احنا عملنا فيها حاجة أصلاً

قال شادى هو الأخر :
– صحيح يا تيتة هو احنا هناكلها ولا ايه ، دا إحنا لسه شايفينها من كام ساعة بس

قبل أن يحتدم النقاش بينهم ، أسرعت هدى القول :
–الفكرة كلها  يا جماعة ان البنت عندها حياء وخجل وانتوا بسم الله ماشاء الله شباب مش عيال فهى هتحس انها متقيدة ومش هتاخد راحتها فاقترحت انها تقعد فى الاستراحة احسن ما ترفض وتمشى من البيت خالص

فأكملت صفية بإبتسامة عريضة :
– وعلشان انتوا ما شاء الله يا حبايبى شحط منك ليه 

قال أكرم بذهول :
–شحط انتى بتقوليلنا احنا كده يا تيتة

ضرب شادى كفيه ببعضهما وهو يقول :
–دا انا حاسس ان احنا اتهزقنا يا جدع

تأمل رائف عصاه ونقر بها على الأرض نقرات خفيفة ، فرد قائلاً وهو ينظر لباب المنزل :
– والله حاسس ومش متأكد ان تيتة فعلا هزقتنا ، دى باعتنا بسرعة علشان بنت بنت أختها 

زوت صفية حاجبيها وقالت بإستياء طفيف:
– فى ايه يا واد أنت وهو أنا بوضحلكم الصورة

رآى أكرم تغير ملامح وجه جدته ، فأقترب منها مقبلاً لرأسها قائلاً بدعابة :
–هو انتى كده بتوضحيها دا انتى يا تيتة بعترتى كرامتنا خالص 

رمق ماهر رائف والذى يبدو عليه الانزعاج ولا يعلم لما هو هكذا ، فقال بصوته الرصين :
– جدتكم على فكرة بتهزر معاكم ، مش لازم تاخدوا الموضوع بحساسية كده

أرادت هدى تغيير دفة الحديث ، فقالت بإعجاب :
– سچى دى بجد جميلة جدا شكل ومضمون حتى مش راضية تخلى ام سيد تشيلها شنطها ، وأصرت هى تشيلهم ، محترمة ومؤدبة وده الصح الله يرحم مامتها عرفت تربى

قالت صفية وصوتها يكتنفه الحزن لرحيل إبنة شقيقتها :
– فعلا ونعم التربية الله يرحمها نعمة كانت مربياها احسن تربية
❈-❈-❈
خطت سجى بقدميها داخل المبنى الملحق ، والمتكون من طابق واحد ، عبارة عن شقة فسيحة ، وبها كل وسائل الراحة والرفاهية ، التى تساهم بجعل من يقطنها يشعر بالخصوصية ، دون الحاجة للخروج منها للبحث عن شئ يحتاجه ، وهذا ما كانت تريده سجى ، أن تشعر بإستقلالها خاصة بأوقات مذاكرتها أو نومها 

نظرت إليها الخادمة وقالت مبتسمة :
–حضرتك عايزة حاجة اعملهالك يا انسة سچى ،لو عايزة اى حاجة تطلبيها على طول

وضعت سجى الحقيبة على الأرض ، وقفص الهرة على المنضدة ، فرمقت الخادمة بشكر قائلة :
سچى....متشكرة جدا لحضرتك وتصبحى على خير

خرجت الخادمة وتجولت سچى بالشقة ، فكانت عبارة عن ثلاث غرف وصالة فسيحة  ومطبخ ومرحاض ، كأنها إحدى الشقق بأفخم البنايات السكنية فى أحد الأحياء الراقية  

ولجت لغرفة النوم تجر حقيبتها ، فوضعتها على الفراش وفتحت سحابها ، وأخذت ثياب لها وذهبت للمرحاض ، أغتسلت بالماء الدافئ ، وخرجت من المرحاض ، فسمعت مواء هرتها ، فأخرجتها من القفص ، فسمعت مواءها المتكرر دليلاً على شعورها بالجوع

فمسدت على فراءها وقالت بحنان :
– مشمشة انتى جعانة انا جبتلك الاكل بتاعك معايا

أخرجت طعام هرتها ، ودلفت للمطبخ لتبحث عن طبق تضع به الطعام  ،فوجدت بالمطبخ كل شئ تحتاجه ، ففكرت لما قاموا ببناء تلك الشقة ، بينما يسكنون بذاك المنزل الفخم ؟

أفرغت الطعام بالطبق ووضعته على الأرض ونادت الهرة :
– أكلك أهو يا روحى تعالى كلى

أقتربت الهرة من الطبق ، وبدأت الأكل بجوع ولهفة وظلت تأكل حتى شعرت بالشبع ، فبعد إنتهاءها قامت سجى بتنظيف المكان ، وشعرت بإرهاق شديد ، فذهبت لغرفة النوم وأستلقت على الفراش ، ظنت أنها لن تستطيع النوم بمكان لم تعتاده من قبل ، ولكن لدهشتها، ولكن لدهشتها عندما وضعت رأسها على الوسادة غفت بسرعة كبيرة لم تكن تحلم بها

بداخل المنزل ، كان كل من أفراد الأسرة ذهب لغرفته ، بينما ظل رائف مسهداً كعادته بالأونة الأخيرة ، فبعد أكتفاءه من الجلوس بغرفة المعيشة ولج لغرفته ، ولكن ظل شبح صورة سجى يطارد عقله ، حتى بات يشعر بالإنزعاج ،فتمدد على فراشه بألم واضح ، وظل ينظر لسقف الغرفة لبضع دقائق ، ولكن حولت بصره لهاتفه الموضوع على الكومود ، فأخذه بدون تردد ووجد أصابعه تجرى على شاشة الهاتف الملساء ، حتى وصل لإسم مايا ، فبضغطة واحدة كان يجرى إتصالاً بها ، ولا يعلم لما يهاتفها خاصة بعد تيقنه من موقفها تجاهه بعد وقوع الحادث

أنتظر بعض الوقت حتى جاءه الرد على الطرف الآخر ، ولكنه سمع أيضاً ، صوت ضوضاء منبعثة من المكان المتواجدة به ، ففكر إنها تقضى إحدى ليالى السمر مع أصدقاءها مثلما هى معتادة

رأت مايا إسمه على شاشة الهاتف ، فتحته ووضعته على أذنها وهى تقول بدهشةٍ :
– رائف

رد رائف قائلاً بسخرية :
– أنتى لسه فكرانى يا مايا ومنستنيش

أزدردت مايا لعابها وقالت بتوتر وإرتباك :
– فى حاجة يا رائف 

شد رائف على الهاتف وهو يقول من بين أسنانه :
–هو حضرتك مش ناسية حاجة يا مايا

حكت مايا جبهتها بطرف سبابتها وتساءلت :
– حاجة ايه دى اللى نسياها ؟ مظنش إن أنا ناسية حاجة

أخذ رائف نفساً عميقاً وقال:
– لاء نسيتى حاجة مهمة نسيتى أن أنا خطيبك يا مايا حتى مفكرتيش تيجى تشوفينى بعد ما خرجت من المستشفى

قالت مايا بتلعثم :
– مما هو ماهو يا رائف أصل

إبتسم رائف بألم وقال بصوت ساخر :
– ماهو ايه يا مايا عايزة تقولى ان اللى بنا خلاص انتهى وان احنا مبقاش ننفع نكمل مع بعض

حاولت مايا البحث عن حجة مناسبة لتقولها ، فقالت بعد هنيهة :
–ما أنت ما شفتش مامتك كانت بتعمل ايه معايا ولا اهلك كانوا بيبصولى ازاى ولا لما مامتك اتهمتنى انى السبب فى اللى انت فيه

أحتد صوته وهو يجيبها :
– وهو مين فعلاً اللى كان السبب فى اللى انا فيه ووصلنى للحالة اللى انا فيها دلوقتى مش انتى برضه يا مايا

صاحت مايا بصوت عالى :
– هو انت كمان هتكلمنى زى مامتك وتتهمنى زيها

–دلوقتى بقت حجتك أمى لكن انا مفرقكش معاكى فى حاجة خالص مجرد واحد تعرفيه حصله ظروف بعدتى عنه مبقاش يلزمك مش كده
قالها رائف بعتاب ولكنه سمع صوت يناديها ،ويبدو أنه صوت شاب ، فإبتسم بسخرية مريرة ، فهى لم تضيع وقتها هباءًا ، فوجدت من سيأخذ مكانه بحياتها ، دون وخز من ضميرها فهى من كانت السبب فى أن يصل لتلك الحالة ، التى صار عليها 

فأكمل حديثه بسخرية :
–شكلك مش فاضية مش هأخرك على أصحابك الظاهر فعلا ان احنا مننفعش لبعض بس انا اللى كنت أعمى مع السلامة يا مايا

قام بإلقاء الهاتف من يده ، وأعتصرت الآلام قلبه، فالفتاة التى كان يظن أنها تبادله حباً بحب ، أتضح أنه لم يكن يعنى لها شئ من البداية ، فمع أول عثرة واجهت هذا الحب الضحل ، تركته يصارع أوجاعه وألالامه وحده ، ويلعق جراحه ويتخذ من الوحدة رفيق له 

فكيف كان أحمق ووقع بحبها ؟ ما الشئ المميز بها الذى جعله يظن انه يحبها ؟ هل انبهر بجمالها وحُسنها؟  فمع كل هذا أتضح أنها لا تملك أى ذرة من الاهتمام بأحد غير نفسها ، فهو علم الآن لما كانت عائلته معلنة رفضها لزواجه منها ، فهم على حق ولكن هو من كان أعمى عن رؤية تلك الحقيقة ، فليبكى هو بمفرده على أطلال الحب الزائف
❈-❈-❈
رنين الهاتف وتلك الذبذبات الصادرة منه ، جعلتها تفتح عيناها ببطئ ، فالهاتف أعلن عن أنه حان وقت صلاة الفجر ، فجلست بالفراش وأغلقت صوت الهاتف ، فتثائبت وتمطت بذراعيها وهى تشعر ببعض الراحة ، فهى نامت منذ أن وضعت رأسها على الوسادة ، حتى استيقظت على صوت تطبيق المؤذن الذى تضعه على هاتفها ، قامت وتوضأت  ، ولكن أصابتها الحيرة بوجهة قبلة الصلاة ، فتذكرت أنها تضع تطبيق على هاتفها ، يوضح لها مكان القبلة اذا كانت بمكان غريب

بدأت صلاتها وبعد الانتهاء منها ، جلست كعادتها لقراءة القرآن الكريم ، حتى أشرقت الشمس ، معلنة عن بدء يوم جديد بحياتها ، ففكرت أن تخرج الى الحديقة ، لتستنشق هواء الصباح الباكر 

فاثناء خروجها لمحت هرتها تخرج خلفها ،فحملتها بين ذراعيها واخذت تمسد على فرائها وتداعبها وهى تقول بصوتها الناعم :
– أنتى عايزة تخرجى تشم هوا مع سچى يا مشمشة

أصدرت الهرة مواءً ، كأنها توافق على حديثها ،  فبينهما حالة من التفاهم ، كون سجى هى من قامت بالعناية بها وتربيتها منذ أن كانت صغيرة ، فوالدتها الحبيبة هى من إبتاعت تلك الهرة من أجلها  

تذكرت سچى والدتها الراحلة ، فأرتمت على المقعد ووضعت وجهها بين يديها وظلت تبكى بصوت مسموع ، فالدموع تنهمر من عينيها كمجرى نهرين ، بكت حتى أكتفت و هدأت قليلاً ، فخرجت لعل الهواء النقى يهدأ من حالتها النفسية ، التى تزداد سوءًا ، كلما نخر عقلها فكرة أنها لن يعد بمقدورها رؤية والدتها الحبيبة

فعندما خرجت وجدت مسبح واسع ، أنعكست أشعة الشمس على صفحة الماء ، فأغرتها على الجلوس على حافته ووضع قدميها به لتشعر ببرودة الماء على أطرافها 

خرج رائف من المنزل ، ليتنزه قليلاً بالحديقة ، فهو يشعر  بالضيق  ولم يستطع النوم البارحة ، بعد تلك المكالمة الهاتفية بينه وبين مايا ، خرج يستند بيده على العصا ، يسير بخطوات بطيئة ومترددة ، وعلامات الألم تعتلى وجهه ، ولكنه عندما رأى تلك الفتاة ، تجلس على حافة المسبح ، وتضع قدميها بالماء ، وترتدى ثوب الصلاة و تشبه الحورية  ، نسى أين كان ذاهباً  فظل ينظر اليها مطولاً ، وعندما شعر بتعب قدميه جلس على أحد المقاعد ، حتى يستطيع أن يراقبها بحرية

– هى بتعمل إيه دى 
قالها رائف وهو يرمقها بتعجب ، فهى تشبه الأطفال وهى تلهو بقدميها فى الماء ، ولكن حدوث ذلك الصوت الذى يشبه صوت المفرقعات جعلها تشعر بالرعب ، فأختل توازنها وسقطت بالمسبح 

عندما رأى رائف ذلك هب واقفا من مكانه ، ووصل إلى المسبح ، فناداها بإصرار ، خشية أن لا تكون ماهرة بالسباحة 

فعاد نداءه المُلح ثانية قائلاً بإهتمام :
–يا آنسة يا أنسة ردى عليا ، انتى كويسة حصلك حاجة

أخرجت سجى رأسها من الماء وهى تشهق بصوت عالى ، فقالت وأنفاسها تكاد تذوب من وجودها تحت الماء :
– أيوة  أيوة ، الحمد لله بس الفرقعة رعبتنى فوقعت

أنحنى بجزعه العلوى قليلاً ومد يده لها قائلاً :
– طب أنتى بتعرفى تعومى ولا هتغرقى ولا ايه ، لو كده هاتى ايدك اطلعك من حمام السباحة

نظرت سجى لكفه الممدود وسرعان ما نظرت له بخجل وقالت :
– لاء خلاص انا هطلع لوحدى انا بعرف اعوم ، بس حضرتك امشى من هنا

إستقام رائف بوقفته وقطب حاجبيه قائلاً بغرابة: 
– امشى ليه يعنى ، هو أنتى مكسوفة تطلعى وأنا واقف ، انتى لابسة إسدال يعنى وعادى ممكن تخرجى

أطلقت سجى زفرة مطولة وقالت بإستحياء : 
– اسدالى مبلول فهيكون لازق عليا ياريت تكون فهمت بقى وتسيبنى وتمشى علشان الماية تلج 

فهم رائف مغزى حديثها ، فشعر بحرج طفيف من قولها ، فقال وهو يدور على عقبيه مغادراً :
– خلاص خلاص أنا ماشى وأخرجى براحتك 

ذهب رائف وخرجت سچى من المسبح ، بعد إطمئنانها لرحيله ، فركضت بسرعة إلى الشقة ، وأغلقت الباب واستندت بظهرها عليه تأخذ انفاسها بقوة ، تحاول إستعادة هدوءها 

ولج رائف  للداخل ، وجدهم قد إستيقظوا من نومهم ، ويستعد كل من والده وأكرم للذهاب إلى مقر عملهما ، فأقتربت منه والدته وقالت بإندهاش :
– أنت كنت فين يا حبيبى

رد رائف قائلاً بفتور :
– كنت زهقان وقمت اتمشى شوية فى الجنينة

أثنى أكرم على فعلته ، فقال باسماً:
– كويس أنك عملت كده أنت فعلاً لازم تحاول تتمشى وتعمل الجلسات علشان تتحسن بسرعة

جلست صفية على مقعدها حول مائدة الطعام ، فنظرت لهدى قائلة :
– هدى أبعتى حد ينادى سچى علشان تفطر معانا

بدأ ماهر تناول طعامه وهو يقول بهدوء:
– هى فين صحيح هى لسه مصحيتش من النوم

وضع رائف عصاه بجانبه ، بعدما جلس على مقعده لتناول إفطاره ، فقال كأن الأمر لا يعنيه :
–  لاء صحيت بس كانت واقعة فى حمام السباحة برا

نظروا له جميعهم وهم يقولون بصوت واحد  :
– إيه

وضع قطعة من الجبن بفمه وقال ببرود :
– اللى سمعتوه شادى افندى فى المعمل وهى كانت قاعدة عند حمام السباحة سمعت فرقعة جامدة شكلها اتخضت وقعت فى حمام السباحة ،روحت اشوفها ليكون جرالها حاجة  او اساعدها انها تطلع قالتلى انها بتعرف تعوم وطلبت منى امشى علشان هى تطلع

سألته والدته بلهفة :
– وبعدين حصلها حاجة هى خرجت من حمام السباحة ولا لسه فيه

مط رائف شفتيه وقال :
– معرفش بس على ما أظن زمانها خرجت منه إلا لو كانت ضحكت عليا بخصوص أنها بتعرف تعوم ، فى الحالة دى هتلاقوها غرقانة برا

فغر أكرم فاه من برود شقيقه قائلاً:
– إيه البرود اللى أنت فيه ده ، ثم اشمعنا يعنى مش هتطلع علشان انت واقف

ردت صفية قائلة:
– علشان يا دكتور لو طلعت هدومها هتكون مبلولة ولازقة عليا وعيب هو يشوفها كده فهمت يا دكتور ولا لاء

قال ماهر بإعجاب :
– البنت دى كل شوية يزيد اعجابى بشخصيتها وأخلاقها وادبها

تركت هدى مقعدها وقالت وهى بطريقها للخارج :
– فعلاً يا ماهر أنا مشفتش أخلاق كده ، أنا هروح اشوفها وأخليها تيجى تفطر  ، وابعتوا حد ينادى شادى اللى كان هيموتلنا البنت بعمايله السودة دى ، اخر العنقود ده ، ده هيشلنى

خرجت هدى من المنزل ومرت بالمسبح ، ولكنها لم تجدها ، فأطمأنت أنها بخير ، وصلت للمبنى الملحق بالحديقة ، وطرقت الباب عدة طرقات ، حتى فتحت سجى الباب ، وجدتها قد أبدلت ثيابها ، وشعر بالإطمئنان كون سجى لم تصاب بمكروه ، فأخذتها معها وعادت للمنزل ، لتتناول معهم طعام الإفطار 

دعتها صفية لتجلس بالمقعد المجاور لها ، فقالت بحنان:
– معلش يا حبيبتى على اللى حصل ، بس شادى كده على طول كل يوم الصبح لازم يعمل فرقعة فى المعمل

تلاحم حاجبى شادى ، فنظر لجدته متسائلاً:
– هو حصل حاجة ولا ايه

رمقته والدته قائلة بإستياء :
– حضرتك سچى اترعبت من صوت الفرقعة ووقعت فى حمام السباحة وكان ممكن يجرالها حاجة

فركت سجى يديها من أسفل المائدة وردت قائلة بخجل :
– خلاص محصلش حاجة يا طنط هدى انا كويسة

نظر لها شادى قائلاً بإعتذار:
– أنا اسف والله على اللى حصل بس انتى بقى اعرفى كل يوم الصبح تصحى على صوت الفرقعة اعتبريها المنبه اللى هيصحيكى الصبح

أرتشف ماهر من قدح القهوة ، فنظر لشادى قائلاً :
– نفسى مرة تعدى تجربة على خير يا شادى 

قهقه شادى وقال :
–مينفعش يابابا لازم احس بالفشل ، علشان لما أنجح مبقاش مصدق نفسى 

إبتسمت سجى بخفة على قوله ، فسألته بصوت منخفض :
– أنت فى كلية ايه

ضم شادى ياقة قميصه قائلاً بفخر مصطنع :
– رايح رابعة كلية علوم قسم كمياء يعنى انا زويل الجاى

إزدادت إبتسامتها إتساعاً وهى تقول بدعاء :
– ربنا يوفقك ان شاء الله

نهض أكرم عن مقعده وداعب شعر شادى وهو يقول :
–  ماشى يا زويل سلام أنا بقى علشان الحق اروح المستشفى

نهض والده هو الآخر ، وأخذ هاتفه قائلاً :
– خدنى معاك خلينى أروح شغلى أنا كمان

أنصرف أكرم ووالده ، وبعد الانتهاء من تناول طعام الإفطار ، ذهب شادى للمعمل ، وجلست سجى برفقة هدى وصفية  ورائف ، والذى ظنت أنه سيذهب لغرفته ، ولكنه ظل جالساً معهن ، على الرغم من عدم مشاركته بالحديث الدائر بينهن 

سمعت سجى رنين هاتفها ، وعندما رأت  إسم من يهاتفها، إبتسمت ابتسامة خفيفة ، واعتذرت منهم وخرجت الى الحديقة ، لتستطيع التحدث بحرية ولكنظل رائف يفكر لما إبتسمت هكذا ؟ ومن هذا الذى يهاتفها بهذا الوقت ؟ فتعجب من كثرة تفكيره أو لما يهمه أمرها إلى هذا الحد ؟

وصلت سجى لإحدى الطاولات الموضوعة بالحديقة ، فسحبت أحد المقاعد وجلست عليه بإرتياح ، بعدما فتحت هاتفها ووضعته على أذنها لتتحدث مع شقيقتها أروى ، فهى من تسأل عنها خلافاً لأبيها الذى تركها بكل سهولة ، كأنه لا يعنيه أمرها 

قالت سجى بصوتها الهادئ :
–أزيك يا أروى عاملة ايه وحشتينى

ردت أروى قائلة بإشتياق لشقيقتها :
– الحمد لله يا حبيبتى ، أنتى كمان وحشانى أوى انتى عاملة ايه دلوقتى ، أنا عرفت من بابا أنك سيبتى البيت وروحتى عند قريبة مامتك

أجابتها سجى بغصة وهى تحاول منع دموعها :
– الحمد لله ، أيوة مشيت وجيت هنا بيت تيتة صفية 

شعرت أروى بنبرة الحزن بصوت شقيقتها ، فقالت بلطف :
– طب خلى بالك من نفسك وطمنينى عليكى يا حبيبتى ، وإن شاء الله أشوفك فى أقرب وقت مع السلامة

مدت سجى أطراف أناملها لتجفف أهدابها ، التى علقت بها الدموع ، فردت قائلة وهى تحاول الابتسام:
– ان شاء الله مع السلامة

أنهت المكالمة وأغمضت عينيها وظلت تزفر أنفاسها بهدوء ، فتركت مكانها ، وعندما إستدارت للخلف ، وجدت رائف يقف على مقربة منها وينظر لها بفضول 

فأرتعدت بخفة وقالت بشعور من الحرج ، كاد يقضى على صوتها :
– فى إيه ، حضرتك عايز منى حاجة ؟

حرك رائف رأسه نفياً ، ولكن ما لبث أن قال بفضول :
– لا أبداً مش عايز منك حاجة ، بس هو انتى كنتى بتكلمى مين على الصبح كده ؟

أنكمشت ملامح وجهها بدهشة وقالت :
– وحضرتك بتسأل ليه ، أو عايز تعرف ليه 

قبض على عصاه بقوة فى حين أنه رد قائلاً ببرود :
– أنا بسأل عادى  ، مش عايزة تقولى براحتك ، أنا افتكرت فى حاجة حصلت أو عندك مشكلة ولا حاجة 

قالت سجى وهى تضم ذراعيها لتوقف إرتجافهما ، الذى لا تعلم له سبباً :
– ماشى عن أذنك ، وشكرا لاهتمامك

تركته واقفاً مكانه فى حين أنها هرولت بخطواتها لتعود للداخل ، كأنها ستراه يركض خلفها ، مع تيقنها من أنه لن يفعل ذلك ، خاصة وهو بحالته تلك ، ولكن هى من ترهب وجودها مع شاب بأى مكان بمفردهما 

رآى خطواتها المسرعة لتتخلص من تلك المسافة ، التى تفصلها عن باب المنزل الكبير ، فإبتسم على فعلتها ، فهى كأنها تحاول الفرار خشية أن يتبعها الوحش ، ولكن لا يوجد أحد هنا غيره ، فحتى وإن كان يتمتع بكامل قواه وصحته البدنية ، فهو لن يقدم على فعل شئ يجعلها تخشى أو تخاف وجودها معه بمكان واحد 
❈-❈-❈
أرادت ريهام الإطمئنان على أحوال سجى ، خاصة بعد إنتقالها لتعيش بمنزل أقارب والدتها ، فهى لم تراها منذ ذلك اليوم ، الذى علمت به إنها ستترك منزل والدتها ، أغلقت باب غرفتها ، لتمنع عنها تلك الأصوات القادمة من الخارج ، فعلى الرغم من علمها بأن أحد الشباب سيتقدم لخطبتها اليوم ، إلا أنها لم تعر الأمر أى إهتمام من جانبها ، فمحاولة والدتها المستميتة لزواجها ، دائماً ماتجعلها هى تبوء بالفشل

وضعت الهاتف على أذنها ، وبعد أن فتحت سجى هاتفها ، أسرعت القول بعتاب الأصدقاء :
–السلام عليكم ،ايه يا بنتى فينك كده مبتسأليش عليا ليه يخونك العيش والشاورما اللى بناكلهم مع بعض


أجابتها سجى بعتاب هى الأخرى 
– وعليكم السلام ، وأنتى مسألتيش ليه يا أختى عنى ، دا أنتى آخر مرة شوفتك فيها قبل ما أمشى من بيتنا بشوية

ضحكت ريهام وهى تقول بجدية مزيفة :
– اصلى حضرتك مش فاضية اليومين دول ، ورايا مشغوليات كتير 

قالت سجى متسائلة :
– ورا حضرتك ايه يعنى اهم منى ؟

قهقهت ريهام وسرعان ما قالت بصوت منخفض:
– بطفش العرسان اللى بييجوا وماما نفسها ومنى عينيها تجوزنى وتخلص منى

ضحكت سجى على قولها وقالت ممازحة :
– وهما بييجوا بكامل ارادتهم وقواهم العقلية يا ريهام

رفعت ريهام حاجبيها وفغرت فاها ، فقالت بخشونة :
– فهمت قصدك يا سچى بس أما اشوفك حاضر هوريكى

ردت سجى قائلة بحب :
–والله انتى وحشتينى اوى يا ريهام

تحول صوت ريهام لرقته ونعومته المعهودة وقالت :
–طب ما تيجى تقعدى معايا شوية اهو نتكلم تحكيلى على الناس اللى انتى عايشة معاهم اعرف اخبارك ايه

أسرعت سجى قائلة:
– أنا هنكسف أطلب منهم أخرج

– يا سلام يعنى هتفضلى حابسة نفسك فى البيت كده ، ومش هتخرجى 
قالت ريهام بتعجب من قولها ، إلا أن سجى أجابتها بهدوء مع علمها بأنها ستشعر حقاً بالخجل لطلب الخروج من المنزل ، إلا أنها إستمعت لها وهى تقول بلكنة صوتها الناعمة :
– خلاص هكلم طنط هدى وتيتة صفية واقولهم بس شوية كدة

رفعت ريهام شعرها خلف أذنها وردت قائلة :
– ماشى يا قمرى سلام 

ما كادت تنهى المكالمة مع سجى ، حتى وجدت باب غرفتها يفتح على مصراعيه ، تصيح والدتها بها ، من أجل أن تسرع بالإستعداد لمقابلة ذاك العريس المنتظر :
–ايه يا حبيبتى مش هتقومى تجهزى علشان العريس زمانه جاى

نهضت ريهام من على الفراش ووضعت ذراعها حول كتف والدتها وقالت وهى  مقطبة الجبين :
– هو انا بقيت أكل كتير يا ماما عايزة تسربينى ، ما قولتلك مش عايزة اتجوز قبل ما اخلص دراسة

صفعت والدتها ظاهر يدها بخفة وقالت :
– أسربك ايه يا ريهام هو انتى قطة ، يا حبيبتى انتى خلاص فاضل ليكى السنة دى يعنى لو حصل نصيب هتتخطبى وهتتجوزى لما تخلصى دراسة

وضعت ريهام يديها بخصرها وتساءلت :
– وبابا رأيه إيه بقى فى الموضوع ده يا ست ماما

جذبتها والدتها من مرفقها ، حتى وصلت أمام خزانة ثيابها ، ففتحتها تنتقى لها ثوب ، وقالت وهى تجيل ببصرها بين أكوام ثيابها :
– أنتى عارفة باباكى مش هيغصب عليكى فى حاجة

تناولت ثوب باللون الأصفر ، علمت أنه سيزيد وجه إبنتها بهاءًا ، فأخذته منها ريهام وهى تقول بقلة حيلة:
– حاضر يا ماما اما اشوف اخرتها ايه 

خرجت والدتها من الغرفة ، بعد سماعها صوت زوجها يناديها ،  بعد حضور العريس المنتظر ووالدته ، فرحبت بقدومهما وجلسوا يتحدثون لحين خروج ريهام من غرفتها ، فما أن خرجت ووقع بصرها على ذلك الشاب الجالس بجانب أبيها ، حتى أحتلت الصدمة وجهها ، وفغرت فاها يكاد يتدلى للأرض ، فهو يرتدى سروال يكاد يسقط من حول خصره ، ويرفع خصيلات شعره الكثيفة بشكل هرمى ، ويضع حول عنقه العديد من القلادات ، فلا ينقصه سوى أن يضع علكة بفمه 

جلست ريهام بجانب والدتها ، التى راحت تبتسم بتوتر لعلمها بما تشعر به إبنتها وبما يدور بخلدها الآن ، فهى أيضاً لم تشعر بالراحة لرؤية هذا الشاب والذى يبدو عليه أنه عابثاً

فأدنت ريهام برأسها من والدتها وهمست بإستياء :
– ايه ده يا ماما ، على آخر الزمن اتجوز واحد سيس زى ده

شدت والدتها على يدها وهى ترجوها أن لا تنفعل بحديثها ، فقالت بصدق :
– والله ما كنت اعرف انه كده يا بنتى انا اتفاجأت زيك ، بس بلاش تعلى صوتك وتتكلمى مش عايزين فضايح

ظلت والدة العريس تنظر لريهام بتمعن ، فتبسمت لها قائلة :
– ازيك يا عروسة ، بسم الله ماشاء الله زى القمر

ردت ريهام بهدوء :
– الحمد لله ، تسلمى يا طنط على ذوقك

تحسس العريس شعره ، كأنه يطمأن أنه مازال كما أتم تصفيفه  ، فنظر لريهام وإبتسم إبتسامة عريضة ، جعلتها تنظر له بإستغراب ، فحمحم قائلاً:
– وأنتى فى سنة كام يا أبلة

رفعت ريهام حاجبيها قائلة وهى تحاول كتم شهقات التعجب :
– أبلة أنا أبلة والله يا حمادة أنا هبقى دكتورة علاج طبيعى  ان شاء الله

نظر إليها أبيها متسائلاً:
– أنتى عرفتى إسمه منين ، هو أنتى شوفتيه قبل كده

فاتها ما يلمح إليه أبيها ، فضيقت عينيها وتساءلت :
– أعرفه ازاى يعنى يا بابا مش فاهمة 

مالت إليها والدتها وقالت بهمس :
– علشان هو إسمه حماده فعلاً

عند هذا الحد ولم تعد ريهام قادرة على أن تسيطر على ضحكتها ، التى خرجت منها بصوت عالى ، فقالت وهى مازالت ضاحكة :
– لا والله فعلاً دا أنا بتريق بجد اسمه حماده ؟

أمتعضت والدة العريس من قولها ، فتشدقت بقولها :
– بتتريقى على ايه يا حبيبتى ان شاء الله

أنحنى العريس قليلاً للأمام وأشاح بيده وهو يقول :
– فى ايه يا أبلة مالك

وضعت ريهام يدها على فمها ، ولكن سرعان ما أزاحتها وقالت بجدية :
– أبلة تانى بقولك إيه وأنت عامل زى الديك الشركسى كده خد امك ويلا امشوا من هنا معندناش بنات للجواز

صاح بها أبيها معنفاً إياها :
– عيب كده يا ريهام ميصحش

تركت ريهام مقعدها وهى تحاول أن تتحدث بهدوء قدر إمكانها :
–عيب ايه يا بابا أنا أتجوز واحد مسقط بنطلونه ولابس سلاسل حوالين رقبته دا يبقى حتى خسارة تربيتكم فيا

نهضت والدة العريس ، ووكزته بكتفه لينهض هو الأخر ، فقالت بإستياء واضح:
– براحتك يا حبيبتى العرايس على قفا من يشيل 

نهض العريس وهو يعدل هندامه ، ونظر لريهام قائلاً بغيظ :
– يلا بينا من هنا 

صفقت ريهام بيديها ، تثنى على قوله وقالت :
– يا زين ما هتعمل والله ،  مع أن شكلك مسلى والله ، بس أنا حاليا مش فاضية

قبضت والدتها على ذراعها وعنفتها على سوء سلوكها وهى تقول بغضب:
– بس بقى اسكتى يا ريهام عيب كده

بعد خروج العريس ووالدته ، وهما يتأكلهما الغيظ من سلوك ريهام الساخر والفج بمعاملتها لهما ، نظرت لوالديها وبالأخص لوالدتها وهى تقول بإنزعاج :
– ايه العرسان العاهات دى يا ماما

أقترب منها أبيها وأخذها بين ذراعيه مربتاً عليها بحنان ، فرد قائلاً بصوته الحانى :
– أهو راح لحاله خلاص يا بنتى ، بس مكنش يصح عمايلك دى

رفعت ريهام رأسها عن صدر أبيها وهى تقول بندم :
– عارفة أن غلطت ، بس مقدرتش أستحمل الصراحة 

فشخصت ببصرها لوالدتها وهى مستطردة برجاء :
– أرجوكى يا ماما أنا مش عايزة أشوف أشكال زى دى تانى ماشى

تنهدت والدتها وردت قائلة بهدوء:
– ربنا يكتبلك اللى فيه الخير يا بنتى

قبلت ريهام أبيها ، ووضعت قبلة حنونة على وجنة والدتها وقالت مبتسمة :
– أيوة كده سبتى الدعاء ده قال حمادة قال ما هو ده اللى ناقص دا أنا أعنس اكرملى

ولجت غرفتها بعد أن قالت ما لديها ، فهى حتى الآن لم تجد من يستهويها ويستميل قلبها ، فتلك الصفات والشروط التى وضعتها لزوجها المستقبلى ، لم تجد أى منها بكل من قابلتهم حتى الآن ، فمتى سيتحقق مرادها وتعثر على الزوج المناسب ، أم هى خيالية أكثر من اللازم ، لظنها أنها ستجد ذلك الفارس الشجاع ، الذى قرأت عنه بالقصص والأساطير الخيالية 
❈-❈-❈
صاح حامد بأوامره للعاملين لديه ، حتى لا يتراخوا بعملهم ، ويسرعون فى إنهاء قطع الأثاث ، التى من المفترض تسليمها بالغد لأحد المتاجر الخاصة ببيع الأثاث ، فهو عندما يوليهم ظهره يتكاسلوا بعملهم ، وكم من مرة قدم إعتذاره لعملاءه بسبب التأخير فى تسليم ما تم التوصية عليه من قطع الأثاث الخشبية 

أقترب منهم تلك المرة وصرخ بهم بحزم :
– ما تخلص بقى يا ابنى انت وهو هنفضل طول النهار فى اللى احنا فيه ده شدوا حيلكم شوية ميعاد التسليم قرب مش عايزين حد ياكل وشنا

أثناء إستدارته للخلف ، وجد زوجته تقف بالخارج ، فإبتسمت له دلالة على أنها تريده بأمر هام ، فخرج إليها قائلاً بقلق :
– فادية أنتى إيه اللى جابك هنا

رفعت فادية يدها اليمنى وربتت على كتفه قائلة :
– جيت عايزة فلوس علشان اشترى شوية حاجات من السوق

عقد حامد حاجبيه متسائلاً:
– هو مصروف الشهر اللى بديه ليكى خلص ؟

لوت ثغرها يميناً ويساراً قائلة بإمتعاض :
– أنت شايف الاسعار مولعة ازاى وكل حاجة بقت غالية اوى ولا انت مش عايش فى الدنيا يا حامد

أقحم يده بجيب سرواله وأخرج حفنة من النقود وهو يقول:
– ماشى يا ستى خلاص انا مش عارف بتصرفى الفلوس دى كلها فى ايه

أخذت منه النقود ووضعتها بجزدانها الجلدى قائلة وهى تعمل على إغلاقه بحرص :
– أنت محسسنى إن أنا بسرقك يا راجل ما كله فى بيتك هو أنا يعنى بصرف على الفاضى ولا أنت مخونى

صمت حامد فلم يشأ أن يرد جواباً على قولها ، فعادت تكمل حديثها بفضول :
– صحيح إيه أخبار الست الدكتورة بنتك بقالى شوية مسمعتش عنها حاجة

دلك حامد عنقه وهو يقول بإرهاق :
–من ساعة ما راحت بيت خالة نعمة مشوفتهاش

أصدرت صوتاً متأسفاً وهى تقول بوداعة زائفة :
– ما تبقى تيجى نروح نشوفها ونطمن عليها هى بنتك برضه يا حامد

قطب حامد حاجبيه ، يشعر بالدهشة من حنانها ووداعتها المفاجئة فقال :
– وده من امتى  بقى انتى يا فادية عايزة تروحى تشوفى سچى وتطمنى عليها دا اكيد القيامة هتقوم

شهقت فادية شهقة سوقية ولكن بصوت منخفض ، حريصة على ألا يسمعها أحد وهى تقول :
– وفيها ايه دى يعنى هى برضه بنتك وانت لازم تطمن عليها ، و تصدق أنا غلطانة هو أنت مفيش حاجة عجباك خالص يا راجل أنت

علم لما هى تصر على زيارته لإبنته ، لكى ترافقه وتعلم أين تعيش سجى ، فهى منذ علمها بشأن ثراء أقارب نعمة وهى لم يهدأ لها بال

فأدنى رأسه منها قائلاً :
– من امتى الاهتمام ده كله بسچى ،مش عليا الشويتين دول يا فادية انا عارف عايزة تروحى تشوفى الناس اللى سچى عايشة عندهم مش كده برضه ،ياريت تحاولى تطلعى سچى من دماغك يا فادية 

بإكتشافه حقيقة إلحاحها ، تجهمت ملامحها ونظرت له بإستياء واضح قائلة وهى تكز على أنيابها :
– أنا همشى ومش هرد عليك ، علشان الكلام معاك خسارة يا حامد سلام

رفع يده يلوح لها قائلاً بإستفزاز :
– مع السلامة يا فادية 

ذهبت فادية بطريقها ، وعاد حامد الى عمله ثانية ، ولكنه ظل  يفكر أن فادية لم تكتفى بما حدث لنعمة ، بل أنها تبحث الآن عما سيسبب الضيق لسجى ، فأحياناً كثيرة يفكر فيما فعله بداية من زواجه منها وغض الطرف عن أفعالها بحق زوجته الأولى وإبنته ، فهى دائماً كانت تستطيع إلهاءه عن التفكير بالأمر ، كأنها تقيد قلبه وعقله بقيود من السحر 
❈-❈-❈
مر أسبوع بأكمله وهى مقيمة بالمنزل ، فهى تقضى نهارها برفقة هدى وصفية ، وبالمساء تجتمع الأسرة كاملة بجلسات السمر بالحديقة أو بالصالة ، فخلال تلك المدة القصيرة ، شعرت بمحبة الجميع لها ، فهم يعاملونها على أنها أحد أفراد الأسرة ، فصارت تكن لهم كل الحب والمودة ، ولكن فرد واحد منهم تشعر بمضايقاته لها ، ولم يكن أحد سوى رائف ، الذى يتعمد مضايقتها وإغاظتها ، بل أنها أحياناً تشعر بكرهه لها ، والذى لا تعلم له سبباً ، فكل جلسة يكون متواجداً بها ، يجعلها تجلس بصمت ولا تفه بكلمة ، خشية أن يعقب على حديثها ، أو أن يستهين بحديثها ، فهو لا يجعل أى ليلة تمر بسلام 

أصابها الملل فقررت أن تسأل صفية عن إذا كان بإمكانها الخروج لزيارة صديقتها ريهام ، ولكن كلما حاولت فتح فمها تعود وتغلقه ، خاصة وأن رائف جالس ينظر لها ببرود مزعج

شعرت صفية بإرتباكها ، كأنها تخشى قول ما لديها ، فشدت على يديها وقالت بتشحيع :
– فى حاجة يا حبيبتى حاسة انك عايزة تقولى حاجة ، قولى متخافيش

إبتسمت سجى بتوتر وقالت بخجل :
– كنت عايزة استأذن حضرتك إن أنا أخرج أزور واحدة صاحبتى

رد رائف قائلاً بإندفاع ورعونة :
– صاحبتك مين دى بقى ان شاء الله اللى عايزة تروحى تزوريها

نظرت له سچى  والجالسين بإندهاش ، خاصة وأن صوته خرج حاداً ، كأنها قالت شئ لا يصح ،  حتى أنه هو تعجب من إندفاعه وتسرعه بالسؤال عن من تكون صديقتها تلك التى تنوى زيارتها 

فكزت سجى على أسنانها قائلة بغضب طفيف:
– دى صاحبتى ريهام ومعايا فى الكلية ، عندك مشكلة يا أستاذ رائف أن أزورها 

صمت رائف ولم يكلف نفسه عناء الرد عليها ، ولكن قالت هدى بود :
– لو عايزة ممكن تقوليلها تجيلك هنا يا حبيبتى ، البيت مفتوح لأى حد عايز يزورك

مسحت صفية بيدها على رأس سجى وهى تقول بحنان :
–خلاص يا هدى لو عايزة تخرج مفيش مانع ، احنا مش هنحبسها فى البيت ، هى من ساعة ما جت وهى مخرجتش من البيت خالص ، ماشى يا حبيبتى هخلى السواق يوصلك ويستناكى ويرجعك هنا تانى

ردت سجى قائلة برفض :
– ملوش لزوم يا تيتة  أنا هاخد تاكسى

أبدت هدى رفضها لقول سجى ، فقالت بإصرار :
–لاء طبعاً زى ما ماما قالتلك السواق يوصلك ويجيبك

أمام إصرارهما ، ردت سجى قائلة بطاعة :
– زى ما حضرتك تحبى عن اذنكم علشان اجهز نفسى علشان الحق أروح وأرجع بدرى

تركت مكانها وأسرعت الخطى بالخروج من المنزل ، وصلت للشقة التى تقطنها ، فأبدلت ثيابها وأخذت حقيبتها وهاتفها ، فتحت الباب ، ولكن ما أن وضعت قدميها خارج الشقة ، وجدت رائف جالساً على أحد المقاعد المصفوفة بالحديقة ، أرادت تجاهله وأن تكمل بطريقها

إلا أنه إستوقفها وهو يقول بما يشبه الأمر:
–ياريت ما تتأخريش برا أو القعدة تاخدك وتنسى نفسك

فهى لم يكن بنيتها الرد عليه ، ولكن هو من يسعى لإخراج أسوء طباعها ، فدارت على عقبيها وهى تهتف به بحدة :
– هو حضرتك فى حاجة ؟ أنت عندك مشكلة معايا يعنى ؟اصل سورى فى الكلام يعنى بتتكلم كأنك ولى أمرى أو كأن أنا شغالة عندك وأنا معرفش 

مد ساقيه الطويلتين قليلاً نظراً لشعوره بالألم ، فرد قائلاً ببرود :
– مش عاجبك كلامى يا أنسة سجى

زفرت سجى وهى تغلق عينيها ، ريثما تستعيد هدوءها بعد تلك العاصفة من الغضب ، التى أغارت بصدرها من حديثه معها ، فقالت بعدما فتحت عيناها تنظر للأشجار خلفه ، فهى لن تجرؤ على النظر إليه وجهها لوجه :
– أنا مستغربة الصراحة هو اللى له حق يقولى كده جدتك بحكم أن ماما موصياها عليها بس اللى مش قادرة افهمه الكلام اللى انت بتقولهولى أنك تسألنى مين صاحبتى وإن أنا متأخرش والكلام ده ، ليه ده كله عايزة أعرف

أشاح بنظره عنها وهو يقول:
– عادى يعنى أنتى عايشة هنا والبيت ده له احترامه مش سايبة تدخلى وتخرجى على مزاجك

فعرت سجى فمها وقالت مشدوهة :
– وأنا بقى اللى هضيع احترام البيت

غمغم رائف بصوت منخفض :
– أنا مقولتش كده ، متفهميش كلامى غلط

أخذت سجى بكفيها يمنى ويسرى وهى تقول بعدم فهم :
– طب أنت قولت ايه دلوقتى ، ومعنى كلامك إيه ، ليه حاسة إن أنا  من ساعة ما جيت هنا وانت مضايق من وجودى ، كأنك مش طايقنى أقعد هنا ،  لو أنت فعلاً مضايق من وجودى هقول لجدتك وامشى من هنا علشان حضرتك متضايقش

لعن غباءه على إلتماع تلك الدموع بعينيها ، إلا أنه حاول الحفاظ على هدوءه قدر إستطاعته ، فرد قائلاً:
– وأنا إيه اللى هيضايقنى فى وجودك هنا أنتى زيك زى أى حد هنا عادى يعنى

لم تجد جدوى من الحديث معه ، فأستعدت للمغادرة وهى تقول بتجهم :
–ماشى عن أذنك بقى علشان متأخرش وألحق أرجع بدرى قبل ما حضرتك تقفل البوابة ، وأبات فى الشارع

إبتسم على الشق الأخير من عبارتها قائلاً :
– بس مش انا اللى بقفل البوابة ، البواب هو اللى بيقفلها

لا يعلم لما اصبحت متعته الوحيدة بتلك الأيام ، أن يضايقها وأن يصل بها لحافة صبرها ، ويرى إلتماع عينيها كالهررة المتوحشة ، خاصة وأن وجهها يصطبغ باللون الأحمر وتتوهج وجنتيها من فرط سريان دماء الغضب بهما ، فقبل مجيئها لم يجد ما يشغله عن التفكير بما أصابه ، ولكن الأن صارت أيامه تحمل بهجة تمثلت بشجاره اللطيف معها ،والذى تيقن من أنها ربما وصل بها الحال لأن تشعر بالكراهية نحوه

قبل إبتعادها لمحت سجى مجئ شخص تعرفه جيداً ، فهو لم يكن سوى ذلك الطبيب المدعو يوسف ، فتعجبت من وجوده هنا بالمنزل ، وظلت تسأل بقرارة نفسها عن سبب قدومه لهنا بهذا الوقت أو لما أتى الى هنا ؟

فقالت بصوت هامس :
– دكتور يوسف

أقترب يوسف من رائف ، ولم ينتبه على وجود سجى ، فإبتسم لرائف قائلاً بهدوء:
– أزيك يا رائف عامل إيه النهاردة

رد رائف قائلاً بفتور وملل :
– الحمد لله تمام يا دكتور نحمد ربنا 

تحولت إبتسامة يوسف التى ملأت وجهه ، لشعور عارم بالدهشة والصدمة ، عندما أنتبه على وجود سجى ، فنظر إليها متسائلاً :
– سچى انتى بتعملى ايه هنا ؟

يتبع...