رواية لا أحد سواك رائف - بقلم الكاتبة سماح نجيب - الفصل الثالث عشر
رواية لا أحد سواك رائفي
بقلم الكاتبة سماح نجيب
الفصل الثالث عشر
رواية
لا أحد سواك رائفي
" أمنية بأفق الخيال "
تلقائياً سقط القلم من بين أصابعها بعد سماع صوت أبيها الغاضب ، فإن كانت لم يعد يعنيها وجوده بحياتها منذ صغرها ، إلا أن مازالت تلك النزعة بداخل كل فتاة تخشى أبيها وقت غضبه موجودة بغياهب عقلها ، فحاولت أن تجعل الدماء تسرى بجسدها المتيبس فلم تفلح ، ولكن علمت أنها لن تواجهه بمفردها ، فالأن يوجد من سيدافع عنها ويحميها وتمثلت تلك الحماية بزوجها وعائلته
فبعد إكتفاءها من سريان الخوف بعروقها ، تسلحت بشجاعتها الواهية وهبت واقفة وهى تقول بصوت خانها وخرج مرتجفاً :
– بابا
لم تفه سوى بتلك الكلمة ولكن وجدت ماهر يهب لنجدتها ، فأقترب من حامد قابضاً على ذراعه قائلاً بلين :
–اهدى يا ابو سچى وانت هتفهم كل حاجة
بحركة غاضبة نفض حامد يد ماهر عن ذراعه ، متخلياً بذلك عن كل مظاهر الكياسة والذوق ، إذ راح يهدر بصوت عالى :
– أفهم ايه انكم بتجوزوا بنتى من ورايا ومن غير ما اعرف هى دى الأمانة يا ماهر بيه
أحتدمت ملامح وجه صفية بعد رؤيتها لما فعله حامد ، فردت قائلة بإقتضاب :
–احنا معملناش حاجة حرام يا ابو سچى علشان تقول كده
تعجب المأذون من تلك المشادة الكلامية بينهم ، فسكنه القلق من أن يكون تورط بعقد قران غير صحيح ، فهب من مجلسه متسائلاً :
–هو فى ايه بالظبط يا جماعة
تقدم حامد من المأذون ورفع يديه وأشار لسجى قائلاً بغيظ :
– فى إن البنت دى بنتى وبتتجوز من ورايا ومن غير علمى يا سيدنا الشيخ
أتسعت حدقتى المأذون ونظر لسجى قائلاً بدهشة :
–الكلام ده بجد يابنتى ، إزاى تتجوزى من غير علم أهلك
ساد الصمت بالمكان ، فتفرست سجى بوجوه الحاضرين ، فرغماً عنها إنسكبت دموعها ، فغص حلقها وخرج صوتها متحشرجاً بأنين :
– حضرتك اللى بيقول أنه أبويا ده كان رمينى من زمان ومبيسألش فيا ، ولما أتزنق وأحتاج فلوس كان عايز يجوزنى راجل كبير فى السن وكمان متجوز ومخلف وولاده كمان أكبر منى وانا مكنتش موافقة بس كان عايز يجوزنى غصب عنى ، وأنا مستحيل اتجوز الراجل ده
أشفق المأذون على حالها ودموعها ، فرد قائلاً بلطف :
–بس انتى بالغة يا بنتى ميقدرش يجبرك على حاجة ومينفعش تتجوزى الا برضاكى
أقترب منها حامد وقبض على ذراعيها وهز جسدها قائلاً من بين أسنانه :
– بس أنا ابوكى وليا حق عليكى ولازم تسمعى كلامى
أسرعت صفية بتخليص سجى من يد أبيها ، فسمعت المأذون يقول بهدوء :
– على العموم يا أستاذ هم مضوا على القسيمة وكمان كتب الكتاب أنكتب وكان ليها وكيل ، يعنى شروط العقد صحيحة
فهى بعد سماع صوت أبيها ، لا تعلم من أين جاءتها تلك القوة والسرعة التى جعلتها تخط إسمها كاملاً على قسيمة الزواج ، حتى لا يستطيع والدها فعل شئ ويتركها بحالها تنعم بشعور السعادة كونها أصبحت زوجة لمن عشقته
نظر حامد للمأذون قائلاً بإستنكار :
–يعنى ايه الكلام ده بقى إن شاء الله
تنفس المأذون بعمق ورد قائلاً بحكمة :
– يعنى بنتك دلوقتى شرعاً وقانوناً بقت زوجة للأستاذ رائف ، بعد ما عقد الجواز أستوفى الشروط ، فأنت لو عايز الخير لبنتك سيبها طالما هى راضية بالجوازة دى وأتجوزت بموافقتها ، أكيد أنت برضه عايز الخير لبنتك صح
إستمع حامد لحديث المأذون ، فتحولت عيناه لعزة وزوجها ، فأشاحت بوجهها عنه ، فهى إذا نظرت بوجهه ستتذكر رفيقة عمرها ، التى رحلت من هذا العالم بشعور القهر والحسرة على أفعاله معها ، فبعد إطمئنانها أن سجى صارت زوجة الآن ، وأن أبيها لن يستطيع إجبارها على زيجة أخرى
أقتربت من سجى وطوقتها بذراعيها وهى تقول بصوت منخفض :
– ألف مبروك يا حبيبتى أحنا لازم نمشى دلوقتى لأن كده أنتوا بقيتوا أهل وتأخدوا راحتكم فى الكلام سلام عليكم
أصرت عزة على العودة لمنزلها هى وزوجها ، فهى لا تريد رؤية حامد ، فسمعت المأذون وهو يقول :
– على العموم ألف مبروك كده احنا خلصنا واحسن حاجة تقعدوا تتكلموا بهدوء وتتفاهموا انتوا بقيتوا اهل دلوقتى وعن اذنكم
صافح ماهر المأذون وزوج عزة وقال :
–أكرم وصل المأذون ، وخلى السواق يوصل الست عزة وجوزها
رد أكرم قائلاً بتهذيب :
– حاضر يا بابا
رافق أكرم المأذون وعزة وزوجها للخارج ،فأستقل المأذون سيارته ، بينما أخبر السائق الخاص بسيارة جدته ، أن يذهب بعزة وزوجها إلى حيث يريدان
فبعد خروج أكرم ، رمق ماهر حامد بشعور طفيف من الإستياء ، إلا أنه حافظ على تهذيبه قدر الإمكان ، فأولاً وأخيراً هو والد زوجة إبنه ، ولكن حامد ظل يرغى ويزبد من الغضب ، فهكذا كل ما خطط له هو وفادية ذهب أدراج الرياح
رفع ماهر يده يشير لحامد بالجلوس قائلاً :
– اتفضل يا ابو سچى أقعد علشان نتكلم
تجاهل حامد قوله ، فخطى خطوتين صوب إبنته وهو يقول بغضب شديد:
–نتكلم فى ايه هى اللى بنت قليلة الادب علشان تفكر تعمل كده من ورايا
تبع جملته بصفعة قوية ، تلقتها وجنة سجى ، كادت تقتلع أسنانها ، فصرخت بألم من مباغتته لها بتلك الصفعة ، وعندما أراد إكمال ضربه لها ، إحتمت بزوجها ، إذ وقفت خلفه خائفة ، فلم تكتفى بذلك إذ رفعت قبضتيها الصغيريتين وتمسكت بثيابه ، كأنها تنشد منه العون والمساعدة والحماية
فعلتها تلك جعلت رائف يستفيق من تلك الحالة من البلادة ، التى أصابته منذ دخول والد سجى ، فعندما رآه يمد يده ليجذبها إليه ، حال بينهما كالسد المنيع
فحاول أن يتحدث معه بلطف ، فقال بصوت هادئ :
– اهدى ياعمى مينفعش كده
صاح حامد بوجهه قائلاً بحدة:
–اهدى إيه انت ضحكت على بنتى علشان تتجوزها
رد رائف قائلاً بإستنكار :
–ضحكت عليها ازاى هى اتجوزتنى بإرادتها وبموافقتها ورغبتها
نظر لسجى المختبأة خلف رائف وهتف بها متسائلاً:
– أنتى فعلاً اتجوزتيه بمزاجك يا سچى وبموافقتك
أطلت سجى برأسها وهى تقول بإنفعال غير واعية لكلماتها :
–ايوة اتجوزته أهو أحسن ما ترمينى لواحد زى اللى انت عايز تجوزنى ليه اتجوزته علشان اخلص من تحكمك فيا ومتمشيش كلامك عليا
بعد أن أنتهت من قولها ، وضعت يدها على فمها ، فما هذا الحديث الأرعن والسخيف الذى تفوهت به ، فهذا ليس مقصدها ، والذى ربما فطن الجميع أنها وافقت على الزواج من أجل الخلاص من أبيها ، فالتعبير خانها ولا تريد منه أن يأخذ حديثها هذا على محمل الجد
ولكن ربما أمنيتها لن تتحقق ، إذ شعر رائف بأن قولها كنصل حاد قد غرسته بقلبه ، فهو الذى كان يأمل بأنها وافقت على الزواج منه لأنها تحبه ، ولكن ما قالته جعله يعى أنها أخذته كحماية من أبيها ليس أكثر
فأبتلع لعابه الذى كان كالنيران بجوفه ، فخرج صوته كالصقيع :
–ياريت حضرتك تهدى هى دلوقتى بقت مراتى ومش هسمح لحد انه يزعلها بس علشان انت باباها ياريت نقعد نتكلم براحة
أشار ماهر بيده لغرفة مكتبه قائلاً بهدوء :
– اتفضل معانا على المكتب يا ابو سچى علشان نتكلم
ولج ماهر غرفة مكتبه يتبعه كل من حامد وصفية ورائف وسجى ، فأغلق رائف الباب ، وبحث عن أقرب مكان ليجلس به ، فجلس على الأريكة ، ووجد سجى تجلس بجانبه ، بينما جلس أبيه وجدته ووالد زوجته على المقاعد الموجودة بالغرفة
فضم حامد كفيه قائلاً بسخرية :
–فى ايه تانى لسه معرفوش عن بنتى يا ماهر بيه
نظرت إليه صفية بنظرات خالية من الدفء وردت قائلة:
– بنتك ما اجرمتش علشان اتجوزت يا أبو سجى ، وهى تتجوز برضاها أحسن ولا غصب عنها وترميها لراجل كبير في السن علشان يبهدلها ويعذبها
قال ماهر بعد أن رفع يده يشير لرائف وسجى بفخر :
–هى زى ما أنت شايف اتجوزت أبنى وهى هتبقى فى عنينا الاتنين
حاول حامد ألا يخرج خالى الوفاض ، فهو بحاجة ماسة إلى المال ، فأسند ظهره للمقعد بإرتياح قائلاً :
–هو مش برضه لازم تدفعولها مهر يا ماهر بيه ولا ايه
أماء ماهر برأسه قائلاً:
– أكيد طبعاً واللى هتقول عليه هندفعه
مد رائف ساقيه قليلاً وهو يقول:
–اؤمر حضرتك عايز مهر قد ايه لسچى
نظرت صفية لسجى وهى تقول بحب :
–مع أن سچى تتاقل بالذهب بس اللى تؤمر بيه
بعد رؤية حامد لإستماتة أسرة ماهر للحفاظ على سجى بكنفهم ، رد قائلاً :
– أنا عايز ٢٠٠ الف جنية مهر
ردت سجى قائلة بدهشة :
– أنت بتقول عايز كام
مط حامد شفتيه قائلاً بعدم إكتراث :
– هو ده المبلغ اللى عايزه مهر لبنتى ها قولتوا ايه
أخرج ماهر دفتر الشيكات من جيب سترته قائلاً:
– أنا هديك فلوس المهر ومش بس كده أنا هديك شيك بنص مليون جنية كمان ، مع أن المهر المفروض سجى اللى تاخده بس مش مشكلة أنت برضه أبوها
أتسعت حدقتى حامد وهو يقول بصدمة :
– بتقول كام أنت بتتكلم جد
حرك ماهر رأسه وهو يخط بيده المبلغ المطلوب ، وبعد أن أنتهى ناوله الشيك قائلاً وهو يرمق سجى بحنان :
– أيوة طبعاً سچى دلوقتى مرات أبنى وهى غالية علينا وفداها أى حاجة ، وأتفضل الشيك أهو وبالمبلغ اللى قولتلك عليه
لا تعلم سجى هل تشعر بالسعادة لأن الله رزقها بحب عائلة زوجها ، أم تحزن أن أبيها لا يكترث سوى بالمال فقط ، ومن أجله كان على إستعداد لبيعها لمن سيدفع الثمن
فبعد أن أخذ أبيها الشيك ، نظر إليها قائلاً بإبتسامة :
– شكرا يا ماهر بيه ومبروك يا سچى
كافحت على ألا تسقط دموعها ، إلا أن صوتها خرج معبأ بالقهر وهى تقول:
– مبروك ! قبضت تمنى وارتحت كل همك أنك ازاى تكسب من ورايا ما أنا بيعة بالنسبة ليك عمرك ما حسستنى أنك بتخاف عليا أو أنك تكون ضهرى لو وقعت فى مصيبة أو أنك تبقى الحضن اللى اهرب ليه لما الدنيا تيجى عليا
لم تعد تستطع خزن دموعها أكثر ، فظلت تذرف دموع القهر والحسرة على من يحمل لقب أبيها ، ولكن وجدت كف دافئ يقبض على كفها الرقيق ، فرفعت وجهها وجدت رائف يرمقها بشفقة لحالها ، ولا تعلم ما يشعر به من رؤية دموعها ، والتى كانت كوقود أججت النيران بقلبه ، فرفعت كفها الأخر ، وأحتضنت كفه ، فلو كانا بمفردهما ، لكانت وضعت رأسها على صدره لتكمل بكاءها ونواحها ، ولكن شعرت ببرودة مفاجئة ، إذ وجدته يسحب كفه من بين راحتيها ، ولكن لم يكن لديها الوقت الكافى لسؤاله عن فعلته
فوجدت أبيها يترك مقعده قائلاً وهو يتأهب للرحيل :
– عن اذنكم أنا ماشى
نهضت صفية وتبعها ماهر ، فردت قائلة:
– مع ألف سلامه يا أبو سچى
أراد ماهر تقديم واجب الضيافة لأخره ، فأقترح عليه قائلاً :
– لو تحب ممكن اخلى السواق يوصلك
رد حامد قائلاً برفض :
– لاء متشكر أنا عارف طريقى
خرج حامد من غرفة المكتب ، فنظر إليها ماهر قائلاً بعد رؤيته لها تضع رأسها بين يديها:
– أنا مش عايزك تضايقى يا سچى من اللى حصل
رفعت سجى وجهها لماهر وعيناها دامعتان فقالت :
– أضايق من إيه من أن أبويا فاكرنى بضاعة عايز يكسب فيها ولا أضايق أنه قبض تمنى وسابنى ومشى ولا أضايق أنه رمانى من صغرى أنا وأمى أضايق على إيه ولا إيه
جذبتها صفية حتى إستقامت بوقفتها ، فمدت يدها وأزالت عبراتها ، فقالت بحنو بالغ:
–اهدى يا حبيبتى وروقى كده أنتى خلاص بقيتى بنتنا وأحنا أهلك
وضعت سجى رأسها على كتف صفية وهى تقول بإمتنان :
– ربنا ميحرمنيش منكم أبداً يارب
سحب رائف عصاه وأستند عليها وهب واقفاً ، فهتف بسجى قائلاً :
–سچى تعالى معايا على الجنينة عايز اتكلم معاكى شوية
إبتسمت صفية وربتت على ظهرها ، وهى مازالت تضمها إليها ، فهمست بأذنها بمحبة :
–روحى يا حبيبتى مع جوزك
طرب قلبها من سماع تلك الكلمة " جوزك " فهاهو صار زوجها ، من له الكلمة الأولى والأخيرة بحقها ، مرساتها وأمانها ، معشوقها وحبيبها ، من جعل الغرام يسكن ثنايا فؤادها ، فبإستحياء تركت مأمنها بين ذراعى صفية ، ورآته يسبقها للحديقة من الباب الجانبى لغرفة المكتب ، فبعد خروجها ، خرجا صفية وماهر للصالة ، فهدى كانت جالسة برفقة أكرم وشادى
فبعد رؤيتها لزوجها ، تساءلت بفضول :
–عملتوا ايه يا ماهر
جلس ماهر بجوارها ورد قائلاً:
–اتكلمنا وطلب مهر لسچى وانا كتبتله شيك بالفلوس
رفع أكرم شفته العليا قائلاً بإستنكار :
– يعنى هو كل اللى كان هامه الفلوس وبس
قال شادى متأسفاً لحال سجى:
– هو إزاى بيفكر بالطريقة دى هى مش دى بنته برضه وبيحبها وبيخاف عليها
جلست صفية على مقربة منه وهى تقول :
–اصله يا حبيبى متعبش فى تربيتها سابها هى وامها علشان يتجوز ويدور على مزاجه
ارخى ماهر رابطة عنقه قائلاً بما يشبه الإرهاق :
– أنا اللى صعبان عليا هو كلام سچى ووجعها من معاملة ابوها ليها
ربتت هدى على يده وقالت بصدق :
– هى خلاص بقت واحدة منا وربنا عالم أنا بحبها قد إيه حتى قبل ما تبقى مرات رائف أنا طول عمرى كنت بتمنى أن يبقى عندى بنت وربنا عوضنى بيها
قال أكرم مؤيداً لقول والدته :
– هى فعلاً بقت حاجة أساسية في البيت وربنا يسعدها هى ورائف
نظر شادى حوله قائلاً:
– هم فين صحيح يا تيتة
إبتسمت صفية وقالت وهى تداعب رأسه :
– قاعدين فى الجنينة رائف قال عايز يتكلم معاها شوية
رفعت هدى يديها بوضع الدعاء قائلة بتمنى :
– على الله يقولها أنه بيحبها زى أكرم ما بيقول
لوى أكرم شفتيه يميناً ويساراً قائلاً :
–تفتكروا رائف يعملها ولا احنا بنحلم وخلاص
مسد ماهر على لحيته قائلاً بهدوء:
–على العموم احنا نسيبهم براحتهم دى بقت حياتهم وهم حريين فيها ولو فعلا بيحبها مش هيسبها لان اللى بيحب حد مبيتخلاش عنه أبداً
أنهى عبارته ونظر لهدى ، التى إبتسمت له ، لعلمها أنه يخصها هى بحديثه ، فهو منذ أن صرح لها بحبه ، وهو لم يتركها فى السراء والضراء ، حتى إزداد العشق بينهما وتوج بإنجابهما لأبناءهما
قال شادى بود :
– ربنا يسعدهم ويخلفوا عيال كده وأبقى أنا عمو
قرصت صفية وجنته قائلة :
–يا خراشى احلى عمو فى الدنيا يا ناس
أتسعت إبتسامة شادى قائلاً:
–حبيبة قلبى انتى يا صفصف هاتى بوسة بقى
لوى أكرم ثغره قائلاً بإمتعاض :
– أنت مفجوع بوس يابنى
أشارت له جدته بالإقتراب وهى تقول :
– تعالى ياواد ياشادى بس حسك عينك تعضنى انت فاهم
ضحك شادى على قولها ، فأقترب منها مقبلاً لها بحب ومن ثم قبل والدته ووالده ، وعندما حان دور شقيقه أكرم ، أظهر له اللطف بالبداية ولكن ما أن أنتهى من تقبيل وجنته ، حتى بادر بقضم خد أكرم
فصرخ أكرم قائلاً:
–اااااااه والله لاوريك يا شادى يومك مش معدى النهاردة
على جناح السرعة ، كان أكرم تاركاً مكانه وركض خلف شادى ، الذى قفز من على مقعد وجده بطريقه أثناء ركضه ، ففر هارباً قبل أن يقترب منه شقيقه ، ولكن أكرم ظل يتوعد له وهو واضعاً يده على وجنته ، فتعالت الضحكات من الجالسين ، فعلى الرغم من شجار وأفعال شادى مع شقيقيه إلا أنهما يحبونه ويدللونه كونه شقيقهما الأصغر بهذا المنزل
بالحديقة
حول تلك الطاولة كانت تجلس سجى على المقعد المقابل له ، واضعة يديها على ساقيها تفركهما بتوتر وإرتباك ، فمنذ خروجهما لهنا وهو لم يفه بكلمة ، كأن ليس لديه النية على الحديث ، بل سيظل صامتاً يحدق بها بهدوء
فكلما حاول إيجاد عبارات منمقة ليقولها ، تفر حروفه من طرف شفتيه لتعود لجوفه ثانية ، ولكن بالأخير حزم أمره ، فناداها بصوت هادئ :
– سجى
تلك هى المرة الأولى التى يناديها بإسمها مجرداً ، فدائماً كان يسبقه بكلمة أنسة ، أو لا يكلف نفسه ويذكر إسمها بوسط حديثه ، فأبتلعت لعابها وردت قائلة بخجل :
–نعم
فحتى وإن لم تكن تفوهت سوى بتلك الكلمة ، إلا أنها تجعل الأمور أشد صعوبة على التحمل ، فأطلق نهدة عميقة وهو يقول:
–هو يعنى قصدى الصراحة انا مش عارف ابدأ منين
رفعت وجهها ونظرت إليه نظرة خاطفة ، قبل أن تعود وتنكسها أرضاً فقالت بصوت منخفض :
– من أى حاجة أتفضل قول انا سمعاك
هى لا تسمعه بأذنيها فقط ، بل تسمعه بكل جوارحها وحواسها تريد منه تلك الكلمة ، التى ستكون بمثابة حياة لها ، تلك الكلمة التى اذا نطقها حقاً ، ستكون طوع بنانه ، وستخبره بمدى حبها وعشقها له ، وأنه هو أول من طرق باب قلبها ولن يسكنه أحد غيره
حمحم رائف ورد قائلاً بهدوء قدر إمكانه :
– أنتى طبعا عارفة وشايفة الظروف اللى إحنا إتجوزنا فيها
هزت رأسها وقالت :
– أيوة عارفة وشايفة
وضع يديه على الطاولة ، فنشب أظافره بسطحها وقال :
– أنا يا سچى مش هفرض عليكى حاجة ومش طالب منك حاجة وأنتى حياتك ملك ايدك وحرة فيها ودلوقتى أظن باباكى مش هيعمل معاكى حاجة وأنتى هتنهى دراستك وتشوفى مستقبلك وساعتها بس ممكن إن إحنا
رمقته بأمل قائلة :
– إن إحنا إيه
شعر بألم بأظافره من إحتكاكها بخشب الطاولة ، فأغمض عينيه قائلاً بألم :
– إن إحنا ننفصل ونطلق وكل واحد يروح لحاله
كلماته كان لها وقعاً على أذنيها أشد قسوة من وقع الحجارة على سطح لين ، ففغرت فاها وردت قائلة بتيه :
– نطلق ! انت بتقول إيه ، هو إحنا لحقنا نتجوز علشان نطلق
حاول رائف أن يتماسك قدر إمكانه ، فقال ببرود :
سچى انتى سمعتينى صدقينى احنا بس كل اللى هيبقى بنا ورقة جوازنا مش أكتر يعنى انتى حرة فى حياتك
إبتسمت بألم قائلة :
– حرة ! شكرا لكرم أخلاقك
إلتماع الدموع بعينيها ، جعلته يريد أن يضرب بحديثه عرض الحائط ، بل أغرته نفسه بأن يمد يده لها لتمنحه العناق ، بل وتسكن بين ذراعيه ، فسيجعل قلبه لها مسكن وذراعيه سياج ، وأن يتذوق حلاوة أنه يمتلك زوجة يعشقها ويرغب بودها وقربها
ولكن لا هو لن يفعل ذلك ، لن يجعل من ذاته عبأ عليها وأن يجعلها تعانى منه أو من تلك الحالة المزاجية السيئة التى أصبحت لا تفارقه منذ وقوع الحادث ، فهو لن يجعل منها اداة لتنفيس غضبه فيها ، عندما يصاب بالحنق أو الضيق من شعوره بالعجز ، علاوة على أنه عاد وتذكر تبريرها لزواجها منه ، بأنها كانت تريد الخلاص من زواجها من الرجل المسن
خشى أن تغلبه عاطفته تجاهها ، فهب واقفاً وهو يقول:
–النهاردة كان يوم مرهق بالنسبة لينا احنا الاتنين فأنتى قومى ارتاحى يا سچى وانا كمان عايز ارتاح تصبحى على خير
ردت قائلة بهمس وأنين :
– وأنت من اهله
راقبت رحيله من أمامها ، فتركت مقعدها وركضت للشقة ، فهى ظنت أنها لن تعود إليها الليلة ، بل ستقيم بغرفة زوجها ، فحتى وإن كانت ستعود إليها سيكون هو برفقتها ، ولكن ها هى عادت إليها بمفردها مثلما تركتها قبل عقد القران ، أغلقت الباب ودلفت لغرفة النوم ، وأرتمت على فراشها ، دفنت وجهها بالوسادة وهى تبكى بصوت عالى ، فيكفى تصريحه لها بأنه سيمنحها الطلاق قريباً ، فذلك كفيلاً بأن يجعلها تشعر بإحتراق خفقات قلبها ، فهى لا تريد فراقه ، بل كان تأمل بأن يمنحها ولو مكان صغير بداخل قلبه
فعندما عاد للداخل ، وجدهم مازالوا جالسون بالصالة يتسامرن ويثرثرون ، فنظرت إليه جدته وهى مقطبة الجبين وقالت :
– هى سچى فين يا حبيبى
رد رائف قائلاً ببرود :
– أظن أنها راحت تنام
نهضت هدى من مكانها وأقتربت منه وتساءلت:
– راحت تنام فين يا إبنى
مط رائف شفتيه قائلاً بعدم إكتراث:
– هيكون فين يعنى يا ماما أكيد راحت تنام فى الاستراحة
قال ماهر بتعجب لقول ولده :
– الاستراحة !
دلك رائف عنقه كأنه يشعر بإرهاق شديد ، فرد قائلاً:
– ايوة فى الاستراحة ، هتنام فى الجنينة يعنى
زفرت صفية بيأس قائلة :
– ليه يا حبيبى كده ، هى مش هتقعد معاك فى اوضتك
نظر إليها رائف قائلاً بلامبالاة :
– وتقعد معايا فى اوضتى ليه يعنى يا تيتة
ضربت هدى كفيها ببعضهما البعض وهى تقول بإندهاش :
– ليه ! علشان هى بقت مراتك يا رائف وطبيعى انها تقعد معاك فى اوضتك ، يعنى هتقعد أنت فى مكان وهى فى مكان
أشاح رائف بوجهه عن مرمى بصرهم ، فقال وهو يقبض على عصاه بقوة:
– ومين قالكم انى متجوز سچى علشان اعيش معاها ، انتوا طلبتوا مساعدتى وأنا ساعدتها أظن كده خلاص وهى لما تخلص دراستها وتبقى قادرة تعتمد على نفسها خلاص نطلق
شهق أكرم وأتسعت حدقتيه قائلاً بذهول:
– أنت قولتلها الكلام ده يا رائف
فقال شادى هو الأخر بأسف لما سمعه من شقيقه:
– ليه كده يا ابيه حرام كده
أجاب رائف بصوت كالصقيع :
– فى ايه مالكم كلكم كده كنتوا متوقعين أن اتجوزها بجد علشان تبقوا عارفين جوازنا على الورق وبس ومفيش حاجة هتغير من الكلام ده وعن أذنكم أنا داخل أنام
بعد أن ألقى بحديثه ، الذى تسبب بحزن عائلته ، ذهب لغرفته ، وأغلق الباب خلفه ، فأستند على الباب وأسدل جفنيه على عينيه ، التى تهدد بسقوط ما إستطاع إختزانه بداخلها ، فلما لا يصرخ الآن ، لعله يتخلص من شعوره بالألم ، ولكن هو لا يريد إفزاع أحد ، فلو بدأ الصراخ لن يكتفى إلا بعد أن تنقطع أحباله الصوتية ، فحينئذ ربما سيكون تخلص من أوجاعه ، التى نسجت خيوطها حول قلبه ، فبعد إكتفاءه من الوقوف ، ذهب لفراشه وقبل أن يتمدد عليه بقامته الطويلة ، نظر لإحدى الوسادتان الموضوعتان على الفراش ، فربما لو كانت الأمور أنتهت على ما يرام ، لكانت سجى واضعة رأسها على تلك الوسادة وغارقة بسباتها ، بينما كان سيظل هو مُسهداً يتأمل وجهها ، بعد أن تجعله يتذوق النعيم برفقتها ، ولكن إنتفاضة جسده من شعوره بتلك النسمات الباردة القادمة من النافذة ، جعلته يلقى بكل الوسائد وأغطية الفراش أرضاً ، قبل أن يتمعن بأفكاره أكثر ويجد نفسه ذاهباً لتلك التى جعلت النوم يجافيه
❈-❈-❈
طوال طريقه من منزل " ماهر زيدان " لمنزله ، وهو يرفع يده يتحسس تلك الورقة المطوية بعناية داخل جيب قميصه ، فهو الآن يحمل معه حبل نجاته من تلك الضائقة المالية الغارق بها ، فكلما تأكد من وجودها تزداد إبتسامته إتساعاً ، فما كان سيقرضه له صبحى نظير زواجه من سجى ، لا يقارن بما أخذه اليوم من ماهر ، فهو ما كان يعنيه هو أن يحصل على المال ، وها هو قد حصل عليه وأضعاف ما كان يريد
فتح باب المنزل ، وما أن ولج للداخل ، حتى وجد فادية تقترب منه قائلة بلهفة :
–ها عملت ايه يا حامد
رد حامد قائلاً بسعادة غامرة:
– خلاص كل مشاكلنا اتحلت يا فادية
كسا الحزن وجه أروى ، فقالت وعينيها دامعتان :
–يعنى سچى وافقت على الجواز من المعلم صبحى
حرك حامد رأسه نفياً وهو يقول:
– لاء موافقتش
رفعت فادية شفتها قائلة بتهكم :
– طب انت فرحان على ايه كده يا حامد ،طالما بنتك موافقتش على الجوازة
أجابها حامد وهو يتحسس جيبه :
– أصل سچى اتجوزت
قطبت فادية حاجبيها قائلة بغرابة:
– اتجوزت مين يا راجل أنت ، أنت اتجننت ولا ايه
أقتربت منه أروى وتلمست ذراعه لتجذب إنتباهه لها وقالت :
– سچى اتجوزت مين يا بابا قولنا وريحنا
ربت حامد على وجنتها وهو يقول :
– اتجوزت إبن ماهر زيدان ، إبنه الكبير إسمه رائف
وضعت فادية سبابتها على وجنتها وقالت بسخرية :
– وهو ده بقى اللى مخليك مبسوط أوى كده يا حامد
أخرج حامد الشيك من جيب قميصه قائلاً:
حامد.....اصلك متعرفيش حماها دفعلى مهرها كام ، دفعلى نص مليون جنيه
شهقتا فادية وأروى بصوت واحد ، فقالت أروى بدهشة :
– بتقول كام يا بابا
رمشت فادية بعينيها عدة مرات قبل أن تقول:
– أنت بتتكلم جد ولا بتهزر يا حامد
ناولها الشيك قائلاً:
– أهو الشيك لو مش مصدقانى
أختطفت فادية الشيك من يده ، وحدقت به هى وأروى وهما لا تصدقان ما يحدث ، ففادية يكاد يصيبها الجنون من أن رجلاً حرر شيكاً بهذا الكم من المال نظير زواج سجى من إبنه
فرفعت وجهها لزوجها وهى تقول بغيظ :
– معقولة فى حد يدفع المبلغ ده كله مهر هى الناس دى اغنيا اوى كده يا حامد
هز حامد رأسه قائلاً:
– فوق ما تتصورى يا فادية دا أنتى مشفتيش البيت اللى هم قاعدين فيه ولا كأنه قصر
ردت فادية قائلة بحقد :
– وبنتك هتعيش فى العز والهنا ده كله
ضمت أروى يديها ودارت حول نفسها وهى تقول بسعادة غامرة من أجل شقيقتها :
– الحمد لله ،ربنا يسعدها سچى ، تستاهل كل خير ، ودا احسن خبر سمعته ، وكويس انها مش هتتجوز اللى اسمه المعلم صبحى ده
وكزتها والدتها بكتفها آمرة إياها :
– أمشى يلا على أوضتك دلوقتى
لم تلقى أروى بالاً لأفعال وأقوال والدتها ، بل زادت من أفعالها بأن أطلقت الزغاريد بصوت عالى وفرت هاربة لغرفتها ، قبل أن تلحق بها ، وظلت تصفق بيدها وتقفز على الفراش ، لشعورها بالسعادة من أجل شقيقتها ، فهى الآن متزوجة من شاب ثرى عوضاً عن زواجها من صبحى ، فظلت تدعو الله أن يمنحها السعادة وأن تحيا بهناء فى كنف زوجها ، بينما ظلت فادية جالسة تتأكلها الغيرة ، فبراكين الحقد قذفت بحممها داخل قلبها ، فهى أرادت لسجى أن تتزوج من صبحى لكى تعانى كما عانت والدتها حتى موتها ، ولكن حمل لها القدر مفاجأة تمثلت بزواج سجى من عائلة ثرية ، وستحيا بنعيم وثراء
❈-❈-❈
إستيقظت من نومها الذى لم يكن هانئاً البتة ، فبآلية أرتدت ثيابها لتذهب للمشفى ، التى تنهى بها التدريب ، قبل أن ينتهى تحصليها الدراسى بالكلية ، لم تكن تريد رؤية أحد ، لذلك تسللت من المنزل بهدوء ، فهى لا تريد أن يراها أحد من عائلة زوجها ، وهى بتلك الحالة المزرية ، فعينيها منتفختان من أثر بكاءها ونواحها بالأمس ، وشحوب وجهها يجعل الرائى يظن أن الدماء لم يعد لها مجرى بداخل وجنتيها ، ضمت ذراعيها حولها وأستقلت سيارة الأجرة التى أشارت إليها ووقفت قريباً منها ، فما أن وصلت للمشفى ورآت ريهام ، أرتمت بين ذراعيها وأنخرطت بالبكاء ثانية
فدب القلق بقلب ريهام وقالت بخوف :
–سچى مالك وعينيكى عاملة ليه كده فى حاجة حصلت ولا ايه ،مالك يا بنتى خوفتينى وقلقتينى ايه اللى حصل لده كله أقولك تعالى نشوف مكان نقعد فيه واحكيلى كل حاجة
أخذتها من يدها وذهبت للمقهى الصغير بساحة المشفى ، فأجلستها بالمقعد وجلست مقابلاً لها وتساءلت :
– انطقى بقى حرام عليكى دمى هرب من الخوف
اعتصرت سجى جفنيها وردت قائلة بصوت متحشرج :
– أنا اتجوزت يا ريهام
دبت ريهام على صدرها وقالت بصدمة :
–يالهوى اتجوزتى مين وازاى وايه اللى حصل وهو اللى عمل فيكى كده ، يعنى أسيبك كام يوم أجازة ترجعيلى متجوزة
قصت سجى لريهام القصة كاملة ، بداية من مجئ أبيها لإخبارها بشأن تزويجها من أحد أصدقاءه ، حتى تم زواجها من رائف
رفرفرت أهدابها الكثيفة وقالت :
– أنتى اتجوزتى رائف ، وده يخليكى تعيطى ، دا أنتى المفروض تكونى طايرة من الفرحة مش ده برضه رائف اللى انتى بتحبيه ودايبة فى هواه واللى قولتيلى لو متجوزتهوش مش هتتجوزى خالص
وضعت رأسها على ذراعها الممدود على الطاولة الصغيرة وقالت بغصة :
– أنتى أصلا متعرفيش هو قالى ايه لما قعد يتكلم معايا بعد ما اتجوزنا
مسدت ريهام على رأسها وقالت بحنان :
–قالك ايه يعنى هيكون شتمك يعنى يا سچى
رفعت سجى وجهها لها وقالت وشهقاتها كاد يسمعها الجالسين حولهما :
– دا قالى كلمة وجعتنى اكتر من الشتيمة والضرب ، قالى أنه متجوزنى بس على الورق ولما اخلص دراستى واقف على رجلى واعتمد على نفسى هو هيطلقنى وكل واحد يروح لحاله
وضعت ريهام يدها على فمها وهى تقول بإندهاش :
– اوووبا هو قالك الكلام ده
أماءت سجى برأسها مراراً وهى تقول:
–أيوة ومن ساعتها وأنا مش مبطلة عياط يا ريهام دا لو ده حصل وهو طلقنى وبعدت عنه أنا ممكن أموت فيها ، دا أنا كنت طايرة من الفرحة ساعة كتب الكتاب وأنه بقى جوزى وحلالى وأن خلاص مش هبقى مكسوفة من مشاعرى ناحيته ، ولا أحس أن أجرمت لما أبصله وأتأمل فيه ، أو أقرب منه
ناولتها ريهام محرمة ورقية قائلة بلطف :
– بعد الشر عليكى ان شاء الله ده مش هيحصل ولا هيطلقك ولا حاجة ، طب تفتكرى هو قالك ليه الكلام ده ، أو محاولتيش تعرفى هو قالك ليه كده
هزت سجى كتفيها دلالة على عدم معرفتها وقالت :
–مش عارفة جايز هو لسه بيحب البنت اللى كان خاطبها الأول، بس تفتكرى انه مش هينفذ كلامه ، هو قالى كده وسابنى ومشى حتى قبل ما أرد عليه أو أقول حاجة
حكت ريهام جانب رأسها وهى تقول بتفكير :
– مش عارفة طب ما تكلمى أكرم جايز هو عارف رائف عمل ليه كده
فزعت سجى من إقتراحها فردت قائلة برفض :
– أنا مقدرش اتكلم مع أكرم في حاجة زى دى
زفرت ريهام من أنفها وقالت بيأس :
–مش عارفة اقولك ايه لو انا ليا كلام مع اكرم جايز كنت سألتهولك وقولتلك
تذكرت سجى ما كان من أمر ريهام بشأن خطبتها لأكرم ، فنظرت إليها وتساءلت بإهتمام وهى تجفف عبراتها :
–صحيح أنتى قولتى لباباكى ومامتك على موضوعك أنتى وأكرم
شردت ريهام بعينيها وهى تتأمل المكان حولها ، فأطلقت زفرة مرتجفة وهى تقول:
– أيوة قولتلهم بس خايفة يا سجى ، لأن بابا وماما لما عرفوا أن أكرم من عيلة غنية خافوا وقالولى دول ناس مش زينا
ردت سجى قائلة بصدق :
– صدقينى يا ريهام دول ناس طيبين ومتواضعين جدا واى واحدة تتمنى تبقى فرد من عيلتهم
قالت ريهام بثقة :
– عارفة يا سچى وواثقة فى كلامك بس ماما قالتلى أاجل الموضوع لحد بابا ما يرجع من العمرة
ألقت سجى المحرمة الورقية من يدها وأخذت أخرى نظيفة وهى تقول:
–خلاص انا اقول لأكرم انك موافقة بس مستنية بباكى يرجع من العمرة وهو ييجى يخطبك واهلك هيتعرفوا عليهم وهيشوفوا بنفسهم انهم ناس كويسين اوى
أرادت ريهام أن تضفى جو من المرح على جلستهما الكئيبة ، فقالت متفكهة :
– إن شاء الله وأبقى أنا وأنتى سلايف دا إحنا هنبقى سلايف النينجا
وضعت سجى يدها على فمها لتكتم ضحكتها على ما قالته ريهام ، فردت قائلة بإبتسامة :
–الله يسامحك ضحكتينى وأنا مش قادرة
مدت ريهام يدها لتربت على وجهها وهى تقول بمحبة :
– أضحكى يا حبيبتى وان شاء الله ربنا هيحققلك كل احلامك
عاودها الحزن من جديد فردت قائلة:
–تفتكرى يا ريهام ده هيحصل هييجى عليا اليوم اللى أفرح فيه ولا الدنيا دى هتفضل كده معايا تحرمنى من كل حاجة بحبها
أجابتها ريهام بكل ثقة ويقين :
– إن شاء الله الأيام دى هتعدى والأيام اللى جاية هتبقى أحلى وأجمل بس خلى أكرم يتجوزنى بس كده وأجيلك البيت وأنا اخطط لك بقى الخطط الجهنمية
رفعت سجى يدها وضغطت على يد ريهام وقالت :
– ربنا يوفقكم وإن شاء الله الخطوبة عن قريب
عادت ريهام لمزاحها ثانية ، فردت قائلة:
– وأنا مستنية من دلوقتى متتأخروش بقى أنتوا عارفين العنوان ولا أبعت حد يجبكم
نظرت سجى بهاتفها وردت قائلة وهى تهم بترك مقعدها :
– دا أنتى مخك لسع أوى يا ريهام ، قومى يلا علشان التدريب هيبدأ
نهضت ريهام من مقعدها وردت قائلة بإبتسامة بلهاء :
– هو فى أحسن من لسعة المخ بالحب يا سجى يا أختى
تنفست سجى بعمق قائلة :
– اه وفى وجع القلب برضه يا ريهام
–سلامة قلبك من الوجع يا حبيبتى
قالتها ريهام وهى تأخذ بيدها تشد عليها بعطف وشفقة لحالها ، فكم تتمنى لو بإمكانها أن تهبها السعادة ، كما وهبتها هى إياها عندما أخبرتها بشأن نية أكرم للزواج منها ، فهى تستحق الأفضل ، فقلبها من ذهب ، فمن يملكه سيملك سعادة الدنيا ، فياليتها تستطيع الذهاب لرائف وإخباره بأن سجى باتت مهووسة به ، ولا ترى رجل غيره
تبادلتا النظرات بينهما ، فأخذت ريهام إحدى يديها وذهبتها حيث هما ذاهبتان ، فلعل سجى تنهمك بالتدريب وتنسى ما أحزنها ولو مؤقتاً ، فظلت ريهام طوال الوقت تراقب أفعالها عن كثب ، فهى لا تريد أن تخفق بتحصيلها الدراسى والذى أوشك على الإنتهاء
❈-❈-❈
مر يوم وإثنان وثلاثة حتى أنتهى أسبوعاً بأكمله ، وهو مازال على حاله وتصميمه الكامل بالإبتعاد عنها ، فمنذ يوم عقد قرانهما ، وهو لم يتحدث معها بأى شأن من شئونها ، بل أخذ جانب الحيطة والحذر ، فبات حبيس غرفته حتى لا يراها ، فكلما كانت تسنح له الفرصة برؤيتها ، يسرع بالإنصراف من أمامها وهو يخشى أن يطيل النظر بعينيها ، ويرى الحزن أتخذهما موطناً ، تلك العينان اللتان يتمنى أن يغرق بأنهارها العذبة ، فعيناها كانت أولى نواقيس الخطر التى راحت تدق بقلبه ، جاعلة إياه لا يتذكر أى أنثى قابلها قبل أن يراها هى ، فحتى ما كان من أمره وحبه لمايا ، لم يعد يتذكر منه شيئاً
أراد خرق إحدى عهوده ، فخرج من غرفته لعله يراها تلج من الباب بإبتسامتها الرقيقة ، ووجنتيها اللتان تكاد تنفجر منهما دماء خجلها ، بات يتلذذ بتعذيب ذاته برؤيتها ، فعلى الرغم من أنها زوجته ، ويحق له كل ما يدور بخلده تجاهها ، إلا أن كبرياءه اللعين يقف له بالمرصاد ، لا يريده أن يجعلها تشعر بالمعاناة من زواجها منه
نظر بساعه معصمه وعاد ينظر لوالدته وجدته متسائلاً :
– هى سچى فين
أحتست صفية من قدح القهوة وهى تقول:
– الظاهر لسه مرجعتش من المستشفى
نظرت هدى لباب المنزل المفتوح لعلها تراها قادمة فقالت بقلق:
– بس مش عوايدها تتأخر كده
ردت صفية قائلة بهدوء :
– إن شاء الله زمانها جاية يا هدى متقلقيش
إستقامت هدى بوقفتها وهى تقول:
– أنا هروح اشوف شادى فين هو كمان ليكون بيعملنا مصيبة ، أصل هو مبيقعدش ساكت
قبل أن تصل للباب ، وجدت شادى قادماً على وجهه آثار سوداء تشبه السخام ، ففغرت والدته فمها وقالت :
– إيه اللى فى وشك ده كنت بتعك إيه يا شادى
قهقه شادى على قول والدته ، فقال وهو يحك فروة رأسه :
– كنت بعمل تجربة فى المعمل كالعادة وأهو باين على وشى أثار النجاح أهو ، حتى سجى لما قابلتنى برا أترعبت منى
ردت صفية مبتسمة:
– هى سچى جت
هز شادى رأسه قائلاً:
– ايوة حتى جايبة معاها شنطة هدايا ، بتقول كان عيد ميلادها النهاردة وزمايلها فى المستشفى جايبين لها هدايا
عادت هدى وجلست بجانب والدة زوجها وهى تقول:
– إيه ده هو النهاردة عيد ميلادها وإحنا منعرفش احنا لازم نجبلها هدية
حدقت صفية بوجه رائف ، الذى يبدو عليه الشرود ، فردت قائلة بدهاء :
– أيوة يا هدى أنتى تكلمى الجواهرجى ييجى ويجبلنا تشكيلة حلوة معاه علشان نختار ليها هدية تليق بحرم رائف زيدان
تابع رائف الحديث الدائر بينهم بصمت ، فما أن سمع قول جدته ، حتى أنتفض كل عرق به ، خاصة بذكرها تلك الكنية ، التى تحملها سجى ظاهرياً ، فآه لو يعلمون أنه لا يتمنى سوى أن تصبح له قلباً وقالباً ، فربما سيصبهم الدهشة والتعجب من كم ذلك العشق الذى يكنه لها ، ولكن يترافق معه شعوره بالألم
فكر أن يبتاع هدية من أجلها ، فالوحيد الذى بإمكانه مساعدته الآن هو شقيقه أكرم ، فلم يتوانى عن الاتصال به ، فأنتظر حتى جاءه الرد على الطرف الآخر ، فقال بهدوء :
– أيوة يا أكرم ، كنت عايزك تعملى خدمة
رد أكرم قائلاً بترحيب :
– بس كده عيونى الإتنين أؤمر
أخبره رائف بما يريده منه ، فقال أكرم بود ولطف :
– تمام كده فهمت عايز ايه ، بس ياريت بقى تبقى الهدية دى عربون محبة وتبطل تعذيب فى نفسك وفيها يا رائف
إستشاط رائف منه غضباً ، كونه أنه لا يكف عن تحريضه لخطب ود سجى ، فتمتم بصوت منخفض :
– أنت تعمل اللى قلتلك عليه وأنت ساكت ماشى ، وكفاية بقى كلامك ده يا أكرم
أسرع رائف فى إنهاء المكالمة بينه وبين شقيقه ، فهو لا يعلم الكم الهائل من الضغط الذى يمارسه على أعصابه التى لم يعد بإمكانها التحمل أكثر من ذلك ، فبعد شعوره بالضيق والإختناق ، خرج للحديقة ، لعل الجلوس فى الهواء الطلق يعيد إليه رشده ، بعد تلك اللمحة الخاطفة من الضعف التى زارته بعد تفوه جدته بكنية سجى
فبالشقة وبعد عودتها من المشفى تحمل عدة حقائب بداخلها الهدايا ، التى حصلت عليها اليوم من زملاءها والعاملين بالمشفى بعد إقامتهم لحفل صغير إحتفالاً بذكرى يوم مولدها ، ولجت للمرحاض لتغتسل قبل أن تذهب لرؤية ذلك القاسى متحجر القلب ، والذى يبدو أنه يمتلك تجويف فارغ مكان قلبه ، ولن يرأف بها أو بقلبها اللاهب ، فمن أسماه رائف وهو لا يعرف للرأفة سبيل ، وإلا ما كان سيتركها هكذا كزهرة فى مهب رياح اليأس والحزن
ولكن ما أن خرجت من الشقة ، ووقع بصرها عليه وهو جالساً بالحديقة ، حتى تبخر ضيقها وإستياءها منه ، ووجدت نفسها تخطو خطواتها تجاهه بابتسامة ناعمة على شفتيها ، وراحت تردد إسمه بهمس وخفوت
فما أن رآها رائف قادمة بإتجاهه ، حتى أغمض عينيه مبتسماً ، يشعر بأحاسيس لذيذة تعلو وتيرتها بداخل قلبه ، فحضورها كنسمة هواء تلطف من لهيب قلبه المشتعل بصدره
فلم يعد لديه الوقت الكافى ليترك مكانه ، إذ وجدها تقترب منه قائلة بخجل :
– السلام عليكم
رد رائف قائلاً بإبتسامة جذابة :
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، كل سنة وانتى طيبة أنا عرفت أن النهاردة عيد ميلادك
جلست سجى على طرف تلك الأريكة الخشبية التى يجلس عليها وقالت :
– وأنت طيب وبخير شكراً
نظرت لتلك الوردة التى يحملها بين كفيه بحرص ، كأنه يخشى تلفها ، فكم تتمنى لو أن تكون قريبة منه لهذا الحد ، فأشتعل خديها بلهيب الخجل ، وأطرقت برأسها أرضاً وظلت تفرك يديها بتوتر ، تخشى أن ينتبه على ما أعتراها ، ولكنه أراد أن تكف عن فعلتها المتوترة ، فأقترب منها ومد يده وأمسك كلتا يديها بيد واحدة ، فخفق قلبها كعصفور سجين بين أضلعها ، تتمنى لو أن تطلق سراحه
– أنتى مالك متوترة أوى ليه كده
قال رائف بإهتمام ، فهو لا يعلم ما أصابها منذ جلوسها على مقربة منه
فأجابته وهى تزدرد لعابها :
–هاا لاء مفيش حاجة انا كويسة
ملمس كفيها الناعمين بين يده ، جعله يصُم أذنيه عن سماع ذلك الصوت الصارخ به من أنه يجب أن يتركها ويذهب الآن ، فغاب العقل ولم يعد محط طلب منه الآن
فقال وعيناه تلتهم وجهها بشغف :
– مفيش حاجة وكويسة إزاى دا أنتى زى ما تكون شفايفك عايزة تقولى حاجة بس الكلام مش راضى يطلع منها ، يا ترى إيه اللى مخبياه وراهم وورا عينيكى الحلوة دى
أتسعت مقلتيها وهى لا تصدق أنه هو رائف بذاته ، وأنه الأن يغازلها ، بل لم يكتفى بقوله ، إذ أخذ وجهها بين كفيه وأدناها منه ببطئ وتمهل ، فكادت أنفاسه الحارة تحرق بشرتها الناعمة ، كأنها ألسنة لهب ، وسكنت رائحة عطره بداخل رئتيها ، فبتردد رفعت يديها المرتعشتان بإنفعالات عدة ، وأرادت أن تريحهما على صدره ، ولكن كأنها تفتقر لتلك الشجاعة التى تمكنها من فعل ذلك ، أراد إعفاءها من شعورها بالخجل ، فأمسك كلتا يديها ووضع إحداهما موضع قلبه والأخرى تجاورها على صدره ، فراح قلبه يخفق بقوة ، وكأن تلك الخفقات ستخبرها بأنه لم يعد يطيق الانتظار أو الفراق ، وظل يدنو بوجهه منها ، حتى صار لا يفصله عنها سوى إنش أو إثنين
فهمس لها بعبارته التى خدرت كل حواسها :
– إتمنيتى إيه فى يوم عيد ميلادك يا سجى
أجابته والعشق يختلج بصوتها الناعم :
– إتمنيتك أنت يا رائف
يتبع...