-->

رواية لا أحد سواك رائفي- بقلم الكاتبة سماح نجيب- الفصل الخامس عشر

 رواية لا أحد سواك رائفي 
بقلم الكاتبة سماح نجيب



رواية لا أحد سواك رائفي 

الفصل الخامس عشر

١٥– "  كبرياء وتحدى  "


لم تعلم ريهام بما تخبرها ، فحتى وإن كانت تشعر بالخوف والريبة من رفض والدتها لأكرم ،الا أن والدتها لم تفعل شيئاً يجعلها تخشى رفضها ، ولكن ربما رغبتها بأن تصبح زوجة لأكرم ، جعلها تخاف أى رد فعل من والديها خلافاً لما تنتظره منهما ، فوالدها أعطاها وعده بأنه سيجعل موافقتها ورغبتها هى بالمقام الأول ، ولكنها تعلم أيضاً أنه يثق بحكم والدتها على الأفراد ، فالحياة بينهما قائمة على الحوار المتبادل بينهما ومن يكون صاحب الرأى الصواب ، يجد الطرف الأخر يأخذ به 


نفضت ريهام رأسها وزفرت بقوة قائلة بصوت مرتجف:

– خايفة من ماما يا سچى ، خايفة ترفض إن أنا اتجوز أكرم وأنا قولتلك أنها لما عرفت أن أكرم أهله ناس اغنيا قالتلى أن هم مش زينا


حاولت سجى طمأنتها فتبسمت بوجهها قائلة :

–متقلقيش ان شاء الله خير وهى هتعرفهم دلوقتى وهتتأكد انهم ناس طيبين أوى وهتحبهم كمان


رفعت ريهام يديها تتضرع بالدعاء :

– يارب يا سچى لإن أنا الصراحة حبيت أكرم أوى


قرصت سجى وجنتها المكتنزة وقالت :

– وهو كمان باين عليه بيحبك اوى


قالت ريهام وهى تبتسم إبتسامتها البلهاء خاصة بعد ذكر إسم أكرم :

– والله بجد الكلام ده يا اختى


دفعتها سجى حتى سقطت جالسة على طرف الفراش وهى تقول:

–يعنى لو مكنش بيحبك كان هييجى يخطبك ويتجوزك ليه علشان هيبروزك ويحطك على الحيطة


ضحكت ريهام وقالت :

–يمكن يحطنى فى تابلوة العربية زى الميدالية


وضعت سجى يدها على جبهتها وقالت كأنها تشعر بالإرهاق من أقوال ريهام :

– دا ربنا يصبره عليكى وعلى خفة دمك دى يا ريهام ، ربنا يستر ومتجبيش لأكرم شلل 


دلفت والدة ريهام الغرفة ، فوقع بصرها عليها وهى جالسة ، فتأملتها بحب وحنان فكم هى جميلة اليوم ، فتمنت أن يكون العريس المنتظر وعائلته يمتزون بالطيبة ، فهى تريد سعادة إبنتها ، وألا يصيبها الحزن بحياتها أبداً


فدمعت عيناها وقالت بحب:

–بسم الله ماشاء الله زى القمر يا حبيبتى


أقتربت سجى من والدة ريهام ووضعت ذراعها حول كتفيها قائلة بمرح :

– يلا بقى يا طنط علشان تخلصى منها وترتاحى بقى أكيد أنتى مجهزة القُلل اللى هتكسريها وراها يوم الفرح


ردت والدة ريهام مبتسمة على مزحة سجى :

– مكدبش عليكى يا سچى انا خايفة والله


قبلتها سجى على وجنتها وقالت بصدق وثقة :

– اكيد حضرتك بتثقى فيا وفى كلامى مش كده ، صدقينى يا طنط أكرم وأهله ناس محترمين وطيبين جدا وهيشيلوا بنتك فى عنيهم وأنا أهو قريبتهم بس برضه مرات إبنهم وصدقينى هم أحن عليا من أبويا اللى أنا من لحمه ودمه


أطمأنت والدة ريهام لحديث سجى فردت قائلة:

–ربنا يقدم اللى فيه الخير ولو هم زى ما بتقولى يا سچى يبقى على البركة ان شاء الله


بسماع ريهام لقول والدتها قفزت واقفة وأحتضنتها قائلة بفرح مجنون :

–حبيبتى يا ماما ربنا ما يحرمنى منك انت وبابا ابدا يارب 


ربتت والدتها على ظهرها وقالت ممازحة:

– شوفى البت علشان هيحصل اللى هى عيزاه بقت مبسوطة إزاى


اكسبت ريهام قسمات وجهها التأثر اللازم وهى تقول بصوت درامى ممازح :

– كده يا ماما بتشككى فى حبى ليكى واخلاصى 


صفعت والدتها يدها بخفة وهى تقول:

– بس يا بكاشة أنتى ربنا يسعدك يا حبيبتى


سمعن صوت جرس الباب ، فعلى ما يبدو أن أكرم وعائلته وصلوا بالخارج ، فخرجت سجى ووالدة ريهام ، وجدتهم جالسون برفقة والد ريهام ، فجلست سجى بجوار هدى ، وهمست لها قائلة :

–طنط هدى فين رائف وشادى هم فين مش شيفاهم


أجابتها هدى بذات الهمس :

– أنتى عارفة رائف مبيحبش يخرج من البيت ومحبيناش نغصب عليه وشادى قال إنه هيفضل معاه علشان ميبقاش لوحده


هزت سجى رأسها بتفهم ، فهى كانت تظن أنه سيأتى معهم ويحاول الخروج من تلك العزلة التى فرضها على ذاته ، وأصابتها هى بالحزن 


إبتسم والد ريهام قائلاً بترحيب حار :

– أهلا وسهلا شرفتونا و نورتوا البيت


رد ماهر قائلاً بإبتسامة عريضة :

– تسلم يا رب دا نورك


نظرت صفية لوالدة ريهام وتساءلت بسعادة :

– هى فين عروستنا الحلوة علشان نشوفها


نهضت والدة ريهام وذهبت لغرفة إبنتها لتصطحبها للخارج ، فتأبطت ريهام ذراع والدتها ، فربما تستطيع التغلب على ذلك التوتر الذى كاد يشل حركتها ، فهى من كانت تنتظر مجيئه بنفاذ صبر ، شعرت بتلك اللحظة أنها لا تريد الخروج من غرفتها ونتج ذلك عن شعورها بالخجل 


ما أن رآت صفية ريهام حتى قالت بإعجاب :

– بسم الله ماشاء الله زى القمر يا حبيبتى


إبتسمت هدى لرؤية عروس إبنها الثانى ، فأشارت لمكان بينها وبين والدة زوجها قائلة :

– تعالى يا حبيبتى أقعدى جمبى


جلست ريهام حيث أشارت هدى ، فظلت تفرك قماش ثوبها بخجل وهى مطرقة برأسها أرضاً ، فأكرم ظل مبتسماً منذ أن رآها قادمة برفقة والدتها ، ولا يصدق أن تلك الفتاة الجالسة بهدوء هى بذاتها ريهام ذات اللسان السليط 


فربت والدها على ساق أكرم الجالس بجانبه قائلاً :

–منور يا دكتور أكرم


ربت أكرم على صدره قائلاً بإبتسامة:

– الله يخليك يا عمى دا نورك


وجد ماهر الفرصة سانحة لبدء حديثه ، فحمحم بصوت منخفض ونظر لوالد ريهام قائلاً بوقار :

– حضرتك عارف إحنا جايين النهاردة علشان نطلب ايد بنتك للدكتور أكرم ابنى قولت ايه حضرتك ، واللى تؤمروا بيه


عاد والد ريهام يربت على ساق أكرم قائلاً بإعجاب :

– والله الدكتور أكرم زينة الشباب ، وأنا حبيته من أول ما شوفته بس الرأى رأى ريهام


مدت هدى يدها ورفعت وجه ريهام لها وتساءلت بإبتسامة :

–رأيك ايه يا عروستنا فى الكلام ده


حركت ريهام رأسها بالإيجاب وعاد تطرق برأسها أرضاً ثانية ، فكم ودت سجى بتلك اللحظة أن تضحك من كل قلبها على ما أعترى ريهام من خجل ، فطوال صداقتهما التى نشأت بينهما منذ كانتا بالمرحلة الإبتدائية وحتى الآن ، وهى لم تختبر خجلها ، بل دائماً ما كان لسانها يسبقها فى الإعراب عن ضيقها وإستياءها ، ودائماً ما تقضى أوقاتها تتفكه وتمزح 


بعد إطمئنانهم لموافقة ريهام ، رفعت صفية يديها وقالت :

– على بركة الله إحنا نقرا الفاتحه بقى


ظلت والدة ريهام طوال جلستها تراقب أفعال العريس وعائلته ، فبعد قراءة الفاتحة ، وجدت هدى وصفية كل منهما تقبلها على إحدى وجنتيها ، فربما سجى محقة بحديثها عن أنهم حقاً يمتزون بالطيبة والتواضع


فنهضت من مكانها وأقتربت من إبنتها تطوقها وقالت بسعادة:

–الف مبروك يا حبيبة ماما ربنا يتمم بخير


فبعد أن قدم كل الجالسين التهانى والمباركات لريهام وأكرم ، نظر أكرم لوالد ريهام قائلاً بتهذيب :

–لو سمحت يا عمى أنا كنت عايز الفرح الشهر الجاى


تعجب والد ريهام من مطلبه ، فتململ بجلسته وهو يقول:

– بسرعة كده يا إبنى إحنا مش هنلحق نجهز كل حاجة كده فى المدة القصيرة دى 


أجابه أكرم قائلاً بإلحاح طفيف :

– أنا عارف بس هى تكمل دراستها عندنا واهى سچى مرات اخويا معاها فى الكلية


علمت هدى رغبة ولدها بإتمام زواجه سريعاً ، فنظرت لوالدة ريهام قائلة بصوتها الوديع :

– انتوا بس تؤمروا وريهام فى عينينا الاتنين


ردت والدة ريهام مبتسمة لقولها :

– تسلمى يا حبيبتى يارب


قال ماهر وهو ينظر لأكرم بحنان :

– وأنا ان شاء الله هعملهم فرح مصر كلها تتكلم عنه


خرجت ريهام عن صمتها فقالت بإستحياء :

– لو سمحت ياعمى وبعد أذنكم أنا مش عايزة فرح كبير ولا حاجة


شعرت هدى بالدهشة من قولها ، فحدقت بوجهها وتساءلت :

– ليه كده يا حبيبتى


نظرت ريهام لسجى وعادت تنظر لهدى قائلة بإبتسامة هادئة:

– هو ممكن حفلة صغيرة تتجمع العيلتين وكده يبقى كويس أوى


رد ماهر قائلاً:

– والله اللى انتوا عايزينوا اتفقى انتى وأكرم عليه وقولولنا قررتوا ايه


فريهام ليست بنيتها إقامة حفل زفاف خاص بها وصديقتها المقربة تزوجت بدون حفل زفاف ، لا تريد أن تشعر سجى بالحزن ، فكل فتاة تحلم بيوم زفافها ، وهى تعلم بأى ظروف تم زواج سجى من رائف 


فكأن أكرم إستطاع التكهن بما تفكر به ريهام ، خاصة بعد إطالتها النظر بوجه سجى ، فرد قائلاً بهدوء :

–اللى ريهام عوزاه نعمله وزى ماهى تحب


لم يبدى أحد إعتراضاً ، فأخرجت صفية ذلك الخاتم الذى جلبته معها من أجل عروس حفيدها الثانى ، فناولته لأكرم قائلة بحب :

–خلاص خد الخاتم ده لبسه لعروستك على ما تروحوا تشتروا الدبل والشبكة


وضعت ريهام الخاتم بإصبعها ، فراح قلبها يخفق طرباً وفرحاً ، فبعد مرور ساعتين ، أعلن ماهر ضرورة رحيلهم ، فتأهب الجميع للرحيل 


ولكن أقتربت سجى من ريهام وأخذتها من يدها لأحد أركان الصالة ، فقالت بصوت منخفض :

–ليه يا بنتى مش عايزة فرح انتى ازاى تقولى كده انتى لازم تعملى فرح وتفرحى يا ريهام


ردت ريهام ممازحة كعادتها :

–وانا هعمل ايه بالفرح المهم العريس يا اختى ، ياستى انا مش عايزة فرح كبير هى حفلة صغيرة كده تمام أوى


غامت عينىّ سجى ببريق المودة وقالت :

–انتى عملتى كده علشانى مش كده يا ريهام


أجابتها ريهام بصدق ومحبة :

– حبيبتى انا مقدرش اعمل فرح وانا عارفة انك متعملكيش فرح ، ثم يا نعيش عيشة فل يا نتجوز سكتى إحنا الكل، و كده احسن بدل ما ييجى الناس الحشرية بتاعة الفرح اللى بييجوا مخصوص علشان يتريقوا على العريس والعروسة تبقى حفلة لطيفة كده منا فى بعضينا زيتنا فى دقيقنا يعنى 


قهقهت سجى على قولها ، فقالت وهى توكزها بذراعها :

– ماشى ياعم الفطاطرى ربنا يتمملك بخير يا حبيبتى سلام 


إنصرف أكرم وعائلته ، فأرتمت ريهام جالسة على الأريكة وهى تتنفس براحة ، وشعور عارم بالسعادة يسرى بخلايا جسدها ، ولكن تذكرت أمر والدتها 


فأنحنت قليلاً للأمام قائلة بإهتمام وترقب :

– ايه رأيك يا ماما أنتى وبابا فى العريس واهله


أجابتها والدتها وهى تحرك رأسها دلالة على موافقتها ، فقالت ببشاشة :

–الصراحة هم ناس طيبين ومحترمين ، وكلام سجى عنهم طلع صح


قال زوجها مؤيداً حديثها :

– فعلاً وذوق جداً فى كلامهم ومتواضعين أوى 


تركت ريهام مكانها وقبلت أبيها يليه والدتها وقالت :

– يعنى قلبك ارتاح يا ماما دلوقتى


أجابتها والدتها بصدق :

–الحمد لله ربنا يتمملك بخير يا حبيبتى


بسماع ريهام كلمة الموافقة التامة من والدتها ، ظلت تقبلها بنهم ، ومن ثم ذهبت لغرفتها ، فأغلقت الباب خلفها وظلت تدور حول نفسها يتطاير ثوبها حول ساقيها ، فهى لا تصدق ما حدث ، فهى الآن صارت خطيبة أكرم وبعد مرور شهر واحد ستصبح زوجته ، فالأن تحققت أغلى أمنياتها ، فظلت تدعو الله وتتضرع له بالدعاء ، أن تمر الأيام المتبقية بخير ، وأن يرزق سجى السعادة ، فهى يحق لها الشعور بها 

❈-❈-❈

جالساً بغرفته يتصفح ألبوم صور خاص به ، قبل وقوع الحادث ، فظل يتأمل الصور وشعور طاغى بالمرارة يسيطر على قلبه ، ولكن أثناء تصفحه للصور ، وجد صورة لمايا ، فببرود قام نزع الصورة وقام بتمزيقها لقطع صغيرة ، فكم تمنى لو كان يستطيع تمزيق جسد مايا كتلك الصورة ، فهى لم تتسبب بوقوع الحادث له وحسب ، بل جعلته فاقد الثقة بذاته ، فحتى تلك الفتاة التى بات يعشقها بجنون لا يستطيع أن يقترب منها خوفها عليها من إيذاءه لها دون أن يشعر ، فهو لا يريدها أن تعانى من معيشتها معه ، أو أن يأتى يوماً ويصرخ بوجهها إذا أصابه الضيق أو الإحباط من شعوره بالعجز ، فهو لا يريد أن يجعل حياتها بائسة ، فمن الأفضل ألا تقترب منه ، ولكن بخضم أفكاره سمع صوتاً بالخارج ، فعلم أنهم عادوا ، ولكنه فضل ألا يخرج إليهم ، فحتماً زوجته ستكون برفقتهم


فبالصالة ترك شادى مكانه صائحاً بسعادة :

–حمد الله على السلامة ومبروك يا ابيه أكرم الف مبروك


احتصنه أكرم قائلاً بحنان :

– الله يبارك فيك يا حبيبى وعقبالك ان شاء الله


جالت عينى ماهر بالمكان ولكنه لم يرى ولده البكر ، فنظر لشادى متسائلاً:

– هو رائف فين يا شادى


رد شادى قائلاً وهو يشير بيده لغرفة رائف:

–فى أوضته جوا قالى انه عايز يرتاح شوية ودخل الاوضة


أقتربت هدى من شادى قائلة بقلق :

– هو تعبان ولا حاجة يا شادى


هز شادى رأسه نافياً وهو يقول:

–لاء يا ماما متقلقيش هو كويس مفيش حاجة ابيه رائف تمام


وضعت هدى يدها على صدرها وزفرت براحة ، فى حين أن صفية أمعنت النظر بسجى ، التى تسمرت عيناها على باب غرفة زوجها ، فقالت بدهاء :

– طب ما تدخلى تشوفى جوزك ماله فيه ايه يا سچى وقاعد لوحده ليه


رفعت سجى يدها تشير لنفسها قائلة بتوتر :

–ها مين حضرتك بتقوليلى أنا اللى ادخله اشوف فيه ايه


قال أكرم مؤيداً لقول جدته :

– أيوة وفيها ايه دى يعنى هو أنتى مش مراته ولا إيه ومن حقك تطمنى عليه 


صاحت بهم صفية قائلة بلطف :

– يلا بقى كل واحد على أوضته أنا عايزة ارتاح


تأبطت هدى ذراع ماهر وقالت مبتسمة :

– تصبحوا على خير جميعاً


ذهب كل منهم لغرفته ، كأنهم تآمروا عليها وتركوها تواجه الوحش بمفردها ، وعلى الرغم من شعورها بالإرتباك من أن تلج إلى غرفته ، إلا أنها لم تستطع أن تقاوم رغبتها فى رؤيته قبل أن تأوى لفراشها 


فأستجمعت شجاعتها وطرقت الباب دقات خفيفة ، فسمعت صوته من الداخل آمراً الطارق بالدخول ، فأدارت مقبض الباب بأصابع مرتجفة ، فولجت للداخل ، وما أن رآها حتى أعتدل جالساً بعدما كان مضجعاً على شقه الأيسر بالفراش ، أغلقت سجى الباب خلفها ، ولا تعلم لما أقدمت على فعل ذلك رغم شعورها بالخجل والخوف 


تأملها لبضع لحظات فكم تبدو جميلة وشهية بثوبها المائل للون البنى ، فرغم عدم تخليها عن إرتداء الأثواب ذات الألوان الداكنة ، إلا أنها تشع ببريق محبب للنفس 


قبضت على ثوبها لتوقف إرتجاف يدها ، فخرج صوتها خافتاً بتلعثم :

–السلام عليكم انا انا كنت جاية علشان اصل


إبتسم رائف على تعلثمها بالحديث ، فرد قائلاً:

–وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته ، أنتى ايه فى ايه مالك متلغبطة ليه كده


رفعت يدها الأخرى ووضعتها على وجنتها كأنها شعرت بالتعرق فجأة بهذا الطقس البارد ، فحمحمت تجلى صوتها وقالت :

–لاء مفيش حاجة بس جيت اطمن عليك لما ملقتكش قاعد مع شادى برا، انت كويس يعنى تمام ولا فى حاجة تعباك


أجابها رائف وهو يترك فراشه :

–حبيت اقعد لوحدى شوية  ، ودلوقتى بقيت كويس وتمام هو أكرم خلاص خطب


أماءت برأسها وقالت بهدوء:

– أيوة والفرح أن شاء الله الشهر الجاى


شعر رائف بالسعادة من أجل شقيقه فرد قائلاً:

– على خير ان شاء الله ربنا يتمم بخير


عندما لم تجد ما تقوله ، أرادت أن تنصرف ، فقالت بصوت منخفض:

–طب اسيبك ترتاح بقى تصبح على خير


قبل أن تستدير للباب ، رفع يده كأنه بذلك سيمنعها من الذهاب ، فقال بحنان :

– مستعجلة ليه كده عايزة تنامى ؟


هى لا تريد الذهاب ، بل تريد الجلوس معه إلى الأبد ، تريد أن تنعم عيناها برؤيته ،  ففكرت أنها لن تمل ابداً من النظر اليه والى ملامح وجهه التى صارت تحفظها عن ظهر قلب 


فقالت وهى تضم كفيها :

– أنت مش هتنام يعنى 


هز رأسه قائلاً بنفى :

– لا مش جايلى نوم دلوقتى النوم طار من عينى خلاص


وقع بصرها على تلك الأرفف الخشبية التى شكلت مكتبة صغيرة للكتب ، فأقتربت منها تتأمل الكتب المصفوفة بعناية ، فهى لا تعلم بشأن حبه للقراءة والمطالعة 


فقالت بإعجاب بعد أن تناولت أحد الكتب :

–حلوة المكتبة دى هو انت بتحب قراءة الكتب


أجابها رائف وهو يمرر يده على إحدى صفوف الكتب :

–ايوة اهى حاجة تسلينى بدل الملل اللى انا فيه ده


أعادت الكتاب لمكانه ، فنظرت إليه وتساءلت :

– عندك هنا كتب أدب ، أصل بحب كتب الادب والشعر وساعات بحب أقرأ خيال علمي


رد رائف قائلاً:

–ايوة عندى كتب أدب ، بس خيال علمى معنديش لأن أنا  مش من النوع الخيالى


همست سجى بقرارة نفسها:

– إزاى بقى دا احنا حياتنا مع بعض خيال علمى وشكله مش هيتحقق ابدا


بعد أنتهت من همسها لذاتها ، نظرت إليه قائلة بإبتسامة :

– ممكن تدينى كتاب منهم اقراه وارجعهولك تانى


رفع رائف يده وأشار للكتب قائلاً:

– شوفى الكتاب اللى تحبي تقريه وخديه


مررت سجى يدها بين الكتب ، لإختيار كتاباً فقالت بدون أن تنظر إليه:

–مش هتزعل لو خدت منك حاجة انت بتملكها وبتاعتك


أجابها بصدق ودون أن يعى ما يقول :

– ولو قولتلك أن أى حاجة أنا بملكها ملكك أنتى يا سجى 


تركت ما بيدها وحدقت به وعيناها تملأها اللهفة لسماع المزيد من كلماته ، ولكنه أسرع بالقول حتى لا تسأله عن مغزى عبارته :

–شوفى الكتاب اللى أنتى عيزاه المكتبة عندك أهى تحت أمرك


عندما مدت يدها لأخذ كتاباً تزامناً مع مد يده هو الأخر ، تلامست أيديهما وتشابكت أنفاسهما وعم صمت لا يطاق ، فوجد يده تترك الكتاب وتتناول يدها فاغلق اصابعه بباطن يدها ، فراحت تترتجف عندما رفع يدها إلى شفتيه وقبل قبضة يدها من دون أن تكف عيناه عن النظر اليها 


فهمس بصوت مبحوح منادياً إسمها :

– سچى


افهمها بذلك انهما يشعران بالانفعال نفسه ، فببطئ جذبها نحوه ، وضمها إليه حتى كادت ان تختنق ، فاغمضت عينيها كأنها اصيبت بدوار رهيب ، فهذا عناقهما الأول ، و تهيأ لسچى أن تيار لا يقاوم من المشاعر جرفها وأنها تغرق الآن فى بحر لا عمق فيه ، فأراد رائف أن يجذبها إليه ولكنها شعرت بخجل شديد


فهمس بإحدى أذنيها قائلاً بشوق :

– أنتى خايفة منى يا سجى


حركت رأسها بضعف قائلة بأنفاس تكاد تذوب خجلاً وشوقاً :

–لاء مش خايفة منك يا رائف


مرر رائف يده على وجنتها وهو يقول:

– بس المفروض تخافى وتبعدى عنى ، لازم ...


لم تدعه يكمل حديثه إذ ألتصقت به وهى تنادى إسمه بهمس حالم ، فما كانت بإنتظاره حصلت عليه أخيراً ، ولا تريده أن يعود لجفاءه معها  ، فجذبها نحوه من جديد وعانقها مطولاً وشعرت بارتياح بين ذراعيه ، فهو من تحب وهو من يريده قلبها ، وبالنسبة اليهما الزمان ليس له أهمية ،فكلما اشتد عناقه لها زادت رغبة قلبه بامتلاكها ، ولكن كان عقله له بالمرصاد  ، يحذره من الإنجراف خلف مشاعره ، فكأن عقله اصدر صفير الانتباه ويجب أن يتوقف عما يفعل


فأبتعد عنها سريعاً وهو يلتقط انفاسه بصعوبة وصدره يعلو ويهبط من شدة انفعاله ، فقال معتذراً :

–أنا اسف على اللى حصل اوعدك ده مش هيحصل تانى ، ده مش مفروض يحصل بنا ابداً


حدقت به سجى قائلة بذهول :

– أنت بتتأسف ليه وعلشان ايه يا رائف ، وليه مش مفروض يحصل ايه السبب أنت ناسى إن أنا مراتك وأنت جوزى فاللى حصل ده مش جريمة يعنى 


أولاها ظهره متمتماً :

– انتى عارفة يا سچى إحنا جوازنا على الورق وتقريبا إحنا متفقين إن إحنا هننفصل فده مكنش لازم يحصل


كل أمل بداخلها انطفئ بعد سماعها لما قاله ، فهى لا تصدق أنه هو من يتفوه بهذا الحديث،  وهو الذى كان يرتجف بين ذراعيها لهفة اليها منذ برهة 


فأرادت طمأنته أنها مرحبة به وبما حدث بينهما ، فأخذت نفساً عميقاً وقالت:

– بس يا رائف انا بحـ.....


ولكنه لم يدعها تكمل عبارتها ، فهو لايريد أن يتوهم أن حياتهما سوياً يمكن أن تسير على المنوال الطبيعى لأى زوجان عاشقان لبعضهما البعض


فإستدار إليها قائلاً بألم وهو يشير لباب غرفته :

–متقوليش حاجة يا سچى واتفضلى روحى نامى تصبحى على خير


أنسكبت دموعها بغزارة ، فصاحت به بإنفعال حاد:

– أنا نفسى أعرف بتعمل فيا وفى نفسك ليه كده حرام عليك


ركضت من غرفته الى الخارج ،فلما يصر على تعذيبها هذا العذاب الذى لا طاقة لها به ؟ فهى تحمد الله أن الجميع خلد للنوم ولم يشهدوا على هزيمة جديدة لها مع ذلك القاسى المتعنت بمشاعره الصلدة


بعد خروجها أرتمى على المقعد قائلاً بألم وحزن :

–سامحينى يا قلبى يا احلى حاجة حصلت في حياتى كلها


وضع وجهه بين يديه ، وصارت الدموع متحجرة بمقلتيه ، كأنه صار جلادها دون أن يعى ما يفعله معها ، فمن الملام بينهما أهى لوقوعها بغرامه ، أم هو الذى لم يعد يملك أدنى ثقة بذاته ، فبعد أن سأم من جلسته ، هب واقفاً وأخذ قراره بالذهاب إليها ، ولكن ما أن وصل للباب حتى تجمدت أصابعه على المقبض ، فأسند رأسه للباب وأنتظر أن تغلب عاطفته كبرياءه وعناده ، ولكن ربح كبرياءه تلك الجولة كالعادة ، فعاد لفراشه مستلقياً عليه وهو يتهيأ لليلة جديدة من ليالى السهاد التى صارت ترافقه 

❈-❈-❈

أثناء سيرها بالحرم الجامعى ، سمعت صوت أقدام تتبعها ، فاتسعت خطاها هرباً من ذلك الذى يتبعها ، فربما هذا شاباً من هؤلاء الشباب الذين يعملون على مطارة الفتيات ، ولكن ما أن وصلت لمبنى كليتها ، سمعت صوتاً مألوفاً يناديها ، فكفت عن السير ونظرت خلفها ، فرآت أن من كان يتبعها هو ذلك الشاب جارهم والمدعو هشام ، فضمت كتبها لصدرها وقالت بصوت منخفض دليلاً على شعورها بالدهشة لرؤيته هنا 


فنظرت إليه وتساءلت بفضول :

– أستاذ هشام ! حضرتك بتنادى عليا فى حاجة ولا ايه


أجابها هشام مبتسماً:

– أزيك يا انسة اروى ، هو الصراحة فى موضوع مهم كنت عايز اكلمك فيه ضرورى


تصنعت أروى الهدوء وقالت بثبات :

– خير أتفضل قول حضرتك 


حك هشام مؤخرة عنقه قائلاً بشعور طفيف من الإستحياء :

– هو الصراحة أن يعنى أنا نفسى أجى اتقدم لحضرتك وكنت عايز أعرف رأيك الأول


أبتلعت أروى لعابها وقالت بخجل :

–والله حضرتك انت تتكلم مع بابا مش معايا انا وأنت حضرتك إنسان محترم والكل يشهدلك بحسن الخلق والاحترام 


أبتهج هشام من سماع قولها فرد قائلاً:

– يعنى أفهم من كلامك أنك موافقة على طلبى


نكست رأسها بإستحياء وقالت بصوت منخفض :

– قولتلك كلم بابا وعن اذنك بقى علشان عندى محاضرة


هرولت بخطواتها للداخل ، فإبتسم على فعلتها ، وشعر بالسعادة كونه علم الآن أنها ليس لديها ما يمنعها من قبوله زوجاً لها ، فلم يتبقى سوى أن يذهب لأبيها ويخبره بهذا الشأن


فأسرع بالذهاب لحامد بمقر عمله أثناء أنهماكه بصنع إحدى المقاعد الخشبية ، فألقى التحية قائلاً بتهذيب :

– سلام عليكم ياعم حامد ،انا كنت عايز حضرتك فى كلمتين


رد حامد التحية قائلاً وهو يشير له بالجلوس :

– وعليكم السلام اهلا يا هشام ، أتفضل يا أبنى خير 


قال هشام وهو ينظر إليه بوجهه البشوش :

–الصراحة كنت جاى لحضرتك علشان عايز اطلب منك ايدك بنتك الآنسة أروى ولو حضرتك وافقت اجيب والدتى واخطبها رسمى


تفاجئ حامد بمطلبه إلا أنه إبتسم بوجهه وجلس بالمقعد المجاور له قائلاً :

– والله يابنى أنت إبن حلال وناس طيبين وأنا معنديش اعتراض عليك بس لازم أسأل بنتى الاول


أماء هشام برأسه متفهماً وقال :

–حضرتك اعرف رأيها ولو فى نصيب إن شاء الله أجيب والدتى وأجى لحضرتك البيت


إستقام هشام بوقفته بعدما أنهى حديثه ومد يده لحامد مصافحاً ، فرد حامد قائلاً بود:

– إن شاء الله يا بنى ، بس استنى اشرب حاجة


أبدى هشام رفضه بكياسة قائلاً بهدوء:

– تسلم ياعمى اسيبك بقى علشان تشوف شغلك سلام عليكم


ذهب هشام فى حين أن حامد ظل بمكانه ينظر إليه ويفكر فى رد فعل زوجته على مطلبه للزواج من أروى ، فعائلته ميسورة الحال ، ولكن ليس للحد الذى يكفى زوجته ، التى كانت دائماً تشدد على أنها لن تقبل زوجاً لإبنتها ، إلا شاباً ينتمى للطبقة الثرية ، فهى نهمة وجشعة ومحبة للمال ، وكأنه أكتشف هذا مؤخراً وليس على علم به منذ أن تزوج منها ، ولكن عيناه كانتا معصوبتان عن رؤيتها حقيقتها ، ولكن ربما الأوان قد فات على شعوره بالندم 

❈-❈-❈

بعد عودتها من الجامعة وأخذها قسطاً من الراحة ، أغتسلت وأرتدت ثيابها ، ولكن قبل خروجها من الشقة ظلت تفكر فى حل أو طريقة تستطيع بها إقناع ذلك القاسى بحبها له وأنها تعشقه حد النخاع ، وأنها مرحبة بضعفه قبل قوته ، ولن تسأم منه أو تجعله يشعر بأنها مجبورة على خدمته ، بل ستهبه كامل رضاها عما ستفعله من أجله ، فتذكرت أن اليوم يجب عليه الخضوع لإحدى جلسات العلاج الفيزيائي ، ولكن هى منعت تلك الطبيبة من الحضور ، فيتحتم عليها الذهاب هى وتأدية تلك المهمة كما أخبرته بأخر مرة خضع فيها للعلاج الفيزيائي 


خرجت من الشقة ووصلت للمنزل وجدت شادى ورائف وهدى وصفية جالسون بالصالة ، فألقت عليهم التحية وجلست بجانب صفية ، فنظر لها شادى ومد يده لها بقطعة من الشيكولاتة قائلاً :

– أنتى كنتى فين كده ولسه جاية


أجابته سجى وهى تتناول قطعة الشيكولاتة منه :

– رجعت من الكلية أرتاحت شوية وجيت


نظرت لها هدى قائلة بحنان :

– أكلتى يا حبيبتى


قضمت سجى من الحلوى وردت قائلة بإبتسامة :

– أكلت ساندوتشات أنا وريهام فى الكلية


إبتسمت صفية على ذكر إسم ريهام ، فرمقت سجى قائلة بإهتمام :

– وريهام عاملة إيه


قالت سجى وعيناها ترصد حركات ذلك البارد المسمى زوجها :

– الحمد لله كويسة وبتسلم عليكم كلكم يا تيتة


ضمت هدى كفيها وقالت بصدق وسعادة :

– هى الصراحة عسولة زيك يا سچى وأنا فرحانة أنكم بقيتوا من نصيب ولادى


إبتسمت سجى لإطراء هدى لأخلاقها هى وريهام ، فردت قائلة:

– تسلمى يا طنط هدى


وضع شادى يده على وجنته وقال ممازحاً :

–وأنا نصيبى فين بقى ياست ماما ، هييجى أمتى بقى ، هستنى كتير ولا إيه 


جذبته جدته من أذنه قائلة :

– ملهوف على إيه يا أخويا ،مش لما تخلص دراستك وتشوف مستقبلك الاول وبعدين تدور على الجواز 


تألم شادى قائلاً :

– خلاص خلاص يا تيتة ماهى كلها السنة دى واخلص دراسة


قالت هدى بحنان ودعاء :

– ربنا يوفقك يا حبيبى يارب وتتخرج بأعلى تقدير


رفع شادى يديه بوضع الدعاء قائلاً بأمل :

–ان شاء الله يا ماما ادعيلى أنتى بس وركزى فى الدعاء


رفعت هدى ذراعيها كأنه تدعو ليقترب منها فقالت بحب :

–دعيالك يا عين ماما أنت واخواتك ربنا ما يحرمنى منكم وتفضلوا بخير وسعادة على طول


إستجاب شادى لدعوتها ، فغاص بين ذراعى والدته التى راحت تربت عليه بحب وحنان ، فى حين أن سجى جلست تنظر لرائف الذى لم يشارك بالحديث ، بل جلس صامتاً وينظر بشاشة هاتفه ،  ففكرت هل يوجد شئ يخرج هذا البارد من الصقيع والبرودة التى تغلفه ، ذلك البرود الذى يخرجها عن طورها أحياناً كثيرة  


فأرادت إفساد مزاجه الغير مبالى ، فقالت بجدية وهى توجه حديثها له :

–مش يلا بينا يا رائف ولا إيه


رفع رائف عيناه عن هاتفه ، وعقد حاجبيه قائلاً بغرابة:

–يلا بينا على فين هنروح فين


إبتسمت سجى إبتسامة سمجة وهى تقول:

–هنروح فين يعنى هنعمل جلسة العلاج الطبيعى لحضرتك


نظر الجالسين لها ، فقالت صفية وهى توزع نظراتها بينها وبين حفيدها :

– ايه ده هو انتى اللى هتعمليها له يا سچى


ردت سجى قائلة بغيظ وهى تحدق بمحياه البارد :

– ايوة يا تيتة انا اللى هعملهاله


ضيقت هدى عينيها وتساءلت :

– طب  الدكتورة فين هى مش هتيجى ولا ايه


ردت سجى قائلة بإندفاع :

– طردتها وقلتلها متجيش هنا تانى


رفع شادى حاجبه قائلاً بإندهاش :

–وليه عملتى كده يا سچى إيه السبب وايه اللى حصل خلاكى تطرديها


تلعثمت سجى قائلة:

– أا أصل الظاهر أنها مش فاهمة شغلها كويس


تبادلت هدى وصفية النظرات بينهما ، كأنهما على علم بتلك الأسباب الحقيقية ، التى جعلت سجى تقوم بطرد تلك الطبيبة ، وعلى الأرجح ذلك عائد لشعورها بالغيرة 


رآى تصميمها وتحديها له بحديثها ، فرد قائلاً بدهاء :

– أنتى لسه مصممة على كلامك يا دكتورة سچى ، لو كده اتفضلى اسبقينى على الاوضة وانا هغير هدومى وجايلك على طول يا دكتورة 


قالت سجى ببرود وهى تترك مقعدها :

–ياريت بسرعة لو سمحت علشان ورايا مذاكرة كتير علشان نخلص واروح اذاكر


نظر إليها نظرة ناعسة ورد قائلاً بإبتسامة ذات مغزى :

– لاء متخافيش هو أنا أقدر أعطلك برضه يا دكتورة


تابع الجالسين الحديث بينهم وهم لا يفقهون شيئاً ، فقال شادى بهمس متعجباً:

– دى هتبقى جلسة ولا حرب


دلفت سجى للغرفة وجلست تنتظره ، فوضعت يدها موضع قلبها تحاول أن تهدأ من وجيبه وخفقاته المؤلمة ، فراحت تردد عبارات التشجيع لذاتها :

–اهدى يا سچى خالص خدى نفس طويل واهدى انسى دلوقتى انه جوزك واعتبريه مريضك ماشى فاهدى خالص وكله هيبقى تمام انتى لازم تساعديه انتى دلوقتى كل اللى يهمك انه يخف بسرعة ويبقى كويس


ولج رائف الغرفة ، ولكن تلك المرة لم يرتدى سوى سروال قصير تاركاً جزعه العلوى عارياً ، فنضبت الدماء من وجهها بعد رؤيته له هكذا ، فكم تتمنى لو تفر هاربة من الغرفة 


أطرقت برأسها أرضاً وغمغمت بإستحياء :

– دا اسمه ايه ده بقى إن شاء الله ، إيه اللى انت عامله ده فين هدومك يا رائف


تقدم رائف من السرير الصغير وهو يقول ببرود :

– اصلى حران شوية وأنتى مش غريبة يعنى فقلت عادى لو جيت كده ولا أنتى عندك مانع ومش هتعملى الجلسة ونفضها سيرة بقى


علمت أنه يفعل ذلك من أجل أن يجعلها تتخلى عن تصميمها بمعالجته ، إلا أنها ردت قائلة بتحدى :

– حران وإحنا فى الشتا ! تمام مفيش أدنى مشكلة خالص براحتك على الآخر يا رائف


رد قائلاً وهو يمط شفتيه بعدم إكتراث :

–طيب ماشى يلا بينا بقى نبدأ الجلسة


تمدد رائف على السرير ونظر إليها بتحدى أن تقترب منه وهو بتلك الحالة ، ولكن هى كان لديها العزم والتصميم الكامل على أداء مهمتها ، فهو كلما زاد عناده زادت رغبتها فى الوصول لقلبه


فقالت بجدية ومهنية :

– أتفضل نام على بطنك


تعجب من مطلبها فنظر إليها متسائلاً:

– أنام على بطنى ليه


أبتلعت سجى لعابها وقالت متصنعة الهدوء:

– علشان هبتدى بتدليك للعمود الفقرى 


–ماشى يا دكتورة سچى

قالها رائف وأولاها ظهره ، فبتردد أقتربت منه ، فكلما حاولت وضع يدها على ظهره تعود وتسحبها سريعاً ، ولكن حسمت أمرها بالأخير، فوضعت يدها على ظهره وبدأت بتدليك الفقرات ، ولكن ما أن شعر بلمسة يدها ، كأن حريق شب فى قلبه وسائر جسده ، فأغمض عينيه باستمتاع للمساتها الحانية ، أحست باسترخاءه أسفل يديها ، فزاد نشاطها ولكن من داخلها كانت تشعر بتوتر خانق وتشعر بخجل شديد أيضاً ولكن هذا ليس وقت خجلها ، فهو زوجها وستساعده بكل ما أوتيت من قوة 


فكر رائف أنها ماهرة جداً بعملها ، فلمسة يدها رقيقة للغاية ولكن فكر هل فعلت ذلك لاحد من المرضى من قبل؟ فاعتدل بجلسته متسائلاً بنبرة غيرة كادت تفتك بقلبه :

– سچى هو أنتى عملتى التدليك ده لحد قبل كده


ردت سجى قائلة بعفوية :

–أيوة طبعا فى التدريب بيخلونا ندرب بشكل عملى


جذبها من يدها نحوه بغضب ، فعيناه تطلق شرار من فرط شعوره بالغيرة من كونها تركت أحداً غيره ينعم بلمسة يدها الحانية 


فجز على أسنانه قائلاً بغيظ:

– أنتى إزاى تلمسى حد كده وبالشكل ده ها إنطقى


فاتها ما يلمح إليه ، فقبضة يده على معصمها تؤلمها بشدة ، فردت قائلة بأنين :

– أنت قصدك إيه بكلامك ده إيه اللى أنت بتقوله ده


لم يأبه لأنينها الخافت ، فقال بغيرة عاصفة:

– قصدى إزاى تلمسى راجل غيرى بالطريقة دى أو هو يحس بلمسة ايديكي على جسمه


نفضت يده عنها وقالت بضيق :

–  أنت فاهم غلط لإن انا معظم التدريب لأطفال أو ستات ، حتى لما أتخرج هعمل كده برضه علشان انا بحس بإحراج أن اعمل كده لحد غريب بس علشان أنت جوزى ، ثم أنت ايه اللى مزعلك اوى كده فى الموضوع ده


جن جنونه لقولها فقبض على ذراعيها وهز جسدها قائلاً:

–أنتى أتجننتى ولا إيه أنتى لو بس فكرتى تلمسى واحد غيرى أو تعمليله كده أنا مش هسمحلك أنتى فاهمة يا سچى مستحيل تلمسى راجل غيرى بالطريقة دى


قالت سجى بإبتسامة باردة :

–هو انا لو لمست راجل هلمسه علشان حاجة وحشة لاسمح الله ده علاج


عاد ليعيد تهديده على مسامعها :

–أدينى قولتلك اهو لو حصل ولمستى راجل بالطريقة دى مش هتعرفى انا هعمل فيكى ايه


ردت سجى قائلة بإستفزاز :

–هتعمل ايه يعنى يا رائف لو انا عملت كده


أتسعت طاقتى أنفه وهدر بها بصوت جهورى:

–هعمل ايه !همنعك انك تخرجى من البيت نهائي وهحبسك هنا يا سچى ، وادينى قولتلك وخلاص ولازم تسمعى كلامى وانتى ساكتة


رفعت سجى حاجبيها قائلة بلامبالاة :

–ليه هو أنا قطة علشان تحبسها فى البيت يعنى ولا ايه ، ثم  اسمع كلامك ليه يعنى يا رائف


صرخ بوجهها قائلاً:

–علشان انا جوزك انتى ناسية ولا ايه


أشارت له بأن يخفض صوته وهى تقول :

– ياريت توطى صوتك شوية وأنت بتتكلم ، ثم مش أنت بتقول إن إحنا جوازنا على الورق وبس وإن إحنا هننفصل وإن أنا حرة فى حياتى ليه بقى عايز دلوقتى تتحكم فيا


غرز أصابعه بلحم ذراعيها وهو يقول بغيظ :

–بلاش طريقتك المستفزة دى يا سچى علشان متندميش أنتى فاهمة انتى لسه متعرفنيش كويس واتقى شرى أحسن ليكى 


لم تعى سجى على ألم ذراعيها ، فذلك الألم الذى تشعر به بقلبها جعلها تتغاضى عن الألم بذراعيها ، فرفعت وجهها له قائلة بإباء :

–وده اسمه ايه بقى دا تهديد ولا ايه يا...رائف


دفعها عنه برفق ، بعدما أنتبه على أنها قريبة منه حد الإلتصاق وهو يقول :

–اعتبريه تحذير لغاية دلوقتى بس لو استمريتى باسلوبك ده هيبقى تهديد وهتبقى نتيجته وعواقبه كبيرة


عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بتحدى سافر :

–مش أنا اللى بتتهدد يا رائف ومتحاولش تمسك إيدى بالطريقة دى تانى ، علشان أنت وجعتنى وبالنظام ده مش هعرف اكمل الجلسة ونام بقى خلينى أشوف شغلى خلى تهديدك لنفسك مش ليا 


فغر فاه من قولها فرد قائلاً:

– أنتى ايه اللى جرالك وايه الجرأة اللى انتى بقيتى فيها دى


دلكت معصمها وهى تقول ببرود :

– مش علشان أنا بحترم اللى حواليا أبقى ضعيفة ويلا بقى نكمل الجلسة بلاش رغى 


دفعته برفق ليعود ويستلقى على السرير ، فعندما أراد تحديها وألا يجعلها تكمل مهمتها ، وجد ذاته منصاعاً لقولها ، لعل ذلك يعود لرغبته فى الشعور بملمس يديها ، ولكن ما كاد يمر عشر دقائق حتى هب واقفاً تاركاً مكانه ، وأخبرها بأنه قد شعر بالملل والسأم ، وعندما حاولت أن تثنيه عن قراره، كان أخذ قراره بالذهاب لغرفته ، فأسرع بخطواته قدر ما سمحت له قدميه المتعبتين ، فتلك الساذجة لا تعلم ما فعلته به ، فهو أولاً وأخيراً بشر خُلق من لحم ودم ، وما حدث ليس عادلاً أو منصفاً حتى وإن ظنت أنها بذلك ستساعده على الشفاء ، ولكن ربما تصيبه بداء من نوع أخر ولن يجد له دواءً إلا لديها  ولكن وهى زوجته وليست طبيبته

❈-❈-❈

مرت عدة أيام ، فأبى رائف الخضوع للعلاج الفيزيائي ، وتشدد برأيه ، فعندما سأمت سجى من إقناعه ، فضلت تركه تلك المرة ولتحاول بوقت أخر  ، فما كاد يمر يوم أخر ، حتى نجحت بإلحاحها وجعلته ينصاع لها مع الحفاظ على أفعاله التى تكاد تفقدها أعصابها ، فبات يستمتع بمضايقتها ولكن لا ينكر أنه بات ينتظر موعده معها بلهفة وشوق دون الإفصاح عن شئ من ذلك اللهيب المضرم بعينيه ، والتى بحثت بهما سجى عن راحتها التى فقدتها منذ أن وقعت بغرامه 

فمرت الايام على المنوال ذاته ، وحان موعد زفاف أكرم وريهام ، فوجدت هاتفها يعلن عن ورود إتصال من صديقتها 


ففتحت الهاتف وسمعت ريهام قائلة بإلحاح :

– ايوة يا بنتى مش هتيجى نروح نشترى الفستان ، دا كتب الكتاب قرب


أجابتها سجى وهى تقول بصوتها الرقيق :

–حاضر يا ستي جاية هقولهم هنا فى البيت واجيلك على طول ، دا انتى تلاقيكى عايزة كتب الكتاب دلوقتى 


ضحكت ريهام وقالت:

– ماشى متتأخريش بقى يا سچى انجزى وتعالى ، بجد هو ينفع يا أختى نكتب الكتاب النهاردة


ردت سجى ممازحة إياها :

– يا خرابى عليكى وعلى الوقعة اللى أنتى فيها يا ريهام خلاص جاية سلام 


أغلقت الهاتف وذهبت لغرفتها وأرتدت ثيابها فخرجت من الشقة وأتجهت صوب المنزل ، فهى يجب أن ترى زوجها لإستئذانه قبل خروجها ، وصلت لغرفته وطرقت الباب بتهذيب ، وبعد سماعها صوته ، فتحت الباب وولجت الغرفة 


فوجدته جالساً على الفراش ، واضعاً حاسوبه الشخصى على ساقيه ، فرفع وجهه عنه الحاسوب وبعد أن رآها وضعه جانباً 


فقالت وهى مازالت تقف على مقربة من الباب :

– أنا  كنت جاية أستأذنك علشان أنا خارجة ، هروح لريهام علشان هتخرج تشترى فستان لكتب الكتاب


أماء رائف برأسه قائلاً:

– تمام روحى وخلى بالك من نفسك


إبتسمت له إبتسامة رقيقة وردت قائلة:

– إن شاء الله لما أرجع هبقى أعملك جلسة العلاج


بادلها الإبتسام وهو يقول:

– تمام يا دكتورة سجى 


قبل خروجها رمقته بنظرة خجولة قائلة بإستحياء :

– هو أنا ممكن أطلب منك طلب


حدق بها رائف مقطباً حاجبيه متسائلاً بجدية:

– خير طلب ايه ده يا سجى


يتبع...