رواية وصمة عار خديجة السيد - الفصل السادس عشر
رواية وصمة عار بقلم الكاتبة خديجة السيد
رواية وصمة عار
الفصل السادس عشر
في الجنينه الخلفيه في منزل شويكار..
حدقت اليزابيث في شمس الظهيرة وهي تستند على شجرة اللوز الضخمة، تتحدت مع جذعها الأجعف، فرقٌ شاسع بينها وبين هذه الشجرة، تلك لها جذور راسخة لا تُنتزع أما هي فلا تعرف لنفسها قرار أو مرسى، يا تُرى ماذا سيؤول إليه أمرها؟! ضاقت عيناها الآن، كم من مرة حاولت أن تُطيل فترة تحديقها في الشمس، لكن بصرها لا يلبث أن ينقلب خاسئاً وهو حسير، ستدون هذه المحاولة الخامسة ربما تخترق مع اشاعه الشمس أيضاً.... لعلها تجد سبيل للراحه!. التي أصبحت كعمله نادره
سمعت صوت سعلة مكتومة، مدسوسة بين الأزقة كلصوص الظلام... التفتت لمصدر الصوت تبحث بعينها بعيد لتشاهد من بعيد صديقتها هانا تجلس فوق الارضيه بالجنينه مع باكر ويتحدثون مع بعض و هانا كان وجهها محمر بخجل ومبتسمه له.. ابتسمت اليزابيث بسخرية وهي تنظر إليهم بصمت وتشرد في علاقتها مع نيكولا سابقة وكيف كان يخدعها وزيف حبة لها حتى تثق فيه، انتابتها قشعريرة بإحباط من نفسها ومن هانا و هزت جـ.ـسدها فابتعدت لا شعورياً عن الجذع...
بعد فتره التفتت هانا مذعورة إلى الخلف عندما شعرت بأحد يتحرك خلفهم، لكنها استعادت رباطة جأشها بعد أن اطمأنت من هويتها و نهضت مترددة لتتقدم منها و نظرت لها مبتسمه بتوتر
= اليزابيث ماذا تفعلي هنا؟
جزت اليزابيث علي أسنانها بغيظ شديد و زمجرت فيها بغضب
= ولا شيء هبط حتي استنشق هواء نظيف ونقي لكن لم اعرف انكٍ هنا في موعد غرامي مع هذا!!
اقترب منها باكر يتعجب وهو يقول بنبرة هادئه
= ما خطبكٍ يا إليزابيث؟ أشعر دائمًا أنكٍ تكرهني ، على الرغم من أنني لم أفعل أي شيء سيئًا لكٍ، لماذا تتعاملي معي هكذا ولماذا تريدين إبعاد هانا عني؟
اختنق صوتها في حنجرتها، كثيراً ما يخونها حين تتحدث أنفاسها تجثو بهدوء، وكيف لا والجاثوم يقفُ أمامها!! فهكذا اصبحت الرجال في نظرها كلهم بلاستثناء وبصوتٍ لا يكاد يسمع أجابته
= معلوماتك خاطئة، أنا لا أحبك ولا أكرهك. أنت لا تعني لي أي شيء على الإطلاق. أما موضوع هانا بصفتي صديقتها فلابد لي من تحذيرها منك لأني أعرف جيداً ما تريده منها .. والأفضل لك أن تبتعد عنها.. أنا أفهمك جيدًا يا باكر أنت تنظر إليها فقط كخادمة في هذا المنزل ، حشرة ، بعوضة ، عـ.ـاهرة ، وكلما رأيتها تشعر بالاشمـ.ـئزاز وكل ما تريده منها هو أن تأخذ روحها وتتركها بعد ذلك كالقمامه ولا تحبها.
عقد باكر حاجبيه بدهشة ثم هتف بصوت صارم
= ليس لكٍ الحق أن تتحدثي على لساني كل هذا غير صحيح ، أنا حقًا أحب هانا وأعلم أن كل ما حدث لها كان ضد إرادتها وأرى ذلك بنفسي ، وكيف أجبرتها السيده شويكار على فعل ذلك وهي لا تريد ، وأنا أيضًا مجبر مثلها على العمل هنا وما زلت أواصل العمل هنا حتى أجد فرصة للهروب ، سآخذها معي وأتـ.ـزوجها.. لكنني لا أعرف لماذا انتٍ تفعلي ذلك ولا تصدقيني
نظرت له مبهوتة، كلماته ألجمت لسانها، أنستها الألم بأم عينه.. هل رأيت الأوداج يوماً حين تنتفخ من حدة الغضب، انظر إلي وجه وعين اليزابيث وستعرف.. شددت على يدها بعنف وشردت قليلاً تتذكر ملح حياتها التي ذهبت مع ادراج الرياح، حياتها بدون حرية أصبحت لا طعم لها.. تمتمت وهي لازالت مطرقة،وخرجت الكلمات من فمها متكسرة
= لا تعرف ، حسنًا ، استمع إلي. جئت إلى هذا المكان بسبب شخص حقير مثلك خدعني بحبه وكان يبكي أمامي لأنني رفضت حبه في البداية. لقد ساعدني كثيرًا، في المقام الأول. أحضر لي وظيفة جيدة وكان يشتري له العديد من الهدايا. لقد فعل المستحيل ليجعلني أصدقة وأثق به. وبالفعل حدث ما يريد .. وبالاخير وجد نفسي أعيش كل هذه الفترة داخل أكاذيب وأوهام ، وهو لم يحب أحدًا في حياته إلا نفسه ، لقد باعني مقابل المال .. وبعد كل ذلك تريدني أن أصدقك. واثق في أنك لا تخدع صديقتي أيضًا .. لا مستحيلًا ، فأنت بالتأكيد تدبر لها شيئًا آخر
كان الإحساس بالقرف يتصاعد داخل اليزابيث، يتراكم بحجم الثرى وبطول الثريا!!! في حنايا الوجه يرتسم نفور، بغض، كراهية، حقدٌ أسود..وكلماتها تنطلق بقوة، بسرعة، مغلفة بالطين، بالوحل، بكل شئٍ أسود!!
نظرت إليهم هانا بتوتر شديد من الأجواء المشحونة التي أصبحت بينهما ثم تابع حديثه وهو ينظر لها قائلا بيأس وضيق
= إليزابيث ، أنا أتفهم صدمتك جيدًا وخوفكٍ على صديقتك وما عانيتٍ منه مع هذا الشخص الحقير ، لكن ليس الجميع مثل هذا الرجل ، إليزابيث أنا أعشق هانا حقًا ولن أؤذيها وهي تعني لي الكثير .. ثم قلتها بنفسك قبل قليل ، هذا الرجل خدعك بحبه لأنه أراد منك شيئًا وكان أساسًا من رجال شويكار .. ولكن انا ماذا سأريد من هانا، إنها تعمل بالفعل داخل منزل شويكار. أعني أني بالتأكيد ليست واحد من رجال شويكار واخدعها
تنهدت اليزابيث الصعداء فقد أفرغت شحنة غضبها على ولكن بسرعة، بسرعة شديدة، صاحت بعناد
= لا أعرف ، لكنني لا أثق بك أو بأي رجل آخر .. قد ترغب في أخذها بعيدًا عن المنزل للعمل لديك وحدك أو شيء من هذا القبيل ..
صاح الأخري بثقة ثم يضيف بعناد أشد
= إليزابيث ، لا يهمني إذا كنتي تصدقيني أم لا ، لكنني أحبها بالفعل وسأثبت هذا اليها قبل لكٍ..انا احبها ولا اريد ان اؤذيها ولن ابتعد عنها مهما حدث
تنهدت هانا يائسه منهن ثم تمتمت فيهن بنفاذ صبر
= يا الله حبا في الله اخفضوا صوتكم انتما الإثنان .. سيأتي الجميع بالداخل علي اصوات الصراخ و بالتأكيد سيسالنا ماذا نفعل هنا .. من فضلكم أوقفوا هذا الشجار.
نظروا إلي بعضهم البعض بوجه غاضب ولا أحد تحدث مره اخرى ولا تحرك خطوة للرحيل، لكن وصول شويكار نحوهم في نفس الوقت جعل أجسادهم تتحفز وهي تنظر إليهم بتعجب لتقول بجدية وبسمة صغيره ترتسم على فمها بشك
= لماذا انتم الثلاثة مجتمعين هنا؟ ماذا تفعلون؟
اسرعت هانا بسرعه تجيب هي بهدوء مصطنع
= ولا شيء .. لا نفعل شيء مهم
صمتت ثم منحت هانا نظرة ساخرة وبعدها هتفت بكل بساطة تقول بصوت مفتعل
= حسنًا ، هذا ليس مهمًا الآن .. جاء السيد أدريان منذ فترة وجيزة ، و طلبك يا إليزابيث بالاسم مرة أخرى أن تذهبي إليه، من الواضح أنه استمـ.ـتع الليـ.ـلة الماضية معكٍ ويريد تجربتها مرة أخرى .. قبل أن تتحدثي سأرسل له هانا بدلاً منك هذه المرة. أعلم أن لم تلتئم كل جروحك .. رأيتي بنفسك أنا لدي قلبًا عطوفًا ورحيمًا بكٍ
اتسعت عينا هانا بصدمه ولم تختلف الصدمه عن باكر أيضا الذي شعر بالخوف علي حبيبته، ليسقط سائلٌ حار يتدفق ويبلل شفـ.ـتها يجري بسرعة بقوة زخات المطر، يتغلغل إلى اللسان لتهمس هانا بعدم استيعاب وكان جـ.ـسدها يهتز و جـ.ـسد اليزابيث اهتز أيضاً من شدة الرعب فهي تشعر أنها ستواجه ثور هائج وليس بشر
= مستحيل!! انا لا اريد ان اذهب اليه.. ارجوكٍ لا ترسليني الي سيده شويكار.. اتوسل اليكٍ لا أريد
نظرت إليها شويكار بكل الحقد والكراهية نحوها، ثم مطت شفـ.ـتيها المجعدتين وهي تتمتم بقوة
= هانا منذ متى وانتٍ تعترضي على شيء أطلبه منك؟ اذهبي على الفور ، جهزي نفسك له. أنتٍ تعرفني جيدا لا أحب أن أكرر نفس الحديث مرتين .. أنتٍ الذي ستذهبي إلى السيد أدريان ، هيا تحركي
نظرت هانا بسرعه إلي باكر باستنجاد وعيناها تلمع بالدموع بتوجس.. بينما توتر هو بشده بقلق ليقول بضيق شديد
= السيدة شويكار اذا تسمحي لي.. ولكن السيد ادريان سوف يؤذيها ويتعامل معها بعنف .. من فضلك لا تتركيها تذهب هي
صمتت شويكار ثم ضيقت مابين حاجبيها معلقًا على حديثه قائلة بملامح جامده بصوت مخيف
= ماذا لم اسمع جيدا؟ عيد هذه الطريقة التي تتحدث بها مرة أخرى معي .. سيد باكر. تعالٌ هيا و أعطني أوامرك حتى أتمكن من تنفيذها حرفياً .. هيا ، تكلم ماذا تريد
أرتفعت أنينه هانا بذعر وخوف.. وهي تنظر إلى باكر الذي كان يقف بقله حيله ويأس عليها وهي كانت تشهق بالبكاء بحسره بينما هو إبتلع ريقه بارتباك وقال بتردد
= لم اقصد ذلك انا كنت اريد انـ..
هوت هي بصفـ.ـعة قوية على وجهه، ذهل في مكانه، و اليزابيث و هانا أيضاً لكن ذهولها لم يستمر كثيره ، تنفست شويكار بعـ.ـنف شديد وهي تضغط على يدها بقوة قائله بصرامة
= حسابك معي لاحقاً .. هانا في المرة القادمة لم أتحدث ، تحركي أمامي وأعدي نفسك لأدريان والا
نظرت اليزابيث بسرعه إلي هانا لتجد الدموع تملأ عينيها برعب شديد لتمسك بيدها تضغط عليها بخفه، ثم تحدثت أخيرا لتهمس بتقطع، لم تكن تقوى على الكلام، تخاف أن تندم بعد ذلك؟ لكن حانت اللحظة الموعودة لتنفجر ما بداخلها و تنهي الأمر؟!.
= انا الذي ساذهب اليه ..سيده شويكار
اتسعت عينا شويكار بتفاجئ لتنظر إليها بدهشة وهي تبتسم ابتسامةً كريهة كأبيه
= نعم؟ ولماذا غيرتي رأيكٍ فجأة ، في المرة السابقة كنتي غاضبه جدًا مما فعله بكٍ لأنه لم يترك جزءًا سليمًا من جـ.ـسدك .. ما الذي تخطيطي اليه يا إليزابيث
توقفت هانا عن البكاء بإذلال لتنظر لها بعدم تصديق..بينما تجاهلتها اليزابيث و نظرت إلي شويكار ببرود وقالت بابتسامةً صفراء
= لا شيء ، هانا ، صديقتي المقربه ، ولا أريدها أن تتأذى ويحدث لها مثل ما حدث لي .. ثم قلتي قبل قليل إن السيد أدريان طلبني أنا بالاسم للذهاب إليه. لا نريد أن نتورط معه .. ولكن إذا كنتي لا تريدني أن أذهب إليه ، حسنًا سـ..
قاطعتها وعادت أوداجه لتنتفخ من جديد، صدرها يعلو ويهبط والغضب يحتد بداخلها، تنفست بعمق ثم زفرت وهي تبتسم بجفاء
= لا ، حسنًا ، دعينا نرى .. هيا اذهبي الية
حاولت هانا الاعتراض فهي بالفعل لا تريد أن تتعرض إلي اذيه لكن ولا صدقتها أيضا، لكن اليزابيث سُرعان ما تحركت بخطوات سريعة دون الاهتمام الي أحد وصارت تهرول إلى غرفتها، أغلقت باب غرفتها وهي تستند عليه، الدماء كانت تجري في عروقها تكاد تُسمع من وقع ضخاتها، لا تدري أيهما طغى صوته على آذانها دقات الباب أم دقات قلبها!! لتسمع صوت ليام يامورها بحزم ان تتعجل.
جرجرت نفسها نحو السرير جراً، و كانت يدها اليمنى بجانبها، ثم حركتها بتردد خلف الفراش لتاخذ زجاجه الخمر بين يدها.. لتقف تنظر اليها بقلق وهي ترتعش.. ثم أطبقت جفنيها باستسلام، ولقد أنزوى في جانب المقلة شيءٌ كابدته، حاربته، قاومته طويلاً، لكنهُ انتصر و ها هو يعلق بأهدابها ندياً وهي صاغرة....
لاتلبث أن تهوي، تهوي رغم أنفها، تهوي لأن الحياة هكذا، والقوانين تقودها، تحطمت ولا يمكنها الفكاك منهن، لكن أين أنتٍ يا " حورية" أين أنتٍ؟!! أحست بالغيرة، بالحسد ربما، علي هؤلاء بالخارج يتجرعون من الحياة حلوها، عذوبتها، أما هي فتتجرع العلقم، العلقم فقط هنا..
تريد تفرغ شحنة غضبها و تنتقم لجـ.ـسدها الذي انتـ.ـهاك حـ.ـرمته عده مرات هنا بذلك المكان، ولكن بسرعة شديدة، لا تطيق أن ترى وجههم الكريه تقتـ.ـلها ألف مرة، وهي تتركهم يفعلون ما يشاءوا بها....
حدقت في تلك الزجاجه الحمراء التي بين يدها، تأملتها طويلاً وهي تزفر، حركت أصابع يدها اليسرى بتعب لتلامسها، قبضت عليها، جعدتها وأبقتها هكذا في كفها الصغير.. وكانها تتحامى بها.. فما بداخلها ليست خـ.ـمر! بلا حمض النتريك " ماء النار ؟! .
❈-❈-❈
سمعت شويكار التي كانت تقف في الخارج امام الباب صرير الباب يفتح، التفتت شويكار نحوها بسرعه، لتخرج اليزابيث بالإكرة تتحرك ببطء، أخذت شويكار تحدق بها وهي تتمايل بفستان مثير و تتقدم منها، اتسعت شويكار عيناها بانبهار وهي تتطلع حولها بفضول