رواية لا أحد سواك رائفي- بقلم الكاتبة سماح نجيب- الفصل الثامن عشر
رواية لا أحد سواك رائفي
بقلم الكاتبة سماح نجيب
رواية لا أحد سواك رائفي
الفصل الثامن عشر
١٨–" أهيم بها عشقاً "
❈-❈-❈
أتسع بؤبؤ عينيها قليلاً وهى تحملق بالجدار ، وسرعان ما ذرفت عيناها الدموع بغزارة وسخاء ، كمن جفت أنهار شفتيها وأرادت أن ترويها من فيض عبراتها الحارة ، فهرولت الدمعات السخية من جفنيها مروراً بوجنتيها ، حتى وصلت مستقرها ومستودعها على جانبى شفتيها ، اللتان بدتا كأنهما أنتزع منهما لونهما الوردى وصارتا جافتين ، كبتلات الورد التى تم إهمالها عن عمد ، فبعد إكتفاءها من حملقتها بالجدار ، وضعت رأسها بين ركبتيها ، فضمت ساقيها بذراعيها ، كمن تصنع ملاذ أمن لها من تلك البرودة التى نخرت قلبها وعظامها ، وصار صوت بكاءها وشهقاتها يعلو شيئاً فشيئاً
فغمغمت بصوت شابه الحزن :
–يعنى كل ده كنت بحلم انا هفضل فى العذاب ده لحد امتى بس ياربى هو ايه اللى بيحصلى ده
لم تكتفى بالبكاء ، بل رغبت فى الصراخ والنواح على تلك الحالة التى أصابتها بعدما أفاقت من نومها ، فشرعت بالصراخ وهى تنادى إسمه بلوعة :
–رررررااااااائف
وصلت لمسامعه صيحتها المنادية لإسمه ، فأسرع بالخروج من المرحاض ، فهرول بخطواته قدر إستطاعته حتى وصل للغرفة ، فجلس على طرف الفراش ووضع يده على رأسها وهو يقول بخوف :
– نعم يا روحى فى ايه بتصرخى ليه كده بصوت عالى ايه اللى حصل
رفعت رأسها وجدته جالساً قريباً منها على الفراش ، والقلق إحتل قسمات وجهه كعدو لن يأبى الرحيل إلا بعد نضال منه ، فرفعت يداها وأحتضنت وجهه قائلة بلهفة :
–رائف أنت هنا بجد أنت موجود هنا معايا،يعنى اللى حصل امبارح ده مكنش حلم وانت كنت معايا
إبتسم رائف ورد متفكهاً :
– يعنى عفريتى هو اللى قاعد قدامك ، أيوة أنا هنا فى ايه يا حبيبتى و حلم ايه يا عمرى ما أنا معاكى أهو أنا مش فاهم حاجة وليه كنتى بتعيطى بالشكل ده
لم تمنحه الوقت الكافى للإستماع لإجابتها ، إذ أسرعت بإلقاء نفسها بين ذراعيه وطوقت عنقه ، تريد أن تتحقق من شأن وجوده معها هنا وأن ما يحدث حقيقة وليس حلماً من نسج خيالها
مسحت دموعها بكتفه وهى تغمغم بصوت مختنق من أثر بكاءها :
– أصل لما صحيت أنت مكنتش موجود أفتكرت إن أنا كنت بحلم ولما ناديت عليك أنت مردتش عليا
رفع ذراعيه وظلت إحدى يديه تمسد على رأسها ، والأخرى تطوقها بحنان ، فهتف بإحدى أذنيها قائلاً بهمس :
–معلش ياروحى انا كنت باخد شاور فى الحمام وتلاقينى مسمعتكيش من صوت الماية فاهدى وبلاش عياط انا مبحبش اشوف دموعك يا سچى
منحته الأذن بأن يمحى عبراتها ، إذ حلت ذراعيها عن عنقه ، وأبتعدت عنه قليلاً ، ليتسنى لها النظر بوجهه ، فراحت أنامله تعمل على تجفيف جفونها ووجنتيها ، فتبسم بوجهها معقباً :
– خلاص اهدى يا سچى ، أنا جمبك أهو يا حبيبة قلبى وروحى وعمرى كله
رفعت يدها وضغطت على كفه الموضوع على وجنتها ، فما لبثت أن قبلت باطن يده وهى تهمهم بحب :
–أنت حبيب قلب سچى
أدنى بوجهه منها، فهو لا يرتوى ابداً من عناقها، فكلما عانقها يشعر بحاجته للمزيد ، فربما يستطيع أن يخمد تلك النيران المشتعلة بقلبه ، ولكنها لا تخمد بل يزداد لهيبها أكثر فأكثر كلما أقترب منها ، فهى كلما شعرت بحرارة حبه وعناقه لها ، يكاد قلبها يقفز من بين أضلعها من تسارع وجيبه وخفقاته
فجاءت عبارته المحمومة محمولة على أجنحة الشوق قائلاً بلهفة :
–نفسى اخبيكى جوا قلبى علشان محدش يشوفك غيرى اخلى قلبى سجنك وضلوعى قضبان السجن ده وتفضلى على طول مسجونة بين ضلوعى
تنفست بعمق قائلة وابتسامة تزين ثغرها الوردى :
–وأنا عايزة سجنك ده ومش عايزة أخرج منه ابداً ابداً يا رائف عايزة افضل عايشة جواك كده على طول ، علشان أنت بقيت الهوا اللى بتنفسه بقيت عشقى وأنت رائفى
بعد سماعه للفظ التحببى لإسمه منها ، مرر سبابته على ذلك الوشم ، الذى بدا جلياً بنور الصباح الذى ملأ الغرفة ، فرد قائلاً بحنان :
–رائفك مبقاش عايز حاجة من دنيته غيرك أنتي وبس ، سچى انا عايزك تيجى تقعدى معايا في أوضتى لأن أنا خلاص مش هقدر ابعد عنك أبدا ابدا
أجابته وهى تحرك رأسها بالإيجاب :
– أنا أقعد معاك فى أى مكان وفى أى حتة المهم تكون أنت معايا ومش مهم اى حاجة تانية
داعب وجنتها بأصابعه القوية قائلاً :
–خلاص انقلى حاجتك فى أوضتى علشان تقعدى معايا
شخصت سجى ببصرها للهرة الناعسة بجوارهما على الفراش ، فعادت ونظرت إليه وتساءلت :
– طب ومشمشة ؟
مسد رائف على فراء الهرة وهو يبتسم ملأ فاه وقال :
– هاتيها معاكى طبعاً أنا حبيتها أوى هى كمان
أصدرت الهرة صوت مواء بصوت منخفض ، دلالة على إستمتاعها بمداعبة رائف لفراءها ، فقالت سجى وهى تنقل بصرها بينهما :
–وهى شكلها حبتك لأن كنت بستغرب أنها بتقعد فى حضنك وبتنام ومش بتخربشك
قال رائف بغرور متفكهاً :
–ايوة طبعاً لأن حضنى ده سحر بينيم أى حد من غير كلام
زمت شفتيها وقالت بغيرة لم تستطيع إخفاءها :
–اى حد زى مين انت حضنت مين غيرنا يا رائف ، هم مين بقى دول اللى انت حضنتهم
رد رائف قائلاً بعفوية وصدق :
–ماما وبابا وتيتة واخواتى ولما بسلم على حد عزيز عليا
زفرت سجى براحة وقالت بإطمئنان :
–اااه قول كده انا بحسب حضنت حد تانى
عقد رائف حاجبيه متسائلاً بجدية:
–بتحسبى ايه وتقصدى مين بكلامك ده
أبتلعت سجى لعابها وقالت بحذر :
–قصدى يعنى أنك حضنت واحدة غريبة عنك
فهم رائف مغزى قولها ، فرد قائلاً بهدوء :
– أه فهمت قصدك صدقينى أنا محضنتش واحدة بحب وعشق غيرك انتى بس
قالت سجى بإندفاع :
–ولا حتى خطيبتك الاولانية
رفع رائف حاجبيه بدهشة من قولها ، فهتف بها بلين :
–لاء طبعا كنت احضنها بأى صفة هى كانت خطيبتى اه لكن مش مراتى علشان احضنها بالشكل ده يعنى كان فى حدود لمعاملتنا مع بعض
أطرقت برأسها أرضاً وقالت بصوت منخفض:
– أصلى سمعت أنها كانت متحررة شوية
مد يده ورفع وجهها ونظر بعينيها قائلاً :
–صدقينى أنا دلوقتى بفكر إزاى أنا كنت غبى وخطبتها وعلشان ايه خطبتها وكان كل اللى فى البيت يقولولى دى متنفعكش وانا اللى كنت مصر عليها معرفش على ايه يعنى دى كانت حركة غباء منى مش أكتر
طافت الغيرة بعينيها فقالت وهى تشد على طرف ثوبها القصير :
–بس برضه سمعت منهم أنك كنت بتقول بتحبها علشان كده كنت متمسك بيها ومش راضى تسيبها
حاول قدر المستطاع أن يجيبها بما يجعلها تشعر بالراحة وتترك غيرتها جانباً ، فقبل رأسها قائلاً بلطف :
–دا طلع وهم لأن لو كنت حبيتها بجد مكنتش حبيتك أنتى وعشقتك ، أنا اكتشفت بعد ما قابلتك أن أنا كنت عايش فى وهم مش أكتر وأنها متعنيش ليا أى شئ بالمرة
مررت يدها على لحيته قائلة بإبتسامة :
– طب وأنا بقيت إيه بالنسبة ليك
إستكان للمساتها الحانية ، فهمهم من بين شفتيه ، التى توعدتها بعناق حار :
– أنتى الحب كله
فكرت أنها لن تكون سعيدة اكثر مما هى عليه الأن ، فتحققت أغلى أمنياتها ، وصار رائف عاشقاً لها يتلو على مسامعها عبارات الحب والغرام
فشهقت بخفوت قائلة بعدما نظرت للساعة المعلقة على الجدار المقابل للفراش :
– يا خبر دا شكلى الكلام هياخدنا ومش هقوم أعمل حاجة خالص النهاردة
رد رائف قائلاً بدهاء ، بعدما أخذ قراره بعدم تركها :
–وتقومى ليه خليكى نكمل كلامنا دا أنا حتى لسه عندى كلام كتير أوى أوى عايز أقوله
قبل أن تعلن عن موافقتها أو رفضها ، كان يداهم حواسها بعناق طالما حلمت به بتلك الليالى التى سكن السهاد عينيها ، فها هو قد جاء ليطرد الأرق عنها ، ويلملم أحلامها وأمنياتها ، وينظر بها واحداً تلو الاخر ، ليضعها كلها موضع ترحيب من جانبه ، فلا أمنية ولا حلم سيراودها ثانية ، إلا وسيعمل على تحقيقه ، ولكن خشيته عليها من فيضان مشاعره ، جعلته حريصاً بمعاملته لها ، كأنها مصنوعة من البلور ، فقبل أن تظن به الجفاء أو الترفع بتودده لها ، كان يخبرها بكل أسباب حرصه الشديد عليها ، وما أن رآى وجهها إصطبخ بحمرة قانية ، حتى ظل يضحك من كل قلبه ، خاصة بعد دفعها له وفرارها من الغرفة للمرحاض
❈-❈-❈
بالطابق الثانى بالمنزل وبالأخص داخل تلك الحجرة الفسيحة الخاصة بسيد وسيدة ذلك المنزل الراقى ، نهضت هدى من نومها باكراً ، فبعد تأديتها صلاتها وإستعدادها للخروج من أجل التوصية بتحضير طعام الإفطار ، أقتربت من الفراش ونادت زوجها برفق ، ففتح عيناه على الفور بعد نداءها ، فتبسمت بوجهه وهى تميل إليه بجزعها العلوى قليلاً
فقالت بصوتها الناعم :
–صباح الخير يا حبيبى ، يلا قوم علشان تجهز نفسك و تروح شغلك ، هجهزلك هدومك وانزل اشوف الاولاد واخليهم يطلعوا الفطار لأكرم فى اوضته
جلس ماهر بالفراش ومسح وجهه من أثر النعاس ، ورد قائلاً بإبتسامة بشوشة :
–صباح النور يا حبيبة قلبى ، ماشى يا قمر ، بس هتطلعى لأكرم الأكل ليه مش هينزلوا يفطروا معانا
ردت هدى مبتسمة :
–هم عرسان خليهم براحتهم هنزل اشوف رائف هو كمان صحى ولا لاء
أزاح ماهر أغطية الفراش عنه ، ووضع قدميه أرضاً وإستقام بوقفته قائلاً:
–ماشى هخلص وأجى وراكى على طول
ذهبت هدى لغرفة الثياب وبعد إنتقاءها ثياب ملائمة لزوجها من أجل الذهاب لعمله ، وضعتها على الفراش وخرجت من الغرفة ، هبطت للأسفل وذهبت للمطبخ ، وجدت الخادمة تعمل على تحضير طعام الإفطار
فأقتربت منها هدى مبتسمة كعادتها دائماً ، وبعد أن ألقت عليها تحية الصباح ، تفحصت الأطباق قائلة :
– خلصتى الفطار ولا لسه ، لو خلص طلعى فطار أكرم له فوق فى الأوضة وإحنا فطارنا حطيه على السفرة برا
أماءت الخادمة برأسها وقالت بطاعة :
– أيوة يا هدى هانم خلاص كل حاجة جاهزة ، ومن عينيا حاضر هطلع الفطار للدكتور أكرم
ربتت هدى على كتفها وقالت بمودة :
– تسلم عينيكى وإيديكى يارب
حملت الخادمة صينية الإفطار الخاصة بأكرم وعروسه ، فصعدت الدرج وهى تطلق الزغاريد ، التى صدح صوتها بالمنزل ، فشعرت هدى بنشوة الفرح من أجل إبنها الثانى ، فخرجت من المطبخ ووصلت للصالة وجدت شادى جالساً بجوار جدته ، التى لا تنفك عن مداعبة شعره ، ولكنها لم ترى رائف ، خاصة أنه يفيق من نومه بهذا الوقت
فألقت عليهما تحية الصباح ونظرت لوالدة زوجها وتساءلت :
–صباح الخير ، هو رائف لسه مصحيش ولا ايه
ردت صفية قائلة :
–صباح النور يا حبيبتى ، لاء الظاهر لسه نايم
أعتدل شادى بجلسته قائلاً وهو ينظر لباب غرفة شقيقه :
– أنا مش سامع صوته ولا شوفته خالص
عقدت هدى حاجبيها وقالت بدهشة :
–غريبة مش عوايده يفضل نايم للوقت ده دا متعود دايما يصحى بدرى
أقتربت من باب غرفة رائف ، وأدارت المقبض فأنفتح الباب ، نظرت داخل الغرفة وجدت فراشه لم يمس ، ومازالاً مرتباً كأنه لم يقضى ليلته البارحة بالغرفة
فغمغمت بصوت خافت :
–غريبة دا سريره زى ماهو يا ترى هو راح فين
أغلقت الباب وعادت لهما ثانية وإستأنفت حديثها :
–دا رائف مش جوا هو راح فين
ترك شادى مكانه قائلاً :
–ممكن يكون بيتمشى فى الجنينة ولا حاجة ما انتى عارفة انه بيحب يتمشى الصبح قبل ما نصحى من النوم ، أنا هخرج أشوفه برا
جلست هدى بجوار والدة زوجها قائلة:
–ونادى على سچى بالمرة هى كمان علشان تفطر
قال شادى مبتسماً بعدما قبل وجنتها الوردية :
–حاضر يا جميلة الجميلات
خرج شادى من المنزل للبحث عن رائف بالحديقة ، ولكنه لم يعثر له على آثر بكل تلك الأماكن التى يجلس بها ، ففكر أن ينادى سجى قبل أن يعود للداخل أو إكمال بحثه عن شقيقه
فخطى خطواته تجاهه باب الشقة وظل يدق الباب دقات خفيفة ، فنادى بصوت جهورى :
– سجى سجى
سمعت سجى صوت شادى المُلح بطلبها ، فنهضت من مكانها وحلت ذراعىّ زوجها عنها ، فتململ رائف بنومه ، الذى أدركه منذ ما يقرب من النصف ساعة ، بعد رفضه تركها والعودة لغرفته
ففتح عيناه الناعستان ،ووجدها تنظر إليه بقلق وإرتباك ، فقالت وهى تحاول إبتلاع لعابها :
–دا تلاقى حد جاى ينادى عليا دلوقتى علشان الفطار ، يا نهار أبيض هنقلهم ايه دلوقتى يا رائف
أزاح رائف الغطاء عنه وإسند ظهره للوسائد الموضوعة خلفه قائلاً بصوت ناعس :
–وزمانهم بيدوروا عليا أنا كمان دلوقتى ، وهنقول ايه يعنى يا سچى أنتى مراتى ولا أنتى ناسية الحكاية دى
وضعت يديها على وجنتيها الملتهبتين وردت قائلة بخجل :
–لاء مش ناسية بس هم عارفين ان جوازنا كان شكلى بس
قبل أن تسمع منه رداً على قولها ، سمعت شادى قائلاً بصوت عالى :
–سچى يلا علشان تفطرى انا ماشى وابقى تعالى
بعد فشله فى إيجاد شقيقه بالحديقة ، عاد شادى للداخل ، فأقترب من والدته قائلاً :
–ماما أنا ملقتش أبيه رائف برا وناديت على سچى
شعرت هدى بالقلق ، فهبت واقفة من مجلسها وفركت يديها وهى تقول :
–هيكون راح فين على الصبح كده ، دا مبيخرجش من البيت خالص
نقرت صفية بسبابتها على طرف ذقنها ، فنظرت لشادى وتساءلت :
–واد يا شادى هى سچى ردت عليك لما ناديت عليها
حرك شادى رأسه نافياً وهو يقول :
–لاء مردتش بس أنا قولتلها الفطار جاهز وهى تيجى علشان تفطر وجيت أنا وهى تبقى تيجى براحتها
إبتسمت صفية إبتسامة ذات مغزى وردت قائلة:
– أه ماشى يا شادى
أتجه شادى صوب المطبخ قائلاً وهو يربت على بطنه :
– هروح اعملى ساندوتش على ما ربنا يفرجها وييجوا أنا جعان وهموت من الجوع
ضحكت صفية على قوله وردت ممازحة:
– على طول جعان ومفجوع يا شادى ، مشطب على أكل البيت
أرتد شادى برأسه ضاحكاً وقال :
– اعملكم إيه يعنى هو أنا كده بجوع بسرعة رهيبة ، ولو مأكلتش مش ضامن أعمل إيه
ذهب شادى للمطبخ ، فتعجبت هدى من إبتسامة وهدوء والدة زوجها خاصة بعد علمها بأن سجى هى الأخرى ، لم ترد جواباً على نداء شادى لها
فجلست بجوارها ونظرت إليها وتساءلت بإلحاح:
– أنتى إبتسمتى على ايه يا ماما ، لما شادى قال سجى مردتش عليه
هزت صفية رأسها وهى تقول:
–علشان النهاردة يا هدى شكل عندنا إتنين عرسان مش واحد بس
قطبت هدى حاجبيها قائلة بغرابة:
– انتى قصدك على مين غير اكرم وريهام
قبضت صفية على كفها وقالت :
– قصدى على رائف وسچى كمان
فغرت هدى فاها بإبتسامة قائلة :
–تفتكرى يا ماما إن ده حصل فعلاً ، وأن رائف دلوقتى عند سجى فى الإستراحة
قالت صفية بثقة ويقين:
–رائف ومش لقينوه وسچى ومبتردش يبقى ايه يعنى افهميها انتى بقى يا هدى ، وأنتى شوفتيهم إمبارح فى الحفلة كانوا عاملين إزاى
وضعت هدى يديها على صدرها وهى تردد بسعادة :
– يارب يكون الكلام ده بجد يا ماما ، دا أنا فرحتى هتبقى فرحتين
قبل أن تعاودا الحديث ثانية ، رآت صفية رائف يلج من باب المنزل ، فإبتسمت له إبتسامة عريضة وقالت بدهاء محبب :
– أنت كنت فين يا رائف يا حبيبى دورنا عليك ومكناش لاقينك
ضم رائف شفتيه بقوة ، ولكن أطلق سراحهما بعد شعوره بالألم ، فرد قائلاً بإرتباك :
– ها فى حاجة يا تيتة ولا إيه
عقدت صفية ذراعيها ، فقالت وهى تشعر بالسعادة خاصة وهو يزوغ بعيناه عن مرمى عينيها المتفحصتين :
–لاء بس دورنا عليك علشان تفطر معانا ومش لقيناك هو شعرك مبلول ليه كده أنت كنت فى حمام السباحة ولا ايه
رد رائف قائلاً بهدوء :
–لاء مكنتش فى حمام السباحة يا تيتة ، وهنزل حمام السباحة فى البرد ده
وضعت هدى يدها أسفل ذقنها وهى تقول بمكر :
– طب كنت فين دا حتى سريرك مترتب زى ماهو أنت مكنتش نايم فى أوضتك إمبارح يا حبيبى
علم رائف أنه وقع بشرك من صنع والدته وجدته ، ويبدو عليهما أنهما لن يتركوه حتى يخبرهما أين كان بالأمس ، فعندما أخذ قراره بقول ما لديه ، خرج الكلمات من بين شفتيه مبعثرة وغير مترابطة :
– ما هو أصل أنا يعنى اللى حصل امبارح أنه .....
لم يسعفه لسانه بقول الحقيقة ، فإبتسمت له جدته قائلة بتفهم :
–على العموم ألف مبروك يا حبيبى ألف مبروك ياعريس
أجابها رائف بصوت منخفض:
–الله يبارك فيكى يا تيتة
أقتربت منه والدته وربتت على وجهه وقالت :
– بجد الكلام ده يا رائف
حرك رأسه بالإيجاب قائلاً:
– أيوة يا ماما
طوقته والدته بذراعيها ، فأنحنى إليها بجزعه العلوى نظراً لفارق الطول بينهما ، فظلت يديها تربت على ظهره وهى تقول بصوت أختلج بسعادتها :
–مليون مبروك يا حبيبى ربنا يسعدكم يارب
قبل رائف رأس والدته قائلاً بحب :
–تسلميلى يا ماما
ترك والدته وأقترب من جدته وجلس بجانبها معقباً:
–بس أنتى مطلعتيش سهلة يا صفصف
مالت إليه صفية وقبلت وجنته وهى تقول بحنان :
–عيب دا انا اللى مربياكم وعرفاكم اكتر من امكم كمان ، وشدوا حيلكم بقى عايزة اشوف ولادكم
أخذ رائف يديها وقبلهما تباعاً وهو يقول بحب :
–ربنا يباركلنا فى عمرك يا تيتة
نظرت هدى لباب المنزل المفتوح على مصراعيه ، ولكنها لم ترى سجى ، فنظرت لرائف قائلة :
– هى سچى فين يا حبيبى
رفع رائف وجهه ونظر لوالدته قائلاً:
–زمانها جاية ياريت ياماما تبعتى حد من الشغالين يجيب حاجات سچى علشان هتقعد معايا في أوضتى
غامت عينىّ هدى بدموع الفرح ، فردت قائلة بصوت حانى :
–حاضر يا حبيبى من عنيا الاتنين
طالعها رائف بإبتسامة وهو يقول:
–تسلملى عيونك يا دودو يا قمر
لم تصدق هدى أنها إستمعت لإسمها التحببى منه ثانية ، فأقتربت منه وأخذت وجهه بين كفيها وهى تقول:
–حبيب قلبي بقالى كتير مسمعتش منك الكلمة دى
أخذ رائف إحدى يديها وقبل باطنها بعرفان وهو يقول :
– هتسمعيها كتير يا دودو
خفق قلب هدى بسعادة ، وهى ترى إبنها ربما يعود لما كان عليه قبل وقوع الحادث ، فقبلت جبينه قائلة بحنو بالغ :
–روح دودو أنت ربنا يسعد قلبك يا روحى
بالشقة ، فبعد إنتهاءها من إرتداء ثوبها وحجابها ، لملمت ثيابها الأخرى بالحقيبة من أجل ذهابها للإقامة بغرفة زوجها داخل المنزل ، فكلما تتذكر ليلة البارحة يعصف الشوق والحنين بها لتعود لمسكنها بين ذراعيه ، فإن كان قلبها البكر وقع بعشقه وغرامه وهو يتصنع البرود تجاهها و قبل أن تصير زوجة فعلية له ، فما سيكون حاله الآن بعدما رآت جانبه الأخر من دفء مشاعره ولهفته بأن تلازمه كظله ، فما أن طاف وجهه بمخيلتها ، حتى أسرعت بإنهاء ما تفعله لتذهب وتراه ، فخرجت من الشقة ووصلت للمنزل ، فولجت وعيناها تبحث عنه ، فهو أعطاها وعده بأنه سيكون بإنتظارها من أجل إعلان أنها ستقيم معه بغرفته
ولكنها لم ترى سوى هدى وصفية الجالستان وكل منهما تنظر لها بإبتسامة عريضة ، فألقت عليهما تحية الصباح ، فباغتتها هدى بسؤالها :
– أنتى يا حبيبتى لميتى حاجتك علشان أبعت حد من الشغالين يجيبها
فركت سجى يديها وقالت بتوتر:
–وحضرتك عرفتى ازاى ان لميت حاجتى
أشفقت صفية على حالها وهى تقف أمامها كأنها تشعر بالذنب ، فتركت مكانها وأقتربت منها وإحتضنتها قائلة بسعادة :
–رائف هو اللى قالنا دلوقتى مبروك يا حبيبتى ألف مبروك
ردت سجى قائلة بخجل :
–الله يبارك فيكى هو فين رائف
تمنت أن تظل صفية محتضنة جسدها ، فهى لن تجرؤ على النظر بوجهها أو وجه هدى ، ولكن حدث ما كانت تخشاه ، فهدى جذبتها من ذراعها لتأخذ نصيبها من تلك المباركات والتهانى ، فطوقتها بذراعيها تربت عليها بعطف وحنان
فقالت وعيناها ترمقها بإمتنان ، لكونها ساهمت بإعادة رائف لما كان عليه :
–فى أوضته جوا يلا نادى عليه علشان تفطروا
أرادت هدى إعفاءها من الشعور بالخجل ، فأطلقت سراحها ، لتسرع هى الخطى بالذهاب لغرفة زوجها ، فطرقت الباب وسمعت صوته قائلاً :
– أيوة مين
أجابته سجى من خلف الباب المغلق :
– أنا سچى يا رائف
رد رائف قائلاً بلهفة :
– ادخلى يا حبيبتى الباب مفتوح
فتحت سجى الباب وولجت بخطى مرتجفة ،فما أن وطأت الغرفة بقدميها وأغلقت الباب خلفها ، وجدته يخرج من غرفة ثيابه يحمل قميصه على كتفه ، ففرد ذراعيه يدعوها للإقتراب ، فلبت نداءه لها على جناح السرعة ، ووقفت بين ذراعيه بوداعة
ولكن عبست بوجهها بطرافة وهى تقول بعتاب :
–هو أنت قولت لمامتك وجدتك على اللى حصل إمبارح، مش أنت قولتلى أن هلاقيك أول ما أجى علشان متسبنيش لوحدى وعلشان أنت تقولهم
لف ذراعيه حولها ورفعها قليلاً عن الأرض وهو يقول:
–أنا ملحقتش أقول حاجة هم اللى فهموا لوحدهم من غير ما اقول وخصوصاً تيتة
طوقت عنقه بذراعيها وقالت بإبتسامة :
– أنا كنت عايزة الأرض تنشق وتبلعنى دلوقتى وأنا اللى مستغربة هم بيبتسمولى بالشكل ده ليه
داعب أرنبة أنفها وهو يقول بصوت هامس :
–ليه يا عمرى كده كده كانوا هيعرفوا ثم أنتى هتيجى تقعدى معايا هنا خلاص يعنى اللى مش عارف هيعرف ، وتعالى بقى اقفليلى زراير القميص بتاعى علشان نخرج نفطر علشان أنا جوعت أوى
أنتبهت سجى لوضعهما ، فربما تتسبب بإيذاءه وهو يحملها بين ذراعيه هكذا ، فحلت ذراعيها عن عنقه ، وقالت متفكهة وهى ترتد بخطواتها للخلف:
– وأنت مبتعرفش تقفلهم لوحدك يا حبيبى
هز رأسه قائلاً بنفى :
– لاء مبعرفش ، ومش هعرف من هنا وجاى اعملى فى حسابك يعنى
انحنت سجى وألتقطت قميصه ، وردت قائلة بإبتسامة صافية:
–بس كده من عنيا يا حبيبي
بعدما أرتدى قميصه ، أقتربت منه لتغلق أزراه ، فعاد وأحكم ساعديه حولها بعشق وتملك ، فبعد إنتهاءها تركت أثار شفتيها على عنقه وهى تقول بعفوية :
–ودى هدية من عندى علشانك يا حبيبى
خطفت أنفاسه بفعلتها العفوية ، فرد قائلاً:
– أحلى هدية دى ولا إيه على الصبح عايز هدية كمان
أعادت فعلتها وهى تقول :
– بس كده حاضر واحدة كمان أهى
لن يكفيه الحصول على هدية أو إثنتان من تلك الهدايا ، التى ساهمت بزيادة سريان الشوق بأوردته ، فهمس قريباً من منبع هداياها الآسرة لحواسه :
–بتعرفى تعدى لحد كام يا روحى ؟
رسمت تقطيبة خفيفة بين حاجبيها من سؤاله ، فردت قائلة:
– اشمعنا يعنى بتسأل السؤال ده
أجابها وعيناه تلتهم وجهها بشغف:
– لأن انا عايز هدايا لحد العدد اللى بتعرفى تعديه ؟
فهمت مقصده ، فأخفت وجهها بصدره قائلة:
– يبقى مش هنخلص فى سنتنا دى ، وأنت بتقول أنك جعان وعايز تفطر
لم يكن جوعه للطعام شئ يذكر بجانب جوعه للقاءها ، وأن تجعله يشعر بأن روحه مازالت تهيم بفضاء الحرية كالسابق ، قبل أن يتم دفنها بين شعور اليأس والعجز ، فمعها صار كالطفل المتلهف لسماع كلمات التشجيع والأمان
صوتها كلحن عذب وهى تصب بأذنيه عبارات العشق والحب ، لتجعله يدرك أن حياتها لن تكون ذات معنى أو هدف ، دون وجوده هو بجانبها ، فعلى الرغم من أنه هو من يجب أن يمتن لها بأنها منحته قلبها ، إلا أنها لم تتركه يقدم شكره وعرفانه، فهى لا تريد منه سوى أن يبادلها حباً بحب دون الحاجة لأن يشعر أى منهما بأنه يقدم للأخر خدمة جليلة بمنحة هذا الحب ، فالعلاقة بينهما قائمة على التكافؤ ، حتى وإن كان هو يشعر من داخله بالتقصير بحقها من أن يمنحنها الدلال الكافى ، وأنها ستكون مرغمة على قضاء معظم أوقاتها معه داخل المنزل
❈-❈-❈
استيقظ أكرم من نومه ، فترك الفراش وفتح باب الغرفة ، بعد نداء الخادمة وإخبارها له بشأن تركها للطعام الخاص بهما أمام باب الغرفة ، وجد تلك المنضدة الصغيرة الموضوع عليها صينية الإفطار ، فسحبها وأغلق الباب ، فدفع المنضدة المتحركة حتى وصل بها لجانب الفراش ، فجلس بجوار ريهام ، التى مازالت غارقة بنومها ، فتأمل وجهها على ضوء الصباح الساطع ، فهى ليست جميلة المحيا فقط ، بل أكتشف أيضاً حلاوتها وعذوبتها وهى تردد على مسامعه مدى عشقها له
مرر يده على وجنتها ، فتململت بنومها وفتحت عيناها فإبتسم بوجهها قائلاً بحب :
– صباح الجمال والحلاوة على عروستى الحلوة
جلست ريهام بالفراش ومطت ذراعيها وهى تقول بتثائب :
– صباح النور يا كرومتى هى الساعة كام دلوقتى
رد أكرم قائلاً:
–حبيبة قلب كرومتك لسه الساعة ٨ تقريباً يلا الفطار أهو
فتحت ريهام عينيها وهى تقول بلهفة لشعورها بالجوع :
– أه والله أنا هموت من الجوع خالص عصافير بطنى بتهوهو مش بتزقزق بس
قال أكرم بحب وعيناه تتفرس بوجهها :
–بعد الشر عليكى يا قمر بالهنا والشفا
وضع الصينية أمامها ، فنظرت إليه قائلة:
– أنت مش هتاكل ولا إيه يا حبيبى
أخذ أكرم قطعة من الخبز ممازحاً:
– لاء طبعا هاكل ، أنا جعان لدرجة إن أنا ممكن أكلك أنتى شخصيا مع الفطار
إبتسمت ريهام قائلة بمشاغبة :
–هتاكلنى مم يا كرومتى
رد أكرم قائلاً بعبث :
– أيوة هاكلك هم المم بس لما اكل الأكل ده الاول
قهقهت ريهام وردت قائلة:
– أنا والأكل بألف هنا وشفا على قلبك يا حبيبى
أبتسم أكرم قائلاً بعد سماعه قولها :
– بجد الكلام ده ياروحى
وضعت ريهام قطعة من الجبن بفمه قائلة بدلال :
– أنت لسه عندك شك يا كرومتى ، بس ياترى سچى واخوك عملوا ايه
أبتلع أكرم ما بجوفه قائلاً بهدوء :
–رائف كان قايلى انه خلاص هيقولها انه بيحبها وهيعترفلها بكل حاجة ويبتدى من جديد معاها
رفعت ريهام يديها بوضع الدعاء قائلة برجاء وتمنى :
– يارب يا أكرم يكون الكلام ده بجد، علشان أخوك قرب يجنن سچى وخلى مخها ضرب على الآخر
زفر أكرم زفرة مطولة وهو يقول:
–ماهو جننى قبلها والله يا ريهام دماغه ناشفة اوى، أنشف من الحجر وعليه عناد أنا مشفتوش على حد حاجة كده تخلى الحجر ينطق
هزت ريهام رأسها دلالة على أنها تعى صدق حديثه ، فردت قائلة بإشفاق على حال صديقتها :
– ااه مش عارفة إيه ده بجد يا أكرم ، دا سجى لما كانت بتحكيلى ، كنت بدعيلها ربنا يعينها عليه وعلى دماغه دى
شرع أكرم بتناول طعامه ببطئ ورد قائلاً:
–على العموم هنعرف كل حاجة مفيش حاجة بتستخبى إذا كان فعلا غير معاملته ليها ولا لاء
–على رأيك كل بقى يا حبيبى علشان أنت جعان
قالت ريهام وهى تضع الطعام بفمه ، كإحدى أمور دلالها لذلك الرجل الذى إستطاع أسر قلبها منذ أن رآته بمشفاه ، ليأتى بالأمس ويجعلها تهيم به عشقاً بعد ليلة حالمة فاقت كل أحلامها وأمنياتها ، فلن تدخر جهداً بسلب قلبه وعقله ، فما رغبت به وتمنته من أن تصير له زوجة ، صار الآن واقعاً لا يقبل الشك
تمنت أيضاً أن تكون أمور سجى ورائف صارت على ما يرام ، فهى لن تشعر بالسعادة لزواجها ، إذا ظلت صديقتها المقربة تشعر بالحزن لعناد زوجها معها ، ولكن أنبأها حدسها بأن ربما سجى الآن تنعم بما هى تنعم به ، ولا تعلم لما أصبحت شبه متيقنة من أن ليلة البارحة لم تقتصر على زواجها هى فقط ، بل ربما أقتسم الليل أوقاته الحالمة بين أربعة من العشاق
❈-❈-❈
صعدت هدى الدرج وقدميها تسبقانها فى الوصول لغرفتها ، فشعور السعادة المتملك منها ،يجعلها تشعر بأنها تحلق بالهواء وأن قدميها لا تلامسان الأرض ، فأن تستيقظ من نومها بسعادة لزواج أكرم وتعلم فيما بعد أن ولدها البكر قد أتم زواجه هو الأخر ، فذلك أدعى أن يجعل شعور السعادة يتضاعف بقلبها ، خاصة لتلك المكانة التى يتمتع بها رائف بقلبها
ولجت الغرفة وجدت زوجها أنتهى من إرتداء ثيابه ، ويقف أمام المرآة يصفف شعره ، فهتفت به بصوتها الناعم :
– خلصت يا حبيبى الفطار خلاص اتحط على السفرة
وضع ماهر فرشاة الشعر من يده وإستدار إليها قائلاً بإبتسامة :
– أيوة يا حبيبتى خلاص رائف صحى ولا لسه نايم
ضمت هدى كفيها وقالت بإبتسامة عذبة:
– اه بس مكنش نايم فى البيت هنا امبارح يا ماهر ،كان نايم فى الاستراحة
عقد ماهر حاجبيه قائلاً بدهشة :
– فى الاستراحة! أنتى قصدك يعنى أن رائف...
صفقت هدى بيديها وقالت بحماس من فرط شعورها بالسعادة:
– أيوة يا ماهر وحتى طلب منى أن أبعت حد يجيب حاجة مراته علشان تقعد معاه فى الأوضة بتاعته
وضع ماهر يده على صدره وطفق يردد قائلاً:
– الحمد لله الحمد لله أن ربنا هداه وعقل
زفرت هدى براحة وقالت:
– الحمد لله أنا الدنيا مش سيعانى من فرحتى أن ولادى اتجوزوا عقبال ما أفرح بشادى وأشوف أحفادى
أقترب منها ماهر وقبل رأسها قائلاً بحب :
– دا أنتى هتبقى أحلى وأجمل تيتة فى الدنيا دى كلها
ربتت هدى على ذراعيه وهى تطالعه بإبتسامة فردت قائلة:
–حبيبى ربنا ما يحرمني منك ابدا يلا علشان تلحق تفطر وتروح شغلك
تأبطت ذراعه وخرجا من الغرفة ، فهبطا الدرج حتى وصلا لمائدة الطعام الملتف حولها صفية وشادى ورائف وسجى الجالسة بالمقعد المجاور له والذى كان أكرم دائم الجلوس عليه أثناء تناولهم الطعام
فكلما رفعت سجى وجهها لرائف تجده يبتسم لها ، فكأن الإبتسامة لن تغادر ثغره مجدداً ، فألقى والده عليهم تحية الصباح وجلس بمقعده المعتاد
فنظر إليه مبتسماً وقال:
– مبروك يا رائف ألف مبروك يا حبيبى
رد رائف قائلاً بحرج طفيف:
–الله يبارك فيك يا بابا
وزع شادى نظراته بين والده وشقيقه وقال :
– هو أنتوا بتباركوا لأبيه رائف ليه دا أبيه أكرم اللى اتجوز إمبارح
وضعت صفية من الطعام بفمه وهى تقول:
– عادى يا شادى يا حبيبى رائف أو أكرم مش هتفرق الاتنين أخوات ، كل يا حبيبى أنت مش كنت جعان
أبتلع شادى الطعام وترك مقعده قائلاً :
– عقبال ما تباركولى على الدكتوراة كده انا كمان ولما أخد جايزة نوبل ، سلام بقى علشان أنا خارج أشترى شوية حاجات محتاجها للتجارب ، بس مين هيدينى بوسة قبل ما أمشى
قالت هدى وهى تشير إليه بالإقتراب :
– إن شاء الله يا حبيب قلبى نباركلك على الدكتوراة ، وتعالى هات بوسة بس اياك تعضنى أنت فاهم يا شادى
ضحكت صفية على قول هدى فقالت وهى تنظر لشادى :
– شادى لازم يحط الختم بعد البوسة والا كده البوسة متبقاش عجباه
أقترب شادى من والدته ومال إليها وقبل وجنتها ، وبعد إنتهاءه ، نظر لصفية قائلاً :
– ماما لو عضتها هلاقى بابا معلقنى دلوقتى على باب البيت وبيبيع منى بالكيلو ، فأنا بوستها بس حفاظاً على كرامتى اللى ممكن تنهدر من البوب
ضحكوا جميعاً على قول شادى ، فهو دائم المزاح والتفكه ، فبعد إنتهاءه من تقبيل والدته ووالده وجدته وشقيقه ، خرج من المنزل وتبعه ماهر للذهاب إلى عمله ، فعندما حاولت سجى النهوض للذهاب إلى الشقة للإطمئنان بأنها لملمت ثيابها وكتبها قبل نقل الخادمة لها لغرفة زوجها ، وجدت يد رائف تقبض على كفها من أسفل غطاء المائدة ، وكلما حاولت ترك مكانها ، يجعلها تعود وتجلس ثانية ، فأتسعت حدقتيها ونظرت إليه لعله يتركها ، فوجدته يتحدث مع والدته وجدته كأنه لم يفعل شيئاً ، فإستسلمت بالأخير وظلت جالسة حتى أنتهى من طعامه ، فقرر إطلاق سراحها بعدما أخبرته بما تنوى فعله
فخرجت للمنزل وذهبت للشقة ، فقبل إغلاق الباب خلفها وجدت الخادمة تقف على عتبة الباب ، فإبتسمت لها وأشارت لها بالدخول
وصلتا لغرفة النوم فنظرت سجى لحقيبتها وكتبها ، ففضلت أن تحمل أكثرهما وزناً لتخفيف العبء عن الخادمة ، فجرت الحقيبة وحملت القفص الخاص بهرتها وقالت :
– أنا هاخد شنطتى وقفص القطة وأنتى بس لو سمحتى هاتيلى الكتب
ردت الخادمة مبتسمة ومدت يدها لتأخذهما عنها :
– لاء أنا هوصل كل حاجة لأوضة رائف بيه ، أرتاحى أنتى يا ست سجى
قالت سجى برفض قاطع :
– لاء أنا هشيل معاكى ، وأنا مش تعبانة فى حاجة
ألحت عليها الخادمة بترك الحقيبة وقفص الهرة ، فقابلت سجى إلحاحها بالرفض ، فإستسلمت بالأخير وحملت الكتب الخاصة بدراستها ، وسارت بجانبها وهى مبتسمة خاصة أن سيدة المنزل الجديدة والصغيرة ، لن تكون متعجرفة كتلك الفتاة التى كان ينوى رائف الزواج بها سابقاً ، فوصلتا لغرفة رائف ووضعت الخادمة ما بيدها ودارت على عقبيها تتهيأ لمغادرة الغرفة
فقالت بإبتسامة وعفوية :
– أنتى عارفة يا ست سجى أحلى حاجة أنك بقيتى أنتى مرات رائف بيه بدل خطيبته دى واللى كانت حاطة مناخيرها فى السما
توقفت سجى عن إخراج ثيابها من الحقيبة، وإلتفتت برأسها للخادمة وتساءلت بفضول :
– هو أنتى تعرفيها وشوفتيها
أماءت الخادمة برأسها وهى تقول:
– أيوة أعرفها وشوفتها كذا مرة لما كانت بتيجى هنا البيت
قطبت سجى حاجبيها قائلة بإقتضاب :
– وهى جت هنا كمان ، جت كام مرة
زمت الخادمة شفتيها ، كأنها تحصى بخاطرها عدد تلك المرات التى جاءت بها مايا للمنزل فردت بعد هنيهة :
–مش فاكرة الصراحة كام مرة بس كل أجازة لرائف بيه كان بياخدها من شغله كان بيروحلها وهى بتيجى هنا ، بس بينى وبينك مكنش حد من البيت هنا طايق عمايلها لولا أن رائف بيه بس كان متمسك بيها وهيموت عليها
وضعت الخادمة يدها على فمها بعد إدراكها زلة لسانها ، فما الذى هذت به خاصة أن من تحدثها هى زوجة من أتت على ذكره بأنه كان يهيم حباً بخطيبته الأولى
فحاولت ترطيب شفتيها الجافتين بطرف لسانها وقالت بإعتذار :
– أنا أسفة يا ست سجى والله مش قصدى حاجة
حاولت سجى الإبتسام ، فردت قائلة بهدوء:
– ولا يهمك محصلش حاجة ، حصل خير
خرجت الخادمة من الغرفة ، وعلى الرغم من أنها حاولت تفادى الأمر ، إلا أنها عادت لتفكر به ، ولكن جاهدت لتحارب غيرتها التى طفت على سطح وجهها ، فما حدث بماضيه وقبل لقاءه بها شئ خاص به وحده ، ولكن تلك النزعة الأنثوية ، أبت أن يكون قلبه خفق لأنثى غيرها ، حتى وإن صار الأمر بطى النسيان
تركت ما بيدها وجلست على طرف الفراش ، فمررت يدها على إحدى الوسائد الصغيرة ، فبعد أن تحسست قماش غطاءها المخملى ، قربتها من أنفها بعد أن أشتمت تلك الرائحة التى تعلم لمن تكون ، فضمت الوسادة لصدرها وأحنت رأسها على طرفها ، فتلك هى وسادته الخاصة ، فكم تمنت لو كانت الوسادة قادرة على التحدث ، لتسألها عن أسراره المدفونة بين طياتها ، فهى من حملت شكواه ونجواه وأحلامه ، لعلها تطمأنها أنه بات لا يفكر بأنثى غيرها ، وأنه صار يهيم بها عشقاً
❈-❈-❈
نظرت أروى لهاتفها للمرة التى لا تعلمها ، كأنها بإنتظار المستحيل ، فمنذ تركها هى وأبيها المنزل ، ووالدتها لم تكلف نفسها عناء السؤال عنهما ، ولكن مازالت من داخلها تأمل أن تشعر والدتها بالفقد لهما وتحاول إصلاح خطأها بحقهما ، ولكن يبدو عليها أنها ستنتظر للأبد ، فألقت الهاتف من يدها وهى تنفخ بضيق ، فما أصعب شعورها بأنها يتيمة الأم ومازالت والدتها على قيد الحياة ، بل كانت على وشك هدم حياتها وأملها بالإقتران بمن رغب قلبها به ، فما أن جالت صورة هشام بمخيلتها ، حتى أجهشت بالبكاء المرير ، فزاد شعورها بالإختناق ، فقررت الخروج من المنزل عوضاً عن جلوسها بمفردها بعد ذهاب أبيها لعمله
قررت الذهاب لرؤية إحدى صديقاتها ، وما أن أرتدت ثيابها وخرجت من المنزل قابلت والدتها بالشارع ، ظلتا على وضعهما الصامت وكل منهما تحلق بوجه الأخرى بصمت ، تنتظر أروى خطوتها التالية
فهمست أروى بصوت منخفض :
– ماما
لم تنفرج شفتىّ فادية إلا بإبتسامة مقتضبة وهى ترى إبنتها تضم ذراعيها إليها كأنها تشعر ببرد مفاجئ ، فقالت بتهكم :
– أزيك يا أروى على فين العزم إن شاء الله
أزدردت أروى لعابها وردت قائلة :
– كنت رايحة أزور واحدة صاحبتى ، أتفضلى يا ماما
أقتربت منها فادية وقبضت على ذراعها وجذبتها تجاه سيارة فارهة لا تعلم أروى لمن تعود تلك السيارة وهى لم تراها قبل تلك المرة ، فقبل أن تجعلها تستقل السيارة
أزاحت أروى يد والدتها عنها وتساءلت :
– أنتى موديانى فين يا ماما ، وعربية مين دى
إبتسمت فادية قائلة وهى تربت على وجهها ، كأنها باتت تشعر بالحنان تجاهها فجأة :
– تعالى يا حبيبتى أركبى العربية متخافيش ، دى عربية عريسك ، اللى هيعيشك فى عز ونعيم
يتبع...