رواية لا أحد سواك رائفي- بقلم الكاتبة سماح نجيب- الفصل التاسع عشر
رواية لا أحد سواك رائفي
بقلم الكاتبة سماح نجيب
رواية لا أحد سواك رائفي
الفصل التاسع عشر
١٩- " بكِ مرُّ الحياةِ يطيبُ "
إستعادت أروى وعيها المسلوب بعد سماع قول والدتها ، عندما رأت ذلك الرجل يفتح باب سيارته الفارهة ويترجل منها ، جحظت مقلتيها وهى تنظر إليه ، فهو ليس شاباً بمقتبل عمره كهشام ، ولكن ربما تخطى الخمسون ، ودل على ذلك تلك الشعيرات البيضاء التى تناثرت بشعره ولحيته ، علاوة على جسده المترهل والمتكتل بتلك الدهون والشحوم ، يشبه إحدى الشخصيات الثرية بأحد الأفلام القديمة ، والذين كانوا يعملون على تكنيز أموالهم ، دون العناية بأى شئ أخر ، فوالدتها ربما فقدت عقلها عندما جال بخاطرها أن تزوج إبنتها الوحيدة من ذاك الرجل ، الذى إستطاع فقط بث الرعب بقلب أروى من نظراته المنحدرة من رأسها حتى أخمص قدميها
سرعان ما حلت أروى يد والدتها عنها والقابضة على معصمها كأنها تضمن عدم فرارها ، فصاحت بها بغضب شديد:
– أنتى بتقولى إيه يا ماما أنا أتجوز ده ، أنتى بتهزرى
ألتفتت فادية برأسها للخلف تنظر لذلك الرجل ، الذى أكتسب وجهه ملامح الضجر من سماع قول أروى ، فحاولت الإبتسام بوجهه ، ومالبثت أن عادت برأسها لإبنتها ، فهتفت بها من بين أسنانها:
– أخرسى ووطى صوتك إحنا مش عايزين نزعل الراجل ويلا بينا وإسمعى الكلام
أرتدت أروى بخطواتها للخلف ، وتحفزت حواسها كاملة ، فردت قائلة برفض قاطع :
– مش هاجى معاكى يا ماما ومستحيل أتجوزه لو أخر يوم فى عمرى ، أنتى إيه للدرجة دى معندكيش قلب عايزة ترمينى لراجل قد أبويا
قبل أن تهم فادية بالرد على إبنتها ، أقترب ذاك الرجل منهما ، فحاول إغلاق سترته ليبدو بمظهر لائق عوضاً عن تمدد بطنه من فرط السمنة التى ربما يعانى منها ، ولكن كأن بفعلته زاد صورته سوءاً بعينىّ أروى ، خاصة وأن أزرار سترته أبت أن تصل لمكانها على طرف السترة الأخر
فعقدت أروى حاجبيها وهى تشعر بالإشمئزاز والتقزز من رؤيته ، فعندما فشل بمهمة إغلاق أزار سترته حاول الإبتسام ، فزاد شعور أروى بالنفور حتى كادت تتقيأ بعد رؤية أسنانه الصفراء والتى يبدو أنها لم يسمها فرشاة تنظيف الأسنان منذ سنوات
– أزيك يا أنسة أروى ، دا أنتى طلعتى أحلى من الصورة اللى شوفتها ، صدقينى دا أنا هعيشك فى عز وهغرقك فلوس
قال محاولاً الظهور بمظهر الرجل الواثق من أن أمواله تخوله الحصول على من يريد من النساء ، حتى وإن كان بالحقيقة يعلم أن أى أنثى بدون أمواله لن تنظر بوجهه
رفعت أروى سبابتها بوجهه قائلة بتحذير :
– بقولك إيه يا راجل أنت ، أبعد عنى أحسن قسماً بالله أصوت وألم عليك اللى فى الشارع
أسرعت فادية بالإقتراب منها وقبضت على ذراعها ، فهزت جسدها بشئ من القسوة والجفاء ، فهدرت بها بإستياء :
– أنتى أتجننتى يا بت أنتى ، يعنى أنا عايزة مصلحتك وأنتى تعملى عمايلك دى ، يلا أمشى قدامى ، أختك سجى مش أحسن منك علشان تتجوز واحد غنى وأنتى لاء ، أنا عايزة أخليكى تعيشى فى نعيم زيها ، دا هيكتبلك فيلا بإسمك وكمان عربية وهيحطلك فلوس فى البنك تأمن مستقبلك
كل تلك المغريات التى ذكرتها فادية لم تأثر بأروى ، بل إستماتت بالدفاع عن نفسها وحل يد والدتها عنها ، فلم تجد حيلة أخرى سوى أن تصرخ لعل سكان الحى ينقذوها من مصير أسود
فصرخت أروى بصوت عالى ، ربما أفزع والدتها وذلك الرجل :
– ألحقوووووونى ألحقووووونى
صوت صراخها جعل الرجال يخرجون من متاجرهم المنتشرة بطول الحى ، فمنهم من يعلم أن تلك الفتاة هى إبنة زوج جارتهم الراحلة نعمة ، فأسرعوا بالإقتراب منها
فهتف بها أحد الرجال قائلاً :
– خير يا أنسة أروى بتصرخى ليه كده
ردت أروى بلهفة لعلهم يحولوا بين تلك المصيبة التى على وشك الوقوع فيها:
– ألحقونى الراجل ده عايز يخطفنى ويتجوزنى بالعافية
أرتد الرجل بخطواته للخلف بعد رؤيته لنظرات الرجال المتوعدة له ، فقبل أن يقترب منه أحد منهم أطلق ساقيه للريح ، قدر ما سمح له جسده السمين ، فوصل لسيارته وأدار محركها وأنطلق بها
أخرج رأسه من نافذة السيارة وهتف بفادية قائلاً :
– بنتك عندك يا ست فادية ، أنا لا عايز أتجوزها ولا أشوف وشك تانى
أنطلق بالسيارة التى خلفت وراءها سحابة ترابية ، فبعد إطمئنان أروى لرحيله ، أبتسمت بهدوء قائلة :
– أنا متشكرة جدا على مساعدتكم
تفرق الرجال وكل منهم عاد لمتجره ، بينما ظلت فادية تنظر لها بغيظ ، فرفعت يدها وصفعتها على وجهها صفعة قوية قبل رحيلها ، رفعت أروى يدها ووضعتها على وجنتها وبكت وهى ترى والدتها ترحل من أمامها ، فهى لم يكفيها أنها ساهمت بتخريب زيجتها من هشام ، بل كانت تريد منها أيضاً الزواج من ذلك الرجل ، الذى كان بعمر أبيها تقريباً ، فهى لم ترى إمرأة بقسوة وغلظة قلب والدتها ، فإذا صح القول فوالدتها لا تملك قلباً كباقى البشر
عادت أروى أدراجها للداخل ، فرغبتها بالذهاب لصديقتها ، لم تعد محط إهتمامها الآن ، فما أن ولجت المنزل ، وأغلقت الباب خلفها ، أنهارت قدميها وسقطت جالسة على الأرض وظلت تبكى وتنوح على حظها بأن لديها أم كتلك التي أنتزع من قلبها كل شعور بالحب والحنان تجاه إبنتها ، فهى باتت تخشى أن تعيد والدتها الكرة ثانية وأن تجلب لها زوج أخر ، لذلك يجب عليها إخبار أبيها بكل ما حدث اليوم
❈-❈-❈
بعد تفكير عميق ، أستغرق وقتاً لا يتجاوز الخمس دقائق ، هب رائف من مجلسه بالحديقة ليبحث عن والدته ، فهى الوحيدة القادرة على مساعدته بهذا الأمر ، أستند على عصاه وتحرك صوب المنزل ، فولج من الباب ونظر بالصالة وغرفة المعيشة ولكنه لم يجدها ، ولكن وجد جدته جالسة بغرفة المعيشة ممسكة بكتاب الله تقرأ منه بصوت خافت ، فأقترب منها وجلس بجوارها
فبعد رؤيتها له أنهت قراءتها وأغلقت المصحف ونظرت إليه وتساءلت:
– مالك يا حبيبى بتدور على حاجة ؟
رد رائف قائلاً وهو يحرك رأسه بالايجاب :
– كنت بدور على ماما علشان عايزها ، هى راحت فين يا تيتة
أجابته صفية وهى تربت على ساقة مبتسمة:
– مامتك فوق فى أوضتها ، كنت عايزها فى إيه خير
أبتسم رائف ورد قائلاً:
– كنت عايز أعرف دار الأزياء اللى بتتعاملوا معاها علشان عايز أشترى هدوم لسجى ، لأن مش عايزها تلبس أسود أو ألوان غامقة تانى
أبتهجت صفية بسماع حديثه ، فرآت هدى تقترب منهما ، فأشارت إليها بالإقتراب قائلة :
– تعالى يا هدى علشان رائف عايز مساعدتك علشان يشترى هدوم ملونة لمراته من دار الأزياء
ردت هدى مبتسمة :
– بس كده عيونى حاضر
جلست هدى بجوار رائف وأخرجت هاتفها وفتحت الموقع الالكتروني الخاص بدار الأزياء ، فقالت وهى تضع الهاتف أمامه :
– ده الموقع وفيه كل الموديلات الجديدة ، وبالنسبة للمقاس أنا عرفاه لما أشتريت لسجى فستان كتب الكتاب ، فشوف أنت حابب تشترى ليها إيه
أخذ الهاتف من يد والدته وتصفح الموقع وأنتقى العديد من الثياب سواء ثياب بيتية أو ثياب ملائمة للجامعة ومختلف المناسبات وأحذية وحقائب ، فرفع عيناه عن الهاتف ليأمن أن والدته وجدته لن تريا ما سيهم بإنتقاءه الآن من ثياب خاصة لزوجته ، فسجى ربما ستموت خجلاً إذا رآت تلك الثياب التى إبتاعها من أجلها ، فبعد إنتهاءه وضمانه أنه سيحصل على تلك الثياب بالغد ، أغلق الهاتف وناوله لوالدته
فإبتسم لها قائلاً:
– تمام كده يا ماما أنا أخترت كل حاجة ، وهيوصلوا بكرة
أخذت هدى هاتفها وقالت :
– تمام يا حبيبى هى فين سجى دلوقتى ؟
أجاب رائف وهو ينهض من مكانه :
– تقريباً فى أوضتى علشان ترتب الكتب وهدومها ، أنا هروح أشوفها خلصت ولا لاء
أماءت هدى برأسها وردت قائلة:
– تمام هقوم أنا كمان أوصى على الأكلات علشان الغدا
خرجت هدى من غرفة المعيشة تتأبط ذراع رائف ، بينما عادت صفية لقراءة القرآن الكريم ، فوصلا للصالة وذهبت هدى للمطبخ وذهب رائف لغرفته
فتح باب الغرفة وولج للداخل وأغلق الباب خلفه ، فوقعت عيناه على تلك النائمة وهى تحتضن وسادته ، فهو ظن أنه سيجدها تعمل على ترتيب وتنظيم أغراضها ، ولكن يبدو عليها أنها تركت كل شئ وفضلت أن تغفو بسبات عميق ، فحقيبتها مفتوحة والثياب تتدلى من طرفها ، والكتب موضوعة على ذلك المكتب الخشبى الموضوع بأحد أركان الغرفة ، فهى يبدو عليها أنها غافية منذ أن ولجت للغرفة
جلس بجانبها بعدما وضع عصاه بجوار الفراش ، فعندما حاول سحب الوسادة من بين ذراعيها ، وجدها تتململ بنومها وتشد بذراعيها على الوسادة وترفض تركها
فضحك رائف وقال ممازحاً:
– أنتى ماسكة فى المخدة ليه كده هى هتهرب
أعاد الكرة ثانية ، فوجدها تهمهم بكلمات غير مفهومة ، وسرعان ما سكنت حركاتها وعادت لنومها الهادئ ، فأستلقى بجانبها وأسند مرفقه للوسائد ومال برأسه على كف يده ، فتأملها لبضع لحظات وهو يفكر كيف طاوعه قلبه بأن يحرم عيناه من رؤيتها وهى نائمة هكذا بوداعة ، أو أنه كان يعمل جاهداً على أن يجعلها تسأم منه وترحل عنه
فأدنى بوجهه منها وقبل جبينها قائلاً بإعتذار :
– سامحينى يا حبيبتى على أى حاجة ضايقتك بيها أو زعلتك
إبتسمت سجى وردت قائلة وعيناها مغلقتان :
– بس متعملش كده تانى
رفع رائف حاجبه الأيسر قائلاً:
– هو أنتى بتسمعى وأنتى نايمة ، طب ليه مصحتيش لما شديت المخدة منك
فتحت سجى عينيها وقالت بإبتسامة عذبة:
– أنا تقريباً صاحية من ساعة ما أنت دخلت بس حبيت أستعبط شوية وأشوفك هتعمل إيه ، بس بجد أنا كنت نايمة ومش عارفة نمت إزاى
أعتدلت بجلستها وهى مازالت تحتضن الوسادة ، فأسترعت إنتباهه على فعلتها ، فنظر إليها متسائلاً:
– هو أنتى ليه حاضنة المخدة دى كده وإشمعنا هى بالذات
وضعت الوسادة على ساقيها وهى تمرر يديها على قماشها ، فردت قائلة بصوت متهدج :
– علشان دى بتاعتك أنت وفيها ريحة برفانك وأنا بحب كل حاجة من ريحتك
– حبيبة قلبي أنتى
قالها رائف وجذبها من ذراعها وأدناها منه ،وضعت رأسها على ذراعه الأيسر ، فشعرت بالدفء يغمرها ، دفنت وجهها بصدره فدقات قلبه راحت تدوى بأذنيها ، ويتردد أصداؤها داخل عقلها ، وتلمس قلبها بلمسة ساحرة ، فالنافذة المطلة على الحديقة ، جعلتها ترى الأشجار التى تتمايل أوراقها بنسمات الهواء الباردة ، ولكن كأن برودة الطقس لن تستطيع مسها ، خاصة وهى بين حصنه الدافئ والأمين ، فضوء الشمس تألق فى عينيها وهى شاخصة ببصرها إليه ، مال برأسه إليها ولمس برقة خدها ، فأستقرت عيناها على وجهه، وأصبح ما يعنيها منه حنانه وسحر عينيه ، تطلعت إليه وأدركت أنها لن تتحرر منه ولن تهرب من الحب إذا نبض القلب به ، وفى هذه اللحظة شعرت أنها لا تستطيع أن تختار بينه وبين أى شئ أخر ، فكل أمر أخر سواه لم يعد يعنيها ، قدر حاجتها إلى عطفه ورعايته وعشقه لها
❈-❈-❈
وصلت مايا برفقة هانى إلى النادى الرياضى ، وسرعان ما تجمع حولهما أصدقاءهما ، تشعر كأنها ملكة متوجة وهى ترى النظرات تكاد تلتهمها سواء من خطيبها أو من الأخرين ، فألحت على وائل أن يلقى عليها إحدى النكات والطرائف الجديدة ، على الرغم من أن ربما وائل يلقى بعض النكات البذيئة المتوارية خلف بعض الكلمات التى تحمل أكثر من معنى ، ولكن هى يبدو عليها الغباء ولا يعنيها سوى أن تقهقه بصوتها العالى ويسمعها القاصى والدانى دون أدنى إعتبار لوجود خطيبها ومن سيصبح زوجها بوقت قريب
كفت عن الضحك بعدما رآت نيللى تسير بمكان قريب من تلك الطاولة التى تجلس حولها هى وأصدقاءها ، فأرادت المزاح معها على طريقتها ، فمنذ أخر مشادة كلامية بينهما وهما لا تتحدثان سوياً ، كأن الصداقة التى جمعتهما أنقطعت أواصرها دون رجعة
فقالت بإبتسامة سمجة وهى تناديها :
–ايه يا نيللى عاش من شافك محدش بيشوفك ليه ايه اللى شغلك عننا كده
أقتربت نيللى من الطاولة ووضعت يديها بجيبى كنزتها الصوفية وردت قائلة بإبتسامة أشد سماجة من إبتسامة مايا :
– أهلاً يا مايا متشوفيش وحش يا حبيبتى ، لاء مفيش حاجة عادى يعنى ساعات مبحبش أجى النادى علشان فى مناظر بقرف أشوفها الصراحة
قهقهت مايا وصفقت بيدها وهى تقول بدهاء :
– مقولتليش بقى يا نيللى أخبارك ايه بقى عرفتى توصليله ، ولا لسه مش لاقية الطريقة اللى توصليه بيها ، أنا ممكن أساعدك يا حبيبتى
قطبت نيللى حاجبيها وتساءلت :
– أوصل لمين ده قصدك على مين ؟
ألتوى ثغر مايا بإبتسامة هازئة :
–قصدى رائف يا نيللى مش انتى كان عينك منه برضه
نفخت نيللى بضيق ، إلا أنها إستطاعت رسم إبتسامة على وجهها وهى تقول:
– وأنا قولتلك يا مايا مش أنا اللى أخد فضلتك يا حبيبتى
أصدرت مايا صوتاً متأسفاً وقالت :
– مش كنتى توصليله وتقفى جمبه فى محنته يا نيللى ، كده تسيبيه لوحده لاء كده حرام والله ومينفعش كده تسيبى قلبك مشغول عليه
عقدت نيللى ذراعيها أمام صدرها وقالت بصوت شامت :
– لاء يا حبيبتى متخافيش عليه ، هو لقى اللى هتقف جمبه فى محنته ، هو أنت معرفتيش يا مايا أن رائف خلاص أتجوز
سقط الخبر على مسامع مايا كسقوط دلو من الماء البارد على رأسها بأشد ليالى الشتاء برودة ، فهى ظنت أن رائف ربما أعتكف الحب والزواج ولن يقدم على الزواج وهو بتلك الحالة ، فمن تكون تلك الفتاة التى تزوجها
ففغرت مايا فاها وقالت بدهشة:
– أتجوز ! رائف أتجوز
تابعت نيللى بسعادة لتعكير صفو مزاج مايا :
– أه يا حبيبتى أتجوز ، دا حتى أخوه أكرم كمان أتجوز ، وباباهم كان عامل ليهم حفلة احتفالاً بجوازهم ، والكلام جايلى من مصدر موثوق جداً ، وأتأكدت فعلاً أن أكرم ورائف اتجوزوا ، بس الظاهر أنتى يا مايا اللى كنتى نحساهم ولما بعدتى عنهم النحس اتفك وربنا فرجها عليهم وأتجوزوا
أنتفضت مايا من مقعدها وهى تصيح بها :
– أنتى بنى أدمة قليلة الأدب والذوق ومش محترمة
ردت نيللى قائلة ببرود :
–مش أكتر منك يا مايا أنتى إنسانة مريضة ، ماهى اللى ترمى الدهب وتمسك فى الزبالة تبقى مريضة ومجنونة كمان يا حبيبتى
ترك هانى مقعده هو الآخر صارخاً بوجه نيللى :
–هو مين اللى زبالة يا بت أنتى إحترمى نفسك ولمى لسانك أحسن ما ألمهولك أنا
رفعت نيللى يدها وأشارت له بالجلوس وهى تقول :
– أهدى بس يا نونو على نفسك ، تلم مين والناس نايمين ، بس أحسن يطقلك عرق تروح فيها ، وأنت مش حمل كده يا نونو فى ناس عايزينك
نظر إليها وائل مقطباً حاجبيه قائلاً بتعجب :
– أنتى بقيتى قليلة الذوق ليه كده يا نيللى فى كلامك
ربتت نيللى على كتفه وقالت :
– فى ايه يا لولو أنت كمان يا حبيبى مالك
صاحت مايا بصوت جهورى وهى تشير إليها بالإنصراف :
–يلا أمشى غورى من هنا
وضعت نيللى يديها بخصرها وهى تقول ببرود :
– هو النادى ده كان بتاع أبوكى يا مايا وأنا معرفش ، أنا عضوة هنا زيى زيك ، وأنتى اللى وقفتينى علشان تجيبى الكلام لنفسك ، شوفى أنتى دلوقتى لما عرفتى أن رائف أتجوز عينك هتطلع من مكانها إزاى ، وتلاقيه كمان لقى واحدة أحسن منك مليون مرة، لأن اللى تقبل تتجوزه بظروفه وبحالته اللى هو فيها دى ، تبقى أكيد واحدة كويسة وإنسانة محترمة ، مش قليلة الأصل زى ناس ، مبيهمهاش غير نفسها وبس ، على العموم سلام بقى يا مايا كفاية عليكى كده النهاردة حرقة دم ، ولو حابة نكمل بكرة ماشى يا روحى معنديش مانع
أنصرفت نيللى بعدما أنهت حديثها وأنهت أيضاً مخزون الصبر لدى مايا ، فعندما شعرت مايا بلمسة يد هانى على ذراعها نفضتها بقوة ، فهى تشعر بالدماء تسير حارة بعروقها من شدة غيظها ، علاوة على تلك الحالة من الذهول التى أصابتها بعد علمها بشأن زواج رائف
فحاول هانى التخفيف من حدة غضبها ، فهتف بها بلين :
– إهدى يا حبيبتى سيبك منها ، دى بت قليلة الأدب
كزت مايا على أسنانها وهتفت به بغيظ :
– أبعد عنى دلوقتى يا هانى أنت فاهم
حاول وائل هو الأخر أن يساهم بصرف غضبها ، فنظر إليها قائلاً برفق :
–الله فى إيه يا مايا أنتى اللى غلطانة ، حد قالك أندهلها وأتكلمى معاها ، أديها هى اللى سمعتك كلام زى السم
رفعت مايا يدها وقالت بوعيد :
– أنا هعرفها مقامها كويس ، أنا وهى والزمن طويل
جذبها هانى من ذراعها جاعلاً إياها تعود لمقعدها ، فقال بتحذير :
– بلاش كلامك ده يا مايا ، علشان أنتى عارفة كويس نيللى تبقى بنت مين وأهلها مين ، متجبيش لنفسك مشاكل أنتى فى غنى عنها
هتفت به مايا بضيق شديد:
– وأنا كمان أهلى مش قليلين فى البلد وأنت عارف ده كويس
أشاح هانى بيده قائلاً بعدم إكتراث:
–خلاص خناقة بنات وأنفضت ، فكك بقى بلاش تصدعينا بقى بخنقاتكم التافهة دى
حدقت به مايا بغيظ ، فزمت شفتيها وقالت:
–هو أنت مبتشتغلش ليه يا هانى ؟
عقد هانى حاحبيه من مباغتة مايا له بسؤالها ، فرد قائلاً ببرود :
– وأشتغل ليه ما بابا بيشتغل وبيدينى اللى انا عاوزه من غير ما أتعب نفسى
رفعت مايا حاجبها وقالت بتهكم :
– ولما نتجوز ان شاء الله أبوك هيصرف علينا يا هانى
أمتعض هانى من قولها فقال بوجه متجهم :
– أنتى ايه حكايتك النهاردة يا مايا ، ما تلمى دورك بقى ، هو أنتى تتخانقى مع نيللى تطلعيه عليا، أنا مبحبش الأسلوب ده والخنقة والصداع ، خليكى فرفوشة وحلوة كده علشان أحبك ماشى يا مايا
لم تنتظر سماع كلمة أخرى منه ، إذ أنتفضت من مجلسها وأخذت حقيبتها وهرولت بخطواتها لتذهب للمرآب المصفوف به سيارتها ، فما أن وصلت للسيارة ، حتى فتحت بابها وجلست خلف المقود وأدارت محركها وأنطلقت بها لتعود لمنزلها ، قادت السيارة بسرعة ، كأنها تهرب من شبح يتبعها ، فهى عززت الأمر بأنها تريد الفرار من هانى ، الذى تبعها بسيارته ، ولكن شئ أخر هو من يجعلها تقود السيارة بتلك السرعة الجنونية ، وما هذا الأمر إلا علمها بشأن زواج رائف ، كأنها هى فقط التى كان يحق لها التفكير بمستقلبها أما هو فلا ، فنزعتها الأنانية جعلتها تريد أن يقع الجميع بحبائلها ولا يرون أنثى غيرها ، ولكن ربما رائف وجد من فاقتها حلاوة وعذوبة ليتزوجها ، وعند تلك الخاطرة جن جنونها ، فهى لا ترى أى أنثى أخرى بإمكانها أن تنافسها بالجمال والرقي
❈-❈-❈
بعد علمه بما حدث من زوجته بشأن إبنته ، وهو صارت دماءه تغلى بعروقه ، ألا يكفيها ما فعلته ، فبعد أن ذهبت إليه أروى بمقر عمله وأخبرته بشأن ما حدث ، أصر عليها بالعودة للمنزل وأنه هو سيذهب لوالدتها لحل ذلك الأمر معها ، فشددت أوامره للعاملين لديه بأن ينتبهوا على العمل لحين عودته
ظل طوال طريقه وهو يسب ويلعن غباءه على زواجه من فادية ، حتى وصل للمنزل ، حاول فتح الباب بالمفتاح الذى بحوزته ، ولكنه فشل بذلك ، فيبدو أن زوجته أتخذت جانب الحيطة والحذر منذ تركه للمنزل وقامت بتغيير مقبض الباب
فدق الباب دقات متلاحقة وهو يهدر بصوت غاضب :
– فادية فادية أفتحى الباب
ولكنه لم يتلقى رداً على نداءه ، فهى يبدو عليها أنها خارج المنزل ، فبعد أن سأم من طرق الباب ، خرج من المنزل ، وجد إحدى الجيران تقف بالشرفة الأرضية لمنزلها المكون من طابق واحد
فخطى خطواته تجاهها متسائلاً:
– متعرفيش فادية راحت فين ، مش لاقيها جوا
ردت المرأة قائلة وهى تنحنى على سور الشرفة :
– دى من ساعة ما خرجت بدرى يا أبو أروى وهى مرجعتش ومشوفتهاش وإلا كان زمانها دلوقتى فاتحة شبابيك البيت
شكر حامد المرأة وغادر الحى وعاد لعمله ثانية ، جلس يفكر بحل حتى لا تعاود فادية الظهور وهى تصطحب معها عريس أخر ، فأثناء إستغراقه بأفكاره رآى هشام وهو يمر من أمامه ، فلم ينتظر دقيقة أخرى ، إذ هب واقفاً وناداه بإلحاح :
–هشام هشام
توقف هشام عن السير وأقترب منه متسائلاً:
– أيوة يا عم حامد خير فى حاجة ؟
دعاه حامد للجلوس ، فبعد إطمئنانه لجلوس هشام ، قال وهو يأخذ مكانه بالمقعد المجاور له :
– أنا بس يا أبنى كنت عايز أعتذر لك على اللى حصل لما جيت علشان تطلب إيد بنتى
أحنى هشام رأسه ورد قائلاً بغصة :
– لا ياعم حامد متعتذرش كل شئ قسمة ونصيب والجواز نصيب
ربت حامد على كتفه وقال :
– عارف يا بنى وعارف أنك عايز بنتى أروى وأنا مش ممانع
رفع هشام وجهه ونظر إليه قائلاً بإبتسامة حزينة :
– بس مراتك مش موافقة ، وطالبة طلبات كتيرة خارجة عن مقدرتى ، وأنت عارف أن أنا لسه فى بداية مشوار حياتى وصعب أعمل كل اللى هى طلبته منى
أجابه حامد وهو يعاود الربت على كتفه :
–بص يا أبنى أنا وأروى عايشين فى بيت تانى دلوقتى ، ولو أنت لسه حابب أنك تكمل فى الموضوع أهلا وسهلاً ، واعتبر الكلام اللى سمعته من أمها كأنك مسمعتوش ، ولو برضه أنت صرفت نظر خلاص كل شئ قسمة ونصيب
أسرع هشام بالرد قائلاً :
–لاء يا عم حامد متقولش كده أنا لسه عايز أروى وشارى نسبك
إبتسم حامد بوجهه وهو يقول:
– خلاص يا أبنى هات والدتك وهديك العنوان اللى إحنا حاليا قاعدين فيه وشرفونا وإن شاء الله خير
ملأت السعادة وجه هشام ، فهب واقفاً وهو يقول بلهفة ومد يده ليصافحه :
– إن شاء الله يا عم حامد وربنا يباركلنا فيك ، عن أذنك أنا دلوقتى علشان أروح أقول لوالدتى
وقف حامد وصافح يد هشام قائلاً :
– تعيش يا أبنى وربنا يسعدكم ، أتفضل مع السلامة
رحل هشام بعد أن تجدد الأمل بقلبه من أنه سيكمل زواجه من أروى ، دون الإلتفات لأى شئ أخر ، فعاد حامد وجلس على مقعده ، فذلك هو الحل الأنسب لإبعاد زوجته عن أروى ، فما أن تصبح أبنته زوجة لهشام ، لن تستطيع فادية المساس بها ، فها هو يلجأ لتلك الحيلة والوسيلة ، التى أتبعتها سجى للخلاص من تلك الزيجة التى كان ينوى فرضها عليها ، فما أن تذكر إبنته الكبرى حتى ملأ الندم وجهه ، بل أنه نكس رأسه كأنه يشعر بخزى مفاجئ ، على الرغم من أن لا أحد يعلم ما جال بخاطره أو ما يدور بخلده من أفكار ، بل أنه لم يكتفى بذلك بل ظل يفرك يديه ببعضهما ، وطفرت عيناه بالدموع ، فخشى أن ينتبه عليه أحد من العاملين لديه ، فأسرع بمحو تلك العبرات التى علقت على أعتاب عينيه ، قبل أن يجدها تنزلق على وجنتيه
❈-❈-❈
بالمكتب الخاص به بتلك الشركة التى تعود ملكيتها لوالده ، كان عصام جالساً على المقعد خلف المكتب الخشبى الأنيق ، رافعاً ساقيه على حافته ، وبيده هاتفه يتصفح تلك الصور ، التى ألتقطها أثناء وجوده بذلك الحفل ، الذى أقامه ماهر إحتفالاً بزواج أبناءه ، فتوقفت يداه عن تمرير الصور بعد رؤيته لتلك الصورة التى جمعت رائف وسجى ، أمعن النظر بها طويلاً ، فعلى الرغم مما أصاب رائف ، مازال سعيد الحظ ، كأنه يملك منه أوفره ، فها هو حتى بعد إصابته بالعجز والعرج ، إستطاع الزواج من فتاة ليست جميلة فقط ، بل بها شئ مبهم ، بإمكانه جذب الرائى إليها
فهو من رآى وصادق العديد من الحسناوات ، جعلته تلك الفتاة يريد معرفة ذلك الشئ الذى تملكه دون غيرها من الفتيات، وجعل رائف ينظر إليها تلك النظرات العاشقة ، كأنه لم يرى فتيات من قبل
فهمهم متسائلاً وهو ينقر بسبابته على سفته السفلى :
– يا ترى أنتى فيكى إيه يا سجى خلى رائف عينيه هتطلع عليكى كده ، ودى أول مرة أشوفه متعلق بحد كده ، على الرغم من أنه أيام الجامعة مكنش معبر حد من البنات اللى كانت بتجرى وراه
مط شفتيه وأضاف قائلاً :
– ولا يمكن علشان أنتى لسه قطة مغمضة
تنهد بعمق ووضع الهاتف من يده بعدما سمع صوت طرقات على باب غرفة مكتبه ، فأذن للطارق بالدخول ، ولجت السكرتيرة الخاصة به
فأقتربت من مكتبه ووضعت بعض الأوراق وهى تقول بتهذيب :
– عصام بيه ، دى فواتير بمجموعة مشتريات من دار الأزياء التابعة للشركة الخاصة بوالدة حضرتك ، بس هى مش موجودة ، فجبتها لحضرتك علشان تشوفها علشان المشتريات المطلوبة المفروض توصل بكرة
أخذ عصام الأوراق من يدها ونظر بها ليتفقد الأرقام ، ولكن أسترعى إنتباهه بأن إسم صاحب تلك المشتريات هو " رائف ماهر زيدان " فرفع حاجبه كأنه وجد شئ مسلى ، فعلم بشأن كل ما إبتاعه رائف والتى لم تكن سوى ثياب من أجل زوجته
فرفع وجهه للسكرتيرة قائلاً بأمر :
– كل المشتريات دى تجهز حالاً علشان أنا اللى هوصلها بنفسى النهاردة مش بكرة ، اتفضلى أعملى اللى قولتلك عليه
أماءت السكرتيرة برأسها وخرجت لتفيذ أوامره ، فأسند ظهره للمقعد وهو يبتسم بخبث ، خاصة إذا علم رائف أنه علم بشأن كل ما أبتاعه من أجل سجى ، فكم يهوى رؤية وجه رائف محتقناً بدماء الغضب
خرج من غرفة مكتبه بعد مرور ساعة تقريباً ، بعدما أعلمته السكرتيرة بشأن أن كل شئ تم تجهيزه ، فأستقل سيارته وأشار لسائق تلك السيارة الخاصة بنقل المشتريات أن يتبعه
قاد السيارة وضحك بصوت عالى وهو يقول :
– ياترى هتعمل إيه يا رائف لما تشوفني أنا اللى جايبلك الهدوم بتاعت مراتك ، بس والله طلع ذوقك حلو وخصوصاً فى إختيار هدوم البيت ، دى مراتك هتبقى حلوة أوى فيهم
فهو لن يجعل شيئاً يعيقه عن تعكير مزاج رائف ، فذلك الكره بداخله منذ صغره ، لن يستطيع التخلص منه ، فحتى بعد علمه بشأن الحادث الخاص برائف ، لم يحزن بل أنتابته سعادة لا توصف ، بأنه رآى رائف ذلك الشاب الذى كان معتد بكبرياءه ورجولته وعمله كضابط بالجيش ، أصبح عاجزاً عن السير دون الحاجة لعصا يستند عليها ، وأصبح ملازماً للمنزل ، فهو لم يستطع بيوم منافسته بأى أمر من الأمور ، فدائماً ما كان يشعر بضآلته أمامه
وصل للمنزل فأطلق زمور السيارة ، فأسرع الحارس بفتح البوابة الكبيرة بعدما رآى عصام ، فرفع يده يلقى عليه التحية ، ولما لا وعصام دائم التردد على المنزل منذ صغره ، بحكم تلك الصداقة التى تربط العائلتان
أوقف عصام محرك السيارة وترجل منها ، فأشار للحارس قائلاً:
– الحاجات اللى فى عربية الشحن دى نزلها مع السواق ودخلها على جوا
أماء الحارس برأسه وأسرع بتنفيذ أوامره ، بينما هو أكمل طريقه للداخل ، فأستقبلته الخادمة ورافقته لغرفة المعيشة ، حيث كانت هدى وصفية جالستان
فأبتسم عصام لهما وأقترب منهما قائلاً:
– آسف على الإزعاج بس لما عرفت أن رائف طلب مشتريات من دار الأزياء قولت لازم أجبهاله أنا بنفسى
نهضت هدى من مكانها وردت مبتسمة:
– أهلاً يا عصام مفيش إزعاج ولا حاجة وشكراً على ذوقك ، أتفضل أقعد
جلس عصام واضعاً ساق على الأخرى قائلاً :
– هو فين رائف علشان يتمم على الحاجة أحسن يكون فى حاجة ناقصة منها
جلست هدى ونادت الخادمة وأخبرتها بأن تنادى رائف من غرفته ، فذهبت الخادمة وطرقت الباب بتهذيب ، سمع رائف صوت الطرق المستمر على الباب ، ففصل عناقه لسجى بتأفف ، فهو لم يكن بوضع يخوله أن يرى أحد الآن غير زوجته ، ولكن رغم ذلك نهض من مكانه ، وحاول تعديل هندامه قبل فتح الباب ، فمرر يده بين خصيلاته ليعيد ترتيبها
فتح الباب فوجد الخادمة التى قالت بصوت منخفض:
– رائف بيه ، الأستاذ عصام جه وهو مع هدى هانم وعايز يشوفك ضرورى
كأن لم يكن كافياً تركه لزوجته على مضض ، ليأتى عصام ويزيد من حنقه ونزقه ، فزفر قائلاً بحنق :
– خلاص أنا جاى وراكى
ذهبت الخادمة وعاد رائف للداخل ، فأعتدلت سجى بجلستها قائلة :
– فى إيه يا حبيبى
رد رائف قائلاً وهو يقبض على رأس عصاه بغيظ :
– عصام جه برا وعايز يشوفنى ، خليكى هنا ومتخرجيش من الأوضة لحد ما يمشى ماشى
حركت سجى رأسها بطاعة وهى تقول:
– حاضر يا حبيبى ، أنا هقوم أرتب كتبى وهدومى
أنحنى إليها وقبل رأسها قبل خروجه ، فخرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه ، وأكمل سيره حتى وصل لغرفة المعيشة ، فوقع بصره على عصام فإبتسم إبتسامة صفراء وهو يقول:
– أهلاً يا عصام إيه المفاجأة اللى مكنتش على البال دى ، يعنى أشوفك يومين ورا بعض كتير عليا والله
ترك عصام مقعده ، وأقترب منه قائلاً بإبتسامة عريضة:
– أنا أول ما عرفت أنك أنت اللى طالب اللبس ده ، جبتهولك على طول ، ما أنت مش أي حد يا رائف
أغتمت ملامح رائف ، خاصة بعدما فطن أن عصام صار على علم ودراية بما إبتاعه من أجل زوجته ، إلا أنه لم يرد أن يحصل عصام على مراده بتعكير صفو مزاجه
فرد قائلاً بهدوء يحسد عليه:
– والله تشكر على تعبك ، وكويس أن الحاجة كلها وصلت دا أنا كده هديكم تقييم كويس أوى ، ومش بعيد أعلملكم ريفيو عن سرعة التوصيل والجودة العالية بتاعتكم
لم يكن هذا ما ينتظره عصام ، فهو كان بإنتظار ثورته ورفضه لأخذ الثياب ، ومازاد بغيظه أكثر ، أن رائف طلب من الخادمة أن تحمل الحقائب وتذهب بها لغرفته
فألتوى ثغر رائف بإبتسامة ماكرة وهو يقول للخادمة :
– خلى سجى هانم تشوف الحاجة ولو فى حاجة مش عجباها إحنا لسه فيها نرجعها الشركة تانى ونجيب غيرها ، وكويس أنك موجود يا عصام علشان لو فى حاجة محتاجة تبديل تبقى تاخدها وتجيبلنا حاجة تانية ماهو يا بخت من كان إبن صاحبة دار الأزياء صاحبه
تبادلت هدى وصفية النظرات بينهما ، فهما تعلمان بشأن أن ربما الأمور بين رائف وعصام لا تسير على ما يرام ، ورغم ذلك لم تحاول أى منهما التدخل بالأمر
فرد عصام قائلاً ، وهو يحاول قدر المستطاع الحفاظ على ما تبقى من كبرياءه المهدور :
– بس كده أنت تؤمر بس أنا حالياً عندى شغل مهم ، هسيبلكم السواق بتاع عربية الشحن ولو فى حاجة خليه يرجعها الشركة تانى عن إذنكم
هم عصام بمغادرة غرفة المعيشة ، فسمع صوت رائف وهو يقول:
– بسرعة كده يا عصام ملحقتش تشرب حاجة
رد عصام دون أن يلتفت إليه :
– ملحوقة يا رائف وياما هنشرب مع بعض ، وبالمناسبة ذوقك حلو فى إختيار الهدوم
قال عصام ما لديه وأسرع بالخروج ، فكز رائف على أسنانه ، حتى سمع صوت صريرها ، فخرج من غرفة المعيشة وعاد لغرفته وهو بنيته إعادة تلك الثياب ثانية ، فهو لا يريد أن ترتدى سجى ثياباً رآها ذلك الوغد المدعو عصام
ولكن ما أن وطأ بقدميه الغرفة ، وجدها تخرج الثوب تلو الأخر تصيح بسعادة وإنبهار ، فما أن رآته حتى تركت ما بيدها وركضت إليه وطوقت عنقه قائلة بحب :
– تسلم يا حبيبى على الحاجات الحلوة دى ، دول حلوين أوى أوى يارائف أنا هروح أرتبهم فى الدريسنج روم
تركته وعادت للحقائب تتفحص باقى محتوياتها ، فشق عليه أن يخبرها أنه بنيته إعادة تلك الثياب للشركة ، خاصة بعد رؤيته لسعادتها كطفلة حصلت على ثياب العيد من والدها ، فخرج من الغرفة للحديقة ، فمكث بعض الوقت بها ، حتى جاءته تلك الهدية الأخرى التى أوصى عليها أن تأتيه على وجه السرعة من أحد متاجر الذهب والألماس ، الذى يعود للصائغ التابع لعائلته منذ زمن ، فساهمت جلسته فى الهواء الطلق بصرف غضبه من رؤية عصام
فعاد لغرفته ثانية ووجد سجى بغرفة الثياب تعمل على ترتيب ثيابها الجديدة ، فطوقها بذراعيه وأسند ذقنه على كتفها متسائلاً:
– خلصتى ياروحى ولا لسه ؟ والحاجة عجبتك ولا لاء
ردت سجى قائلة بإستحياء :
– اه يا حبيبى خلصت ، والهدوم كلها جميلة وألوانها حلوة أوى
خشيت أن يأتى على ذكر تلك الثياب الخاصة ، والتى ما أن رآتها حتى شعرت بأن الدماء ستنفجر من وجهها من فرط شعورها بالخجل ، إلا أنها لم تنكر إعجابها الشديد بدقة تصميمها وألوانها الرقيقة والزاهية
فسمعته يهمس بأذنها قائلاً :
– طب غمضى عينيكى
أطاعته على الفور وأغلقت جفونها على عينيها الرائعتين ، فشعرت به يرفع كف يدها الأيسر ، فسحب ذلك الخاتم الذهبى الموضوع ببنصرها ، فقطبت حاجبيها من فعلته ، إلا أنها أحست بخاتم أخر ينزلق بإصبعها ، فهتف بها بصوت حانى :
– أفتحى عينيكى بقى
فتحت سجى عينيها ورفعت يدها ونظرت لخاتم الزواج الذى وضعه رائف ببنصرها ، فقالت بسعادة :
– الله جميلة أوى الدبلة دى يا رائف حلوة أوى ، بس إيه المفاجأت دى كلها
مرر طرف أنفه على وجنتها صعوداً وهبوطاً وهو يقول بهمس :
– أنا لو أقدر أجبلك الدنيا كلها مش هتأخر يا حبيبتى ، وخدى لبسينى دبلتى
فتح كفه ونظرت لخاتم الزواج الفضى ، فأخذته ورفعت يده اليسرى ووضعت الخاتم ببنصره ، وبعد إنتهاءها وضعت يدها على كفه العريض فألتمع خاتمها وخاتمه ، فأغمضت عينيها بعد أن لفحتها نشوة عارمة من السعادة
همس رائف بأذنها قائلاً:
– مش يلا بينا بقى ، أنتى نسيتى ولا إيه
تساءلت سجى بعدما فتحت عيناها:
– نسيت إيه ، قصدك إيه ؟
رد رائف قائلاً:
– قصدى على جلسة العلاج الطبيعي يا حبيبتى ، ماتيجي نبتديها دلوقتى وخير البر عاجله
إستدارت سجى إليه قائلة :
–لاء منستش بس لسه شوية على ميعادها ، و امممم مش مرتحالك قصدك إيه يعنى بكلامك ده
إبتسم لها رائف وهو يقول بنبرة مشاغبة :
–ولا حاجة يا قلبى متظنيش فيا ظن وحش
نظرت إليه سجى وزمت شفتيها وقالت:
– والله دا أنا حاسة فى كلامك أنك ناويلى على نية ، بس خلاص يلا بينا اهو نخلصها على ريهام واكرم ما ينزلوا
ظل يقترب منها حتى حاصرها بأحد زوايا الغرفة قائلاً :
– ناويلك على نية خير يا قلبى ، بس أكرم وريهام دول قربوا يخللوا فى الأوضة أنا عارف إيه ده
أزدردت سجى لعابها وردت قائلة:
–عرسان بقى يا حبيبى
أحنى رأسه إليها قائلاً :
– طب إحنا ايه ، مش عرسان إحنا كمان
أجابته سجى قائلة بخجل من عبثه بكلماته :
– بس بقى يا رائف ويلا بينا
إحمرار وجنتيها لم يزده سوى إفتتان بها ، فقال بإعجاب :
– يالهوووى على الفراولة اللى فى وشك دى من الكسوف أنا عشقت الفراولة أكتر بسببك
قالت سجى وهى تتدفعه عنها برفق :
– طب أسكت بقى و أسبقنى على أوضة الجلسات وأنا هجبلك عصير فراولة وهاجى أعملك الجلسة
أبتعد عنها قائلاً :
– ماشى يا روحى بس متتأخريش
خرجا من الغرفة ، فذهبت سجى للمطبخ وذهب رائف لغرفة العلاج الفيزيائي ، فحملت له كوب من مشروب الفراولة وذهبت إليه وجدته بإنتظارها ، فناولته له قائلة :
– العصير أهو يا حبيبي بالهنا والشفا
أخذه منها وإبتسم بوجهها قائلاً:
–تسلملى ايدك يا عمرى
بعد إنتهاءه أشارت إليه بالإستلقاء على السرير من أجل أن تبدأ بمباشرة عملها ، بدأت بعمل جلسة العلاج الفيزيائي ، فشعرت بإسترخاءه أسفل يديها ، فهو بات يعشق لمسة يديها التى لا تزيده سوى شوق وحنين إليها
فهمهم بإسمها قائلاً :
– سچى أنا بحبك
قالت وهى تطالع ذلك الخاتم الذى أهداه لها منذ دقائق :
–وأنا بموت فيك يا قلب سجى
بعد إنتهاءها أعتدل رائف بجلسته وهو يبتسم لها ، فما أن أخذ يديها بين كفيه ، حتى خفق قلبها بسرعة وعنف ، فلم يكتفى بذلك بل قبل باطن يديها قائلاً بإمتنان :
– تسلملى إيدك الحلوة دى ياروحى
شعرت كأن تيارات من الشوق إجتاحت حواسها فجأة ، فجذبها من يدها حتى أصطدمت بصدره ، فشعرت بتوتر مخافة أن يدخل أحد الغرفة ويجدهما على هذا الوضع الحميمى
فحاولت دفعه عنها وهى تقول بتوتر :
– رائف أنت بتعمل إيه بس بقى
أجابها رائف وهو يضيق الخناق عليها حتى لا تفر هاربة منه :
– هكون بعمل إيه يا عمرى مبعملش حاجة
حاولت التملص من بين ذراعيه فقالت بإضطراب :
– طب أسكت بقى حد يدخل علينا دلوقتى يقول علينا إيه
أنبأته أنفاسها المضطربة ، بأنها تشعر بالخجل من إقتحام أحد للغرفة ويراهما متعانقان ، فحاول إلهاءها عن التفكير بهذا الأمر فرد قائلاً وهو يغازلها :
–يقول واحد بيعشق مراته وبيموت فيها وعايزها دايماً فى حضنه ومتبعدش عنه أبداً عايزها تفضل منورة حياته كده على طول
أنساها حديثه ماذا كانت تريد أن تقول ، فهى لم تشعر سوى بجذبه لها ليقربها منه أكثر ، فما أن هم بعناقها ، حتى وجد باب الغرفة يفتح فجأة ، وشعر رائف بسخط شديد على من قام بفتح الباب خاصة وأن زوجته بدون حجاب رأسها ، فهو لا يريد أن يراها أحد على تلك الصورة
فهدر بصوت غاضب :
– إيه ده إزاى حد يدخل على حد كده وبالشكل ده ، مش فى حاجة إسمها استئذان قبل ما تدخل
يتبع...