-->

رواية مواسم الفرح (ست الحسن) أمل نصر - الفصل الأول

 

رواية مواسم الفرح (ست الحسن)

بقلم الكاتبة أمل نصر





 الفصل الأول 

رواية

مواسم الفرح 

(ست الحسن)


بحالة من التيه والشرود دلف الرجل لداخل منزله يغمغم بالتساؤلات والكلمات الغير مترابطة، لقد تزاحمت الحيرة برأسه، ولم يعد يملك من أمراه شيئًا لأخذ قرار صائب في هذه المعضلة الغير مفهومة على الإطلاق، ظل على حالته حتى جلس على أقرب أريكة وجدها أمامه في قلب المنزل.


انتبهت إليه زوجته التي كانت خارجة من مطبخها لتقترب وتجلس بجواره مبادرة بالتساؤل:

-مالك يا راجح؟ إيه إللي جرالك يا راجل عشان تكلم نفسك؟

رفع رأسهِ إليها يرمقها بتنهيدة طويلة ليجيبها بقلة حيلة:


- محتار يا نعمات، محتار يا بت عمي ومش عارفة اعمل إيه في الورطة التي اتشبكت فيها كدة فجأة من غير ما اعمل لها حساب

هتفت زوجته سائلة بنفاذ صبر:

-محتار في ايه طيب؟ جول بقى وخلينا نفهم.


زفر يجيبها وهو يضرب كفيه ببعضها:

-بتك يا محروسة ست الحسن والجمال، ولاد عمها التلاتة متجدمين لها في وجت واحد، والتلاتة احسن من بعض، دا غير إن غير خواتي متعشمين فيا بزيادة، يعني لو جبلت طلب ده، هيزعل ده، دليني بجى.


ضيقت حاحبيها المرأة تردف بتساؤل:

-تلاتة مين غير عاصم وحربي؟ مين التالت؟

رد راجح بوجه تغضن بالتعب:

- واد اخويا عبد الحميد يا نعمات، الدكتور مدحت اللي لغبطلي الدنيا اكتر ما هي متلغبطة، دا جيمة وسيمة وما يتعايبش، بس كمان عاصم وحربي سبقوه، ولا ابن العمدة كمان، دا انا راسي هتنــ فجر من كتر التفكير، لا انا عارف ارد على ده ولا اجاوب ده، وخلاااص مخي وجف


سمعت زوجته لتقول بانفعال:

- وهو إيه اللي فكره ب بدور دا كمان؟ دا بجالوا اربع سنين غايب عن البلد من ساعة ما اشتغل في المحافظة البعيدة عنينا، دا غير انه كبير عليها والبت يدوبك ١٧ سنة.

بابتسامة لم تصل لعينيه، رد راجح على زوجته ساخرًا:

- يعني وتفتكري من مخك كدة هو فاكرها أصلًا؟ لكن امه يا حبيبتي، راضية مرت اخويا ولا انتي تايهة عنها، أكيد هي لما سمعت بولاد عمها وابن العمدة اللي متجدمين، وزت لابنها وخلت ابوه دلوجتي ويكلمني .


مصمصت نعمات تقول بحالة من الاستياء اصابتها على الفور:

- يعني هي دلوجتي بجت عاركة على بدور الصغيرة، طب ونهال اختها، دي تجول للقمر جوم وانا اجعد مطرحك، يعني نوافج بجوازة اختها قبلها ونسيبها، طب دا كدا حالها يوجف.


هتف راجح غاضبًا بزوجته:

-مين دي اللي حالها هيوجف ان شاء الله؟ دا انتي بنفسك جولتي انها زي القمر، وكمان هتبقى دكتورة كد الدنيا، يعني أكيد ما فيش خوف عليها، وبكرة تتجوز اللي يستاهلها. 

غمغمت زوجته من جواره تردد بالدعاء من أجل ألا يخذل الله ابنتها، ويعطيها خير الزوج، لتتشارك مع زوجها الحديث بعد ذلك في البحث عن حل سريع لهذه المشكلة التي تقابلهم.


غافلين عمن كانت تقف بالقرب منهم وقد سمعت كل الحديث الذي دار عنها وعن شقيقتها وهذا الطبيب ابن عمها والتي لم تتوقع باقصى خيالها ان يصدر منه هذا هذا الفعل، لتترك محلها وتذهب بخطوات مسرعة نحو غرفتها لترتمي على فراشها تذرف دموع الكسرة والحزن على حلم عمرها الذي تحطم هكذا وبكل سهولة، لقد كان فارسها المنتظر، كان القدوة التي تسعى وتجاهد من أجله حتى تصل إليه، لقد كان الحلم لا بل الوهم الذي تعلقت به.


ظلت تبكي وبحرقة حتى انها لم تنتبه لشقيقتها التي دلفت لغرفتها وحينما رأت هذا المشهد القت بجــ سدها جوارها على التخت لتسألها بهلع:

-نهال يا اختي، مالك يا حبيبتي ايه اللي صابك عشان تبكي بالحرقة دي؟


رفعت نهال وجهها المغرق بالدموع عن الفراش لتطالع وجه شقيقتها، لا تقدر على كرهها او الحقد عليها، وما ذنبها إن كانت جمالها الفاتن يجذب الأنظار نحوها، لون عينيها المختلط بعدة الوان متدرجة بين الأخضر والفيرزي وأحيانا الأزرق، بغرابة تجعل الجميع يحتار في لونه المحدد بالظبط لتجعلها قبلة للأنظار والإفتتان بها.


سألتها شقيقتها باستغراب لصمتها:

-ساكتة وبتبصيلي كدة ليه؟

اعتدلت نهال بجذعها لتجيب وهي تمسح سريعًا على وجنتيها اثار الدموع:

-ما تشغليش انتي نفسك يا بدور، اهي حاجات بسيطة وبتخلي الواحد يبكي احيانًا ومن غير سبب معين.


اعترضت بدور ترد على قولها بتشكك:

-كيف يعني بسيطة ومن غير سبب معين؟ ما تجولي يا نهال، ايه اللي مزعلك وخلاكي تبكي؟

حركت المذكورة رأسها بتعب ترد بعدم مقدرة للجدال:

-ابوس إيدك يا خيتي، سبيني في حالي دلوك، حن عليكي ياشيخة ماتسألنيش 


تطلعت إليها بدور بصمت، ورغبة قوية تحثُها على المواصلة في الإلحاح، ولكنها استجابت في النهاية بناءًا على رغبة شقيقتها، لتنهض عن الفراش بجوارها وتقول بعدم رضا:

- زي ما تحبي يا خيتي، انا ماشية وسيباكي في حالك، على الله بس تجي بعد كدة وتطمنيني، او ربنا يزيح عنك الحاجة اللي تعباكي.


قالت كلماتها وانصرفت على الفور مغادرة، لتترك نهال تراجع نفسها، فلماذا تغضب من شقيقتها وتأتي باللوم عليها؟ وهي الصغيرة في السابعة عشر من عمرها، العيب عليه هو الطبيب الناضج، والذي تعدت سنوات عمره ما يقارب الضعف لها، اي لا يحق له التفكير بهذه الصبيانية والجهل.


❈-❈-❈ 


في هذه الليلة ظل الرجل على حالة الحيرة باتخاذ القرار الصائب في اختيار الرجل المناسب من بين الثلاثة ابناء أشقاءه أو المدعو عاصم ابن العمدة، وفي نفس الوقت يمتلكه الخوف من ظلم نهال بتزويج شقيقتها قبلها، لذلك ظل على حاله حتى أذن الفجر، صلى الفرض وبعدها حسم واتخذ القرار،


خطف ساعتين من النوم ثم نهض وجمع جميع ابناءه ومعهم زوجته، حتى يستشيرهم في قراره، لذلك كانت المبادرة بسؤال نهال:

-نهال يا بنتي، جاوبيني بصراحة كدة، بما انك مصممة على انك تكملي تعليمك، هتجبلي اختك الصغيرة تتجوز جبلك؟


أجابته المذكورة بدون تردد:

يا والدي انا اتفجت معاك من الأول على اني هكمل تعليم، يعني مش معقولة اختي تستناني ٧ سنين على ما اتخرج، اتوكل على الله لو عايز تجوزها، وانا نفسي راضية

اومأ لها يردد بارتياح:


- على بركة الله يا بنتي وانا معاكي وف ضهرك، وان شالله حتى تكملي الدكتوارة، زي واد عمك مدحت. 

ابتعلت الغصة المسننة بحلقها نهال وقد ذكرها ابيها بهذا الجرح الذي شطر قلبها من الحزن، بعد ان علمت بطلب المذكور للزواج من شقيقتها، وهي التي كانت تراه دائمًا فارسًا لأحلامها، وقد تبخر الحلم الاَن، بما علمته، 


اكتفت بهز رأسها صامتة لتتابع بعد سؤال أبيها لشقيقتها:

- بدور يا بنتي، الدور عليكي عشان تقولي رأيك، عيال عمك التلاتة طالبينك، مدحت وعاصم وحربي، وعليهم كمان معتصم ابن العمدة ، شوفي بقى انتي موافقة على مين فيهم؟

تطلعت نهال لوجه شقيقتها، والتي بدا عليه الحيرة هي أيضًا، وبداخلها تقسم انها سوف تنسى عشق ابن عمها الطبيب، لو كان هو الإختيارها، اما بدور فظلت على صمتها لعدة لحظات حتى هتف بها أباها مرة اخرى:

- ها يا بنتي اختارتي مين فيهم؟ قولي بقى وارسي على رأي .

ردت بدور بنظرة ضائعة:

-مش عارفة يابوي، هما كلهم ميتعيبوش، وانا بصراحة محتارة اختار، اللي تقول عليه إنت انا موافقة عليه.

اصدر راجح تنهيدة طويلة ثم قال:

- الله يريح جلبكم ، انتو كدة ريحتوني، ربنا يرضى عنكم .

تدخلت زوجته في الحديث سائلة باستفهام:

- يعني إيه يا ابو ياسين؟ انت دلوك هتختار مين فيهم؟

نهض راجح فجأة عن مقعده ليجيبها على عجل:

- انا مش هختار واحد فيهم واخسر حد من خواتي عشمان في نسبي، هسيب المهمة دي لأبوي وهو اللي يحكم فيها، واللي يحكم بيه انا موافج.


❈-❈-❈ 


في منزل عبد الحميد 

جلجلت راضية بلهجة ساخطة لزوجها:

- ياعنى ايه الكلام ده؟ اخوك بيحط كفة ولدي مع التلاتة اللي الباقين، ويسيب ابوك هو اللى يحكم؟ هو هيلاجى زي نسبك ولا هيلاجى زى ولدى؟ دا دكتور كد الدنيا هو اخوك اجن مش عارف يميز؟


زجرها عبد الحميد بنظرة مخيفة ليهدر بوجهها:

- لمى نفسك ومتغلطيش يا راضية، انا اخويا سيد الرجال، ويعمل اللي على كيفه، هو بس مش عايز يزعل حد من خواتى ودي مفيهاش عيبة.

صاحت راضية بعدم اكتراث:

-بس انا ولدي مش صغير عشان يتساوى بالعيال دي، ولدي زينة الشباب في البلد كلها. 


صاح عبد الحميد بنفاذ صبر:

-أخويا مش رافضه، لا بالعكس بقى، دا بيتمناه لبته، لكنه برضك هيمشي بالعدل. 

اصدرت بفمها صوت استهزاء لتردف ساخرة:

- ياعنى على كده عم ياسين هايحطهم قصاد بعض ويعمل حادى بادى ولا هايعمل قرعه واللى يكسب هو اللى يتجوز السنيوره


ضرب عبد الحميد بكفيه، وقد ضج منها ومن حديثها المستفز ليردد بنزق:

- اللهم طولك ياروح، يا راضية لمى نفسك انا ماعنديش مراره لمسخرتك دى، وخلينا ف المهم... نبهتي على ولدك يجى ولا هايعمل زى كل مره ومايجيش.

ردت تجيب بجدية:

-لا طبعا، دا انا مسبتوش غير لما أكد أنه هيجي، دا جواز يعني لازم يحضر بنفسه.

تنهد عبد الحميد يتمتم بتمني:

- اللي فيه الخير يجدمه ربنا .


❈-❈-❈ 


يوم الجمعة 

تجمعت العائلة في منزل الحاج ياسين الوالد وكبير العائلة، الرجال مع أبنائهم في مندرة المنزل، والسيدات مع الفتيات يساعدن في طهي الطعام وإعداد السفرة الكبيرة وأحاديث كثيرة لا تنتهي بينهن 


-يعني انتي جوزك مكانش يقدر يحل الأشكال ده يا نعمات ويختار واحد ما بينهم، بدل ما نعملها قضية، وعايزة تحكيم من الراس الكبيرة. 

هتفت بها راضية نحو المذكورة بتهكم اثار استياء المذكورة والنساء حولها لترد هدية زوجة محسن الشقيق الثاني لراجح قائلة بحدة:

- يعني على كدة لو كان وافج على ولدى حربى " ماكنتيش انتى هتزعلى يا راضية؟


تغضن وجه راضية بالغيظ، وقبل ان تجيبها تدخلت سميحة زوجة سالم الشقيق الاَخر لتردف بتحدي نحو الاثنتان:

- وان شاء الله بجى يوافج على ولدك ولا ولدها ليه؟ إذا كان ولدى عاصم هو اللى اتقدم الاول يبقى هو الاولى .


مصمصت راضيه ليخرج صوتها بتعالي زاد من إستفزار النساء:

- حربى ولا عاصم مين؟  ولا حتى معتصم واد العمده كمان، مين فيهم زى ولدى الدكتور اسم النبى حارسه

تدخلت نهال لتنهي الموقف قبل ان يتطور:

- صلوا عالنبى ياجماعه والله كلهم زين ومافيش حد فيهم يتعايب عشان كده ابويا  احتار وساب الموضوع فى ايد جدى ياسين. 


انتبهت لها هدية ترمقها بابتسامة متسعة وهو تقول لها:

- اللهم صلي عليه، اه منك انتى بس ياجمر ياما كان نفسى فيكى انتى لولدى بس اعمل ايه معاكي براسك الناشفة وانتي مصممه تكملى تعليم وتبقى دكتوره .. صح قوليلى اختك ست الحسن اللى عليها العين ماجتش ليه؟


اجابتها هذه المرة نعمات بعد فترة طويلة من الصمت اتخذتها بحكمة حتى لا تخطئ بكلمة مع واحدة منهن:

- جاعده فى البيت يا ام حربي، ايه لازمة جايتها معانا و هى خلاص سابت الاختيار لجدها؟

هنا تكلمت صباح شقيقة الرجال والأبنة الوحيدة للحج ياسين:

- عندك حق وصدقتي يا نعمات، هو دا الكلام الصح، وانتى وهى فضوها كلام بقى واللى رايد بيه ربنا هايكون


❈-❈-❈ 


والي جلسة الرجال في المندرة لم يختلف الأمر كثيرًا، ف الهمزات واللمزات كانت مستمرة، خصوصا نحو عاصم، والذي كان يزفر بضيق، لا تعجبه الجلسة وهذا الوضع من الأساس، شاكسه حربي بقوله:

ايه ياواد عمى ماتفرد وشك شويه، دا احنا مش في جنازة حتى. 

التف إليه عاصم ليرد وهو يحدجه بنظرة غاضبة:

- وانت مالك يا بارد؟ ماهو انت لو محترم نفسك انت والمحروس التانى اللى عاملى فيها دكتور كبير ماكنش حد فيكم اتجدم بعدى وانتوا عارفين زين ان انا اللي متكلم عليها من زمان


رد حربي بسخرية:

- متكلم عليها من زمان، ياسلام يكونش كنت خطيبها وهى فى اللفه كمان؟

احتد عاصم يهتف عليه بانفعال:

- احترم نفسك بدل ما اعلمك الادب ياحربى انا على اَخرى أساسًا.

- ما خلاص انت وهو، بلاش رغي وحديت ماسخ، الأمر دلوقتي في يد جدكم، واللى هايجول عليه احنا موافجين 

هتف بها سالم يحدجهم بنظرة محذرة، فتدخل محسن يخاطبه بقوله:

- ماهو كمان اخوك مسخها خالص يا سالم، ماكان خطبها لواحد وخلاص .


تدخل عبد الحميد بينهم يدلي بدلوه أيضًا:

- ياجماعه اخويا راجح غلبان مش عايز يزعل حد خصوصا بعد الزعله الكبيره اللى حصلت بينه وبين سالم بعد ما جوز بته الكبيره بطه لواد خالها ومجوزهاش ل بلال ولده


❈-❈-❈ 


وفي الجهة الأخرة دلف ياسين الصغير يركض نحو النساء الاَتي كنا في بهو المنزل يتعاون في ترتيب مائدة الطعام على السفرة الكبيرة، وهو يصرخ بصوته المرح:

-الدكتور مدحت وصل، الدكتور مدحت وصل.


توقفت النساء عما كنا يقمن به، لتتركز أنظارهن نحو مدخل المنزل، ليهل هو بهيئته المبهرة، حين ولج لداخل المنزل، ليخفق قلبها هي داخل صــ درها، بقوة كطبول أفريقية، وهي ترا بعينيها حلم طفولتها ومراهقتها بعد غياب سنين مرت، طوله المهيب، وعرض أكتافه على جسده المتناسق، النظارة التي كانت تعشقها على عينيه، يرتدي حلة باللون الرمادي أزادت من جمال هيئته 


استفاقت من شرودها على صوت والدته التي هتفت من خلفها:

- اهو وصل اها، الدكتور اللي يستاهل ست الحسن والجمال وصل ونور البيت، حمد لله ع السلامة يا حبيب امك.


انتبهت لتعود لصوابها بعد انزاحت عن عينيها هذه الغشية الوقتية بصورة للحلم القديم الذي كان يسيطر على عقلها، وتذكرت فعلته بطلب شقيقتها ليترسخ بفكرها الصورة الصحيحة الاَن، أن يكون في سنه الوقور هذا وينظر إلى طفلة في عمر شقيقتها إذن هو رجل بفكرٍ سطحي.


فردت ظهرها ورفعت ذقنها للأمام تطالعه بنظرة نديه وهو يصافح النساء الاَتي كنا يرحبن به ويتسامرن ويتمازحن معه بالضحكات العالية، لتجده فجأة يشير نحوها متسائلًا:

- ودا مين الجمر اللى واقف مكانه ومتحركش يسلم عليا؟


لكزته عمته صباح على كتف ذراعه تخاطبه بحزم ضاحكة:

- طبعا ماانت بقالك ٤ سنين محدش شايفك يا خوي، قاعد فى البندر وماتعرفش العيال اللى كبرت ولا البنات اللى بجوا عرايس، دى نهال اخت العروسة، جدمى يا بت سلمى على واد عمك 


قالت الآخيرة بأشارة إليها اضطرت على أثرها نهال، لتحريك أقدامها بصعوبة، ف اقتربت منه لتصافحه بكفها، وقلبها الخائن يرتجف داخل أضلعها، يعود لهذا الخفق القوي ببلاهة، ترسم الأتزان المبالغ فيه بجمود وأقدامها في الأسفل تكاد تستسلم للسقوط من فرط ما تشعر به في حضرته الاَن، بلمسة كفه التي أطبقت على كفها الصغير، ونظرة عينيه مع ابتسامة مشاغبة وهو يحدثها بإعجاب:

- بسم الله ما شاء الله ازيك يا بت عمي .


قالها وارتفعت عيناه نحو والدتها يقول بمشاكسة:

- ايه ياخالتى نعمات؟ هو انتى هاتفضلى كده على طول المورد الاول للبنات الحلوه فى العيلة؟

ضحكت نعمات لترد بتصنع الغضب:

- يا واد عيب عليك متكسفش البت، بس عشان تعرف يعني، البت دي دونًا عن أخواتها، احنا هنعلمها ومش ناوين نجوزها صغيرة، دى دخلت نفس كليتك وهتبقى دكتوره زيك، يالا شد حيلك عشان تساعدها 

- انا مش محتاجه مساعده من حد .

قالتها نهال بعصبية وانفعال ظهر بقوة مع احمرار بشرة وجهها من الغيظ، وهذه النظرة الشرسة التي كانت تحدج بها والدتها، لتفاجأ برده المباغت:

- ياسلام! ومالك متعصبه جوي كده؟


❈-❈-❈ 


تمالكت تدعي التحدي بنظرة ندية تواجه بها سهام عينيه المصوبة نحوها لتبعث رعشة داخلها تجاهد بكل ما أؤتيت من قوة لعدم إظهارها أمامه:

- انا مش متعصبه ولا حاجه انا بس قولت مش عايزه مساعده من حد 

- وانا اى حد يابت؟ انا واد عمك 

تفوه بها ليزيدها تشتيتًا، وقد بدت نظرته تلتمع بشئ آخر لا تفهمه، ورغم كل ما تشعر تجاهه، تمكنت من الرد وهي تهز بأكتافها وتبتعد بعيناها عنه بعدم إكتراث تدعيه:

-حتى لو كنت واد عمي، برضوا انا مش محتاحة مساعدتك، وع العموم كتر خيرك.


-كتر خيري!

رددها بذهول خلفها، وأنظاره ثبتت عليها لا تريد الحيد عنها، حتى مع نداء عمته عليه لعدة مرات عليه، استجاب ليرفع عينيه عنها بصعوبة، ليجيب المرأة:

- أيوة يا عمتي.

سألتها المرأة على الفور بلهفة:

- ما جولتش يا دكتور، شوفت بقى بدور فين عشان تتجدملها، دا احنا بجالنا سنين مشوفنكاش.


عادت نهال بعينه إليه هذه المرة لتسمع الإجابة، وكأنه كان بانتظارها، التقط نظرتها العفويةنحوه ليصمت قليلًا قبل أن يجيب وابصاره نحوها:.

- لا ما انا شوفتها صدفة الجمعة اللى فاتت عندنا فى البيت لما جيت البلد خطافي كدة اسلم على أهلي واقعد معاهم ساعتين قبل ما ارجع لشغلي كالعادة، شوفتها مع نيره اختى ودي كانت اول مرة اشوفها من سنين، عشان اتفاجأ بيها زي ما انا اتفاجأت بنهال دلوك.


سمعت المذكورة لتبتعد بعينيها عنه مرة أخرة متنهدة بنزق، قبل أن تلتفت على رد والدتها:

- اه افتكرت، ساعة ما اختك اتصلت ببنتي وقالت عايزاكي في حاجة ضروري عشان تروحلها مخضوضة... 

أوقفت لتتحول انظارها نحو والدته موجه باقي الكلمات:

- اَه منك انتي يا راضية، تجتلى الجتيل وتاويه ومحدش يحس بيكى .


عقبت على كلماتها المذكورة:

- وانت زعلانه ليه بجى؟ هى راحت بيت غريب مثلًا، دا بيت عمها ودا واد عمها .

تدخلت سميحة والدة سالم تقول بضيق

- دا طبعا بعد ما ولدى اتجدم مش كده يا راضية

- وولدى انا كمان ماتنسيش يا سميحة.

قالتها هديه والدة حربى بتحفز هي الأخرى، مما اضطر صباح أن تقطع الجدال من أوله بقوله الحاسم نحوهن ونحو هذا الواقف بشرود لا يفقه من حديثهن شيئًا:

- فضوها خلاص انتوا ها تعملوها عاركه ياللا ياولدى روح المندره اقعد مع الرجاله وسيبك من كلام الحريم .


انتبه على قولها مدحت يستفيق ليردد باضطراب:

- ها، تمام يا عمتي انا رايح اها، رايح على طول .

قالها وتحرك، يجبر أقدامه على المغادرة وتركهن او تركها هي على الأخص، ولا يعلم بكم الحزن الذي انتابها حتى شعرت به يمزق أمعائها، بعد أن عرفت بنزوله البلدة خصيصًا كي يرى شقيقتها ويختارها عروسًا له .


❈-❈-❈ 


وفي جلسة الرجال داخل المندرة ربت ياسين بكفه على كتف مدحت وهو ينحني يقبل يداه باشتياق وتوقير للرجل والذي كان يردد بتفاخر له:

- ربنا يبارك فيك ياولدى وتبجى دايما مشرف عيلتك، يا زينة الشباب انت.


قال راجح هو الاخر:

-يعني وهو كان في حد بيشوفه يا بوي؟ دا انا بجالي سنين مشفتوتش .

عقب على قوله مدحت.

-والله المستشفى والعيادة واخدين واجتى كله وحتى لما بنزل البلد مابلحقش اسلم على أهلى، حتى اسألهم بنفسك، لو كنت بقعد ساعة على بعضها عندهم.


قال ياسين بتفاخر:

- ايوه بس انا وضعي يختلف عن الكل، دا مافيش مره نزل البلد وجدر يمشى من غير مايسلم عليا.

التف مدحت يقول لجده:

- أكيد طبعا يا حج ياسين، دا انا لو اتأخرت عن الكل لايمكن اتأخر عنك.


- افهم من كده ان الباشا الدكتور هو اللى العين عليه ووجع عليه الاختيار.

تفوه بها عاصم بانفعال وصوت عالي أجفلهم، فجاء الرد من والده سالم، والذي هتف عليه بسخط:

- لم نفسك ياواد وبلاش خربيط في الكلام، جدك لسة محكمش بشئ، حتى لو حصل برضوا اللي يجول عليه نافذ.


صاح عاصم بعصبة أقوى:

- ماانت شايف ياابوى بعينك عمى "راجح" باينه مطبخها مع جدى بس مش عايز يبجى هو فى الصورة

- انا برضك يا ولدى؟ الله يسامحك يا عاصم برضو مش هزعل منك عشان انا عارفك زين.

قالها راجح بلهجة تظهر عتابه، فهدر سالم بصوت عالي : - بيمين لو مالميت نفسك لا اكون ا.. 


قطع كلماته مضطرًا، بعد طرقة شديدة بالعصا على الأرض، فعلها ياسين لينهي النقاش بعصبية هو الاخر بقوله الهادر:

- ولا كلمه تانى، احنا هنجوم نتغدى وبعدها انا هحكم باللى يمليه عليه ضميرى وبعدها مافيش كلام تانى يتقال.


صمت بعدها الجميع بإذعان وطاعة لقول الرجل المهيب، أبناء واحفاد، أنا مدحت فقد شعر فجأة بعدم الإرتياح، فتحركت أنامله على طرف ذقنه بتوتر غريب، يداهمه إحساس قوي بالندم، من وقت أن وافق لإرضاء والدته، وزج بإسمه في هذه المهزلة.


❈-❈-❈ 


على الغذاء مرت اللحظات بهدوء يشوبه التوتر لانتظار الحكم الذي سيصدره الحج ياسين بعد ذلك في اختيار واحد من الأربعة المتقدمين ل بدور من أجل خطبتها، نظرات الترقب كانت تشمل الجميع، إلا مدحت فقد كان في وادي اَخر، وقد نسى امر الجلسة وأمر الخطبة، مع متابعته لابنة عمه التي اكتشف نضوجها حديثًا، 


وكأنه يراها لأول مرة، ويكتشف معها أيضًا مشاعر جديدة ظن انها اندفنت منذ زمن بعيد، والعجب انها جائت الاَن في هذا الوقت الغريب، وهذا الظرف الأغرب في تقدمه لطلب شقيقتها والتي بالمناسبة عرف الاَن رغم الإعجاب اللحظي الذي شعر به وقت أن رأها بناءًا على توصيات والدته، ورأى هذا الجمال المبهر، لم تلفت نظره لتكون أكثر من زوجة عادية تصلح له رغم صغر سنها ولكنها ابنة عمه، وهذا شئ عادي بأعرافهم، ولكن الغير عادي، أنه لم يرى هذه المتمردة شقيقتها سوى الاَن.


ومن ناحيتها كانت تدعي الاندماج في تناول الطعام كالبقية، وبداخلها تتأكل من الغيظ، لانتباهاها على نظرات الوقح ابن عمها الطبيب، وهو لا يرفع عينيه عنها، الا يعلم بوضعه كخاطب محتمل لشقيقتها؟


❈-❈-❈ 


بعد وجبة الغذاء كانت الجلسة الحاسمة، لقول القرار الذي أخذه ياسين، حينما وجه نظراته الشباب الثلاثة وأبائهم، أما السيدات فقد فضل الرجل بأن يظلوا خارج المندرة حتى تمر هذه الجلسة على خير، فقال مبادرًا بحديثه نحو حربي:

- حربي يا ولدي، هترضى لو الإختيار وقع على عاصم، واخترته هو يتجوز بدور بت عمك

سمع منه المذكور ليحدج ابن عمه بنظرة حارقة قبل أن يجيب جده بانفعال:

- ومتجوزهاش انا ليه؟ ناقص إياك.

كلماته اثارت غضب الآخر فهم أن يرد بكلمات أصعب ولكنه توقف على سؤال جده الذي وجهه إليه أيضًا:

-وانت يا عاصم، هترضى لو العرض راح ناحية الدكتور ووافقت بيه بدالك.

أحتدت نظرته ليناظر الطبيب مدحت بخطر وهو يجيب بعصبية:

-يا سلام، وانا مالي بقى إن كان دكتور ولا رئيس قسم حتى، انا اللي اتجدمت الأول، يبقى انا الأحق بيها. 

تحمحم مدحت يرفع نظارته، وقد اكتنفه الحرج بشدة، فهذا الوضع جعله يشعر بالمهانة الشديدة، يلوم غباءه في مطاوعة والدته حينما وافق على الزج بنفسه في هذه المهزلة، انتبه على نداء جده موجهًا نفس السؤال:

- وانت يا دكتور، حترضى لو النصيب راح ل حربي واد عمك؟

اجابه على الفور بدون تردد:

- انا هرضى بكل اللي تأمر بيه يا جدي، بس ياريت بس تلموها بسرعة عشان نخلص بجى 

- ماشي يا والدي .

اردف بها ياسين قبل أن يتوجه بحديثه نحو الجميع قائلًا:

-طب حيث كدة بقى يا اخوانا وبعد ما عرفنا برأي الشباب ف انا حكمت، إن البت لا هيتجوزها عاصم ولا حربي ولا حتى الدكتور، كدة منعًا للمشاكل او الفنتة بينهم ، وعشان نلم الموضوع من اوله انا وافجت على واد العمدة معتصم يخطبها ونخلص على كدة.

ساد الهرج والسخط وكلمات الاعتراض وسط حالة من الذهول اكتنفت معظمهم، وكان الرد الحاسم من ياسين ان ضرب بعصاه على الأرض بقوة هاتفًا:

-مسمعش نفس تاني، انا حكمت ومفيش رجوع عن حكمي.

نهض عاصم على غير عادته ليهدر غاضبًا بقوله:

- لا يا جدي دا مش حكم العدل، إزاي يعني بت عمي تبقي لحد غيري ومن برا العيلة كمان؟ انا أحق بيها اكتر من اي واحد من دول، انا اللي اتجدمت الأول. 

تبعه حربي ايضًا بقوله:

- يا جدي دا مش كلام ده، إزاي يعني بت عمي تطلع من العيلة وتروح للغريب؟ واحنا عيال عمها متنا على كدة.

نهض ياسين لينهي الجدال بقوله الحاسم:

- وانا خيرتكم وكل واحد فيكم أختار نفسه، يبقى خلصنا على كدة، البت مش هتبجى لأي واحد فيكم وفضوها بجى عشان خلصت.

هم الأثنان بالإعتراض مرة أخرى ولكن الأباء الذين رضخوا لحكم أبيهم، نهروا بالصياح على أبنائهم، ليفر عاصم تارك الجلسة والمنزل مهرولًا للخارج، رغم هتاف أبيه عليه، اما مدحت فنهض هو الاخر، لكن بصمت ليلعن نفسه للمرة الألف، هذا اليوم الذي فقد فيه عقله حينما وافق بهذا العته من أجل إرضاء والدته.


❈-❈-❈ 


عاصم والذي كان يعدوا بخطواته السريعة بغضبه العاصف واقدامه حددت طريقها بدون تفكير، ليتوقف أمام منزلها، فيطرق على الباب بقوة مع قرع على جرسه دون توقف، مما جعلها تركض من الداخل كي تفتح مجفلة:

-أيوة أيوة، في إيه؟

قالتها بخضة لتراه أمامها، وتفاجأت به يحدجها بنظرات محتدة صامتًا، صدره يصعد ويهبط وصوت انفاسه الهادرة تصل إليها، ليدخل القلق في قلبها وتسأله:

- في إيه يا عاصم؟ حصلت حاجة؟ ما بترودش ليه؟

ظل على صمته ليزيد بقلبها الخوف، لتتابع:

- ابويا مش جاعد وانت عار......

- أنا مش عايز أبوكي، انا عايزك إنتي.

قالها بمقاطعة حادة أجفلتها، لتشعر بالخطر مع هذه النظرات العاصفة فقالت بتردد وهي تحاول إغلاق الباب:

- طب معلش عن إذنك، عشان انا مجدرش اقف معاك ولا اجدر ادخلك .

بحركة سريعة منه أوقف اندفاع الباب بقوة ليهتف بوجهها:

-ما اخترتنيش ليه؟ ليه ما جولتيش عايزة اتجوز عاصم؟

شهقت مخضوضة من جرأته لتحاول مرة أخرى بإغلاق الباب ولكنه ثبت على مسكه، لتفقد الحيلة وتستجمع شجاعتها في الرد عليه:

- لو سمحت ياعاصم انا ماليش شور ولاجول فى الكلام ده . الشوره شورة ابويا وجدى .

صاح غاضبًا ليزيد من ذهولها:

- إرفعي راسك وانتي بتكلميني، حطي عينك في عيني عشان اشوف الرفض فيهم دا لو كنتي محددة رأيك زين، ارفعي ووريني عنيكي إللي بنظرة منها بتحيينى وتموتينى فى نفس الوجت، كل السنين دى محستيش بحبى ليكى؟ كل السنين دي حاطانى فى الطابور اللى مستنى اشاره منك؟ عمرك ماحسيتى بالنار اللى جوايا وانا ....

قطع وقد بح صوته من ثقل ما يشعر به نحوها، وهي تلجمت وقد هربت الكلمات منها، فلا تجد ما ترد به، ليردف هو مستكملًا بحدة:

- ماتردى مالك؟ انتى معندكيش شخصية ولا رأى خالص ؟


- سيبها فى حالها ياعاصم وروح على بيتكم

قالتها نهال وقد وصلت بهذه اللحظة، بعد عودتها من منزل جدها، لتفاجأ بهذا الفعل الغريب من عاصم ابن عمها، والمشهور عنه العقل والحكمة، وشقيقتها تبدوا من هيئتها انها على وشك الانهيار، فرد هو بتحدي:

- لاه مش ماشى يا نهال غير لما اسمع رأيها ومين اللى جال امين على واد العمده هى ولا جدى وعمى؟


اقتربت منه نهال تخاطبه بمهادنة علٌها تمتص غضبه:

- خلي بالك يا عاصم، إن اللي انت بتعملوا دا غلط كبير، واحنا مش عايزين حد يجيب سيرتك يا واد عمي بحاجة عفشة، روح الله يرضى عنك، إحنا مش ناجصين فضايح، عشان خلاص مفيش منه فايدة الكلام، جدك وحكم والسهم نفذ، يعني مالهوش لزوم نعذب بعض بالكلام الجارح .


التفت رأسه بحدة نحو نهال باستيعاب قاسي، ليردد خلفها بمرارة:

- عندك حج، جدي حكم والسهم نفذ ومفيش داعى نجرح بعض.... لكن بجى، أشرب انا العذاب لوحدى، ماشى يابت عمى ماشى.... سيبلى انا العذاب لوحدى، لوحدي. 


ظل يكرر بكلماته، وهو يتنحى ويرتد بخطواته للخلف ونظرته تركزت على بدور حتى التف يغادر كما أتى بخطواته السريعة، لتشهق المذكورة باكية وترتمي بحضن شقيقتها، التي استدركت لوضعهم، لتلج بها لداخل المنزل، قبل أن تغلق بابه بسرعة، وتتفرغ لها، ولهذا الأمر الغير متوقع على الإطلاق. 


❈-❈-❈ 


- أبوك اتجن يا عبد الحميد، بيرفض ولدي أنا الدكتور؟

هتف بالكلمات راضية بسخط نحو زوجها الذي لم يتمالك نفسه أمام تبجحها، ليتقدم نحوها يتفوه بخطر:

- أبو مين اللي اتجن يا بت الفرطوس؟... دا انتي شكلك اتخبلتي وعايزة كفين يفوقوكي.

تقدم على الفور رائف ابنه الأصغر ليكون حائلًا بين الأثنين، ويردف من أجل تهدئة والده:

-إهدى يا بوي ومتعصبش نفسك، دول كلمتين ساعة غضب، متخدتش بيهم 

صاح الرجل بوجه ابنه:

-دي بتغلط في ابويا يا ولدي، اسكتلها كيف بس؟

ردت راضية غير مكترثة:

- وانا غلطت فيه ليه؟ مش عشان فعله، عايز يطلع البت برا ويرفض ولدي انا .

- تاني برضوا؟

قالها وتقدم ينتوي ضربها بالفعل ولكن رائف تصدر يحتضنه ويردد بالكلمات لمنعه وهو يحاول فك نفسه ويهدر غاضبًا:

- سيبني يا ولدي افك خلجي فيها الفقرية دي، انا دمي بيغلي أساسًا

ردت راضية بصوتها العالي :

- تفك خلجك فيا؟ هو انا اللي كبرت وخرفت زي ابوك؟

- جدي لا كبر ولا خرف يا أمي .

صاح بها مدحت والذي دلف بالصدفة على هذا المشهد ليكمل نحو والدته:

-إحنا اللي غلطنا، وانا لو كنت اعرف ان عاصم اتجدم جبلي او ان الموضوع وخدينوا تحدي، كنت لا يمكن هوافق واطلب بدور، انا لايمكن هنسى منظرى الزفت النهاردة وانتى السبب لما زنيتى عليا فى الموضوع ده .

ردت راضية بصوت متأثر:

- ليه بس ياولدى بتجول عليا كدة؟ دا انا عايزالك احلى واحده فى الدنيا، عايزاك تتهنى يا حبيبي بعد سنين الشجا.

هزهز برأسه يقول بسأم:

- الله يرضى عنك يا أمي، فضيها على كدة ومتجبيش السيرة دي تاني، إجفلي ع الكلام ده عشان انا نفسي جفلت، أنا ماشي ومش هستنى دقيقة تاني في البلد دي .

بصق كلماته وتحرك نحو غرفته على الفور، فتحركت والدته خلفه تبتغي إثناءه عن الذهاب بترضيته.

وصلت إليه لتجده واقفًا وسط الغرفة صامتًا، فولجت إليه قائلة:

- متزعلش مني يا حبيبي، انا فعلًا استاهل الضرب على راسي لو زعلتك تاني .

التف إليها بجسده يرمقها بتفكير قبل أن يتفوه سائلًا لها:

- قوليلى ياامى، هو انتى ليه مجبتيش سيرة نهال عشان اخطبها وهي حلوة وماتتعايبش؟!!


.. يتبع