-->

رواية لا أحد سواك رائفي - بقلم الكاتبة سماح نجيب - الفصل الواحد والعشرون

 

رواية لا أحد سواك رائفي 

بقلم الكاتبة سماح نجيب 




الفصل الواحد والعشرون

" شفاه هجرتها الحياة " 

رواية

لا أحد سواك رائفي 


قبضة يده على ذراعها النحيل جعلتها تجفل من الألم ، ولكنها أبت أن يطفو أنينها على سطح شفتيها ، فرفعت ذراعها الأخر ومدت كفها الرقيق على وجهه ، فهى رآت تلك السحابة من الدموع التى تجمعت بمقلتيه ، وربما هو يريدها أن تترك الغرفة لكى لاتراه يفرج عن دموعه الحبيسة ، التى راحت تهتز بحدقتيه ، كأنها تريد الفرار من محجر عينيه ، فحتى وإن أراد البكاء فليبكى بين ذراعيها ، ولا يجعلها تتركه بأشد حالاته سوءاً ، فكيف ستثبت قوة عشقها له ، إذا لم تكن هى من يلجأ إليها بأوقات حزنه لتخفف عنه 


خانته إحدى الدمعات وأنسكبت على يدها ، فقالت وهى ترنو إليه بحب :

–حبيبى بس أهدى وإسمعنى ، خلينى معاك أعمل اللى أنت عايزه بس خلينى جمبك 


بإغلاقه عيناه إنزلقت دموعه ، فزم شفتيه قائلاً بأمر :

– أنا مش عايز أسمع حاجة وسبينى لوحدى دلوقتى يا سچى أحسن أتصرف تصرف مش هيعجبك وهيزعلك منى صدقينى


أتسعت حدقتيها وهى تقول:

– للدرجة دى يا رائف


زفر رائف قائلاً بنفاذ صبر:

– أيوة فالأحسن تبعدى عنى الساعة دى يا سچى علشان مصلحتك وعلشان ميحصلش ليكى حاجة


ظل صدره يعلو ويهبط من فرط شعوره بالغضب والعصبية ، فمن الأفضل لها أن تتركه وشأنه خاصة الآن ، وليس لشئ إلا من شعوره بالخوف من إيذاءها ، إذا فلتت منه زمام الأمور ، فهى لم تختبر إحدى نوبات غضبه العارمة ، ولا يريدها أن تصاب بمكروه ، فبعد أن أخرجها من الغرفة أغلق الباب ، لكى لايرى دموعها التى رطبت وجنتيها من غزارة تدفقها ، فهو ليس بحال يمكنه من إسترضاءها ، فالندم يتأكله على سماعه لإقتراحها بالخروج من المنزل ، فهاهو قد إستمع لها وعاد بتلك الحالة النفسية العصيبة 


أبت أن تترك مكانها من أمام باب الغرفة ، فهى مازالت تشعر بالذهول من فعلته ، قدميها متيبستان وعيناها متحجرتان ، لا حياة بهما سوى تلك الدموع التى راحت تتساقط منها ، كقطرات الماء من صنبور تُرك مفتوحاً بدون إغلاق 


رآتها ريهام فتعجبت من وقفتها المتحجرة ، فأقتربت منها وهزت ذراعها وهى تقول بقلق :

–سچى أنتى مالك فى ايه واقفة ليه كده وبتعيطى ليه بالشكل ده


ولكن لم ترد سجى جواباً على سؤالها ، فتعاظم شعور القلق داخل قلب ريهام فأستطردت قائلة :

–سچى ردى عليا فى إيه وبتعيطى ليه تعالى معايا نخرج برا فى الجنينة وقوليلى فى إيه وإيه اللى حصل خلاكى بالشكل ده


أخذتها ريهام من مرفقها وخرجتا للحديقة ، فجلستا على إحدى الأرائك الخشبية ، ورفعت ريهام وجه سجى لها وقالت بخوف :

–قولى بقى فى ايه انطقى حرام عليكى بقى يا سچى وقعتى قلبى


ردت سجى قائلة بآلية :

–رائف زعقلى و طردنى من الأوضة ياريهام


تعجبت ريهام مما سمعته فقطبت حاجبيها قائلة بدهشة :

–زعقلك وطردك ليه أنتى عملتى إيه


لم تجد سجى مفر من إخبار ريهام القصة كاملة ، فبعد إنتهاءها من سردها لكل ما حدث ، وضعت ريهام وجهها بين يديها وهى تزفر بإستياء فقالت بحنق :

– يا الله إيه الست دى يا ساتر عليها لسانها ايه ده يا ساتر يارب فى ناس كده ، دى معندهاش دم ولا ذوق


كزت سجى على أسنانها وقالت بغيظ من زوجة أبيها :

– أنا لو أطول كنت قطعتلها لسانها ده يا ريهام ، كانت بتتكلم بكل برود وكأنها فرحانة فيا أو لقت فرصة أنها تجرحنى بيها


أبعدت ريهام كفيها عن وجهها ونظرت لسجى قائلة بإشمئزاز :

–ما أنتى عارفة أنها طول عمرها مش بتحبك ولا كانت بتحب مامتك الله يرحمها وكانت بدور على أى حاجة تضايقكم أو تقرفكم بيها


زفرت سجى زفرات حارقة وعادت عيناها تدمعان ثانية وهى تقول بصوت متحشرج :

– أنا اللى صعبان عليا أنها جرحت رائف بكلامها وأنا اللى ما صدقت أنه أبتدت حالته النفسية تبقى كويسة أهو دلوقتى طردنى من الأوضة و بقى عامل زى الوحش الثائر جوا وعمال يكسر فى كل حاجة


جذبتها ريهام إليها وطوقتها بذراعيها وقالت:

–معلش يا حبيبتى فى اللى عمله هو معذور لما يسمع كلام زى ده وانتى عارفة ان رائف حساس جدا فى موضوع الحادثة دى ومبيحبش حد يكلم  معاه بخصوص الحادثة او اللى حصله


تساقطت دموعها على كتف ريهام فقالت بخوف :

–عارفة يا ريهام كل ده بس هو صعبان عليا عمال يكسر فى الأوضة جوا وخايفة يأذى نفسه من غير ما يحس وأنا مقدرش أعيش من غيره


حاولت ريهام أن تطمأنها فقالت بهدوء :

– إن شاء الله مفيش حاجة هتحصل هو بينفس عن غضبه بالطريقة دى أحسن ما يكتم فى نفسه ويجراله حاجة ، شوية كده وقومى ادخليله يكون بقى هادى شوية وتعرفى تتكلمى معاه


أسرعت هدى بخطاها تجاههما ، فهى بعد سماعها صوت التكسير والتحطيم بغرفة رائف ، راحت تدق الباب لعل أحد يجيبها ولكن لم يأتيها رداً ، فخرجت للحديقة لتنادى الحارس ليقوم بكسر باب الغرفة ، فلا أحد من أبناءها أو زوجها موجود بالمنزل ، ولكن ما أن رآت سجى وريهام ، أنحرف مسار قدميها وأقتربت منهما 


فرمقت سجى قائلة بخوف شديد:

– هو فى إيه اللى حصل يا سجى ، سامعة صوت تكسير جامد جاى من اوضتك انتى ورائف حاولت أدخل لقيت الباب مقفول من جوا ناديت على اللى موجود جوا محدش رد عليا ففى ايه ، ولو اللى جوا رائف بيعمل ليه كده حصل ايه هو كان خارج معاكى كويس ايه اللى حصله


أبتعدت سجى عن ريهام وردت قائلة بغصة مريرة :

– رائف عمال يكسر فى الأوضة جوا يا طنط هدى ،علشان متعصب بسبب كلام مرات بابا ليه ، وعلشان عايرته بعجزه ، شوفناها لما روحت أنا وهو نشوف أروى أختى فجت واحنا قاعدين هناك وقالتله كلام زى السم ومن ساعتها وهو كده ومتعصب بالشكل ده ، مش راضى يهدى حتى طردنى من الاوضه وزعقلى ومرضيش يخليني افضل معاه


أنخرطت سجى بالبكاء ، فأرتمت هدى جالسة بجوارهما بعد سماع ما قالته سجى ، فقالت بصوت شابه الحزن :

–منها لله وتعمل فى أبنى ليه كده ، أنا خايفة ليجراله حاجة حسبى الله ونعم الوكيل فيها ،يعنى احنا ما صدقنا انه ابتدى يبطل عصبية وبقى مبسوط تيجى هى وتعمل فيه كده منها لله الست دى


قالت سجى بشعور قوى بالقهر :

– أنا السبب يا ريتنى ما قولتله أنه ييجى معايا ، بس أنا اللى أصريت كنت عايزة أخليه يخرج من البيت بس رجع حالته النفسية أسوء


تنهدت هدى بقلة حيلة وما لبثت أن ربتت على ظهر سجى قائلة برفق :

–أنتى ملكيش ذنب أنتى تعرفى منين أنها هتعمل كده دى باين عليها ست معندهاش دم ولا إحساس


قالت ريهام ممتعضة :

–دى ست حرباية ومش وراها اللى الهم كانت بتعمل كده فى سچى وطنط نعمة الله يرحمها


–وبعدين فى اللى حصل ده هنعمل ايه دلوقتى

قالتها هدى وهى ترنو بنظراتها العطوفة لسجى ، فربما هى القادرة الآن على إخماد ثورة إبنها ، فلم تخيب سجى رجاء عينيها 


فنهضت من مكانها وهى تقول بإصرار :

– أنا هقوم أدخل أشوف رائف يمكن يكون بقى هادى شوية وأعرف أتكلم معاه


ولجت سجى للداخل ، حتى وصلت أمام باب غرفتها التى تتقاسمها هى وزوجها ، ولكن وجدت هدوء يشمل المكان ، فعلمت أن زوجها ربما أنتهى من إخراج شحنة غضبه ، وأصابه التعب ، ولكن خشيت أن ينطوى هذا الهدوء على شئ أخر ، كإيذاءه لنفسه 


فراحت تدق الباب بإصرار ورجاء:

– حبيبى أفتح أنا سچى علشان خاطرى


ترك مقعده بعد سماع صوتها ، فتح الباب بدون أن يفه بكلمة واحدة ، فترك الباب وعاد لمقعده ثانية ، ولجت سجى الغرفة ، التى لم يترك زوجها بها شئ قابل للكسر أو التحطيم إلا وحطمه إلى قطع صغيرة ، كقطع الزجاج التى دوى صوتها بالغرفة وهى تسير عليها حتى تصل إليه ، فهو لم يرحم الفراش أيضاً ، بل ألقى الأغطية والمفروشات الخاصة به ، وتلك الأرفف الخشبية التى كانت تحمل الكتب ، أصبحت خاوية بعد إلقاءه لها وأستقرت بأحد أركان الغرفة 


لم يكن يعنيها كل هذا ، فكل شئ قابل للإصلاح أو الإستبدال ، إلا هو ، لذلك ظلت عيناها تمسح وجهه وجسده كاملاً لتتأكد خلوه من أى أصابات أو جروح وخدوش ، فما أن هدأ بالها بأنه جسمانياً على ما يرام ، أقتربت منه وجثت على ركبتيها بجوار مقعده ، كان جالساً واضعاً رأسه على طرف المقعد مغمض العينين ، كأنه لا يريد أن يرى ما أحدثه بالغرفة من فوضى ، وأيضاً لكى لا يرى دموعها وحزنها 


أخذت يده بين كفيها وقالت بصوت خافت :

– رائف حبيبى ، انت لسه زعلان منى 


أطلق رائف تنهيدة حارة ورد قائلاً:

– أنا زعلان على نفسى مش زعلان منك ، فلو سمحتى يا سچى سبينى دلوقتى وأبعدى عنى علشان خاطرى لو انتى بتحبينى بجد ، أنا خايف عليكى منى يا سچى


بتردد رفعت يدها ووضعتها على وجنته لعله ينظر إليها قائلة بصوت حانى :

–ليه بس يا حبيبى بتقول كده ، ليه عايز تبعدنى عنك  أنا  متأكدة أنك مستحيل تأذينى يا رائف


أعتدل برأسه المائل فغمغم قائلاً :

– لاء ممكن أاذيكى وأنا مش حاسس فعلشان كده عايزك تبعدى دلوقتى عنى علشان أنا مش هستحمل يجرالك حاجة بسببى أو أكون السبب فى أذيتك ، فسبينى لوحدى 


نهضت من مكانها وجذبت ذراعه وهى تقول:

–بس أنا مش عايزة أسيبك يا حبيبي  ، طب أهدى و تعال نقعد شوية فى الجنينة ، الجو حلو برا


جذب ذراعه من يدها بعنف ورد قائلاً بعصبية :

– أنتى ليه مش عايزة تفهمى ولا تسمعى كلامى خلاص يا سچى أرحمينى بقى بالله عليكى ، وقومى اخرجى وسبينى ، أقولك خلاص أنا اللى هسيبلك الأوضة وأخرج أنا عايز أقعد مع نفسى شوية ومش عايز أسمع صوت أى حد


بحث عن عصاه وسط تلك الفوضى التى عمت الغرفة ، فما أن وجدها حتى ألقى بثقل يده عليها وخرج للحديقة ، فإن كان بالأونة الأخيرة ، كان يجد صعوبة أقل بالمشى ، إلا أن الآن كأن قدميه عادت لسابق عهدها منذ أن إستفاق بالمشفى وعلم أنه صار عاجزاً 


تراخت قدميها وسقطت جالسة بجوار المقعد ، فأسندت رأسها لحافته وعادت تكمل بكاءها ، فكأن تلك الليلة لن تنتهى من ذرفعها للدمعات الحارة ، والتى مزقت شغاف قلبها ، على حال مؤلم بات حبيبها منغمساً بألامه ، رافضاً أن تواسيه ، كوحش أصيب بجراح ثاخنة ، وفضل أن يلعق جراحه بمفرده دون مساعدة من أحد ، ولكن هى ليست كالأخرين ، فهى الأقرب إليه ، وهى من رآت حقيقته مجردة من أى تزييف أو تجميل ، فلما صار الآن متعنتاً برأيه ، ولا يريد إقترابها ، أحقاً يخشى عليها ، أم أنه كبرياءه وعناده يمنعانه من إظهار ضعفه أمامها 


❈-❈-❈


عاد حامد من عمله باكراً ، بعد تلقيه تلك المكالمة الهاتفية من أروى بضرورة عودته للمنزل ، وأخبرته بأن والدتها بإنتظاره ، فلم يمهل نفسه دقيقة واحدة ، حتى عاد للمنزل مهرولاً ، خشية من أن تقدم فادية على فعل شئ أخر بإبنته ، وضع المفتاح بالباب وسرعان ما ولج للداخل ، فوقعت عيناه على زوجته الجالسة بإسترخاء وراحة ، كأنها جالسة بمنزلها


نظرت فادية لحامد بإبتسامة متهكمة ، فهى ستصاب بالجنون من مقدرته على تركها ، وهو من كان يعيش ذليل جمالها ، فقالت بسخرية وهى تطالعه من رأسه لقدميه :

–حمد الله على السلامة يا حامد


أغلق حامد الباب خلفه بعنف قائلاً :

– خير إيه سبب الزيارة السعيدة دى يا فادية ، عايزة مننا إيه تانى ، أنا مش هعديلك موضوع أنك كنتى عايزة تجوزى أروى لراجل كبير في السن 


رفعت فادية حاجبيها قائلة بإستفزاز :

–بلاش يعنى أجى اشوفكم وأطمن عليكم أنت وبنتك ، وزعلان أوى ليه كده ما أنت كنت هتجوز سجى لراجل كبير برضه  ، بس أنت مقولتليش أن جوز بنتك سچى عامل حادثة وبيمشى بعكاز دا أنا كنت فكراه عادى زينا كده يعنى


عقد حامد حاجبيه متسائلاً بدهشة:

– وأنتى عرفتى منين يا فادية أنه عامل حادثة وبيمشى بعكاز


خرجت أروى عن صمتها وردت قائلة وهى تشخص ببصرها لوالدتها :

– سچى وجوزها كانوا هنا يا بابا  من شوية بس ماما قالتله كلام ضايقه اوى، تقريباً كده عايرته بعجزه ، فقام مشى هو وسچى وهم زعلانين


إستشاط حامد غضباً بعد سماع ما قالته أروى ،فأقترب من زوجته قابضاً على ذراعيها بقسوة فصاح بوجهها قائلاً بغضب :

– وأنتى تعملى ليه كده يا فادية ها أنتى إيه خلاص مبتعمليش خاطر لحد ابداً


ردت فادية قائلة ببرود رغم شعورها بالألم:

–وأنا عملت ايه يا أخويا إن شاء الله بقى علشان ده كله


اتسعت طاقتى أنف أروى بغضب وردت قائلة بإقتضاب :

– لا ابداً ولا حاجة عملتى بس الحاجة الوحيدة اللى أنتى بتعرفى تعمليها كويس يا ماما وهى أن تحرجنى الناس وتكسرى بخاطرهم بس 


إلتفتت فادية برأسها لإبنتها قائلة بتحذير :

– إحترمى نفسك يا بت أنتى ولمى لسانك أنتى ناسية إن أنا أمك عيلة قليلة الأدب ومحتاجة تربية من أول وجديد


ردت أروى قائلة بسخرية :

– للأسف فعلا أنك أنتى تبقى أمى


نفضت فادية يديى حامد عنها ، وأقتربت من أروى وجذبتها من شعرها وهى تصرخ بها :

– أنتى عيلة ناقصة رباية وقليلة الأدب وأنا هربيكى بقى يا أروى


لم تكتفى بجذب شعرها بل ظلت تصفعها على وجهها ، فأقترب حامد منهما ودفع فادية بقسوة لتترك أروى ، فأخذ إبنته بين ذراعيه وربت عليها بحنان ، فى حين أنه رمى فادية بنظرات كارهة ، فقال بوعيد :

– متمديش إيدك عليها أنتى فاهمة لو ضربتيها تانى هكسرلك إيدك يا فادية ، الظاهر أنك مبقاش فى حد مالى عينك بس خلاص حامد بتاع زمان خلاص مات دلوقتى أنا هقفلك وأعرفك مقامك كويس يا فادية ومش هخليكى تبوظى حياة بناتى اللى أنتى اتسببتى فى زعل جوز بنتى الكبيرة والله أعلم هو حالته إيه دلوقتى بعد ما سمع كلامك اللى أنا متأكد أنه زى السم بتاع التعابين


تشدقت فادية بكلماتها وهى تشيح بيدها أمام وجهه  :

– لا والله وانت من امتى ليك صوت وبتعلى صوتك عليا يا حامد نسيت نفسك ولا ايه ، أما نشوف يا حامد هتعمل ايه بسلامتك ان شاء الله


ترك حامد إبنته ، ورفع يده ليهوى بها على وجهها بصفعته الأولى لها منذ زواجهما ، فقال بغيظ تكتل بين جنبيه من أفعالها :

–هعمل كتير أوى وأولها أنك طالق بالتلاتة يا فادية


وضعت فادية يدها على وجنتها ونظرت إليه قائلة بذهول:

– بتضربنى وكمان بتطلقنى يا حامد


رد حامد قائلاً بإشمئزاز من رؤيته لوجهها :

–ياريتنى عملت كده من زمان وأرتحت وريحت اللى ظلمتهم معايا بسببك ، ونعمة  اللى ماتت وهى زعلانة منى حتى لما جت تموت مأمنتش على بنتى معايا وأختارت أنها تقعد عند ناس أغراب علشان تبعدها عنك علشان كانت عرفاكى كويس واحدة مبتحبش الخير لحد ولا بيهمها حد الا مصلحتها حتى كنتى عيزانى ارميها لراجل كبير يتجوزها علشان خايفة على نفسك للورشة تتقفل وبيتك يتخرب فحبيتى تضحى بيها وأنا للاسف مشيت وراكى وسمعت كلامك لحد ما بنتى كرهتنى وبقت تعتبر أهل جوزها هم أهلها مش أنا


تتابعت أنفاس فادية وهى تقول بغيظ :

– خلاص الورشة دى  يا عنيا متعتبهاش تانى أنت فاهم علشان هى بإسمى يا روحى والبيت كمان 


أشاح حامد بيديه قائلاً ببرود :

–فى ستين داهية أشبعى بيهم مش عايز منهم حاجة ولا عايز منك حاجة ولا عايز أشوف وشك تانى


خرجت فادية من المنزل وكأن الشياطين كلها تتبعها ، فمنذ سماعها بكلمة الطلاق من حامد ، وهى باتت تتوعد له بالويل والخراب ولن تهدأ قبل أن تجرده من كل ما كان يملكه 


بعد خروجها أرتمى حامد جالساً على الأريكة ، فجلست أروى بجواره قائلة بنهنهة :

– بابا أنا...


لم يدعها تكمل قولها ، فربت على يدها قائلاً بصوت هادئ :

–متقوليش حاجة يا بنتى جايز كده أحسن يا أروى ، أمك مبقاش منها أمل أن ينصلح حالها ، وأنتى شايفة معاملتها ليكى وليا واللى حواليها عاملة إزاى


قالت أروى وهى تجفف عبراتها:

–بس هتعمل ايه يا بابا فى موضوع الورشة ده ، طب البيت والحمد لله فى عندك البيت اللى إحنا عايشين فيه ده بس الورشة دا أنت من زمن وأنت عمال تكبر فيها لحد ما بقت أشهر ورشة فى المنطقة


أجابها حامد بعدما ضم كفيه ووضعهما أسفل ذقنه بعدما أرتكز بمرفقيه على ساقيه :

– أنا معايا قرشين هبتدى بيهم من جديد بعيد عن أمك واللي كان بيتعامل معايا فى الورشة دى هيتعامل معايا فى الورشة الجديدة بس المرة دى هكون مرتاح لأنها مش هتبقى ملك حد غيرى


هدأ بالها قليلاً فردت قائلة:

–مش عارفة اقول إيه يا بابا او أعمل إيه


إبتسم بوجهها قائلاً برفق :

– متقوليش ولا تعملى حاجة يا أروى جايز لما أمك تبعد عننا حالنا ينصلح أنتى شايفة معاملتها لينا عاملة إزاى دلوقتى إن شاء الله ممكن تتجوزى هشام وأنا ابتدى شغلى من جديد وأكفر عن ذنبى فى حق سچى هى كمان علشان ربنا يسامحنى


تذكرت أروى أمر زوج شقيقتها ، فقالت برجاء :

–اه يابابا دى مشيت من هنا هى وجوزها وهم زعلانين أوى والله صعبت عليا وخصوصاً جوزها بعد ما سمع كلام ماما ليه  ، أنت مشفتش شكله يابابا لما سمع كلامها قام وقف مرة واحدة ومشى بسرعة بس كان باين على وشه انه أضايق جامد ، كنت عايزة اكلم سچى اطمن عليها بس مش بترد على التليفون حاولت ارن كذا مرة بس مفيش رد ، أبقى تعال يا بابا نروح نشوفها ونطمن عليها


وضع حامد رأسه بين يديه قائلاً :

– أكيد يا بنتى أضايق دى حاجة تضايق أى حد وخصوصاً إن أنا عارف كلام أمك ، وجايز سجى لسه زعلانة من اللى حصل لجوزها ، فإن شاء الله نروح نزورهم يا أروى ونعتذرلهم 


أبتسمت أروى من بين دموعها ، فعلى الرغم من أن أبيها منح والدتها الطلاق منذ دقائق ، إلا أن من داخلها لم تشعر بالحزن لهذا الأمر ، فهى إنتظرت كثيراً أن تعاملها والدتها بشئ من الحنان والإنسانية ، ولكنها أصرت على بناء جدران وجسور من الجفاء بينهما ، ولكن أولاً وأخيراً هى من أنجبتها ، لذلك ستحاول قدر إستطاعتها السؤال عنها عملاً بوصية النبى الكريم ، لعل والدتها ينصلح حالها بيوم من الأيام ، وحتى لا تشعر بوقوع ذنب عدم بر الوالدين على عاتقها 


❈-❈-❈


صف أكرم سيارته بالمرآب بعد عودته من المشفى ، وبأثناء مروره من الحديقة ، رآى رائف جالساً بمفرده ، ولكن دلت ملامح وجهه على أنه يشعر بالضيق ، أو أن هناك أمر يزعجه ، فهو لم يعتاد رؤيته هكذا منذ إتمامه لزواجه من سجى ، بل دائماً ما كان يراه جالساً برفقتها وهو مبتسم المحيا ، بل أنه عاد يمزح مع الجميع كعهده بالسابق ، ولكن ذلك التجهم الذى يراه على وجهه أنبأه بأن ربما صار شئ أساء إليه 


فأقترب منه قائلاً بإهتمام :

–السلام عليكم ، مالك يا رائف قاعد ليه كده لوحدك ، أنا أتعودت أشوفك قاعد مع مراتك ، فى حاجة حصلت بينك وبين سچى يا رائف او حاجة ضايقتك


تنفس رائف بعمق ورد قائلاً بهدوء :

–وعليكم السلام ، هى حاجة غريبة يعنى أن اقعد لوحدى يا أكرم ، عادى مفيش حاجة حصلت ما بينا إحنا كويسين


قال أكرم وهو يحدق به بإهتمام ، علاوة على أنه لم يقتنع بما أخبره به :

– أنا مش هضغط عليك علشان أعرف بس لو أنت فى حاجة مضيقاك ممكن تقولى أنا اخوك يا رائف


أشاح رائف بوجهه عن شقيقه قائلاً :

– عارف يا أكرم بس أنا عايز أقعد لوحدى شوية ممكن ، عايز أفضل هنا فى الهوا شوية ، أتفضل أنت أدخل تلاقيك راجع من شغلك مرهق


أعلن رائف نهاية الحديث بينهما ، فتركه أكرم ودلف للمنزل ، فصعد الدرج بخطوات سريعة حتى وصل لغرفته ، فربما زوجته تعلم ما حدث لشقيقه ، فتح الباب وولج للداخل 


فما أن رآته ريهام ، تركت مكانها وأقتربت منه قائلة :

–حمد الله على السلامة يا حبيبى


تلاحم حاجبيه متسائلاً بقلق:

–الله يسلمك يا حبيبتى ، ريهام هو فى حاجة حصلت لرائف النهاردة ، أنا أتكلمت معاه بس رافض يقولى فى إيه فبسألك لو أنتى عارفة إيه اللى حصل وسچى قالتلك


زفرت ريهام وردت قائلة بحزن لحال صديقتها:

–هو خرج مع سچى النهاردة راحوا يشوفوا أختها قابلوا مرات أبوها هناك وعايرت أخوك بعجزه يا أكرم


نفخ أكرم قائلاً بغيظ :

–يالله وهى إزاى تعمل كده دى باين عليها ست قليلة الذوق ، الله يخرب بيتها بقى احنا ما صدقنا ان رائف حالته النفسية اتحسنت جت هى ونيلتها أكتر


أقتربت منه ريهام وألقت برأسها على صدره قائلة :

– دى قليلة الذوق فوق ما تتصور يا أكرم ومن ساعة ما رجعوا أخوك دخل أوضته خلاها دمار وزعق لسچى ومبيتكلمش مع حد خالص زى ما أنت شايفه كده ومامتك ما صدقت يخرج من الأوضة علشان ينضفوها ، انت مشفتش كمية الازاز اللى متكسرة فى الاوضة ولا البهدلة اللى كانت الاوضة فيها ، وسچى كمان مش مبطلة عياط يا أكرم


ضمها إليه قائلاً ، يشعر بعجزه عن إيجاد حل لصرف غضب وحزن شقيقه :

–مش عارف أعمل ايه أنا دلوقتى يا ريهام


قالت ريهام وهى تزفر من أنفها تشعر بالحيرة :

–العمل عمل ربنا بقى ربنا قادر على كل شيء


ظلا متقاربان لمدة لم يحسن أى منهما حسابها ، فكأن كل منهما يدور بفلك عقله العديد من الأفكار ، فأكرم أختص فكره بشقيقه ، فهو يعلم طباع أخيه عن ظهر قلب ، ويعلم أن ذلك الأمر سيترك بصمته على جدران قلبه ، وأنه لن ينسى الأمر بسهولة ، حتى وإن عاد يتحدث معهم ، فمتى ينتهى كل هذا ؟ ويأتى موعد تلك الجراحة المقرر خضوع رائف لها ، فكأن الأيام تسير ببطئ مرهق للأعصاب ، حتى وإن كان دائماً ما يفتعل السعادة والمزاح مع رائف ، إلا أن من داخله يشعر بالخوف الشديد من أن تخفق كل تلك الآمال التى زرعها بنفسه من أنه بعد إجراءه لتلك الجراحة ، سيعود صحيح الجسد مرة أخرى 


❈-❈-❈


بعد مرور يومان 

تركت سجى الفراش من أجل الذهاب للمرحاض ، فصوت المنبه دوى صوته كثيراً لينبأها بضرورة ذهابها للمشفى التى تنهى بها التدريب ، ولكن ظلت واقفة مكانها وهى تنظر لزوجها المستلقى على بطنه حريص على إخفاء وجهه عنها ، فمنذ ما حدث وكل منهما ينام بعيداً عن الأخر ، فرائف ما أن يستلقى على الفراش ، يوليها ظهره ويتمدد على بطنه ، كأنه بذلك يقطع الأمل لديها بأن يقترب منها ، فدارت حول الفراش وجلست القرفصاء بجوار السرير ، تأملت وجهه وخصيلاته السوداء ، فبحرص رفعت يدها ومسدت على رأسه 

لم يكن غافياً ، ولكن فضل أن يتركها تظن أنه نائم ، فبعد برهة  نهضت من مكانها ووضعت قبلة على رأسه وذهبت للمرحاض 


فبعد ذهابها فتح عيناه هامساً :

– أنا أسف يا حبيبتى


سحب وسادة أخرى ووضعها على رأسه ، فهو لم يعد يحتمل ما يشعر به ، كأنه تم إلقاءه بالجحيم المستعر ، وعليه أن يتلظى بنيرانه دون السماح له بالإعتراض 

خرجت سجى من المرحاض وذهبت لغرفة الثياب وأرتدت ثيابها ، فبعد أدائها لفرضها أخذت حقيبتها وهاتفها وألقت على زوجها نظرة خاطفة قبل خروجها من الغرفة ، وجدت ريهام بإنتظارها بجوار تلك السيارة المخصصة لهما بالذهاب للجامعة أو المشفى 


سمعت سجى رنين هاتفها فأخرجته من حقيبتها ، وجدت أن المتصل بها بهذا الوقت الباكر شقيقتها أروى ، ففتحت الهاتف بسرعة وردت قائلة:

– ألو أيوة يا أروى خير بترنى عليا الصبح بدري ليه كده ، خير أنتى كويسة 


أجابتها أروى محاولة منها أن تطمأنها بعد سماع صوتها المرتجف :

– أنا يا حبيبتى كويسة الحمد لله أطمنى ، أنا بس أتصلت علشان أتأسفلك على اللى حصل ، لأن تليفونك كان مقفول اليومين اللى فاتوا ، فأنا أسفة يا سجى على اللى حصل من ماما 


ردت سجى قائلة بهدوء :

– أنتى ملكيش ذنب يا أروى فى حاجة


أزدردت أروى لعابها ، تشعر كأنه جمر الجحيم ، فقالت بصوت خافت :

–حتى بابا لما عرف اللى حصل زعل وزعقلها حتى هو كمان طلقها


رددت سجى الكلمة بدهشة :

–طلقها !


ردت أروى قائلة وصوت تنهيدها وصل لمسامع شقيقتها :

– أيوة وقالى أنه عايز يكفر عن ذنبه فى حقك يا سچى وعايزك تسامحيه ، فأنا وبابا كنا عايزين نيجى نشوفك ونعتذر لجوزك على اللى حصل


تنفست. سجى بعمق وقالت معتذرة :

–بلاش اليومين دول يا أروى لأن رائف نفسيته تعبانة ، ورافض يقابل أو يتكلم مع حد ، إن شاء الله لما الأمور تتحسن أبقوا شرفونى 


بعد إنهاءها للمكالمة بينها وبين شقيقتها ، ذهبت هى وريهام للمشفى ، فلم تجد سجى رغبة بفعل شئ ، فأعتذرت وذهبت لتلك الحجرة التى تجلسان بها فى أوقات الراحة 


فجلست واضعة رأسها بين يديها ، فسمعت صوت ريهام التى أسرعت باللحاق بها :

–سچى روقى بقى كده ، هو لسه رائف مبيتكلمش معاكى


ضغطت سجى بأناملها على عينيها لعلها تمنع تجمع الدموع بها وردت قائلة بمرارة :

– أعمل إيه بس يا ريهام أديكى شايفة اللى أنا فيه ، هو لا راضى يتكلم معايا ولا بيتكلم مع حد خالص ساكت زى ما أنتى بتشوفيه كده ، وفى كذا جلسة علاج طبيعى المفروض يعملهم ، رافض الموضوع نهائياً، رافض أنه يعمل أى حاجة خالص


ربتت ريهام على ظهرها فقالت محاولة منها أن تواسيها :

–معلش يا حبيبتى أزمة وتعدى إن شاء الله


رفعت سجى عينيها الدامعتان لها وهى تقول :

– أمتى ياريهام بس وأنتى شايفة رائف عنيد وصعب إزاى


حاولت ريهام الإبتسام فلم تفلح بذلك ، فقالت بحنان :

–بس انتى مراته وهو بيحبك وانتى بتحبيه فهتقدروا تعدوا المحنة دى


وضعت سجى يدها على فمها وحملقت بالأرضية الرخامية ، فخرج صوتها خافتاً وهى تقول:

–يعنى المفروض دلوقتى أنه ينهى جلساته علشان خلاص مبقاش فى وقت كتير وهيسافر يعمل العملية ، بس رافض يعملهم ، أنا حاسة أنه بيموت نفسه بالبطئ يا ريهام 


قالت ريهام وهى تمسح على رأس سجى بحنان :

–ان شاء الله ربنا هيشفيه والعملية تنجح ويرتاح من ده كله ، وأنتى كمان ترتاحى ، أهم حاجة حاولى تهدى اعصابك أنتى كمان شوية 


رفعت سجى يديها بوضع الدعاء قائلة:

– يارب يا ريهام يارب ، المهم عندى هو يا ريهام ، بس أقولك  قومى نشوف هنعمل إيه أحسن أنا خلاص مبقتش قادرة عايزة أى حاجة تخلينى أنسى اللى أنا فيه لأن انا حاسة أن عايزة أصرخ بصوت عالى لحد ما صوتى يروح من كتر الوجع اللى فى قلبى


نهضت ريهام وأخذت يدها قائلة :

–يلا بينا يا حبيبتى تعالى نكمل التدريب


وصلتا لتلك الغرفة التى يمكث بها طفلة صغيرة ، تعانى من آثار حادث أليم ، أدى لعجزها عن السير أو تحريك ذراعيها ، فعوضاً عن قيام سجى بعملها ، جلست بجانب الصغيرة وأخذتها بين ذراعيها وبدأت تبكى ، حتى أسترعت إنتباه زملائها والطبيب المسؤول ، فلا أحد يعلم أسباب فعلتها تلك سوى ريهام ، التى حاولت إعادة تركيزها ، فجذبت طرف حجابها ، لعلها تنتبه على ما تفعله ، خاصة أن جميع من بالغرفة ينظرون لها نظرات مبهمة ، فتلك ليست المرة الأولى التى ترى بها أحد مصاب ، فهى الأمهر بين زملاءها بشهادة الأطباء ، ولكن لما تركت عاطفتها بالشفقة تظهر الآن ، فبعد إنتباهها لما تفعله ، تركت الصغيرة ووقفت بجوار ريهام وهى تحاول إخفاء وجهها عن تلك الأعين التى ترصدها بفضول ، فإن لم يكن وجودها ضرورياً لكانت تركت المشفى وعادت لزوجها ، فكم إشتاقت لدلاله لها ، الذى لم تنال منه شيئاً باليومين الماضيين 


❈-❈-❈


لم يغمض لها جفن منذ تلك الليلة ، التى منحها بها حامد الطلاق ، فنيران الغضب والغيظ منه تأكلت قلبها ، حتى لم تعد تهنأ بنومها ، بل ظلت تحيك بخاطرها العشرات من خطط الأنتقام ، فهى لن تمرر الأمر بتلك السهولة التى يظنها ، فإن كانت لم تبدى إعتراضاً على الطلاق بوقتها ، إلا أنها الآن تقسم على أن تذيقه ويلات إنتقامها منه ، بل ستجعله يعض أنامله من الندم ويأتيها راكعاً معتذراً عما بدر منه بحقها 


فدمدمت وهى شاخصة ببصرها لصورته المعلقة على الجدار:

–ماشى يا حامد أنا هحرق قلبك على الورشة اللى أنت طول عمرك تعمل وتكبر فيها هبيعها وأحرق قلبك عليها يا حامد


تناول مزهرية صغيرة وألقتها على إطار الصورة فتهشم الزجاج وسقطت على الأرض ، دعستها بقدميها ، كأنها بذلك تنفس عن غيظها منه .

ذهبت لغرفتها وأرتدت عباءتها السوداء وحجاب بلون مماثل ، خرجت من المنزل وهى تعلم وجهتها التى ستقصدها ، والتى لم تكن سوى متجر أحد الرجال المنافسين لحامد بصناعته 

وصلت إلى المتجر ، ونادت لذلك الرجل ، الذى كان يبدو أنه منهمكاً بعلمه ، فهو أكثر الرجال كرهاً لحامد ، فبعد ندائها له ترك ما بيده وخرج إليها مقطباً جبينه بدهشة من رؤيته لها 


فهتف بها قائلاً كما أقتضاه الذوق :

–وعليكم السلام أهلا يا ست فادية اتفضلى


سحب مقعد خشبى ووضعه بجانبها وأكمل حديثه :

– أتفضلى أقعدى تحبى تشربى حاجة 


ربتت فادية على صدرها بشكر وهى تقول:

– يزيد فضلك يا معلم أنا كنت عيزاك فى موضوع مهم يا معلم منير


أنصت إليها قائلاً بإهتمام :

– خير يا ست فادية قولى 


أشارت فادية بالجلوس وقالت بإبتسامة :

– طب أقعد يا معلم ، على العموم أنا جاية أعرض عليك إن تشترى الورشة بتاعة حامد


نظر إليها مقطباً حاجبيه متسائلاً:

–هو عارضها للبيع ليه ولا إيه ؟ أنا مسمعتش عن حاجة زى دى


ردت فادية قائلة ببرود :

–هى الورشة باسمى وإحنا خلاص كل واحد راح لحاله وأنت عارف أن أنا ست ومش هعرف أشغل الورشة فقولت لو أنت حابب تشتريها مفيش مانع 


تهللت أساريره من قولها ورد قائلاً:

– أوى أوى يا ست فادية عايزة فيها كام


ألتمعت عينىّ فادية ببريق الشماتة لخسارة حامد لمصدر رزقه فقالت بثقة :

– إحنا نسأل ونشوف الأسعار إيه وبعد كده نتفق ونعمل عقود البيع أنا عايزة نخلص الموضوع فى يومين بالكتير 


ربت الرجل على عنقه وهو يقول :

–خلاص يا ست فادية اللى تأمرى بيه ورقبتى سدادة 


قالت فادية وهى تترك مقعدها تتأهب للذهاب :

–تعيش يا معلم وعن أذنك دلوقتى


ذهبت فادية بينما ظل الرجل مكانه ينظر لأثرها بفرحة عارمة ، فما كان يريده سيحصل عليه ، فتجارة حامد الرائجة بالأونة الأخيرة ، تسببت بكساد تجارته ، فكم من مرة ألح على حامد بمشاركته ، ولكن دائماً ما يقابل طلبه بالرفض ، أما الآن فسيصبح هو المالك الجديد ، ولن ينافسه أحد بتجارته 

سار عدة خطوات حتى وصل لمتجر حامد المغلق منذ عدة أيام ، ولم يكن يعلم لما هو مغلق ، فربما علم السبب الآن ،  ولكن هو لا يعنيه كل هذا ، فما يعنيه هو الحصول على المتجر وكفى به غنيمة من عدو لدود ، رآى أنه كان عائقاً بطريق إنتشار تجارته والحصول على الرزق الوفير


❈-❈-❈


ثوب جديد من أجل أمسية جديدة ، ستقضيها برفقة خطيبها وأصدقاءها ، فهى لا ترى والديها إلا نادراً ، فأوقاتها مقسمة بين النادى الرياضى والنوادى الليلية والسفر خارج البلاد والتسوق ، كأنها تحيا بلا هدف ، يكفيها أنها تحيا ببذخ وثراء أرتدت ثوبها العارى الكتفيين والظهر ، به فتحة تصل لمنتصف فخذها ، كإنها إحدى الغوانى ، ولكنها لا تنظر للأمر هكذا ، فتلك هى الحرية والتمدن والثياب العصرية ، غافلة عن أنها كاسية عارية ولا يسترها شئ من ثوبها الفاضح ، تأملت هيئتها بالمرآة ، ولكن لا تعلم لما رآت وجه رائف بالمرآة كأنه ينظر إليها غاضباً مما ترتديه ، مثلما كان يفعل معها دائماً 


مدت يدها كأنها تريد لمس وجهه ، ولكن رنين هاتفها المستمر جعلها تخرج من شرودها ودوامة أفكارها ، أخذت وشاح من الفراء ، ووضعته حول كتفيها وخرجت ، فربما هانى ينتظرها بالأسفل ، وصلت لسيارته وأخذت مكانها بالمقعد المجاور له 


فأطلق هانى صفيراً عالياً قائلاً بإعجاب :

– واووووووو إيه الجمال ده كله 


أهدته مايا إبتسامة فاترة وردت قائلة:

– شكراً يا هانى يلا بينا 


أنطلق هانى بالسيارة حتى وصلا لأحد النوادى الليلية المقام بها حفل ذكرى يوم مولدها ، وجدت أصدقاءها يصفقون وهى تقترب منه متأبطة ذراع هانى ، فشق عليها الإبتسام ، أو الرد على التهانى والمباركات من الحاضرين ، مكتفية بإبتسامة مقتضبة وإيماءة خفيفة من رأسها 


أشعل هانى الشموع ونظر إليها قائلاً :

– يلا أتمنى أمنية يا مايا وطفى الشمع 


أغمضت مايا عينيها وهمست بقرارة نفسها:

– وحشتنى يا رائف ، أه لو أرجع أشوفك تانى 


فتحت عيناها وأطفأت الشموع وصفق الحاضرين ، وبعد تقطيع قالب الحلوى دعاها هانى للرقص ، فأخذها من يدها ووضع يديه حول خصرها وبدأ يتمايلان سوياً على أنغام الموسيقى الناعمة 


فهمس بأذنها قائلاً:

– كل سنة وأنتى طيبة يا حبيبتى ، وعيد ميلادك الجاى هنكون متجوزين 


أتسعت حدقتيها كأنها شعرت بالفزع فجأة من كونها ستصبح زوجته ، فتعللت لإنهاء رقصتهما وهى تقول:

– هانى معلش يلا نقعد دماغى مصدعة شوية 


عادا وجلسا حول تلك الطاولة التى جلس حولها وائل وعدة فتيات ، فبدأ هانى حديثه مع فتاة جالسة بالقرب منه ، حتى أنتبه على صمت مايا الغير معتاد منها ، فلمس يدها وهو يقول بإهتمام :

_ فى إيه يا مايا ، بتفكرى فى إيه ، شكلك كده فى حاجة مش موضوع صداع ده


إبتسمت مايا له محاولة منها لإلهاءه عنها ، فردت قائلة برقة ونعومة :

–معلش دماغى مشغولة شوية ، عادى يا حبيبى بفكر فيك هكون بفكر فى مين يعنى ، هو فى حد واخد قلبى وعقلى غيرك


صفق وائل بيديه قائلاً:

–يا سلام على الحب والرومانسية جوز كناريا يا أخواتى 


قالت مايا وهى ترمقه بنظرة باردة :

– متحسدناش يا وائل بقى ، شوف حد غيرنا وإحسده


ضمها هانى إليه وهو يشير بيده قريباً من وجه وائل :

– اه يا وائل أحسن عينك ترشق فينا 


أبتسم وائل قائلاً بسخرية :

– هو الفرح بتاعكم أمتى بقى إن شاء الله 


ردت مايا قائلة وهى تأمل تأخير المهندس بإتمام عمله بالمنزل الذى من المفترض يتزوجان به :

–هانت بس المهندس يخلص الفيلا الأول علشان نتجوز


إبتسم لها هانى قائلاً وهو يناولها أحد الورود الحمراء الموضوعة على الطاولة :

–أنا روحت ليه النهاردة هو خلاص فاضل حاجات بسيطة ويخلص يعنى ممكن أسبوع كده ونستلمها 


–ماشى تمام

قالت مايا بإبتسامة توارى خلفها إرتجاف صوتها ، فهو أطفأ شعلة الأمل لديها بأن ربما سيستغرقان وقتاً طويلاً فى إستلام منزل الزوجية 


أحست بالإختناق فجأة ، فهبت واقفة وأخبرت هانى بضرورة عودتها لمنزلها ، بعد أن أشتدت ألام رأسها ، وما كان ذلك إلا حجة واهية منها ليعيدها للمنزل ، فعقلها الذى بات يقارن بينه وبين رائف ، لم تعد تحتمل طنين وساوسه ، فالأفضل لها أن تعود لمنزلها ، لعل جلوسها بمفردها سيجعلها تزن الأمور بحكمة ، عوضاً عن تخبط مشاعرها ، وإلحاح وساوسها عليها بأن تترك هانى ، مبررة الأمر أنه ليس الرجل الغيور على خطيبته ومن ستسمى زوجته ، ولكن هذا ما كانت تكرهه بأفعال رائف معها ، فلما هى الآن باتت تريد زوج غيور 


❈-❈-❈


جالسون حول مائدة الطعام وكأن على رؤوسهم الطير ، فلا أحد منهم بنيته أن يكسر حاجز الصمت ، الذى خيم عليهم ، لايسمع صوت إلا أصوات الملاعق ، فرائف يعبث بطبق طعامه ، الذى لم يمس جوفه ، كأنه زاهداً بالطعام ، ينظر بطرف عينيه لزوجته الجالسة بالمقعد المجاور ، وهى تحاول جاهدة إبتلاع طعامها ، فعلى حين غرة نظرت إليه وتقابلت أعينهما بنظرة خاطفة ، ولكن أشاح بوجهه عنها ، فعادت تنظر لطبقها ودموعها تلح عليها بالفرار من عينيها ، حمدت الله أن وقت العشاء قد أنتهى ، فهى باتت قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار الحتمى نتيجة لتلك الضغوط النفسية التى تشعر بها 


ولكن ألحت عليها هدى بالجلوس معهم ، فهى لاتريدها أن تعتكف بالغرفة وتظل الدموع رفيقتها ، فبعد أن جلست بجوارها سمعت صوت والد زوجها يقول :

–خلاص ان شاء الله هنسافر المزرعة بكرة ، أبقوا جهزوا شنطكم بقى


ردت هدى قائلة بهدوء مميت :

– إن شاء الله يا حبيبى ، وتبقى أجازة سعيدة علينا كلنا 


حاول شادى أن يمزح معهم ، لعله يضفى جو من المرح على  جلستهم الكئيبة ، فنظر لريهام ممازحاً:

–يلا يا ريهام علشان تروحى تركبى الحمار زى ما كنتى عايزه 


إبتسمت ريهام بدون مرح قائلة :

–هيبقى شكلى تحفة أوى يا شادى بس أوعى يكون فى ترعة ولا حاجة يوقعنى فيها وأموت غريقة


ردت صفية قائلة وهى تنظر لها بحنان :

–بعد الشر عليكى يا حبيبتى ، بس أه فى ترعة فحاسبى بقى ، وانتى يا سچى يا حبيبتى بتحبى الفطير هناك بيعملوه حلو اوى وهيعجبك


قالت سجى وهى ترنو إلى زوجها بوداعة :

– أيوة يا تيتة بحبه ، بحبه أوى 


أرادته أن يخرج عن صمته ، الذى تسبب بحزنهم جميعاً ، فعندما قرر أن يتحدث معهم لم يفه سوى بجملة واحدة :

–عن أذنكم علشان عايز أرتاح شوية تصبحوا على خير


لم ينتظر سماع رد أحداً منهم ، بل أسرع الخطى للذهاب إلى غرفته ، فما أن أغلق الباب خلفه ، حتى زفر أكرم زفرة مطولة وهو يقول:

–وبعدين فى رائف كده مش هينفع اللى هو بيعمله ده


أجابته سجى وهى تغلق عينيها بتعب وإرهاق :

– تعبت يا أكرم دا رجع أسوء من الأول حتى أنا رافض يتكلم معايا ولا يخلينى أعمله الجلسات كمان


رد ماهر قائلاً:

–معلش يمكن لما نروح المزرعة يفك شوية وحالته النفسية تتحسن


قالت هدى بعدما أطلقت تنهيدة عميقة :

–يارب يا ماهر احسن انا خلاص قلبى مبقاش ناقص وجع اكتر من اللى هو فيه وانا شيفاه وهو بالشكل ده


رمقها شادى قائلاً بحزن لحالها وحال شقيقه :

– سلامة قلبك من الوجع يا ماما


نظرت صفية بوجوههم تباعاً وهو تقول :

– إن شاء الله ربنا هيفرجها وكله هيعدى 


إستقامت ريهام بوقفتها وهى تقول :

– إن شاء الله عن أذنكم تصبحوا على خير 


نهض أكرم هو الأخر وأخذ زوجته وصعدا لغرفتهما ، فتفرق الجالسين كل منهم ذهب لغرفته ، ووقفت سجى أمام غرفتها ، كأنها تخشى الدخول ، فالهجر بينهما قد طال ، ولم يعد بإمكانها أن تكون قريبة منه ، وبذات الوقت كأنه على بعد ألاف الأميال منها ، بالأخير حسمت أمرها وولجت بخطى رتيبة ، وجدته سبقها إلى الفراش بعدما أبدل ثيابه ، بثياب أكتر راحة 


أقتربت من الفراش وقالت بنبرة حنونة :

– حبيبى محتاج حاجة أجبهالك قبل ما أنام


هز رأسه قائلاً بنفى :

– لاء شكراً مش عايز حاجة ، تصبحى على خير 


ردت سجى قائلة بخفوت بعدما أغمض عينيه وأستلقى على شقه الأيمن كعادته كل ليلة :

–وأنت من أهله يا حبيبى


ذهبت لغرفة الثياب وخلعت عنها ثوبها وحجابها ، ووقفت أمام المرآة بثوب قصير كانت ترتديه أسفل ثوبها الطويل ، نظرت لوجنتها الشاحبتين وشفتيها اللتان فقدتا لونهما ، وعيناها الغائرتان ، كأنها تنظر لشبح ، فتلك التى تراها بالمرآة لاتمت بصلة لتلك الفتاة ، التى كانت تشع ببريق السعادة منذ أيام 


وضعت كفيها على فمها لتكتم صوت بكاءها وشهقاتها ، فخرت جاثية على ركبتيها وأحنت جزعها العلوى وصوت أنينها يمزق نياط القلوب ، ولكن خانها صوتها وباتت نهنهاتها مسموعة 


– سجى فى إيه 

قالها رائف وهو يقترب منها ، فهو سمع صوت بكاءها المكتوم ، كأن أدركها الغرق و تنازع للبقاء 


رفعت سجى وجهها له ، فما لبثت أن مدت ذراعيها كأنه تطلب منه العون والمساعدة ، على الفور كان جالساً على الأرض  أمامها ، فراح يمحى عبراتها وقبض على رأسها بكلتا يديه قائلاً بلهفة وقلق:

– فى إيه يا حبيبتى أنتى وقعتى ، فيكى إيه يا سجى ردى عليا ، بس يا سچى متعيطيش علشان خاطرى ، الدموع اللى على وشك دى ليه طيب


ردت سجى قائلة بأنين :

–مفيش حاجة أنا كويسة


أبتسم رائف بألم قائلاً:

– كده وكويسة ، بتضحكى عليا ولا على نفسك يا سجى 


هتفت به وهى تضع رأسها على صدره:

– أنا عايزة أنام يا رائف


ليته كان قادراً على حملها والذهاب بها للفراش ، ولكن ما يستطيع فعله هو النهوض وأخذه بيديها لتستقيم بوقفتها ، فعادا للغرفة ، وأرتمت سجى على الفراش وضمت ركبتيها لصدرها ، كأنها تشعر ببرد شديد


فجذب رائف أغطية الفراش ودثرها بها وهو يقول :

–خلاص نامى وأرتاحى يا حبيبتى ومتعيطيش أنا عارف إن أنا وجعتك وزعلتك


غمغمت سجى بصوت خافت :

– هتخلينى أنام فى حضنك ولا هتبعدنى عنك تانى يا رائف


رقد بجوارها وجذبها إليه قائلاً بحنان:

– هسيبك تنامى فى حضنى بس حاسس إن أنا تعبان أوى يا سچى ونفسى أرتاح من ده كله تعبت مش قادر


وضعت ذراعها حوله وهى تقول بحب :

–بعد الشر عليك يا حبيبى من التعب ، إن شاء الله لما نروح المزرعة تتحسن نفسيتك 


لم تشأ أن تعاتبه ، فالعتاب بينهما الآن لن يجدى نفعاً ، لذلك فضلت أن تغفو بنومها بين ذراعيه ، عوضاً عن أن يولى كل منهما ظهره للأخر 

ففى الصباح ، حزم الجميع أمتعتهم وتأهبوا للذهاب إلى المزرعة ، فجلست سجى بجوار رائف بالمقعد الخلفى فى سيارة شادى 


فنظر شادى لشقيقه بمرآة السيارة قائلاً بإبتسامة :

– إيه يا أبيه رائف مش خايف وأنت راكب معايا العربية


رد رائف قائلاً وهو ينظر من النافذة :

– هيحصلى إيه تانى أكتر من اللى أنا فيه يا شادى 


هتفت سجى قائلة برجاء :

– براحة علينا يا شادى الله يباركلك ،  صحصح كده يا شادى ماشى ، اصل العمر مش بعزقه والواحد لازم يخاف على نفسه، هى المزرعة لسه بعيدة 


أجابها شادى وعيناه على الطريق أمامه :

–متقلقيش نوصل بالسلامة إن شاء الله ، وإحنا خلاص قربنا نوصل 


قال رائف وهو مازال ينظر من نافذة السيارة :

–شادى مبيسوقش بتهور فمتخافيش سواقته هادية ، وبعد الشر عليكى من أى حاجة وحشة


زحفت يدها حتى وصلت لكفه الموضوع بجانبه ، فتلمسته قائلة بحنان :

– تسلملى يا رائف


وصلوا إلى المزرعة ، فترجل رائف من السيارة ، ولكنه لم يلج للمنزل ، بل ذهب رأساً لحظيرة الخيول ، فهو إشتاق لرؤية جواده الخاص ، تبعته سچى حتى وجدته واقفاً أمام السياج الخشبى لحظيرة الخيول ، فسمعت صوت صهيل قوى لأحد الجياد ، كأنه يخبر صاحبه بمدى اشتياقه إليه


أحتضن رائف رأس الجواد ومرر إحدى يديه على شعيراته قائلاً بحنان وإشتياق :

– إيه وحشتك أوى كده يا رماح ، أنت كمان وحشتنى أوى شوفت صاحبك حصله إيه ، وإيه اللى منعه عنك الفترة اللى فاتت دى كلها ، بقى دلوقتى أخرى أقعد أتفرج عليك وأنت واقف كده


داعب رائف وجه الجواد حتى أكتفى من بث أشواقه إليه ، فعندما أراد أن يعيد أدراجه للمنزل ، وجد سجى تقف على مقربة منه ، تنظر إليه نظراتها التى ملأها الحزن ، فنظراتها تصيبه فى مقتل ، نظراً لكونه لا يحب أن يراها حزينة ، خاصة إذا كان هو المتسبب بحزنها 


فوضع إحدى يديه بجيب معطفه قائلاً :

– أنتى واقفة ليه كده يا سچى ، عجبك الخيل


أماءت سجى برأسها إيماءة خفيفة وردت قائلة:

– شكلهم جميل جدا ، هو ده رماح اللى كنت بتكلمه 


حرك رأسه بالإيجاب وهو يقول بهدوء:

– أيوة هو ده رماح اللى شادى كان بيقول عليه


إبتسمت سجى إبتسامة هادئة وقالت :

– شكله جميل أوى وباين عليه أنه بيحبك أوى


إلتفت رائف برأسه ونظر للجواد قائلاً :

– أه وأنا كمان بحبه بس هو عنيد جداً


قالت سجى وهى تضم ذراعيها إليها:

– عنيد جداً زى صاحبه يا رائف


عاد رائف برأسه إليها وتنفس بعمق فما لبث أن قال :

– أنا عارف إن صاحبه متعب ، وتعبك معاه وزعلك ووجعك


هزت رأسها نفياً وقالت بحب :

–متقولش كده دا حبيب قلبى وجوزى وحبيبى


نظر بأعماق عينيها قائلاً بصوت متهدج :

– وهو كمان محبش ولا عشق غيرك ولا شايف له أمل فى الدنيا دى غيرك أنتى


أقتربت منه أكثر كما أقتضتها الحاجة للإقتراب ، فقالت بعتاب :

– طب ليه بتبعد عنى يا رائف


أحنى رائف رأسه مغمغماً:

–علشان كنت خايف عليكى يا سچى


قطعت سجى المسافة الفاصلة بينهما ، حتى باتت على وشك الإلتصاق به ، فقالت بصدق :

– رائف أنت الوحيد اللي في الدنيا دى مخافش على نفسى وأنا معاه ، لأن أنا  مش بحس بالأمان إلا فى حضنك أنت


أخرج يده من جيب معطفه ووضعها على وجنتها ، ولكن قبل أن يدنو بوجهه منها سمعا صوتاً مألوفاً وهو يقول بصياح :

–حمد الله على السلامة نورتوا المزرعة



يتبع....