-->

رواية لا أحد سواك رائفي- بقلم الكاتبة سماح نجيب- الفصل الخامس والعشرون

رواية لا أحد سواك رائفي 
بقلم الكاتبة سماح نجيب



رواية لا أحد سواك رائفي

الفصل الخامس والعشرون

٢٥- " متى يحين اللقاء ؟ " 


اجهشت ريهام بالبكاء ، وكلما حاولت تجفيف عبراتها ، تعود وتبكى من جديد ، فما أن وطأت بقدميها غرفتها الخاصة هى وأكرم ولم تجده ، لم تستطع البقاء بالغرفة ، بل حزمت أمرها بأن تأتى لسجى ، فهى الوحيدة القادرة على فهم ما يعتريها الآن ، وما جعلها لم تخطئ بظنها ، تلك الدموع التى إنسابت بغزارة على وجه سجى ، ولم تحاول محوها ، بل تركتها تروى وجهها من فيض أدمعها الحارة والتى حملت لوعة الفراق ، الذى لم يكتب على قلبيهما إلا منذ بضع ساعات


أبتلعت ريهام ما أمكنها من لعابها وردت قائلة وهى تمسح وجهها بظهر يدها:

-مش عارفة أنام فى الأوضة لوحدى خايفة يا سچى عايزة أنام معاكى ، أصلى متعودتش انام فى الأوضة وأكرم مش موجود ماليش دعوة أنا خايفة


زفرت سجى بيأس وقالت:

- إيه الجبن اللى أنتى فيه ده يا ريهام هو أنتى عيلة صغيرة، خلاص ادخلى يا واجعة دماغى ادخلى يا أختى


دلفت ريهام للغرفة ، فنظرت للسرير وجدت سجى واضعة صورة وثياب زوجها على الفراش ، فقالت بإبتسامة هادئة :

-أنتى كنتى عاملة فيلم الوسادة الخالية ولا إيه يا سچى


وكزتها سجى بكتفها وهى تقول:

- بس يابت أنتى ، بس تصدقى ياريهام دا لسه مسافر ووحشنى كأنه مسافر بقاله سنين مش من كام ساعة بس


تنهدت ريهام وقالت بنبرة حزينة :

-مش عارفة إيه ده بجد ، أنا مكنتش عارفة إن أنا هطب فى حب أكرم زى الجردل كده ويوحشنى بالطريقة دى ، لاء لاء كده كتير رجعولى أبو غمازات 


ضحكت سچى رغم ما تشعر به من حزن على فراق زوجها ، فطباع ريهام لا تتغير ابداً ، حتى بأحلك الظروف تطلق الدعابات والنكات ، فقالت سجى وهى تخلع حجابها :

- بس يابت أنتى بقى إيه ده مبتخلنيش أعرف أكمل مود الحزن ابداً دايما تضحكينى كده ، خلاص يلا نامى وأسكتى وإياكى توقعينى من على السرير أنتى فاهمة يا ريهام


هزت ريهام رأسها قائلة بطاعة :

-مش أحسن ما ننجن أنا وأنتى يا سجى و متخافيش هنام مؤدبة ومش هعملك إزعاج دا أنا نسمة والله


أستلقت سجى على الفراش بالجزء الخاص بزوجها ، وضمت إليها ثيابه وصورته وأغمضت عينيها وتهيأت للنعاس ، ولكن ريهام حرمتها متعة النوم بهدوء ، إذ أخذت تتقلب بالفراش ، حتى هبت سجى جالسة وهى تصرخ بها:

- ااايه ، أنتى يا حجة كفاية ترفيص بقى حرام عليكى هو جوزك مستحملك إزاى كده يا ساتر عليكى ،دا أنتى نومك طلع فظيع إزاى أكرم مستحملك كده ده له الجنة والله ، الله يكون فى عونه بجد عليكى أنا لو منه أنيمك على الأرض ترفصى براحتك ، أنتى عماله تتقلبى يمين وشمال وألاقى ايدك نازلة على وشى أنتى بتتخانقى وأنتى نايمة ولا بتحلمى بخناقة ولا فى إيه بالظبط ، واتهدى بقى مش عارفة أنام ولا اربطك فى السرير أحسن


جلست ريهام مواجهة لها وزمت شفتيها وقالت:

-لاء خلاص هنام ساكتة أهو معلش يا سچى إستحملينى جوزى بقى يا ستى ولازم يستحمل لو هو مستحملش أجيب حد يستحملنى منين ، وأنا كنت برفص جالى كوابيس علشان اكرم سابنى وسافر وهيوحشنى


تهيأت ريهام لنوبة جديدة من البكاء ، فأسرعت سجى بتكميم فمها قائلة بتحذير :

-ما تسكتى بقى يا ريهام هو أنتى كل شوية تفكرينى انهم سافروا اسكتى بقى ونامى ربنا يهديكى ، وحسك عينك تعيطى ولا تفتحى بوقك فى أم ليلتك دى فاهمة 


هزت ريهام رأسها بعنف دليلاً على إستماعها لقولها ، فأزاحت سجى يدها عن فم ريهام ونظرت إليها بتحذير من أن تعيد الكرة ثانية ، عادت ريهام وتمددت على الفراش واضعة يديها أسفل رأسها ، كأنها بذلك تأمن عدم إشاحتها بهما أثناء نومها ، وما أن سمعت سجى صوت إنتظام أنفاسها وأنها غرقت بسباتها ، عادت سجى تضع رأسها على وسادة رائف ، ودفنت وجهها بين طيات قماشها المخملى ، فرائحته عطره العالق بها تسلل لأنفها ، جعلها تغمض عينيها واعدة قلبها الولهان بأنها ستخفف من خفقاته المشتاقة ، بأن تراه بأحلامها 

❈-❈-❈

عقدت مايا العزم على فسخ خطبتها من هانى ، فبعد حديثها مع عصام بالنادى وعلمها بشأن سفر رائف لإجراء الجراحة ، التى ستمكنه من أن يعود صحيح الجسد ، صار لديها الأمل بعودة رائف لها مرة أخرى ، خاصة أنه سيعود قريباً كما كان بالسابق ، قبل وقوع الحادث ، لذلك فضلت أن تنهى الأمر بينها وبين هانى وهما وحدهما ، حتى تستطيع خداعه بحديثها المعسول ، من أنها تشعر بالرهبة من الزواج ولن يعود بإمكانها أن تصير له زوجة ، فأنتظرت بأحد المقاهى التى ترتادها بالعادة ، ورآته يترجل من سيارته ويسرع بالإقتراب منها 


فجلس على المقعد المقابل لها وقال بإهتمام :

- فى إيه يا مايا ، قلقتينى لما طلبتى تشوفينى دلوقتى خير فى إيه 


وضعت مايا كوب الماء من يدها ونظرت إليه قائلة بإرتباك :

-هو الصراحة يا هانى أنا عايزة أقولك حاجة مهمة


إستند هانى بمرفقيه على الطاولة قائلاً وهو ينصت لها :

-حاجة إيه دى قولى يا مايا خير


شبكت مايا كفيها وتنفست بعمق وسرعان ما قالت بهدوء :

- إحنا مش هننفع نكمل مع بعض يا هانى إحنا لازم نسيب بعض


رد هانى قائلاً بإستنكار :

-نعم وجاية تقولى دلوقتى وخلاص فرحنا قرب أنتى أتجننتى يا مايا ولا إيه


تتابعت أنفاسها ورفعت سبابتها بوجهه قائلة بتحذير:

-هانى أحترم نفسك فى الكلام أنت عارف مبحبش حد يكلمني بالأسلوب ده أنت فاهم


ضرب هانى سطح الطاولة بكفيه وصاح بوجهها وهو يقول:

- أحترم نفسى ! جاية تقوليلى دلوقتى إن إحنا مننفعش نكمل مع بعض ولازم نسيب بعض وإحنا خلاص فرحنا بعد كام يوم 


ردت مايا قائلة ببرود :

- مش أحسن ما نتجوز ونتعس بعض يا هانى ومنبقاش مبسوطين ونزهق بعض وتبقى حياتنا مع بعض جحيم


إلتوى ثغر هانى قائلاً بتهكم :

- والله وأنتى إكتشفتى دلوقتى وفجأة كده إن إحنا مش هنبقى مبسوطين مع بعض


أشاحت مايا بوجهها عنه ونظرت للخارج عبر الواجهة الزجاجية للمقهى :

- أنا مقدرش أكمل فى موضوع أنا مش مرتحاله يا هانى فخلاص كل واحد يروح لحاله وخلاص نسيب بعض واحنا مخطوبين أحسن ما ييجى وقت ونضطر نطلق فيه


وضع هانى يده أسفل ذقنه متسائلاً:

-وإيه السبب بقى يا مايا اللى خلاكى عرفتى أن مش هتبقى مبسوطة معايا ، إيه حنيتى لخطيبك الأولانى


زفرت مايا بحنق قائلة :

- ده شئ ميخصكش يا هانى وأتفضل دبلتك وكل حاجتك أهى اتفضل سلام


وضعت أمامه خاتم الخطبة الماسى وكل ما إبتاعه لها من هدايا قيمة ، وأخذت حقيبتها وخرجت من المقهى ، فى حين أنه ظل مكانه يحاول أن يعى ما حدث الآن ، ولكنه نظر لأثرها قائلاً بوعيد :

-كده يا مايا ماشى صبرك عليا ، أنا وأنتى والزمن طويل


بعد خروجها وقفت بجوار سيارتها قائلة بإبتسامة عريضة :

- اكيد رائف لسه بيحبنى بس أتجوز علشان يلاقى واحدة تساعده ودلوقتى هيبقى كويس والمشكلة دى خلاص هتخلص وممكن نرجع لبعض تانى


صعدت مايا للسيارة وهى تشعر بالسعادة ، كونها إستطاعت التخلص من خطبة هانى ، وربما سيكون الطريق ممهداً لها الآن بأن تعود لرائف ، فهى ترى إنه يجب أن يكون لها هى ، فدائماً ما كان يخبرها بحبه لها ، وربما مازال يشعر بالحب نحوها ، لذلك لن تدع أى أنثى أخرى تستأثر به حتى وإن كانت تلك الفتاة المسماة زوجته ، فجمالها وفتنتها ستجيد إستخدامهما من أجل إعادته لها مرة أخرى ، بتراكم أحلامها وأمنياتها داخل عقلها ، جعلها تشعر بإنتصار وهمى ، من أنها ما أن يتقابلا سوياً وجهاً لوجه ، سيخر رائف راكعاً طالباً منها الود والوصال 

❈-❈-❈

وقفت فادية أمام منضدة الزينة ؛ لتنهى زينتها قبل خروجها من المنزل ، فسمعت صوت جرس الباب ، وركضت من غرفة نومها للصالة لتفتح الباب ، فتحت الباب ورآت ذلك الشاب ، الذى من المفترض أنه خطيبها ، إبتسمت له إبتسامة عريضة ، فبادلها بإبتسامة لم تصل لعينيه ، ويبدو على وجهه علامات وإمارات الحزن ، فعقدت حاجبيها بدهشة ، وتساءلت بقرارة نفسها عما أصابه فجأة ، وعندما طالت وقفتهما الصامتة ، حاولت هى كسر الجمود الذى إكتنفهما سوياً


فقالت وهى تحاول الإبتسام :

- أنا خلصت أهو يلا بينا بقى علشان نخرج ، مالك يا حبيبى فى إيه ملامح وشك متغيرة وباين عليك زعلان


رد الشاب قائلاً بتعاسة :

شريف باستسلام...ماشى يلا بينا يا حبيبتى ، ومفيش حاجة متشغليش بالك أنتى


ألحت فادية بسؤالها له وهى تقول:

-مشغلش بالى إزاى ، بس مالك فيك إيه ، وايه اللى حصل زعلك أوى كده قولى 


وضع يده على عينيه ، كأنه بذلك سيمنع فرار الدموع من عيناه ورد قائلاً:

- أنا اتسرقت يا حبيبتى كل فلوسى انسرقت منى وأنا جايلك ، كان معايا خمس آلاف جنيه وأنا جاى ، فشكلى اتسرقت لما حطيت ايدى فى جيبى ملقتش الفلوس وهى دى اللى كنت هفسحك بيهم فأنا زعلان علشان مش هعرف أفسحك زى ما كنت عايز


إبتسمت له فادية قائلة :

-خلاص يا حبيبى ولا يهمك ولا تزعل نفسك خالص أنا هديك الفلوس


أزاح يده من على وجهه ورد قائلاً برفض :

- لاء أنا إزاى أخد فلوس منك ، لاء مش هاخد حاجة،إزاى أخد فلوسك لاء طبعاً مقدرش


شدت فادية على يده وهى تقول بإصرار :

–مش انا وانت بقينا حاجة واحدة ياشريف وخلاص هنتجوز ، يبقى فلوسى هى فلوسك واحنا خلاص قربنا نتجوز يعنى مفيش فرق بينى وبينك وإحنا هنبقى حاجة واحدة مفيش فرق بين فلوسى وفلوسك لازم تتأكد من كده يا حبيبى ، هدخل أجبلك الفلوس من جوا ثوانى بس


رد قائلاً بوله زائف :

- أكيد يا حبيبتى وتسلميلى يا روحى


ولجت فادية لغرفة نومها ، وأخرجت من الخزانة الخشبية ذلك الصندوق الذى تحتفظ بأموالها به ، فأخذت النقود المطلوبة وأعادته مكانه ، فبالصالة كان ذلك الشاب ينتظرها حتى يأخذ منها المال ، فكل هذا لم يكن سوى خطة منه للإيقاع بها من أجل الإستيلاء على أموالها ، وماذا يريد منها أكثر من ذلك ؟ خاصة أنه شاب بريعان شبابه ، لذلك أنتقى إمرأة بعمر والدته ، حتى يستطيع الحصول على المال دون جهد يذكر 


خرجت فادية ومدت يدها له بالنقود قائلة :

- إتفضل يا حبيبى الفلوس أهى ولا تزعل نفسك خالص


أخذ النقود من يدها ونظر إليها قائلاً بوداعة :

-تسلميلى ياقمر وأنا لما يجيلى فلوس هرجعهملك على طول


ردت فادية مبتسمة :

-براحتك يا حبيبى على اقل من مهلك خالص


أخذ يدها وقبلها قائلاً بلهفة عاشق متيم :

-مش عارف من غيرك كنت عملت إيه يا حبيبتى ربنا ميحرمنيش منك


قالت بدلال لا يتناسب مع طباعها الفظة بالعادة :

-ولا منك يا حبيبى يلا بقى نخرج مش هتفسحنى ولا إيه ،يلا بينا بقى علشان نلحق اليوم من أوله


جعلها تتأبط ذراعه ورد قائلاً :

- ماشى يلا بينا ، دا أنا هفسحك فسحة العمر النهاردة وهخليكى ترجعى مبسوطة على الآخر 


خرجا من الشقة وهى تمنى نفسها بقضاء وقت ممتع برفقته ، فذهب بها لعدة أماكن ومتنزهات ، وهو ينفق من أموالها ببذخ وسخاء ، فغضت الطرف عن ذلك ، فى سبيل قضاء سعادة واهية ، لم يكن لها وجود سوى بعقلها ، فهى لم تعد تفكر فى كيف ستنظر إليها إبنتها ، أو المقربين منها ؟ ولكن هى أعلنت حالة الجفاء القصوى بينها وبين الجميع ، ما عدا ذلك الشاب ، الذى وإن كان حالفها الحظ بالإنجاب منذ أن تزوجت ، لكانت أنجبت ولداً بعمره تقريباً ، ولكن سرعان ما نفضت عن ذهنها كل ما أعتراها من أفكار ، فلتنغمس بأوقاتها ونزهاتها وتلك الحالة الصبيانية التى تعيشها بالأونة الأخيرة

❈-❈-❈

جلست أروى على الدرج الرخامى بالكلية ، ووضعت رأسها بين يديها ، ولم تكتفى بجلستها الكئيبة ، بل ظلت تذرف الدموع بوفرة ، فهى منذ علمها بشأن نية والدتها بالزواج من شاب صغير ، وهى لا تكف عن البكاء والنحيب أحياناً ، بل أنها لم تخبر أبيها بهذا الأمر ، فبما تخبره ؟ فما حدث بينها وبين والدتها من الأفضل ألا يعلم أبيها به 

لم تنتبه لإقتراب هشام منها ، والذى جاء من أجل إعادتها للمنزل بعد إنتهاء يومها الدراسى ، ولكن سمعت صوته يناديها ، فمسحت وجهها ورفعت وجهها له محاولة أن تبتسم 


ولكن هشام نظر إليها مقطباً حاجبيه متسائلاً:

-مالك يا أروى فى إيه أنتى كنتى بتعيطى ولا إيه


ردت أروى قائلة وهى تحاول أن تبتسم:

- لاء ابداً يا هشام مفيش حاجة أنا كويسة كله تمام


جلس هشام على مقربة منها قائلاً بعدم إقتناع :

- كويسة إزاى ، أروى متخبيش عليا قوليلى فى إيه ، وإيه اللى مزعلك قوى كده قوليلى


قالت أروى بنبرة خالية من الحياة:

- أمى هتتجوز يا هشام


رد هشام قائلاً بهدوء :

- وهى فيها إيه دى يا أروى ، هى حرة فى نفسها طالما مش بتعمل حاجة حرام


وضعت أروى يديها على فمها وردت قائلة بصوت مختنق :

-دى هتتجوز شاب يمكن اصغر منك انت يا هشام متخيل ده


أتسعت حدقتىّ هشام ورد قائلاً بذهول:

- أوبااا إزاى الكلام ده


قالت أروى وهى تبتسم بسخرية :

- شوفت الخيبة اللى أنا فيها ، أمى هتتجوز عيل من سن بنتها ، أنا وأمى هنتجوز مع بعض ، شوفت الهنا اللى أنا فيه يا هشام ، أمى هتبقى عروسة ، أعمل إيه بس ياربى


أخذ هشام نفساً عميقاً ورد قائلاً بهدوء :

- هى حرة يا أروى هتعمليلها إيه يعنى


نظرت إليه أروى قائلة بحيرة :

- أنت تبص ليا إزاى بعد أمى ما تعمل كده يا هشام ها ، هيبقى إحساسك إيه لما تعرف أن حماتك هتتجوز واحد أصغر من خطيب بنتها ، أنا مش عارفة أعمل إيه دلوقتى أو أتصرف إزاى 


قال هشام بثقة :

- أروى أنتى عارفة إن أنا بحبك ، ثم أمك حرة فى حياتها أنا مش هبقى رقيب عليها ، وبصى يا أروى أنا اللى يهمنى أنتى مش تصرفات مامتك، فلو مفكرة إن أنا ممكن أبعد عنك علشان حاجة زى دى ، فده مش هيحصل ، علشان أنتى عارفة أنا بحبك من وأنتى صغيرة ، وكان حلمى إن أنتى تكونى من نصيبى ، فمش لما ييجى الوقت اللى هتبقى فيه ملكى واسيبك علشان حاجة زى دى ، لاء طبعاً ده مش هيحصل ابداً


هدأت أروى قليلاً وردت قائلة:

-بجد يا هشام يعنى أنت مش هتغير رأيك فيا


إبتسم هشام بوجهها قائلاً بحب :

- أيوة يا أروى بجد وعايزك تتأكدى من الموضوع ده ، أنتى غالية عليا أوى ولو مكنتيش غالية مكنتش خطبتك ولا أتمنيت اتجوزك


شعرت أروى بالطمأنينة من حديثه معها ، فردت قائلة بخجل :

-ربنا ميحرمنيش منك يا هشام


بعد شعورها النسبى بتحسن حالتها النفسية ، نهضت من مكانها ولملمت كتبها وأغراضها ، فسارت بجواره ، حتى خرجا من الجامعة ، وبعد أن وصلا أمام باب منزلها ، وإطمئنانه لدخولها المنزل ، ذهب هشام عائداً لمنزله ، وطوال طريقه يفكر بما أخبرته به أروى ، فإن كان سيغض الطرف عن أفعال والدتها فى سبيل حبه لها ، إلا أنه يشعر بالإشمئزاز مما تنوى فادية الخوض به ، بزواجها من شاب ربما يفوقه هو بالعمر ، فمتى ستعود تلك المرأة لرشدها وتكف عن أفعالها التى تثير غضب وحنق كل من حولها وأولهم إبنتها ، تلك الفتاة المسكينة التى لم تنال منها الحنان ، الذى تغدقه كل أم على أولادها 

❈-❈-❈

منذ وصولهما لمدينة الضباب لندن ، وخاصة تلك المشفى المقيم بها رائف حالياً ، وهما يهاتفان أسرتهما يومياً ، حتى يحين موعد إجراء رائف للجراحة ، ولكن اليوم قد قرر الأطباء خضوعه لها ، لذلك أسرع بالإتصال بعائلته ، فهو يريد الحديث معهم ومع زوجته قبل الدخول لغرفة الجراحة ، وفعل مثله أكرم ، الذى أخذ هاتفه وخرج من الغرفة ليتحدث. مع ريهام بحرية ، لعل حديثه معها يخفف من وطأة شعوره بالخوف من أن تخفق الجراحة بتحقيق الهدف المنشود منها ، فهو يشعر بخوف ساحق ، بدأ بالتأثير على صوته ، الذى خرج مرتجفاً كلما حاول أن يتحدث مع شقيقه رائف 


وقف أكرم أمام الغرفة ، وفتح هاتفه ورآى وجه زوجته وهى تبتسم له عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي ، فإبتسم لها قائلاً بحنين :

-حبيبة قلبى وحشتينى عاملة إيه


أجابت ريهام بلهفة وصوت مفعم بالحب :

- كرومتى عامل إيه يا حبيبى ، وحشتنى أوى ، والستات عندك عاملين ايه حلوين يا أكرم


ضحك أكرم ورد ممازحًا:

-حلوين أوي دول بينوروا فى الضلمة يا ريهام


شهقت ريهام وردت قائلة بوعيد :

- هااا دا أنا اللى هخلى حياتك ظلمة لما ترجع يا أكرم حاضر ،صحيح انت عرفت بينوروا فى الضلمة ازاى انت عملت ايه يا أكرم من ورايا قر وأعترف أحسن مش هيحصلك طيب


زفر أكرم زفرة حارة ورد قائلاً:

- أنا بهزر معاكى يا روحى هو أنا أقدر أشوف غيرك يا قمرى

وغلاوة ريهام عندى ما عملت حاجة ولا بصيت لحد غيرك يا قلبى هو فى حد قاعد فى قلبى غيرك أنتى أنا بحبك أنتى وبس


تنهدت ريهام بهيام وردت قائلة بحالمية :

- وأنا كمان بحبك أوى أوى يا أكرم


رد أكرم باسماً:

- وأنا بموت فيكى يا قلب أكرم قوليلى اللى فى البيت عاملين إيه، كلكم كويسين الحمد لله علشان لما كلمت ماما كان صوتها مش عاجبني


هزت ريهام رأسها وهى تقول بنبرة هادئة :

- إحنا كويسين بس مامتك زعلانة علشان أنتوا بعيد عنها وكمان النهاردة ميعاد العملية بتاعة رائف فكلنا هنا فى البيت متوترين أوى ، فإن شاء الله أنت أبقى طمنا بعد العملية وقولنا إيه الأخبار ماشى يا أكرم


دلك أكرم مؤخرة عنقه بإرهاق وقال :

- إن شاء الله خير وكل حاجة هتبقى كويسة ، ولما رائف يخرج من العمليات وأطمن عليه هتصل عليكم أعرفكم على أخر الأخبار 


بالغرفة ... أنتظر رائف بلهفة أن يرى وجه سجى عبر الهاتف ، فهو أصر على عدم الدخول لغرفة الجراحة قبل رؤيتها ، وما أن فتحت الكاميرا ورآها أمام عيناه ، راح يتأمل وجهها بإشتياق ، فقال بصوت متهدج :

-عاملة ايه يا عمرى وحشتينى أوى


أجابته سجى بصوت خافت نظراً لوجودها مع باقى أفراد الأسرة :

- الحمد لله يا حبيبى أنت كمان وحشتنى أوى أوى يا رائف


لمس رائف شاشة هاتفه قائلاً :

- مش أكتر منى يا قلبى بقولك إيه ادخلى الاوضة بتاعتنا 


عقدت حاجبيها وقالت بدهشة:

-عايزنى أدخل اوضتنا ليه فى إيه


رد رائف قائلاً بنفاذ صبر:

- أدخلى بس وبطلى كلام كتير يا سچى


ولجت سجى الغرفة بناء على طلبه ، وأغلقت الباب وإسندت ظهرها له قائلة :

- أدينى دخلت خير فى إيه بقى كنت عايز إيه


إبتسم رائف قائلاً بدهاء :

-كنت عايز أتكلم معاكى براحتنا وكمان علشان عايزك تقلعى الحجاب عايز أشوف شعرك الحلو ده


خجلت سجى من قوله ، فردت قائلة:

-حتى وانت مسافر قليل الادب برضه يا رائف


أجابها رائف بعبوس مصطنع:

-كده أنا قليل الأدب ياسچى علشان عايز أشوف شعر مراتى


أهدته إحدى إبتسامتها الرقيقة وقالت بحب:

- لاء يا قلبى بهزر معاك خلاص متزعلش


خلعت عنها حجابها ، فانسدل شعرها على ظهرها وحول وجهها ، فقامت بوضعه خلف أذنيها ، ولكن سمعت صوته قائلاً: 

- لاء متبعديش شعرك عن وشك سبيه زى ماهو كده ، وحشنى خجل القمر وكسوفه ووحشنى كل حاجة فيه ، أمتى بقى أرجعلك يا قمر


ازدردت سجى لعابها من فرط شعورها بالخجل وهى تقول:

- حاضر هسيبه ، إن شاء الله ترجعلى بالسلامة يا حبيبى هى العملية فاضل عليها أد ايه 


نظر رائف بالساعة ورد قائلاً بإبتسامة هادئة:

-خلاص فاضل تقريباً نص ساعة يا حبيبتى وأدخل أوضة العمليات ، أدعيلى يا سچى كتير


أجابته سجى بحنو بالغ:

-ربنا معاك يا رائفى وترجع بألف سلامة ، أنا بدعيلك يا حبيبى وإن شاء الله العملية هتم على خير ، أنا كمان هقوم أصلى وأدعيلك ، لا إله إلا الله


انفرجت شفتيه بإبتسامة عاشقة وهو يقول:

-سيدنا محمد رسول الله ، وربنا ميحرمنيش منك ابداً يا حبيبتى ، سلام 


أنهى مكالمته معها ، فأخذ ذلك المصحف الموضوع بجانبه والذى أهدته له سجى ، فظل يقرأ منه ، حتى وجد أكرم يلج الغرفة ، ليخبره أنه قد حان الوقت لدخوله لغرفة الجراحة 


فأقترب منه وربت على كتفه قائلاً بتشجيع :

-يلا يا حبيبى جاهز ، علشان خلاص المفروض تدخل العمليات دلوقتى ، وإن شاء الله خير الدكاترة متفائلين بالحالة واللى هيعملها جراح كبير ودى مش أول مرة يعملها ودايما كانت عملياته ناجحة ، وإن شاء الله يا رائف هنرجع مصر وأنت ماشى على رجليك زى الأول وأحسن كمان يا حبيبى


شد رائف على يد شقيقه قائلاً بأمل :

- أنا جاهز يا أكرم ويسمع منك ربنا وأرجع مصر تانى ماشى على رجليا إن شاء الله 


دلف رائف لغرفة الجراحة مستلقياً على سرير متحرك خاص بالمشفى ، فنظر لشقيقه نظرة أخيرة قبل إغلاق الباب ، وما أن رآى رائف الطبيب حتى ظل يدعو ويبتهل بدعاءه من أن تصير أموره على ما يرام ، فسرعان ما غفى بنومه بعد حقنة التخدير التى تم حقنه بها ، وبدأ الطبيب بإجراء الجراحة 

❈-❈-❈

عمت حالة من التوتر والترقب بين أفراد الأسرة ، فألسنتهم لا تردد سوى الدعاء لرائف ، فحتى شادى جلس بجوار جدته وهو يقرأ من المصحف الخاص بها ، فخانته إحدى دمعاته وسقطت من عيناه ، فمسحها سريعاً لكى لا ينتبه عليه أحد ، فهو كالطفل الصغير الذى ينتظر عودة والده ، ولكن جدته راحت تربت على ظهره لعلمها بما يشعر به الآن ، فوالدته هى الأخرى ظلت تذرع الصالة ذهاباً وإياباً ، تفرك يديها بتوتر ، وتهمهم من بين شفتيها بأن يرد الله إليها إبنها سليماً معافى ، فكلما حاول ماهر أن يجعلها تهدأ وتجلس ، تعود وتترك مكانها وتدور بالمكان ، كأنها تبحث عن شئ مفقود 


فهتف بها ماهر برفق :

- إهدى يا هدى ان شاء الله خير ، ان شاء الله العملية هتنجح وأكرم هيكلمنا ونطمن إهدى أنتى بس


وضعت يدها على جبهتها وزفرت بعمق قائلة :

- مش قادرة يا ماهر أبنى بيعمل عملية زى دى وأنا مش جمبه ياريتنى صممت ورحت معاه أنا هموت من القلق ، وأنا عارفة يا ماهر أنك أنت كمان قلقان بس بتحاول تطمنى وخلاص


ترك ماهر مقعده وأقترب منها وجذبها من مرفقها قائلاً بلطف :

- طب تعالى أقعدى ، يمكن توترك يقل شوية وتهدى


إستمعت هدى لأمره وجلس على الأريكة ووضعت رأسها بين يديها ، إلا أنها أنتبهت على غياب سجى ، فرفعت وجهها ونظرت إليهم وتساءلت :

- هى سچى راحت فين هى مش كانت قاعدة هنا من شوية 


ردت ريهام قائلة وهى تشير بيدها لغرفة سجى:

- فى أوضتها جوا قالت عايزة تصلى علشان تدعى لجوزها ياطنط هدى


قال ماهر وهو يشد بيده على يديىّ زوجته :

-ربنا يتقبل منها إن شاء الله


أغلق شادى المصحف وقال بتفاؤل :

- إن شاء الله أنا حاسس بتفاؤل وأبيه رائف هيخف ويرجع أحسن من الأول كمان ، وهتقولوا شادى قال


رفعت هدى كفيها قائلة برجاء وتمنى:

-يارب يا شادى يارب ، ربنا يسمع منك 


نظرت إليها صفية نظرة عطوفة وهى تقول:

- إن شاء الله خير بس حاولى تهدى نفسك يا هدى شوية 


أطلقت هدى نهدة عميقة وردت قائلة:

- والله ما قادرة يا ماما حاسة إن دماغى مش فيا من كتر التفكير ، حاسة كإن عايزة أروح له دلوقتى علشان أبقى مطمنة عليه


تركت ريهام مكانها وأقتربت منها وقالت بإبتسامة هادئة:

- ألف سلامة عليكى يا طنط إحنا كلنا بالنا مشغول ، بس إن شاء الله هيرجعوا بالسلامة والعملية هتنجح وكل حاجة هتنتهى على خير


داخل الغرفة وبعدما أنتهت سجى من وضوءها ، خرجت من المرحاض الملحق بالغرفة ، أرتدت ثوبها الصلاة وبدأت تصلى بتأنى وخشوع وما أن أنتهت من صلاتها ظلت جالسة مكانها على سجادة الصلاة ورفعت يديها بوضع الدعاء ، فظلت تتضرع لله بالدعاء وهى تذرف الدموع ، فقالت بنهنهة :

-يارب اكتبله السلامة والعملية تنجح ويرجع بألف سلامة واشفيه وعافيه يارب ، اللهم اشفه شفاء لا يغادر سقماً 


ظلت تدعو لزوجها وقتاً طويلاً ، ولسانها ينهج بالدعاء والثناء على الله ، لعله يجيب دعاءها ويرد إليها زوجها ، على أى صورة كانت سواء عاد ماشياً على قدميه ، أو مستنداً على عصاه ، فهى لا تلح بالدعاء له أن يوفق بالجراحة ، إلا من أجل أن يشعر هو بالراحة ، ويتخلص من تلك الحالة النفسية ، التى يعانى منها من شعوره بالعجز والعرج ، ولكن هى لا يعنيها منه سوى حنانه وحبه ، فهى على إستعداد أن تفعل ما فعلته من أجله حتى لو دعتها الظروف لذلك ألف مرة ، ستظل زوجته وحبيبته ومتكأه من هموم الدنيا ، ولا تريد منه مقابل لذلك ، سوى أن يجعلها تشعر بعشقه لها ، وأنها أسعد النساء حظاً بالزواج منه 

❈-❈-❈

نظر أكرم بساعة معصمه ، فعلم أن وقت الجراحة قد أوشك على الإنتهاء مثلما أخبره الطبيب بالوقت المقرر لها ، فظل يردد " يارب يارب " وهو يذرع رواق المشفى ذهاباً وإياباً ، وبعد مرور خمسة عشر دقيقة ، أنفتح باب غرفة الجراحة ، وأبصر شقيقه وإثنتان من الممرضات يدفعا السرير المتحرك ، فبلهفة أقترب من رائف ، الذى مازال غائباً عن الوعى ، وبعد أن دفعتا الممرضتان السرير ، أقترب من الطبيب وبدأ يتجاذب أطراف الحديث معه ، ليعلم ما آلت إليه أمور شقيقه ، فأخبره الطبيب بنجاحه فى إجراء الجراحة ، وأن رائف سيعود لمصر وهو يسير على قدميه دون الحاجة لعصاه ، فإجتاحه شعور عارم بالسعادة ، وأراد أن يخبره هو أولاً قبل أن يهاتف أسرته 


فبعد بضع ساعات بدأ رائف باستعادة وعيه ، وظل يفتح عينيه ويغلقها ، كإنه إذا فتحها مرة واحدة ستألمه ، ولكن أخيراً فتح عينيه ووجد بجواره شقيقه أكرم ، الذى إبتسم له إبتسامة صافية ووجهه يطفر بالبشر والسعادة


بلل رائف شفتيه الجافتين بطرف لسانه متسائلاً بوهن :

-العملية نجحت يا أكرم


أجابه أكرم قائلاً بإبتسامة عريضة:

- أيوة يا رائف الحمد لله العملية نجحت 


رفع رائف رأسه عن الوسادة قائلاً بلهفة :

- بتتكلم جد ولا بتضحك عليا يا أكرم ، يعنى أنا همشى تانى كويس زى الاول 


حرك أكرم رأسه بالإيجاب قائلاً:

-هى دى حاجة انفع اضحك عليك فيها يعنى يا رائف ، أيوة يا حبيبى والله العملية نجحت بس الأول هتفضل فى المستشفى هنا شوية علشان نطمن عليك


تطلع إليه رائف مقطباً حاجبيه قائلاً بتوجس :

- هنقعد هنا كتير ؟ أنت مش بتقول العملية نجحت عايزنى أفضل فى المستشفى ليه ولا أنت كنت بتضحك عليا يا أكرم


إبتسم أكرم وجلس على حافة فراشه قائلاً بهدوء :

- للدرجة دى مش واثق فيا يا رائف والله العظيم العملية نجحت بس أكيد فى تمارين وحاجات هيعملوها ليك علشان ترجع زى الأول ، أنت مش هتقوم من السرير تمشى على طول يعنى يا رائف وهم اسبوعين ولا تلاتة بس تظبط أمورك ونرجع مصر على طول


زفر رائف بيأس قائلاً:

- لسه هستنى كل ده يا أكرم كده كتير أوى


غمزه أكرم ممازحًا:

-رائف يا حبيبى يعنى أنت صبرت ده كله مش صابر على أسبوعين ولا تلاتة كمان ، وإن كان على سچى يا سيدى خلاص قضيها مكالمات على مانرجع وتشوفها


وكزه رائف بصدره مبتسماً وقال :

- دا أنت رخم بجد يا أكرم


مط أكرم شفتيه قائلاً بثقة :

- رخم بس بتحبنى برضه ومتقدرش تعيش من غيرى كده ولا إيه ، وربنا يتم شفاك على خير يا رائف يلا بقى علشان هتصل عليهم اطمنهم وأنت كمان كلمهم علشان يطمنوا عليك اكتر ، زمان ماما مش عارفين يهدوها وأنت عارفها زمان بابا مسيطر على زعلها بالعافية


أجابه رائف بصوت مفعم بالصدق واللهفة :

- أكيد مقدرش أعيش من غيرك يا أكرم لأن أنت مش بس أخويا لاء أنت صاحبى وأقرب واحد ليا ، ويلا أتصل عليهم بسرعة 


أخرج أكرم الهاتف من جيب سترته ، وأجرى إتصالاً بأسرته ،فأنتفضت هدى من مكانها بعد سماع رنين هاتفها ، ففتحت الهاتف بلهفة كأنها لا تطيق صبراً لسماع صوت أبناءها ، فما أن أبصرت وجه أكرم عبر الهاتف حتى قالت بنبرة متلهفة :

- أكرم طمنى على أخوك عمل إيه بسرعة يا أبنى الله يباركلك


رد أكرم باسماً:

-حاضر يا ماما إهدى عليا بس هو الحمد لله يا ماما العملية نجحت ورائف أهو خدى كلميه معاكى أهو


وضع أكرم الهاتف أمام رائف ، فما أن رأته والدته حتى ظلت تبكى بسعادة لرؤيته ، فقالت بصوت حنون :

-حمد الله على السلامة يا حبيب قلب أمك أنت كويس يا حبيبى ، ألف مبروك على نجاح العملية عقبال ما ترجعلنا بالسلامة يا نور عينى


رد رائف قائلاً بإبتسامة هادئة:

-الله يسلمك يا ماما ايوة أنا الحمد لله كويس ، والله يبارك لينا فى عمرك يا ماما وتسلميلى يارب


أخذ ماهر الهاتف من يد هدى ونظر لرائف قائلاً بسعادة :

- الحمد لله إن احنا اطمنا عليك يا حبيبى وأن العملية نجحت عقبال ما ترجعلنا بالسلامة خد جدتك وشادى وريهام عايزين يطمنوا عليك


أجاب رائف والده قائلاً بحنان :

- تسلملى يا بابا يارب ومنتحرمش منك أبداً يارب


ناول ماهر الهاتف لوالدته ، فمسحت دموع السعادة التى سالت على وجنتيها ، فنظرت لرائف قائلة بحنو بالغ :

- حبيب تيتة حمد الله على السلامة يا رائف الف حمد الله على السلامة


رد رائف قائلاً بإبتسامة عريضة:

- تسلميلى يا صفصف وحشتينى أوى


قالت صفية وهى باسمة :

- أنت أكتر يا حبيب صفصف


أختطف شادى الهاتف من يد جدته ، فصاح قائلاً بسعادة :

- حبيبى يا أبيه مليون مبروك أنا فرحان أوى ، أنا الدنيا مش سيعانى من كتر الفرحة


رمقه رائف بنظرة عطوفة ورد قائلاً بحنان:

- إن شاء الله دايما فرحان وسعيد يا حبيبى


أخذت ريهام الهاتف من يد شادى وقالت :

- حمد الله على السلامة ومبروك وترجعوا بألف سلامة إن شاء الله


أجاب رائف بهدوء وصوت خافت :

- الله يسلمك يا ريهام هى فين سچى ليه مش شايفها معاكم


ردت ريهام مبتسمة :

-فى أوضتها جوا ثوانى أدخل ليها التليفون تكلمها


طرقت ريهام باب الغرفة ، وسمعت صوت سجى يأذن لها بالدخول ، فولجت ريهام الغرفة وهى تقفز فرحاً وقالت :

-سچى كلمى جوزك العملية نجحت يا سچى


تركت سجى مكانها على الفور ، حتى كادت تسقط على وجهها ، فتساءلت بلهفة :

-بجد يا ريهام العملية نجحت


هزت ريهام رأسها بقوة قائلة :

- أيوة يا حبيبتى خدى كلمي جوزك أهو


ناولتها ريهام الهاتف ، وخرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها ، لتفسح لها المجال للتحدث بحرية مع زوجها ، فما أن رآت سجى وجه زوجها ، حتى دمعت عيناها بسعادة وهى تقول:

- حبيبى الف مبروك أنا مبسوطة أوى أنا فرحانة أنا مش عارفة أتلم على أعصابى حاسة كأن هيغمى عليا من الفرحة


حاول رائف تهدئتها ، فهتف بها بلين ورفق:

- إهدى يا عمرى بالراحة يا سچى على أعصابك


دارت سجى حول نفسها وهى تنظر بالهاتف قائلة بعشق :

- حبيب قلب سچى وروحها ودنيتها كلها أنت يا رائف ، هو أنت هترجع إمتى


أجابها رائف بعدما زفر بقلة حيلة:

–لسه كمان أسبوعين أو تلاتة على ما أرجع 


كفت سجى عن حركتها المفرطة وردت قائلة:

-لسه هستنى أسبوعين أو تلاتة كده كتير أوى عليا أنا مش قادرة أصبر أكتر من كده ، ترجعلى بالسلامة أهم حاجة أنك أنت كويس يا حبيبى ، ترجع بالسلامة يارب ان شاء الله ياحبيبى هستناك على نار ، ماشى يا روحى أنت لازم ترتاح شوية دلوقتى أنا رغيت معاك كتير وأنت لسه خارج من العمليات


قال رائف بحنين جارف:

- ولا أنا قادر أصبر بس أعمل إيه معلش يا حبيبتى هيعدوا بسرعة وهرجعلك على طول ، أنا هبقى اكلمك كل يوم لحد ما ارجع ليكى ، وراحتى هى إن أشوف عينيكى الحلوة دى وأسمع صوتك وإن شاء الله يا سچى ربنا يعدى الأيام دى بخير


مرت الأيام سريعاً رأفة بقلوب العاشقين ، فقبل إنتهاء الثلاثة أسابيع بيومين ، كان رائف يهاتف زوجته مثلما أعتاد يومياً ، فهو لا يجعل يومه يمر دون أن يرى وجهها ، فكم يتمنى العودة إليها على جناح السرعة ، فالشوق بلغ به منتهاه ، فسمع صوت تنهيدات حارة منها وهى تقول بإشتياق :

-هم اليومين اللى فاضلين دول ما بيخلصوش ليه ، جايز علشان أنا مشتاقة ليك أوى ، بس قولى بقى حلوين الممرضات عندك


رد رائف مبتسماً:

-مش عارف تحسى أن الأيام ماشية ببطئ يموت ، بس أنا مشتاقلك أكتر يا سجى ، وبالنسبة للممرضات دول حلوين أوى دا الواحد يشوفهم يبقى عايز يفضل عيان على طول


دققت النظر به وقالت بغيرة عاصفة :

- أه ماشى يا رائف حلو أوى الكلام ده ، بتبص على الممرضات وعامل فيها عيان 


ضحك رائف قائلاً :

- هو فى أى واحدة تقدر تاخد قلبى منى غيرك أنتى يا احلى حاجة حصلت في حياتى كلها ، إن شاء الله هانت يا سچى وهرجعلك

أنساها حديثه غيرتها فردت قائلة بصوت متهدج :

- وأنت حبيبي ، عايزة أغمض عينى وأفتحها ألاقيك قدامى ، تيجى بألف سلامة يا رائفى


أنهت حديثها معه وأغلقت الهاتف وضمته لصدرها وهى باتت تعد الدقائق حتى يمر اليومان المتبقيان 


بعد مرور يومان 

قد حان موعد عودته إلى مصر ، فكانوا جميعهم بالمنزل يشعرون بالسعادة والفرحة العارمة ؛ لعودة الغائبان ، فنظرت هدى لزوجها قائلة بتلهف لرؤية ولديها :

-يلا بينا بقى على المطار خلاص مش قادرة أصبر أكتر من كده 


رد ماهر قائلاً:

- خلاص يا هدى إحنا مستعدين ، ثم إن لسه فى وقت على الطيارة ما توصل


قالت صفية بلهفة وشوق:

- عندها حق أنا كمان مش قادرة أصبر أحفادى وحشونى


طوق شادى كتفيها قائلاً :

- ومين سمعك يا تيتة أنا مش عارف أنا استحملت الفترة دى إزاى من غير ابيه رائف وابيه أكرم ربنا ما يحرمنى منهم ابداً


قالت هدى وهى رافعة كفيها بوضع الدعاء :

- اللهم أمين يارب العالمين ، هو ريهام وسچى فين لسه مخلصوش


ردت صفية مبتسمة:

- زمانهم خلصوا وجايين دلوقتى 


خرجت سجى من غرفتها وكذلك ريهام هبطت الدرج بخطوات سريعة ، فكل منهما أنهت إستعدادها للذهاب إلى المطار لملاقاة أزواجهما العائدان من بلاد الغرب 


فقالت ريهام وهى تقترب منهم :

- يلا بينا إحنا خلاص خلصنا


قالت سجى بلهفة وحماس :

- أه يلا بينا بسرعة


ربتت صفية على وجنة كل منهما وهى تقول بإعجاب :

- بسم الله ماشاء الله قمرات دا الواد رائف وأكرم متجوزين حوريتين


شعرت كل من ريهام وسچى بالخجل ، فهما قد استبد الشوق بقلوبهما ، فخرجوا من المنزل وصعدوا للسيارات ، فانطلقوا بطريقهم للمطار 


بعد وصولهم للمطار ، ظلوا بصالة الانتظار ، حتى تم الإعلان عن وصول الرحلة القادمة من لندن والتى كان على متنها كل من رائف وأكرم ، كانت سچى لا تطيق صبرًا حتى تراه ، فلما اصبح الوقت يعاندها الآن ويمر بهذا البطئ القاتل ؟


فهمست بصوت منخفض :

- يلا بقى إيه ده ده كله تأخير حرام كده أنا هموت وأشوفه وحشنى


مالت إليها ريهام هامسة :

- مش عارفة هو الوقت بيتلكع ليه كده يا سجى 


نظرت إليها سجى وتساءلت :

- هو أنتى سمعتينى يا ريهام وأنا بتكلم ؟


ردت ريهام ممازحة :

- تقريباً كلنا سمعنا يا سچى يا حبيبتى 


فغرت سجى فاها وقالت بفزع :

- بجد والله ، أنتوا سمعتونى كلكم 


هزت ريهام رأسها نافية ، فردت قائلة بهدوء:

- لاء بهزر معاكى أنا بس اللى سمعتك علشان واقفة جمبك


وكزتها سجى بخفة وقالت بغيظ :

- مش وقت هزارك يا ريهام أنا أعصابى مش عارفة أتلم عليها اصلاً


وضعت ريهام يدها على وجنتها وهى تقول:

- ولا أنا وحياتك بس بحاول أعدى الوقت على ما يوصل أبو غمازات


هبط رائف الدرج الخاص بالطائرة ، بخطوات هادئة وثابتة ، يشق طريقه وسط الجموع ، متلهفاً لرؤيتها ، رؤية من ملكت جوارحه ، التى إشتاق إليها منذ أن تركها وغادر 

رآته قادماً من بعيد ، فزادت ضربات قلبها حتى شعرت أن كل من حولها بات يسمعها بوضوح ، وما أن وقع بصره عليها ، رفع يده ملوحًا لها بابتسامته الجذابة ، التى تأسر قلبها ، فوجدت نفسها ترفع يدها تلوح له هى الأخرى بلهفة ، فهى لا تصدق أنه أتى إليها ، وسيصبح قريباً منها ، فلا يفصلهما سوى بضعة أمتار قليلة تسابقت خطواته فى الوصول إليها ، فالأن ستصبح بين ذراعيه 


خرج إسمها من بين شفتيه بهمس عاشق :

- سچى


وما أن أقترب منها لا يفصله عنها سوى خطوات قليلة،وعندما مد يده إليها ، وجد فتاة أخرى ترتمى بين ذراعيه ، بل راحت تقبله على وجنته ولفت ذراعيها حول عنقه وإبتسمت له بدلال ، فنظر إليها بصدمة وهو لا يعى ما يحدث


فكيف جاءت ؟ ومن أين علمت بشأن وصوله ؟ وماذا تريد منه ؟ فالصدمة شلت لسانه وأطرافه وأعجزته عن أن يفه بكلمة واحدة 


شهق الجميع بذهول وصدمة ، وظل كل منهم ينظر للأخر ، لعل أحد منهم يستطيع تفسير ما يحدث ، كانت سجى تحملق بزوجها وتلك الفتاة بذهول مما تراه ، فمن تكون تلك الفتاة الوقحة التى تحتضن زوجها هكذا ؟ وما صلتها بزوجها ؟ 


ظلت كل تلك الأفكار والأسئلة ، تدور برأسها الذى كان على وشك الإنفجار الآن بسبب كثرة التفكير ، وليس هذا ما جعلها تشعر بالإعياء فجأة ، فالغيرة التى أضرمت نيرانها بقلبها ، كانت على وشك حرق الأخضر واليابس


استفاق رائف من ذهوله قليلاً ، ومازالت تلك الفتاة متعلقة بعنقه ، تطبع تلك القبلات على وجنته ، فنطق اسمها بذهول :

- مايا


إبتسمت له مايا قائلة برقة ونعومة :

-حمد الله على السلامة يا حبيبى وحشتنى أوى يا رائف


أتسعت حدقتىّ سجى وتساءلت بدهشة وصدمة :

- رائف مين دى ؟ وتعرفها منين ؟


يتبع...