-->

رواية لا أحد سواك رائفي- بقلم الكاتبة سماح نجيب- الفصل الثالث والعشرون

رواية لا أحد سواك رائفي 
بقلم الكاتبة سماح نجيب



رواية لا أحد سواك رائفي 

الفصل الثالث والعشرون

٢٣–"عدنا مثلما كنا "


طفح كيلها من إنتظاره أن يفصح عن كيفية عثوره على قلادتها ، فهو يبدو مستمتعاً بزيادة حنقها ، ودل على ذلك نظراته المتصاعدة على وجهها بهدوء مميت ، فهى وجدت أعذار كافية لزوجها بأن يشعر بالضيق منه ، حتى إن وصل الأمر إلى شعوره بالكراهية تجاهه ، فهى وإن كانت لم تبغض احداً من قبل ، إلا أنها ولأول مرة بحياتها ، تشعر بكراهيتها لأحد ، فتقاذفتها الحيرة بين إنتظارها لتأخذ قلادتها ، أو أن تذهب وتخبر زوجها بالأمر ، وهو كفيل بإعادتها إليها ، ولكن ربما سيتفاقم الأمر بينهما وهى لا تريد أن يعود زوجها لما كان عليه ، قبل مجيئهما للمزرعة 


رآى عصام أنها حصلت على حصتها كافية من الإنتظار ، فرد قائلاً ببرود:

– أنا لقيتها واقعة منك هنا فى الإسطبل لما جيت أول مرة وشوفتك أنتى ورائف


كزت سجى على أسنانها وهتفت به حانقة :

–ولما حضرتك لقيتها مدتهاش ليا ليه ، ليه خلتها معاك أو كنت تديها لرائف وهو كان هيديهالى


بلمحة خاطفة كانت تجذب القلادة من يده ، فهى باتت تشعر بالإشمئزاز والتقزز من أفعاله وأقواله ، إلا أنه رد قائلاً:

–مش عارف ايه اللى خلانى أخليها معايا ، أصل أنا لقتها بعد ما جوزك هو كمان سابنى ومشى فمردتش أتعبه وأنادى عليه وقولت أجى أديهالك


رفعت سجى شفتها قائلة بإشمئزاز :

– تديهالى ! على العموم شكرا وعن أذنك بقى


خطت عدة خطوات مبتعدة عنه ، إلا أنها توقفت عن الحركة بعد سماعه وهو يقول بتهكم :

– وأنتى مستعجلة ليه كده ، مستعجلة تروحى لرائف لحق وحشك بسرعة كده


إلتفتت إليه برأسها وتساءلت :

– أنت عايز إيه بالظبط يا أستاذ عصام علشان أنت كلامك مش مريح وأنا مبحبش كده


أدعى عصام الجهل وهو يقول :

– ليه هو أنا قولتلك إيه علشان كلامى ميبقاش مريح أو علشان أنتى متحبيش كلامى أنا بتكلم عادى أهو


قالت سجى بتحذير ، بعدما دارت على عقبيها وصارت وجهها لوجه معه :

– أنا عايزة أقولك حاجة واحدة بس لو عقلك مصورلك أنك تقدر تتجاوز حدودك معايا أحسنلك متفكرش


رفع عصام حاجبيه قائلاً ببرود :

–هو فين التجاوز اللى حصل منى ده يا دكتورة سچى أنا قولتلك ايه لده كله 


أشارت بسبابتها أمام وجهه قائلة :

–لا تقولى ولا أقولك و عن أذنك بقى علشان متأخرش على جوزى ، وأنت عارفه عصبى 


أرادت أن تجعله يعى كونها أنها لن تجعل مجال الحديث بينهما متاحاً ، فهى لم يعد بإمكانها أن ترى وجهه ، ولا أن تستمع لحديث الذى تعلم أنه ينطوى على مفاهيم خاطئة من الأفضل له ألا يفكر بها 


إبتسم عصام إبتسامة خبيثة ، فهو لديه الإصرار الكامل على أن يجعل رائف يعانى مثلما عان هو من مقارنته به منذ صغره ، فنظر لأثرها قائلاً:

–هنشوف يا دكتورة سچى هتفضلى على عندك لحد أمتى


عادت سجى لغرفتها ، وجلست على طرف الفراش ، فراحت تمسح على القلادة ، كأن بلمس عصام لها صارت مدنسة ، فتلك القلادة لم تلمسها يد من قبل سوى يدها ويد زوجها ، أرادت أن تعلم سبب فقدانها لها ، فوجدت القفل الصغير المسئول عن إحكامها حول عنقها بحاجة للإصلاح 


ولج رائف الغرفة ، فوجدها تحمل القلادة بين يديها ، فزوى ما بين حاجبيه متسائلاً:

– أنتى قلعتى السلسلة ليه يا سچى


رفعت سجى وجهها له وقالت:

– القفل بتاعها فيه مشكلة عايز يتصلح يا حبيبى ، أنت جيت الأوضة ليه فى حاجة حصلت ولا إيه 


مد يده لها لتضعها بكفه وهو يقول :

– لاء بس لما أتأخرتى جيت أشوف فيكى إيه وخصوصاً إن ريهام رجعت وأنتى لاء ،  أنتى كويسة ولا فى حاجة ضايقتك ، أنا هبقى اخلى أكرم ياخدها يصلحها لما نرجع البيت


وضعت سجى القلادة بيده الممدودة أمام وجهها وقالت :

– أنا كويسة يا حبيبى مفيش حاجة متقلقش أنا تمام


جلس بجوارها ، ولكنه لم يستطع أن يظل صامتاً ، فحدق بها متسائلاً بغيرة :

–هو عصام كان بيقولك إيه وأنتوا فى الاسطبل وكان عايز منك إيه


إلتفتت بوجهها إليه قائلة بتعجب :

– وأنت عرفت منين أن إحنا كنا هناك فى الإسطبل ، هى ريهام اللى قالتلك ؟


أجابها وهو يحاول ضبط أنفاسه المتصاعدة بغضب :

– لما سألت ريهام عنك قالت أنك روحتى الاسطبل علشان السلسلة بتاعتك ضاعت وأنتى بتدورى عليها لما روحت أشوفك لقيت عصام هناك هو كمان ، وأنتى سبتيه ومشيتى فعايز أعرف حصل إيه علشان لو هو ضايقك أنا مش هعديهاله على خير وهطلع روحه فى إيدى لو كان عمل حركة مش ظريفة من حركاته المستفزة ، عصام أنا عارفه كويس ، إنسان سمج ورزل ومش بيبطل حركاته الغريبة دى وخصوصاً أن أنا اعرفه من وإحنا صغيرين وعارف كل الاعيبه


أحتضنت سجى وجهه بين راحتيها ، وألصقت وجهها بوجهه وقالت:

– هو ميقدرش يضايقنى لإن أنا مش هسمح له بحاجة زى دى فى حدود فى التعامل لازم ميتخطهاش ولازم يلزم حدوده ، وحركاته دى على نفسه مش عليا ، مش أنا اللى أسمح لاى حد أن يرزل عليا أو يضايقنى ، أنا بتعامل مع الناس باحترام اه  لكن كل حاجة بحدود وبحساب ، وأنا مش من طبيعتى أن أنا أتكلم مع أى حد ، وأنا عشت معاكم فى البيت وعرفت أنا ماما مربيانى إزاى


طوقها بذراعيه وضمها إليه أكثر قائلاً بصوت متهدج :

– أنا عارف يا حبيبتى كل الكلام اللي قولتيه ده لأن أنتى مفيش زيك يا عمرى ، وطبعا أنا واثق فى أخلاقك وتربيتك بس أنا مش بطيق حد يقرب منك وخصوصاً هو ببقى نفسى اكسرله رقبته


إبتسمت سجى وقالت بهمس :

–وتجيب لنفسك مشكلة ليه بسببى يا حبيبى ، أنا أعرف أتجنبه إزاى وأوقفه عند حده ، أنا شريرة بس انت لسه متعرفش ، وأنا مش بخلى حد يضايقنى غيرك أنت ، لأن أنت حاجة تانية ، تصدق كنت بحب خناقتنا أوى مع بعض 


ضحك رائف على قولها ، فرد قائلاً:

– فى شريرة حلوة كدة ومؤدبة بالشكل ده ، أنا كنت بعد الدقايق علشان النهار يطلع وأشوفك ، وعمرى ما حسيت إن بحب حد كده أو أغير على حد بالطريقة دى ،  قبل ما نتجوز لما كنتى بتقولى أنك خارجة من البيت كنت بتجنن علشان انتى خارجة كان نفسى أقولك لاء متخرجيش يا سچى ، أنا مش عارف لما بقرب منك ببقى نفسى اخبيكى جوايا ومخليش حد يشوفك غيرى


أخذت نفساً عميقاً محمولاً برائحته وردت قائلة بهمس محبب :

–ولما كنت تقف ليا على الباب وتقولى يا ريت يا أنسة ما تتأخريش برا ولما أرجع تقولى أنتى أتأخرتى ليه كده ، أصل قطتك كانت بدور عليكى ، قطتى برضه اللى كانت بدور عليا يا رائف


قهقه رائف قائلاً بصدق :

– لاء أنا اللى كنت بدور عليكى وعامل القطة حجتى ، كنت ببقى قاعد مش على بعضى ، وأول ما أشوفك نار قلبى كانت بتهدا 


زاد من ضمه إليها ، حتى كادت تشعر بذراعيه على وشك سحق عظامها ، فهتفت به بأنين ممازحة :

– رائف أنت شوية وتكسرلى العضمتين اللى حيلتى براحة أنت عضلاتك قوية أوى يا رائفى 


أرخى ذراعيه عنها قليلاً وقال :

– بعد الشر عليكى يا حبيبتى ، بقيت بحب أسمع منك الإسم ده أوى  


رآت سجى أن ربما الفرصة سانحة لتخبره بضرورة عودته للعلاج الفيزيائى ، فناشدته بصوتها الرقيق :

– حبيبى أنت رفضت تكمل الجلسات ، دا انت خلاص مبقاش فى وقت كتير علشان تسافر تعمل العملية ، فعلشان خاطرى لازم تعمل الجلسات اللى فاضله 


هز رأسه قائلاً بضعف أمام إلحاحها :

–خلاص اعمليها دلوقتى يا دكتورة سچى


نقرت سجى بسبابتها على طرف ذقنها وهى تقول:

– إزاى بقى ومفيش الأجهزة اللى بنستعملها فى الجلسة


همس رائف بأذنها قائلاً بنبرة عابثة :

–خلاص يا روحى نقضيها تدليك للعمود الفقري بس على ما نرجع البيت


أزدردت لعابها وقالت بخجل :

– رائف بس بقى،مش عارفة ليه حاسة فى كلامك بقلة أدب


رد رائف باسماً:

– حاسة بس يا روحى ومش متأكدة يعنى ، يا روح رائف قولتى ايه هتعمليلى الجلسة ولا إيه يا دكتورة


تنهدت سجى وردت قائلة بإستسلام :

– خلاص ماشى هعملهالك وأمرى لله


هب رائف واقفاً وحل أزرار قميصه قائلاً بحماس :

– يلا وأنا مستعد يلا نبتدى الجلسة بقى ، يلا خير البر عاجله يا حبيبتى


فغرت سجى فاها وقالت بدهشة:

– إيه السرعة دى كلها اللى أنت فيها من أمتى الحماس ده كله


لم تشأ أن ترده خائباً ، فقامت بعملها والذى لم يتعدى كونه تدليك لفقرات العمود الفقري والظهر ، ظلت منهمكة بما تفعله ، حتى سمعت صوت إنتظام أنفاسه ، فعلمت أنه ربما بحاجة للنوم 


ولكن ما أن كفت عما تفعله ، وأرادت الخروج من الغرفة ، سمعت صوته قائلاً بنعاس :

–راحة فين يا سچى


عادت سجى وجلست بجواره قائلة :

– أنت لسه صاحى أنا أفتكرتك نمت لما سكت خالص ومبقتش تتكلم ، بس رائف عايزة أقولك على حاجة مامتك زعلانة أوى يا رائف 


بإتيانها على ذكر والدته ، أعتدل رائف بجلسته متسائلا بإهتمام :

–مالها ماما يا سچى وزعلانة من إيه


أجابته سجى وهى تمرر يدها على ثوبها :

–كانت زعلانة بسبب اللى حصل واللى أنت كنت فيه كلنا كنا زعلانين علشانك يا رائف ، اهلك بيحبوك جدا على فكرة


أطلق رائف نهدة عميقة ورد قائلاً بصوت متأسف على ما سببه لعائلته من حزن :

– أنا عارف بس خلاص هحاول أهدى نفسى وهصالح ماما أنا مبحبش أشوفها أو أشوف أى حد منكم زعلان


إبتسمت سجى لقوله ، فربتت على وجنته قائلة بحب :

–خلاص إحنا اليومين دول نحاول ننسى اللى حصل علشان نقضى إجازة سعيدة ويبقوا هم كمان مبسوطين


آسر يدها بجانب فمه قائلاً:

– إن شاء الله يا حبيبتى ، بس قوليلى بقى أهلى بيحبونى طب وأنتى


ردت سجى قائلة بصدق :

– أنا بعشقك يا رائفى


قبل أن يسرى الضعف بمفاصلها ، جذبت يدها سريعاً وأكملت حديثها قائلة :

– يلا بقى قوم وألبس قميصك خلينا نخرج ليهم برا 


استقام رائف بوقفته ، وأرتدى قميصه قائلاً:

– طب يلا أقفليلى الزراير بقى بقالى كام يوم بلبس تيشرتات والصراحة زهقت ووحشنى لبس القميص


فكم يبدو جذاباً وهو يبتسم لها هكذا ، خاصة بعد فهمها لمقصده ، فأقتربت منه وأغلقت له أزرار قميصه ، فأرادت ممازحته فأدعت الجدية قائلة :

–خلاص خلصت أهو يلا بينا نخرج بقى 


عبس رائف قائلاً :

–نعم هو ايه ده اللى خلصتى أنتى مش ناسية حاجة تانية أنتى معملتهاش ، استعبطى بقى يا سچى


حاولت سجى رسم الجدية على وجهها وهى تقول :

–حاجة إيه دى ، أنا مش فاكرة أن أنا ناسية حاجة ، القميص وخلاص قفلتلك الزراير فى ايه تانى ، لو ناسية حاجة قولى بدل الحيرة دى


بحث عن عصاه ، فأخذها وأستند عليها قائلاً بإقتضاب :

– خلاص يلا بينا يا سجى نخرج 


قبل أن يبتعد أكثر ، قبضت على ذراعه قائلة :

– أستنى بس أنت زعلت منى


أشاح بوجهه عنها متمتماً:

– أه زعلت وزعلت جامد كمان 


أقتربت منه أكثر هامسة :

– وأنا ميرضنيش زعلك يا حبيبى خلاص متزعلش


أربكته أكثر بهمسها ، وهداياها التى راحت توزعها بسخاء ، ونال وجهه وعنقه منها النصيب الأكبر ، فظل يزدرد لعابه بتوتر ، أرادت له المزيد ، فعادت تكمل حديثها:

– كفاية كده ولا إيه يا حبيبى


رد رائف متلعثماً:

–ككفاية كده لأن شوية كمان ، مم مش هنخرج من هنا


شهقت سجى بخفوت وفرت راكضة من الغرفة وهى تقول:

–هاا لاء أنا خارجة سلام


خرجت من الغرفة يرافقها أصداء ضحكاته التى ملأت الغرفة ، فلحق بها بعد برهة قصيرة ، متعمدة أن تسير بخطوات بطيئة ، حتى تمنحه الفرصة فى اللحاق بها ، فكان لها ما أرادت ، فقبل خروجها من الرواق الفاصل بين الغرفة والصالة ، قبض على ذراعها ، فتأملته طويلاً ، كان ممشوق القامة ، قصير الشعر حالكه ، ولحية سوداء مشذبة بعناية غطت وجهه ، ورأس منتصب على كتفين عريضتين ، فهى صارت مفتونة به ، وما أن أقترب منها ووضع ذراعه حول عنقها ، لم يكن أمامها أى خيار سوى أن تحدق بعينيه ، فتأكدت أنها مهما كانت نواياه ، فلم يكن بوسعها أن تتخلص منه وتهرب ، طافت نظراتها حول عينيه ، التى كانت كديار هجرتها الحياة ، فكان ليله نهاراً ونهاره ليلاً ، ولكن ها هى قد أطلت ومعها بريق حياة جديدة

❈-❈-❈

نظرت أروى بالمرآة بعد وضعها اللمسات الأخيرة قبل خروجها من الغرفة ، فتأملت ثوبها الجديد وحجابها ، وأثنت على جودة إختيارها للثوب والحجاب ، ولكن مر بريق الحزن بعينيها ، ما أن تذكرت والدتها ، فاليوم هى ستذهب لشراء خاتم الزواج والمصوغات الذهبية من أجل زفافها ، ولن يرافقها سوى أبيها وهشام ووالدته ، إلتفتت برأسها ونظرت لهاتفها الموضوع على فراشها ، وفكرت أن تهاتف شقيقتها من أجل الحضور ، فسجى منذ أخبرتها بسوء الحالة النفسية لزوجها ، وهى تخشى أن تهاتفها ، على الرغم من تيقنها من أن شقيقتها لن تسئ لها بقول أو فعل 


فحسمت أمرها وأخذت الهاتف ، وبحثت عن رقم هاتف شقيقتها ، وبلمسة واحدة كانت تجرى إتصالاً بها ، فأنتظرت حتى سمعت صوت سجى ، فقالت بلهفة :

– ألو سچى عاملة إيه وحشتينى ، أنا كنت محتاجة أنك تكونى معايا وأنا بختار الدبل والشبكة بتاعتى 


بسماع سجى ما قالته أروى ، هتفت بها بصوت مفعم بالسعادة :

– ألف مبروك يا حبيبتى بس أنا للأسف يا أروى مش فى القاهرة دلوقتى 


عقدت أروى حاجبيها وتساءلت بقلق :

–  أنتى فين فى حاجة ولا إيه طمنينى عليكى


أجابت سجى بصوت هادئ :

–لاء يا حبيبتى مفيش حاجة بس احنا فى المزرعة بتاعت اهل جوزى ولسه مرجعناش ، متعرفيش أنا زعلت دلوقتى إزاى أن مش موجودة معاكى ، بس ليه يا أروى مقولتليش من بدرى 


ردت أروى قائلة بصوت خافت :

– الصراحة كنت مكسوفة أكلمك وأقولك ، وخصوصاً لما عرفت أن جوزك نفسيته تعبانة ، محبتش أشغلك عنه ، بس خلاص ولا يهمك يا حبيبتى ربنا يسعدكم يارب وترجعوا بالسلامة 


حاولت سجى تقديم إعتذارها عن حضور تلك المناسبة السارة ، فقالت بوعد :

– تسلميلى يا رب وأنا إن شاء الله لما أرجع هجيلك علشان أشوف الدبل وأباركلك ، أنا فرحتى متتوصفش أن أختى حبيبتى خلاص بقت عروسة وهتتجوز ، ومليون مبروك وعقبال الفرح ان شاء الله


ردت أروى مبتسمة:

–تسلميلى يارب وعقبال ما أفرح أنا كمان وأبقى خالتو مع السلامة 


أنهت أروى حديثها مع سجى ، فطرق أبيها الباب وأدار المقبض ودلف الغرفة وهو يصيح بسعادة :

– يلا بينا يا حبيبتى هشام ووالدته وصلوا 


تأبطت أروى ذراعه وخرجت من الغرفة ، فخرجوا جميعهم من المنزل ، ووصلوا لأحد المتاجر الشهيرة ببيع المصوغات الذهبية ، فجلست أروى بإرتباك ، لا تعلم ماذا تنتقى منها 


فإبتسمت لها والدة هشام قائلة:

– إيه يا حبيبتى إختارتى إيه ، إيه الحاجة اللى عجبتك ،شوفى عايزة ايه واختاريه ، الحاجة اللى تعجبك وتريحك


أبتلعت أروى لعابها وردت قائلة بإستحياء :

–مش عارفة يا طنط أختار إيه 


أراد هشام تخفيف وطأة شعورها بالخجل ، فقال باسماً:

–اللى يعجبك اختاريه وميهمكيش أى حاجةة، كل اللى أنتى عيزاه تحت أمرك


ربت حامد على كتف هشام قائلاً :

–تسلم يا أبنى يلا يا حبيبتى شوفى عايزة ايه 


أنتقت أروى خاتم زواج ذهبى وسوار وأكتفت بذلك ، فربتت والدة هشام على ساقها قائلة بحنان :

–شوفى حاجة كمان يا حبيبتى


لم تريد أن يتكلف عناء دفع أموال أخرى ، فردت قائلة بقناعة :

–دول حلوين يا طنط وكفاية كده


أقترب هشام من الخواتم الذهبية المعروضة ، فمرر يده عليها وهو يقول :

–طب سيبينى انا اخترلك خاتم ممكن ،إيه رايك في الخاتم ده عجبك


رفع الخاتم أمام عينيها فردت قائلة:

– شكله جميل


إبتسمت والدة هشام قائلة :

–خلاص مبروكين عليكى يا حبيبتى ، ألف مبروك يا حبايبى


أطلقت والدة هشام الزغاريد بصوت صدح بالمتجر ، فقبل هشام رأسها قائلاً بحب :

–الله يبارك فيكى يا ماما


ترك حامد مكانه وأقترب من إبنته وسرعان ما أخذها بين ذراعيه يهنأها ، فإنزلقت دمعة من عيناه لسعادته من أجلها ، فظل يربت عليها بمحبة وهو يقول :

– ألف مبروك يا أروى ربنا يسعدكم 


قبلته أروى على وجنته قائلة:

– تسلملى يا بابا


وضعت أروى الخاتم الذهبى بيدها اليمنى ووضع هشام خاتمه الفضى ، أخذ نفساً عميقاً وزفره براحة من أن أموره سارت على ما يرام ، فطمع بالمزيد ، وأتخذ قراره بأن يلح على حامد بضرورة الإسراع بعقد القران والزواج 


فنظر إليه قائلاً برجاء:

– إحنا إن شاء الله نكتب الكتاب لما أروى تخلص السنة دى وتبقى تكمل دراستها بعد الجواز ماشى يا عمى 


تفاجئ حامد بمطلبه ، إلا أنه رد قائلاً بهدوء :

– ربنا يسهل يا إبنى إن شاء الله


خرجوا من المتجر ، وأصر هشام بإصطحابهم لأحد المطاعم لتناول الطعام ، وأن يتنزهون قليلاً قبل العودة للمنزل ، رآى حامد بعينىّ إبنته ترحيباً بما قاله هشام ، ولكن لسانها عاصياً عن قول موافقتها صريحة. أخذ يدها وأعلن عن موافقته ، فتهلل وجه هشام ، الذى أصطحبهم لمطعم أشتهر بتقديم المأكولات البحرية ، فهو يعلم بشأن حب أروى لتناول الأطعمة البحرية منذ صغرها ، وأوصى النادل بتقديم أفضل ما لديهم من أجلها ، فأختلست إليه نظرة عابرة ، كمن تقدم شكرها على إختياره ما أشتهت تناوله ، فاليوم أكلت بنهم وربما ذلك عائد لشعورها الشديد بالسعادة ، من كون حلمها الوردى أصبح حقيقة وصار هشام خطيبها وبالقريب العاجل سيصير زوجاً لها

❈-❈-❈

فضلت هدى الجلوس بمفردها قليلاً ، وعيناها تتأمل السماء والشمس التى أوشكت على المغيب ، منظر طبيعي مهيب ، تجلت به عظمة الخالق سبحانه وتعالى ، فهى محبة للطبيعة ، وخاصة الزهور والورود والأشجار ، وكل ما حمل صفة النبات ، فأشجار وورود حديقة المنزل بالقاهرة ، هى من زرعت الكثير منها ، خاصة إحدى الأشجار ، التى غرزت نبتتها ، يوم علمها بأنها تحمل بأحشاءها طفلها الأول ، وتتذكر أن بهذا اليوم ظلت تدعو الله أن يرزقها بمولود ذكر ، لتمنحه إسم رائف ، وهذا ما كان فبعد بضعة أشهر رزقها الله برائف ، فكان ومازال سعادتها الأولى والأخيرة 


سمعت صوت نقرات عصاه ، فألتفتت خلفها وجدته يقترب من مجلسها بعد أن ناداها ، فأشارت إليه بالجلوس جوارها قائلة :

– إيه يا حبيبى بتنادى عليا عايز حاجة منى 


جلس رائف بجوارها لها قائلاً بندم :

–أنا جاى أقولك أنا آسف يا ماما ، أسف لو كنت ضايقتك أو زعلتك أو أن أنا خليتك تحسى بالحزن والزعل الايام اللى فاتت دى


أسرعت بضمه إليها ، وراحت يديها تمسد على ظهره تارة وتربت عليه تارة أخرى ، فردت قائلة:

–حبيب قلبى أنا مش ممكن أزعل منك أنا أمك يعنى زعلى مش منك أنا زعلى بيبقى عليك زعلانة علشان أنت مضايق وزعلان يا رائف وأنت عارف غلاوتك عندى قد إيه علشان أنت أول فرحتى وأول واحد اسمع منه كلمة يا ماما ، انت حبيب قلبى يا رائف يعنى يا حبيبى أنت واخواتك اغلى ما عندى فى الدنيا دى كلها


أبتعد رائف عنها قليلاً ورد باسماً:

–خلاص بقى يادودو متزعليش ماشى ، طب إحنا أغلى حاجة عندك طب وبابا إيه النظام بقى 


ضربت والدته بخفة على كتفه وهى تقول بصوت خجول :

– بس يا واد أنت بلاش شقاوة


أنكمشت ملامح وجه رائف قائلاً بتفكه :

– أنتى لسه بتقوليلى يا واد بعد العمر ده كله والطول والعرض ده


أحتضنت وجنته بكفها الناعم ، وقالت بحب :

– حتى لو بقيت إيه ، أنت هتفضل طول عمرك أبنى اللى كبر قدام عينى يوم ورا يوم ولسه فاكرة تفاصيل حياته من وأنا حامل فيه لحد النهاردة لحد ما بقى بسم الله ماشاء الله راجل ومتجوز


عاد وأحتضنها من جديد ، فالله رزقه حب والديه وعائلته ، ولم تقف عطايا ومنح الله لهذا الحد ، بل رزقه زوجة صالحة ، كان يتمنى الحصول عليها منذ زمن ، فماذا يتمنى أكثر من ذلك ؟


أقترب منهما شادى بابتسامة زادت من وسامته ، يشعر بالسعادة من أجل شقيقه ، فرائف ليس فقط شقيقاً له ، بل هو بمثابة والد ثانى له ، ولم ينسى دلاله له منذ صغره ، فأراد المزاح معهما على طريقته الخاصة 


فوضع إحدى يديه موضع قلبه ، والأخرى على جبهته يقف مترنحاً كأنه يشعر بالألم ، فقال بصوت درامى :

– أه أه قلبى خيانة ماما بتحضن أبيه رائف وأنا لاء ، لاء مش قادر الحقونى أنا هيغمى عليا ولا إيه ، لاء أنا شكلى جعان 


قهقه رائف على ما قاله شادى ، فرد قائلاً:

–مش بقولك تمثيلك فاشل يا شادى يا حبيبى


زفر شادى قائلاً بإحباط :

– ليه يا أبيه بس دايما تحبطنى كده أضحك عليا وقولى شاطر يا شادى برافو عليك يا شادى أى كلمة تشجيع ولو بالكدب 


رد رائف ممازحاً:

– أضحك عليك أغشك أقولك البحر مليان تروح تلاقيه فاضى


تشابكت يد هدى بيد رائف قائلة بإبتسامة :

–وحشتنى ضحكتك وهزارك يا حبيبى


خطى شادى خطوتين تجاه رائف ، فنظر إليه قائلاً بوداعة :

– بقولك إيه يا أبيه أنا عايز أركب الحصان بتاعك رماح قولت إيه


حرك رائف رأسه برفض قاطع قائلاً بصوت مرتجف :

– لاء يا شادى بلاش رماح أنت عارف أنه ممكن يوقعك ويجرالك حاجة أركب أى حصان تانى بلاش رماح فاهم يا شادى ومش هكرر كلامى أنت فاهم ، لو عرفت أنك عملت كده من ورايا مش هكلمك تانى 


جلس شادى القرفصاء أمام رائف قائلاً :

–أنت خايف عليا أوى كده يا أبيه


مسد رائف على رأس شقيقه الصغير وهو يقول بصوت مفعم بالصدق :

– طبعاً أنت مش بس أخويا يا شادى دا أنا بحس أنك أبنى اللى أنا مربيه على إيدى


إبتسم شادى إبتسامة بلهاء وقال :

– طب ما تجيب بوسة بقى يا أبيه بمناسبة الكلمتين الحلوين دول


رد رائف قائلاً وهو يدفعه عنه برفق:

–يلا ياض غور من هنا


رفع شادى شفته العليا وأستقام واقفاً وهو يقول :

–كده الحنية طارت من قلبك فى ثوانى بتقلب فى ثانية


رفع رائف حاجبه الأيسر قائلاً:

–علشان عارف أنت هتعمل إيه يا شادى بعد ما تبوسنى ، هتعضنى وتجرى


ضم شادى كفيه ووضعهما على صدره وهو يقول بغيظ :

–مبقاش عندكم ثقة فيا كده خالص شكراً ليكم


تركت هدى مقعدها ووقفت بجوار شادى وقرصت وجنتيه قائلة :

– أنت دمرت الثقة دى يا شادى خالص مبقتش موجودة يا حبيبى 


ضحك شادى على ما قالته والدته ، فأخذ راحتيها بين كفيه وقبلهما بحب ، فأشارت لرائف بالنهوض ليخرجوا للحديقة ، أسرع شادى بتقديم يد المساعدة لشقيقه ، فسار رائف مستنداً على عصاه بإحدى يديه ولف ذراعه الأخر حول كتفىّ شقيقه ، ظل يمازح شادى ،ويبعثر خصيلات شعره ، لعلمه أنه يهوى ذلك منذ أن كان طفلاً صغيراً ، على الرغم من أنه صار شاباً يافعاً الآن ، ولم يتبقى سوى بضعة أشهر وينهى تحصيله الدراسى بالجامعة ، ولكن تلك الصورة التى مازال محتفظاً بها لشادى بقلبه من كونه الطفل الصغير المدلل ، لم تستطع تلك الملامح الرجولية التى بات يحملها شادى أن تمحيها من قلبه وذاكرته 

❈-❈-❈

خرجت فادية من المنزل وأشارت لعربة أجرة ، التى يكثر إستخدامها بالحى ، وأخبرت السائق بوجهتها ، فطوال الطريق الذى أستغرقته العربة فى الوصول لمكتب المحامى ، كانت تشعر فادية بنشوة الإنتصار ، فبعد دقائق معدودة ، سيصبح ذلك المتجر ، الذى أفنى حامد عمره به ، ملكاً لرجل أخر ، فكل شئ سار على مايرام ومثلما خططت ، وهى الآن ذاهبة للمحامى لتوقيع عقود البيع أعلن السائق عن وصولهما ، فناولته النقود وترجلت من العربة ، دلفت لمكتب المحامى ، وجدتهما بإنتظارها 


فأقترب منها المشترى قائلاً بترحيب حار :

– أهلاً يا ست فادية خلاص العقود جاهزة اتفضلى أهى وقعيها 


جلست فادية وأخذت العقود من يده تجيل بعينيها بين بنودها ،لتتأكد من خلوها من تلاعبه بها ، فبعد تأكدها من المبلغ المطلوب ، والذى وضعه أمامها ، قامت بتوقيع إسمها كاملاً


فناولت العقود قائلة بإبتسامة شامتة :

– أتفضل يا معلم و مبروك عليك ورشة حامد


أخذ الرجل الأوراق من يدها قائلاً بسعادة :

– فلوسك قدامك أهى يا ست فادية كاملين بالتمام والكمال ، والله يبارك فيكى 


أخذت فادية حقيبة النقود وهبت واقفة وقالت :

– عن أذنك أنا بقى علشان أمشى ومبروك مرة تانية 


رد الرجل قائلاً وهو يرافقها للخارج :

–مع السلامة مع ألف سلامة


بعدما أخذت فادية حقيبة المال وذهبت سريعاً إلى المنزل ، ذهب الرجل إلى المتجر ، الذى إبتاعه منذ دقائق ، فنظر إليه بإبتسامة إنتصار ، فما أراده حصل عليه بالأخير ، وصار هو المالك الجديد ،  فأمر العاملين لديه بإزالة تلك اللافتة الكبيرة ، التى كانت تحمل إسم حامد كاملاً ، فأسرع الرجال بتنفيذ أوامره ، وبعدما أزالوا اللافتة القديمة ، أمرهم بوضع لافتة جديدة تحمل إسمه 


فصاح بهما لضرورة توخى الحذر بوضع اللافتة :

– حاسب يابنى أنت وهو على اليافطة لتقع ثبتها كويس


فأثناء صياحه بالرجال ، رآى حامد على بعد بضعة أمتار منه ، فأراد أن يخبره أنه هو من إبتاع متجره ، فناداه قائلاً :

– أهلا يا معلم حامد مش هتقولى مبروك ولا إيه


أقترب منه حامد ، ولم ينتبه لللافتة ، فنظر إليه متسائلاً:

– مبروك ، بس خير أباركلك على إيه ؟


وضع الرجل يديه بجيبى بنطاله قائلاً بإنتصار وشماتة :

– تباركلى على إن أنا أشتريت ورشتك قصدى ورشة الست فادية


صُدم حامد من قوله ، إلا أنه أبى أن يظهر حزنه ، فرد قائلاً بإبتسامة باردة :

– مبروك عليك يا معلم 


قبض الرجل على كتف حامد وهو يقول بوداعة زائفة :

– أوعى تكون يا أخويا زعلان ولا حاجة أن أنا اشتريتها ولا تكون مضايق ، لو أضايقت أنا أرجع فى البيعة على طول مع الست فادية ، مش الكلام برضه مع الست صاحبة الشأن


أزاح حامد يد الرجل عنه وهو يقول ببرود:

– وأنا ايه اللى هيزعلنى ، قولتلك مبروك عليك ، وعن أذنك بقى علشان ورايا مشوار مهم


رحل حامد يرافقه صوت الرجل الشامت :

– مع السلامة طريق السلامة يا أخويا إن شاء الله


أنصرف حامد محاولاً السيطرة على حزنه بعد خسارته لمتجره ، وربما هذا عقاب من الله على ما فعله بحق زوجته الراحلة وإبنته ، فلابد أن ينال جزاء جريرته وظلمه لهما ، ولكن كيف سيطلب العفو من زوجته نعمة وهى قد رحلت عن هذا العالم بقلب غير راضى عما فعله بها وبسجى ، التى تركها تحيا يتيمة الأب ، حتى عندما جاءته الفرصة ليصلح خطأه ، زاد من جُرمه بحقها ، ولكنه أصر على طلب العفو والصفح منها عما فعله ، لذلك عزم على الذهاب إليها بمنزل زوجها ، وسيرجوها بأن تسامحه ، حتى لو إستلزمه ذلك الباقى من عمره ، فهو لن يمل من طلب الصفح ، حتى تمنحه إياه

❈-❈-❈

هزت مايا رأسها بالرفض عدة مرات ، فكل ثوب زفاف تحمله لها مصممة الأزياء ، تسرع فى إبداء عدم رغبتها به ، وأنها تريد ثوب أخر ، فتمنت أن تصاب المرأة بالملل وتخبرها أن تذهب لمتجر أخر ، ولكن تحلت المرأة بالصبر ، حتى وضعت أمامها ثوب زفاف ، لن ترتديه سوى فتاة تشبه الأميرات ، فأسرع هانى بإبداء إعجابه به وألح عليها بأن ترتديه ، لعلها تقتنع بأنه الثوب المنشود لحفل زفافهما ، أخذته من يد المرأة بضجر ، وذهبت لإحدى الغرف وأرتدت الثوب الأبيض ، وخرجت تجر خلفها طرفه الطويل 


فأطلق هانى صفيراً عالياً قائلاً بإعجاب:

– واووووو الفستان الأبيض تحفة عليكى يا مايا إيه الجمال ده كله


ردت مايا قائلة بفتور :

– شكراً يا هانى على ذوقك


وما أن رفعت وجهها رآت نيللى تلج للمتجر برفقة شاب لم تراه من قبل ، فإنتبهت نيللى عليها وصاحت قائلة :

– إيه ده مايا أزيك عاملة إيه ، مبروك ، أنا شايفة كده أن فرحك قرب


قالت مايا ببرود :

– أهلا يا نيللى الحمد لله أنتى أخبارك إيه ، ايوة فرحى قرب عندك مانع يا نيللى


زمت نيللى شفتيها وقالت:

– لاء وأنا هيبقى عندى مانع ليه أصل أنا جاية أختار فستان لفرحى انا كمان ،  و الشاب اللى واقف هناك ده خطيبى


زوت مايا ما بينها حاجبيها وقالت بسخرية :

– أنتى هتتجوزى يا نيللى ، لايق عليكى فعلاً  مبروك


نظرت نيللى خلفها ، وسرعان ماعادت ببصرها لمايا وهى تقول بفخر :

– الله يبارك فيكى لايقين على بعض بجد مش كده وكمان ايه دا ظابط شرطة


لمست مايا ذقن نيللى بطرف سبابتها قائلة بصوت خافت :

– الظاهر أنك متأثرة أوى بموضوع الظابط ده يا نيللى مطولتيش واحد فلاقيتى واحد تانى شكل الموضوع ده يهمك أوى ، أنك ترتبطى بواحد يكون ظابط


قالت نيللى بإبتسامة ساخرة :

– أنتى برضه لسه مفكرة إن أنا كان عينى من رائف وكنت عايزة أخده منك


وضعت مايا شعرها خلف أذنها وهى تقول:

– ما الدليل بان أهو أنك حتى لما أتخطبتى ، أتخطبتى لظابط بتعوضى عقدة نقص عندك ولا إيه مش عارفة


زفرت نيللى زفرة حارة وردت قائلة:

–وليه متقوليش أن ده من حسن حظي أن أتجوز راجل بجد مش أتجوز واحد لا مؤاخذة يعنى فى الكلمة


غضبت مايا من تلميحها المهين ، فصاحت بها بغضب شديد:

– أنتى قصدك ايه بلامؤاخذة دى تقصدى إيه يا نيللى


أشارت لها نيللى بأن تخفض صوتها ، فقالت بلامبالاة :

– إن أتجوز واحد عاطل وعايش عالة على فلوس أهله وطول النهار سارح فى النوادى ومبيعملش حاجة غير إن يصرف فلوس أبوه


قبضت مايا على ذراعها وهزتها بعنف قائلة بتهديد:

– إحترمى نفسك بقى يا نيللى علشان أنتى زودتيها على الآخر وأنا مش هسكتلك


دفعتها نيللى عنها ، فترنحت مايا بوقفتها ، فهتفت بها بضيق :

– هو أنتى ليه اللى يقولك الحق تفتكريه قليل الأدب والذوق بس على العموم مبروك يا حبيبتى ألحق أنا خطيبى بقى علشان هو مش فاضى ووراه شغل بس حب ييجى معايا وبعدين هيرجع شغله عن أذنك يا مايا ومبروك وربنا يتمملك بخير أنتى ونونو


قالت نيللى ما لديها ، وأخذت خطيبها وخرجت من المتجر ، فهى لن تبتاع ثوب زفافها ومايا موجودة ، بل يكفي أنها تسببت فى إزعاج تلك الفتاة الأنانية 


دارت مايا حول نفسها ، كأنها تبحث عن شئ تستطيع تنفيس غضبها به ، فلما تفتأ نيللى بتذكيرها بحقارة أفعالها من تركها لرائف وتفضيل شاب أخر ، بحجة أنه سليم الجسد ، فعادت للغرفة ونزعت ثوب الزفاف عنها وأرتدت ثيابها وخرجت راكضة من المتجر ، دون أن تخبر هانى ، ولكن ما أن وصلت للخارج ، رآت نيللى وهى تسير بجوار خطيبها وهى تبتسم وتضحك ، كأنها حازت على الجائزة الكبرى ، فمايا لا تنكر أن خطيب من كانت صديقة مقربة لها بيوم من الأيام ، يبدو عليه سيمات الرجولة والقوة ، فما أن رأتها نيللى تنظر إليهما ، حتى أخذت خطيبها مبتعدة عن مرمى بصرها ، كأنها تخشى أن تصيبها بعين الحسد وسوء الطالع 

❈-❈-❈

بصباح يوم جديد ، أشرقت الشمس ساطعة بكبد السماء ، فبعد تناولهم طعام الإفطار ، فضل أكرم أن يتنزه برفقة زوجته ، فأختار أحد الجياد وأمتطاه وأجلسها أمامه ، يسير بهوادة وهى سعيدة ، بل إنها إستكانت بين ذراعيه بوداعة ، إبتسم رائف بعدما رآى ما يفعله شقيقه ، فزفر أنفاسه ببطئ ، يشعر بالحزن لعدم إستطاعه تدليل زوجته هو الأخر ، ولكن زاد عزمه وتصميمه على إجراء تلك الجراحة التى نصحه بها الأطباء ، فبعد إنتهاء أكرم وريهام من نزهتهما ، عادا وجلسا برفقة رائف وسجى ، ولكن رآت ريهام عصام قادماً إليهما وهو يمتطى جواد يشبه الجواد الخاص برائف 


فمالت برأسها لأكرم قائلة بهمس :

– ألحق عصام جاى راكب حصان عامل فيها رفيع بك العزايزى


نظر إليه أكرم قائلاً بإشمئزاز :

–دى حركة استفزاز منه لرائف علشان عارف أن رائف كان بيعشق يركب الحصان بتاعه فعايز يبينله أنه خلاص ميقدرش يعمل كده واحد حقير فى تفكيره ، حتى كمان راكب حصان شبه رماح 


كزت ريهام على أسنانها وقالت بغيظ:

–وبعدين فى البنى أدم المستفز ده دا عايز الضرب بالشبشب زى البرص اللى بيمشى على الحيطة


قال أكرم بشماتة :

–متتعبيش نفسك رائف لما يجيب آخره منه هيغيرله خريطة وشه وأنتى شوفتى رائف لما بيتعصب وبيزهق بيبقى عامل إزاى


هزت رأسها وقالت :

–أه دا أخوك بيقلب الرجل الأخضر على طول بس يلا يستاهل عصام اللى هيجراله دا أنا ساعتها هفرق شربات من كتر الفرحة


وضع أكرم يده على فمه قائلاً:

– بس بقى يا ريهام علشان هتضحكينى كده


غمزته بإحدى عينيها قائلة :

–ما تضحك يا حبيبى حد واخد منها حاجة


ترك عصام جواده وأقترب منهم قائلاً :

–منورين الدنيا كلها ، ايه رأيك فى الحصان ده يا رائف أنا لسه شاريه جديد بس عنيد حبتين عايز ترويض


إبتسم رائف إبتسامة صفراء ورد قائلاً:

– دا نورك انت اللى جبلنا العمى يا عصام والله ، تلاقيه هو بس اللى مش طايقك يا عصام علشان الخيل مخلوقات حساسة بتحس بالشخص اللى قدامها اذا كان مريح ولا رخم ورزل


رمقه عصام بنظرة باردة وقال بسخرية مبطنة خلف حديثه الهادئ :

– أنت لو كنت كويس كنت خليتك تروضهولى يا رائف علشان أنت كنت شاطر أوى فى ترويض الخيل


حاول رائف ألا ينفعل لحديث عصام ، فرد قائلاً ببرود:

– أصبر عليا يا حبيبى اعمل العملية واروضهولك ومش هو بس هو وأنت كمان هعلمكم الأدب أنتوا الإتنين 


جلس عصام على المقعد بإرتياح وهو يقول:

– أه إن شاء الله بقى أزيك يا دكتورة سچى


ردت سجى قائلة بإقتضاب :

– كويسة عن أذنك يا حبيبى انا داخلة جوا ، يلا بينا يا ريهام


قالت ريهام وهى ترمق عصام بتقزز :

– ماشى أحسن الدبان أتلم علينا وأنا الصراحة بقرف أوى 


ربت أكرم على ساق عصام متسائلاً:

– أنت مش هتنزل مصر يا عصام علشان تشوف شغلك يا حبيبى أنت كده هتعطل شغلك


أجاب عصام وهو يشخص ببصره لرائف :

– شغلى بشوفه فى أى مكان يا دكتور ثم معقولة تبقوا هنا وأتحرم من قاعدتكم الحلوة دى


همس أكرم بقرارة نفسه :

– دا أنت اللى شكلك عايز تتحرم من دنيتك بدرى بقى ، عامل زى الدبور اللى بيزن على خراب عشه


ران الصمت عليهم لعدة لحظات ، فمسح عصام على شعره متسائلاً وهو يحدق بوجه رائف :

–مقولتليش يا رائف ناوى تعمل إيه بعد العملية إن شاء الله


رمقه رائف بنظرة باردة ورد قائلاً:

– وأنت عايز تعرف ليه يا عصام عايز حاجة ، وايه اللى يهمك فى أن أنا هعمل إيه أو مش هعمل إيه بعد العملية


ألتوى ثغر عصام بإبتسامة قائلاً بتهكم :

–بطمن عليك بلاش يعنى يا رائف


نظر رائف لكفيه وهو يقول بنبرة مبهمة :

– لاء أطمن يا حبيبى بعد العملية إن شاء الله فى حاجات كتير أوى هتحصل يا عصام وهتبقى أول مفاجئة ليك أنت


لم يدرك عصام مغزى حديثه ، فنظر إليه متسائلاً:

– يعنى إيه مش فاهم حاجة من كلامك


رد رائف قائلاً وهو يترك مقعده:

– خليها مفاجئة يا عصام متحرقهاش من دلوقتى بقى 


لم ينتظر عصام دقيقة أخرى ، بل عاد وأمتطى جواده وذهب عائداً لمزرعته ، فى حين أن رائف وأكرم تبادلا النظرات بينهما ، إلا أنهما ظلا صامتين ، فترك أكرم مقعده وأقترب من شقيقه وتأبط ذراعه ، فأقترح عليه أن يتنزهان بالمزرعة كالأيام الخوالى 


فبالمساء أجتمعت العائلة بأمسية ودية ، غلب عليها طابع الهدوء والإنسجام ، خاصة بعد إعلان رائف لقراره النهائى بخضوعه لإجراء تلك الجراحة الطبية ، فهو لا يريد أن يتسبب بحزنهم مرة أخرى ، وخاصة زوجته 


فهتف والده متسائلاً بإبتسامة :

–الجو عجبكم هنا يا حبايبى انبسطتوا بالاجازة


رد شادى قائلاً:

–أوى أوى يا بوب الواحد زعلان أنه خلاص هيمشى وهرجع للكلية تانى اهئ اهئ كنت مبسوط أنا بالأنتخة اللى كنت فيها هنا


قالت ريهام بعد أن زمت شفتيها بضيق :

– أنت بتفكرنى ليه يا شادى إن إحنا راجعين الكلية تانى ما تسيبنا ناسيين يا أخى متفكرنيش


ضحك أكرم وقال:

–يا سلام على مراتى الفاشلة يا ناس انتى مش عايزة تتخرجى فى سنتك دى ولا إيه


أجابت ريهام وهى تقول بصوت حالم :

–هو فى أمتع من الفشل يا دكتور لاء ياعم إن شاء الله نتخرج على خير


نظرت إليها سجى وقالت:

–خلاص يا ستى هانت وقربنا نتخرج وهترتاحى من ده كله ومارسى هواية الفشل براحتك


قالت صفية بحنان وهى توزع نظراتها بينهم :

–ربنا يوفقكم إن شاء الله السنة دى هيبقى عندنا  ٣ هيتخرجوا من الجامعة


حك شادى فروة رأسه قائلاً:

– تصدقوا أنا ناسى إن أنا فى آخر سنة فى الكلية أنا كمان


ردت هدى مبتسمة:

–وهى دى حاجة تتنسى يا شادى


وضع رائف قدح القهوة من يده وهو يقول:

–شادى صعبان عليه إنه يتخرج قبل ما يهد الكلية بتجاربه الجميلة


قال شادى بفخر وهو يستقيم بوقفته فارداً ذراعيه :

– دا أنا بقيت أشهر من النار على العلم فى الكلية ، كل اللى يشوفنى يقول شادى معامل 


طالعه والده قائلاً بحنان :

–عقبال ما تبقى مشهور في العالم كله يا حبيبي


جلس شادى على ذراع مقعد أبيه وهو يقول :

–حبيبى يابوب ربنا ما يحرمنى منك أبداً


وضعت صفية يدها على فمها تكتم صوت تثائبها ، فأشارت إليهم قائلة :

– يلا قوموا ارتاحوا علشان الصبح هنرجع البيت


ذهب كل منهم الى غرفته لحزم أمتعتهم من أجل العودة للمنزل بالقاهرة ، فبعد أن أنتهت سجى من لم أغراضهما بالحقائب ، وجدت رائف قد سبقها للفراش ، لفت ذراعيها حول عنقه ورأسها يستند إلى صدره ، وبدأت تشعر بالدفء الجميل يسرى بمفاصلها ، أصبحت لا تهتم بشئ ، وشعرت بأطرافها تتخدر وتمنت لو إستطاعت أن تقضى عمرها بأكمله وهى بين ذراعيه ، ثم أخذت نفساً عميقاً ، كان كل شيء جميلاً لدرجة لم تستطع تصديقها ، ولكن تذكرت ذلك الأمر ، الذى كانت تريد التحدث معه بشأنه 


رفعت إليه عيناها ووجدته مغمض العينين ، فهتفت به بصوت خافت :

–أنت نمت يا حبيبى


هز رائف رأسه بخفة قائلاً :

–لاء صاحى منمتش عايزة حاجة يا روحى


أجابته سجى قائلة بإصرار :

–رائف أنا هسافر معاك وأنت بتعمل العملية


رفع رائف وجهه لها ورد قائلاً برفض قاطع:

–لاء يا سچى مش هتيجى معايا


حدقت به مقطبة جبينها فقالت بدهشة :

–ليه بقى مش عايزنى أسافر معاك 


يتبع...