رواية لا أحد سواك رائفي - بقلم الكاتبة سماح نجيب - الفصل الثاني والعشرون
رواية لا أحد سواك رائفي
بقلم الكاتبة سماح نجيب
الفصل الثاني والعشرون
" لستُ كاملاً من دونكِ "
رواية
لا أحد سواك رائفي
ضربت أنفاسه المتأففة صفحة وجهها ، فتصنمهما بوقفتهما قد طال بعد سماع ذلك الصوت ، الذى أيقنت أنه سبب الضيق لزوجها ، فمن أين أتى ذلك السمج الآن ؟ باتت تلعنه بخاطرها للمرة التى لا تعلم عددها ، فهى كانت تتحين تلك الفرصة بينها وبين زوجها ، فربما كان سيذوب الجفاء بينهما ، وأن يعود رائف لها متلهفاً ، فعيناه فاض بهما الشوق ، ولكن كأن شفتاه تأبى البوح به ، نظراً لشعوره بالإرهاق النفسى منذ ماحدث ببيت أبيها ، ولكن أنتبها على وضعهما أخيراً ، فأرتدت هى بخطواتها للخلف دون أن تحيد عيناه عن عينيها الآسرتين لكل جوارحه
إستدار رائف لصاحب الصوت والذى لم يكن أحداً سوى عصام ، فقال بتأفف :
– اهلاً وسهلاً يا عصام منور يا حبيبى
وزع عصام نظراته بينهما قائلاً بإبتسامة سمجة :
– دا أنتوا اللى منورين الدنيا كلها يا رائف أزيك يا دكتورة سچى
ردت سجى قائلة بإقتضاب :
– الحمد لله عن أذنكم
انصرفت سچى فهى أصبحت لا تطيق رؤية وجهه ، خاصة أنها بدأت تشعر بالقلق من تحديقه المستمر بها كلما رآها ، وأزعجها الأمر كثيراً ، كأنه يفعل ذلك لإغاظة رائف كونها هى زوجته ، فزوجها محق بأن يشعر بعدم الراحة لرؤية هذا الشاب اللزج
بعدما أنصرفت سجى ، عاد عصام ببصره لرائف قائلاً:
– أزيك يا رائف أخبارك إيه دلوقتى
أجابه رائف بلامبالاة :
– الحمد لله نحمد ربنا زى ما أنت شايف يا عصام
وضع عصام يديه بجيبى بنطاله وهو يقول بإبتسامة شامتة :
– أنا لما شوفت العربيات استغربت إنكم جيتوا النهاردة ، وخصوصاً أنك جيت معاهم كمان وأنا عارف أنك مبتخرجش من البيت
ألتوى ثغر رائف قائلاً بتهكم :
– هو فى حاجة تمنع إن إحنا نيجى المزرعة بتاعتنا ولا إيه ولا أنت مش عايزنا نيجى يعنى ، بس ادينا جينا يا عصام وأتمنى أنها تكون أجازة سعيدة علشان أنت عارف خلقى ضيق وبزهق وبتنرفز بسرعة وده ممكن يضر حد
رد عصام قائلاً بإستفزاز :
– أتمنى تقضوا وقت ممتع يا رائف ولا عاش ولا كان اللى يقدر ينرفزك
تشنجت أصابع رائف على رأس عصاه ، فحاول قدر إمكانه التحدث بهدوء :
–هنقضى وقت حلو أوى بس لو بعدت أنت عن طريقى يا عصام
قطب عصام حاجبيه كأنه فاته تلميح رائف ، فرد متسائلاً:
– أنت قصدك ايه بكلامك ده يا رائف ؟ مش فاهم تقصد إيه
مسح رائف على لحيته برفق قائلاً بتحذير :
–قصدى أنت فاهمه وعارفه بلاش شغل الاستعباط لأن أنا أكتر واحد عارفك وفاهمك يا عصام
شقت إبتسامة ملتوية شفتىّ عصام وهو يقول:
– أنت خايف منى يا رائف
إبتسم رائف ورد قائلاً ببرود :
– خايف منك ! إزاى يعنى ، مش أنت اللى أخاف منه يا عصام وأنت عارف أنا رائف زيدان وهفضل رائف زيدان فاهم يا عصام حتى لو حصل إيه هفضل أنا زى ما أنا.. رائف
رد عصام قائلاً بسماجة :
– ماشى يا رائف زيدان هنشوف
رفع رائف يده يحذره من مغبة الاستمرار بتفكيره اللعين ، فصاح به بوعيد :
– أحسنلك متفكرش أنك تعمل حركة متعجبنيش وإلا هتبقى العواقب وخيمة أوى وهتضرك وهتجيب لنفسك مشاكل أنت فى غنى عنها ومش هينوبك إلا المشاكل أنا بس عامل خاطر علشان باباك ومامتك علشان هم ناس محترمين فبلاش تخلينى أحزن مامتك عليك بدرى يا عصام ماشى يا حبيبى ، وكله إلا اللى أنت حاططها فى دماغك علشان هى برقبتك على طول فاهمنى كله إلا هى ، وان كان عليها هى أنا أضمنها بروحى مش برقبتى بس لأنها مش من صنف الزبالة اللى أنت بتعرفهم
أقترب عصام من السياج الخشبى لحظيرة الخيول ، فأسند ظهره إليه قائلاً بسخرية :
– وده اسمه ايه بقى تهديد ده يا رائف ، دا أنت باين عليك خايف بجد بقى منى ، بس أنت واثق منها وفيها أوى كده يا رائف
أجابه رائف بثقة ويقين:
– أكيد طبعاً واثق فيها لأن أنا وهى حاجة واحدة وهى ملكى وعمرها ما هتبقى ملك حد غيرى ، وأنا قولتلك مش أنت اللى أخاف منه يا عصام ، أنا خايف عليك علشان خسارة شبابك يروح هدر ، وعن أذنك بقى علشان أنا عايز أرتاح شوية البيت بيتك
تركه رائف واقفاً مكانه ، فتأكل الغيظ قلب عصام ، فعلى الرغم مما أصابه ما زال يملك تلك الروح الثائرة والعنيدة والمتمردة والعنفوان الرجولى الذى لا يستطيع عصام أن يجاريه به منذ أن كانا يدرسان سوياً ، فرحل وهو يقسم أن لا يجعله يهنأ بعطلته
وصل لسيارته ولكن قبل أن يفتح بابها ، رآى سجى تقف بالشرفة وعيناها تتجول برؤية تلك المساحات الخضراء ، وما أن خفضت سجى وجهها للأسفل ورآته ينظر إليها ،حتى أسرعت الخطى بالدخول للغرفة ، تتمنى لو كان بإمكانها إلقاء تلك المزهرية الضخمة على رأسه ، لعله يكف عن النظر إليها تلك النظرات الوقحة ، ألا يخجل مما يفعله ، فهى زوجة رجل أخر ، علاوة على أن عائلته تربطها علاقة وطيدة بعائلة زوجها ، ولكن يبدو عليه أنه لا يعلم شيئاً عن القيم الأخلاقية الواجب إتباعها بحكم تلك الصداقة بين العائلتين
❈-❈-❈
بعد أن وضعت هدى حقيبتها وهاتفها على الكومود بجوار الفراش ، جلست على حافته واضعة رأسها بين يديها ، فالسعادة التى عثرت عليها بعد معاناة طويلة مع إبنها البكر ، ذهبت أدراج الرياح بلمح البصر ، فحزنه وكآبته اللذان عاوداه من جديد ، جعلاها تعود هى الأخرى لما كانت عليه من شعورها بالألم كلما وقع بصرها عليه وتجده عابس الملامح ، زفرت أنفاسها بهدوء ولكن أنتبه عليها زوجها
فجلس ماهر بجوارها قائلاً بإهتمام :
–مالك يا هدى مالك يا حبيبتى
ردت هدى قائلة بحزن :
–قلبى وجعنى أوى على إبننا يا ماهر ، بقى إحنا كنا ما صدقنا أنه بقى كويس وبيتكلم ويضحك ، يرجع لحالته دى تانى أنا خلاص مبقتش قادرة أستحمل أشوفه بالشكل ده كأنه بيدمر نفسه بالبطئ
وضع ذراعه حول كتفيها وأدناها منه قائلاً :
–معلش كل حاجة هتبقى كويسة ان شاء الله وانتى عارفة ان سچى جمبه وهى قادرة انها ترجعه يضحك ويبتسم تانى لان هو كمان بيحبها اوى ومش هيفضل مزعلها كتير
تساقطت دموعها رغماً عنها وهى تقول:
–يمكن ده اللى مطمنى شوية يا ماهر أن البنت اللى هو بيحبها جنبه وهى كمان بتحبه أوى ومستحملة عصبيته وعمايله وبجد بتصعب عليا أوى لما بشوف دموعها أو أشوفها حزينة
مد ماهر يده ومسح عبراتها المتساقطة على وجنتيها وهو يقول بحنان :
– إن شاء الله كل ده هيخلص يا حبيبتى ورائف خلاص قرب يسافر علشان العملية
تنفست هدى بعمق قائلة:
–يارب يا ماهر العملية تنجح لأن أنا عايزة أبنى رائف اللى كنت عرفاه مش العصبى واللى بحس انه بيدمر نفسه واللى حواليه بعصبيته
ربت عليها بعطف وحنان ، يريدها أن تكف عن ذرف الدموع ، فهتف بها برفق :
–ربنا قادر على كل شئ بس روقى يا حبيبتى ، أنتى عارفة أنا مبحبش أشوفك زعلانة ولا مضايقة ابداً يا هدى كله إلا زعلك أنتى
رغم شعورها العميق بالحزن ، إلا أنها أهدته إبتسامة من وسط عبراتها السخية وردت قائلة بحب:
–هحاول يا ماهر هحاول ، لأن مش سهل على أى أم أن تشوف حد من ولادها بالشكل ده
ظلا جالسين مكانهما بصمت ، تضع هى رأسها على كتفه ويربت هو عليها لعلها تهدأ ، فهى لا تشعر بالأمان والطمأنينة إلا بوجوده ، فهو دائماً وأبداً ملجأها بعد الله عز وجل
ولكن كأن عدوى الحزن أنتقلت لريهام وأكرم ، فما أن قامت ريهام بتبديل ثيابها ، ذهبت من فورها للفراش ، فهى تشعر بألام شديدة بالرأس ، وربما ذلك عائد لطول المسافة بين المنزل والمزرعة ، فهى ليست معتادة على السفر لمسافات طويلة ، أو ربما عائد لشعورها بالحزن الشديد من أجل سجى ، والتى بدا عليها الإرهاق والحزن ، كتلك الأيام الخوالى ، التى أكتشفت بها مرض والدتها الراحلة
وقف أكرم بجوار الفراش وأنحنى إليها قائلاً:
–حبيبتى انتى هتنامى ولا إيه
فتحت ريهام عينيها ونظرت إليه وقالت:
– أيوة يا حبيبى لأن أنا صدعت جامد أول مرة أسافر مسافة طويلة عايز منى حاجة يا حبيبى
أماء أكرم برأسه نافياً:
–لاء يا روحى نامى أنا بس بطمن عليكى أجبلك قرص مسكن
أشارت ريهام بيدها رفضاً وهى تقول:
– لاء أنا هنام شوية وهقوم فايقة مبحبش أخد مسكنات ، مش هتناملك شوية أنت كمان ، انا خرجتلك هدوم من الشنطة غير هدومك وتعال أرتحلك شوية
رد أكرم قائلاً:
– تمام هغير هدومى وجاى ، انا كمان تعبت من المشوار وكمان بقالنا فترة مجناش هنا
قام أكرم بتبديل ثيابه هو الاخر ، وذهب إلى الفرش ، فأستلقى بجانبها وضمها إليه ، فهو يعلم أنها حزينة لما حدث لسجى ورائف ، نظراً لتعلقها الشديد بصديقتها المقربة
رفعت ريهام وجهها ونظرت لزوجها قائلة:
–تفتكر يا أكرم إن الأمور هتظبط بين سچى ورائف تانى ، لأن سچى لما كنا بنروح التدريب كانت بتبقى زى التايهة ومش مركزة فى حاجة خالص وأنت عارف إن إحنا خلاص آخر سنة وهنتخرج مش عايزة حاجة تأثر عليها فى دراستها
قال أكرم وهو يمسد على رأسها بحنان :
– إن شاء الله يا حبيبتى أنتى عارفة رائف بيحب سچى أوى وهى كمان بتحبه فمظنش أنهم هيفضلوا كده على طول ، و إن شاء الله كل ده هيخلص وأنتوا هتتخرجوا على خير
أغمضت ريهام عينيها وهى تردد برجاء وتمنى :
–يارب يا أكرم يارب ربنا يصلح لهم الحال
علم أنها بحاجته الآن ، فلم يبخل عليها بدفء عواطفه ، فكل منهما بحاجة للأخر ، فإن كانت تشعر بالأسى من أجل رفيقتها ، فالألم أعتصر قلبه على حال شقيقه الأكبر ، فما أقسى شعوره بالعجز عن إيجاد حل أو مخرج ، ليساهم به فى إعادة رائف لما كان عليه ، فالشئ الوحيد الذي يملكه هو الصبر ، ولكن كأن شقيقه لم يستساغ طعم الصبر المر ، فتلك هى طبيعة بنو أدم ، فالصبر دائماً لاذع المذاق ، يحتاج لطاقة وجهد كبير لتحمله ، حتى يصل كل إنسان لمبتغاه
❈-❈-❈
أصطحب هشام والدته معه ، فاليوم هو اليوم الميمون ، لذهابه لخطبة أروى ، أرتدى أفضل ما لديه من ثياب ، وأبتاع بعض الحلوى والورود ، فسعادته لا توصف ، أن اليوم لن يكون مجبراً على مجابهة فادية ، فخبر طلاقها من زوجها ، دوى أصداؤه فى الحى بأكمله ، لذلك تأخر بضعة أيام فى الذهاب ، ليتيح المجال أمام أروى فى تخطى الأمر ، فليس من السهل بمكان أن ينفصل والديها ، وتعقد هى خطبتها بذات الوقت
وصلا أمام المنزل ، فدق هشام جرس الباب ، وسرعان ما فتح حامد الباب قائلاً بإبتسامة عريضة:
– أهلاً وسهلاً أتفضلوا نورتوا البيت
ولج هشام ووالدته للداخل ، فألقت على حامد التحية بوجه بشوش :
– السلام عليكم يا أبو أروى
أغلق حامد الباب ورد قائلاً بإبتسامة هادئة:
– وعليكم السلام أتفضلوا أنتوا شرفتونا والله
وضع هشام ما بيده من حلوى وورود وهو يقول :
– تسلم يا عمى على ذوقك
جلسا هشام ووالدته متقاربان على تلك الأريكة المريحة ، وماهى إلا ثوانى معدودة ، حتى خرجت أروى من غرفتها ممسكة بيد أبيها ، تخفض وجهها أرضاً ، تكاد تشعر بأن الخجل قادراً على جعل الرجفة تسكن أوصالها
فهتفت والدة هشام قائلة وهى تشير لها بالإقتراب :
– تعالى يا حبيبتى أقعدى جمبى عاملة إيه يا عروستنا الحلوة
جلست أروى بجوارها وردت قائلة بصوت خافت :
–الحمد لله يا طنط كويسة
نظر هشام لحامد قائلاً بإبتسامة ، بعدما ألقى عليها نظرة حالمة :
– إحنا النهاردة يا عمى جايين علشان إن شاء الله نتمم موضوع الخطوبة فطلباتكم ايه يا ابو أروى
رد حامد قائلاً وهو يربت على ساق هشام :
– إن شاء الله يا أبنى ربنا يتمم بخير ، و أنا مش طالب حاجة اكتر من طاقتكم أهم حاجة انك يا هشام تاخد بالك من أروى وتحافظ عليها وتتقى ربنا فيها علشان أنا بشترى راجل
شد هشام على يد حامد قائلاً بإمتنان :
– تسلم يا عمى وأروى فى عنيا الإتنين وفى الحفظ والصون
قالت والدته هى الأخرى:
– وأحنا هنشلها فى عنينا علشان أروى غالية علينا يا أبو أروى خلاص إحنا نقرأ الفاتحة
رفعوا إيديهم بشعور من السعادة تسطر على جبين كل منهم ، فبعد أن تمت قراءة الفاتحة ، قالت والدة هشام :
–صدق الله العظيم إحنا إن شاء الله نخرج نشترى الشبكة والدبل إيه الوقت اللى يريحكم ويناسبكم
فكر حامد وما لبث أن قال:
– إن شاء الله يوم الخميس الجاى نروح نشترى الشبكة
أسرع هشام بالرد قائلاً بسعادة أختلجت بصوته :
– إن شاء الله يا عمى واللى تطلبه أروى عنيا الإتنين ، و بنتك هتكون فى أمان معايا
قال حامد بإعجاب لإستماته بالزواج من إبنته :
–تسلم عينيك يا أبنى أنا أهم حاجة عندى أن بنتى تكون مبسوطة مع واحد يصونها ، وهو ده اللى أنا عايزه منك يا هشام ، يلا يا أروى هاتى الشربات
أمتنت أروى لقدميها ، بأنهما مازالتا قادرتان على حملها ، فذهبت فوراً للمطبخ لجلب المشروبات ، ودقات قلبها تقفز فرحاً وتسابق الوقت والحقيقة ، فها هى ستصبح عروس وزوجة لمن وقع قلبها بغرامه ، فهو يشهد له الجميع بحسن الخلق والسيرة العطرة ، ولم يخفى عليها محاولة بعض فتيات الحى لجذب إنتباهه ، ولكن بالأخير كان من نصيبها هى ، ففى وسط تلك السعادة العارمة التي تشعر بها ، مازال جزء صغير بقلبها يشعر بالتوجس والخيفة من والدتها ، تخشى أن تقدم على فعل شئ جنونى ، تعانى هى من تبعاته لما تبقى من عمرها
❈-❈-❈
عصام ى !
وضعت سجى أخر قطعة من الثياب بداخل الخزانة الخشبية العريضة ، التى أحتلت جدار بأكمله من جدران تلك الغرفة ، والتى طغى عليها طابع الرفاهية ، كحال المنزل بالقاهرة ، ولكن ما يميز تلك الغرفة ، أنها بإمكانها رؤية حظيرة الخيول ، وأن ترى الفلاحين يعملون بجد ونشاط ، إضافة إلى رؤيتها الماشية والأغنام على بعد مسافة تقدر بعدة أمتار ، فهى لم تكن تظن أن المزرعة كإحدى تلك المزارع ، التى شاهدت مثلها بالتلفاز
أغلقت دفتى خزانة الثياب ، بعدما أخذت ثياب نظيفة ، فهى أرادت أخذ حمام دافئ تزيل به عناء السفر ، لعلها تخرج بعد ذلك وتنال قسط من الراحة ، فزوجها منذ وصولهم لم يأتى للغرفة ، كأنه يخشى أن يتقابلا سوياً
ولجت للمرحاض وملأت المغطس وجلست به وقتاً طويلاً ، حتى شعرت بأن النعاس كاد يداهم عينيها وهى مضجعة بهدوء وتحملق بالسقف ، فأزالت عنها رغوة سائل الإستحمام وأرتدت المأزر الأبيض وعقصت شعرها بمنشفة صغيرة
– هاااا
شهقت سجى بصوت مسموع ، بعدما خرجت ووجدت زوجها جالساً على طرف الفراش وقميصه مفتوح ، فهى لم تعلم أنه موجود بالغرفة
إلا أنها حمحمت قائلة بهدوء :
–الحمام فاضى ممكن تدخل لو هتاخد شاور
–ماشى هقوم
لم يفه سوى بهاتين الكلمتين وظل جالساً مكانه يتأمل إحمرار وجهها ، فشعرت بإرتباك من نظراته وحاولت إلهاء ذاتها ، وقفت أمام منضدة الزينة وسحبت المنشفة ، التى أمتصت رطوبة شعرها ، فتناولت فرشاة الشعر وبدأت بتمشيط خصيلاتها ، ولكن عيناها تنظر لإنعكاس صورة زوجها بالمرآة
قام رائف من مكانه فظنت أنه سيذهب إلى المرحاض ، ولكنها وجدته يقف خلفها حد الإلتصاق ، مد يده يمررها على خصيلاتها المبتلة ، ورفع أطراف شعرها بيده وقربها من أنفه يشم رائحتها العطرية ، فأخذ نفساً عميقاً محمولاً برائحتها التى وصلت لرئتيه ، وسرعان ما أحاطها بساعديه القويتين ، فتتابعت أنفاسها بوتيرة سريعة ، ولم يكتفى بهذا ، بل جعلها تستدير بين ذراعيه ، فأطال النظر بأعماق عينيها يطلب منها الغفران ، على ما سببه لها من حزن
ظل يعانقها مطولاً ، محاولاً إخماد شعوره بالإشياق إليها ، فهتف بها بجنون العاشق :
–سامحينى يا عمرى أنا عارف إن أنا ضايقتك وزعلتك وعنيكى الحلوة دى بقت حزينة بسببى أنا
أنبهرت سجى بالتحول المفاجئ الذى طرأ عليه ، فها هو عاد من جديد عاشقاً متلهفاً ، يطلب منها الغفران ، فكأن تبخر غضبه وحل مكانه رغبته فى أن يضمها إليه
لم تعد تتذكر شيئاً ، فردت قائلة بعشق :
– أنا مسمحاك يا حبيبى ومقدرة اللى أنت فيه بس متبعدنيش عنك يا رائف بالشكل ده
قبل رأسها مغمغماً:
– أنا مش ببعدك عنى بمزاجى ، أنا ببقى خايف يا سچى خايف عليكى لأن لو حصلك حاجة أنا مش هسامح نفسى أبداً
وضعت راحتيها على صدره ونظرت إليه نظراتها الدافئة والمحبة وقالت :
– أنت لسه مش عارف إن أنا وأنت بقينا حاجة واحدة روح واحدة ، وأنا قولتلك أنت الوحيد اللى مخافش على نفسى وأنا معاه
غرز أصابعه بين طيات شعرها قائلاً بهمس :
–أنتى بقيتى أكتر من روحى ياقلبى سامحينى لو كنت وجعتك أو زعلتك أو خليت عينيكى الجميلة دى بقت حزينة سامحينى على كل دمعة نزلت من عينيكى بدون قصد منى ، أنتى وحشتينى أوى أوى يا قلبى
خفقات قلبها الولهان كادت تؤلمها ، فأجابته بذات الهمس الجميل:
–خلاص يا حبيبى حصل خير أهم حاجة أنك تبقى كويس وترجعلى رائف جوزى وحبيبى ، وانت كمان وحشتنى أوى يا رائفى
حرارة صوته بعثت فيها الحياة والأمل مرة أخرى ، وعطر عناقه بعثر نبضات قلبها ، ففى راحتيه ملمس السكينة ، وبعينه وادى الأمان ، اللتان تظل تربكها مهما أعتادت تأملهما ، فراحت أنامله تنشد نغمات الشوق ، على خصيلاتها الفحمية ، يسطر أحروفها على وريقات الورد الناعمة ، التى تمثل بشفتيها الوردية ، فلا حساب للزمن أو المكان ، ولا حاجة لأن يتذكرا شيئاً سوى أنهما الآن بإحدى جنات العشق ، فبكلمة وعتاب منها ، أذابت الجفاء بينهما ، وإشتياقه إليها كاد يفقده صوابه ، فما رآته من حرارة عواطفه ، جعلتها تعى أى قوة مهولة مارسها على ذاته ليحكمها بالأيام الماضية
❈-❈-❈
ذهبت مايا برفقة هانى إلى المنزل ، الذى من المفترض أنه سيصبح منزلها بعد أيام قلائل ، بعد أن أصر عليها بالمجئ ، لتلقى عليه نظرة أخيرة ، قبل أن يسرع بشراء الأثاث المطلوب له ، فإلحاحه على المهندس المختص بعمل ديكور المنزل بأن ينتهى سريعاً ، جاء بالنتائج المرجوة ، وها هو المنزل أصبح جاهزاً لا ينقصه سوى الأثاث
دلفت مايا إلى المنزل ، بشعور عدم الرغبة بأن تسكنه أو أن تتزوج صاحبه ، فهى عندما تحاول إقناع عقلها بأنه لم يتبقى لها سوى بضعة أسابيع وتصبح زوجة هانى ، يعود إليها ذلك الشعور بالنفور منه مرة أخرى وكأنها تريد الهرب منه
رفع هانى ذراعيه وهو يشير للصالة الفسيحة قائلاً بإعجاب :
–ها إيه رايك بقى يامايا فى الفيلا بقت جميلة أوى زى ما أنتى عايزه
ردت مايا قائلة ببرود :
–حلوة بس فى حاجات المهندس معملهاش زى ما انا عايزة
تطلع إليها هانى بدهشة وهو يقول:
–ليه ماهو عامل كل حاجة أنتى طلبتيها وقولتيله عليها
رفعت مايا يدها تشير للطابق الثانى من المنزل وقالت بتأفف :
– أنا كنت طالبة شوية تعديلات فى أوض النوم معملهاش ليه بقى هو أى حاجة يعملها وخلاص
أغضبته بقولها ، فنظر إليها قائلاً بحدة :
–فى ايه يا مايا ما كل حاجة معمولة زى ما أنتى عايزه أهو ولا هو تلكيك وخلاص
أشارت مايا لنفسها قائلة كأنها تشعر بالذهول من قوله :
– أنا بتلكك يا هانى بتقولى أنا الكلام ده
عقد ذراعيه وأشاح بوجهه عنها متمتماً بضيق :
– أنا ملاحظ أن بقالك فترة مفيش حاجة عجباكى خالص هو فى إيه بالظبط يا مايا علشان أنا حاسس إن فيكى حاجة متغيرة
قالت مايا بلامبالاة :
–هيكون فى إيه يعنى يا هانى ما أنا كويسة قدامك أهو
قطع المسافة الفاصلة بينهما وقبض على ذراعها قائلاً :
–ماهو هو ده اللى عايز أعرفه ، فى إيه يا مايا ، لأن شغل التلكيك ده كتر أوى منك اليومين دول
أزاحت مايا يده عنها وردت قائلة بإقتضاب :
–ما انت عارف ، أنا بس متوترة علشان فرحنا قرب ، ففى ضغط كبير على أعصابى الفترة دى يا هانى فالمفروض تقف جمبى مش تقولى بتلكك
حاول التحدث بهدوء ، فأخذ يديها بين كفيه قائلاً:
–ريحى أعصابك خالص يا مايا بدل ما أنتى كل شوية متنرفزة عليا وتعلى صوتك كده
زاغت بعينيها عن مرمى بصره ، فقالت محاولة منها أن تثير شجار بينهما :
– أنت مبتشتغلش ليه يا هانى ، عايش على فلوس أبوك وشكل الموضوع ده مريحك على الاخر ، أنت كده عايش عالة على باباك
نفض يديها من بين كفيه ، ورفع سبابته فى وجهها قائلاً بتحذير:
– أحترمى نفسك يا مايا ومش عايز كلام فى الموضوع ده تانى أنتى فاهمة ، ولازم تعرفى إن حياتى أنا حر فيها ومش أنتى اللى هتقوليلى أعمل ايه ومتعملش إيه ماشى
وصلت للهدف المنشود ، فأرادت إكمال دورها للنهاية ، فصاحت به مستاءة من حديثه :
–وكمان بتزعقلى وبتعلى صوتك عليا أنا ماشية يا هانى
ختمت دورها الدرامى ، بأن ركضت من المنزل للخارج ، فى حين أنه وقف متعجباً من رد فعلها المبالغ فيه ، كأنها بإنتظار أن يحدث ذلك بينهما حتى تتركه قبل إتمام زواجهما ، ولكن هو لن يتركها قبل أن يحصل على ما يريد ، ونبع ذلك من رغبته فى الحصول عليها مثلما تم الإتفاق والمراهنة بينه وبين أصدقاءه ، لذلك ركض خلفها ويجعلها تهدأ ، فهو لا يريد الظهور بمظهر الخاسر أمام أصدقاءه
فنادها بنبرة متوسلة :
– إستنى بس يا حبيبتى مش كده ، الكلام ميبقاش كده يا مايا ، أصبرى بس يا حبيبتى
حال بين وصولها لسيارتها ، فعقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت:
– بس يا هانى إذا كان بتزعقلى من دلوقتى ، هتعمل ايه بعد جوازنا ها ، أنت عارف أنا مبحبش حد يعاملنى بالأسلوب ده نهائى
تذكرت مايا كيف كان رائف ايضاً يفعل ذلك ، عندما تفعل شئ يغضبه أو لا ينال رضاه ، ولكن هانى ينقصه الكثير من هيبة ورجولة رائف ، فرائف يمتلك غيرة رجولية على كل شئ يملكه ويريد الحفاظ عليه ، ولكن صدق قول نيللى أنها خسرت رجل ذو كبرياء مقابل شخص تافه لا يفعل شئ ،سوى إهدار أموال والده على ملذاته ، فلما هى صارت الآن تفكر بكل هذا ؟ فهى من جلبت كل هذا لذاتها ، منذ أن تركت رائف فى أشد حالاته سوءاً ، معللة أنها لا تملك الصبر الكافى بأن تصير زوجة لرجل عاجز
مرر هانى يديه على ذراعيها محاولاً إسترضاءها وهو يقول بوداعة :
–خلاص متزعليش منى يا حبيبتى أنا آسف ، شوفى اللى أنتى عيزاه وأنا هعملهولك المهم أنتى متزعليش منى
أرادت إستخدام ورقتها الرابحة ، فقالت بما يشبه الأمر:
– أنا عيزاك تشتغل ويبقى ليك كيان يا هانى
إبتسم هانى ورد قائلاً بطاعة :
– بس كده حاضر هنزل الشركة مع بابا وأشتغل عايزة حاجة تانية يا حبيبتى أؤمرى بس
بُهتت مايا بعد سماع قوله ، فهى ظنت أنه سيعلن رفضه ، بل سيثور عليها مثلما فعل بالداخل ، وكانت ستجدها حجة كافية لفض تلك الزيجة ، ولكن جاءت إجابته مخيبة لأمالها ، إذ أعلن موافقته على كل ما أبدته من شروط ، فالأن عليها البحث عن مخرج أو حل أخر ، فشعورها المتصاعد بالنفور من أن تصبح زوجته ، بات يزعجها كثيراً ، فهى كمن أرادت الحصول على لعبة جديدة ، وما أن أصبحت بمتناول يدها وذهب بريقها ، أرادت التخلص منها ، ولكن وإن كان رائف وعائلته مرروا لها أمر تركها له بسهولة ، فهانى لن يكون كريم الأخلاق مثلهم ، بل لن يكتفى بأن يثير جدلاً كبيراً حولها ، ويجعل إسمها وسيرتها علكة بأفواه الناس
❈-❈-❈
تنعمت بشعور القرب منه ،إذ كان محكماً لساعديه حولها ، ولا يريد تركها ، خاصة بعد ذلك الوقت الحالم ، والذى لا يعلم أى منهما كم مر من الوقت عليهما وهما يتعاتبان ويبث كل منهما أشواقه للأخر ، كأن بلمسة سحرية أزال عن وجهها الشحوب ، وعادت النضارة لوجهها الناعم ، وعادت شفتيها ووجنتيها متوردتان من تدفق دماءها الحارة بهما
تشابكت أيديهما ، كأنه بذلك يأمن أنها ستظل قريبة منه ، حتى إذا غلبه النعاس ، ولكن عيناه أبت أن تغفو ومازالت هى ترنو إليه بعينيها الوديعتين ، ملتقطاً نظراتها من فوره ، لتترجمها شفتيه بإبتسامة وكلمات رقيقة يلقيها على مسامعها
فزفرت سجى بإرتياح سرى بخلاياها وهى تقول بصوت هامس:
– رائف حبيبى يلا قوم علشان ناكل أنا جوعت اوى
حرك رأسه بضعف قائلاً:
– حاضر يا عمرى هقوم
فغمغمت ووجهها مندس فوق صدره :
– رائف أنا مش عيزاك تتعصب كده تانى ماشى ، وتحاول أن إحنا نقضى وقت حلو هنا
داعب وجنتها بإبهامه وهو يقول بشرود :
– صدقينى أنا مش بتعصب بمزاجى الموقف اللى حواليا هو اللى ممكن يسببلى العصبية بس علشان خاطرك هحاول أن متعصبش
تسللت يدها بنعومة حتى وصلت ليده الموضوعة قريباً من وجهها وقالت بلطف:
– ماشى يا حبيبى لان انا مبحبش اشوفك بالشكل ده انت بتبقى زى الوحش الثائر يا رائف
رفع وجهها له ونظر إليها متسائلاً بجدية:
– أنتى خوفتى منى يا سچى
حركت سجى رأسها بالنفى قائلة :
– أنا مبخافش منك أنا بخاف عليك الواحد لما يتعصب ممكن يضر نفسه من غير ما يحس وأنت لو حصلك حاجة أنا مقدرش أعيش من غيرك يا رائف
تصر على أن تهوى به وبقلبه إلى أقصى بلاد الشوق والحنين ، فرد قائلاً بحب :
– ولا أنا بقيت أقدر أعيش من غيرك يا سچى
لو لم يكن يعلم حاجتها لأن تتناول الطعام ، ما كان منحها الأذن بأن تترك جنة حبهما ، فهو الأخر أحس بشعور ساحق بالجوع ، نظراً لإهماله بتناول طعامه ، فبإمكانه سماع نداء معدته له ، بأن يسد حاجتها من الطعام
فبعد أن أخذوا جميعهم قسطاً من الراحة ، خرجوا لتناول الطعام فى الهواء الطلق ، فالهدوء وتلك المساحات الخضراء الشاسعة كفيلان بتهدئة الأعصاب والشعور بالرفاهية والإسترخاء ، فأنتبهت هدى على أن رائف جالساً مبتسماً خلافاً لعبوسه بالأيام الماضية ، فأبتلهت بداخلها على أن تكون سجى نجحت بما فشلوا به جميعهم ، وعاد رائف هادئ البال ، فلم يشأ أحد أن يتطرق لهذا الأمر ، بل تجاذبوا أطراف الحديث ، كأن شئ لم يكن
أخذت صفية نفساً عميقاً محمولاً بالروائح العطرية لتلك الزهور الفواحة ، فقالت بإسترخاء :
–الله الجو حلو أوى أوى هنا حاجة كده تهدى الأعصاب
رد شادى قائلاً وهو يضع بعض اللقيمات بفمه ، مهمهماً بتلذذ لمذاقها :
– والأكل برضه حلو أوى أوى يا تيتة
ضربه أكرم بخفة على مؤخرة عنقه ممازحاً:
–همك على بطنك على طول يا شادى مبتفكرش إلا فى الأكل وبس
وكزت ريهام أكرم قائلة :
–ما تسيبه يا كل براحته يا أكرم كل يا شادى ولا يهمك
إبتسم لها شادى قائلاً :
–تعشيلى يا مرات أخويا أدى مرتات الأخ ولا بلاش
أنتبهت هدى على أن سجى لا تأكل بالقدر الكافي لها ، فحدقت بها وتساءلت باهتمام:
–مش بتاكلى ليه يا سچى الأكل مش عاجبك يا حبيبتى أخليهم يجبولك حاجة تانية
ردت سجى مبتسمة بتهذيب كعادتها:
– لاء يا طنط هدى الأكل جميل جداً و أنا باكل أهو
نظر ماهر لرائف قائلاً بإبتسامة هادئة:
–مش تأكل مراتك يا رائف دا اللقمة اللى بتأكلها ليها بتاخد عليها حسنة يا حبيبى
رد رائف باسماً:
–حاضر يا بابا بس كده
قام رائف بأخذ بعض من اللقيمات ووضعها بفم زوجته ، التى كانت تنظر إليه بإستحياء شديد خاصة من تحديق الجالسين بهما
فأرادت ريهام أن تمزح مع أكرم ، فنظرت إليه وقالت بوجه عابس :
– وأنت إيه يا دكتور مش هتاكلنى أنت كمان ولا أنا وقعت من قعر القفة
غمغم أكرم مشدوهاً من قولها :
– قفة ! إحنا فينا من الكلام ده ، بس كده أنتى تؤمرى يا ريهام
حمل أكرم من الطعام مايزيد عن حاجتها ، فما أن أقترب بيده من فمها ، أتسعت حدقتيها قائلة :
– إيه ده أنت هتأكلنى ولا هتفطسنى ، هتحط الأكل ده كل فى بوقى إزاى ، دا عايز بوء زى نفق شبرا علشان تحط فيه الأكل ده كله يا أكرم
ضحكت سجى على قولها وهى تقول:
–مش طول عمرك بتحبى الاكل اتفضلى كلى بقى
لوت ريهام شفتيها وقالت:
– ااه هاكل بس بشويش دا ناقص يحطلى الفطيرة كلها في بوقى
ظل شادى يأكل بنهم من الفطائر و هو يقول :
–الفطير هنا حاجة تانية خالص لذيذ جدا ، يالهوى دا انا واكل فطيرتين لحد دلوقتى
ربتت صفية على ظهره وهى تقول بحب وحنان :
– اه يا واد يا شادى يفتح النفس على الآخر يلا بالهنا والشفا على قلبكم يارب ، وربنا يباركلى فيكم يا حبيبى وأفرح بولاد رائف وأكرم وجوازك يا شادى
رمق رائف جدته بنظرة عطوفة ورد قائلاً:
–تسلميلنا يا تيتة وربنا يباركلنا فى عمرك
أنحنت هدى قليلاً للأمام ونظرت لرائف قائلة بإهتمام :
–عجبك الأكل يا رائف
هز رائف رأسه قائلاً بإبتسامة ممتنة :
– أه يا ماما الأكل جميل جداً دا أنا كلت كتير أوى
أشار رائف على بطنه ، دلالة على أنه أكتفى من تناول الطعام ، فردت والدته باسمة :
– ألف هنا وشفا على قلبك يا حبيبى
تصنع شادى العبوس قائلاً بطرافة :
– أيوة ما هو الدلع كله لأبيه رائف لكن أنا يتقالى يا واد يا شادى
رفع ماهر حاجبه قائلاً:
–فى إيه يا آخر العنقود وآخرة صبرنا برضه
عدل شادى من ياقة كنزته قائلاً بزهو :
– شوفت يا بوب أديك قولت آخر العنقود يعنى فى الراحة والجاية تدلعونى مليش دعوة
أبتسمت هدى بخفة على قول شادى ، فشملته بنظراتها الحنونة وهى تقول:
– دا أنت حبيب قلبى يا شادى أنت وأخواتك مع أنك واجعلى دماغى طول النهار بيماما يا ماما طول النهار تنادى عليا بسبب ومن غير سبب
أرسل لها شادى قبلة بالهواء قائلاً :
– بحبك يا جميلة الجميلات بلاش يعنى
شهقت هدى بخفوت وردت قائلة:
– لاء بلاش إيه أنا مقدرش أعيش من غيركم اصلاً
جاءت إحدى الخادمات لتخبر سيدة المنزل بمجئ ضيفاً ، وماهذا الضيف إلا عصام ، فأذنت لها هدى بأن تدعه يدلف للحديقة حيث هم جالسين
فولج عصام بإبتسامة عريضة وألقى عليهم التحية ، فتغيرت ملامح وجه رائف على الفور ، وتعجبت ريهام من وجوده هنا بهذا الوقت ، فمالت برأسها لأكرم وتساءلت:
– هو إيه اللى جاب عصام ده هنا دلوقتى يا أكرم
أجابها أكرم بصوت خافت :
– المزرعة اللى جمبنا بتاعتة أبوه ، أنتى عارفة اللى انا خايف منه ايه يا ريهام ، خايف من رائف يتعصب ، علشان هو وعصام مبيطقوش بعض نهائى
لاحظت ريهام ذلك الأمر ، فقعقدت حاجبيها وتساءلت بشئ من الفضول :
–ليه صحيح علاقتهم ببعض مش قد كده يعنى ، مع أن بتقولوا باباه ومامته أصحاب باباك ومامتك من زمان
قضم أكرم طرف إبهامه ، ورد قائلاً بهمس :
–عصام من النوع المنفسن شوية بالرغم من أن اهله ناس طيبين ومحترمين وهو ورائف كانوا بيدرسوا مع بعض فرائف كان متفوق فى دراسته وحتى فى الكلية كان بيبقى الأول على دفعته فده زود النفسنة عند عصام لحد مابقت حركاته مكشوفه لرائف علشان كده مبقاش رائف يحب يجتمعوا هم الإتنين فى مكان واحد
هزت ريهام رأسها بتفهم ، فقالت بصدق :
–ربنا يستر علشان هو فعلا عصام ده حركاته ونظراته مستفزة ومش مريحة
نظر إليها مقطباً حاجبيه متسائلاً:
–هو عملك حاجة ضايقتك ولا ايه
رفعت ريهام حاجبها قائلة بثقة :
– هو يقدر دا أنا كنت ساويت وشه بالأسفل دا أنا ريهام يا أكرم
قضم أكرم شفته السفلى قائلاً بعبث:
–حبيبتى الشرسة والمتوحشة أموت أنا فى الشراسة
وكزته ريهام بمرفقها وقالت :
– أتلم يا أكرم إحنا قاعدين فى وسط ناس
بعد أن أشار ماهر لعصام بالجلوس ، نظر إليه متسائلاً :
– أهلا يا عصام منور ، هو باباك ومامتك معاك هنا
حرك عصام رأسه نافياً وهو يقول:
–لاء أنا اللى جيت لوحدى من يومين ولما شوفت العربيات بتاعتكم مصدقتش أنكم هنا ، إلا لما جيت وشفت رائف كان عند الاسطبل
هتف رائف بقرارة نفسها ساخطاً:
–وياريتنى ما شفت شكلك ماهى الحكاية مش ناقصة رزالتك ورخامتك يا عصام الواحد ما صدق انه بقى هادى شوية
إبتسمت صفية لعصام كما يقتضيها الذوق من تقديم واجب الضيافة للزائرين :
– اتفضل يا عصام حماتك تحبك
رد عصام قائلاً وهو ينظر لسجى :
–مش لما أقابل بنتها الأول
تتابعت أنفاس رائف الغاضبة ، فرد قائلاً بصوت منخفض:
–الله يكون فى عونها اللى هتستحمل رزالتك
إبتسم عصام بلزوجة قائلاً:
–بتقول حاجة يا رائف
أدعى رائف الابتسام ، فقال وهو يحدق به بنظرات كارهة:
–لاء يا عصام بقولك بالهنا والشفا ان شاء الله
بدأ عصام بتناول الطعام قائلاً ببرود :
–طول عمرك ذوق يا رائف
شد رائف على يديه ، محاولاً السيطرة على غضبه الجامح ، فأشاح بوجهه عنه وهو يقول بصوت كالصقيع :
–من بعض ما عندكم يا عصام يا حبيبى
تابع أكرم الحديث بين عصام ورائف ، فهو يعلم أى شعور يسيطر على شقيقه الآن ، فأدنى برأسه من ريهام قائلاً بصوت خافت :
–شوفتى يا ريهام ما جبتش حاجة من عندى أهى الحرب ابتدت بين رائف وعصام أهى وبدرى كمان
وضعت ريهام يدها على فمها لتكتم صوت ضحكتها وقالت:
– ربنا يستر وأنت عارف أخوك يا أكرم مش بعيد نلاقى جثة عصام مدفونة فى الجنينة الصبح
لم يكبح أكرم جماح ضحكته ، التى خرجت من فمه وأستهدفت أذان الجميع ، فنظر إليه والده متسائلاً:
–ما تضحكونا معاكم يا أكرم خير فى ايه
وضع أكرم يده على فمه قائلاً:
–لا يا بابا بلاش المرة دى تعرفوا أنا بضحك على إيه حفاظاً على الأرواح
رمقه شادى بفضول قائلاً بإلحاح :
– ليه يعنى بتقولوا إيه كده يهدر الأرواح يا أبيه أكرم انا عايز أعرف مليش دعوة
شد أكرم على أذن شادى مؤنباً:
–بس يا واد أنت إيه فضولك ده يا ساتر عليك
أبتسمت لهما صفية وقالت :
– ربنا يسعد أوقاتكم يا حبيبى
ردت ريهام قائلة وهى تنظر لسجى:
–تسلمى يا تيتة ما تيجى يا سچى نتمشى شوية نتفرج على المزرعة
وافقت سجى على قولها ، ونهضت من مكانها وهى تقول:
–ماشى يلا بينا عن أذنكم
قبل إبتعادها عن مقعدها ، ألتقط رائف رسغها قائلاً بحنان :
–متبعديش عن هنا يا سچى علشان المزرعة كبيرة وممكن تتوهوا أنتوا الإتنين علشان أنتوا أول مرة تيجوا هنا ماشى
هزت سجى رأسها بضعف قائلة بخجل :
–حاضر يا حبيبي
ذهبتا ريهام وسجى لأخذ جولة تفقدية للمزرعة ، فوصلتا لحظيرة الخيول ، فقالت ريهام بإعجاب :
–المزرعة فعلا حلوة أوى ، أنا بحب الأماكن اللى زى هنا أوى بدل الدوشة والخنقة اللى فى القاهرة
ردت سجى مبتسمة:
– أه والهوا كمان جميل جدا يرد الروح يخلى الواحد عايز ينام
وضعت ريهام يدها على ذراع سجى لتجذب إنتباهها إليها ، فنظرت إليها وتساءلت بجدية:
–مقولتليش اخبار جوزك معاكى ايه دلوقتى لسه برضه مضايق
أجابتها سجى بهدوء:
– يعنى الحمد لله احسن شوية ابتدى يفك شوية
شعرت ريهام بالراحة من قول سجى ، ونظرت للخيول قائلة وهى تشير بيدها لذلك الجواد الضخم:
– شكله جميل أوى الحصان ده ، أنا مكنتش أعرف أن عندهم خيل حلو اوى كده أنا أفتكرت حصان ولا إتنين مش العدد ده شوفتى الصغننين دول يا خراشى عسل
ردت سجى قائلة بإبتسامة صافية:
–ده حصان رائف اسمه رماح ، شايفة شكله عامل إزاى ، ما شوفتيش لما رائف كان واقف وبيحسس على رأسه تحسى كأن الاتنين حاجة واحدة كأنهم اتنين اصحاب متعلقين ببعض أوى
مالت ريهام على السياج الخشبى وهى تقول:
–ممكن يكون الحصان ده بتاعه من زمان علشان كده مرتبطين ببعض
حدقت سجى بالجواد وتنهدت بحرارة قائلة :
–ممكن لأن اللى يعرف رائف يلاقى نفسه بيحبه من غير إرادة منه بيسيطر على القلوب بسرعة
إبتسمت ريهام ونظرت إليها بطرف عينيها وقالت بمشاغبة :
–يا عينى يا عينى على الحب ويا عينى على الحلو لما تبهدله الأيام
قرصت سجى ذراع ريهام قائلة بغيظ :
– على أساس إن حضرتك مش متنيلة وبتحبى جوزك أنتى كمان
تألمت ريهام من فعلتها فردت قائلة وهى توكزها بكتفها :
– كرومتى دا أنا بعشق أمه أبو غمازات الحلو ده
قهقهت سجى على قولها ، فأرادت إثارة غيظها ، فقالت وهى تشير للجياد الصغيرة :
– شايفة يا ريهام الخيل الصغيرة دول شبهك أوى يا ريهام تقوليش فولة وأتقسمت نصين
ركضت سجى من أمام ريهام خاصة ، بعدما رأتها تنظر إليها مزمجرة بوعيد :
–بقى كده يا سچى ماشى والله لأوريكى
حاولت سجى تفادى وقوعها بين إيديى ريهام ، إذ أخذت تركض من أمامها ، ولكن فشلت بالأخير ، إذ قبضت ريهام على ذراعها ، فأخذتا تضحكان على أفعالهما الطفولية
فرمقت سجى صديقتها بحنان قائلة بحب وإمتنان :
– ربنا يسعدك يا حبيبتى ، مش عارفة من غيرك كنت عملت ايه يا ريهام احلى حاجة انك فضلتى معايا ، كنتى صاحبتى وحبيبتى بقيتى كمان سلفتى
ردت ريهام ممازحة إياها:
–كنتى هتعملى ملوخية يا روحى
دفعتها سجى برفق وهى تقول:
– مبتعرفيش تتكلمى جد ابداً يا ريهام
رفعت ريهام وجهها عالياً قائلة بفخر :
– دا أنا اموت لو أتكلمت جد ومهزرتش أحلى حاجة أن الواحد يبقى فرفوش كده
فعادت ونظرت لسجى ، فقبل أن تعاود حديثها ، إنتبهت على أن القلادة الخاصة بسجى والتى تحمل إسمها لا تراها حول جيدها ، كما أعتادت أن تراها
فرفعت طرف حجابها من الأمام وتساءلت :
– هى السلسلة بتاعتك اللى فيها إسمك فين
– السلسلة
قالتها سجى بدهشة وخوف من أن تكون فقدتها ، فتحسست عنقها وثيابها جيداً ولكنها لم تعثر لها على أثر ، فهى ترتديها منذ أن أهداها لها رائف ، ووضعها حول عنقها
فأوشكت عيناها على البكاء وهى تدور حول نفسها قائلة :
–السلسلة راحت فين ، أنا مش بقلعها من رقبتى ابداً ، أنا خايفة تكون ضاعت دى هدية رائف ليا فى عيد ميلادى وغالية عليا أوى ياريهام
حاولت ريهام أن تطمأنها ، فأقترحت عليها أن تبحث عنها بغرفتها:
– أهدى جايز تكونى قلعتيها فى اوضتك ، تعالى ندور عليها يمكن نلاقيها
ذهبتا لتلك الغرفة التى تسكنها هى ورائف ، وبعد بحث دام طويلاً لم تعثر أى منهما على القلادة ، فهتفت سجى بإحباط وحزن :
– برضه مش لقياها ، ريهام دورى عليها مكان ما كنا قاعدين فى الجنينة وأنا هروح أدور فى الإسطبل جايز تكون وقعت منى هناك
هزت ريهام رأسها قائلة وهى تخرج من باب الغرفة:
– ماشى هروح أدور هناك
عادت سجى لحظيرة الخيول ، فلم تترك مكان إلا وبحثت عن قلادتها الثمينة ، والتى لم تكن أثمن ما تملكه ، ولكن يكفى أن من أهداها لها هو زوجها الحبيب
فدمعت عيناها وقالت بحيرة :
– هتكون راحت فين بس ياربى
سمعت صوت خلفها ، فإستدارت لمصدر الصوت ووجدت عصام يقف على بعد عدة خطوات منها قائلاً:
–بتدورى على حاجة يا دكتورة سچى
قالت سجى بوجه عابس :
– فى حاجة يا أستاذ عصام
رد عصام قائلاً:
–ممكن تقوليلى عصام من غير أستاذ وأنا ممكن أقولك يا سچى إحنا بقينا معرفة
نفخت سجى بضيق وقالت:
– أنا مش بشيل التكليف بينى وبين حد مليش صلة بيه
وضع عصام يده على عنقه وعيناه تنظر إليها بتقييم ، فقال بصوت هادئ :
– ما أنا مبقتش غريب
أردت سجى فض الحديث بينهما ، فردت قائلة وهى تهم بالمغادرة:
– حضرتك عايز إيه يا أستاذ عصام بالضبط وجايلى أنا هنا ليه ، وأه أنت بالنسبة ليا غريب ، أنت اه معرفتهم هم لكن مش معرفتى أنا ، فأنا لازم أتعامل معاك على الاساس ده
سد عصام عليها الطريق وهو يقول:
– ما إحنا ممكن نتعرف عادى يعنى ، ومالك متنرفزة ليه كده
أطاعتها قدميها بالعودة للخلف عدة خطوات ، فصاحت به بنزق :
– أنا مش متنرفزة ، وحضرتك عايز ايه منى دلوقتى ، لأن أنت الصراحة بقيت تضايقنى وممكن أقول لجوزى وأهله
مد يده بجيب قميصه وهو يقول ببرود :
– أنا عايز أديكى حاجة تخصك وبتدورى عليها
قطبت سجى حاجبيها قائلة بدهشة :
– وحاجة ايه اللى تخصنى دى
أخرج عصام القلادة من جيب قميصه قائلاً بإبتسامة ماكرة :
– هى دى الحاجة اللى تخصك ، مش السلسلة دى بتاعتك ولا انا بيتهيألى
تعجبت سجى من وجود قلادتها معه ، فكيف وصلت القلادة إليه ؟ نظرت إليه بضيق وتساءلت بإمتعاض وإستياء :
– أيوة دى سلسلتى بس ، أنت لقيتها فين أو وصلتلك إزاى ؟
يتبع....