-->

رواية لا أحد سواك رائفي - بقلم الكاتبة سماح نجيب - الفصل السابع عشر

 

رواية لا أحد سواك رائفي 

بقلم الكاتبة سماح نجيب 




الفصل السابع عشر 

رواية

لأ أحد سواك رائفي 

" أنتِ إدمانى ودوائى "



عبثت بأوتار الشوق ، ولم يعد للعناد وجود ، فما كان من أمره من الجفاء والرفض ، صار متلهفاً كعاشق بلغ به شوقه إليها منتهاه ، فخلع عنه قلبه رداء الصمود ، وقبل أن يجيبها على سؤالها عن مغزى حديثه ، أراد الحصول على عناق أخر ، فأعاد تفاصيل عناقه ولكن تلك المرة يشبه تساقط قطرات الندى على أوراق الورد بالصباح الباكر ، فما رغبت به من سخاء عواطفه ، كاد يغرقها بلجة عميقة حتى كادت تنسى أنهما مازلا بالحديقة وبإمكان أن يراهما أى أحد من المدعوين


إلا أن رائف أنتبه أخيراً على وضعهما ، فأبعدها عنه قليلاً مغمغماً:

–قصدى إن أنا خلاص مش قادر أخبى اللى جوايا أكتر من كده يا سچى أنتى لازم تعرفى كل حاجة


حدقت به سجى وتساءلت بلهفة :

– إيه اللى جواك يا رائف ولازم أعرفه قول أنا سمعاك


مرر يده على وجنتها ، فأسند جبينه لجبينها قائلاً بهمس عاشق :

–هقولك على كل حاجة بس بعد الحفلة ما تخلص، لأن لازم نقعد ونتكلم  لان الكلام ممكن يطول فتعالى دلوقتى نرجع الحفلة وبعد ما تخلص هقولك على اللى انا عايزه كله


من دون كلمة تبعته سچى ، وهى تقوم بجهد كبير لتتنفس بشكل طبيعى ، فعناقه أضعف قوتها وجعل قلبها يخفق بقوة، ولكن قبل وصولهما لمكان الحفل ، جذبت سجى ذراعه فتمتم بصوت منخفض:

– إستنى يا رائف أنت لازم تقفل زراير قميصك وتربط الجرافت بتاعتك


نظر رائف لهندامه المبعثر فتبسم قائلاً:

– إيه ده دا أنا نسيت خالص ، أنتى السبب خلتينى أجرى وراكى 


هتفت به بصوت خجول :

– طب ممكن تسيبنى أنا أربطلك الجرافت


أقتربت منه قبل أن يمنحها موافقته أو رفضه ، أغلقت أزرار قميصه وعقدت له رابطة عنقه ، فهى منذ سماع تلك الكلمة " حبيبتى " منه ولا تعلم ما أصابها فجأة ،كأنها تقبض على النجوم بيديها ، فتمنت لو يكون جاداً بحديثه ويخبرها بكل ما يتلهف قلبها لسماعه 


فبعد إنتهاءها نظرت له قائلة بإبتسامة صافية:

–خلاص تمام كده انا خلصت


رد رائف قائلاً وهو يتناول يدها :

– شكراً


أراد تقبيل باطن يدها ، فرآى يدها المزينة بالحناء ، فقال مستأنفاً حديثه بإعجاب :

–الله إيه الرسمة الحلوة دى اللى على ايدك


أرتجف صوتها خجلاً وهى تقول:

–دى ريهام اللى أصرت عليا انى ارسمها يوم الحنة بتاعتها


قبل باطن يدها ، دون أن تكف عيناه عن النظر إليها ، فقال بصوت جذاب:

– بس جميلة و شكلها حلو أوى على إيدك ياقلبى


لاتعلم أين ذهب صوتها وكلماتها ، فالكلمات سكنت جوفها ، ولكن شفتيها أبت أن تطلق سراحها ، فأن تسمع إطراءه لها بتلك الكلمات التى لا يتفوه بها إلا عاشق لمعشوقته ، فذلك أدعى لأن تشعر بصدمة تجعلها تعجز عن النطق


قاوم رائف إغراء تلك اللحظة بينهما ، فهما يجب عليهما العودة إلى الحفل ، فقبض على يدها قائلاً :

– طب يلا بينا ليكون حد بيدور علينا دلوقتى


أماءت سجى إيماءة خفيفة وسارت معه حتى عادا لمكان الحفل ثانية ، ولكنه رفض ترك يدها ، فرفعت يدها الأخرى وأحتضنت كفه وكفها معاً ، فكلما إبتسم لها إحدى إبتساماته الجذابة ، ترفض عيناها النظر لأى شئ أخر سواه ، ولكن إنتبهت على ريهام التى تشير لها ، كأنها تريدها بأمر هام 


فقالت بصوت منخفض:

– رائف هشوف ريهام علشان بتشاورلى


أماء برأسه قائلاً :

–ماشى بس متتأخريش عليا وتيجى بسرعة


–حاضر هشوفها محتاجة إيه وأجى على طول

قالت سجى وحلت وثاق يدها عن يده ، فوصلت لريهام ، التى جذبت ذراعها هامسة بأذنها :

– عايزة اروح الحمام يا سچى دلوقتى حالاً وبسرعة 


ضحكت سجى بصوت خافت ، فأخذتها معها وهى تقول :

– ماشى تعالى نروح الاستراحة


بعد ذهابهما ، أقترب أكرم من رائف ، فهو إنتبه على غيابه هو وسجى ، فتمنى لو كان شقيقه صرح لها عن حبه ، فما رآه من هدوءه وإبتسامته الجذابة ، جعله يستجمع شجاعته قائلاً بدهاء :

– أنت كنت فين يا رائف من شوية مكنتش شايفك


نظر إليه رائف بعينان ناعستان ، فهو يعلم مدلول عبارته ، فربت على وجنته وهو يقول:

– أنت عايز إيه يا أكرم فى ليلتك دى


لم يفلح أكرم فى كبت إبتسامته ، فرد قائلاً وهو يربت على وجهه هو الأخر :

– ولا حاجة يا حبيبى أنا بس بطمن عليك بلاش يعنى ، أخدت بالى أنك كنت مختفى من شوية


قرص رائف وجنة أكرم قائلاً بغيظ :

– أنا كويس يا حبيبى متخافش 


تألم أكرم من فعلة شقيقه ، فأزاح يده عنه قائلاً :

– ان شا الله دايما بخير وكويس ، إيه نويت تقولها بقى وترحمها وترحمنا معاها 


لم يسعه سوى أن إبتسم بوجه أخيه وهو يقول بهدوء:

– أيوة يا أكرم هقولها لان كفاية تعذيب فيها وفى نفسى لحد كده


أبتهج أكرم بسماع قول شقيقه ، فأحتضنه قائلاً بثناء على قراره :

– أحسن حاجة تعملها بجد يا رائف ، متعرفش والله فرحت انك ناوى تصارح مراتك باللى جواك علشان انت لازم تبتدى تعيش حياتك بقى 


ظل رائف يربت على ظهر أكرم ، فهو ليس شقيقه فقط بل الأقرب له ، صديقه الصدوق ، ومرآته التى لا تظهر له فقط ما يبدو من أفعاله ، بل يجعله دائماً يرى الأمور من منظور أخر 


بالشقة ...ولجت ريهام للمرحاض وبعد خروجها ، تجولت بالغرف تبدى إعجابها بدقة تصميمها وآثاثها الفاخر ، فقالت بإشادة للذوق الراقى الذى بدا جلياً بكل قطعة آثاث :

– حلوة اوى الاستراحة دى يا سچى ، ومفيش مرة جوزك نفسه مغزتش عليه يجيلك هنا 


وضعت سجى يدها على فمها تكتم صوت ضحكتها وقالت :

–اه جميلة انا من ساعة ما جيت وانا قاعدة فيها ، بس لاء مغزتش عليه


أدنت ريهام برأسها منها وهى تقول بإبتسامة ماكرة :

– أنتوا كنتوا فين كده من شوية وبعدين رجعتوا واديكم فى ايدين بعض ، قرى وأعترفى يا سجى المكان كله محاصر 


دفعتها سجى عنها ، فهى لا تكف عن مزاحها طوال الوقت ، ولكن ذلك لم يمنعها من أن تقص عليها كل ماحدث أثناء غيابهما ووعد رائف لها بأنه سيتحدث معها بعد إنتهاء الحفل 


فصفقت ريهام بيديها قائلة بحماس :

– يعنى كنتى تحت الشجرة يا وهيبة ، قلبى بيقولى أن النهاردة مش فرحى أنا بس يا سچى


وكزتها سجى قائلة بخجل :

–قصدك ايه يا بت انتى بكلامك ده ،والله أنتى قليلة الأدب


ألتوى ثغر ريهام وهى تقول بعدما جلست على الأريكة بإرتياح :

–قصدى اللى أنتى فهمتيه يا سچى واللى خلى وشك جاب الوان كده ، بس ماشى يا مؤدبة أما نشوف


جذبت سجى ذراعها قائلة:

– متنقيش فيها وحياة أهلك أحسن ييجى يقولى كلمتين يصدمونى ويجيبوا أجلى والمرة دى أموت فيها


قالت ريهام وهى تستقيم بوقفتها :

– بعد الشر عليكى يا قمرى تفائلى يا بنتى شوفتى لما قولتلك استفزيه جت بنتيجة ازاى


زفرت سجى زفرات متتالية قبل أن تقول :

– استفزه ! رائف يا حبيبتى يستفز بلد بحالها ببروده ، ويلا بقى زمانهم بيدور عليكى برا


أرادت ريهام ممازحتها ، فقبضت على ذقنها قائلة بعبث :

– والله تلاقيكى أنتى اللى هتموتى وتخرجى لجوزك ، بتبعينى يا سچى مكنش العشم ، بقولك ايه مفيش كانز فى التلاجة دى ويكون شويبس اناناس


صفعت سجى ظاهر يدها وهى تقول بغيظ :

–اه لأنى كنت مبسوطة وهو ماسك ايدى جيتى انتى وخلتينى اسيبه واجيلك ، أقولك انا خارجة وسيباكى وانتى حرة بقى ، ويلا أمشى غورى قدامى كاتك نيلة أنتى فى ايه ولا ايه


دفعتها سجى لتتقدمها بالسير ، فريهام وإن ظلت تتفكه بحديثها لن تنتهى الليلة ، فهى تريد الخروج لزوجها ، فهى تركته على مضض من أجلها 


فما أن عادت ريهام لأكرم ، حتى تناول يدها قائلاً بقلق :

–أنتى كنتى فين ده كله يا ريهام


ردت ريهام باسمة :

– أنا جيت أهو خلاص يا كرمتى 


إبتسم أكرم حتى ظهرت غمازتيه غائرتان بوجنتيه ، فعقد حاجبيه قائلاً :

– بتقوليلى يا كرومتى ، هى الساعة كام دلوقتى ، أنا بقول كفاية علينا كده ونطلع ننام بقى علشان نلحق الحلم من أوله 


أبتلعت ريهام لعابها لكونها فهمت مقصده ، ولكن حاولت إدعاء. الجهل ، فنظرت إليه قائلة بجدية مصطنعة :

–حلم ايه ده اللى نلحقه من اوله ، ايه ده الحلم المصرى ده


رفع أكرم يديه وأشاح بهما قائلاً :

–لاء الله يخليكى مش طالبة غباء النهاردة إطلاقاً


صعقت ريهام من نعته لها بالغباء ، فرفعت سبابتها تشير لنفسها قائلة :

– كده أنا غبية يا أكرم


حرك أكرم رأسه يميناً ويساراً قائلاً محاولاً إسترضاءها :

– أنا أقدر أقول كده يا قلبى ، ويا كبدى وطحالى 


إبتسمت ريهام قائلة بعد أن زمت شفتيها :

– طب بس كفاية غراميات يا دكتور ، كبد وطحال ناقص تقولى وأنتى المرارة 


– لاء يا قلبى المرارة دى لسه هتتفقع من عمايلك 

قالها أكرم بدعابة ، فلو لم تكن تعلم أنه يمازحها ، لربما وجدها تجلده بلسانها الذى أشد وقعاً من السياط


أنتظرها بلهفة وشوق حتى تعود يدها لمسكنها بين كفه العريض ، فما أن أقتربت منه حتى وجدته يمد يده لها ، فتشابكت أصابعهما معاً ، يضغط هو عليها بمحبة ، كأنه يريد التحقق من أمر وجودها بجواره الأن ، فهو قد أخذ قراره ولن يترك يدها ثانية 


نظرت إليه قائلة بشغف ملأ عينيها :

– أجبلك حاجة تشربها أو حاجة تاكلها


أماء رائف برأسه رافضاً:

–تؤ تؤ لاء مش عايز أى حاجة خالص


قالت سجى بصوت متهدج :

_ طب عايز ايه اجبهولك يا رائف


مال برأسه إليها قائلاً بهمس :

– عايزك أنتى يا سچى ، ومش عايز أى حاجة تانية فى حياتى


لو ظل هكذا يهمس لها بكلماته وصوته الجذاب ، فحتماً سيغشى عليها من فرط شعورها بالسعادة ، فلو كانت تعلم أن إخبارها له برحيلها عنه ودموعها ، ستجعله هكذا عاشقاً متلهفاً ، لكانت أخبرته منذ تلك الليلة التى تم بها عقد قرانهما 


ظلت ثلاث أزواج من العيون تتابعهما بسعادة ، وإبتسامة ملأت وجوههم ، فأدنت هدى برأسها من زوجها قائلة :

–شايف يا ماهر رائف وسجى


قال ماهر وهو يشخص ببصره لوجهها الناعم :

– أه يا هدى يمكن أخيراً بقى هيعترفلها بحبه ليها


ردت هدى قائلة بأمل :

–ياريت يا ماهر يعمل كده نفسى أطمن عليه زى ما اطمنت على أكرم


قالت صفية وهى تربت على ذراعها :

–ربنا يسمع منك لان رائف تعبنا معاه بعنده ونشفان دماغه لله


وضع ماهر يداه بجيبى بنطاله ، فخفض رأسه قائلاً :

– إن شاء الله بس أنتى عارفة يا أمى أن اللى حصله مكنش حاجة هينة ومفيش حاجة بتتغيير بين يوم وليلة


أثناء حديثهم سمعت هدى صوت شادى يناديها بإلحاح كالطفل الصغير :

–ماما ماما يا مامااااااا انا جعان يا ماما


لطمت هدى خديها برفق قائلة :

–يا مصيبتى السودة يانى بتناديلى علشان تقولى جعان متروح تاكل يا شادى هو انا مسكاك البوفية عندك أهو وروح كل


قبل وجنتها قائلاً بلطف:

– أنتى عارفة إن أنا بحبك أنتى اللى تعمليلى الطبق بتاعى


صفعته صفية على مؤخرة رأسه وهى تقول:

–فى ايه يا واد يا شادى على طول مسروع على الاكل كده


دلك شادى رأسه وقال ممازحاً إياها :

– مش عارف يا تيتة ايه ده كل ما اكل اجوع أكتر دا باين فى تماسيح فى بطنى 


داعب ماهر أرنبة أنفه قائلاً بعتاب محبب :

–وأنت صغير لما تروح تجيب الأكل لنفسك


عقد شادى ذراعيه قائلاً بدراما :

– أه أنا صغير وآخر العنقود ولازم تدلعونى بقى مليش دعوة


تأبطت هدى ذراعه تجره معها وقالت :

– خلاص تعال يا آخر العنقود أجبلك الأكل علشان تأكل أجبلك حاجة يا ماهر وأنتى يا ماما


رفضا ماهر وصفية تناول الطعام ، فشد ماهر على أذن شادى مؤنباً :

– لاء يا حبيبتى بس أنت يا شادى أكبر بقى وبطل شغل العيال ده 


أنكمشت ملامح وجه شادى لشعوره بالألم إلا أن ذلك لم يمنعه أن يقول متفكهاً :

–طب إيه رأيكم هاجى انام معاكم النهاردة كمان


فغر ماهر فاه من قول شادى ورد قائلاً:

–هى حصلت كمان تنام معانا دا أنت أتجننت على الآخر


ضم شادى كفيه قائلاً وهو يضحك ملأ فاه:

– أه يا بوب أنام معاكوا أنام معاكوا


جرته هدى معها وهى تنهره عن مزاحه :

– يلا يا واد أنت وبطل جنان بقى ، يلا يا غلطة عمرى 


أخذ يدها يقبلها وهو ينظر لأبيه قائلاً:

– لا مؤاخذة يا بوب هاخد منك جميلة الجميلات شوية


زفر ماهر بيأس من أفعال ولده الصغير ، فرد قائلاً بإيماءة من رأسه :

–ماشى بس رجعها بسرعة ومتأخرهاش


وضعت هدى يدها بخصرها وهى تقول بإمتعاض :

– ليه هو سالف منك العربية ولا إيه


إبتسم بوجهها قائلاً بإطراء :

–حبيبة قلبى أنتى دا أنتى دنيتى


نسيت ما كان من أمرها فردت قائلة بحب :

–حبيبى ربنا ما يحرمنى منك


نظر شادى لوالدته تارة ووالده تارة أخرى ، فرفع شفته العليا قائلاً:

– أيوة يبقى مش هاكل فى يومى النهاردة طالما الحوار بقى كده بينكم


رفع ماهر يده يشير لزوجته بالذهاب وهو يقول:

–روحى اكليه ليفضحنا الواد ده 


سارت هدى بجوار شادى ، ولكنها كانت تنقل نظراتها بين أكرم ورائف وزوجتهما ، فأخذ لسانها يلهث بالشكر لله ، داعية أن يحفظهم من كل عين حاقدة وحاسدة 


دامت ساعات الإحتفال حتى منتصف الليل ، وبدأ المدعويين بالإنصراف ، فكان أخر من كان بنيته الذهاب هما أسرة ريهام 


فتقدمت منها والدتها قائلة وعيناها دامعتان :

–حبيبتى الف مبروك ربنا يسعدكم يارب


أحتضنت ريهام والدتها وفرت دموعها ساخنة على وجنتيها وهى تقول :

–الله يبارك فيكى يا ماما


ربت والدها على ظهرها قائلاً بحب :

–حبيبة بابا الف مبروك وعقبال ما نفرح باحفادى


تركت ريهام والدتها وأحتضنت أبيها ، فدفنت وجهها بصدره قائلة بحنان :

–تسلملى يا بابا


شدد والده من إحتضانه لها ، فنظر لأكرم قائلاً :

–خد بالك منها يا اكرم ماشى


أشار أكرم لعينيه قائلاً بوعد :

–دى فى عنيا يا عمى قولها هى بس تاخد بالها منى


إبتسمت والدتها وقالت وهى تنظر لوجه ريهام :

–ما تخافش هى هتاخد بالها منك علشان هى بتحبك أوى 


تركت ريهام ذراعى أبيها قائلة بما يشبه الفزع :

–ماما


ضحكت والدتها على ما فعلته ، فقالت وهى تعقد حاجبيها :

–ماما ايه إذا كان خلاص إحنا هنسيبك ونمشى وهتفضلى معاه ، والف مبروك يا حبايبى وربنا يسعدكم


ضربت ريهام جبهتها وقالت:

–اه والله افتكرت أنا فاكرة نفسى هروح معاكم


أدنى أكرم برأسه منها قائلاً :

– تروحى فين يا حبيبتى ، قال تروح معاهم قال 


ضحك والديها على شجارهما اللطيف ، فرحلا بعد وداعها ووداع عائلة زوجها ، فلم يتبقى سوى أفراد العائلة ، فأنتقلوا جميعهم لداخل المنزل ، عدا سجى التى فضلت الذهاب للشقة بعد أن تبادلت النظرات مع زوجها ، والتى بدت كأنها ترسل لها وعداً باللحاق بها ، فأملت أن يكون جاداً ، وألا يعود لعناده ثانية ويتركها تنتظره ليلتها بأكملها ، فما أن وصلت للشقة ، حتى ذهبت لغرفتها وأخرجت ثياب نظيفة ، وذهبت للمرحاض ، لتغتسل بالماء الدافئ ، فهى بحاجة للإسترخاء وأن تحصل على شئ يهدأ من روعها ، مخافة أن يحاول رائف التملص من وعده لها بأن يبوح بكل ما يعتمل داخل قلبه 


❈-❈-❈


بعد تركهما منزلهما وذهابهما لذلك المنزل ، الذى كان يعود لنعمة وسجى ، وهى تعمل على تنظيف المنزل ، فهو مغلق منذ عدة شهور ، أى منذ تركته سجى وأنتقلت لمنزل " ماهر زيدان " مسحت أروى حبات العرق التى تجمعت على جبينها علاوة على وجهها الذى تلطخ بالغبار ، فما أن رآت وجهها بالمرآة ، حتى فغرت فاها بدهشة ، قررت الذهاب سريعاً للمرحاض ، قبل مجئ والدها ، وبعد إنتهاءها خرجت وأخذت هاتفها لإجراء إتصال هاتفي بشقيقتها وتخبرها بشأن أنها هى وأبيها يسكنان بالمنزل الأن


ثوان معدودة وجاءها الرد على الطرف الأخر من سجى وهى تقول بود:

– ألو ازيك يا أروى عاملة ايه يا حبيبتى


اجابتها أروى وهى تبتسم تلقائياً لسماع صوتها :

–الحمد لله أنتى عاملة إيه وحشتينى أوى يا سچى


قالت سجى بصوتها الحانى :

–الحمد لله أنتى أخبارك إيه


ردت أروى قائلة بحزن :

– والله اخبارى مش تمام يا سجى 


سألتها سجى بقلق بعد سماع صوتها الحزين :

– ليه بعد الشر فى إيه اللى حصل


أخبرتها أروى بكل ماحدث منذ مجئ هشام لخطبتها ، وتركهما منزلهما  والمجئ لهذا المنزل من أجل الإقامة به بعيداً عن والدتها ، التى لم تترك مجالاً أخر لهما


بعد أن أنتهت أروى من سرد قصتها ، قالت سجى بهدوء :

– أنتوا قاعدين فى البيت دلوقتى


أجابت أروى وهى تشعر بإستحياء ، كون أن أبيها لم يكن على وفاق مع شقيقتها:

–أيوة أنتى اضايقتى أن إحنا جينا قعدنا هنا


أسرعت سجى بالرد قائلة بصدق :

– لاء يا قلبى ازاى تقولى كده ده بيتكم برضه بس البيت كان مقفول من شهور وتلاقيه كان عايز يتنضف


ردت أروى مبتسمة :

– أنا نضفته وحتى قعدت فى أوضتك


قالت سجى بصوتها الحانى :

–دى تلاقى الاوضة نورت بيكى يا أروى


أبتهجت أروى بسماع حديث شقيقتها ، فردت قائلة بحب :

–تسلميلى يا حبيبتى والله كنت عايزة اشوفك واقعد معاكى


أجابتها سجى بتوكيد على الذهاب إليها بأقرب فرصة سانحة :

–هجيلك يا حبيبتى ونقعد سوا وبالمرة أشوف البيت أنا من ساعة ما سبته مشفتوش وحشتنى ريحة أمى فيه


بتذكر أروى لزوجة أبيها الأولى ، أكتست ملامحها الحزن ، فردت قائلة بصوت يتخلله الشجن :

–الله يرحمها يا حبيبتى خلاص أبقى تعالى


ردت سجى قائلة:

– ماشى يا حبيبتى هجيلك إن شاء الله مع السلامة 


أنهت أروى المكالمة مع شقيقتها ، وما كادت تضع الهاتف من يدها حتى سمعت صوت باب المنزل يفتح ، وعلى ما يبدو أن أبيها عاد من عمله باكراً اليوم


فصاح حامد منادياً :

– أروى أروى


خرجت أروى من الغرفة وهى تجيبه بصوتها الرقيق :

– أيوة يا بابا 


فناولها ما يحمله من فاكهة طازجة قد إبتاعها وهو بطريقه للمنزل :

– أنتى جهزتى الأكل يا حبيبتى


حملت أروى الحقائب البلاستيكية بين ذراعيها ، فقالت وهى بطريقها للمطبخ :

– ايوة يا بابا ثوانى ويبقى جاهز غير هدومك على ما أحط الأكل على السفرة ، معلش اتاخرت فى أن أحط الأكل كان معايا تليفون


نظر لها حامد متسائلاً بجدية:

– أنتى كنتى بتكلمى مين يا أروى 


إلتفتت إليه برأسها وردت قائلة مبتسمة :

– كنت بكلم سچى يا بابا


بسماع إسم إبنته الكبرى ، نظر لأروى ملياً متسائلاً بلهفة :

– وهى عاملة إيه دلوقتى


قرآت أروى بعيناه الكثير ، فحاولت أن تطمئنه على أحوال شقيقتها ، فردت باسمة :

–كويسة وبتقول هتبقى تيجى علشان تشوفنى


أحنى حامد رأسه كأنه يشعر بالخزى والعار مما فعله بها ، فقال بصوت غلب عليه الشعور بالندم :

– تيجى بالسلامة نفسى تسامحني على اللى عملته فيها


وضعت أروى ما بيدها وأقتربت منه تربت على كتفه قائلة بحنان :

–سچى قلبها طيب اوى يا بابا وهتسامحك


رفع حامد يده وربت على يدها وهو يقول بأمل :

– ياريت يا بنتى تسامحنى علشان ضميرى يرتاح شوية


إبتسمت أروى إبتسامة مشرقة وهى تقول بثقة :

– إن شاء الله يلا بقى علشا احضرلك الأكل


تركته وأخذت الفاكهة وذهبت للمطبخ ، فعلى الرغم من ثقتها بأن سجى ذات قلب طيب وحنون ، إلا أنها ليس لديها الضمان الكافى بأن تتيقن من مسامحتها لأبيهما ، فهى لاقت منه الأمرين وليست هى بمفردها ولكن والدتها الراحلة تجرعت من المر أقداحاً ، فهى لن تلومها إذا رفضت مسامحته ، ولكنها تأمل أيضاً بأن تغفر له ما كان من أمره بحقها ، فهو والدها أولاً وأخيراً 


❈-❈-❈


وطأ بقدميه تلك الغرفة التى تم تجهيزها من أجله هو وعروسه الجميلة ، التى أصر على أن تدلف للغرفة وهى محمولة بين ذراعيه القويتين ، فمن حين لأخر ينظر إليها ويهديها إحدى إبتساماته الجذابة ، التى جعلتها تشعر بالخجل يكاد يشل أطرافها وهى واضعة يديها حول عنقه ، فما أن ولج للغرفة وأغلق بابها بقدمه ، حتى أطلق سراحها وجعلها تستقيم بوقفتها 


فأخذ راحتيها بين كفيه قائلاً بسعادة :

– نورتى البيت يا حبيبتى


أجابته ريهام بصوت خافت :

–شكراً


بسماعه كلمة الشكر منها ، رفع حاجبه وقال ممازحاً إياها:

–شكرا ! هو انا سواق تاكسى وصلتك البيت علشان تقوليلى شكراً ما تدينى اجرة بالمرة


أطرقت برأسها أرضاً وقالت:

–وبعدين معاك بقى يا كرومتى


أطلق أكرم صيحة إعجاب بلفظها التحببى له قائلاً بإنتشاء :

–يالهووووى على كرومتى منك دى عسسسسسسسسل بحبك وبموت فيكى يا نور عين كرومتك


رفعت وجهها له وقالت كأنها مغيبة :

–وأنا كمان بحبك أوى يا أكرم من ساعة ما قابلتك


رفع أكرم يدها وقبلها قائلاً بعبث :

–اااه قصدك من ساعة ما شتمتينى


ضحكت ريهام على تلك الذكرى فردت قائلة:

– أنت لسه فاكر يعنى سايب كل حاجة وفاكر الشتيمة ميبقاش قلبك أسود يا دكتور


قال أكرم ومد يده وقرص وجنتها بخفة :

–دا انا قلبى بافتة بيضة وحياتك ومفيش زيه


إبتسمت بوجهه قائلة بحب :

– أكيد طبعا يا حبيبى


شمر أكرم عن ساعديه قائلاً بتفكه :

–لاء مبدهاش بقى على رأى اللمبى حلال الله أكبر ، ايه بقى يا قمر ايه النظام فى ام الليلة دى


أرتدت ريهام خطوة للخلف قائلة :

– الله وأنا مالى يالمبى ، وايه النظام فى ايه ، هو فى حاجة انا معرفهاش


شهق أكرم قائلاً :

– والله أنتى هتستهبلى وتستعبطى ولا إيه يا ريهام أنتى مش عارفة إن فرحنا النهاردة


أزدردت لعابها وقالت بإرتباك :

– ااه وفيها ايه دى يعنى يا حبيبى


أجابها أكرم ممازحاً:

–فيها إن أنا أهلى فيهم عرق صعايدة يعنى إحتمال يقتلونى الصبح لو فضلتى باستعباطك ده 


لم تفلح بكبت ضحكتها التى ألحت عليها ، فهى تفهم مقصده كاملاً ، فهى تحاوى التخفيف من شعورها بالقلق والخوف ، ولكنه كان مراعياً لها ، فدعاها لتبديل ثيابها لأداء صلاتهما الأولى سوياً ، فلم تستغرق أكثر من عشر دقائق ، حتى كانت تقف خلفه يأمها بالصلاة ، وبعد إنتهاءهما من الدعاء بتلك الليلة المميزة بحياتهما ، بدأت أولى رحلات العشق الحلال على متن سفينة الأحلام ، فراحت تشق بحار الهوى والغرام ، حتى رست السفينة أخيراً بمرفأ الأمان ، فتلك الليلة لن ينساها أحداً منهما ، وكيف لهما ذلك وتلك هى ليلتهما الأولى ، التى تم توثيقها داخل قلبين ، فاض الشوق بهما 


❈-❈-❈


بعد إنتهاءها من تلك المحادثة الهاتفية مع شقيقتها الصغرى ، جلست تفكر لما تأخر زوجها كل هذا الوقت بالمجئ إليها ؟ فبعد أن أرهقت عقلها بكثرة التفكير ، قررت أن تبحث عن شئ يستطيع إلهاءها لحين مجيئه ، ففتحت التلفاز وظلت تبحث بين قنواته على غير هدى كأنها تبحث عن شئ ضائع ،ولكنها فكرت بالذهاب للمطبخ لإعداد مشروب دافئ يهدئ أعصابها الثائرة قليلاً ، فقبل أن تسكب الماء الذى تم غليه بالكوب ، سمعت صوت دقات متلاحقة على باب الشقة فتركت ما بيدها وركضت لترى من القادم 


وقفت خلف الباب وتساءلت :

– أيوة مين


سمعت صوت زوجها القوى وهو يقول بهدوء 

– أنا رائف يا سچى


تناست كل شئ بعد سماع صوته ، ففتحت الباب على الفور ولم تنتبه لما ترتديه من ثياب قصيرة ومريحة للنوم ، فما أن رآها حتى جحظت مقلتيه ، خاصة أن تلك هى المرة الأولى التى يراها بثوب كهذا ، وهو من إعتاد على رؤيتها بثيابها الطويلة والمحتشمة وحجابها الذى لا يفارقها 


فأتسعت طاقتى أنفه قائلاً بغيرة عاصفة:

– أنتى ازاى تفتحى الباب وانتى كده قدرى حد غيرى شافك كده


أنتبهت سجى على وضعها وهى تقف هكذا أمامه بثوبها القصير ، فجف حلقها وقالت وهى تعيد أدراجها للداخل :

– أنا انا مش قصدى انا داخله البس الاسدال


قبل أن تبتعد أكثر كان سألاً إياها بتهذيب :

– طب ممكن أدخل


إلتفتت إليه برأسها وتوقفت عن السير وهى تقول :

– اه اه طبعا أتفضل


دلف رائف وأغلق باب الشقة خلفه ، فأرادت إكمال سيرها لتذهب لغرفتها ، فقالت بإستحياء :

– عن اذنك هلبس الإسدال


قبض رائف على معصمها قبل أن تبتعد ، فأجابها وعيناه تمسح كل إنش بوجهها وهيئتها المحببة لديه :

–ملوش لزوم انا جوزك مش حد غريب


أبتلعت لعابها وردت قائلة بصوت خافت :

–بس أنت أضايقت لما فتحتلك الباب وأنا كده


رد رائف باسماً :

– أنا أضايقت علشان أنتى كنتى واقفة على الباب وممكن حد فى الجنينة يشوفك كده بس دلوقتى إحنا لوحدنا ومحدش هيشوفك كده غيرى 


زاد توترها وإرتباكها ، فأرادت صرف بصرها عنه ، فقالت وهى تتجه صوب المطبخ :

– أنا بعمل نسكافيه تشرب معايا 


رد رائف قائلاً:

–ماشى بس بلاش سكر كتير معلقة واحدة بس


ذهبت للمطبخ لإعداد المشروب الدافئ لها وله ، فإستندت بكفيها على الحاجز الرخامى وأغمضت عينيها ، ريثما تهدئ من توترها ، فحتى وإن كانت تتحين الفرصة لمجيئه ، إلا أنها لم تمنع التوتر من أن ينهش أعصابها كالوحش الجائع . 


مدت يدها لجلب كوب أخر من أحد الأرفف الخشبية ، ولكن وجدت يده تسبقها فى فعل ذلك ، فناولها الكوب قائلاً بهمس :

– أتفضلى الكوباية أهى 


داهمت وجهها حرارة قوية خاصة أنه لم يفكر بالابتعاد بعد أن ناولها الكوب ، فهو يقف خلفها تكاد تشعر بحرارة أنفاسه تتململ بين خصيلاتها المسدلة على ظهرها ، سكنت حركاتها وخشيت أن تلتفت إليه ، ولكن سبقها هو بتلك المهمة ، فجذب ذراعها جاعلاً إياها تستدير إليه ، فأزاح تلك الخصيلات التى غطت جبهتها ، نظرت إليه بانبهار وذهول تام مما يفعله ،ثم احنى رأسه إليها يعانقها حتى شعرت أن رئتيها قد نفذ الهواء بها ، فأفسح لها المجال لتلتقط أنفاسها ، ولكنه لم يتركها تبتعد إنشاً واحداً ، ولكى يضمن وجودها بين يديه ، ألصق جبينه بجبينها ، فلم ترحمها أنفاسه ، حتى شعرت بأن ساقيها لن يعود بإمكانهما الحركة ثانية ، فوجدت راحتيها تتعلقان بقميصه ، لكى تتجنب خيانة ساقيها وألا تتهاوى بوقفتها 


أرادت إستجماع قوتها المشتتة لتقول شيئاً ، فلم تفلح سوى بمناداة إسمه بهمس وخفوت:

–رائف


طوقها بذراعيه قائلاً بصوت متهدج :

–نعم يا عيون وقلب رائف


إستطاعت رفع وجهها بعد جُهد للتخلص من إرتباكها ، فنظرت بأعماق عينيه وتساءلت:

– أنت كنت عايز تقولى ايه بعد الحفلة


تتابعت أنفاسه وأجابها والشوق يختلج بصوته القوى :

–عايز اقولك إن أنا بعشقك يا عمرى وبحبك ومقدرش اعيش من غيرك


طار صوابها بعد سماع قوله ، فردت قائلة بحبور :

– رائف أنت قولت إيه دلوقتى


مسح بكفيه على رأسها وأعاد على مسامعها ما قاله :

–بقولك بعشقك يا عمرى بحبك يا سچى ومش عايزك تبعدى عنى مش عايز حاجة فى دنيتى غيرك عايزك أنتى وبس 


وجدت الكلمات تنساب من بين شفتيها بحرارة :

– وأنا كمان بحبك أوى أوى يا حبيبى ،  يا نور عيون سچى بحبك وبموت فيك كمان أنت تعبتنى أوى يا رائف على ما قلتها


تنفس رائف بعمق ورد قائلاً:

– خوفت يا سچى ، خوفت عليكى مكنتش عايز ابقى عبأ عليكى او أنك تتعبى معايا أو أن اخلى حياتك تبقى بائسة بسبب عصبيتى ونرفزتى ، وأنك تبقى زوجة لواحد أعرج وعاجز و...


عند هذا الحد ووضعت يدها على شفتيه ؛ لتمنعه من أن يسترسل بحديثه ، فقالت بصدق :

–بس يا رائف متكملش كلامك انا محبتش فى حياتى غيرك ولا هحب غيرك ولا إتمنيت حد فى حياتى غيرك انت يا حبيبى


أرادته أن يصدق حديثها ، فوضعت رأسها على صدره ولفت ذراعيها حوله ، فرفع ذراعيه وضمها إليه أكثر مغمغماً:

– إستنيت اللحظة دى من أول ما قلبى دق ليكى 


ردت سجى مبتسمة ودقات قلبه تهدر أسفل رأسها الموضوع على صدره :

– لو كنت قولت من الأول كنت وفرت على نفسك العذاب النفسى ، وكنت قولتلك قد إيه أنا بحبك 


كل كلمة تتفوه بها ، تزيد من شوقه إليها ، فلم يعد قادراً على تجاهل تلك المشاعر التى باتت تسرى بخلاياه مطالبة بها ، فهمس بإحدى أذنيها مستعطفاً بلهفة عاشق :

– سچى أنا محتاجلك أوى ، أكتر من أى حاجة تانية فى حياتى


أجابته بثقة  دون أن ترفع رأسها عن صدره :

– وأنا جمبك يا حبيبي أنا بحبك وبعشقك ومستحيل أفكر أبعد عنك


أسند ذقنه لرأسها قائلاً:

–حبتينى اوى كده يا سچى ، عشقتينى وأنا بحالتى وظروفى دى


أجابته بثقة لا تقبل الشك أو الجدل:

–حبيتك بكل حالاتك وظروفك ، ومتمنتش حاجة فى حياتى غيرك أنت ، كان نفسى تحس بيا وبحبى ليك ، كنت عيزاك تعرف أن مفيش فى قلبى غيرك ، ولا هيسكن قلبى غيرك


أطلق نهدة حارة شعر بأنها كادت تمزق رئتيه لو كان أختزنها بداخله أكثر من ذلك ، فراح يقول بصوته العميق كأنه يقص عليها إحدى قصص العشق :

– أنا أول مرة شوفتك فيها ، وعينيا جت في عينيكى  حسيت بقلبى دق جامد ، حاولت أمنع نفسى من الاحاسيس دى،  وقولت لنفسى لاء مش لازم تقولها ، مش لازم تخليها تتعذب معاك ، مش لازم تخليها ترتبط بيك وانت بحالتك دى فضلت أقاوم حبى ليكى ، بس مقدرتش أقاوم اكتر من كده كل مرة كنت بقرب منك كان قلبى يقولى سيب نفسك لكن عقلى يقولى لاء لازم تفوق هى ما تستاهلش انها تعانى معاك أو أن ييجى عليا يوم ازعلك ، مكنتش هقدر استحمل دموعك فضلت أقنع نفسى إن أنا خلاص مش لازم أحب ولا ارتبط بحد ، بس جيتى انتى وخلتينى مش قادر أبعد عنك ولا أمنع حبى ليكى ولا غيرتى عليكى ، لما كنت بشوفك بتضحكى او بتتكلمى مع حد غيرى كنت بحس بنار جوا قلبى ، ولما كنتى بتخرجى من البيت كان نفسى احبسك ومسبكيش تخرجى وعينى تتحرم من رؤيتك الكام ساعة اللى كنتى بتغبيهم عن عينى ، والمرة اللى خرجتى ورجعتى ايدك مجزوعة حسيت بوجع فى قلبى على غيابك كان نفسى أخرج ادور عليكى واشوفك أتأخرتى ليه ، أو إيه اللى حصلك كنت بحاول اتصنع البرود والقسوة معاكى علشان تبعدى عنى ، وفى نفس الوقت قلبى يقولى حرام متعملش فيها كده وعقلى يقولى لاء ده الصح اللى انت بتعمله 


إستمعت إليه وهى تستشعر صدق صوته ومدى معاناته فى مقاومة مشاعره تجاهها ، فهو كان ضحية لصراع شرس بين قلبه وعقله ، فرفعت رأسها عن صدره ونظرت إليه قائلة بحنان وعيناها دامعتان من تأثرها بحديثه :

–أه يا حبيبى لو كنت قولتلى من الأول كنت صارحتك بحبى ليك ومكنتش تعذب نفسك كده وتعذبنى معاك 


أجابها قائلاً بعشق وهو يمرر إبهاميه على جفونها ، كأنهما يعزفان ترنيمة عشق :

–خلاص يا حبيبتى وقت العذاب انتهى لان خلاص مش هخليكى تبعدى عنى هتفضلى على طول معايا لحد اخر يوم في عمري


فإن سكتت الألسن ، فالقلوب طالقة العنان لأشواقها ، تتحدث بلغة العاشقين التواقين للحب والحنان ، فتلاحمت نبضات قلبيهما سوياً ، ولم يعد للعناد مكان بين عاشقان ، وجد كل منهما بالآخر ضالته المنشودة . رقدت بين ذراعيه بوداعة بعد وصال دام بينهما وقتاً لا بأس به ، لا يصدق أى منهما أنهما صارا الآن زوج وزوجة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، ولكن كأنه أنتبه أخيراً على ذلك الوشم بالحناء 


فمرر سبابته عليه قائلاً بدهاء محبب :

–حلو رسم الاسم ده مرسوم بطريقة جميلة أوى


لم تقوى على الرد ، فيبدو أنه مستمتعاً بمضايقتها ، فجذبت الغطاء لأعلى رأسها لتخفى وجهها عنه ، ولكنه سحبه عنها مكملاً لحديثه :

–بس ليه انتى كتباه رائفى مش رائف


أحمرت وجنتيها وردت قائلة وهى تخفى وجهها بتجويف عنقه :

– علشان أنت بقيت رائفى أنا ، ليا أنا ملكى أنا وبس


أرضت قلبه بكلماتها ، التى عبرت عن مدى عشقها له ، فقال وهو يمسد على رأسها بحنان :

–متخيلتش فى يوم ان فى واحدة ممكن تحبنى الحب ده كله


بتردد رفعت يدها ومررتها على لحيته ، بعدما أطلت عليه بوجهها البهى الطلة ، فقالت بصوت دافئ:

–أنت الحب شوية عليك يا حبيبى


جذب إحدى خصيلاتها ومررها بين أنامله وهو يقول :

–وأنا بعشقك انتى حبى وعشقى ونبض قلبي ، كنت دايما لما أشوف بابا وماما واشوف حبهم لبعض  كنت افكر يا ترى فى يوم هلاقى واحدة تحبنى زى ما ماما بتحب بابا ومتعلقة بيه حتى بعد السنين دى كلها ، كنت بحس أن حبهم بيكبر وبيزيد مع الايام


قالت سجى مبتسمة:

– لأن ده الحب اللى مبنى على أساس أن كل واحد ملك التانى فى حزنه قبل فرحه


ترك خصلتها وأخذ وجهها بين كفيه قائلاً بوعد :

– أوعدك يا حبيبتى إن أنا أفضل أحبك وأعشقك طول ما قلبى بينبض وأحاول اسعدك على قد ما اقدر ، بس أنتى خليكى جمبى ومتبعديش عنى ، حتى لو حصل بينا حاجة وانا زعلتك ، متسبينيش يا سچى استحملينى على المرحلة دى ما تعدى ، ماتبعديش عنى ابداً او تحرمينى منك لأن ساعتها مش هتحمل بعدك عنى لان بعدك عنى هيبقى بمثابة نهايتى يا سچى


راحت تطمأنه بقولها ، وهى تحرك رأسها دلالة على أنها ستضع قوله محل التنفيذ :

–من غير ما تقول يا حبيبى ، أنا هفضل معاك ومش هسيبك ابداً إلا بموتى يا رائف


أسرع رائف قائلاً بخوف :

–بعد الشر عليكى يا قلبى ربنا ميحرمنيش منك ابداً


إبتسمت سجى بوجهه وتساءلت :

– بتخاف عليا  للدرجة دى يا رائف ؟


رد رائف قائلاً بنهدة عميقة :

– وأكتر كمان يا قلب رائف واحلى حاجة حصلت فى حياة رائف كلها أنتى عوض ربنا ليا يا سچى ، أنا بقيت بخاف عليكى من نسمة الهوا الطايرة لدرجة إن أنا بخاف عليكى من نفسى مش عايز أى حاجة فى الدنيا دى تأذيكى أو تزعلك أو تخلى دموعك تنزل ولما كنت انا السبب فى دموعك كنت بحس كأن دموعك دى جمر بيحرق فى قلبى بس كنت بسكت لأن كنت خايف عليكى من قربك ليا اكتر من خوفى عليكى أنك تبعدى عنى


عادت ووضعت رأسها على صدره وهى تقول:

– تعرف اليوم اللى عرفت فيه أنك كنت خاطب حسيت بالغيرة جامد حتى رجعت الاستراحة وقعدت أعيط لان فى اليوم ده أنت مخرجتش من أوضتك أفتكرت أنك لسه بتحبها وإن قلبك بيدق ليها ، ويوم جوازنا لما قولتلى أنك هتطلقتى فى اليوم ده أنت دبحتنى بكلامك يا رائف


قبل جبينها معتذراً ورد قائلاً:

– أنا كنت بقولك الكلام ده علشان كنت عايزك تبعدى عنى ولما شوفت دموعك كنت هتخلى عن كلامى بس قومت مشيت قبل ما أرجع فى كلامى لأن ساعتها مكنش فى حاجة فى الدنيا هتقدر تبعدنى عنك لو انتى بقيتى مراتى بجد يا سچى


ندت عنها زفرة مرتجفة وقالت وهى تحدق بتلك الصورة المعلقة على الجدار :

– أنت كنت غاوى تعذيب فى نفسك وفيا يا رائف بس أنا عذراك علشان عارفة اللى أنت فيه بس متفكرش تعمل كده تانى لإن أنا خلاص مش هقدر أتحمل لو بعدت عنى تانى


أحكم ساعديه حولها ، ورد قائلاً بعشق سكن كلماته :

–ده مش هيحصل ابداً تانى يا عمرى لأن خلاص أنتى بقيتى ملكى وحتة منى 


كم عشقت صوته العميق وكلماته التى زادتها شعوراً بالسعادة ، كونه أصبح الآن زوجاً وعاشقاً لها ، يقطف ورود العشق من بستان المحبة ، تتراقص دقات قلبها على أنغام الهوى الصادحة من خفقات قلبه ، تتدثر بأنفاسه الدافئة وتلتحف بساعديه ، فغفت سريعاً تاركة يديه تعيث فساداً بين خصيلاتها ، ولكن أدركه النعاس أخيراً بعد أن أغلق عيناه على صورتها التى أرتسمت بداخل حدقتيه ، تاركاً لها مهمة نسج أحلامه الوردية بتلك الجميلة النائمة بين ذراعيه 


❈-❈-❈


تسللت خيوط النهار بإستحياء من خلف ستار الليل ، الذى حمل على عاتقه ، توفير الوقت الكافى لينهل العشاق من نهر الغرام ، ولكن الوقت لا يرحم ، فها قد مرت ساعات الليل سريعاً ، وأشرقت الشمس باسطة رداءها الزاهى على تلك الورود اليانعة ، فكان أول من إستيقظ من نومه شادى ، الذى خرج من غرفته وذهب للمعمل الخاص به ، وبدأ العمل على إحدى تجاربه كالمعتاد 


فأنطلق صوتاً مدوياً جعل ريهام تهب جالسة بفراشها وهى تقول بفزع :

– أكرم قوم بسرعة اكرررررم ، فى قنبلة يا اكرم فى قنبلة فرقعت من شوية 


أنتفض أكرم من نومه بعد وكزها له وسماعه صوت صراخها ، فرد قائلاً بعدما وضع يده على صدره :

– حرام عليكى يا ريهام فزعتينى و قطعتى خلفى ، مفيش قنبلة ولا نيلة 


نظرت ريهام حولها وقالت :

– هو إيه الصوت ده دا أنا حسيت أن البيت هيقع من صوت الفرقعة


عاد أكرم وأستلقى على الفراش قائلاً بصوت ناعس :

–دا يا ستى شادى افندى تلاقيه في المعمل بتاعه بيعمل تجربة متخلفة ولا حاجة ، هى سچى مقالتلكيش على جنان شادى بتاع الصبح ولا ايه


حكت ريهام رأسها قائلة :

–هى قالتلى بتصحى كل يوم الصبح على صوت فرقعة 


هز أكرم رأسه وهو يقول:

– هى دى يا ريهام واتعودى بقى إن كل يوم الصبح هتصحى كده علشان متخضنيش تانى بالشكل ده


تنفست الصعداء ووضعت يدها على صدرها وهى تردد :

– الحمد لله أنا أفتكرت حد بيفجر البيت


قال أكرم وهو يفتح إحدى عينيه :

–بقى كده تخضينى وتفزعينى من النوم


إبتسمت ريهام وقالت معتذرة عما بدر منها :

–معلش يا حبيبى انا لسه جديدة هنا بقى وعلى ما اتعود متزعلش منى


قال أكرم مصطنعاً الحزن :

–لاء زعلان مليش دعوة نيمينى زى ما صحتينى


وكزته ريهام بصدره قائلة بخجل :

–بطل قلة أدب بقى وإسكت


ولكن لم يكن لديها مفر أو مهرب منه ، وكيف لها بالهروب وصوته جاءها حاملاً وعوداً بأوقات من السعادة لن تنتهى ، فكان عليها تلبية نداء قلبه لها ، وصارت مثلما أراد وتمنى ، هادئة ، وديعة ، عاشقة ، وزوجة محبة لزوجها 


بالشقة ...استيقظت سچى من نومها ، بعد سماعها صوت مواء هرتها ، فيبدو أنها جائعة وتريدها أن تفيق من نومها لتطعمها ، فتحت عيناها ببطئ ومدت يدها تتحسس الفراش ، ولكنها لم تجد سوى الهرة بجانبها ، ففتحت عيناها بدهشة وجلست بفراشها وهى تسأل ذاتها أين ذهب زوجها وتركها ؟  


فقالت وعيناها تدور بأرجاء الغرفة كافة :

– هو رائف راح فين ؟ رائف رائف حبيبى أنت فين


صاحت منادية بإسمه أكثر من مرة ، ولكن لم تسمع رداً على نداءها فشعرت بالقلق وفكرت هل ما حدث بينهما البارحة لم يكن سوى حلم من مخيلتها ؟


فعند تلك الخاطرة التى جالت بعقلها ، دمعت عيناها وقالت بصدمة :

– معقولة كنت بحلم كل ده وهو أصلاً مش هنا


يتبع...