رواية لا أحد سواك رائفي- بقلم الكاتبة سماح نجيب- الفصل الثاني عشر
رواية لا أحد سواك رائفي
بقلم الكاتبة سماح نجيب
رواية لا أحد سواك رائفي
الفصل الثاني عشر
١٢– " أنتمى لك وحدك "
❈-❈-❈
أنشرح صدر هدى بإقتراح والدة زوجها ، فهى كانت بصدد إقتراح الأمر ، ولكنها خشيت رفض ولدها ، وهو من كان عازفاً عن الزواج حتى يتم زواج شقيقه الأكبر أولاً ، ولكن ربما الآن لن يستطيع الرفض بعد علمه بأن رائف لا يريد الزواج وهو بحالته تلك ، ولكن عاد وأغتم قلبها من تذكرها بأن رائف وضع شارة ممنوع الحب والزواج على باب قلبه ، ولكن لم تكن تريد التمعن فى التفكير بالأمر ، لذلك عادت تنظر لوالدة زوجها
فإبتسمت هدى وقالت بأمل :
– طب ياريت يا ماما دا أنا حبيت البنت أوى ومش عيزاها تمشى من هنا ياريت أكرم فعلا يوافق أنه يتجوزها وتفضل معانا هنا على طول ، أنا مش هلاقى أحسن منها زوجة ليه
أبتهج ماهر بسماع حديث زوجته ، والذى لا يختلف كثيراً عما صار يكنه لسجى من محبة كتلك المحبة لأولاده ، فرد قائلاً:
–خلاص إحنا نعرض عليه الموضوع ونشوف رأيه إيه وزى ما انتوا بتقولوا البنت مؤدبة ومتعلمة وخسارة فعلا انها تخرج من هنا وتتجوز حد غريب
زفرت صفية براحة بعد سماع حديث إبنها وزوجته ، فأسندت ظهرها للمقعد بإرتياح قائلة :
–خلاص احنا نقعد مع أكرم ونقوله على الموضوع وهو يقولنا رأيه ايه فى الجوازة دى
نظرت هدى لباب المرحاض وقالت بصوت منخفض :
–ماشى بس مش هنكلمه هنا هنكلمه فى البيت علشان احسن ليرفض ونبقى احرجنا البنت وخلاص
أماء ماهر برأسه قائلاً بصوت منخفض هو الأخر :
– إحنا منجبلهاش سيرة عن الموضوع ده إلا لما نعرف رأى أكرم الأول ماشى
هتفت صفية بذات الصوت المنخفض :
–خلاص ماشى وكويس انكم موافقين على الاقتراح ده ، لأن انا قلبى بيقولى ان اللى اقنع ابوها بالموضوع ده هى مرات ابوها ، علشان نعمة الله يرحمها قالتلى ان الست دى بتكره سچى ومش بطيقها علشان كده طلبت منى أن أنا أخلى بالى من سچى ومخليش ابوها ياخدها تعيش معاهم
أرتسمت معالم الإشفاق على وجه ماهر ورد قائلاً:
–البنت فعلا صعبت عليا أن ابوها فكر بالطريقة دى ، وما أهتمش أن ممكن تكون الجوازة اللى عايز يغصبها عليها سبب تعاستها ، وفعلاً ممكن تكون مرات أبوها السبب
قالت هدى بإشمئزاز :
–هو فى ناس كده مبتحبش الخير لحد ربنا يكفينا شرهم
كفوا عن الحديث بعد رؤيتهم سجى تخرج من المرحاض ، ولكن تعجبت من كونهم ينظرون إليها بإبتسامة ربما لا تناسب تلك الحالة المزاجية ، التى أصبحت عليها بعد قول أبيها
إلا أنها رآت صفية تترك مكانها وتقترب منها ، فضمتها إليها قائلة بحنان :
–خلاص يا حبيبتى متشليش هم احنا هنتصرف فى الحكاية دى ومتشغليش بالك
أقتربت هدى منها هى الأخرى وهى تطالعها بإعجاب وإهتمام :
– ايوة أنتى نامى وارتاحى ومتفكريش فى حاجة خالص ماشى يا حبيبتى وانتى كده اليومين الجايين معندكيش تدريب ولا جامعة فارتاحى خالص يا سچى واهدى يا حبيبتى
إبتسم لها ماهر قائلاً:
– تصبحى على خير يا بنتى يلا يا أمى أنتى وهدى
على الرغم من كونها لم تفقه شيئاً من أنهم لا يبدو عليهم التأثر مثلما حدث لهم عندما علم بأمرها ، إلا أنها ردت قائلة بإجهاد وإرهاق:
–وانتوا من أهله
رافقتهم سجى إلى باب الشقة ، فنظرت بالخارج لعلها تراه ، ولكنها لم تجد أحد جالساً بالحديقة ، فيبدو أن رائف وأشقاءه عادوا للداخل ، فبعد خروج صفية يتبعها ماهر وهدى ، أغلقت سجى الباب وعادت لبكاءها ثانية ، فكيف يفكر أبيها بإنتزاع جذورها التى بدأت تنبت هنا بهذا المنزل ، فهى لا تستطيع التخيل أو التفكير بأنها من الممكن أن تنتمى لأحد غيره ، أو أن تصبح زوجة لرجل غير ذلك الذى دق قلبها له
بداخل المنزل ، جلس الأشقاء الثلاثة بالصالة ، ولكن رائف يجلس كمن يجلس على جمر حارق ، فالقلق بدأ ينهش قلبه ، يريد أن يعلم ماذا حدث مع سچى ؟ وماذا كان يريد والدها منها؟ ولماذا انصرف بهذه السرعة ؟ ولماذا تأخر والديه وجدته عند سچى؟
تأفف من كثرة التفكير الذى يعصف بعقله ، فزفر قائلاً بإستياء :
– أوووووف
أنتبه شادى على زفرات رائف الحانقة ، فأقترب منه متسائلاً بقلق وإهتمام :
–مالك يا أبيه فى ايه أنت تعبان ولا إيه
حاول رائف الإبتسام وربت على يد شادى قائلاً بهدوء :
–مفيش حاجة بس رجلى وجعانى شوية يا شادى
قضم أكرم شفته السفلى قائلاً بدهاء :
–رجلك برضه اللى وجعاك يا رائف الف سلامة عليك يا حبيبى
أتسعت طاقتى أنف رائف من حديث أكرم ، فجز على أسنانه قائلاً بغيظ:
– هو مفيش حاجة اخبطك ولا اضربك بيها يا اكرم وارتاح
أدنى أكرم برأسه من رائف متفكهاً :
–وتعورنى واوا يا أبيه اخس عليك
دفعه رائف عنه لعلمه أن أكرم لن يصمت ، فصاح به قائلاً بأمر :
– أخرص ياض أنت مش عايز أسمع صوتك نهائى فاهم
تعجب شادى من شجار شقيقيه على غير العادة ، فنظر لهما متسائلاً :
–هو فى ايه انا مش فاهم حاجة ومالكم كده فاضل شوية وتضربوا بعض وانت يا ابيه رائف شكلك مضايق اوى
لم يكتفى أكرم بالاقتراب من رائف ، بل أنه جلس على طرف مقعده ، فقال محاولاً إغاظته قدر إمكانه :
– ما تخافش يا شادى رائف كويس بس هو عنده مرض لذيذ كده اسمه الغيرة والعشق ، وعنده برضه داء الإنكار اللى ساعات بيودى صاحبه فى داهية
حك شادى ذقنه يتمعن فى قول أكرم ، فعقد حاجبيه قائلاً:
– أنا مش فاهم حاجة من اللى بتقوله يا أبيه ، وضح كلامك
أنتشى أكرم بتذكره وجه ريهام ، ولا يعلم لما داهمت صورتها مخيلته الآن فرد قائلاً بحالمية :
–لما تكبر شوية كمان هفهمك يا شادى ياحبيبى
رفع رائف وجه لأكرم ، فوكزه ببطنه وكزة قوية ، كاد يسقط أكرم على إثرها ، فرد قائلاً بحنق :
–ما تاخدش فى بالك يا شادى أكرم مستخف دمه اوى اليومين دول فاكر نفسه دمه خفيف وهو رزل ورخم وغتت ودمه تقيل
وضع أكرم يده على بطنه محاولاً التخفيف من شعوره بالألم قائلاً :
– أنا دمى تقيل ! دا انا طول عمرى دمى خفيف وشربات كده ومحصلتش ، وخف إيدك شوية يا رائف ، إيدك دى مرزبة يا أخى
حدق به رائف ، فما لبث أن قال مغمغماً:
– دا أنت دمك يلطش ، ثم بطل نرفزة فيا كل شوية يا أكرم
قبل أن يسمع رداً من شقيقه ، رآى والديه وجدته يدلفون للصالة ، فرمق أبيه قائلاً بلهفة متواريه خلف حديثه البارد :
– هى سچى مالها يا بابا ، قصدى باباها كان عايز إيه منها ومشى على طول كده ومرضيش يقعد
رفع ماهر يده يشير لأكرم بأن يتبعه وهو يقول :
– هنحكيلكم على الموضوع بس تعال انت يا اكرم معانا على المكتب دلوقتى
ترك أكرم مكانه متسائلاً بجدية :
–فى حاجة ولا إيه يا بابا
دفعته جدته ليسبقها بالسير وهى تقول متأففة :
– يا واد تعال وانت ساكت ياساتر يارب على رغيك وفضولك
إستدار أكرم برأسه لجدته قائلاً :
–رغيى وفضولى! هو انا قولت حاجة انا بسأل بس يا تيتة
بلمسات الأم الحانية ، كانت هدى تربت على وجهه ، تهديه إبتسامة عذبة وهى تقول بلين :
–تعالى بس يا حبيبى واسمع الكلام متخافش
زاد شعور أكرم بالقلق ،فرد قائلاً :
–هى فيها متخافش لاء انا كده خوفت الصراحة
صاح به والده بأمر:
– أخلص بقى يا أكرم وأدخل قدامى يلا
أمتثل أكرم لأمر أبيه ، فولج غرفة المكتب ، وجلس على أحد المقاعد ، واضعاً يده على وجنته فى إنتظار سماع حديثهم ، فعقد حاجبيه وهو يفكر بأسباب إستدعاء أبيه له ، أو لما ينظرون له هكذا
فهتف بهم متسائلاً بقلق :
–هو فى ايه وايه الابتسامة اللى على وشكم دى ليه حاسس ان فى حاجة مش مريحانى
ردت صفية مبتسمة:
–إيه رأيك تتجوز يا أكرم يا حبيبي
تألقت عيناه ببريق السعادة ،فرد قائلاً وهو يفرك يديه بحماس:
–يا فرج الله وفرتوا عليا الكلام أنا كنت عايز اكلمكم فى الموضوع ده بس قولت استنى شوية لما اعرف رأيها ايه
خطى والده بخطواته تجاهه وقبض على كتفه قائلاً بإبتسامة :
–يعنى أنت موافق يا أكرم أنك تتجوز ومعندكش مانع
وضع أكرم يده على يد أبيه قائلاً :
–ايوة طبعا يا بابا هو حد يقول للجواز لاء يعنى
صاحت هدى بسعادة وقالت :
–بجد يا حبيبى انت فعلا مش هتلاقى عروسة احسن من سچى وإحنا كلنا موافقين عليها
أختفت معالم السعادة من وجه أكرم ورد قائلاً بصدمة :
–بتقولوا مين العروسة
أقتربت منه جدته ، لترسخ بعقله حقيقة أنه لن يجد من هى بمثل أخلاق سجى ، فهتفت به بحنان ولطف :
–سچى يا حبيبى وأنت شايف هى محترمة ومؤدبة ازاى وتربيتها واخلاقها عالية
قالت والدته هى الأخرى بتأييد لحديث والدة زوجها :
– فعلاً وأنا حبيتها وياريت فعلا تتجوزوا يا أكرم
يأتيه الحديث والمديح بسجى من كل حدب وصوب ، ولكن ليست هى من يريد الزواج ، فهو من المحال أن يفكر بالأمر ، وكيف ذلك وهو يحب غيرها ، علاوة على أن شقيقه رائف وقع بغرام سجى
فرفع يديه يشير لهم بإلتزام الصمت ، فحدق بوجوهم قائلاً بصدق :
– لحظة بس واهدوا عليا كده، أنا عايز اتجوز اه بس مش اتجوز سچى ، اللى عايز أتجوزها دى تبقى واحدة صاحبة سچى كانت بتدرب معاها فى المستشفى وهى بنت كويسة جدا وانا كنت ناوى اكلمكم فى الموضوع بس لما اعرف رأيها هى الاول
زفرت صفية قائلة بقلة حيلة :
–طب وبعدين فى المصيبة دى بقى يا ماهر
خشى أكرم رفض والديه ، فنظر لجدته قائلاً:
–هو جوازى بقى مصيبة يا تيتة ، هو أنتوا مش ناويين توافقوا على العروسة ولا إيه
هزت والدته رأسها بنفى وهى تقول:
–مش قصدها عليك انت ، قصدنا ان سچى واقعة فى مصيبة وكانت ممكن تنحل لو أنت اتجوزتها
لم يعى أكرم مغزى قول والدته ، إلا أنه نظر إليها مقطباً حاجبيه متسائلاً:
–مصيبة ايه دى اللى مش هتنحل الا بالجواز
رد والده قائلاً بصوته الرصين :
– باباها جاى عايز يجوزها راجل كبير فى السن ومتجوز ومخلف كمان وانت عارف سچى امانة عندنا فاحنا فكرنا ان لو انت اتجوزتها باباها مش هيقدر يمشى الجوازة دى
وضعت هدى رأسها بين يديها مغمغمة :
–طب والحل ايه دلوقتى حتى شادى أصغر منها
حدق أكرم بوجوهم تباعاً ، فكيف لم يعى أى منهم على مدى حب رائف لسجى ، فهتف بهم بهدوء :
–طب انتوا مش ناسيين حد غيرى انا وشادى ياجماعة ، أنتى نسيتى رائف يا ماما ، رائف هو الكبير ازاى مفكرتوش فيه ،أو أن تعرضوا عليه الموضوع هو أول واحد
نظر إليه والده قائلاً بدهشة:
–رائف ! طب ازاى وانت عارف بعد الحادثة وطريقته وعصبيته بقت ازاى ولا ردود فعله بقت صعبة ، دا ممكن يعمل فيها حاجة وهو مش حاسس دا عامل زى القنـ ـبلة الموقوتة
أماءت صفية برأسها وهى تقول:
– فعلاً دا حتى كمان يا اكرم طريقة كلامه مع سچى ناشفة شوية وتحس انه دايما يضايقها ويهاجمها فى الكلام وبيزعلها ، وبيخليها تعيط بسبب ومن غير سبب
إبتسم أكرم بهدوء ، ورد بتفهم :
– وأنتوا مش ملاحظين أن ممكن تصرفاته دى مع سچى بيدارى بيها حاجة جواه مش عايز حد يعرفها
ردت والدته وهى ترمقه بإهتمام :
–حاجة ايه دى اللى بيداريها رائف طول عمره واضح وصريح فى تصرفاته
وضع أكرم يده ورفع وجه والدته له قائلاً بإبتسامة هادئة:
– لاء يا ماما رائف بيدارى حبه لسچى بعصبيته ونرفزته ومعاملته ليها ، حتى لو سألتوه هينكر ومش هيعترف بس انا حاسس باللى جواه دا بيغير عليها من الهوا وبيغير عليها منى انا وشادى او اى حد يقرب منها دا انتوا مشفتوش لما عرف ان يوسف عايز يتجوزها كان مش بعيد ارتكبلنا جريمة
أحتلت الصدمة وجوههم ، إلا أن هدى شدت على يد أكرم وتساءلت :
–بجد يا أكرم هو بيحبها اوى كده
هز أكرم رأسه بالإيجاب ورد قائلاً:
– أوى أوى يا ماما بس مش راضى يقول ويعترف وبيوهمنى ان اللى انا شايفه وحاسه من ناحيته وهم وانى بخرف بس رائف انا عارفه كويس
سعادتها بإقتراح زواج أكرم من سجى ، لا تقارن الآن بسعادتها بعد علمها بأن رائف يشعر بالحب تجاه سجى ، فطالما تمنت له زوجة مثلها ، وربما الله إستجاب لدعاءها ، فهاهى تعلم الآن أنه غارق لأذنيه بالعشق
فحدقت بوجه زوجها قائلة بسعادة غامرة:
–رائف بيحب سچى يا ماهر انا مش مصدقة نفسى ابنى خلاص لقى حب حياته والبنت اللى كنا بنتمنهاله
قال ماهر وهو لا يعى هو الآخر كيف حدث هذا :
ولا احنا مصدقين انت متأكد من كلامك ده يا أكرم
أماء أكرم برأسه قائلاً بثقة :
– أيوة طبعا بس لو أنتوا عرضتوا الموضوع عليه أنه يتجوزها بطريقة عادية كده رائف هيرفض ومش هيرضى يتجوزها
بُهتت صفية من قوله ، فردت قائلة:
–ليه بقى مش انت بتقول انه بيحبها ومتعلق بيها
أخذ أكرم نفساً عميقاً وقال:
– انا قولتلكم هو بينكر مشاعره دى لان من ساعة الحادثة واللى عملته مايا بقى اعتقاده انه خلاص مبقاش ينفع يحب ويتجوز وهو بحالته دى بس لو انتوا مثلا دخلتوا لرائف من ناحية الشهامة وتقولوله ان سچى واقعة فى مصيبة وانها هتتجوز راجل كبير فى السن وهتتبهدل هيوافق على طول يعنى عايزكم بقى تضخموا الموضوع على قد ما تقدروا وتحطوا شوية شطة كتير وفلفل فى الموضوع بصوا من النهاية عايزكم تولعوها ، اسمعوا منى بس رائف عنيد يعنى متبسطوش الموضوع وهو طبعا لما يعرف اللى هيحصلها هيوافق على طول
وافقت هدى على إقتراحه فردت قائلة:
– خلاص احنا نحكيله الموضوع ونطلب منه انه يساعدها
أشار أكرم بإبهامه دلالة على موافقته على ما قالته والدته :
–وهو المطلوب اثباته يا ماما ، ومش هوصيكى بقى يا صفصف شطة وتوابل كتير عايزك تسبكى الأكلة قصدى الجوازة
قهقهت صفية وقالت :
– دى أكلة دى ولا جوازة ، يلا يا واد أنت إحنا نخلص من الموضوع ده ونشوف حكايتك إيه أنت كمان يا دكتور
تنهد أكرم وهو يقول بصوته الحالم :
–يااااه دى حكاية زى القمر وتعجبك أوى يا تيتة متفرقش عن سچى
ردت والدته مبتسمة :
– ماشى ياعم الحبيب خلص نادى لاخوك وبعدين نشوف موضوعك ده بس نخلص موضوع سچى الأول
خرج أكرم من غرفة المكتب مهرولاً ، حتى وصل لمجلس شقيقيه ، وأخبر رائف بأن أبيه يريده بأمر هام ، فتعجب رائف مما يحدث ، إلا أنه صمت ونهض من مقعده مستنداً على عصاه ، حتى وصل لغرفة مكتب أبيه
فأسرع بالجلوس ، ليريح قدميه ، فنظر لأبيه قائلاً بإهتمام وإحترام :
– خير يا بابا ، فى ايه عايزينى ليه ، وايه الحكاية بالظبط ناديتوا لاكرم ودلوقتى انا ، فى ايه بالظبط عايز اعرف لأن أبتديت أقلق
وضعت جدته يدها على يده وقالت :
–خير يا حبيبى ان شاء الله متقلقش
رمقه والده بصمت ، ولكن قبل أن يعبر رائف عن دهشته من صمتهم ، كان والده يقول :
–دى مشكلة تخص سچى يا أبنى ، وعايزين نحلها وأنك تساعدنا
إزداد شعوره بالقلق ، ولكنه أجاد تصنع الهدوء وهو يقول بصوته ذو اللكنة الجذابة :
– مشكلة إيه دى اللى تخص سچى واللى شغلاكم اوى كده
نظر ماهر للأرض وقال بنبرة حملت شعور بالأسى والحزن :
–باباها كان جاى عايز يجوزها ، جايبلها عريس وعايزها تتجوزه
–ما يجوزها وفيها ايه دى هو الجواز بقى مشكلة ثم إن مسيرها تتجوز سواء دلوقتى أو بعدين
قالها عبارته بفؤاد أصابه التمزق من كل حرف نطق به ، فهو يحسد حاله على ذلك البرود الذى أكتنف صوته ، على الرغم من تلك النيران التى شبت بقلبه
حدقت به والدته لعلها تستطيع أن تدرس إنفعالاته من حديثها :
–بس يا حبيبى العريس راجل فى سن ابوها وراجل متجوز وكمان عنده اولاد اكبر منها والبنت ممكن تتبهدل بسبب الجوازة دى
عند هذا الحد وصاح قائلاً بعصبية مفرطة ، ولم يعد يعى ما يتفوه به :
–وازاى أبوها يفكر فى حاجة زى دى هى دى مش بنته ويهمه مصلحتها ، عايز يرميها لراجل كبير ، ده مستحيل يحصل ، كلمه انت يابابا يمكن يرجع فى كلامه ويسيبه من الجوازة دى، سجى مستحيل تخرج من هنا مستحيل
حاولت صفية إخفاء إبتسامتها ، فرسمت معالم الحزن على وجهها وقالت :
–علشان كده احنا خايفين عليها لابوها يجوزها فعلا الراجل ده يا رائف والبنت مستقبلها يضيع ، لأن شكله مصمم على ان الجوازة دى تتم يا رائف
ظل رائف يضرب ساقه بإحدى يديه ، يحاول البحث عن حل أو مخرج لتلك المشكلة ، فجز على أسنانه قائلاً:
–طب وايه الحل ، وبعدين يعنى انتوا هتسبوها تتجوز الراجل ده
مدت هدى يدها وقبضت على كفه لعله يكف عن حركته المتوترة ، فردت قائلة:
–لاء طبعا بس احنا بنفكر نجوزها احنا علشان باباها ميعملش كده
إستكان رائف لملمس يد والدته ، فتمتم متسائلاً:
– عايزين تجوزوها مين يا ماما
ردت صفية قائلة بإبتسامة عريضة :
– أنت يا حبيبى اللى عايزينك تتجوز سچى ، وتبقى فى عصمتك وساعتها باباها مش هيقدر يجوزها لحد تانى ، فإيه رأيك يا حبيبى
نضبت الدماء من وجهه بعد سماع قول جدته ، فهل هى تقدمت بإقتراح لزواجه من سجى ؟ أم ربما هو من أخطأ بسماع قولها ، فهل من الممكن أن تصبح سجى زوجة له ، ملك له هو ، تحمل إسمه وكنيته ، بل لن تتوقف الاحلام لهذا الحد ، بل ستحمل أيضاً أطفاله
التطور السريع لأفكاره ، جعله يفيق من تلك الحالة التى ألمت به جراء إقتراح جدته ، فرد قائلاً بصوت شابه الصدمة :
– انتوا بتقولوا ايه ، اتجوزها ازاى وانتوا شايفين اللى انا فيه
مسد ماهر على رأسه وهو يقول برجاء :
–حبيبى اعتبرها خدمة تقدمها لبنت محتاجة مساعدة فى وقت صعب وتنقذها من ان مستقبلها وحياتها يدمروا ، انا عارف أنك شهم وراجل ومتتخلاش عن حد محتاج مساعدة يا حبيبي
فقالت هدى وهى تشد على كفه بين يديها :
– أنت برضه مش هيرضيك انها تتبهدل يا رائف بسبب جوازة زى دى
أنتقلت صفية من مقعدها وجلست بجواره ، تحاول إستمالته للموافقة ، فقالت بصوتها الحانى :
– وانت عارف ان امها الله يرحمها مأمنانى وموصيانى عليها وانى مخليهاش تتعرض لاى حاجة تضايقها بسبب ابوها
أصابه الارتباك والتوتر من حديثهم ، فقال وهو يشير لساقيه :
– اهدوا عليا يا جماعة ، أنتوا شايفين اللى أنا فيه ، علشان هى متتجوزش واحد تانى ، تقوم تتجوزنى وأنا بحالتى دى ، عايزين تجوزوها واحد عاجز
دمعت عيني هدى على قوله ، فردت قائلة:
–وماله اللى أنت فيه يا حبيبى انت حالتك اتحسنت كتير اوى عن الأول وشوية وتعمل العملية وتبقى زى الفل
رد رائف قائلاً بغصة :
– وفرضاً هى اللى رفضت الجواز منى يعنى هتعملوا ايه
قال والده بحذر :
–يعنى أنت موافق من حيث المبدأ
أزدرد رائف لعابه ورد قائلاً بتوتر :
–والله لو ده اللى هيحل الوضوع وهيساعدها مفيش مانع وانا متعودتش اشوف حد فى زنقة واسيبه بس لو هى رفضت خلاص تنسوا الموضوع ده ماشى
راحت صفية تقبله على وجنته بسعادة وقالت :
– احنا هنكلمها يا حبيبى ونشوف رأيها ولو وافقت خلاص تتجوزوا ونكتب الكتاب بسرعة
أنحنى ماهر قليلاً للأمام متسائلاً:
– ها ساكت ليه قولت إيه يا رائف ؟
نكس رائف رأسه وهو يقول:
– مش لما اعرف رأيها ايه الاول يا بابا ، وبعد كده هنشوف نعمل إيه
قالت هدى بثقة وسعادة :
–هى إن شاء الله هتوافق يا رائف ، أنت عريس أى بنت فى الدنيا دى تتمناه
إبتسم رائف بألم قائلاً:
–متبقيش متفائلة اوى كده يا ماما ، كل بنت عايزة جوزها يبقى بكامل صحته مش عامل حادثة وعاجز وبيمشى بعكاز
ردت والدته بحزن :
– وأنت يا قلبى مش ناقصك حاجة ثم ان ده حاجة بتاعة ربنا ملناش يد فيها
أرادت صفية فض ذلك النقاش الحزين ، والذى ربما سيجعل رائف يحيد عن موافقته ، خاصة إذا ترك المرارة تطغى على روحه بتذكره ما كان من أمره قبل الحادث وما صار إليه الآن
فصاحت صفية بهما بسعادة :
–خلاص احنا ان شاء الله بكرة نكلم سچى ولو وافقت نبقى نكتب الكتاب قبل ابوها ما ييجى تانى ، وكده تبقى سجى مراتك يا رائف ومحدش يقدر ياخدها من هنا
لم يقوى على سماع كلمة أخرى أو أمنية من تلك الأمنيات التى راحت والدته وجدته تنسجانها بمخيلتهما
فهب واقفاً وهو يقول :
–طب عن اذنكم أنا عايز أرتاح شوية
خرج رائف من غرفة مكتب أبيه شارداً ، كأنه لا يرى شئ أمامه سوى وجه سجى ، فعادت تلك الأمنيات توخز قلبه ثانية ، فكم سيحلو له أن تصير له زوجة ، يغفو بعد رؤية وجهها ويستيقظ صباحها بعد سماع صوتها الشجى
لم يفيق من شروده إلا بعد سماع أكرم يهتف به بفضول
– ها إيه الأخبار قولى يلا بسرعة
قبض رائف على عصاه بقوة ، فالألم بساقيه لا يُحتمل ، فرد قائلاً بأنين :
–يبقى أنت اللى قولتلهم انى انا اللى اتجوزها صح
أماء أكرم برأسه قائلاً:
– ما انت عارف انا ومنفعش علشان أنا معجب بواحدة تانية وشادى صغير عنها يبقى مفيش غيرك أنت يا حبيبى ، وأهو تكون اتجوزت اللى سكنت قلبك
ألتوى ثغر رائف بإبتسامة ساخرة وهو يقول:
–متفرحش أوى كده جايز هى ترفض الجواز منى
أمسك أكرم ياقة قميصه قائلاً بثقة ويقين وشئ من الدعابة:
– مظنش أنها هترفض وبكرة تشوف وتقول اكرم قال ، بس عايزكم أول ولد تخلفوه تسموه أكرم ، يا تعملولى تمثال وتحطوه فى أحسن مكان فى البيت
لم يكن رائف بمزاج لسماع حديث أكرم ، ففض النقاش بينهما قائلاً وهو يتجه صوب غرفته :
–روح نام يا أكرم وسيبنى انا كمان اروح أنام
ترك شادى مكانه وأقترب منهما قائلاً بتفكه :
–هى ايه الحكاية انت دخلت يا ابيه اكرم وبعدين ابيه رائف هو انا اسمى مش مكتوب فى الكشف وهيتنادى عليا انا كمان ولا ايه
ضحك أكرم على قول شادى ، فربت على صدره قائلاً:
– لاء الكشف ده انت مينفعش تبقى فيه دلوقتى يا شادى خليك الدور الجاى
إبتسم رائف وحرك رأسه بيأس من مزاح أشقاءه ، ففتح باب غرفته وهو يقول:
–تصبحوا على خير دا أنتوا فايقين ورايقين اوى
ولج غرفته وأغلق الباب خلفه ، فبخطوات بطيئة وصل لفراشه ، فجلس على طرف الفراش ، ووضع عصاه بمكان قريب منه ، وضع رأسه بين يديه وضغط على كلتا جانبيها بقوة ، لعله يستطيع إيقاف ذلك الصوت الصارخ به من أنه يجب أن يترك أوهامه جانباً ، فحتى وإن تمت تلك الزيجة مثلما يرغب الجميع ، لن يستطيع هو أن يحيا معها كأى زوجين ، فدائماً سيكون شعوره بالعجز حائل بينهما ، ولن يتركه يهنأ بعيشه معها ، فهو إن وقف أو سار لمدة لا تتجاوز الدقائق يشعر بالألم الشديد بساقيه ، وهى ستكون زوجة تريد الدلال من زوجها ، الذى ربما سيتمثل برغبتها فى السفر معه لقضاء شهر العسل ، أو التنزه خارج المنزل ، فهو لن يستطيع حبسها بالمنزل وحرمانها من الشعور بالسعادة كأى عروس ، فهى تستحق الأفضل دائماً
❈-❈-❈
منذ ما حدث وهو يفكر ، هل ما سيفعله هو الصواب ؟ هل يستطيع أن يفعل ذلك بابنته الكبرى ؟ فعندما كان يوخزه ضميره ، ويعبر عن ذلك بحديثه المتلعثم مع زوجته ، تعود وتقنعه أن ما يفعله سيكون خيراً له ولإبنته ، وأنها لن تعثر على زوج مناسب غير ذلك الرجل المدعو " صبحى " فهى حتى وإن لم يكن سيقرض زوجها المال الذى يلزمه ، فهى تريد أن تتزوجه سجى ، حتى تكمل بطريق المعاناة وأن يزوى عمرها وشبابها بكنف رجل مسن
وضعت الطبق على المائدة بشئ من الحدة وهى ترمق زوجها بحنق لجلوسه شارداً :
–فى ايه يا حامد تانى هو انت هتفضل قاعد كده مهموم وسرحان على طول مش خلصنا من الموضوع ده بقى
نظر إليها قائلاً بحيرة :
–مش عارف اللى هعمله ده صح ولا ايه يا فادية
قبضت على طرف مقعد المائدة ، فحاولت أن يخرج صوتها هادئاً وهى تقول :
– دا عين العقل يا حامد كل أب بيبقى عايز بناته يتجوزوا جوازات مرتاحة والمعلم صبحى راجل مقتدر ومعاه فلوس وهيعيش بنتك فى عز وهنا
هتف بها حامد وهو لا يشعر بالراحة:
– بس هو كبير عليها أوى
سحبت المقعد وجلست وهى تقول:
–ولا كبير ولا حاجة الراجل ميعبوش غير جيبه
أكتفت أروى من صمتها فردت قائلة بغضب :
– بس ده حرام سچى لازم تتجوز شاب وواحد تكون بتحبه مش تتجوز راجل كبير فى السن يقرفها فى عيشيتها ويهدم حياتها كده ظلم وميرضيش ربنا ابدا اللى انتوا عايزين تعملوه ده
صرخت فادية بوجه إبنتها قائلة :
– أنتى إيه اللى دخلك فى الموضوع أمشى خشى اوضتك وحسك عينك تدخلى فى الموضوع ده تانى انتى فاهمة
تركت أروى مقعدها وهى ترمق أبيها وقالت بضيق :
– ربنا هيحاسبكم على اللى انتوا بتعملوه ده لان ربنا مبيرضاش بالظلم
رفعت فادية يدها تشير لها بالإنصراف وهى تصيح بها :
– أمشى من قدامى يلااا عيلة قليلة الادب صحيح ومتربتيش امشى غورى من قدامى
فعادت تنظر لزوجها وهى تكمل حديثها:
– وأنت متسمعش لكلامها انت فاهم الجوازة دى لازم تتم علشان انت كمان تعرف تقف على رجلك من تانى
وضع الملعقة من يده قائلاً:
–خلاص يا فادية انا كنت قايلها كام يوم وهروح اعرف رأيها ايه
لوت شفتيها وقالت بسخرية :
–ولو ست الدكتورة موافقتش هتعمل ايه بقى يا حامد
أجابها وهو يهم بترك مقعده :
– هعمل ايه يعنى يا فادية العمل عمل ربنا بقى
جذبت ذراعه بقوة ، جعلته يعود لمكانه ثانية ، فقالت بإصرار :
– تغصبها على الجوازة ورجلها فوق رقبتها احنا مينخربش بيتنا علشان هى ترتاح وتمشى اللى فى دماغها
نفض حامد يدها عن ذراعه وهو يقول بحنق :
– خلاص بقى بطلى زن عرفنا إن أنا لازم اخليها تتجوزه ، أرحمينى بقى ، انا رايح الورشة
ترك مكانه تلك المرة وهو لا يريد النظر بوجهها ، فخير له أن يخرج من المنزل الآن ، فهو لن يستطيع سماع كلمة أخرى منها ، فيكفى ما قالته ، فتح باب المنزل وخرج مسرعاً ، كأنه يخشى أن تلحق به ، لعل العمل يلهيه عن التفكير بالأمر ، ولكن ما أن وصل لمقر عمله ، حتى وجد صبحى جالساً بإنتظاره
فألقى عليه التحية وجلس بجواره قائلاً :
– أهلا يا صبحى منور
رد صبحى مبتسماً:
–أهلا بيك يا حامد ، أنا مستنيك علشان أسألك على رأيك في موضوع جوازى من بنتك الدكتورة سجى
أختلج ثغر حامد بإبتسامة مرتبكة ورد قائلاً:
– أنا قولت لسچى بس سايبها يومين تفكر وان شاء الله خير ، بس انت هتسيبها تكمل تعليمها مش كده ، دى اخر سنة علشان قولتلها انك هتخليها تكمل دراستها ومش هتمنعها من التعليم
هز صبحى رأسه وهو يقول :
–اه طبعا هى مش فاضل ليها السنة دى وخلاص ، لاء متخافش مش همنعها من التعليم حد يطول يكون عنده دكتورة ، وانا عند وعدى لو وافقت الفلوس اللى انت عايزها هتكون تحت أمرك
يمنى نفسه بالحصول عليها ، فهو لا يمل من الزواج ، ويهوى دائماً الزواج من الفتيات الصغيرات ، واللواتى يزيد عمره عن أعمارهن أضعافاً ، وعندما يحصل على مراده منها يسرع بطلاقها والبحث عن غيرها ، كأنهن سلع لا ثمن لها ولا حاجة ، بعد أن ينال منهن مآربه ، فتلك المرة يريد الحصول على فتاة إجتهدت والدتها الراحلة بنشئتها وتربيتها ، علاوة على أنها ستنهى تحصيلها الدراسى بالجامعة ، فتلك هى المرة الأولى التى يريد الزواج بها من فتاة جامعية ، ربما ليتباهى بحُسنها ومهنتها المستقبيلة كونها ستعمل طبيبة للعلاج الطبيعي
❈-❈-❈
عصى النوم على جفنيها ، فظلت ليلها مُسهدة ، بل ولم تكتفى من ذرف الدموع التى رطبت وسادتها ، كلما أستلقت على إحدى جانبيها ، كأنها تشعر بوخز أشواك تم وضعها بفراشها لتحرمها الراحة وأن تنعم بنوم هادئ ، فوالدها إستطاع إرباكها بعد إخباره لها بشأن تلك الزيجة المرتقبة ، فهى لا تريد ترك هذا المنزل إلا بموتها ، فهنا يسكن حبيبها ومن ملك كيانها وهنا وقع قلبها صريع الهوى ، وتتمنى أن تحيا بهذا المنزل لما تبقى من عمرها ، فتمنت أن تكون صفية وجدت حلاً لهذا الأمر مثلما أعطتها وعدها بالأمس
فعندما يأست من بكاءها ، تركت الفراش وذهبت للمرحاض وأغتسلت ، وبعد إنتهاءها خرجت ولكن سمعت طرق على الباب ، فأسرعت بوضع ثوب الصلاة عليها وفتحت الباب وجدت هدى وصفية
فتبسمت لها صفية وهى تقول ببشاشة :
–صباح الخير يا حبيبتى ، أنتى كنتى نايمة ولا إيه
ردت سجى قائلة وهى تتنحى جانباً لتجعلهما يدلفان للداخل :
–صباح النور يا تيتة ، لاء مكنتش نايمة ، أنا أساساً لا قادرة أنام ولا أفكر
تأبطت هدى ذراعها وأخذتها معها وجلستا متجاورتان على الأريكة ، فنظرت إليها صفية وقالت وهى مبتسمة :
–مش قولنالك متخافيش يا سچى واحنا مش هنرضى انك تنغصبى على الجوازة دى
ردت سجى قائلة بغصة مريرة:
– يعنى يا تيتة هتعملوا ايه وبابا مصمم على رأيه وممكن يجبرني على الجوازة دى
ربتت هدى على ساقها وهى تقول :
– خلاص يا حبيبتى احنا الحمد لله لقينا حل للموضوع ده
أبتهجت سجى لسماع قولها ، فتتابعت أنفاسها وقالت بأمل :
– بجد ! حل ايه ده يا طنط
اجابتها صفية وهى تتمعن بوجهها :
– أنك تتجوزى يا سچى
عقدت سجى حاجبيها قائلة:
– انا مش فاهمة حاجة ازاى اتجوز علشان متجوزش دى فزورة دى ولا ايه
ضحكت هدى بخفوت وقالت :
– لا فزورة ولا حاجة يعنى بدل ما تتجوزى الراجل اللى باباكى قالك عليه ده احنا هنجوزك علشان باباكى ميقدرش يغصبك على حاجة ولا يمشى الجوازة دى
أرادت سجى الوصول إلى أخر حديثهما معها الغير مفهوم لعقلها الذى ربما مازال تحت وطأة الصدمة ، فنظرت إليها وتساءلت :
–تجوزونى! و مين ده اللى حضرتك عيزاه يتجوزنى
مسحت صفية وجهها وقالت ببهجة :
– رائف يا حبيبتى
بوقوع الإسم على مسامعها ، هبت واقفة مكانها ، فأرتجفت أوصالها وهى تقول بصدمة :
– رائف! حضرتك بتقولى رائف
جذبتها هدى بلطف ، حتى عادت وجلست مكانها ، فحدقت بوجهها وهى تقول بإبتسامة :
–ايوة يا حبيبتى رائف وبكده باباكى مش هيقدر يتكلم لما انتى تبقى مرات رائف
أعادت سجى الشق الأخير من جملة هدى وهى تقول بذهول :
– مرات رائف!
لم تفعل شئ سوى أن تعيد تلك الكلمات أو العبارات التى تم بها ذكر إسمه ، فعقلها لم يعى تلك المفاجئة المدوية ، التى ألقتها صفية وهدى على مسامعها ، بل كأنها سقطت كدلو الماء على روحها التى شب بها القلق خشية نجاح أبيها فى تزويجها من ذلك الرجل المسن ، فإن كان هذا حلماً ، فياليتها لا تستيقظ أبداً
إستفاقت من تلك الحالة التى ألمت بها وهى تستمع لصفية وهى تقول :
–ما قولتيش رأيك ايه يا سچى وعلى فكرة احنا كلمنا رائف فى الموضوع
نسيت ما كان من أمرها ، فنظرت لهما وتساءلت بلهفة :
– وهو رأيه إيه يا تيتة فى الموضوع
وعت هدى على تلك اللهفة التى تخللت صوتها ، فردت قائلة بهدوء وحنان:
– هو موافق يا حبيبتى لما حكيناله على كل حاجة وافق ، ها قولتى ايه وعلى فكرة احنا مش هنغصبك انك توافقى لو مش حابة الموضوع خلاص براحتك يا سچى
فكرت هل وافق لمساعدتها أم وافق رغبة منه فى أن تصير زوجته ، فأه لو كان بإمكانها أن تقف أمامه وجها لوجه ، وتسأله عن أسباب موافقته للزواج منها ، وياليتها تسمعه يخبرها أنه لم يفعل ذلك إلا بتحريض من قلبه الذى وقع بغرامها ، مثلما هى صارت مدلهة بحبه
حثتها صفية على أن تخبرهما بقرارها وهى تقول:
–لازم يا حبيبتى تقولى رأيك قبل باباكى ما ييجى تانى علشان لو وافقتى نكتب الكتاب بسرعة
أبتلعت سجى لعابها وقالت متصنعة الهدوء :
– اللى تشوفيه يا تيتة اللى حضرتك شيفاه صح اعمليه
ارادت هدى أن تسمع منها كلمة الموافقة ، فشدت على يديها وهى تقول بلين :
–لاء لازم تكونى موافقة برغبتك يا حبيبتى
أجابتها سجى بثقة :
– أنا موافقة يا طنط المهم بابا ميرمنيش للراجل ده علشان انا عارفة انه بيتجوز ويطلق على مزاجه
زفرت صفية براحة وقالت :
–خلاص إحنا نكلم ماهر يكلم المأذون ييجى بكرة ونكتب الكتاب ماشى يا حبيبتى
حركت رأسها بالإيجاب وهى تخفض وجهها أرضاً ، فبعد إطمئنانها لرضاها التام على زواجها من رائف ، خرجتا صفية وهدى ، بينما أغلقت هى الباب خلفهما ووضعت يدها موضع قلبها تشعر بأنه يكاد يقفز خارج صدرها ، فحتما ما يحدث لها الآن حلماً طالما أشتاقت روحها إليها منذ أن وعت معنى تلك المشاعر والعواطف التى تكنها لرائف ، فهى لا تصدق أن بعد عدة ساعات فقط ستصبح زوجة من أحتل قلبها وأعلن سلطانه عليها وأرسل جيوشاً من الأحلام والأمنيات ، ترفرف راياتها بداخل فؤادها ، الذى صارت خفقاته تؤلمها من فرط شعورها بالسعادة والترقب
❈-❈-❈
منذ إخبار سجى لها برغبة أكرم فى الزواج منها ، وتلك الابتسامة البلهاء لا تفارق وجهها ، بل أنها صارت لا تعى ما تقوله أو تفعله ، فهى التى لم تكن تجلس صامتة ، بل صوتها كان يملأ المنزل صياحاً ، صارت هادئة بشكل يثير الريبة ، فوالديها تعجبا مما أصابها فجأة ، فخشيت والدتها أن تكون مريضة أو أصابها سوء ولا تريد الإفصاح عنه
فأقتربت منها والدتها ووكزتها بلطف وقالت:
– مالك يا ريهام فى ايه يا بنتى
تنهدت ريهام وقالت بصوت حالم :
–مالى يا ماما ما أنا زى الفل أهو
ربت أبيها على وجهها قائلاً بدهشة:
–زى الفل! دا انتى تايهة ومش مركزة خالص فى ايه قرى واعترفى ياريهام
حمحمت ريهام لتجلى صوتها ، ففركت يديها وقالت بتوتر :
– أنا مش هخبى عليكم الصراحة فى عريس كويس ومناسب اوى متقدملى
رمقها أبيها متسائلاً بجدية:
–مين العريس ده نعرفه يا ريهام
هزت رأسها نفياً وقالت بحذر :
–دا يبقى يا بابا صاحب المستشفى اللى كنت بدرب فيها انا وسچى فى الاجازة
صاحت والدتها بها بعد سماع قولها ، فردت قائلة برفض :
–صاحب المستشفى! انتى عايزة تتجوزى راجل كبير فى السن يا ريهام انتى أتجننتى
رفعت ريهام يدها تحركها نافية ظن والدتها وقالت :
–لاء يا ماما دا شاب عنده ٣٠ سنة بس المستشفى بتاعته
نظر إليها أبيها قائلاً :
–فى سنه ده وعنده مستشفى طب ازاى يا ريهام
أبتلعت ما أمكنها من لعابها فأجابته وهى تعود لتفرك يديها:
–اصله يا بابا اهله ناس اغنياء أوى
ردت والدتها لشعورها بالقلق خاصة بعد ذكر ريهام لمدى ثراء عائلة العريس المنتظر :
– وأنتى مالك ومال الناس دى دول بيبقوا من مستوى تانى غيرنا ياريهام
ناشدت ريهام والدتها وهى تقول :
–هما أغنياء اه بس ناس طيبين ومتواضعين جدا اوى يا ماما دول يبقوا قرايب سچى وهى عايشة معاهم وبتشكر فيهم اوى ، وأنتى هتحبيهم أوى والله
دعاها أبيها لتجلس بجانبه ، فأخذ بأحد كفيها بين يديه قائلاً :
– وأنتى عرفتى منين أنه عايز يتقدملك ويتجوزك يا ريهام
أجابته ريهام وهى تقبل يده :
–هو كلم سچى وهى كلمتنى وقولتلها هفكر واقولكم و أبقى ارد عليها
تلك الدلائل التى إستطاعت رؤيتها على وجه إبنتها ، جعلتها تتيقن من أن أبنتها ربما غارقة بالحب ، فمالت إليها وتساءلت بجدية :
– أنتى حبتيه يا ريهام اصل مش عوايدك تتحمسى لعريس متقدملك انتى كنتى دايما بطفشيهم وكنتى بتقوليلى مفتحلكيش سيرة فى موضوع الجواز طول ما انتى بتتعلمى
ردت ريهام قائلة بتوتر ، تكاد تشعر بأن أنفاسها على وشك الإنتهاء:
–ماهو يا ماما أصل أنا أبقى هو يعنى
هزت والدتها رأسها دلالة على أنها تعلم ما تخفيه خلف حديثها المتلعثم ، فقالت وهى تنظر بوجهها :
–تبقى حبتيه طالما بتهتهى كده فى الكلام ومش عارفة تقولى إيه
خشيت ريهام رفض والديها ، فنظرت لوالدتها قائلة بخوف :
–هو حضرتك مش موافقة يا ماما
أشاحت والدتها بوجهها عنها وهى تقول:
– لما نشوفه الاول ونشوف اهله هما فعلا زى ما بتقولى ولا ايه ، بس أجلى الموضوع ده شوية علشان انتى عارفة ابوكى مسافر يعمل عمرة لما يرجع بالسلامة نبقى نشوف الموضوع ده
قال أبيها محاولا بث الأمان بها :
– واللى فيه الخير يقدمه ربنا يا بنتى واحنا ميهمناش غير سعادتك انتى وبس
أحنت ريهام رأسها وقبلت يد أبيها بشكر وإمتنان ، فقالت بشعور من المحبة :
–تروح وترجع بالسلامة يا بابا
ضمها أبيها إليه وقبل رأسها قائلاً:
–الله يسلمك يا حبيبة ابوكى عيزانى اجبلك ايه وانا جاى
تطلعت إليه بنظراتها المحبة وقالت :
– أنا بس عيزاك تدعيلى فى الحرم يا بابا
راح يربت عليها بحنان وحب وهو يقول بصوته الحانى :
– أكيد طبعا هدعيلك يا حبيبتى هو انا عندى اغلى منك فى حياتى يا ريهام
وضعت ريهام رأسها على صدر أبيها مغمغمة :
–تسلملى يا بابا وربنا ميحرمنيش منك ابداً يارب
فإن كانت شعرت بالراحة من حديث أبيها ، وتيقنها من أنه لن يرفض لها مطلباً ، إلا أن القلق سكن قلبها وعقلها خوفاً من رفض والدته لزواجها من أكرم نظراً للفرق الشاسع بيهم ، فأكرم ينتمى لتلك الطبقة المخملية والتى تتمتع بالثراء ، فى حين أن أسرتها رغم أنهم ميسورين الحال ، إلا أنهم ليسوا بمثل ثراء عائلة أكرم ، ولكن هى لا يعنيها كل هذا ، فهى تريد أكرم ولا تريد شئ اخر ، فحتى وإن كان فقيراً لا يملك سوى قوت يومه ، فهى ستكون راضية وسعيدة بأن تصبح له زوجة يغدقها بحبه وحنانه ، وما أعذب و أجمل الحب الحلال ، الذى يجمع قلبين بميثاق قد أحله الله لمن يريد أن يحيا بالعشق ولا يخشى لومة لائم
❈-❈-❈
فى اليوم التالى مساءً
تتمنى لو تصدقها مرآتها القول ، وتخبرها أنها اليوم أجمل فتاة ، حتى تتمكن من سلب قلب ما سيسمى زوجها بعد دقائق ، فها هى قد أنتهت من إرتداء ذلك الثوب ، الذى أرسلت هدى بطلبه من أجلها ،لكى ترتديه اليوم أثناء عقد قرانها على رائف ، فهدى حرصت على إنتقاء ما هو أشد أناقة وإحتشاماً ، وما سيجعلها تشبه أميرة هاربة من إحدى قصص الأساطير الخيالية ، رفعت يدها ووضعتها على صدرها لعلها تهدأ من وجيب قلبها ، الذى لم يعد يطيق الانتظار
سمعت صوت طرق مستمر على الباب ، فخرجت من غرفتها وفتحته ، وجدت جارتها عزة وصديقة والدتها تبتسم لها قائلة :
– مليون مبروك يا حبيبتى
صاحت سجى بسعادة لرؤيتها وأقتربت منها تحتضنها وهى تقول :
– طنط عزة نورتى والحمد لله أنك جيتى
ربتت عزة على وجهها وعيناها على وشك البكاء ، فقالت بغصة :
– إزاى مجيش يا سجى وأنتى بنت الغالية ،أنتى لما كلمتينى وحكتيلى على اللى حصل ، وانك عايزة جوزى يبقى وكيلك فى الجواز مكدبتش خبر وجبته وجيت على طول وهو مستنى جوا وجيت علشان أوصلك لعريسك يا بنت الغالية
أنهمرت دموع سجى بسخاء تكاد تفسد زينة عينيها ، التى خطتها بكحل عربى أسود ، أضفى عليها مظهراً خلاباً ، فهى كم تفتقد والدتها بتلك اللحظة ،وكم تشعر بالحزن أيضاً لأن أيضاً لكونها أستعانت برجل أخر غير أبيها ،ولكن هو لم يترك لها خياراً أخر
فبالداخل وبالأخص بغرفة رائف ، كان قد أنتهى من أرتداء ثيابه المكونة من بنطال أسود وقميص أبيض وسترة باللون الرمادى ، فكم بدا جذاباً أنيقاً بوسامته وثيابه ، وعلى الرغم من محاولاته البائسة ألا يبتهج بأن اليوم سيتم عقد قرانه هو ومعشوقته ، إلا أنه لم يستطيع حجب السعادة التى ملأت عيناه ، وكان سيكون أشد فرحاً إذا كان أقام زفاف لمحبوبته ، ولكن أقتضت الظروف لعقد القران بهدوء وسرية
تقدم منه أكرم مهنئاً له وهو يقول بسعادة طاغية :
–مبروك وربنا يتمم بخير يا حبيبى بجد انا فرحان اوى والله
رفع رائف وجهه له متسائلاً:
– ومالك فرحان ليه كده يا أكرم
عدل أكرم من ياقة قميص شقيقه وهو يقول بجدية :
–بلاش افرح يعنى لاخويا انه هيتجوز اللى عجباه واللى قاعدة فى قلبه
علم أنه سيعود لحديثه الممازح ثانية ، بعد تلك اللمحة من الجدية ، فصفعه بخفة على ظاهر يده قائلاً بحزم :
– أنت لسه برضه بتفكر فى اوهامك دى يا أكرم وأفكارك الغريبة
رفع أكرم حاجبه الأيسر قائلاً بدهاء :
–افكارى غريبة ! طب ليه أنت وافقت على أنك تتجوزها يا رائف طالما بتقول أنك مش بتحبها
أزدرد رائف لعابه وقال بهدوء خلافاً لما يعتمل بصدره من صخب :
– علشان يعنى هى واقعة فى مشكلة والجوازة دى هتنقذها منها دى كل الحكاية مش أكتر
شهق أكرم بعدم إقتناع قائلاً:
– كل الحكاية! ماشى يا شهم طول عمرك شهم وراجل يا رائف
أقترب منهما شادى قائلاً بسعادة هو الأخر :
– والله بجد فعلا الواحد فرحان يا ابيه رائف ،علشان هتتجوز وسچى فعلا عروسة تليق بيك
أشار له بإلتزام الصمت وهو يقول:
–طب اسكت يا شادى انت كمان
وكز أكرم شادى بخفة وهو يرمق رائف قائلاً بتفكه :
–بس يا شادى بقى متوترش رائف دا عريس النهاردة ومينفعش نخليه متوتر ومش على بعضه كده
ترك رائف مقعده وهو يقول:
– أه أنت شكلك مش هتسكت النهاردة ، يلا ياض غور من هنا امشى يلا
أرتد أكرم بخطواته للخلف يتأهب للركض إذا أقترب منه رائف ، فقال وهو يتلاعب بحاجبيه :
– طب مين اللى هيكون الشاهد على جوازك غيرى يا حبيبى دا أنا همضيلك على القسيمة واختم وابصم بالعشرة كمان
ولج أبيهم للغرفة من أجل إستدعائهم ، فأقترب من شادى مطوقاً كتفيه قائلاً:
–ايه يا شباب مالكم فى ايه
إبتسم أكرم قائلاً بإبتسامة عريضة :
– ولا حاجة يا بابا أنا كنت بشجع رائف
رفع رائف شفته العليا قائلاً بإمتعاض:
– تشجعنى ليه يا حبيبى هو انا هلعب فى كأس العالم
قبل أن يحتد النقاش بينهما أسرع ماهر قائلاً:
– طب يلا تعالوا المأذون وصل
خرجوا من الغرفة ، ورغم ما فعله أكرم به فى الداخل ، إلا أنه أسرع بتأبط ذراعه ، وكأنه يأمل الحصول على بعض الدعم من شقيقه خاصة بهذا الوقت ، فإبتسم له أكرم وحرص على السير بخطوات هادئة ، لكى يتسنى له أن يحصل على وقته الكافى قبل الدخول لغرفة المعيشة
ولج رائف الغرفة وبحث عنها ولكنها لم تأتى بعد ، فأسرع بأخذ مكانه بجوار المأذون ، وعلى الجانب الآخر جلس رجل ، لم يراه من قبل ولكنه يعلم بشأن أنه سيكون وكيل سجى بعقد القران عوضاً عن أبيها
لم تكد تمر دقيقتين حتى وطأت سجى غرفة المعيشة بقدميها المرتعشتين ، والتى لولا إسناد صفية وعزة لها ، لكانت تهاوت على الأرض من شعورها بالخجل والخوف والترقب
أخذتها صفية من يدها لمقعد قريباً من مقعد هدى ،فربتت على وجهها وهى تقول :
–اقعدى يا حبيبتى
أمتنت سجى لعرضها ، فهى لم تعد تسيطر على كم تلك الانفعالات التى أصابت حواسها كاملة ، ولكن شعور واحد لم يستطيع الخوف أو التوتر أن يحد من شعورها به وهو شعور الإنتماء ، فهى لا تنتمى لأحد غيره ، ولن تهب قلبها لأحد سواه
أمعن رائف النظر بها وهى جالسة تشبه الحورية ، فمن أسرت قلبه ستصبح زوجته ، لم يبقى سوى دقائق معدودة وتصبح تلك الفتاة زوجته وحاملة إسمه وأيضاً مالكة قلبه ، فظل يغلق عيناه ويفتحهما لعله يقتنع أن ما يحدث حقيقة وليس حلماً من وحى خياله العاشق
نظر لها المأذون قائلاً ببشاشة :
– أنتى موافقة يا بنتى على الجوازة دى
أطرقت سجى برأسها أرضاً وقالت بصوت منخفض ولكن إستطاع المأذون سماعه :
– أيوة موافقة
وضع رائف يده بيد زوج عزة وبدأ المأذون بعقد القران ، ورائف يردد ما يتلوه عليه ، حتى أنهى المأذون عقد القران بجملته المشهورة :
– بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير مبروك ، الشهود مضوا على القسيمة دورك أنت أمضى ياعريس
ناوله القلم ، فأخذه رائف وانحنى بأكتافه العريضة ليخط إسمه على قسيمة الزواج ، وبعد أن أنتهى من كتابة الإسم كاملاً ، أشار المأذون لسجى بأن توقع بإسمها بخانة إسم الزوجة
حمل أكرم لها قسيمة الزواج والقلم وناولهما لها ، فبيدين مرتجفتين أخذتهما منه ، وبدأت تنقش حروف إسمها إلا أنها سمعت صوتاً جعل الدماء تفر هاربة من عروقها ، وما هذا الصوت إلا صوت أبيها الصارخ بإنفعال :
– إيه اللى بتعملوه ده ، وإيه اللى بيحصل هنا بالظبط
يتبع...