-->

رواية في غياهب القدر - بقلم الكاتبة بسمة بدران -

 

رواية في غياهب القدر 

بقلم الكاتبة بسمة بدران




الفصل الثالث

رواية 

في غياهب القدر

 أحبك بجنون



"ما كنتُ أحسبُ إنني لعيونها.

أصبحتُ في بحر الغرام أسيرا.

من نظرة أسرتْ فؤادي مثلما.    

أسَر الجنودُ محارباً مشهورا.

ما كنت أصبرُ في الحياة وإنني.

من أجل عينيها غدوتُ صبورا"

(الشاعر عادل سالم)



❈-❈-❈


ليلا عاد إلى المنزل وهو يشعر بإنهاك شديد. 

فقد اشتد العمل بعد العصر عليهما هو وصديقه.

 وكالعادة ذهب ليطمئن على والده أولا ومن ثم صعد إلى شقته. 

قرع الجرس وانتظر. 

ثواني وأبصر زوجته تقف أمامه بكامل زينتها فقد طرأ عليها بعض التغيير.

 اذ صبغت شعرها باللون البندقي مما جعلها أكثر جمالا وجازبية. 

دنت منه ثم عانقته بقوة وهي تجذبه للداخل مغلقة الباب من خلفه. 

أخذ يتنفس رائحتها التي يعشقها بقوة. 

ابتعد عنها إنشا واحدا وشرع في تقبيلها.

 لكن صوت الصغير منعه من ذلك.

إذ هتف: بابا حضرتك بتعمل ايه؟ 

ابتعد عنها كالملسوع ثم غمغم بخفوت: هو ده وقته يا ليث حبك يعني تظهر دلوقتي.

 بتقول ايه يا بابا مش سامع حضرتك؟ 

قالها وهو يدنو منه.

 فاجابه بابتسامة صفراء: لا يا حبيبي ما بقولش حاجة

 انت صاحي ليه لحد دلوقتي؟ 

مستني حضرتك عشان العب معاك جيم بلايستيشن. 

صك على أسنانه بقوة فيبدو أن صغيره يقرأ ما كان في رأسه منذ قليل.

 هو سيحرمه من زوجته الليلة فهو كان رغم تعبه عازما على أن يقضي الليلة برفقتها يبثها عشقه وهيامه بها.

 ظفر باستسلام ثم أومأ موافقا: طيب يا حبيبي هاخد شاور واكل لقمة خفيفة كده واجي العب معاك. 

وأنا كمان يا بابا عايذة العب معاك. 

التفت ليجد إبنته الصغيرة تتمسك في بنطاله. 

انحنى بجزعه وحملها بين يديه مغمغما وهو يقبل وجنتها المجتنزة: من عيوني يا قلبي هلعب معاكي انتي كمان.

 أشار لزوجته بعد أن وضع الطفلة أرضا لتتبعه.

ولج إلى الغرفة تبعته هي ثم غمغم بحنق: عاجبك اللي بيعمله ابنك ده؟ 

كبتت ابتسامتها بصعوبة.

 فهو يبدو كليث عندما يغضب. 

فتحدثت بمهاودة وكأنها تهدهد طفل صغير: معلش يا حبيبي هتعمل دماغك بدماغ عيل برضه.

مافيش مشكلة العب معاه بلايستيشن وأنا هستناك ومش هنام.  

شهقت عندما جزبها إلى صدره بقوة ملتقطا شفتيها بين شفتيه يقبلها بلهفة شديدة ثواني وبادلته القبلة بعشق. 

ظل هكذا لوقت ليس بالقليل حتى قاطعهما صوت طرقات فوق غرفتهما يليه صوت ليث الحانق: يلا يا بابا كل ده بتاخد شاور.

 كاد أن يسبه بصوت مرتفع لكنه إبتلع باقي كلماته. 

فلا يجوز أن يتفوه بتلك الكلمات أمام أولاده. 

فالأب يجب عليه ان يكون قدوة. 

ليس من العدل ان يفعل الأب شيئا خاطئا ومن ثم يمنع أولاده عنه.


❈-❈-❈


في شرفة غرفتها المطلة على الشارع الرئيسي تقف تستنشق هواء الليل بعمق.

 فهي اعتادت منذ الصغر أن تقف تلك الوقفة تنتظره ريثما يعود كي يطمئن قلبها بأنه نائما في منزله سالما غانما. 

تنهدت بهيام فهي رأته منذ قليل وهو يولج داخل المنزل. 

المها قلبها عليه فهي رأت وجهه المرهق لكن على الرغم من ذلك لم يزده هذا الإرهاق سوى بهاء وجمالا. 

فعينين المحب لا ترى سوى الجميل الجميل فحسب.

 عدلت من حجاب اسدالها الذي تطاير قليلا ثم وادتها فكرة فقررت ان تنفذها. 

ولجت إلى غرفتها ملتقطة هاتفها من فوق الفراش باحثة عن رقمه ضغطت زر الاتصال وانتظرت الرد. 

ثواني واتاها صوته القلق: صٓبا فيه حاجة ولا ايه عمته كويسة؟ 

طب الحاج كامل كويس؟

 هزت رأسها نفيا وكأنه يراها ثم اجابته بهدوء: لا لا احنا كلنا تمام. 

أمال ايه بس بتتصلي بالليل كده ليه؟ قلقتيني يا صٓبا. 

ابتسمت باتساع فلاطالما كان مراعيا لكل من حوله.

 يا الله كيف لهذا الرجل ان يكون مكتملا هكذا. 

غمغمت بخفوت وصل إلى مسامعه: ما تقلقش كله تمام احنا كلنا بخير طول ما انت بخير.

 أنا بس حبيت اكلمك عشان اشكرك على اللي عملته معايا النهاردة. 

استمعت إلى صوته الحاد: تشكريني على ايه يا بنتي انت هبلة؟ 

أنا اللي يبصلك بعينه اخلعهاله انتي عندي زي عزة وعبير. 

وها هو للمرة الالف يذكرها بانها مثل اخواته البنات. 

انسابت دمعة يتيمة من مقلتيها مسحتها على الفور.

 ثم همست بصوت مختنق بغصة من البكاء: طيب تصبح على خير يا عمار وشكرا مرة تانية. 

اغلقت الهاتف واجهشت في بكاء مرير. 

إلى متى يا قلبي ستظل تتعذب هكذا؟ 

كيف عليها ان تتحمل كل هذا العشق بمفردها وهو لا يبالي كيف؟ 

بينما على الطرف الآخر اغلق الهاتف وهو يضحك بصخب مردفا: دي صٓبا هانم بتتصل عشان تشكرني على إللي عملته معها النهاردة. 

صكت على اسنانها بغضب

 فهي ليست ساذجة كي تغفل عن نظارات تلك الفتاه لزوجها

 نظراتها نظرات فتاة عاشقة حتى النخاع. 

هي تعلم علم اليقين بان عمار عاشقا لها حد الثمالة لكن جمال صٓبا ملفت للعيان. 

لم تبالغ اذا قالت انها اجمل فتاة في المنطقة باكملها.

 وما يثير دهشة الجميع بان فتاة بمثل جمالها واخلاقها عذباء حتى الآن. 

لم يعلم أحد بالسبب الحقيقي وراء ذلك سواها هي. 

 لم يشعر بعاشق سوى عاشق مثله. 

خرجت من شرودها على صوته العابث: ايه يا زينة رحتي فين؟ 

قومي بقا ننام ما صدقت ان ليث ولتين ناموا. 

اومأت بشرود ثم هبت واقفة. 

لكنها اردفت بغيرة: صٓبا دي مش مريحة كده يا عمار كل يوم والتاني عاملة لينا مشاكل. 

تقدر تقولي واحدة زيها ليه ما اتجوزتش لحد دلوقتي؟

 اجابها بعدم اكتراث: هي حرة يا زينة 

وبعدين في الاول وفي الآخر ده نصيب. 

هزت رأسها بعدم اقتناع وفتحت فمها لتتحدث لكنه اسكتها بطريقته الخاصة.

 وتسكت شهر زاد عن الكلام الغير مباح.


❈-❈-❈


بعد مرور يومين.

 يقف الحاج سعد هنداوي في محل العطارة الخاص به يجمع بعض الأغراض لأحد الزبائن فابصرها تدنو من المحل.

 فانهى ما بيده سريعا ثم ناوله للرجل واشار إلى الصبي الذي يعمل معه الذي يدعى محمد: يا محمد حاسب الأستاذ. 

اومأ الصبي ثم راح يحسب ما أخذه. 

بينما الحاج سعد ابتسم ملء فاههه وهو يراها تقف بشموخ عاقدة ساعديها أمام صدرها ترمقه بلا مبالاة.

 سألها بمشاكسة: ايه اللي حصل المرة دي كمان؟

 عشان بس ابقى فاهم. 

لوت شفتيها ثم غمغمت بخفوت: أنا جاية اخد فلفل اسمر في مانع ولا حاجة؟

 هز رأسه نفيا ثم همس بغزل صريح: احلى فلفل اسمر لأحلى ست في الحي كله. 

رمقته بغضب حارق ثم ادارت وجهها إلى الناحية الأخرى وصاحت بالصبي: بقولك ايه يا حبيبي تعاله اوزنلي فلفل اسمر احسن الظاهر ان الحاج رجله ما بقتش شيلاه.

فاشر ده أنا أصبى من أي صبي هنا في المنطقة.

 هتف بها الحاج سعد وهو يراقص حاجبيه بمرح مما جعلها تغتاظ أكثر. 

فتمتمت بخفوت: راجل خايب صحيح. 

رفعت من نبرة صوتها قليلا حتى يصل إلى مسامع الصبي: يلا يا حبيبي اديني تمن فلفل اسمر. 

ثواني وأحضر لها الصبي طلبها فأخذته.

 كادت ان تسأله على سعر طلبها لكن صوت الحاج سعد اوقفها مردفا: ما تخدش فلوس من الحاجة يا ابني حسابها خالص.

 ناااعم. حساب مين اللي خالص يا راجل انت؟

 لا بقولك ايه انت زودتها معايا اقولك خد الفلفل الاسمر مش عيزة منك حاجة.

 دفعت بالكيس البلاستيكي فوق الطاولة التي توجد امامها ثم اندفعت للخارج كالإعصار وهي تغمغم بكلمات غير مفهومة تاركة الآخر يضحك بصخب على تلك المرأة المثيرة للإهتمام.



❈-❈-❈


بخطى سريعة تسير كي تصل إلى أول الشارع كعادتها. 

فاستمعت إلى صوته البغيض يتحدث: الصبر طيب يا جميل وبكرة هنول الرضا وتجيلي ركعة وساعتها مش هكسر بخاطرك عارفة ليه؟ 

عشان أنا قلبي طيب.

 اعقب كلماته بضحكة مجلجلة جعلتها تشعر بالنفور والاشمئزاز. 

رمقته بازدراء ثم تابعت خطواتها علها تصل إلى عملها على الموعد. 

لم تنتبه للشخص الذي يسير مقابلها فاصطدمت به.

 رفعت عينيها لتعتذر منه لكن تجمدت الكلمات على شفتيها عندما تعرفت على هويته 

فهتفت بابتسامة: مش معقول دكتور وليد سلام.

 بادلها الابتسام ثم مد يده ليصافحها.

 فهزت رأسها نفيا مغمغمة باحراج: اسفة مبسلمش على رجالة.

 سحب يده باحراج ثم تنحنح بخشونة: ولا يهمك عاملة ايه؟ 

راحت تتلفت يمينا ويسارا خشية ان يراها ذلك البغيض ويلسن عليها بكلمات مشينة.

 لاحظ نظراتها فاتسعت ابتسامته وهو يرمقها باعجاب شديد.

 ثم نظر إلى ساعته المركة التي تزين ساعده الايسر: ايه ده الوقت اتأخر وأنا اتأخرت يلا اشوفك تاني

 اصل أنا بوضب محل هنا هضمه لسلسلة محلات سلام هستناكي في الافتتاح بقى.

 هزت رأسها إيجابا 

ثم منحته ابتسامة جميلة وأستاذنت منه بلباقة.

 تابعها بعينيه حتى اختفت.

 ثم تنهد بحرارة هامسا بعشق: احلويتي قوي يا صٓبا.

 اكمل سيره غافلا عن النظرات المحيطة به.


❈-❈-❈


يا ابني ناولني المفك الصليبة ضهري اتقطم من النومة تحت أم العربية.

 اطلق ضحكة مجلجلة ثم تحدث باستفزاز: اللي عايز حاجة ييجي ياخدها.

 مش انت قررت تصلح العربية كمل شغلك للآخر بقى أنا تعبت الصراحة. 

رمقه بعدائية شديدة ثم قفز واقفا

 وفي أقل من الثانية كان يقف قبالته جذبه من تلابيب قميصه ليوقفه أمامه ثم ضم قبضته متأهبا لضربه. 

فوضع الآخر يده ليحمي وجهه صائحا باستعطاف: ابوس ايدك بلاش وشي مش كل يوم والتاني تعمل وشي خريطة. 

عندك باقي جسمي اهو يا عم ما تضرب فيه اشمعنى وشي؟

قهقها عمار بصخب ثم تركه عائدا إلى عمله. 

اوقفه صوت رنين هاتفه.

 فالتقطه من فوق الطاولة 

ابتسم بعشق عندما تعرف على هوية المتصل. 

ضغط زر الايجاب فاستمع إلى صوتها العذب: يلا يا حبيبي الغدا جاهز وأنا والولاد مستنيينك. 

زفر بحدة فهو لديه عمل كثير اليوم لكنه لا يريد ان يكسر بخاطرها. 

فغمغم بهدوء: حاضر يا حبيبتي ربع ساعة واكون قدامك رغم اني عندي شغل كتير النهاردة بس انتي أهم من اي شغل في الدنيا.

 شعرت بفراشات تداعب معدتها اثر كلامه المعسول ذلك. 

فهمست بخفوت وصل إلى مسامع الاخر: بحبك بجنون يا عمار يا عوضي يا سندي يا كل حاجة حلوة في حياتي. 

خفق قلبه بقوة: وأنا كمان بعشقك يا قلب عمار. 

يلا ربع ساعة واكون عندك ويا ريت تنيمي العيال.

 اطلقت ضحكة مائعة ثم غمغمت: انيمهم ايه بس يا عمار ده احنا لسه العصر.

 مليش دعوة اتصرفي.

 هتف بها بحنق شديد جعل الأخرى تنتشي. 

فما اسعد الزوجة التي تشعر بعشق زوجها لها ورغبته فيها طوال الوقت.

 اغلقت المكالمة وسعادة عارمة تجتاحها. 

قبلت الهاتف بقوة وانتفضت على صوت الصغير ليث: ايه ده يا ماما بتبوسي التليفون؟

 تلعثمت في الحديث ثم اردفت مغيرة الموضوع: يلا بينا نجهز السفرة عشان بابا زمانه جي. 

اومأ الصغير وتبعها منصاعا لما طلبته منه.


❈-❈-❈


صفعة قوية هبطت على وجنتها الرقيقة 

ثم صاح باهتياج جازبا إياها من خصلاتها: يعني ايه ما عملتيش غدا؟ 

صرخت وهي تحاول تخليص خسلاتها من بين يديه: والله ما معايا فلوس والأكل خلص من التلاجة.

 انت آخر فلوس خدتها امبارح عشان تشتري بيها الزفت اللي بتشربه.

 ارتسمت ملامح الإجرام جليا فوق قسمات وجهه ثم انهال عليها بالصفعات وهو يصرخ بغضب أعمى: كم مرة احزرك من طولة لسانك دي؟ 

مش هتتهدي غير لما تموتي في إيدي. 

صاحت بضراوة ودموعها تنساب فوق وجنتيها: طلقني أنا مش عايزة اعيش معاك أنا بكرهك.

 احمرت عينيه غضبا.

 ثم جذبها من خصلاتها مرة أخرى: طلاق ما بطلقش يا حلوة وهتعيشي معايا هنا ورجلك فوق رقبتك مفهوم؟

 كادت ان تعترض وتصرخ بكل ما اوتيت من قوة بأنها تريد الخلاص منه. 

لكن الم رأسها الغير محتمل جعلها تومئ له باستسلام.

 فابتسم بانتصار ثم دفعها لتقع فوق الأرضية الصلبة وصوت نحيبها يملأ المكان.


❈-❈-❈


في منزل رامي توفيق.

 ولج إلى منزله وهو يطلق صفيرا باستمتاع.

 شعر بالدهشة عندما وجد الهدوء يعم المكان.

 فنادى بصوت مرتفع بعض الشيء: غزل غزولة حبيبتي انت فين؟ 

استمع إلى صوتها المرتفع: أنا في المطبخ يا حبيبي تعالى. 

تقدم باتجاه المطبخ فابتسم بسعادة ثم دنا منها معانقا إياها من الخلف واضعا ذقنه أعلى كتفها. 

أدارت وجهها كي يكون مقابل وجهه ثم طبعت قبلة خفيفة فوق شفتيه. 

تركت ما بيدها بعنف عندما استنشقت رائحة غريبة في ثيابه. 

جذبته من قميصه بقوة ثم راحت تستنشقه كالمجنونة.

 والآخر يتابعها في ذهول شديد. 

صاحت بدراوة: ريحتك متغيرة يا رامي كنت فين؟

 رمقها بعدم تصديق ولم يعقب. 

فصاحت بغضب: رد عليا بقولك كنت فين؟ 

وريحتك برفان حريمي كنت مع مين يا بيه؟ 

لم يسعفه لسانه بالحديث.

 هو يعلم أنها تغيير عليه كثيرا لكن تشك به وبأخلاقه هذا ما لم يسمح به ابدا. 

إذ هتف بحدة: صوتك يا مدام ما يعلاش ده أولا. 

ثانيا أنا كنت في البنك وانتي عارفة كويس قوي مواعيد شغلي. 

ثالثا بقى أنا زهقت من شغل المخبرين إللي بتعمليه معايا ده كل يوم. 

أطلق كلماته كالرصاص ثم دلف للخارج وهو يشعر بغضب شديد منها. 

بينما هي فقد تابعت دلوفه بعينين جاحظتين. 

فهي منذ ثلاث سنوات أي منذ ان تعرفت عليه لم يعاملها بتلك الطريقة أبدا.

 هزت رأسها باقتناع وصدقت ظنونها بأن هناك إمرأة أخرى. 

وقبضت على يديها بعنف وهي عازمة على أن تعرف الحقيقة وعندها لن تبقى معه يوما واحدا.


❈-❈-❈


ذهبت زينة لتشتري بعض الأغراض لكنها قررت أن تمر على والدتها اولا. 

استقبلتها والدتها بترحاب شديد 

وبعد السلامات والاطمئنان على أحوالها

 قصت زينة عليها ما يحدث من صٓبا وعن شكوكها تجاه تلك الفتاة. 

فضربت والدتها فخذيها بيديها: يا لهوي يا زينة بقى يا بت يا خايبة جاية تقوليلي إن البت بنت عمته عينها منه. 

لا بقولك ايه البت دي يا اختي حلوة ومرغوبة ولسه ما اتجوزتش لحد دلوقتي. 

والراجل برضه بيحب الست الحلوة حوطي على جوزك وحاولي تنبهيه كل شوية ان البت دي مش كويسة ألا ممكن تقع الفاس في الراس وساعتها ما نعرفش هنعمل ايه. 

تلاقي نفسك تقولي يا ريت اللي جرا ما كان. 

صكت زينة على صدرها بقوة: انتي بتقولي ايه يا اما عايزة تفهميني يعني ان عمار ممكن يبص لصٓبا طب ياختي مهي كانت قدامه طول عمرها لا لا ياما عمار بيحبني انا. 

خليكي يا اختي حاطة إيدك في المية الباردة بس ما تجيش تعيطي بعد كده وتقولي يا ريتني سمعت كلامك يا اما. 

صمطت زينة نفكر في تلك المعضلة فآتتها فكرة خبيثة: طيب بقولك ايه يا اما ايه رأيك يعني لو نتبلة عالبت صٓبا. 

حدجتها والدتها بتركيز شديد: تتبلي عليها ازاي يا ناصحة؟ 

هزة كتفيها بمعنى لا أدري. 

فاستطردت والدتها الحديث: ماهو انتي لازم تفكري كويس وإلا عمار هيطين عيشتك ما تنسيش انها بنت عمته في الأول والآخر وإلا أي كلمة وحشة هتطلع عليها هيقلب الدنيا فوق دماغك.

 سادة الصمت مرة أخرى فهتفت زينة بحماس: لقيتها ياما. 

أنا هخلي البت دي تبعد عن جوزي بطريقتي انا.

 لوت والدتها شدقها بغيظ: طيب يا اختي ما تفهميني معاكي.

 بعدين بعدين يا امه. 

هتفت بها وهي تلتقط حقيبة يدها وتدلف للخارج تاركة والدتها تغمغم بعدم رضا: البت سابتني ومشت يلا ربنا يهدي سرك يا بت يا زينة ويبعد عنك الستات خرابيين البيوت.


❈-❈-❈


انتهت غزل من أرضاع طفلتيها ثم وضعتهما في فراشهما ودثرتهما جيدا.

 دلفت للخارج عازمة على التحدث مع زوجها.

 فهي أدركت بعد تفكير انها تمادت كثيرا في الحديث معه. 

لكنه يعلم انها تفعل كل هذا بدافع الغيرة ليس أكثر 

لذا عليه ان يكون قد اعتاد على طريقتها تلك.

 لكن لا بأس ستصلح ما فعلته الآن. 

كادت ان تفتح باب غرفتها لكنها استمعت إلى قرع الجرس بصورة هستيرية.

 هرولت للخارج متناسية أمر حجابها. 

فتحت الباب فابصرت فتاة أقل ما يقال عنها انها جميلة.

 كانت ترتدي منامة بيتية حريرية بالكاد تصل إلى ركبتيها تظهر بشرتها البيضاء. 

وشعر اشقر يصل إلى منتصف ظهرها وعينان زرقويتان. 

صكت على أسنانها عندما نظرت للداخل فوجدت زوجها خلفها. 

تحدثت من بين أسنانها: نعم مين حضرتك؟ 

أجابتها بلوهاث شديد: أنا رغد جرتكن الجديدة. 

أنا اسفة اني بخبط بالطريقة دي بس في فار في شقتي ومش عارفة شو أعمل. 

لوت شفتيها بغيظ شديد مغمغمة بخفوت: فار! عاملة كل الليلة دي عشان فار.

 رفعت من نبرة صوتها قليلا: تعالي لا تيجي فين؟ 

روحي يا اختي شقتك وأنا هحصلك. 

واستري نفسك هجيب طرحتي واحصلك يا ماما

قال فار قال. 

هزت الأخرى رأسها إيجابا ثم عادت أدراجها تنتظرها على باب الشقة فهي تخشى هذه الكائنات كثيرا. 

تركت الباب مفتوح أو بالأحرى مواربا ثم عادت للداخل تجذب حجابها غير عابئة بالذي يقف مشدوها من ردة فعلها. 

رمقته بغيظ شديد: اه طبعا البيه واقف يتفرج مهي انجلينا جولي جت سكنت قدامنا. 

دلفت للخارج دون ان تستمع إلى رده. 

تاركة إياه يهز رأسه بعدم تصديق فيبدو ان زوجته لن تتغير ابدا.

 زفر بنفاذ صبر ثم عادة إلى غرفته عازما على التحدث معها ريثما تعود.


❈-❈-❈


يجلس فوق فراشه ينفث دخان إحدى سجائره بشرود 

 حتى انه لم ينتبه لولوج والدته التي هتفت بحنو: تاني سجاير يا رؤوف مش قولت يا حبيبي هتبطلها. 

على الفور أطفأ السيجارة عندما أبصر والدته أمامه ومن ثم وضعها في المنفضة. 

مغمغما باعتذار: اسف يا امي بس أنا فعلا ما بشربهاش كتير. 

ربطت على كتفه بحنان وسألته وهي تجلس بجواره: لحد إمتى يا رؤوف يا حبيبي هتفضل قاعد كده؟

 نفسي اشوفك فالكوشة وافرح بعيالك يا ابني.

 اجابها لينهي الموضوع: امي كام مرة اقول لحضرتك ما تفتحيش الموضوع ده؟

 أنا حاليا ما بفكرش في الجواز ولا اصلا هفكر فيه ابدا. 

رمقته بشك ثم سألته بتوجس: ولا يا رؤوف تكونش عندك مشكلة ومكسوف تقولي .

جحظت عينيه في دهشة ثم رمقها بعدم تصديق: حضرتك بتقولي ايه بس يا امي؟ 

اللي حضرتك بتفكري فيه ده مش صح ابدا أنا بس مش لاقي بنت الحلال.

 حركت شفتيها يمينا ويسارا مغمغمة بحدة: بنات الحلال كتير يا اخويا بس انت اللي مش شايف.

 بقولك ايه يا ولا قدامك شهر لو ما شفتش انت بنت ناس اخطبهالك أنا اللي هشوفلك مفهوم؟

 وإلا وربنا هكون غضبانة عليك ليوم الدين وهتبقى لا انت ابني ولا اعرفك. 

القت كلماتها هذه دفعة واحدة وانطلقت للخارج.

 تاركة اياه ينظر في اثرها بفم مفتوح وعينين جاحظتين.



❈-❈-❈


في المساء بعد أن إنتهت من عملها عادت إلى منزلها تجر ساقيها جرا. 

فقد إستنزفت كل طاقتها اليوم بالعمل. 

كانت هناك حالة طوارئ في المشفى التي تعمل بها.

 شعرت بان أحد يسير خلفها لكنها لم تجرؤ على النظر للخلف. 

لم تجد بدا سوى الإسراع من خطواتها. 

شهقت بقوة عندما جذبها أحدهم من ذراعها لتقف.

 كادت ان تصرخ لكن وجدت نساء كثيرات حولها.

 كممت إحداهم فمها.

 ثم شرعت الأخرى في تكتيف ذراعيها للخلف.

 أخذت تهز رأسها بعنف كي تخلص نفسها من بين قبضتهن لكن هيهات فالكثرة تغلب الشجاعة. 

 هذا هو قانون الحياة التي نعيشها. 

اتسعت عينيها برعب عندما ابصرت المرأة الثالثة تخرج من ثيابها آلة حادة ترفعها أمام وجهها. 

انسابت عبراتها وهي ترمقهن باستعطاف شديد لكن دون جدوى. 

فايقنت الآن أنا نهايتها على يد هؤلاء النسوة. 

فاغمضت عينيها وهي تدعو الله بداخلها.

 ازدادت دموعها فهي كانت تريد ان ترى وجهه قبل ان تترك هذه الدنيا.

 لكن للأسف ليس ما يتمناه المرء يدركه.


يتبع