-->

رواية لا احد سواك رائفي - بقلم الكاتبة سماح نجيب - الفصل السادس عشر

 

رواية لا أحد سواك رائفي 

بقلم الكاتبة سماح نجيب




الفصل السادس عشر 

رواية

لا أحد سواك رائفي

" غيض من فيض "


تنفست سجى بعمق ، وتهيأت لقول مطلبها ، ولكنها عادت لتشعر بالخجل ، خاصة وأنها كلما تذكرته أثناء دخوله لغرفة العلاج ، يتوهج وجهها بنيران من فرط سريان دماء الخجل والإستحياء بأوردتها ، ولكن هو يبدو عليه أنه مستمتعاً بمضايقتها خاصة لعلمه أنها خجولة ، فكل مرة تمارس جهداً كبيراً حتى يمر الأمر بسلام ، حتى لا تفر هاربة من الغرفة ، أو أن تحاول إستمالته وربما تجده أقل تمنعاً ورفضاً لها ولتلك المشاعر ، التى ربما يعلم أنها تكنها له ، ولكن كأن هناك شئ يحول بينهما 


فبالأخير إستجمعت شجاعتها وقالت بصوت مرتجف من إزدياد شعورها بالخجل :

– كنت عايزة أطلب منك ، أنك تلبس هدومك قبل ما تدخل أوضة الجلسات ، بلاش تدخلى الاوضة بالشكل اللى بتدخل بيه ده


قضم رائف شفته السفلى قائلاً بدهاء:

–ليه شكلى مش عجبك يا دكتورة 


أزدرت سجى لعابها ، خاصة بعد سماع صوته والذى بدا عليه أنه مستمتعاً بمضايقتها بفعلته ، فردت قائلة بهدوء:

– أنا مقولتش كده أنا يعنى مش شايفة ضرورة أنك تدخل من غير التيشرت يعنى ، ما أنت كنت بتدخل الأوضة لما كانت الدكتورة دى هنا بهدومك عادى ، أى نعم كان التيشرت والشورت بيبنوا كل عضلاتك ، بس أهون من أنك تدخل من غير تيشرت خالص ، وخصوصاً وأنت طويل وحليوة


وضعت يدها على فمها بعد إنتهاءها من حديثها ، بعد أن وعت على ما تفوهت به ، فإبتسم رائف على غير عادته ، ورد قائلاً:

–ما لو حتى دخلت بالتيشرت هتخلينى اقلعه علشان تدليك العمود الفقرى


زفرت من فمها وخفضت وجهها أرضاً وهى تقول:

–دا أنت عندك رد جاهز لكل حاجة على العموم أنت حر سلام


ما كادت تصل لباب الغرفة حتى سمعته يقول :

– ياريت يا دكتورة متتأخريش عليا ماشى ، وإلا ممكن أزهق وأنام


إلتفتت إليه برأسها وقالت بغيظ :

– هتنام من العصر حاضر يا باشمهندس رائف مش هتأخر 


زفر رائف زفرة مرتجفة ورد قائلاً بإبتسامة لم تحمل أى مظهر من مظاهر السعادة أو الفرح :

–تصدقى بقالى زمن ما سمعتش حد بيقولى يا باشمهندس كنت دايماً أسمهم ينادولى بحضرة الظابط رائف زيدان


دارت سجى على عقبيها ، خاصة بعد رؤية تغير قسمات وجهه ، والتى إمتلأت بالحزن والألم ،فعلمت أن ربما ستنتابه حالة جديدة من الإستياء والحنق


فقالت وهى تقترب من فراشه قليلاً:

–بس باشمهندس أحلى لايقة عليك أكتر على فكرة


رفع رائف حاجبه قائلاً بتهكم :

– يا سلام !


ردت سجى قائلة بإبتسامة صافية وبصدق :

–والله زى ما بقولك كده ، ثم أنت لازم بقى تنسى وتبتدى حياتك من جديد ربنا مش رايد تبقى ظابط عندك فرصة أنك تبقى مثلاً باشمهندس شاطر ورجل أعمال ناجح


رفع وجهه لها وقطب حاجبيه متسائلاً:

– وتفتكرى ده ممكن يحصل يا سچى ؟


هزت سجى رأسها بحماس وردت قائلة بتفاؤل وأمل :

– وليه لاء ، ربنا دايما بيدينا فرصة تانية ، دا لما بنغلط بيدينا فرصة نستغفر ونتوب ، يبقى لما تضيع مننا حاجة مش هيدينا فرصة أن إحنا نبدأ من جديد ، دا سيدنا أيوب كان غنى وكان عنده مال وأولاد وكل حاجة ، فلما ربنا حب يختبره بمرض ، فضل صابر ولما زوجته قالتله اطلب من ربنا يشيل عنك المرض ، قالها أن ربنا اداله نعم كتير ، فلما يبتليه يقنط بسرعة وميصبرش ، فصبر ولما ربنا أراد شال عنه المرض ، ورجعله صحته ورجعله ماله وبقى عنده أولاد تانى فأنت حاول يا رائف بلاش اليأس اللى أنت فيه ده ، حاجة ضاعت منك دور على غيرها ، حاول وحاول بلاش تحبط نفسك بتفكيرك أن خلاص حياتك ومستقبلك كده انتهوا ، لاء دا جايز إن حياتك ومستقبلك هيبتدوا من جديد وهتبقى هى دى الحياة والفرصة اللى ربنا كتبهالك


أنصت لها بإهتمام ، فحديثها كان له مفعول السحر ، فهاهو يستمع لها بسكون ، بل يريدها أن تكمل حديثها ، وأن تجعل روحه اليائسة تشعر بالأمل والتفاؤل ، فمنذ وقوع الحادث ، صارت روحه خراباً لا يرى بها سوى ركام وأكوام من اليأس وذكريات رافضة أن تتركه بحاله 


فأشاح بوجهه عنها متمتماً بتفكير :

– بس هبتدى إزاى وأنا كده


أجابته سجى بثقة :

– إن كان على كده ، أنت خلاص تقريباً  مبقاش فاضل كتير وهتسافر لندن وتعمل العملية وترجع إن شاء الله أحسن من الأول


عاد ينظر إليها متسائلاً وعيناه ترجوها أن تصدقه القول :

– تفتكرى العملية هتنجح يا سچى ؟


أماءت سجى برأسها وردت مبتسمة بحنان :

–ليه لاء قول أنت يارب ، وهو القادر على كل شئ ، وكل شئ بأوان ، خلى عندك حسن الظن بالله


رفعت هاتفها ونظرت به وجدت أن ربما يأخذها الحديث معه وتنسى موعدها مع ريهام فعادت تكمل حديثها:

–على العموم لما أرجع نبقى نكمل كلامنا وإحنا بنعمل الجلسة لأن ريهام زمانها مستنيانى ومش بعيد تضربنى سلام


رفع يده ولوح لها قائلاً بإبتسامة هادئة:

–سلام يا سچى ومتتأخريش عليا قصدى على الجلسة


وصلت سجى للباب وألتفتت إليه قائلة بمشاكسة :

– الجلسة ! لاء متخافش مش هتأخر هاجى على طول


خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها ، فوضع ذراعيه خلف رأسه وأسند ظهره للوسائد الموضوعة خلفه ، يفكر فى حديثها معه ، ومحاولتها لبث الأمل بداخله ، فهو لا ينكر أنه أنسحر بحديثها الهادئ ، وأنه تمنى سماع المزيد منها ، ولكن كلما حاول ترسيخ تلك الحقائق بداخله ، يعود إليه وساوسه وشيطانه الذى لا يكف عن جعله يفقد ثقته بذاته وبها ، ويعود ويخبره أنه سيظل على حالته تلك وأن ما قالته ، لم يتعدى بضع كلمات تقال لمن بمثل حالته ، محاولة من المحيطين به تجميل واقعه المرير 


❈-❈-❈


بعد عودته من عمله وتناول طعامه ، جلس ينتظر خروج أروى من غرفتها ثانية ، ولكن يبدو أن ليس بنيتها الخروج من الغرفة ، فترك مكانه وذهب إليها ، طرق الباب ومن ثم أدار المقبض وولج الغرفة وجدها تجلس على الفراش ممسكة بكتاب ، فوضعت أروى الكتاب من يدها وإبتسمت لأبيها ، الذى أقترب منها وجلس على حافة فراشها


فرفع يده وربت على وجهها وقال مبتسماً:

– حبيبتى عايز أقولك على موضوع وأخد رأيك فيه


نظرت إليه أروى بإهتمام قائلة :

– خير يا بابا موضوع إيه ده


رد حامد قائلاً وإبتسامة تزين ثغره :

– أنتى  عارفة هشام جارنا ، جالى الورشة وطلب منى ايدك قولتى ايه


كأنها كانت تفطن لقوله قبل أن يتفوه به ، ومع ذلك تخضب وجهها بدماء الخجل ، فردت قائلة بصوت خافت :

–اللى تشوفه حضرتك يابابا الرأى رأيك


مد حامد يده ورفع وجهها له قائلاً :

– يعنى أنتى موافقة يا حبيبتى على الموضوع ده ، لأن المهم رأيك أنتى 


أعادت أروى حديثها الخجول :

– ماقولتلك يابابا الرأى رأيك


ربت والدها على وجنتها وهتف بها بحنان :

– خلاص على خيرة الله أنا أقوله ييجى ويجيب والدته ونقرأ الفاتحة


أماءت أروى برأسها ، وزاغت بعينيها عن مرمى وجهه ، فنهض تاركاً مكانه وخرج من الغرفة ، ولكن طاف وجه سجى بمخيلته ، فشعر بالخزى من ذاته ، لأنه الآن كان ودوداً مع إبنته الصغرى وتحدث معها بشأن زواجها بهدوء وروية ، خلاف لسجى ، التى كانت على وشك الزواج بالإجبار ، فأى أب هذا الذى لا يرحم إبنته ، بل زاد من جفاءه وقسوته معها ، بأنه كان يريد هدم حياتها من أجل مصلحته الخاصة 


خرج من شروده على صوت زوجته ، التى تعجبت من دخوله وخروجه من غرفة أروى ، كأن هناك شئ يحاك بالخفاء وهى لا تعلم 


فتقدمت منه وتساءلت :

– فى إيه يا حامد ، كنت بتتكلم انت وأروى فى ايه


رد حامد قائلاً بهدوء وهو يكمل سيره ليجلس على الأريكة :

– كنا بنتكلم فى موضوع جوازها ، جايلها عريس


شهقت فادية لعدم إخباره لها بهذا الأمر الهام ، فصاحت به بغيظ :

–موضوع جوازها وانا معرفش ومين العريس بقى ان شاء الله


رد قائلاً بعدم إكتراث وهو يشاهد التلفاز :

– يبقى هشام جارنا


وضعت فادية يديها بخصرها وقالت وصوتها كاد من يسير بالشارع يسمعه بوضوح:

–أنت بتقول مين يا حبيبي ، وانا مش موافقة يا حامد


رفع وجهه لها قائلاً ببرود :

–ومش موافقة ليه بقى ان شاء الله ، هشام ابن ناس طيبين وهم ناس مستوريين الحمد لله فى ايه بقى


ردت فادية قائلة بحقد:

يعنى بنتك الكبيرة تتجوز الجوازة الهنا دى وبنتى تجوزها واحد على قد حاله ، ماهو مش بنت نعمة تتجوز جوازة زى دى وبنتى انا تتجوز الواد ده ، بقولك ايه الجوازة دى مش ممكن تتم


التوى ثغره قائلاً بتهكم:

– أنتى لسه حاطة سچى فى دماغك يا فادية ، بس أحب أقولك أن الجوازة هتم يا فادية واللى عندك اعمليه


قال ما لديه وتركها ذاهباً لغرفتهما ، فهو لن يدعها تخرب تلك الزيجة ، خاصة بعد أن شعر بميل إبنته للزواج من هشام ، فيكفى ما جعلته يفعله بزوجته الأولى وإبنته 


–أنا وأنت والزمن طويل يا حامد وهنشوف كلام مين اللى هيمشى

جلست فادية مكانها وهى تفكر فى إيجاد حل لمنع زواج إبنتها من هذا الشاب ، فهى تأمل بتزويجها من شاب ثرى ، مثلما تزوجت سجى ، ولكن أن يخبرها زوجها الآن ، أنه ينتوى  تزويج إبنته من شاب يسكن بهذا الحى ، فذلك أدعى لأن يجعلها تستشيط غيظاً وقهراً ، فأى حظ كانت تملكه نعمة بحياتها ومماتها ، فعندما حرمتها زوجها ، لم تيأس بل ظلت محتفظة بكبرياءها وعملت على تربية إبنتها بمفردها ، وعندما أرادت جعل سجى تعانى بعد وفاتها ، كان الحظ حليفها بأن عاشت بكنف أقارب والدتها الأثرياء ، بل وتزوجت الإبن البكر لتلك العائلة الثرية 


❈-❈-❈


جرت سجى قدميها جراً وهى تشعر بالتعب والإرهاق ، جراء تجولها برفقة ريهام فى العديد من المتاجر الخاصة ببيع الثياب ، فلم تعثر على ثوب يجعلها تشعر أنه المناسب لزفافها ، فكلما شجعتها سجى على شراء ثوب الزفاف الأبيض ، ترفض ريهام رفضاً قاطعاً معللة ذلك بأن لن يكون هناك حفل زفاف ضخم من أجلها ، بل حفل سيجتمع به العائلتان فقط 


وصلت سجى للمتجر الذى أشارت إليه ريهام ، فأسرعت بالبحث عن مقعد لتريح قدميها ، فجلست وقالت بأنين :

–يابنتى حرام عليكى تعبتينى مفيش حاجة عجباكى خالص ، مبقتش حاسة برجلى خالص


ضحكت ريهام على ما قالته سجى ، فقالت وهى تتفحص الثياب :

– أنا عايزة فستان أبيض أه بس بسيط مش فستان فرح ، ومالك بقيتى بسكوتة كده ليه يا بت يا سجى 


عثرت ريهام على الثوب المنشود ، فرفعته بين يديها قائلة بإعجاب :

–الله ايه رأيك في الفستان الابيض ده يا سچى


تركت سجى مكانها وأقتربت منها تتفخص قماش الثوب ، فأثنت على إختيارها قائلة :

–جميل أوى وهيبقى تحفة عليكى يا ريهام


وجدت ريهام ثوب مماثل ، فأخذته وهى تقول:

– دا فى واحد كمان زيه أهو ، خلاص احنا نشتريه ليكى


عقدت سجى حاحبيها وردت قائلة:

– ليا أنا واعمل بيه إيه يا ريهام 


وضعت ريهام الثوب عليها وهى تقول :

–عادى يا سجى البسيه فى الحفلة علشان نبقى زى بعض


قالت سجى وهى تعيد الثوب لمكانه :

–المفروض أنتى العروسة وميبقاش فى حد زيك ، ولا لابس حاجة زى اللى أنتى لبساها


ردت ريهام قائلة بمحبة :

– إلا انتى يا سچى لانى بحس انى انا وانتى حاجة واحدة


قالت سجى مبتسمة وهى تطوقها بذراعيها :

–حبيبة قلبى انتى بس لاء لازم تكونى انتى مميزة فى الحفلة


ربتت ريهام على ظهرها وقالت بإلحاح :

– علشان خاطرى يا سچى اشتريه


ألحت ريهام كثيراً عليها لشراء الثوب ، فرضخت بالأخير وأخذته إرضاء لها 


بعد إنتهاءهما من شراء الثوبان والحجاب اللازم لهما ، نظرت سجى لريهام قائلة :

–خلاص يا ستى أدينا اشترينا الفساتين بالحجاب فاضل ايه تانى


نقرت ريهام على ذقنها وهى تقول :

– كده فاضل الجزمة


نفخت سجى بضيق وقالت :

–دا انا شكلى اللى هضربك بالجزمة يا ريهام انتى تعبتينى يا شيخة


ردت ريهام ممازحة:

–يرضيكى يعنى ألبس الفستان الحلو ده على الشبشب أبو صباع 


دفعتها سجى أمامها وهى تقول:

–لاء ما يرضتيش يلا بينا يا اخرة صبرى انا كده هتأخر على رائف


أبت ريهام أن تتحرك خطوة أخرى ، فإستدارت إليها قائلة بمكر :

– رائف ! قولى كده بقى عايزة تزحلقينى علشان حبيب القلب


تنهدت سجى قائلة بإبتسامة حزينة :

– حبيب القلب اللى واجع قلبى معاه


عبست ريهام وهى تقول :

– هو لسه راكب دماغه دا دماغه ناشفة أوى بقى يا ساتر يارب إيه ده 


هزت سجى رأسها قائلة بيأس :

– انشف من الحجر كمان يا ريهام


هزت ريهام رأسها قائلة بصوت درامى :

–صبرك عليا كلها كام يوم وجيالك يا سچى وستبدأ المعركة


إبتسمت سجى وردت قائلة:

–بس من غير ضحايا والنبى يا ريهام


ربتت ريهام على كتفها ، كأنها بذلك تطمأنها وقالت :

–متخافيش أنا هخليكى بس تاخدى جوزك أسير حرب وشوفى شغلك أنتى بقى معاه


قهقهت سجى على قولها فردت قائلة بحماس:

– إذا كان كده ماشى يلا بينا بقى علشان ألحق أروحله أصله وحشنى الشوية دول


عادت سچى للمنزل ، بعد أنتهاءها هى وريهام من شراء ما يلزمهما ، حملت الحقائب الموضوع بها ما إبتاعته بعد إلحاح صديقتها ، فأثناء مرورها من الحديقة وجدت زوجها جالساً بذلك المكان الذى أعتاد الجلوس به وكان قريباً من المبنى الصغير الذى تقطنه 


فأقتربت منه وألقت التحية ، فرد قائلاً بلهفة ، كأنه كان بإنتظارها :

– إتأخرتى ليه كده ، دا أنتى خرجتى من بدرى 


رفعت سجى الحقائب قائلة بقلة حيلة :

– ريهام تعبتنى على ما لقت فستان يعجبها ، حتى أصرت عليا أشترى فستان وجزمة أنا كمان 


نظر رائف للحقائب ، فسرعان ما حول بصره لوجهها قائلاً:

– المهم أنهم عجبوكى ، مبروكين عليكى


قالت سجى وهى تشير برأسها للمنزل :

– شكراً أنت ممكن تسبقنى على الأوضة هغير هدومى وأجى أعملك الجلسة 


نهض رائف من مكانه ورد قائلاً بمكر :

– ماشى وهغير هدومى أنا كمان


همست سجى لذاتها قائلة :

– قصدك تقلع هدومك


ولجت للشقة ووضعت الحقائب بغرفتها وأبدلت ثيابها ، وبعد إنتهاءها من إرتداء ثوبها الفضفاض ، خرجت من الشقة ومرت بجانب تلك الورود ، التى تراها دائماً بيد رائف ، فقطفت وردة ورفعتها لأنفها لتنعم بعبيرها ، ومن ثم وضعتها بجيب ثوبها العلوى ، ولكن ما أن وصلت للغرفة ، وجدته يجلس كالعادة بسرواله القصير 


فصفعت جبهتها بخفة وهى تقول بيأس من أفعاله :

– لا حول ولا قوة إلا بالله دا أنت مصر بقى


رد رائف قائلاً وهو يدعى الجهل :

– فى حاجة يا دكتورة سچى


إبتسمت سجى إبتسامة سمجة وهى تقول:

– لا أبداً يلا بينا نبدأ بسم الله الرحمن الرحيم


بدأت سچى بعملها ، وهى تحاول تصنع الجدية والهدوء ، فى حين أن قلبها،  كان بعيد كل البعد عن الهدوء ، فهى ما أن تقترب منه ، يظل قلبها يخفق بقوة ، فما أن أعلنت إنتهاء الوقت ، حتى وجدته يترك مكانه ، وبحث عن قميصه ليرتديه ، فأخذته من على تلك المنضدة الصغيرة ، وناولته إياه   ، ولكن أثناء خروجهما ، تدافعاً سويا تجاه الباب للخروج ،  وجدت نفسها قريبة منه حد الإلتصاق ، فتجمدت يدها على مقبض الباب و نظرت إليها بطرف عينيها ، فأغرتها نفسها على تأمل ملامح وجهه ، ولكنها أنتبهت أنه يأخذ أنفاسه بصعوبة  ، تدل على عدم سيطرته على عواطفه ، رأته يفتح فمه للحديث ، ولكن الكلمات توقفت على شفتيه وألتقت عيناها بعينيه ، وجدته يجذبها نحوه ورأسه يميل ليلتقى برأسها ، ظلا متقاربان دون عناق ، ولم تدم حيرتهما طويلاً ، إذ وجدا العناق واقع لا محالة ، لحظات مرت تمنت لو يتوقف بها الزمن ، ولكن هكذا يكون الحال معه دائماً ، يثور على ذاته بعد لحظات ضعفه ، فانتشل نفسه من خضم أفكاره المتصارعة معنفاً نفسه 


فدمدم ساخطاً على ضعفه :

– بس كده كفاية 


ولكن ظلت سچى مكانها تطيل النظر به ، فأشاح بوجهه عنها قائلاً برجاء :

– أرجوكى يا سجى متبصليش كده


حاولت سجى أخذ أنفاسها بصعوبة ، لتمنع إنسكاب عبراتها ، فقالت بغصة :

– رائف أنت ليه مصر على......


ولكنه قاطعها بصوت حاد ومرير كأنه يريد ان ينهى الحديث بينهما إلا هذا الحد ، فرد قائلاً:

–متقوليش حاجة وأظن كده إحنا خلصنا الجلسة عن إذنك


خرج من الغرفة بينما ظلت هى واقفة مكانها ، ولكن كأن الدموع تحجرت بمقلتيها فجأة ، تراه يسير مبتعداً ، ولكن ليست تلك المسافة بينهما والتى تقدر ببضعة أمتار ، هى من تحول بينهما ، ولكن أفكار وصراعات تكدست بداخل قلبه وعقله ، فهى تخشى أن يمر قطار العمر وهى تحاول جعله يترك أوهامه ويأسه جانباً ، فلم وقعت بغرام ذلك الرجل العنيد وصعب المراس ، فهى بات لديها شبه يقين من أنه لا ينفر منها أو أنه لا يدرك مدى جمالها وجاذبيتها وإنها تحاول جاهدة إفهامه أنها تريد أن تصير له زوجة فعلية ، ولكن تلك الحرب الطاحنة بداخله تمنعه الراحة وإظهار عواطفه 


❈-❈-❈


تنفس هشام بعمق ، وتحرك بخطواته تجاه حامد ، فهاهو قد جاء إليه لمعرفة قراره بشأن زواجه من إبنته ، فهو وإن كان متيقناً من موافقة أروى وربما موافقته هو الأخر ، ولكن يخشى زوجته تلك المدعوة فادية ، والتى يعلم أنها لا تكن أى محبة أو مودة لأى أحد من سكان الحى ، فهى لم تترك إمرأة إلا وتشاجرت معها ، حتى صارت كل النساء يتجنبن الحديث معها أو إثارة عداءها ، نظراً لكونها تتخلى عن كل مظاهر الكياسة والذوق وتصير أفعالها سوقية


أنتبه حامد على وقوف هشام قريباً منه ، فإبتسم له قائلاً :

– أهلا يا هشام يا ابنى أتفضل تشرب إيه


رد هشام قائلاً بشُكر :

–تشكر يا عمى ، أنا جيت علشان أعرف رأيك إيه فى الموضوع


أشار له حامد بالجلوس وهو يقول:

– أنا يا أبنى موافق وسألت أروى وهى موافقة ، فأنت تجيب والدتك وتشرفونا بكرة بعد المغرب ان شاء الله ونقرا الفاتحة وربنا يتمم بخير 


صاح هشام قائلاً بسعادة :

–بجد أنا متشكر اوى يا عمى ربنا ميحرمناش منك ، وان شاء الله بكرة نكون عندك عن أذنك بقى علشان أروح أعرف والدتى


ذهب هشام وهو يبتسم ملأ فاه ، فظل يشكر الله على أن حامد وافق على زواجه من أروى ، فبعد انصرافه عاد حامد لعمله مرة أخرى  ، وهو يدعو أن تصير الأمور على ما يرام ، فدعى الله أن لا  تفعل فادية شيئاً لتعطيل زواج إبنتها من هشام 


فباليوم التالى ، وبالوقت المحدد كان هشام مصطحباً والدته، وهى إمرأة تتسم بالطيبة واللطف ، فعلى الرغم من أنها صُعقت بالبداية من علمها بشأن رغبة ولدها فى الزواج من بنت فادية ، إلا أنها وافقت بالأخير ، فهى تعلم حسن أخلاق أروى ، ولم تكن تريد أن تتسبب بحزن ولدها الوحيد 


فقال حامد مرحباً بقدومهما :

– نورتونا يا أم هشام أنتى وهشام


ردت والدة هشام قائلة بلطف :

– دا نورك يا أبو أروى تسلم يارب هى فين عروستنا الحلوة 


خرجت أروى من غرفتها ، وجلست بجوار والدها ولم تحاول رفع وجهها نظراً لشعورها بالخجل الشديد فقالت والدة هشام بإعجاب:

–بسم الله ماشاء الله زى القمر يا حبيبتى


قالت أروى بصوت منخفض :

– تسلمى يا طنط


نظر هشام لحامد قائلاً بإبتسامة :

– نقرأ الفاتحة بقى يا عمى


ولكن جاءهم صوت فادية وهى تخرج من غرفتها قائلة بصياح :

–ومستعجلين على إيه أوى كده


حاولت والدة هشام قمع غضبها ، فردت قائلة بإبتسامة صفراء :

–خير البر عاجله يا حبيبتى


جلست فادية ووضعت ساق على الأخرى وهى تقول بغرور لعين :

– مش لما نتفق الأول يا أم هشام 


أبتلع هشام لعابه قائلاً بتوتر:

– اؤمرى حضرتك 


نظر إليها حامد نظرة تحذرية ، إلا أنها لم تلقى له بالاً ، فرفعت يدها اليسرى تحصى على أصابعها مطالبها :

–أنا عايزة مهر لبنتى مش أقل من ٢٠٠ ألف جنية  ،وعايزة فرح فى أحسن قاعة فيكى يا مصر ، وعايزة ليها شقة لوحدها لأن بنتى مش هتعيش مع حد  ، لازم يكون ليها بيتها لوحدها ،وكمان عايزة شبكة كبيرة


حدق بها هشام بفم مفتوح من صدمته بسماع مطالبها ، فرد قائلاً بذهول :

–بس حضرتك كده كتير وأنا لسه فى بداية مشوارى


ألتوى ثغر فادية وهى تقول بسخرية :

–والله هو ده اللى عندى عاجبك كان بها مش عاجبك كل واحد يروح لحاله ويادار ما دخلك شر ، واللى معهوش مايلزموش


هبت والدته واقفة وهى تقول بإقتضاب :

–براحتكم يا حبيبتى عن اذنكم يلا يا هشام


مدت والدته يدها وجذبت ذراعه حتى نهض من مكانه ، فى حين أنه نظر لأروى وعيناه تفيض بالحزن ، خرجا من المنزل فنظر حامد لزوجته قائلاً بغضب شديد:

– إيه اللى أنتى عملتيه ده مش حرام عليكى كده تكسفى الناس وتكسرى فرحة بنتك ، انتى ليه بتعملى كده


وضعت أروى وجهها بين كفيها وقالت بصوت نائح :

– ليه كده يا ماما حرام عليكى ، وهو يجيب لحضرتك كل ده منين وانتى عارفة ظروفهم


أشاحت فادية بوجهها عنهما وهى تقول ببرود :

– وأنا عملت إيه الجواز إتفاق ولو مش هيقدروا على طلباتنا خلاص نفضها سيرة ، و أنت ليه رضيت أن بنتك الكبيرة تتجوز ابن الناس الاغنيا دول ، وعايز تجوز بنتى الجوازة اللى على القد دى 


كأنه أنتبه أخيراً على أسباب أفعالها ، فرد قائلاً:

– قولى كده بقى ده كله بسبب غيرتك وحقدك على سچى بس ملحوقة انا سكتلك كتير بس خلاص من هنا ورايح مش هسكت تانى


قالت وعيناها تتحداه أن يكون صادقاً بحديثه ، فقالت بتهمكم :

–هتعمل إيه يعنى يا حامد


أقترب حامد من أروى وطوق كتفيها وهو يقول بحسم :

–هاخد بنتى واسيبلك البيت يا فادية ، هروح البيت اللى كانت نعمة عايشة فيه هو لسه باسمى وانا معايا مفتاحه


رفعت يدها وأشارت لباب المنزل قائلة بعدم إكتراث:

– مع السلامة والباب يفوت جمل يا حبيبى


طحن أسنانه قائلاً بغيظ:

– كده ماشى ،  يلا يا أروى لمى هدومك خلينا نمشى من هنا


لم تنتظر أروى أن يقولها ثانية ، فركضت لغرفتها وسحبت حقيبتها الموضوع أعلى خزانتها الخشبية ، وبدأت بلم كل ما تطاله يدها خاصة كُتبها الدراسية ، فبعد أن أنتهت أغلقت سحاب الحقيبة وجرتها خلفها وخرجت من الغرفة ،وجدت أبيها يجر خلفه حقيبته ، ففتح الباب ورمى زوجته بنظرة باردة ، أنتظرت أروى أن تصدر والدتها أى رد فعل على ما يحدث ، إلا أنها وجدتها جالسة ببرود تشاهد التلفاز ، كأن الأمر لا يعنيها ، فتبعت أبيها للخارج وأغلقت الباب خلفها ، وصلا للشارع فأشار حامد لسيارة أجرة ، فتوقفت بجانبهما ، وبعد وضع حقائبهما وأخذت أروى مكانها بجوار أبيها بالمقعد الخلفى ، أنطلقت السيارة حتى وصلت لذلك المنزل ، الذى كانت تقطنه نعمة وسجى ، ففتح حامد الباب بالمفتاح الذى بحوزته ، فولج للداخل وجد المنزل غارقاً بالظلام ، فكم يتمنى هو الآن أن لو كان بإمكانه أن يعيد الزمن ، ويطلب الصفح والغفران من زوجته الأولى ، التى رحلت عن العالم بقلب غير راضى عن أفعاله بحقها 


❈-❈-❈


أقامت ريهام بمنزلها حفل خاص إحتفالاً بليلة " الحناء " فبالغد سيتم عقد قرانها هى وأكرم وباليوم الذى يليه سيقام الحفل بمنزل عائلته ، فإجتمع الفتيات وبدأن اللهو والرقص ، وحضرت إمرأة من أجل تزيين أيديهن بالحناء ، فتعالت الصيحات والضحكات وأصوات الأغانى ، التى بدأن الفتيات الرقص على إيقاعها ، فنظرت سجى لريهام وهى تقف بالمنتصف وهى تتمايل على أنغام الموسيقى ، فظلت تصفق لها ، حتى شعرت ريهام بالإنهاك من كثرة إلحاح الفتيات عليها بالرقص


فأقتربت من تلك المرأة ، التى أشارت لها بالجلوس لبدء رسم الحنة على يديها وكاحليها ، فبعد أن أنتهت نادت لسجى قائلة :

–يلا يا سچى تعالى علشان ترسملك انتى كمان


قالت سجى برفض :

– بلاش يا ريهام ملوش لزوم


دفعتها ريهام بكتفها وهى تقول بإصرار :

– ازاى بقى لازم ترسمى حنة دى هتبقى على ايدك جميلة اوى ، أقعدى أقعدى


جلست سجى أمام المرأة ، فأخبرتها ريهام أن تقوم بنقش إسم زوجها على كتفها أسفل العنق ، فإلتفتت سجى برأسها لريهام قائلة بإستحياء ودهشة :

– أنتى بتقولى إيه يا ريهام


تلاعبت ريهام بحاجبيها ممازحة :

– إسمعى منى بس هو حد هيشوفه إلا صاحب النصيب وهى هتكتبلك إسم جوزك بطريقة حلوة أوى وخليها فوق مكان القلب بالظبط


قالت المرأة وهى مبتسمة :

– إسم جوزك ايه يا حبيبتى علشان اكتبه


أجابتها سجى وهى تنظر إليها بشرود :

–رائفى


تعجبت المرأة من وقع الإسم على مسامعها ، فقالت وهى تمط شفتيها :

–اسمه غريب انا اعرف ان فى ناس اسمها رائف لكن رائفى دى مسمعتهاش قبل كده


أشارت لها ريهام بأن تباشر عملها فقالت :

– اكتبهولها زى ماهى عوزاه ماشى


إمتثلت المرأة لقول ريهام ، فبعد أن أتمت نقش الإسم ، أخذتها ريهام لتنظر بالمرآة ، فقالت بإعجاب :

–شوفتى بقى شكله حلو أوى إزاى


رفعت سجى يدها تمرر يدها دون محاولة منها للمس الإسم ، فردت قائلة:

– أنا مش عارفة أنا ليه بطاوعك فى جنانك ده يا ريهام


قبلتها ريهام على وجنتها وهى تقول بإبتسامة :

– علشان أنتى عارفة إن جنانى ده هو اللى ممشى الدنيا


قالت سجى وهى تستدير إليها :

–ربنا يستر على اكرم من جنانك

ما أن سمعت ريهام إسم أكرم ، حتى ضمت كفيها وقالت بهيام :

– ااه كرومتى أبو غمازات الحلو ده هو لسه فاضل كتير على بكرة 


صفعت سجى وجهها بلطافة وهى تقول:

– هانت كلها كام ساعة بس يا ست جولييت ، أما نشوف لماضتك دى هتعملى إيه يوم الفرح


ضحكت ريهام بصوت عالى وقالت :

– وحياتك هقلب بطة بلدى وهتشوفى أنا بوء بس وربنا


ضمتها سجى إليها قائلة بمحبة :

–ربنا يسعدك يا حبيبتى ويتمملك بخير ويرزقك السعادة كلها 


ربتت ريهام عليها وقالت بصوت حانى :

– وربنا يسعد قلبك يارب يا سجى ويهديلك جوزك


زفرت سجى بثقل ، وأرادت نسيان ما تعانيه بوقتها الحالى وأن تشارك صديقتها السعادة ، فراحتا ترقصان سوياً وظل الإحتفال على أشده حتى دقت الساعة معلنة أن الليل قد أنتصف منذ ما يقرب من النصف ساعة 


فمرت ساعات اليوم التالى سريعاً وحل المساء ، فسجى باتت ليلتها بمنزل ريهام ، لذلك شعرت بأن شئ هام ينقصها ولم يكن هذا الشئ سوى عدم رؤيتها لزوجها ما يقرب من ليلة ونهار بأكمله ، فبعد أن أنتهت ريهام من إرتداء ثيابها ، ظلت تحملق بالمرآة ، كأنها صارت تمثال فجأة 


فأقتربت منها سجى ووكزتها بكتفها وهى تقول:

– ألوو يا عالم ، إيه يا بنتى أنتى واقفة متنحة ليه كده


أغلقت ريهام عينيها وحاولت تنظيم أنفاسها المتوترة ، فردت قائلة بصوت مرتجف :

– اعذرينى يا أختى النهاردة كتب كتابى وخائفة ومتوترة للغاية ، أنا حاسة أن دمى هربان منى


ضحكت سجى على قولها ، فهى تمزح حتى وهى تعبر عن قلقها ، فقالت محاولة بث الاطمئنان بها:

–بتتكلمى بالفصحى كمان يلا ما علينا ، إهدى ربنا يتمملك بخير وبكرة بقى الحفلة يا قمر ، ويلا بقى خلصى زمان المأذون وصل


وصلت عائلة أكرم والمأذون وبدأ عقد القران وسط الأمنيات والمباركات ، فبعد الإنتهاء من عقد القران ، ومرور ساعة إضافية ، رحلت عائلة ماهر ، فى حين أن أكرم ظل جالساً برفقة ريهام ، فهو لم يستمع لكلمة منها سوى كلمة " موافقة " أثناء عقد القران 


فرمقها أكرم بإبتسامة قائلاً :

– ساكتة ليه كده ، أنا مسمعتش صوتك خالص النهاردة إلا مرة واحدة بس


أبتلعت لعابها وردت قائلة بصوت منخفض:

– عايزنى أقول إيه يعنى 


رد قائلاً بصوته الهادئ:

– قولى لا إله إلا الله


قالت ريهام بإبتسامة :

–سيدنا محمد رسول الله


فرك أكرم يديه قائلاً بحماس :

– عليه أفضل الصلاة والسلام ها مش هتقولى حاجة تانية بقى يعنى مفيش كلمة حلوة تبل الريق ولا هفضل ريقى نشفان كده على طول


حمحمت بصوت منخفض وردت قائلة :

– زى ايه يعنى ، طب قول أنت


– أنا بحبك يا ريهام 

قال أكرم فجأة ، فأتسعت حدقتيها وهى لا تصدق أنها سمعتها منه 


فرفعت وجهها له وقالت وإبتسامتها تزداد إتساعاً شيئاً فشيئاً :

– أنت قولت إيه يا أكرم


فأخيراً إستمع لإسمه منها ، فأراد أن يستمع للمزيد ، فوضع يده على وجنته قائلاً :

–يا خرابى احلى أكرم سمعتها  ، قولت إن أنا بحبك يا ريهام ، ها مش هتقولى حاجة بقى 


فركت يديها بتوتر وقالت بإرتباك :

–وأنا كمان ، زى اللى أنت قولتها دى


علم أنه لن يسمعها منها الليلة ، فرد قائلاً بقلة حيلة:

– بصى أنا هصبر بس عليكى لحد ما تيجى عندنا ونبقى نتكلم بقى براحتنا بدل ما بتنقطينى بكلامك كده


كم سيحلو لها أن تتلو تلك الكلمة على مسامعه ، ولكن غداً لن تبخل عليه بقولها ، ولن تكون تلك الكلمة فقط بل ستخبره بكل ما شعرت به منذ لقاءه الأول


أنصف الوقت الجميع ، إذا حل مساء اليوم التالى سريعاً ،وتلألأت الأضواء بحديقة المنزل ، فعلى الرغم من إصرار ريهام على إقامة حفل يقتصر على العائلتان فقط ، إلا أن ماهر أقام حفل ضم عدد كبير من الأقارب والأصدقاء


وقف أمام زوجته التى عملت يداها على تنسيق رابطة عنقه ، فإبتسم لها قائلاً:

–أنا النهاردة هعلن فى الحفلة عن زواج رائف وسچى كمان


رفعت هدى عيناها ورمقته بإبتسامة حب وهى تقول:

– أنا كنت عايزة اقولك على الموضوع ده برضه تبقى الحفلة علشان رائف وأكرم


قبل جبينها قبلة طويلة وهو يقول بصوت متهدج :

–كنت حاسس انك عايزة تعملى كده فعلشان كده قولتلك


أسدلت جفنيها كأنها مازالت تلك الفتاة الصغيرة ، التى وقعت بغرامه منذ صغرها فردت قائلة بحب :

– لسه زى ما أنت يا ماهر بتحس باللى انا عيزاه من قبل ما اطلبه ، أنا فتحت عينى فى الدنيا دى على حبك أنت فاكر لما كنت بتيجى مع باباك عندنا وكنت بتجبلى شكولاتة معاك ونلعب مع بعض 


إبتسم ماهر على قولها ، فداعب وجنتها قائلاً بلطف:

– هو إحنا عشرة يوم ولا اتنين دول ٣٥ سنة جواز يا هدى  ثم أنتى حبيبتى من قبل ما نتجوز ، لما أبوكى كان يقولك عيب يابنت متلعبيش مع ماهر علشان هو ولد


ضحكت هدى على تلك الذكرى وقالت :

– كنت بخرج من وراه ونلعب فى الجنينة ولما يقفشنا كان يضربنا


أخذ وجهها بين يديه يطالعها بعشق قائلاً:

– كنت أقعد أقوله متضربهاش يا عمى طب اضربنى انا وهى لاء ، ربنا ميحرمنيش منك يا حبيبة قلبى


وضعت هدى رأسها على صدره وهى تقول بشعور طاغى بالأمان :

–طول عمرك حمايتى وسندى وحبيبى


ربت ماهر عليها بحنان ، فسمعا صوت حمحمة قادمة من أمام باب الغرفة الذى لم يكن مغلقاً بالكامل ، فإبتعدت هدى عنه ونظرت للباب وجدت شادى يطرق الباب قائلاً بإستحياء :

–احم احم يا بوب ، مش يلا بقى الضيوف وصلوا تحت وأنت مقضيها غراميات مع جميلة الجميلات هنا وناسينا


إبتسم ماهر على قول ولده الصغير ورفع يده يشيح بها قائلاً :

– عايز ايه يا واد أنت ، بتطلعلى زى عفريت العلبة كده ، بس يلا عقبال عندك انت كمان يا حبيبي لما نفرح بيك زى اخواتك


أقترب شادى منهما مقبلاً ليد أبيه ووجنة والدته قائلاً :

– تسلمولى يا بابا أنت وماما وربنا ميحرمنيش منكم ابداً يلا بينا بقى 


تأبطت هدى ذراع زوجها وأخذت يد شادى بين كفها الناعم ، فهاهى اليوم ستحتفل بزواج إثنان من أبناءها ولم يتبقى سوى الإبن الصغير 


وصلوا للحديقة فوجد ماهر المكان مكتظ بالحضور وأكرم وريهام يتحدثان مع والديها ، ولكنه لم يرى رائف أو سجى 


فنظر لوالدته متسائلاً:

– فين رائف يا أمى ، وسچى فين هى كمان


ردت صفية قائلة بإبتسامة :

–كان بيلبس فى اوضته وزمانه جاى ، وسجى هى كمان لسه مخرجتش من الاستراحة 


رآت هدى رائف يخرج من المنزل يرتدى حُلة رمادية ، فكم بدا جذاباً أنيقاً ووسيماً ينافس شقيقه أكرم ، الذى لم يكن بأقل وسامة منه ، وصل رائف إليهم وعيناه تبحث عن زوجته ، فهو يريد أن يرى ذلك الثوب الذى إبتاعته من أجل حفل اليوم ، فلم تدوم حيرته طويلاً ،إذ رآها تخرج من الشقة وهى ترتدى ثوب مماثل لثوب ريهام ، فإستطاعت خطف أنفاسه بطلتها الجميلة ، والتى تجعل الرائى لا يحيد بعيناه عنها ، ولكن ما أن أنتبه على أن هناك العديد من المدعويين ، وخاصة من الشباب والرجال ، ملأت الغيرة قلبه 


فأقتربت منهم بإبتسامة مشرقة ، فرمقتها هدى قائلة بإعجاب :

–بسم الله ماشاء الله تبارك الرحمن ايه الجمال ده كله يا سچى


ردت سجى قائلة بإبتسامة خجولة :

–تسلمى يا طنط هدى


قبلتها صفية على وجنتها وربتت على وجهها وهى تقول بفخر :

–فستانك انتى وريهام حاجة كده تحفة عليكم عندك حوريتين يا هدى


قالت هدى وهى توزع نظراتها بين ريهام وسجى :

–دا علشان ربنا بيحبنى رزقنى بسچى وريهام


نظرت سجى اليه ، وأنتظرت أن يقول شيئاً ، ولكنه ظل صامتاً ينظر إليها بحاجبين معقودين ، ويبدو على وجهه إمارات الضيق والغضب ، فأطلقت نهدة عميقة يائسة ، فهى كانت تنتظر أن تسمع منه على الأقل كلمة مديح بحقها ، ولكنه ينظر اليها كأنه يريد معاقبتها ، فأخذت قرارها بتجاهله طيلة الحفل ،  فذهبت ووقفت بجوار ريهام ، التى عقدت حاجبيها وتساءلت بغرابة :

–مال بوزك شبرين ليه كده


غمغمت سجى بضيق وهى تنظر لوجهه العابس :

–مش عارفة رائف بيبصلى كده ليه كأنه عايز يضربنى ، وقالب وشه ليه كده مش عارفة 


نظرت ريهام لرائف فوجدته ينظر لسجى بعبوس ، فرفعت شفتها العليا قائلة:

– هو أنتى عملتيله حاجة ،بقولك ايه انتى النهاردة استفزيه على قد ما تقدرى ،اعملى نفسك مش شيفاه أو مش مهتمة بيه واعملى نفسك مبسوطة جايز يغير و يتحرك ويحس بقى علشان انا زهقتلكم سلف ، فجربى بقى وامرك لله


راق حديث ريهام لها ، فحكت ذقنها وهى تقول:

– بس تفتكرى ده ممكن يجيب نتيجة معاه يا ريهام


قبل أن تسترسل ريهام بحديثها ، سمعتا صوت ماهر وهو يقف بالمنتصف بجوار هدى قائلاً بصوت جهورى لكى يسمعه الحاضرين :

–لو سمحتوا ممكن تنتبهولى شوية أكرم هات عروستك وانت يا رائف هات مراتك ، انتوا عارفين ان النهاردة الحفلة دى علشان ابنى اكرم بس الحفلة دى مش علشان اكرم بس دى كمان علشان رائف ومراته الدكتورة سچى


صفق المدعوين بحرارة ، فلم يكن أحد يعلم بشأن زواج رائف ، فتلك التهانى والمباركات التى حصدها أكرم وريهام ، نال رائف وسجى نصيبهما منها ، فبعد إنتهاء سجى من مصافحة النساء ، إبتعدت عن زوجها ، ولكن وجدت من يعترض طريقها ولم يكن سوى عصام ، الذى إبتسم لها إبتسامة ملتوية قائلاً:

–مبروك يا دكتورة سچى كانت مفاجئة انك انتى ورائف اتجوزتوا


إبتسمت سجى قائلة بإقتضاب :

–الله يبارك فيك عقبالك


طار صواب رائف بعد رؤيته لها تتحدث مع عصام ، فأقترب منهما قائلاً بنبرة قوية حملت بين طياتها الكثير من الغيرة :

–ايه رايك يا عصام مش مفاجئة حلوة بذمتك


إبتسم عصام بلزوجة قائلاً :

– أوى أوى يا رائف طول عمرك شاطر وذوقك حلو


مد رائف يده وقبض على يد سجى قائلاً بغرور :

– شكراً يا حبيبى أنا عارف من غير ما تقولى


ضغط بكفه على يدها ، حتى كاد يسحق عظامها ، فلم تفلح بكبت صوت أنينها ، والذى حمدت الله أن عصام إبتعد قبل سماعه


فرفعت وجهها لرائف قائلة بألم وأنين :

–رائف ايدى حرام عليك هتكسرها


هتف بها بغيظ :

– أنتى ايه اللى وقفك تتكلمى معاه


قالت سجى وهى تحاول جاهدة ألا تفر دموعها من عينيها :

–هو اللى جه علشان يباركلى ايدى بقى حرام عليك سيبها


هز يدها قائلاً بعناد :

–ولو مسبتهاش هتعملى ايه يعنى ها


– فى ايه بقى لده كله سيبنى أنت وجعتنى

قالتها سجى وقامت بنفض يده عنها ، فركضت من أمامه ، بعد أن أنهمرت دموعها على وجنتيها ، وجدت مكان هادئ تحت شجرة وقفت تحتها لتلتقط أنفاسها اللاهثة ، فشعرت بالألم من جراء قبضه يده على ذراعها


فصرخ بوجهها قائلاً:

– أنتى جريتى ليه كده 


وجدته قد حل رابطة عنقه وبعض من أزرار قميصه وصدره يعلو ويهبط من شدة التعب ، فلابد أنه بذل مجهود حتى يستطيع اللحاق بها


فصاحت هى الأخرى وعيناها تفيض بعبراتها الحارة:

– أنت عايز ايه حرام عليك بقى اللى بتعمله فيا ده ، أنت عايز توصلنى للجنون ، بتعمل فيا ليه كده ليه رد عليا


قبض على ذراعيها وهز جسدها قائلاً بأمر :

– تانى مرة متسبنيش وتمشى بالطريقة دى أنتى فاهمة


دفعته بصدره غير أبهة بما يمكن أن يحدث له فقالت بما يشبه الجنون :

– دا أنت اللى بطريقتك دى هتخلينى أمشى من حياتك خالص وأبعد عنك ، قولى أنت عايز منى إيه بالظبط 


وضع يديه على كتفيها ، وبحركة سريعة جذبها نحوه وعانقها مطولاً ، فراحت ترتجف مثل ورقة شجرة وتتعلق بعنقه كغريقة فهمس بإحدى أذنيها قائلاً بإشتياق :

–خلاص كل ده هيخلص يا سچى ، خلاص يا حبيبتى مبقتش قادر أستحمل اكتر من كده ، خلاص يا عمري كفاية عذاب لحد كده يا قلبى 


نظرت إليه سجى وراحت تردد بذهول :

– حبيبتك وعمرك وقلبك ! أنت تقصد ايه يا رائف ؟



يتبع...