-->

رواية ذنبي عشقك - بقلم الكاتبة ميرا كريم - الفصل الرابع

 

رواية ذنبي عشقك

 بقلم الكاتبة ميرا كريم




الفصل الرابع

رواية 

ذنبي عشقك


-أنا قتـ لته! 


استوحشت نظراته المُـ رعبة وهب من مقعده يقف أمامها يصرخ بحدة أرجفت أوصالها وجعلت نحيبها يزداد رهبةٍ من هيبته:

- قـ تلتي مين...أنطقــــي؟


أجابته من بين نحيبها وبأنهيار تام وكأنها فقدت عقلها:

-أنا ضربته على راسه وطب ساكت وأكيد مات


ضيق عيناه الثاقبة بتفكير يريد تبين الأمر بحكم وظيفته متغاضي عن هيئتها تلك:

-اتنيلي اهدي...واحكيلي اللي حصل؟


أومأت في ضعف وتلجلجت:

-ضربني وخد كل فلوسي و بيغصبني على حاجات أنا مش عايزاها وكان

 هيـ موتني


قالت أخر جملة وهي تتحسس عنقها الذي يطبع عليه علامات أصابع غليظة بحمرة قانية، ولفتت نظره بوضوح مما جعله يقول وهو يشدد على قبضة يده بقوة من شدة انفعاله:

-ليه سامحتيله يعمل فيكِ كده  ومطلبتيش ليه الطلاق! 


صدر سؤاله بحدة جعلتها ترفع نظراتها الضائعة له وتجيبه بأسى:

-بس هو مش جوزي


جز على نواجزه من تصريحها وتواردت افكار السوء على ذهنه، لتقطع هي مداهمة أفكاره:


- أنا كنت بدافع عن نفسي...  


زفر بنفاذ صبر وطرق بقبضته على سطح مكتبه بطريقة جعلتها تنتفض في وقفتها وتنظر له بعيون مرتعبة، ليرشقها هو بنظرات الثاقبة ويقول بنبرة قوية صارمة لا تقبل التفاوض:

-هضطر أتحفظ عليكِ...لغاية ما أتأكد من صحة كلامك


أومأت له في طاعة وصوت نحيبها يكاد يصم أذنه، مما جعله يزفر بقوة ويصرخ بها:

-أخـ رسي بقى مش عايز أسمع صوتك...و اتنيلي هاتي بطاقتك و أكتبي العنوان الـ زفت ده هنا 


كتمت شهقاتها بيدها وهزت رأسها بطاعة وفعلت ما أراد، ليزعق يستدعي العسكري ويخبره بإقتضاب:

-خدها حطها في الاستيڤا 


تناوبت نظراتها بينهم بذعر حقيقي وغمغمت ترجوه:

-علشان خاطر ربنا يا باشا انا مكنش قصدي أقتـ له 


جذبها العسكري من ذراعها 

بالقـ وة وكاد يتوجه بها إلى الخارج ولكنها صـ رخت راجية:

-أبوس ايدك...والله كنت بدافع عن نفسي


رفع نظراته المُرعبة الغائمة بالغضب وجز على نواجزه بقوة وقال باشمئزاز وهو يتذكر حديثها السـ لبي الذي استفزه بالمشفى:

-كل الرخاص اللي زيك بيقولوا نفس الكلام...أنتِ مش بس

غـ ـبية لأ وطلعتي زبالة كمان زي ما توقعت...


قالها بإنفعال وهو يشعر ان شياطين الجن والأنس تتراقص أمام عينه مما جعلها  تنفض يد الممسك بها وتخطو نحو جلسته وتخور راكعة تحت قدمه بنية تقبيلها، ترجوه بنحيب قوي:

-والله مش كده...أنا مظلومة...مظلومة 


صعق من فعلتها، فبرغم أنه يمر عليه العديد من تلك النماذج يوميًا بحكم عمله لكن لا يعلم لمَ يحتله ذلك الشعور الآن.

نفض نفسه مستنكر فعلتها و ذلك الشعور المشـ ين ضد قواعده الثابتة ثم جذبـ ها 

بعـ نف من ذراعها وصرخ بوجهها بطريقة جعلت قلبها يتهاوى بين ضلوعها:

-قولت أخـ رسي...محدش فوق القانون ولو التحقيقات أثبتت صحة كلامك هتترمي في السـ جن وتاخدي جزاتك


تلجم لسانها أمام قسـ وته  ودمعاتها اخذت تسير على وجنتها دون اي ردة فعل تذكر سوى تلك النظرة المنكسرة التي تلتمع بعيناها الواسعة  التي تشابه عيون جرو ضائع حزين يستجدي الأمان، ولكنه لم يتأثر و دفعها نحو باب مكتبه و وجه حديثه للعسكري الذي كان يشفق عليها بنظراته:

-غورها من وشي يلااااا 


❈-❈-❈


كانت الأفكار تداهمه بشدة وهو يتوجه إلى ذلك العنوان الذي دونته له بعد أن تحرى عنها، وعند وصوله وجد باب الشقة مفتوح على مصراعيه بشكل أثار ريبته.  وعندما خطى للداخل وجد الفوضى فكل مكان ليؤشر لأحد الأمناء الذين تبعوه أن يتفقدوا المكان بحثًا عن ذلك الدنيء؛ وحين فعلوا لم يجدوه له أثر، زفر حانقًا يفكر في الأمر ويضع كل الاحتمالات الواردة فإن حقًا تلك الضربة التي منحته أياه قد قتلته فأين جثته وحتى وإن لم تكون أصابته بالغة أين هو ذلك الدنيء.

 خطى للخارج ومساعديه يتبعوه بعدما  قرر أن يسأل أحد الجيران عنه على أمل أن يكون أحد قد رأه… وبالفعل بعد مرور بعض الدقائق استند على مقدمة سيارة الشرطة وأخرج من جيبه علبة سجائره يتناول واحدة منها ويشعلها كي ينفث بها غضبه الذي لم يكن بسببها الآن بل بسبب سوء ظنه...فذلك الدنئ يكون شقيها، أجل ذلك ما استحوذ على كامل انتباهه ولم يعير غيره اهمية حين اخبره أحد جيرانهم أنه رأه يغادر  بعد مشاجرته مع شقيقته و سماعه لصوته 

يعنـ فها وقد برر بخزي أنه يهابه ولم يستطيع ردعه عنها خوفًا من بطشه الذي أشتهر به وطال الجميع.

نفض سيجارته ودهسها بطرف حذائه بإشارة واحدة من يده كانت سيارة الشرطة تعود به  للقسم مرة أخرى. 


❈-❈-❈


أما عند تلك البائسة فكانت جالسة بهوان على الأرضية الباردة داخل تلك الغرفة الكئيبة الموحشة، تحتضن ذاتها وتمرر يدها على ذراعيها لعلها تستطيع بث الدفئ بجسدها فكم كانت تتمنى أن تغمض عيناها وتجد  كل ما حدث ليس حقيقي 

 بل هو كابوس مزعج يراود منامها ولكن كيف وعقلها اللعين يؤكد لها ويرجع ما جرى أمام عيناها وكأنه يتقصد أن يعذبها على ما ارتكبته في حق شقيقها 


flash back 


كانت تقف في المطبخ تعد الطعام بعد أن ابتاعت كل ما يلزمها  بعد أن استغلت تغيب شقيقها عن المنزل ليومين، فنعم تلك اصبحت عادته حين يتعلق الأمر برجال "سلطان" وسهراتهم  الماجنة لذلك لم تفوت فرصتها وفعلت ما برأسها فقد سددت ديونه وأعطت كل ذي  حق حقه حتى "بدور" وابنها ذهبت وابتاعت لهم الكثير من الأشياء واولهم كان سرير خشبي بكافة لوازمه وخزانة تضم ملابسهم ومبرد صغير يفي بالغرض...

حانت منها بسمة مُرتاحة راضية بما فعلته غير عابئة بتوابعه حتى إنها كانت تقلب الحساء وتتذوق القليل منه بطرف الملعقة وتمدح ذاتها بفخر:

-يسلم ايدي وربنا ولا الشيف بوراك 


قالتها وهي تطفأ عين المقود لتباشر جلي الأطباق ولكن صوت فتح باب الشقة ورزعه نفضها وجعلها توقع ما بيدها، وقبل أن يصدر منها أي ردة فعل وجدته أمامها والشرار يتطاير من عينه زاعقًا:

-فين التاكس يا "شمس"؟


ابتلعت غصتها وزاغت نظراتها في محاولة بائسة منها أن تلملم شجاعتها للمواجهة ولكنه لم يعطيها وقت لذلك فقد انقض عليها قابض على خصلاتها بقسـ وة صارخًـا أمام وجهها:

-فين التاكس بقولك الرجالة على القهوة قالوا انهم شافوا "عماد" سايقه وانتِ جنبه


غـ بية هي، نعم تعترف بذلك ولكن في قانونها المـ جازفة اولًا ثم تأتي التبعات...فهي كانت تدرك مسبقًا أن لا مفر من المواجهة وعلى أي حال الحق كل الحق معها لذلك تشجعت وتعلقت بيده التي تكاد تقتلع خصلاتها وجابهته:

-حقي ورجعلي يا "صالح"


صـ فعة قـ وية كانت رده على حديثها وتلاها صـ راخه بها:

-حق مين يا أم حق أنتِ ملكيش حاجة عندي...انطقي ودتيه فين واخدتي المفتاح  ازاي ده ما بيفارقنيش 


قالت متشفية غير عابئة بيده اللعينة التي تقتلع بالفعل خصلاتها: 

- قبل ما تنزل مع رجالة "سلطان" كنت متسربع واخدته من سلسلة مفاتيحك وكنت  عارفة انك هتروح معاهم بعربيتهم و مش هترجع غير بعدها بكام يوم زي عوايدك


سبـ ها بفـ جوج وتسأل مرة أخرى ولكن وهو يقبض على فكها بطريقة جعلتها تصرخ متألمة:

-بردو مردتيش عليا فين التاكس؟ 


ألقت اعترافها بوجهه ك جذوة من النار اوقدت نيران غضـ به: 

-بعته وخدت فلوسه

 

ذلك أخر ما نطقت به قبل أن يجن جنونه و يدفعها بعزمه ليرتطم جسدها بالطاولة الصغيرة خلفها والتي كانت تضع عليها  أدوات المطبخ و الأواني الفارغة ليسقط كل ماعليها ومعهم هي،

 فلم تأخذه رحمة بها بل أخذ يركلـ ها بقدمه  تحت صراخها ومحاولاتها البائسة في حماية جسدها ولكن هو لم يرأف بها، فقد انحني بجزعه عليها وصرخ بجنون أمام وجهها:

-فين الفلوس اللي بعتيه بيها


نفت برأسها دون حديث وكأن الحرف رفضت أن تجتمع وتساعدها فما كان منه غير أن ينهض يبحث عنهم بذاته وهو يلقي على مسامعها أفظع السـ باب  ففي غضون دقائق كانت الشقة بأكملها منقلبة راسًا على

عقب لحين وجد ما يسعى إليه فوقف يقلب المال بيده ويطلع على صورة عقد البيع الذي وجده مع المال وقد اكتشف أنه  لم يسجل بعد لتجحظ عيناه وينقض عليها متسائلًا بشر قاتل:

-فين بقية الفلوس


_سددت بيهم ديونك و...

قالتها بحرف مرتجفة تأن بالألم وهي ملقاة على أرض المطبخ، تحمي وجهها بساعدها خوفًا من بطشه.

وبالفعل لم يكن ردة فعله هينة! فلم تشعر بذاتها إلا وهو يقبض على عنقها بأصابعه الغليظة يحاول خنقها فكان الهواء يتسربل تدريجيًا من رئتها حتى أن تحول لون شفاهها إلى الزراق وكادت تلفظ أنفاسها و ترحب بالموت ولكن جزء بسيط بعقلها تولى الأمر فلا تعلم كيف  التقطت المقلاة  وضربته بها على رأسه ليـ صرخ متألـ مًا وكرد فعل طبيعي لجسده ترك عنقها وتمسك برأسه و دون أن يستوعب ماحدث منحته هي ضربة أشد بعزم قوتها جعلته يسقط  بنصف جسده عليها لتزيحه وتزحف بعيدًا عنه تسعل بقوة وتحاول جاهدة التقاط انفاسها، أما هو فكان لم يحرك ساكنًا، رأسه أخذت الدماء تقطر منها، فكانت هيئته ك الموتى في سكونهم لذلك انهارت باكية حين ظنت أنها قتـ لته فلم تفكر في شيء وقتها إلا أن تأتي لتسلم ذاتها كي تتحمل تبعات أفعالها. 

back 


❈-❈-❈


صرير الباب الحديدي هو من أعادها من شرودها وإن تأهبت بجسدها صدح صوت أحد الأمناء بِحدة:

-فين "شمس عابد" تفز تيجي معايا حضرة الضابط عايزها 


ابتلعت غصة مريرة بحلقها واستندت على الحائط خلفها كي يدعمها على الوقوف وإن فعلت  سارت نحوه بخطوات وئيدة متحاملة جعلته يزعق بها:

-همي يا بت انتِ ماشية على قشر بيض 

 

هزت رأسها بطاعة تباعًا مع دفعه لها للأمام حتى انها كادت تتعثر... ثوانٍ معدودة وكانت تمتثل أمامه وهي ترتعش بذعـ ر بين قبضة ذلك الرجل الذي يسوقها إليه، أمره بتركها والأنصراف وهو يطالعها بنظرات لم تستشف هي مغزاها إلا حين هدر بسؤاله:

-مقولتيش ليه أنه أخوكِ؟


أجابت بتلعثم وهي مطرقة الرأس:

-أنت معطنيش فرصة أتكلم 


زفر أنفاسه وهدر بنبرة واثقة النبرات:

-أنا كان ممكن اتحفظ عليكِ بس مش هعمل كده وهسيبك تمشي ب روح القانون 

 واحمدي ربنا  وإلا كان زمانك بتترحلي للنيابة بتهمة البلاغ الكاذب


زاغت نظراتها وسألته بريبة:

-يعني أيه!


-يعني اتفضلي مع السلامة أخوكِ محصلوش حاجة والجيران بيقولوا انهم شافوه وهو بيخرج من البيت زي القرد  وطالما هو ما اشتكاش لغاية دلوقتي عليكِ يبقى مقدرش اعملك حاجة 


ابتسمت ببهوت ورددت بعدم تصديق:

-يعني انا مش هتسجن!


نفى برأسه وهو يزفر بنفاذ صبر بطبيعته الملولة، لتتسع ابتسامتها البائسة لثوانٍ معدودة قبل أن تتجمد معالم وجهها وكأنها تذكرت للتو معضلة  حياتها لتجهش بالبكاء وتغمغم:

-بس أنا مش هينفع ارجع البيت هخاف يأذيني علشان اللي عملته فيه...ده زمانه قالب الدنيا عليا 


فرك شعيرات ذقنه الناعمة وضاقت عيناه  عليها يشاهد انفعالاتها ثم هدر بملامح جامدة لا تنم عن أي شيء:

-المطلوب أيه؟


تركزت نظراتها المنكسرة عليه وكأنها وجدت سبيلها لتنطق بقلة حيلة دون استخدام عقلها:

-تساعدني...دخلني الحبس بأي تهمة أنا راضية بس تبعدني عنه لغاية ماينسى 


تفاجئ من طلبها كثيرًا وظلت الافكار تطن برأسه فإذا كانت تخشى بطشه لهذه الدرجة  لمَ لم تردعه عنها، لمَ تتهاون بحق ذاتها، يتفهم كونه شقيقها ولكن أيعقل!

أن يوجد أخ يفعل بشقيقته ذلك أليس من المفترض أن يشدد على عضدها، ترى أين  ذهبت رحمته وكيف هانت عليه أن يعنفها لذلك الحد وهو يتوجب عليه أن يكون أمانها وسندها، ترى تعمدت حمايته المرة السابقة بسبب بطشه الذي يطالها؟

أم بسبب محبتها له واحترامها لرباط الدم الذي بينهم؟

وعندما توصلت أفكاره لتلك النقطة أدرك أنه بالفعل ظن بها السوء ففي الحالتين هي ضحية لذلك الدنيء.


قطع مداهمة أفكاره تقبيلها ليده المسنودة على سطح مكتبه مما جعله ينفر من فعلتها ويهدر بإنفعال وهو يهب واقفًا كمن اصابته صاعقة:

-انتِ مجنونة يا بت...


نفت برأسها بهستيرية وكأنها فقدت عقلها ثم توسلت  بصوت مختنق ودموعها تغرق وجهها:

-علشان خاطر ربنا يا باشا...والله 

هيـ موتني انا كنت فاكرة إنه عمره ما يقدر يعملها واخره يلطش فيا بس  روحي كانت هتطلع في ايده 


زفر بنفاذ صبر من توسلاتها الذي تصيبه بالـ حنق وهدر بنفاذ صبر وهو يقبض على ذراعها كي يخرجها قسرًا:

-أنا مقدرش أعملك حاجة...ومينفعش أرميكِ في الحـ بس من غير تهمة هي مش وكالة من غير بواب


همست بضعفٍ شديد وقد تمكن اليأس منها:

-بالله عليك...انا مليش حد ومفيش مكان اروحه 


أغمض عينه كي يكبح  ذلك الشعور الذي يكاد يتملك منه، وسحبها لباب مكتبه وقبل ان يفتحه مد يده بجيب سترته وأخرج حفنة من النقود ومد يده بها قائلاً:

-خدي دول 


تناوبت نظراتها الباكية بين يده الممدودة و معالم وجهه القاسية لثوانِ معدودة قبل أن تتبدل معالم وجهها وتزيح دمعاتها وتنطق بعزة نفس أبية طغت على كل شيء بها:

-أنا مش طالبة إحسان يا باشا...شكرًا كتر خيرك...أنا همشي بس خليك فاكر ان لو حصلي حاجة ذنبي في رقبتك

  

ذلك أخر ما تفوهت به قبل أن تنفض يده وتغادر بخطوات متخاذلة  تاركته ينظر لآثارها ببهوت وتشتت رهيب لأول مرة يشعر به وبالطبع ذلك لم يعجبه كونه ضد قواعده الثابتة. 


❈-❈-❈


لا تعلم إلى أين تذهب بهذا الوقت المتأخر  ظلت تسير دون وجهة محددة، في وهلة فكرت أن تلجئ ل "عماد" كي يساعدها ولكن تعلم أن "صالح" لن يتركه بعيد عن ناظريه وسوف يتتبعه كالمرة السابقة...وهنا كم شعرت بمرارة الوحدة وخيبة الأمل فياليت كان لديها اهل تلجأ إليهم في مِحناتها وياليتها كانت تستطيع تغير مصيرها... فهي تشبه جندي اعزل في ساحة الحرب يحتمي بتراب الأرض من شدة يأسه ورغبته بالنجاه…


فكانت تسير وتسير لحين شعرت بتخدر قدمها لتجلس على الرصيف بجانب الطريق الخاوي الذي قلما تمر به سيارة نظرًا لتأخر الوقت وبسبب هذا الطقس السيء،  لعنت حظها التعس حين برقت السماء منذرة بهطول المطر، ثم انتفضت بقوة أثر رعدها وضمت بلوزتها الفضفاضة على جسدها ثم نهضت بخطى مرتعشة  تحتضن جسدها بذراعيها ك حماية بائسة من زخات المطر التي تنهمر بغزارة وكأنها تعاندها كي تزيد بؤسها.

  

وأثناء سيرها شعرت باقتراب سيارة منها ببطء أصاب قلبها بأنتفاضة لا تعلم بسبب البرد القارص أم من شدة فزعها، تعالت أنفاسها ولم تجرأ على النظر خلفها عندما  تأكدت أن سائقها يتقصدها عن عمد لتسرع بخطواتها كي تبتعد ولكن كانت السيارة تلاحق خطواتها، و حين أقتربت من مفرق طرق  وجدت السيارة تُسرع و تعترض طريقها، لتصرخ مُرتعبة  وتتراجع للخلف عدة خطوات وكادت تلتفت و تركض في أتجاه معاكس لولآ ذلك الصوت القوي الذي جمد أطرافها وجعل قلبها يهر مُـ رتعب بين ضلوعها:

-استني عندك…


يتبع