رواية لا أحد سواك رائفي- بقلم الكاتبة سماح نجيب- الفصل الخامس
رواية لا أحد سواك رائفي بقلم الكاتبة سماح نجيب
تعريف الرواية...
دائماً ما تأتينا المنحة من قلب المحنة ، فأحياناً كثيرة ننظر للإبتلاء على أنه نهاية العالم ، ولكن ربما يجعل الله إبتلائك سبباً لسعادتك ، ويمنحك ما كنت تبحث عنه طويلاً وسط الزحام
لم يكن فارس أحلامها سوى أعرج وسيم ، وقع له حادث أدى لفقدانه الثقة بكل من حوله ، فهو لا يريد أن يكون عبئاً على أحد ، ولكن كيف سيجعل قلبه يطيعه بألا يقع بعشقها ؟ فلم يجد سوى أن يحاول إخراجها عن طورها بأفعاله ، لعلها تترك المنزل وترحل عنه
ولكن قد فات الأوان ، فعشقه أحتل قلبها ، وجعل كل نبضة من نبضاته تهتف بإسمه ، حتى باتت تنشد منه أن يرحم قلبها وحبها ، حتى أعلنتها صريحة بأن يرأف بها
فماذا سيحدث بين عاشقة لا ترى غيره فارسها ، وعاشق فقد الثقة حتى بنفسه ؟
تصنيف الرواية ....
إجتماعى _ رومانسى _ كوميدى _ دراما
السرد ....
باللغة العربية الفصحى
الحوار......
عامى باللهجة المصرية
❈-❈-❈
الفصل الخامس
٥–" تخشى أوان الرحيل"
ذلك السعال الذى أدركها ، جعلها تنتظر حتى تستعيد أنفاسها ، التى شعرت أنها على وشك الانتهاء ، فكسا إحمرار طفيف وجهها ، وهى تحاول إلتقاط أنفاسها وسط إجتياح السعال لرئتيها ، فظلت يد عزة تربت على كتفيها ، لتجعلها تكف عن الحديث ، إذا كان سيتسبب لها بالشعور بالتعب ، فمدت يدها لها بكوب الماء ، الذى رأته أنه ربما هو الأنسب بهذا الوقت ، فأرتشفت نعمة منه ما أمكنها وهنها من فعل ذلك ، وشفتيها تردد عبارات الشكر والحمد بصوت هامس ، بعد أن رأت أنها نالت ما يكفيها من الصمت ، حتى مرت إحدى عواصف الألم ، التى تجتاحها بين الحين والآخر
ربتت على يد رفيقتها وهى تقول :
– ده عنوان خالتى يا عزة
قطبت عزة حاجبيها بغرابة وقالت :
– خالتك مين دى أنتى عمرك ما جبتيلى سيرة عنها
قالت نعمة وهى تتذكر شقيقة والدتها ، التى أنقطعت حبال الود بينها منذ زمن :
– دى خالتى صفية تبقى أخت امى ، دى خالتى الوحيدة كانت متجوزة تاجر غنى أوى بس بعد أمى ما ماتت الدنيا لهتنى والعلاقات بينا اتقطعت
أماءت عزة برأسها دليلاً على فهمها بما قالته نعمة ، فعادت لسؤالها وقالت :
– وأنتى عيزاها ليه دلوقتى يا نعمة
أسدلت نعمة جفنيها بتعب ، ولكن سرعان ما فتحت عينيها وقالت :
– روحيلها بس وقوليلها نعمة بنت اختك عايزة تشوفك ضرورى بس بسرعة يا عزة مفيش وقت الله يباركلك
تتابعت حركات رأس عزة وهى تقول :
– حاضر يا حبيبتى هروحلها حاضر من عنيا الاتنين
أثناء حديثهما ، عادت سچى من المرحاض ، ورأت والدتها تتحدث مع جارتهما عزة ، فأقتربت منهما وهى تلقى التحية بإبتسامة هادئة :
– أزيك يا طنط عزة عاملة ايه
إستدارت لها عزة ، وقبلتها على وجنتيها وهى تقول
– الحمد لله وأزيك انتى يا حبيبتى عاملة ايه
أمتزج الحزن بصوتها الرقيق وهى تجيبها :
– الحمد لله نحمد ربنا على كل حال
رفعت عزة الحقائب البلاستيكية ، التى جلبتها معها وناولتها إياها ، فهتفت بها بود :
– أنا جبتلك أكل يا حبيبتى وشوية حاجات مع الاكل ولو عايزة حاجة تانى قوليلى أجبهالك الزيارة الجاية
قالت سجى وهى تأخذها منها بإستحياء :
– تسلمى يا طنط عزة بس ليه تتعبى نفسك فى أكل كتير أوى هنا
مسدت عزة على ذراعها برفق وهى تقول:
– لازم تأكلى يا حبيبتى أنتى ضعفانة خالص وكمان باين على وشك الارهاق والتعب وكده مينفعش لازم تاخدى بالك من نفسك علشان تقدرى تاخدى بالك من مامتك
تبسمت سجى بوهن ، وأنهار الحزن بعينيها تزيد من تدفق الدموع بمقلتيها ، فخفضت وجهها أرضاً وقالت بصوت متحشرج :
– إن شاء الله هاكل وتسلمى على وقفتك معانا يا طنط عزة
نهرتها عزة برفق وقالت :
– متقوليش كده دا ربنا يعلم أن أمك عندى أكتر من الأخت كمان أنا همشى دلوقتى عايزة حاجة تانية يا نعمة
أخذت نعمة نفساً عميقاً قبل أن تقول :
–سلامتك ومتنسيش اللى قولتلك عليه ياعزة
أماءت عزة برأسها وهى تبتسم بوجهها فقالت قبل أن تغادر :
– من عينيا حاضر سلام عليكم
فأجابت سجى ونعمة قائلتان :
– وعليكم السلام
غادرت عزة فظلت سجى تنظر لأثرها ، فبعد أن غابت عن عينيها ، عادت تنظر لوالدتها ، وجدتها تغمض عينيها تمهيداً لأخذها غفوة قصيرة ، فهى كانت على وشك سؤالها ، عن ذلك الأمر ، الذى أخبرت جارتهما به ، ولكنها عادت وألجمت سؤالها وفضولها ، فالوقت ليس مناسباً ، فنظرت للحقائب التى بيدها ، وهى تزفر بخفوت ، فهى لم تعد تملك شهية للطعام ، فما تراه هنا وتسمعه من صرخات الألم والوجع للمرضى ، جعل جيوش الخوف تزحف بكثرة ، حتى أحتلت أوردتها وقلبها ، وأعلنوا راية الرهبة من أن تستيقظ يوماً ، تجد والدتها الحبيبة ، قد أرتحلت عن هذا العالم ، تاركة إياها وحيدة ، كغريقة وسط أمواج هائجة وهى لا تجيد السباحة بها
❈-❈-❈
أنتبهت عزة لقول السائق وهو يخبرها بأنهما وصلا لذلك المنزل ، الذى كانت تريد منه إيصالها إليه ، ففتحت جزدانها الأسود وأخرجت منه النقود وناولتها له شاكرة إياه على صنيعه ، فترجلت من سيارة الأجرة وهى تنظر حولها بإندهاش ، فالمنزل فخم للغاية ، فما علاقة نعمة بهؤلاء الناس ، وإلى أى مدى تصل علاقتها بهم ؟
لم يكن لديها الوقت الكافى لتسترسل بأفكارها ، فأقتربت من حارس البوابة الحديدية وهى تقول بهدوء :
–سلام علي عليكم لو سمحت كنت عايزة اقابل الست صفية ضرورى
وضع الحارس كوب الشاى من يده وهب واقفاً وسألها :
– الست صفية وعوزاها ليه
أجابته عزة بهدوء مبتسمة كما يقتضيها الأمر :
–عيزاها ضرورى الله يخليك قولها انى عوزاها ضرورى وبسرعة
ولج الحارس للداخل وأشار لها بأن تتبعه وهو يقول:
–ثوانى ابلغ الشغالة تقولها إستنينى هنا
ذهب لحارس لاخبار الخادمة التى تعمل بالمنزل ، أن هناك سيدة تريد مقابلة السيدة صفية على وجه السرعة ، فقطبت الخادمة جبينها وتدعى أم سيد وقالت متسائلة :
–خير فى ايه ومين دى اللى عايزة الست صفية
حرك الحارس كتفيه دلالة على جهله بالأمر الذى تريد به الزائرة سيدة المنزل الأولى:
–معرفش أنا أول مرة اشوفها بس هى مصرة تقابل الست صفية ضرورى
أماءت الخادمة برأسها وقالت بتفهم :
– طب استنى اسألها واقولك
ذهبت الخادمة لاخبار صفية بما قاله لها الحارس ، فبسماع صفية لقولها تعجبت قليلاً ، فمن تكون تلك السيدة التى تريدها بشأن أمر هام ، إلا أنها قالت برصانة :
–واحدة مين دى واسمها ايه ؟ خليها تتفضل يا ام سيد اما اشوف مين دى وعيزانى فى إيه
دلفت عزة من الباب الداخلى للمنزل ، فسارت بإستحياء ولا تنفك عن النظر حولها بشئ من الدهشة ، تخشى أن تكون أخطأت بالعنوان الذى أعطته لها نعمة ، إلا أنها أرتعدت بخفة بعد سماعها صفية تقول لها بترحيب وود :
– أتفضلى حضرتك كنت عيزانى فى ايه ؟
أزدردت عزة ما أمكنها من لعابها وهى ترد قائلة :
–هو حضرتك ليكى بنت اخت اسمها نعمة
بسماع صفية لإسم إبنة شقيقتها ، نهضت من مكانها وهى تقول بلهفة :
–ايوة مالها نعمة فيها ايه
ردت عزة قائلة بآسى ، تحاول منع إنسكاب دموعها على إتيانها لذكر ما اصاب صديقتها :
–نعمة تعبانة اوى فى المستشفى وطالبة تشوفك بسرعة
أنتقلت لصفية عدوى الحزن والأسى بسماع ما قالته عزة ، فدبت على صدرها قائلة بخوف :
–يا حبيبتى هى مالها هى بقالها زمن مختفية ومعرفش عنها حاجة وايه اللى جرالها
لم تفلح عزة تلك المرة فى منع أدمعها التى ترقرقت بعينيها وهى تقول بصوت متحشرج :
–عندما مرض خطير وتعبانة أوى وطلبت منى انى اجيلك ابلغك انها عايزة تشوفك فى المستشفى
أقتربت صفية من عزة وشدت على يديها وهى تقول بما يشبه الرجاء:
–طب لو سمحتى ودينى ليها هى فى مستشفى ايه
–هى فى مستشفى للاورام
قالتها عزة تشعر بثقل إسم المستشفى على لسانها ، فلم تتوانى صفية عن إخبار الخادمة بأن تجعل السائق ينتظرها ليقلها لتلك المشفى الراقدة بها إبنة شقيقتها ، فقطعت السيارة الفارهة المسافة بوقت لا يذكر ، وجاورت عزة تلك السيدة الطيبة والتى لم يفتأ لسانها بذكر الله وأن ترى إبنة شقيقتها بأفضل حال
فبذلك الوقت كانت نعمة غافية بفراشها ، ويرجع ذلك لأثر تلك العقاقير الطبية ، التى يحقنها بها الطبيب ، للتخفيف من ألامها التى تشتد من وقت لأخر
فأقتربت عزة من الفراش وربتت على كتفها بحنو بالغ وهى تناديها :
–نعمة نعمة اصحى يا حبيبتى ، انا روحت لخالتك وهى جت معايا اهى
لم تمهل صفية نفسها ثانية أخرى ، إذ أقتربت من الفراش هى الأخرى ، وانحنت تقبل نعمة بحنان وتمسد على رأسها وهى تقول بعتاب:
–حبيبتى الف سلامة عليكى ليه مقولتليش من زمان ليه كنتى مختفية الوقت ده كله يا نعمة
وضعت نعمة كفيها على يد خالتها ، كأنها وجدت حبل نجاتها فقالت :
–الحمد لله انك جيتى يا خالتى
محت صفية تلك الدموع التى خانتها وهى تحاول الابتسام:
–أنا هنقلك من هنا هوديكى مستشفى أحسن من دى ليه يا نعمة متعرفنيش إلا دلوقتى ليه اخبارك اتقطعت عنى بعد موت امك
ردت نعمة بصوت مرهق :
– ماتزعليش منى كله نصيب يا خالتى
عادت صفية تربت على صدر نعمة وهى تقول بصوتها الحانى :
–خلاص متتعبيش نفسك بالكلام ارتاحى يا حبيبتى ، أنا هكلم أكرم حفيدى يبعت عربية اسعاف تنقلك من هنا بسرعة هوديكى احسن مستشفى
وقفت سچى تتابع الحديث الدائر بين والدتها وبين تلك السيدة العجوز الطيبة ، وهى لا تفقه شئ مما يحدث ، فهى على علم ودراية بأن لوالدتها خالة ثرية ، ولكنها لم تراها من قبل بل كانت تسمع عنها فقط
ولكن سمعت والدتها تبدى رفضها لإقتراح خالتها وهى تقول :
–ملوش لزوم لده كله يا خالتى
سكن الحزن صوت صفية وهى تجيبها على قولها :
–اسكتى يا نعمة انتى مش عارفة انتى غالية عليا ازاى دا انتى اللى كنتى فاضلة من ريحة امك الله يرحمها
وبالفعل هاتفت صفية حفيدها أكرم ، مشددة على ضرورة إرسالة عربة إسعاف ، لتقوم بنقل نعمة من مشفى الأورام ، لتلك المشفى التى يديرها ، وعلى الرغم من تعجب أكرم من مطلب جدته ، إلا أنه أرسل عربة الإسعاف حيث تريد
فبعد وضع صفية لهاتفها بحقيبتها ، كأنها أنتبهت لوجود سجى ، فتبسمت لها قائلة بود :
– أنتى يا حبيبتى بنتها
حركت سجى رأسها بالإيجاب وقالت بصوتها الخافت :
– ايوة انا سچى
خطت صفية خطواتها تجاهها ، فأدنتها منها وطوقتها بذراعيها وربتت على ظهر سجى وهى تقول:
–معلش اصل مشفتكيش قبل كده وعلشان كده تلاقيكى متعرفنيش
أبتعدت سجى عنها قليلاً وقالت بوجه مصطبغ بحمرة خجلها :
–انا كنت بسمع عنك من ماما
رفعت صفية يدها مربتة على وجنة سجى بحنان وقالت بهدوء :
–خلاص لمى حاجة مامتك عربية الاسعاف زمانها جاية دلوقتى ، وهنروح مستشفى تانية ، مستشفى ابنى بناها وحفيدى أكرم بيدرها وهى احسن من هنا وهناك هيخدوا بالهم من أمك
حاولت سجى الإعتراض نظراً لشعورها الشديد بالإحراج ، فهى لا تريد أن تكون هى ووالدتها عبأ على أحد :
– بس بس حضرتك المستشفى هنا كويسة
كأنما شعرت صفية بما إجتاحها من شعور الخجل ، فردت قائلة بأمر حانى :
–مفيش بس ولا حاجة يلا بسرعة يا حبيبتى لمى الحاجة
وصلت عربة الاسعاف وطلبت صفية من الطبيب أمراً بنقل نعمة من المشفى ، فوافق على الرغم من علمه بأن حالتها الصحية متدهورة للغاية، ولا فائدة من نقلها لمشفى أخر ، ولكنه وافق بالأخير
نظرت صفية لسجى متسائلة :
–خلاص يا حبيبتى لميتى الحاجة بتاعتكم ،يلا يا نعمة عربية الاسعاف وصلت
ردت سجى قائلة :
–ايوة خلاص لميت كل حاجة
تركت نعمة الفراش بجسد واهن ومتراخى بين يديىٌ سجى وعزة اللتان قامتا بإسنادها حتى خرجت من الغرفة ، وتلاقاها إثنان من الممرضين ، على سرير متحرك خاص بعربة الإسعاف
فبعد إطمئنان عزة لوجود نعمة مع خالتها وإبنتها ، نظرت إليها قائلة بحب :
–نعمة يا حبيبتى انا هروح دلوقتى وابقى اجيلك المستشفى هشوف العيال وابقى اجيلك ، هكلم سچى اعرف منها عنوان المستشفى
منعت نعمة سحب عزة ليديها ، إذ شدت عليها بيدها وهى تقول بإمتنان:
–تسلمى يا عزة على تعبك معانا
تمنت عزة لو كان بيدها أن تفعل أكثر من ذلك ، فتلك الغصة التى سدت عليها مجرى الهواء منعتها الكلام ، فأكتبت بالإبتسام فى وجه نعمة ، إلا أنها سمعت سجى تقول لها :
– لو سمحتى يا طنط عزة خدى مفتاح الشقة علشان القطة لوحدها ممكن بس تحطيلها أكل ليجرالها حاجة ودى روح زينا
أماءت عزة برأسها وهى تقول :
–بس كده حاضر يا حبيبتى
أنصرفت عزة وهى تنظر خلفها لعربة الإسعاف من حين لأخر ، تخشى أن تكون تلك المرة هى مرتها الأخيرة لرؤية رفيقة دربها وصديقتها المقربة
أخذت صفية يد سجى وجعلتها تستقل السيارة التى أتت بها ، فجلست سجى بجانبها وعيناها تتابع سير عربة الإسعاف ، التى تقدمت السيارة الفارهة ، ولكنها أجهشت بالبكاء على حين غرة ، فما كان من صفية سوى أنها ضمتها إليها تربت عليها لتجعلها تكف عن البكاء
فتم نقل نعمة الى المشفى الخاص الذى يديره أكرم ، وبعد أن تمت إقامتها بأفضل غرفة بالمشفى ، خرج أكرم من غرفة مكتبه ليرى من تكون تلك المرأة ، التى ألحت جدته بضرورة نقلها لهنا
فوجد جدته تقف مع فتاة ، يراها لأول مرة ، فأقترب منهما متسائلاً:
– تيتة مين دى وتعرفيها منين؟
رفعت صفية يدها وهى تشير لسجى مبتسمة :
– دى سچى بنت نعمة
زوى أكرم ما بين حاجبيه قائلاً بغرابة :
–نعمة مين؟
قالت صفية وهى تشد على يد سجى بحنان :
– نعمة بنت اختى
نظر لها أكرم بإندهاش قائلاً :
·بنت أختك مين أنا أول مرة أسمع الكلام ده وأول مرة أعرف ان ليكى بنت اخت
زفرت صفية قائلة بنفاذ صبر :
–مش وقته يا أكرم الكلام ده روح دلوقتى شوف نعمة واعملها اللازم كله
رد أكرم قائلاً بطاعة لأمر جدته :
–حاضر هروح انا اسف يا انسة اهلا بيكى والف سلامة على مامتك
خفضت سجى وجهها أرضاً وهى تقول:
–اهلا يا دكتور والله يسلمك
داخل الغرفة ، كانت نعمة تنظر حولها بأرجاء الغرفة كافة ، فهى بها كل وسائل الراحة ، التى يمكن أن تمنحها الهدوء ، لتمضى أيامها المتبقية بسلام ، فعندما ولجت صفية وسجى للغرفة
نظرت نعمة لخالتها قائلة بإمتنان :
– تسلميلى يا خالتى يارب ، وتسلمى على تعبك ده
أشارت صفية لها بأن تكف عن أقوالها الممتنة ، فقالت وهى تنهرها بلطف :
–تسلمى يا حبيبتى وربنا يشفيكى ويشيل عنك ان شاء الله ومتقوليش كده يا نعمة
أشارت لها نعمة بأن تتقدم من الفراش ، فأقتربت صفية وجلست على خافة السرير ، وأنتظرت أن تقول نعمة ما لديها ، فحاولت نعمة الابتسام وهى تقول :
–خالتى انا كنت بعتالك علشان عايزة منك خدمة
أشارت صفية لعينيها تباعاً قائلة :
– عيونى الإتنين اؤمرى يا حبيبتى عايزة ايه اطلبى اى حاجة انتى عيزاها وانا هعملهالك
نظرت نعمة لإبنتها الجالسة على مقعد بجوار النافذة ، ويبدو عليها أنها تفكر بأمر هام ، فعادت ونظرت لخالتها قائلة بحزن وبكاء :
– سجى يا خالتى لو جرالى حاجة سچى امانة فى رقبتك خليها معاكى
حاولت صفية جعل نعمة تكف عن ذلك الحديث ، الذى أثار بنفسيهما الحزن فقالت :
–متقوليش كده انتى هتخفى وهتقومى وتفرحى بيها ان شاء الله
شدت نعمة على يديى خالتها قائلة برجاء :
– اوعدينى انك متسيبهاش مش عيزاها تتبهدل بعد انا ما اموت
أنتبهت سجى على قول والدتها ، فتركت مكانها وأقتربت منها ودفنت وجهها بصدرها وهى تقول وتبكى بأن واحد:
–متقوليش كده يا ماما ربنا ما يحرمنى منك
أحتضت نعمة إبنتها رابتة عليها بحب وحنان وهى تقول بإستسلام لإرادة الله :
– لكل أجل كتاب ومحدش بيموت ناقص عمر ودى إرادة ربنا وملناش دخل فيها
حاولت صفية فض ذلك المشهد ، الذى لن ينتهى إلا بجلب المزيد من الدموع والشعور بالأسى والحزن :
–بعد الشر عليكى يا حبيبتى ارتاحى بس يا نعمة ومتفكريش فى حاجة
عادت نعمة تكرر رجاءها :
–اوعدينى يا خالتى انك هتاخدى بالك منها متخليش ابوها ياخدها بلاش ابوها ياخدها تعيش عنده يا خالتى
تعجبت صفية من إلحاح نعمة ، بأن لا تترك سجى تحيا بكنف والدها ، فنظرت لها وتساءلت :
–هو فين ابوها انا مش شيفاه هو مش موجود معاكم ليه
قالت نعمة وهى تبتسم بأسى وألم :
– أبوها سابنا من زمان واتجوز وتقريبا مبيسألش علينا الا قليل جدا ومراته ممكن تبهدل سچى لو راحت تعيش معاهم دى واحدة قوية وبتكرهنا ولو سچى عاشت معاهم هتتعبها وتقرفها فى عيشتها هى مش بطيقنا اصلا
أرادت صفية أن تطمأنها ، فقالت بوعد :
–اطمنى يا نعمة بنتك فى عينيا بس عيزاكى دلوقتى ترتاحى ومتفكريش فى أى حاجة اهم حاجة دلوقتى انك ترتاحى ومتتعبيش نفسك ،اوعدك سچى هتبقى عندى زى ولاد ماهر ابنى
أجتاح نعمة شعور بالراحة فردت قائلة:
– تسلميلى يا خالتى كنت عارفة أن مفيش حد هيحافظ على بنتى ويصونها غيرك أنتى
جلست صفية برفقتهما بعض الوقت ، تحاول زرع الأمل بنفس نعمة وأن تشد من أزر سجى ، فنظرت بساعة معصمها الثمينة ، فهى بحاجة للعودة للمنزل ، فنظرت لسجى وهى تقول بحنان :
–سچى لو محتاجة اى حاجة أكرم موجود فى المستشفى اطلبى منه وانا ان شاء الله كل يوم هاجى اشوفكم ولو محتاجة اى حاجة من برا قوليلى اجبهالك معايا ، أنا دلوقتى محتاجة أرجع البيت علشان فى أدوية لازم أخدها
أماءت سجى برأسها وقالت :
–متشكرة جدا على تعبك معانا وربنا يقدرنى وارد جميلك
قبلتها صفية على وجنتها وهى تقول :
جميل ايه بس يا بنتى دا احنا أهل وامك كنت بعتبرها زى بنتى بس الايام فرقتنا ومكنتش حابة لما اقابلها تانى تكون تعبانة بالشكل ده بس ربنا قادر على كل شيء وقادر يشفيها إن شاء الله
خرجت صفية من الغرفة ، فأغلقت سجى الباب ، وتسطحت على تلك الأريكة الجلدية العريضة ، بعد إطمئنانها لخلود والدتها بنومها ، فكل عظامها تألمها ، ولكن ذلك الألم لا شئ يذكر بتلك الآلام والمخاوف التى باتت تهددها برحيل والدتها عن عالمها ، فهى لا تملك بيدها سوى الدعاء لله وأن يمنحها القوة والصبر
❈-❈-❈
رآى رائف أن جلسات العلاج الطبيعى ، التى بدأها بقلب مدمى على حاله الذى وصل اليه ، لم تكن سوى عقاب ، فشعوره بالمرارة زاد عما كان عليه حاله بعد خروجه من المشفى ، ولكن ربما ما أفاده الآن قوة إرادته ، التى أكتسبها من عمله ، على الرغم من كونه معظم الاحيان ، يريد أن يصرخ بكل ما لديه من قوة وقدرة على ذلك ، فهو لم يعد يحتمل كل هذا ولكنه كرجل كان معتد دائماً بقوته ، فهو لايريد إظهار ضعفه امام الآخرين خاصة الآن
نظر إليه الطبيب مبتسماً وقال:
–تمام كده يا رائف النهاردة
رد رائف بنزق واضح :
–هو ايه اللى تمام حضرتك نفسى أعرف فين التحسن اللى أنا فيه
وضع الطبيب ما بيده وهو يقول بصبر :
–يعنى انت مش شايف اى تحسن خالص يا رائف
لوى رائف ثغره قائلاً بتهكم :
–تحسن فى ايه انى سيبت الكرسى المتحرك وماشى بعكازين هو ده التحسن فى نظرك
زفر الطبيب بهدوء ، فهو معتاد على ذلك الأمر ، فرد قائلاً بمهنية :
–مفيش حاجة بتحصل بين يوم وليلة كل حاجة بتاخد وقت فانت لازم يبقى عندك الصبر والارادة علشان تقدر تعدى المرحلة دى
لم يكن رائف بوضع يخوله أن يجادله ، فرد قائلاً بنفاذ صبر:
– كله عمال يقولى اصبر اصبر اصبر لحد امتى اصبر ها لحد ما شبابى وعمرى ما يروحوا
مسح الطبيب وجه بكفيه مغمغماً:
– كده مينفعش يا رائف لازم نفسيتك تكون كويسة بلاش تضغط على اعصابك بالشكل ده انت كده بتهد اللى بنبنيه
رفع رائف يده يشير له بالإنصراف :
–لو سمحت انا عايز ارتاح انا تعبت النهاردة كفاية كده
رد الطبيب بهدوء :
–خلاص انا هسيبك النهاردة ترتاح ونتقابل بكرة ان شاء الله بس ياريت تحاول تهدى شوية علشان خاطر نفسك حتى
زفر رائف وقلب عينيه بملل قائلاً:
– أه إن شاء الله مع السلامة يا دكتور وخد الباب فى إيدك
حرك الطبيب رأسه من جفاء ذلك الشاب ، الذى منذ أن تقابلا ، وكأن حالة من النفور سكنت رائف ، ولكنه قابل بمهنته الكثير من شاكلته ، فكونه طبيب للعلاج الطبيعى ، لا بد أن يتحلى بالصبر والصمود
فرد قائلاً ببرود:
– الله يسلمك يا رائف وخلى بالك من نفسك
خرج الطبيب من تلك الغرفة ، التى تم تجهيزها بالكامل من أجل إتمام رائف لجلسات العلاج الطبيعى ، فقابل هدى وهو فى طريقه الى الخارج ،فهى تعلم أن الجلسة اليوم ربما لم تمر مرور الكرام بسبب عصبية وحنق ونزق ولدها البكر
فتبسمت بوجه الطبيب وهى تقول بحذر:
–هو انتوا خلصتوا النهاردة بدرى يا دكتور ولا ايه
أجابها الطبيب وهو يقول بهدوء:
– رائف للاسف حالته النفسية بتسوء زيادة يا مدام هدى
خرجت أنفاسها حائرة وهى تقول بقلة حيلة:
–طب نعمل ايه معاه يا دكتور
أجابها الطبيب بتفهم لحالتها ، كونها والدة رائف :
–أنا بحاول أعمل معاه اللى أقدر عليه بس بالنظام ده مش هيبقى فى تقدم فى حالته هو اه ابتدى يسيب الكرسى المتحرك بس ضغطه على اعصابه بالشكل ده هيخليه يتأخر فى انه ممكن يخف اسرع من كده ، أنا إن شاء الله هجيله بكرة تانى
أغمضت هدى عينيها بإرهاق وقالت :
–ربنا يصلح الحال واسفة لو كان رائف اتعصب عليك يا دكتور مع السلامة
ولجت هدى غرفة رائف ، بعد ذهابه إليها ، فهى لا تعلم أى سبيل أو درب تسلكه لتجعل ولدها يكف عن أفعاله ، وعصبيته المفرطة ، التى لن تتسبب إلا بزيادة الأذى والأسى له
فأقتربت من مجلسه وقالت بحنان :
– حبيبى أجبلك حاجة تشربها يا قلبى اجبلك عصير انا عارفة انك بتحب عصير الفراولة وانا خلتهم يعملهولك مخصوص
أشاح رائف بوجهه عن مرآى والدته قائلاً بجفاء :
–شكرا يا ماما مش عايز حاجة مليش نفس لأى حاجة خالص
شدت هدى على كتفه ، لتجعله ينظر إليها ، فقالت بعتاب ولين :
–وبعدين يا حبيبى فى اللى بتعمله فى نفسك ده
تخللت صوته نبرة الحزن والوجع ، فرد قائلاً بغصة :
– عيزانى أعمل إيه أنا مستقبلى وحياتى خلاص ضاعوا حتى البنت اللى حبتها والمفروض انها خطيبتى مبتسألش عنى زى ما تكون بتقولى أفهم أنت مبقتش مناسب ليا أو لأى واحدة تانية انت خلاص انتهيت يا رائف بالنسبة ليا
نهرته والدته عن قول المزيد وهى تقول :
–متقولش كده يا حبيبى انت اى واحدة تتمناك وانت ضفرك برقبتها وكويس انها غارت بعيد عنك هى مكنتش تنفعك اصلا وانت عارف ان احنا مكناش حابينك ترتبط بيها
طغى شعور القهر على كلماته التى خرجت منه فمه بأسى وهو يقول :
– ولا أنا بقيت أنفع أى واحدة خلاص يا ماما رائف خلاص حضرة الظابط خلاص مبقاش له لازمة
حركت هدى رأسها يميناً ويساراً نافية حديثه :
–متقولش كده ده اختبار من ربنا ولازم تصبر يا حبيبى
أسدل جفنيه على عينيه الغائمتان بعبرات تريد كسر محجر عيناه ، فقال بصوت منخفض :
– ادينى صابر يا ماما مبقاش فى حاجة فارقة خلاص
ربتت هدى على صدره وقالت بحب أمومى وعطف:
–حبيبى أنت إبنى وأنت عارف غلاوتك عندنا كلنا وكفاية انك لسه موجود فى وسطنا
رد رائف قائلاً فجأة :
–ياريتنى كنت موت فى الحادثة بدل اللى انا فيه ده
كسا الحزن وجه هدى بسماعها قول رائف ، فردت قائلة بسرعة :
–بعد الشر عليك يا حبيبى متقولش كده تانى أنت بتموتنى بكلامك ده يا رائف
نظر إليها بعينان أجتمع بهما ألم ووجع العالم أجمع قائلاً :
–مبقتش قادر استحمل يا ماما تعبت تعبت
حانت تلك اللحظة ، التى حاول أن يتفاداها كثيراً ، ولكن كأن لم يعد هناك متسع من التحمل ، فأنهمرت دموعه من عيناه كطفل صغير ، حتى صار صوت بكاءه عبارة عن تأوهات بصوت مزق قلب أمه وشقيقه الصغير ، الذى كان يقف خارج الغرفة يستمع الى حديثهما
فصرخ بجماع صوته قائلاً بألم :
– ااااااااااه يارب يارب ، مش قادر يا ماما تعبت خلاص
أحكمت هدى سيطرتها على جسد إبنها المتشنج ، إذ طوقته بذراعيها وجعلته يتخذ من كتفها ملجأ له ، لعله يفرغ ما بداخله ، فبكت هى الأخرى قائلة :
– أهدى يا قلب امك مش كده كفاية يا حبيبى بس يا رائف
لم يحتمل شادى الوقوف بالخارج كثيراً ، فأقتحم الغرفة وأقترب منهما وأحتضن أخيه وهو يقول ببكاء :
– اهدى يا أبيه إحنا جنبك ومش هنسيبك أبداً
يعلم رائف أن عائلته دائماً ما تصدقه القول ، وهو على ثقة ويقين من حبهم له وأنهم بجانبه للنهاية ، فهدأت عاصفة الوجع ، التى اجتاحت جميع حواسه والتى فطرت قلب امه واخيه الصغير ، ولكن هو منهك القوى للغاية ويريد أن يرتاح ولو قليلاً
فناشد والدته وشقيقه أن يتركوه :
–معلش سيبونى عايز ارتاح
حرك شادى رأسه سلباً وجثى بجواره وهو يقول :
–لاء مش هسيبك انا بقالى كتير منمتش جنبك فاكر لما كنت بتاخدنى فى حضنك وتنيمنى يا أبيه
نظر له رائف ورد قائلاً:
– أنت كبرت يا شادى مبقتش صغير
رمق شادى شقيقه بحب وقال :
– بس معاك هفضل العيل الصغير اللى انت كنت بتشيله وبتجبله الشوكولاته من ورا ماما
رفع هدى حاجبيها وقالت بتفكه :
–يعنى كنتوا بتستغفلونى بقى وانا كنت اقول لنفسى شادى مبقاش يزن على الشكولاته ليه
داعب رائف وجنة شادى ورد قائلاً:
– كان بيصعب عليا لما كان بيعيط
نهض شادى من مكانه وأقترب من والدته وهو يقول ممازحاً كعادته :
–ايه بقى يا ست ماما هو مفيش اكل فى البيت ده ولا ايه ولا اروح اكل رحيق ذرى
أفلتت إبتسامة من رائف ، لعلمه بأن شادى يحاول التخفيف عنه بمزاحه ، الذى كان دائماً وابداً سبباً لإبتسامته ، فعاد شادى لرائف وهو يقول بحب :
–ايوة كده يا ابيه وحشتنى ابتسامتك
مسدت والدته على رأسه وقالت بحنان :
–مش عايزة ابتسامتك دى تختفى يا رائف وانت يا شادى خليك مع اخوك
أنحنى شادى بجزعه العلوى ، كمن يقدم لها فروض الولاء والطاعة :
– ما تخافيش يا جميلة الجميلات أنا خلصت امتحانات وقاعدلكم افرقعلكم فى البيت
عبس رائف قائلاً بطرافة :
– بلاش فرقعة مش هلحق اجرى يا شادى
مد شادى يده مربتاً على كتف شقيقه الأكبر وقال:
–حبيبى يا ابيه متخافش انت فى امان معايا الفرقعة هتبقى فى الجنينة
نظرت هدى لهما بعطف أمومى قائلة:
–ربنا ما يحرمنى منكم يا حبايبى وتفضلوا سند لبعض على طول
خرجت هدى من غرفة رائف قاصدة المطبخ ، لتوصى الخادمة بإعداد طعام خاص به وبشادى ، فهى تعلم حتى وإن كان رائف تبسم ومازح شقيقه لتوه ، فعندما يختلى بنفسه سيعود لحزنه وكآبته مرة أخرى ، وما أصعب رؤيتها له وهو كان شاب متقد الحيوية والنشاط ، وأصبح الآن على تلك الحالة ، والتى لا تعلم متى سيبرأ منها ، فلا أحد من أفراد الأسرة معارضاً لإرادة الله ، ولكن شق عليهم رؤية الإبن البكر لهذا المنزل وهو عاجزاً حبيس عكازين
❈-❈-❈
أوصدت أروى باب غرفتها بإحكام ، فهى لا تريد أن تعلم والدتها بأنها ستهاتف شقيقتها الكبرى لتطمأن على أحوالها ، فلو علمت ستثور بوجهها كالعادة ، لذلك أتخذت حيطتها وحذرها من أجل إجراء تلك المكالمة
وضعت الهاتف على أذنها حتى جاءها الرد على الطرف الآخر ، فقالت بلهفة :
–سچى عاملة إيه يا حبيبتى واخبارك ايه وحشتينى أوى
ردت سجى بصوت مختنق من البكاء :
–الحمد لله يا أروى أنتى عاملة إيه
شعرت أروى بالقلق إزاء سماع صوتها ، فسألتها بإلحاح:
–مال صوتك فى ايه ، فى حاجة حصلت يا سجى
أنفجرت سجى باكية وهى تجيبها :
– ماما تعبانة اوى ومحجوزة فى المستشفى
أنتفضت أروى من مكانها بعد قول شقيقتها :
– مالها طنط نعمة الف سلامة عليها ، طب انتوا فى مستشفى ايه اجيلك انا وبابا
اخبرتها سچى بعنوان المشفى ، فأغلقت أروى هاتفها وقامت على وجه السرعة بتغيير ثيابها ، وذهبت لوالدها بمقر عمله " الورشة"
فزع حامد من إصفرار وجه إبنته ، فسألها بخوف :
–خير فى ايه يا أروى حصل إيه
مسحت أروى وجهها وهى تقول بإشفاق :
– بابا طنط نعمة تعبانة اوى ومحجوزة فى المستشفى ، أتصلت بسچى وقالتلى على كل حاجة ، وأدتنى العنوان يلا نروحلها بسرعة أكيد هى محتجالنا دلوقتى
ألتف حامد خلفه وصاح بالعاملين لديه قائلاً:
– خلوا بالكم من الشغل على ما أرجع فاهمين
ذهب حامد برفقة أروى إلى المشفى ليرى ما أصاب زوجته الأولى وهو لا يعلم ، فبعد وصولهما وأستعلامهما عن رقم الغرفة ، أخذت حامد الدهشة ، على أن كيف جاءت نعمة لهذا المشفى ؟ وكيف ستتمكن من دفع التكاليف المالية اللازمة لإقامتها هنا ؟
فبوصلهما للغرفة دقت أروى الباب ، ففتحت سجى ورأت أبيها وشقيقتها ، التى ما أن رأتها حتى أقتربت منها محتضنة إياها بلهفة ، فربتت عليها سجى ، وبعد أن أنتهتا من عناق الشقيقات ، أشارت لهما سجى بالدخول قائلة بهدوء :
– اتفضلوا أدخلوا
مرت أروى من جوارها ، فتباطأت خطوات أبيها متسائلاً:
–فى ايه يا سچى مالها امك
اجابته بجفاء وجمود ، فهى لا تستطيع إستجلاب عاطفة لم يكن لها وجود بالأساس :
– زى ما انت شايف تعبانة
نظرت اليه نعمة مطولاً ، وحملت نظراتها لوماً وعتاباً ، ولكن لم يكن اللوم بمقدار الحسرة ، التى شعرت بها منذ تلك الليلة التى جاءها فيها يخبرها بشأن زواجه من فادية ، فكأن بتلك الليلة ذبحها ببطئ غير شاعر بما خلفه من مشاعر القهر بنفسها كأنثى رأت أن زوجها يركض خلف إمرأة أخرى
أقترب حامد من الفراش قائلاً وهو يربت على كتفها :
– ألف سلامة عليكى يا نعمة ، طب ما اتصلتوش ليه تقولولى
تبسم ثغرها المتهدل بإرهاق وتعب وهى تقول بصوتها المثقل بالهموم قبل الآلام:
–الله يسلمك وتشكر لسؤال ، بس كنا نتصل بيك على اساس انك بتسأل علينا أوى يا حامد
تغضن جبينه بشعور الضيق ، فرد قائلاً:
–مش وقته الكلام ده يا نعمة
هزت نعمة رأسها ، وهى تقول بمرارة :
–على رأيك مبقاش ليه لزوم الكلام ده دلوقتى
تقدم أروى هى الأخرى ، لعلها تفض ذلك الحوار المبطن بين أبيها وزوجته الأولى ، فهى حقاً تشفق على حالها ، فقالت مبتسمة بمواساة :
– ألف سلامة عليكى يا طنط نعمة ، ربنا يشفيكى ويعافيكى يارب
تبسمت لها نعمة قائلة بصدق :
– تسلمى يا بنتى ، أنتى الوحيدة اللى فيهم قلبها طيب
قبل أن يرى حامد زوجته تسهب فى قولها ، نظر إليها متسائلاً:
–بس انتى جيتى المستشفى دى ازاى
خرجت سجى عن صمتها فردت بعصبية :
–وهو ده اللى هامك حضرتك دلوقتى احنا جينا المستشفى دى ازاى ، حتى مسألتش هى عندها إيه
رآت نعمة نظرات الخزى بعين زوجها ، الذى أطرق برأسه أرضاً ، فأشارت بعينيها لسجى أن تصمت ، فبالأول والأخر هو أبيها ، فردت قائلة لتريح فضوله ، الذى أطل من عيناه بعد سؤاله :
–دى رحمة ربنا بعباده هو اللى بيسبب الأسباب ، المستشفى دى تبقى بتاعة حفيد خالتى صفية
حك حامد رأسه وهو يقول :
–خالتك صفية وانتى وصلتها ازاى انتى بقالك زمن العلاقات مقطوعة بينكم
مسحت نعمة تلك العبرة الحارة التى علقت بأهدابها وقالت :
–وصلتلها يا حامد ومش بس كده وصيتها لو جرالى حاجة تاخد سچى معاها
أنفعل حامد لقولها ، فعلى الرغم مما يحدث بينهما ، إلا أنه لن يرتضى بأن تفعل ذلك وتجعل أبنته تحيا مع خالتها ، فرد قائلاً بعصبية :
–يعنى إيه تاخدها معاها ومين قالك انى هسمح بكدة يا نعمة بنتى لازم تعيش فى بيتى
رفعت نعمة يديها تناشده بأن يمنحها الموافقة على طلبها ، بل الأصح أمنيتها ، فهى تعلم أى مصير ستلقاه إبنتها ، إذا هى عاشت بكنفه وكنف زوجته الحقودة ، فقالت بصوتها المتألم :
– علشان خاطرى يا حامد اعتبر ده رجاء منى متخليش بنتى تقعد مع فادية دا اول واخر طلب هطلبه منك سيب خالتى صفية تأخد سچى وأنت أبقى أطمن عليها هى مش هتمنعك بس سچى هتكون عندها فى الحفظ والصون ، أبوس إيدك توافق
جاءته الهزيمة مبكرة برؤية دموعها ، التى راحت تنسكب على وجنتيها كالسيل ، فإذا كانت موافقته ستمنحها الراحة ، فليمنحها إياها ، فيكفى ما فعله بها ، فرد قائلاً بإذعان لمطلبها :
– خلاص يا نعمة اللى انتى عوزاه هيحصل ، حاضر أنا موافق بس إرتاحى أنتى
صار شعور سجى ببرود عواطفها تجاه أبيها مضاعفاً عن ذى قبل ، فهو حتى لم يصر على بقاءها بحمايته ومنزله ، بل منح والدتها موافقته السريعة ، على إقامتها وسط إناس غرباء عنها ولا تعلم عنهم شيئاً ، سوى أن ذلك المنزل ، الذى من المفترض أن تقيم به هو منزل عائلة خالة والدتها ، فعادت وتذكرت أفعال أبيها معهما منذ صغرها ، فسألت ذاتها منذ متى ووالدها يهمه أمرها أو أمر والدتها ، فجل همه وإهتمامه منصباً فقط على زوجته الثانية وشقيقتها الصغرى
❈-❈-❈
أجتمع أفراد الأسرة لتناول العشاء ، بجو هادئ نسبياً ، خاصة بعد أن حاولت هدى جعل رائف يترك غرفته ويجلس معهم على مائدة الطعام ، فهو منذ الحادث ، كان لا يترك غرفته إلا من أجل الذهاب لغرفة جلسات العلاج الطبيعي ، وغير ذلك فهو يتناول طعامه بغرفته ، والذى كان يتناوله بإلحاح شديد من والدته ، التى كانت تضطر كثير من الأحيان أن تطعمه بيديها ، لضمان حصوله على وجبة طعامه اليومية ، فلو كانت ستتركه يفعل ذلك ، لربما كان سيترك الطعام الذى تجلبه له على حاله ولن يمسه بيديه
أنتبه ماهر على شرود والدته الغير معتاد خاصة وهى جالسة معهم ، فسألها بإهتمام :
– مالك يا أمى فى ايه سرحانة ليه كده ومش بتأكلى ،حاسس زى ما يكون فى حاجة مضيقاكى، حد من العيال دول زعلك
وضعت صفية الملعقة من يدها على طرف طبقها وردت مبتسمة بدون مرح :
– سلامتك يا حبيبى مفيش حاجة ، ثم ولادك دول النسمة اللى أنا عايشة بيها ربنا يباركلى فيهم يارب
فطن أكرم لحالة جدته ، فرد هو قائلاً :
–دا تلاقيها زعلانة يا بابا بسبب بنت اختها
قال ماهر بإندهاش :
–بنت اختك مين انتى ملكيش غير بنت اخت واحدة نعمة ، وانتى شوفتيها فين دى يا أمى ،دى بقالها زمن محدش شافها ولا يعرف عنها حاجة
أبتلع اكرم ما بجوفه من الطعام وقال :
– ماهى دى يا بابا اللى بقولك عليها
ضمت هدى حاجبيها الأنيقين قائلة بتساؤل :
– ودى مالها فيها ايه حصلها حاجة يا ماما
أجابتها صفية قائلة بحزن وأسى على مصاب إبنة شقيقتها :
– نعمة بتموت فى المستشفى
شهق ماهر بصوت منخفض دليلاً على صدمته بسماع قول والدته ، فرد قائلاً:
– لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ليه مالها مريضة بإيه
رد أكرم تلك المرة قائلاً بأسف :
– للأسف عندها كانسر وفى المرحلة الأخيرة يعنى يعتبر بتقضيها أيام
وضعت هدى رأسها بين يديها وقالت بحزن بعد سماعها قول أكرم :
– لا إله إلا الله ربنا قادر يشفيها ويعافيها
تلك هى المرة الأولى ، التى خرج بها رائف عن صمته منذ جلوسه ، فنظر لجدته متسائلاً:
– وهى مالهاش حد غيرك يا تيتة
أماءت صفية برأسها وهى تقول بنبرة حزينة :
– جوزها متجوز عليها وسايبها هى وبنتها ،اسمها سچى وهى مأمنانى أمانة ان لو جرالها حاجة أخد بالى من بنتها ومخليش أبوها ياخدها
تعجب رائف من قول جدته ، فرفع حاجبيه قائلاً بغرابة :
– ليه يعنى ده ابوها هو هياكلها
أخذت صفية نفساً عميقاً وقالت :
–اللى عرفته أن مرات أبوها ست مش سهلة والبنت ممكن تتمرمط معاها وانتوا مشفتوش البنت دى عاملة ازاى
رمق شادى جدته قائلاً بفضول :
– ليه مالها البنت دى يا تيتة
إبتسمت صفية لتذكرها لسجى ، فأجابته وهى تقول بإعجاب كبير :
– الله أكبر عليها يا شادى ادب واخلاق وصوتها وهى بتتكلم من خجلها متسمعوش
قال أكرم مؤيداً لقول جدته :
– فعلاً أنا شفتها بنت محترمة أوى وهادية جداً وبتتكلم وهى باصة فى الأرض
هزت هدى رأسها بخفة قائلة بإعجاب :
– بسم الله ماشاء الله ونعم التربية
نظر ماهر لوالدته وهو يقول بهدوء :
– بكرة ان شاء الله هاجى معاكى أنا وهدى علشان أزور نعمة فى المستشفى يا أمى
– إن شاء الله يا حبيبى ، وهتشوفوا سجى
قالت صفية وعادت تكمل طعامها ، بينما رن الإسم بأذنىّ رائف ، فإسمها له وقع جميل وناعم ومريح ، ولا يعلم لما ظل اسمها عالق بذهنه ، وايضا حديثهم عن أخلاقها ، فكانت مرته الأولى ، التى إزداد بها فضوله لرؤية تلك الفتاة ، التى يتحدثون عنها ، فهل هى حقاً خجولة ومؤدبة كما وصفتها جدته وشقيقه أكرم ، أم أن كل ذلك ما هو إلا قناع ترتديه لتستطيع كسب محبة ومودة من حولها ، فتجربته مع مايا ، جعلته لا يأمن لبراءة أى فتاة ، ولا أن ينصاع لحديثهن الناعم والمعسول
❈-❈-❈
جالسة طوال وقتها بجانب والدتها ، وهى ممسكة بكتاب الله بين يديها ، تقرأ منه لوالدتها بصوتها العذب ، وعندما سمعت صوت أذان الظهر ، قامت من مكانها و توضأت وبسطت سجادة الصلاة، وبدأت صلاتها ، فبذلك الوقت كانت والدتها غرقت بسبات عميق ، بعد تلقيها أدويتها الطبية ، التى تحوى على كمية كافية من المخدر ، لجعلها تقضى ساعات طويلة بالنوم حتى لا تشعر بالألم
وصل ماهر وزوجته ووالدته إلى المشفى ، أدارت صفية مقبض باب الغرفة ، فأنفتح الباب وولجت هى تتبعها هدى ، التى رأت سجى تصلى ، فنظرت لزوجها الذى كان على وشك الدخول وقالت برقة :
– ماهر استنى هنا البنت بتصلى ، أستنى لما تخلص وأدخل
أماء ماهر برأسه قائلاً:
– ماشى لما تخلص نادى عليا ادخل
جلست صفية على الأريكة الجلدية تجاورها هدى ، بينما جلس ماهر بالخارج على أحد المقاعد الموجودة برواق المشفى ، أنتظرتا حتى أنتهت سجى من صلاتها ، فما أن وقع بصر هدى على سجى ، إجتاحها شعور عارم بالإرتياح لرؤيتها ، فإبتسمت لها لا إرادياً ، بينما قالت صفية :
– حرما يا حبيبتى ، دى هدى مرات ابنى وتبقى ام الدكتور أكرم
نهضت سجى من مكانها واقتربت من مجلسهما وصافحت هدى بحرارة و قالت بإبتسامة ممتنة :
–جمعا ان شاء الله ، اه اهلا تشرفت بحضرتك
نهضت هدى وأقتربت منها تقبلها على وجنتيها بمودة :
– الشرف ليا ألف سلامة على مامتك ربنا يشفيها ويعافيها يارب
شعرت سجى بالخجل وهى تقول :
– الله يسلمك وأنا متشكرة جدا على اللى انتوا عملتوه معانا
أحتضنت هدى وجهها وهى تقول بإعجاب ، كأنها بصدد تزويجها من أحد أبناءها :
– متقوليش كده يا حبيبتى ، دا أحنا أهل
أنتبهت صفية على زوجة إبنها وودها الواضح لسجى ، فهى لا تلومها إذا كانت أحبتها منذ رؤيتها ، فهى الأخرى شعرت بالحب نحوها منذ أول مرة رأتها بها ، فقالت بحنان وهى تنظر لنعمة الغافية :
– دا أمك دى أنا اللى كنت مربياها ولما اتجوزت وجدتك ماتت اختفت مرة واحدة ومسمعتش عنها حاجة
قالت سجى بإعتذار :
– معلش الدنيا تلاهى ، واللقا نصيب
حركت هدى رأسها ببطئ وهى تقول :
– فعلاً اللقا نصيب ، وكل شئ بميعاد ، ربنا هو اللى بيسبب الاسباب
أشارت لها سجى بالجلوس وهى تقول بصوتها الناعم المفعم بالود :
– ونعم بالله اتفضلى اقعدى ، على ما اطلبلكم حاجة تشربوها
ردت صفية قائلة برفض :
– تسلمى يا حبيبتى متتعبيش نفسك تعالى بس أقعدى
كلما رفعت سجى وجهها تجد هدى تنظر لها بإبتسامة ، فهى لا تعلم لما تطيل النظر لها هكذا ؟ حتى ظنت أن ربما هناك شئ عالق بوجهها وهى لا تعلم ، ولكن زجاج النافذة ، الذى مكنها من رؤية وجهها بوضوح ، جعلها تتيقن من أنه لا يوجد شئ يسترعى الإنتباه
أنتبهت هدى على تحديقها المستمر بسجى ، فأعادت ذلك لكونها أنها كانت تريد إنجاب فتاة ، تنشئها تلك النشئة السوية وتلقنها القيم والأخلاق وتكون مثالاً يحتذى به فى التحلى بالأخلاق الطيبة
بالخارج شعر ماهر بالقلق ، فقد مر ما يقرب من الخمسة عشر دقيقة ولم تناديه زوجته ، فقرر النهوض من مكانه ، ليعلم سبب تأخيرها بمناداته
فولج الغرفة وهو يقول بقلق وإهتمام :
– فى ايه انتوا نسيتونى ولا ايه ، فى حاجة حصلت ؟
يتبع ....