-->

رواية أنين وابتهاج الجزء الثاني - بقلم الكاتبة هدير دودو - الفصل الأول

 

رواية أنين وابتهاج الجزء الثاني 

بقلم الكاتبة هدير دودو




الفصل الأول 

رواية

أنين وابتهاج

الجزء الثاني

 


 _سيظل الحب دائم 

مهما تعرض القلب للوجع والألم 

فالحب الحقيقي يدوم إلى الأبد_



❈-❈-❈


حالة من الهرج والمرج والصدمة حدثت أمام شركة "عمر"  بمجرد أن اخترقت الرصاصة جسده وسقط أرضا كأنه في عالم آخر تحت أنظار الجميع، لكنه لم يشعر باي شئ مما يحدث، آخر شي شعر به ووصل إليه هو صوتها الذي طرب أذنيه كالألحان الموسيقية الجميلة، و لكنها ليس الحان جميلة فقط بل صوتها هو لحنه المفضل، الذي يطرب قلبه ويجعله يدق كانه وُلِد من جديد.. 


لكن تلك المرة تختلف هو لم يُولد على صوتها بل من الممكن أن يرحل على صوتها. 


أسرع البعض من حراسه يطلبون الإسعاف وهم يشعرون بالقلق عليه، والبعض الآخر توجهت انظاره الى مكان تصويب الرصاصة؛ لعلهم يصلوا إلى الذي تجرأ وفعل تلك الفعلة الوخيمة، لكن للأسف خابت أملهم عندما رأوا جثة الشخص الذي أطلق النيران، فمن الواضح أن مَن آجره لفعل ذلك هو مَن انهى حياته. 


تنهد رئيس الحراسة الخاص بعمر بغضب شديد، وأردف بنبرة منخفضة غاضبة 


:- اطلع اتأكد  الواد اللي مرمي هناك دة مات ولا لسة وطبعا أنتَ عارف لو لسة هتعمل فيه إيه مش محتاج اقول. 


حرك الحارس راسه إلى الأمام بثقة وذهب يفعل ما اُمِر به من رئيسه.


في نفس الوقت..


داخل الفيلا الخاصة بعائلة السنماري 


دوى صوت صراخ آلاء باسمه حيث أن استمع اليه جميع مَن في المنزل، فهي قد شعرت أن قلبها توقف عن النبض مع سمعها لصوت الرصاصة وصوت الحراس التي اكدت ظنَّها وهتفت باسم عمر، ثم انقطع الاتصال بعد ذلك، شعرت أن أنفاسها هي الأخرى قد انقطعت تماما. 


توجه الجميع نحو غرفتها مسرعا بقلق، وقد كان تامر أول مَن اقتحم الغرفة بعدما قطع صوت صرخاتها المرتفع، حديثه مع فريدة وقراره الذي كان سيتخذه في اللحظة الغاضبة. 


تفاجأ عندما دلف ورآها تجلس ارضا ودموعها تهرول فوق وجنتيها تبكي بانهيار تام وتتمتم باسم عمر بطريقة غير طبيعية


:- لأااا  عـــمــر لااا... عــــمر.


اقترب تامر منها سريعا ووضع يده فوق كتفها لعله ينجخ في تهدئتها ثم سألها بقلق ينهش بداخله من هيئتها الغير مألوفة 


:- في إيه يا آلاء مالك، ايه اللي حصل وماله عمر؟ 


_عـ...عـمـر عـمـر


تمتمت بصوت منتحب خافت حتى ترد عليه وتخبره بما حدث، لكن جميع أحبالها الصوتية لم تسعفها على التحدث بأي شئ، كيف أن تتفوه بشئ مثل هذا؟!.


كل ما اسعفتها به هو اسمه الذي ظلت تكرره عدة مرات بضعف تام، لم يفهم أي أحد منها شئ، وقف الجميع يطالعها بدهشة وحال داخل عقلهم العديد من التساؤلات في تلك الوهلة، لما لا  ففي بضع دقائق قد حدث كل ذلك، مَن يصدق؟!


_الحياةُ بأكملها ممكن أن تنقلب راسًا على عقب في اقصر وقت ومن دون توقع كما حدث معهم_


تمتمت سناء بصوت متحشرج قلق، وهي تشعر بنغزة قوية تصيب قلبها وتؤلمها 


:- اتصل بسرعة على عمر يا تامر شوف في إيه وإيه اللي حصل وصلها لكدة، أنا قلبي مش متطمن اصلا.


اوما برأسه سريعا إلى الأمام يؤيد حديثها، وأخرج هاتفه من جيب سترته ثم قام بالاتصال على عمر الذي كان في الإسعاف وانتشر الخبر بسرعة البرق، رد عليه رئيس الحراسة الذي كان معه الهاتف، فتمتم يسأله بدهشة وقلق 


:- الو هو عمر فين وكوبس ولا إيه؟! 


رد عليه الحارس بأسف وحزن اخبره بما حدث 


:- عمر بيه اتصاب في حد ضرب عليه نار وهو حاليا في مستشفى. 


شعر تامر بالصدمة بعدما علم ما حدث، وصاح فيه بغضب شديد كاد ان يدمر خلايا عقله 


:- وأنتم كنتم فين يا اغبـ'ية مشغلين عيال ازاي يحـصـل كدة وهو في وسطكم ازاي. 


اغلق المكالمة بعدما صاح بصوت مرتفع، وشعر أن عقله قد توقف تماما، يحاول استيعاب ما وصل إلى مسامعه للتو.


كان يتمنى أن يكن الخبر كاذب فأسرع يبحث في مواقع التواصل الاجتماعي على هاتفه تحت أنظار جميع العائلة التي لم تفهم شئ حتى الآن مما يحدث، و لكن ما صدمُه هو صِحة الخبر الذي على غير المألوف أن ينتشر الخبر في بضع دقائق وبتلك السرعة.


ظلت على حالته بتلك الصدمة يتطلع نحو الهاتف من دون أن يتفوه بحرف واحد آخر، لكنه حاول استجماع شتات ذاته ويخرج من حالة الصدمة التي سيططرت عليه، وفاق على صوت والدته وهي تسأله بنبرة قلقة بشدة، حيث أنها تشعر أن قلبها سيتوقف من فرط القلق الذي تشعر به من دون أن تعلم حتى ما حدث 


:- في إيه يا تامر ما تتكلم وتفهمني إيه اللي حاصل وماله عمر، أنتَ هتعمل زي آلاء وتسكت من غير ما تقول حاجة. 


اسرعت نغم تثرثر بمكر وضيق، وهي مازالت لا تعلم أي شئ عما حدث حتى الآن، لكنها تريد أن تزعج آلاء ليس اكثر


:- متقلقيش يا ماما اكيد مفيش حاجة، هتلاقي آلاء هانم عاملة حوار على حاجة تافهة وعمر مزعلها ما انتي عارفاها بتحب تكبر الحـ... 


قطع تامر حديثها الثرثار الذي كان بلا فائدة في ذلك الوقت، وتحدث بنبرة ضعيفة مهزوزة بعدما خرجت الأحرف من فمه بصعوبة بالغة  


:- عـ...عمر في حد ضرب عليه نار قدام الشركة وانتقل للمستشفي، أنا لازم اروح. 


صمت بعدما تفوه بجملته وأخبرهم ما حدث مع عمر، وهو لازال يقف تحت تأثير الصدمة والقلق على شقيقه. 


شهقة عالية دوت تهز أرجاء الغرفة من سناء التي وقع عليها الخبر كالصاعقة، تمنت لو انها تموت هي في تلك الوهلة قبل أن تستمع الى خبر مؤلم مثل هذا، خبر كاد ينهي حياتها بأكملها، تتمنى أن تكذب أذنيها وكأنها لم تستمع إلي ذلك الخبر، بدأت دموعها تسيل فوق وجنتيها بحزن شديد وقلبها ضرباته تتسارع وكأنه ستوقف في أي وهلة.


يالله هي على غير استعداد أن تفقد ابنها بتلك الطريقة، ظل لسانها يدعي له وتطلب من ربها أن يحفظه لها، لا تريد ان تتوجع بتلك الطريقة القاسية 


:- يارب لأ، يارب احفظهولي أنا مليش غيرهم، نجيه يارب واحفظه دول أغلى حاجة عندي مش حمل وجع وخسارة تاني. 


ظلت تردد دعواتها له وهي تتمنى ألا يكون قد أصابه شئ خطير.. 


بينما نغم قد صمتت تماما، وشعرت بصدمة كبيرة تجتاحها، صدمة اخرستها لم تتوقعها ابدا في حياتها، هي ليس مستعدة ابدا لفراق شقيقها، فيكفي فراق والدها الذي كان السبب الرئيسي في تبديل حالها وحياتها بأكملها.


نـعـم هي تخشى عمر شقيقها وتهابه بشدة لكنها تعشقه، تعشق حنانه عليها...حنانه الذي عوضها به عن فقدان والدها، هي لم تحب آلاء؛ لانها تراها تشاركها فيه وفي حنانه، تخشى أن يحبها اكثر منها، فهي شقيته الأحق بحبه، لا تريد أن يصيبه شئ. 


اقتربت فريدة من تامر الذي كان يقف كالتائه المكسور، لا يعلم ماذا يجب عليه أن يفعل؟!

ربتت فوق كتفه بحنو وهي تتطالع هيئته بحزن بالغ، وتمتمت بعد ذلك بهدوء 


:- يلا يا تامر روح المستشفى المفروض تكون هناك دلوقتي، أنتَ مينفعش تتأخر أكتر عن كدة يلا. 


اومأ لها برأسه إلى الأمام عدة مرات، وهو مازال لا يشعر بأي شئ حوله، اول مرة يشعر بذلك الضعف شديد هكذا، عمر لم يكن مصدر قوته فقط بل هو حياته باكملها، هو بالفعل عصب حياته.


لملم شتات ذاته وذهنه بصعوبة وتوجه مسرعا نحو الخارج حتى يذهب الى المستشفى، لكن استوقفه صوت آلاء الخافت التي نهضت تهرول سريعا نحوه وتمتمت بصوت منتحب خافت


:- تامر استنى أنا جاية معاك، مش هقدر اقعد كدة لازم اجي اشوفه. 


رد عليها برفض قاطع، وهو يغمض عيناه بتعب شديد يحاول ترتيب افكاره 


:- لأ يا الاء مش هينفع خالص دلوقتي، ابقي تعالى مع ماما ونغم وفريدة، أنا كدة كدة هبعت حد يجيبكم بس نتطمن الأول أن الدنيا بقت تمام. 


أنهى جملته وسار من دون أن يمهلها فرصة للرد عليه، مما جعلها تهتف اسمه بعصبية وصوت عالٍ غاضب لكنه كان ذهب من أمامها، كادت ان تنزل خلفه لتلحق به، لكن استوقفها صوت سناء التي اردفت قائلة لها بنبرة مجهدة


:- اجهزي يا آلاء، أنا هنزل اقول لاي حد من الحرس اللي تحت هيودونا كدة كدة، انا مش هقعد استنى هنا وأنا مش عارفة ابني ماله. 


ايدتها نغم على الفور وفريدة التي قررت أن تذهب معهم هي الاخرى حتى تطمئن على عمر وتكون بجانب تامر في ذلك الوقت،ط تعلم جيدا أنه يحتاج لمَن بقف بجانبه، وللأسف قلبها لم يوافق أن يتخلى عنه في ذلك الوقت بالتحديد. 


❈-❈-❈


كانت آلاء طوال الطريق تشعر أن روحها تنسحب من جسدها، صبرها بأكمله قد نفذ وانتهى، يالله هي لم تتخيل حياتها من دونه ولو للحظة واحدة، لم تستطع أن تبتعد عنه مهما حدث بينهما، سيظل هو أهم مَن في حياتها، ونبضات قلبها العاشقة تنبض لأجله.


هي لم تحبه فقط بل هي تعشقه، تعشق أدق تقاصيله الصغيرة قبل الكبيرة، هو قلبها الذي تعيش به، كالهواء الذي تتنفسه رئتيها، تلعن ذاتها على أنها لم ترضخ لطلبه في مسامحتها له. 


هو قص عليها كل شئ واخبرها سبب أفعاله التي كانت جميعها بدافع حمايتها، لكنها كانت تعند مع قلبها ومعه لأجل كبرياءها، تكذب عليه وتخبره بأنها لا تسامحه، ولكن في الحقيقة تسامحه، قلبها كان به ندبة صغيرة لا تُذكر ومُحيت تماما من حديثه وأفعاله التي تؤكد عشقه لها. 


تفاجأ تامر في المستشفى بوصولهم جميعا لكنه لم يعقب بل التزم الصمت، هرولت آلاء نحوه مسرعة، وسألته بقلق يطغى على جميع اوتارها 


:- ها يا تامر طمني إيه اللي حصل، والدكتور قال ايه عمر كويس صح؟ 


تسأله و هي تأمل في ربها ان يكن ما قالته صحيح، تتمنى الا ترى فيه مكروه، تخشى ان يصيبه الفراق فتلك المرة قلبها سيتوقف نهائيا لن يتحمل كل تلك الصدمات، فهي اكثر ما تخشاه و تخشى حدوثه هو الفراق الابدي، فراق مَن نحب فجاة الاصعب على الاطلاق، قلبها كُوِيَ بنيران الفراق بما يكفي، اصبح كالهشة لا يتحمل فراق احد آخر. 


رد عليها بصوت منخفض وهو يشعر بالضياع والتشتت مما يحدث حوله 


:- لسة يا آلاء، لسة الدكتور جوة من ساعة ما وصلت، هما بيقولوا إن حالته خطيرة شوية؛ لأن الرصاصة قريبة جدا من القلب، دة  كل اللي فهمته لغاية دلوقتي، اهدي أنتِ واقعدي ادعيله انشاء الله خير هيقوم منها ويرجعلنا.


قالت جملته الاخيرة بنبرة متمنية حزينة، بينما هي فقد شهقت بصوت مرتفع من أثر دهشتها وخوفها عليه بعدما علمت حالته ومدى خطورة الوضع عليه.


وجهت بصرها نحو رئيس الحراسة الخاص بعمر الذي يكون معه دائما، وصاحت به بغضب وصوت متحشرج، وهي دموعها لازالت تهرول فوق وجنتيها بلا توقف 


:- أنا عاوزة أعرف حاجة واحدة، أنتَ كنت فين وهو بيتضرب عليه نار عشان مش فاهمة بجد أنتم كلكم كنتم فين عشان يحصل كل دة. 


اخفض بصره ارضا، وأجابها بخجل، يعلم أنها مُحقة في حديثها ولها كل الحق في توبيخه 


:- والله يا مدام آلاء احنا كلنا كنا موجودين بس هو الموضوع كان متخططله ومترتبله كويس أوي، كله جه فجأة. 


طالعته بضيق وغضب لكنها صمتت وتوجهت تجلس فوق أحد المقاعد تضع وجهها بين يديها وتبكي بضعف شديد، جلس الجميع على أحر من الجمر ينتظرون خروج الطبيب الذي قد تأخر في الداخل بشدة مما جعلهم يشعرون بالقلق أكثر عليه.


تشعر آلاء لقلبها الذي يشتعل بداخل قفصها الصدري، هو يشتعل ويزداد لهيبه كلما مرَّ عليها دقيقة ولاازالت لم تطمئن عليه وعلى صحته،  بينما سناء كانت تجلس تبكي بصمت وتدعو ربها مترجياه بأن يحفظ لها ابنها، وألا يصيبه مكروه، تتمنى من ربها أن ينجي ابنها ويحفظه لها.. 


جلست نغم تبكي  داخل أحضان فريدة التي كانت تشعر بالأسف لما يحدث لها، وذلك الحزن الذي غفا على العائلة بأكملها، ظلت تربت عليها لعلها تنجح في تهدئتها، وتمتمت بهدوء 


:- اهدي يانغم خليكي واثقة في ربنا يا حبيبتي هو هيبقي كويس انشاء الله اهم حاجة اهدي. 


اومأت لها برأسها إلى الأمام بصمت تام، فتركتها فريدة ونهضت تقترب من تامر كان يجلس كالتائه والدموع تلتمع دتخل عينيه، اقتربت منه بهدوء وجدته يضع راسه بين يديه بتعب، لا يقوى على رفع وجهه والنظر امامه، جلست بحانبه ووضعت يدها بحنو فوق كتفه تلفت انتباهه لتجبره يرفع بصره نحوهها.


طالعها  بنظرات حزينة تعبر عن مدى الآسى والحزن الذي يشعر به، نظراته تعكس ما في قلبه، تمتمت بهدوء وهي تحاول أن تتحدث بإيجابية؛ لتخفف عنه وعن ما يشعر به


:- متقلقش يا تامر انا واثقة أنه هيبقي كويس اهدي أنتَ بس أهم حاجة. 


اومأ لها براسه إلى الأمام، ثم سند رأسه على كتفها كأنه يستمد قوته منها، وتمتم بضعف شديد على غير العادة فهو لأول مرة يبوح بضعفه أمام أحد غير عمر


:- فريدة متسبنيش خالص عشان خاطري، خليكي معايا أنا محتاجك. 


حركت رأسها صوب الأمام، وتمتمت بنبرة خافتة بالكاد تصل إلى مسامعه 


:- أنا جنبك يا تامر متقلقش مش هسيبك، وعمر كمان هيبقي كويس وجنبك، خليك أنتَ بس كويس دلوقتي عشان والدتك ونغم، وآلاء أنتَ مش شايف حالتهم كلهم عاملين ازاي، هما محتاجينك دلوقتي. 


حرك راسه الى الامام يؤيد حديثها الصحيح، وهو يطالعها بنظرات جديدة لم يتطلع إليها به من قبل، يرى بها مزايا جديدة لأول مرة، يريد أن يبقي بجانبها يرتوي منها ومن حبها، يريد أن يملأ حياته بأكملها بهواها وغرامها، كاد أن يرد عليها لكن قبل أن يتحدث قد صدح رنين هاتفه، تفاجأ عندما رأى اسم بسملة ينير شاشة هاتفه، أطفأ هاتفه مرة اخرى مقررا أن يتجاهل مكالمتها. 


حاولت فريدة أن تخفي غضبها وغيرتها منه ومن تلك المكالمة، لكنها فشلت فتمتمت تتحدث بتهكم ساخرًا 


:- ما ترد عليها يا تامر مش يمكن تحتويك هي كمان وتخفف عنك وتبقي جانبك ولا إيه، لأ لأ أنا نسيت صحيح هي بتعوزك في شغل بس مش كدة. 


زفر بضيق شديد وغضب من ذاته بعدما لمح نظرات الحزن والأنكسار يبديان بوضوح داخل بنيتيها ، لا يعلم بماذا يرد عليها، بينما بسملة قد أعادت الإتصال عليه مرة أخرى، نهضت فريدة وهي تتأفأف بضيق وتركته يجلس بمفرده وهي تشعر بالوجع والحزن الشديد. 


اضطر أن يرد عليها على مضض، يعلم جيدا أنها لن تصمت، ومن الممكن أن تفعل حركة  متهورة بلا عقل إذا استمر في عدم رده عليها، حاول أن يستجمع نبرته القوية ورد بحدة وجدية 


:- ألو يا بسملة إيه في إيه خير؟ 


توقع أنها ستقف بجانبه وتخفف عنه في وقت هكذا، لكن على غير المتوقع وصل إلى مسامعه صوتها الفرح الشامت فيما حدث 


:- ألو يا تامر انا عرفت باالي حصل لـ عمر أخوك، هو اكيد حصله كدة بسبب اللي عمله فينا أنا واثقة هو اللي قال لوالدتك على علاقتنا وخلاها تجوزك، بس كدة خلاص يا حبيبي خلاص العقبة الأساسية اللي في حياتي أنا وأنتَ بتنتهي خلاص هنبقي مع بعض، طلق بقي مراتك دي وتعالى نتجوز يا حييبي، ونحقق حلمنا أخيرا. 


توقعت أنه سيوافقها الرأي، فهي قبل أن تسافر وتبتعد عنه تلك الفترة الطويلة كان بينه وبين عمر مشاكل عديدة فقررت أن تستغل تلك النقطة الآن، لكنها تفاجأت عندما استمعت الى صوته الحاد وهو يرد عليها بغضب صارم ويضغط فوق كل حرف يتفوهه


؛- قسما بالله يا بسملة، أنا لو سمعت كلامك دة تاني مش هقولك هعمل فيكي إيه دة اخويا فاهمة يعني إيه اخويا واللي بيني وبينه ميخصكيش، بعدين اللي عمله هو أمي دة الصح اصلا، ياريت بقي متتصليش بيا تاني احسن أنتِ فاهمة. 


أنهي حديثه وأغق المكالمة نهائيا منه دون أن ينتظر ردها بل تركها تحت تأثير الصدمة من حديثه، لم يتوقع منها أن تتحدث معه بذلك الحديث وفي ذلك التوقيت الصعب عليه، دائما يظن أنها تفهم ما يشعر به، لكن الآن جميع تأكد أن جميع ما كان يظنه تجاهها تبخر وقد وضحت له حقيقتها أمام عيناه، حقيقتها الذي كان يعمى عنها  طوال الوقت.


لم يصدق أن رؤية عمر لها وحديثه عنها كان صحيحًا، هو كان دائمًا يخبره بانها أنانية لم تحبه، هي فقط تحب ذاتها وبشدة، لن تشعر به وبحزنه هي لم تشعر بأي أحد سوى بذاتها وبحزنها هي فقط،كما تبيَّن له الآن، قد تأكد من كل ذلك الآن، نفض  جميع الافكار التي داهتمته وفاق للواقع وما يدور حوله.


حال ببصره يبحث عن فريدة ملجأه الوحيد الذي يريده، وجدها تجلس بجانب آلاء، كان لا يعلم متى  نهضت من جانبه، لكنه كان يتمنى قربها بشدة، يريدها كما تريد رئتيه الهواء الذي يتنفسه، يريد أن يرتمي بهمومه وأحزانه جميعها بداخل حضنها الدافي وتنتهي الدنيا بأكملها عند تلك اللحظة.. 


_عناق فقط يكفي؛ ليجعله ينهض ويقاوم حزنه و حياته، وكل ما يشعر به_


❈-❈-❈


في نفس الوقت.. 


علمت نهى بما حدث لـ عمر؛ بسبب الخبر الذي قد انتشر في جميع المواقع والقنوات، خرجت من غرفتها سريعا وهي تشعر بالصدمة، الخبر كان غير متوقع بالنسبة لها، لم تصدق ما تستمع إليه، تكذب اذنيها وأعينها، فقد توجهت مسرعة نحو بهو المنزل حيث يجلس عدي، الذي تعلم جيدا أنه خلف كل ماحدث، أردفت تساله بعدم تصديق ودهشة تبدو على ملامح وجهها 


:- عدى أنتَ عرفت اللي بيتقال، إيه اللي بيحصل دة أنا مش مصدقة، هو فعلا عمر حد ضرب عليه نار.


حرك كتفيه إلى أعلى بلا مبالاه، ومازالت ملامحه هادئة باردة كما كان وكأنه يستمع إلى خبر عادي لا يعنيه ليس خبر هام بشدة هكذا،  فقد رد عليها ببرود


:- آه عارف هو في حد لسة معرفش الخبر دة، بعدين في إيه مالك أنتِ قلقانة وزعلانة كدة ليه مش مبسوطة يعني؟


سألها بنبرة مغزية حادة، وهو يضيق عينيه أمام وجهها بترقب ومكر، لكن قبل أن تتحدث وتجيبه، اردف بنبرة تحذيرية قاسية وهو يضغط فوق كل حرف يتفوهه


:- اوعي اللي في دماغي يكون صح يا نهى، اوعي تقوليلي انك خايفة عليه، قسما بالله ما هيهمني حاجة خالص، ومستعد اقـ'تلك فيها، مش أنا يا نهي اللي يتغدر بيا خليكي فاهمة دي كويس، احنا مع بعض من الأول وهنخلصها مع بعض ودة احسنلك لو حصل غير كدة نهايتك هتبقى على ايدي.


ابتلعت ريقها الجاف ببطء وتوتر شديد، و قد تسارعت دقات قلبها، وشحبت ملامح وجهها كشحوب الموتى، لم تنكر خوفها من حديثه لمنها حاولت أن تخفي ذلك أمامه وردت عليه بنبرة خافتة 


:- لا يا عدي مش كدة اكيد، أنتَ فاهم غلط اغدر بيك إيه ونهاية إيه اللي بتتكلم عليها دي، انا هدفي نفس هدفك وأنتَ عارف كدة، أنا بس بتكلم في إنك قاعد مش على بالك ولا كأن فيه حاجة حصلت، مش شايفاك قلقان ولا حاجة دة كان قصدي. 


_لأ طبعا قلقان، دة أنا قاعد مستنى خبر موته اللي هيتنشر ويعرفه الكل على نار. 


رد عليها بثقة وهو يبتسم بفخر شديد لفعلته القاضية والتي أنهت الحرب بأكملها معلن انتصاره، شعر بلذة الانتصار على عمر، وتلك من المرات النادرة حدوثها، تخلص من العقبة الأساسية في حياته.. 


عقدت زراعيها أمام صدرها بضيق وغضب، ثم تمتمت  تسأله بعدم رضا 


:- بس مش المفروض كنت تعرفني برضو يا عدي، احنا شركا مع بعض في كل حاجة من الاول خالص، وخطتنا مكانتش كدة اصلا أنتَ غيرتها،  قولت إنك هتخلص من آلاء وأنا هتجوز عمر وكل حاجة بعدها هتبقي تحت ايدي واساعدك في كل اللي عاوزه، لكن إيه اللي جد بقى عشان تعمل كل دة؟ 


اجابها بضيق، من ثرثرتها التي بلا فائدة، فهو الآن بحالة مزاجية جيدة، لم يريد منها أن تعكر حالته بحديثها الأحمق 


:- اللي جد يا نهى ذكاء عمر اللي مطلعش سهل خالص مش هنعرف نعمل كل اللي بتقوليه دة، اللي جد تاني جوازته من آلاء اللي بوظت كل حاجة هتتجوزيه ازاي دة أولا.


صمت لوهلة ثم استرد حديثه بقسوة وهو يطالعها بنظرات محتقرة مهينة


:- ثانيا والأهم  من دة كله أن عمر من المستحيل يبقبل بواحدة second use  وهو عارف ومتأكد طبيعة علاقتي بيكي، مش هيقبل بكدة ابدا وأنتِ عارفة كدة، عشان كدة كان لازم نغير خطتنا ونشوف خطة احسن، واديني اتصرفت واتخلصت من عمر خالص، ودة الاحسن لينا، بعد كدة هنمارس بعد كدة حياتنا بطبيعية زي ما كنا مع بعض من الأول يا بيبي، بدل ما احنا كنا مستخبيين وخايفين منه. 


ازداد وجهها شحوبا عما كان في السابق بسبب حديثه الحاد الجارح بشدة، الذي يشبه الخنجر المغروز في قلبها، لم تنكر أن تلك الحقيقة ولكن الحقيقة قد سببت لها ألم كبير. 


اخفت شعورها عنه، واومأت برأسها إلى الأمام وفضَّلت ان تصمت بدلا من ان ت عليه وعلى حديثه الجارح لها و لكرامتها، ولكن كل ذلك ايضا لن يهمها، ستبقي معه رغم كل ذلك من الواضح أنه قد فاز، فهي الآن مع الجهة المنتصرة، هي لن يهمها سوي مصلحتها فقط.. 


❈-❈-❈


بعد مرور بعض وقت..


بعد ما يقارب الثلاث ساعات وقد انفضت تلك الساعات كالدهر الطويل بالنسبة لهم، يشعر الجميع بالقلق عليه ولأجله والخوف من ذلك التأخير.. 


انطفأ وأخيرا اللون الاحمر الذي كان منير فوق الباب الخاص بغرفة العمليات الذي يوجد عمر بداخلها،  وخرج الطبيب بعدها والإرهاق يبدو بوضوح فوق قسمات وجهه من بعد تلك العملية المجهدة. 


كانت آلاء أول مَن اقتربت منه، وأردفت تسأله مسرعة بلهفة وقلق يرهق روحها التي ستنفذ في أي وهلة من فرط القلق والخوف 


:- ها يا دكتور طمني على عمر ماله،هو بقي كويس صح كدة؟ 


اومأ لها الطبيب برأسه إلى الأمام يؤكد صِحة حديثها، فبعدما رأى حالتها أمامه لم يستطع إخبارها على طبيعة حالته الخَطِرة؛ لذلك رد عليها بهدوء وعملية 


:- هو الحالة إلى حد ما تمام، مش هقدر احدد ولا اشخص أي حاجة دلوقتي، هو هيفضل 48 ساعة في العناية المركزة وتحت ملاحظة دقيقة جدا وادعيله يا مدام، احنا عملنا كل اللي علينا حقيقي والباقي على ربنا، انشاء الله هيبقي كويس. 


على الرغم من أنه جاهد أن يحافظ على حديثه بحرص شديد؛  حتى لا يزيد من قلقهم جميعا، فيكفي هيئتهم الشاحبة المجهدة، لكن حديثه لم يطمئنها اطلاقا بل أنه قد ازداد من توترها، أسرعت تتحدث بحزن وضعف قبل أن يذهب من امامها 


:- دكتور ثانية معلش، هو أنا ينفع ادخله لما يتنقل العناية عاوزة اشوفه لو سمحت. 


تطلع إليها بشفقة والى حالتها الهزيلة التي تقف بها أمامه، ورد عليها برفض وأسف 


:- لأ مينفعش نهائي تدخلي أو حد يدخل وهو تحت الملاحظة،  كدة هيبقي افضل ليه ولصحته، وكلها يومين بالظبط وهيبقي كويس بإذن الله، احنا عملنا كل اللي نقدر عليه. 


أنهي جملته وذهب من أمامها توجه نحو مكتبه، يأخذ قسط من الراحة بعد تعب العملية الذي خرج منها للتو.. 


بعد مرور بعض الوقت القليل.. 


تم نقل عمر إلى غرفة العناية كما قال الطبيب ولاازال الجميع يجلسون يدعون له بالتحسن في أقرب وقت، فلن يتحمل احد أن يحدث له شئ.


وقفت آلاء وهي تبكي أمام باب الغرفة الزجاجي تطالعه عبر الزجاج الشفاف بأعين ذابلتين كهيئتها، تطالع هيئته المتعبة بحزن شديد، ترى الأجهزة المعلقة في جميع انحاء جسده، أغمضت عينيها بحزن ودموعها لازلت تهطل فوق وجنتيها بلا توقف. 


مَن يصدق أن من الممكن أن تُحرم الزوجة من رؤية زوجها وحبيبها وروحها،  فقط كل ما يمكن أن تراه هو صورة مُنعكسة من زجاج.. 


عيناها كانت تطالعه وتحكي العديد من الحزن والآسى، تتوعد لهم جميعًا بالطبع لن تصمت بعد كل ماحدث له.. 


تنهدت تنهيدة تملاها العديد من النيران والغيظ ثم اقتربت من رئيس الحراسة الذي لن يتركهم حتى الآن، و أردفت قائلة له بنبرة آمرة غاضبة والشرر يتطاير من عينيها، تقسم أنها لن تصمت لهم بعد فعلتهم تلك 


:- شوف اعمل اللي تعمله بس أنا عاوزة في خلال ساعتين اقصي حاجة يكون عندي مكان عدى اللي مستخبي فيه، ومن غير ما اي حد يعرف حاجة عن كلامي دة ماشي. 


طالعها بعدم تصديق وغمغم باعتراض وقلق عليها 


:- يا مدام آلاء مش هينفع اللي حضرتك عاوزاه، نستنى لما عمر بيه يفوق ويبقي كويس أفضل. 


طالعته بغضب شديد والشرر يتطاير من كلتا عينيها، وردت عليه بحزم وحدة


:- أنت سمعت اللي أنا  قولته، ساعتين ويبقي مكان عدي عندي أنتَ فاهم، أنا مش هستنى حاجة. 


اومأ برأسه إلى الأمام بصمت، لم يقوى على الإعتراض مرة أخرى، بعدما رأى هيئتها الغاضبة بشدة، وخاصة أنها محقة فيما تطلبه فمن الضرورى أن يعرف مكان عدي؛ لانه اول شي سيطلبه عمر عندما يفوق، هو بعلن جيدا، لكنه يخشى أن يصيبها شئ بسبب ما تريد فعله حينها عمر لن يرحمه ولن يرحم أحد.


لم تهتم آلاء بأي شئ آخر، بل كانت تتطلع أمامها بشرود وغضب، فكرة أن عدي فعل كل ذلك في عمر وكان على وشك الإنهاء بحياته تماما، تؤلمها تؤلم قلبها المشتعل، مَن يراها يقسم حقًا انها سترتكب جريمة في ذلك الوقت... 


يُتبع