-->

رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 4

  

رواية مواسم الفرح (ست الحسن)

بقلم الكاتبة أمل نصر





 الفصل الثالث

قراءة رواية مواسم الفرح 

من روايات وقصص الكاتبة أمل نصر

(ست الحسن)

 

يشدد عليها بإلحاح لفحص قدمها الذي ترفضه بشدة لدرجة جعلتها، تتشنج بين يديه وهو يدعي انه يسندها، ولكنه في الحقيقة اتخذها فرصة بإصراره على مناكفتها،

مستغلًا هذا القرب منها، تغمره الفرحة، وهو يرى تفاصيل ملامح وجهها المليحة عن قرب، يشعر بارتجافها مع خجلها الشديد بعدم النظر مباشرةً في عيناه، ممسكًا بمرفقها ويلح بسماجة لفحصها حتى هبط والدها مجفلًا على الدرج من سطح المنزل الذي كان يتشارك الجلسة به مع اخوته كعادتهم الدائمة بعد انتهاء وجبة الغداء بارتشاف الشاي في ضوء الشمس وفي الهواء الطلق، وذلك بعد ان أخبرته نهلة الصغيرة بما حدث مع شقيقتها الكبرى، فهتف لاهثًا بجزع:

- إيه اللي حصل؟ مالك يا بت يا نهال فيكي إيه؟

رد الحج ياسين باستهجان:

- تعالي يا ولدي شوف بتك وراسها الناشفة؟ تعبانة وتاعبانا معاها .

اضافت نعمات هي أيضًا:

- بتك رجلها مجدراش تجف عليها يا ابو ياسين و مش عايزه واد عمها يكشف عليها ولا يشوفها .

- وه

خرجت من راجح ليكمل بارتياع:

- مرضياش ليه بس يا بت؟ متخليه يشوف رجلك ويكشف عليها، عشان يعرف اللي بيها بالظبط ويحدد العلاج .

رد مدحت بخبث:

- يمكن مش مقتنعة انى دكتور يا عمى وعايزه حد غريب يكشف عليها .

قال راجح بعصبية:

- حد غريب كيف يعني ؟ وانت دكتور كد الدنيا

اجعدى يا بت خليه يشوف رجلك .

هتف بالاخير بحزم جعل نهال تقول بلهجة باكية:

- يا بوى حن عليك انا عايزه اروح بيتنا .

خرج عن شعوره ونفذ صبره راجح وهو يهدر بها ها تروحى كيف يا بت ال...

توقف وهو يقترب منها مخاطبًا مدحت:

- إوعى كده يا ولدى اوعى

أردف بها ثم باغت نهال برفعها عن الأرض ليحملها بين ذراعيه، شهقت نهال مجفلة وهي ترى تجاهل والدها اعتراضها ويدعو مدحت ليأتي خلفهما حتى دلف لحجرة الجد ياسين في الطابق الأرضي ليضعها على التخت النحاسي القديم لياسين، ثم هتف بحزم تجاه مدحت الذي لحق به ووالدتها :

- اكشف يا ولدي ع البت دي خلينا نخلص.

تطلع مدحت نحوها فوجدها انزوت الفراش، تغطي قدمها ودمعة ساخنة نزلت من وجنتها، مطأطأة رأسها بحرج، اصاب قلبه الشفقة عليها وشعر بعدم الارتياح في نفس الوقت ليتصلب مكانه متوقفًا بتردد لفعل اي شئ، حتى رفع رأسه إلى راجح يخاطبه:

- ها كشف عليها كيف بس ياعمى اديك شايف؟

قالها مدحت ثم التف بظهره عنهم، يمسح بكف يده على شعر رأسه حتى الألف، والأخرى بجيب بنطاله، ليصدر صوت نعمات من خلفه :

-ولي وشك يا دكتور وتعالى اكشف ع البت .

التف إليها ليجدها جلست بالقرب من ابنتها تستطرد بصرامة:

- اسمعني ايه يا دكتور ، انا امها وبجولك شوف رجلها يا ولدى، احنا مش ناجصين يطلع كسر ولا حاجه عفشة

شعر مدحت ببعض الراحة بعد ان راى استجابة نهال بان دفنت راسها بحضن والدتها التي دثرتها بالغطاء وكشفت عن القدم المصابة فقط

فتقدم ليجلس على طرف السرير، بحرج اصابه مرة اخرى، فتحمحم يجلي حلقه قبل ان يتناول قدمها والتي ما ان وضع كفه عليها حتى انتفضت، فخرج صوته بصعوبة ليقول بعملية يحاول التركيز بها :

- وبعدين بجى، انا كدة مش هاعرف اكشف على فكرة .

قالت نعمات بأمر لابنتها

- خلاص يا دكتور هى هتهدى على طول اها، ارخى نفسك يا بت شوية على ما  واد عمك يعرف يكشف.

استجابت لامر والدتها تحاول التماسك وتناسي لمسته على قدمها، رغم ضحيج قلبها بداخلها الذي ينبض بعنف وغباء انساها ألم الإصابة،

بعد ان انتهى من الفحص التف مدحت لعمه قائلًا:

- اطمن ياعمى مافيش كسر والحمد لله هى بس اجزعت والظاهر كده انها اتحاملت عليها، انا هكتبلها على شوية ادوية وان شاء الله خير.

قال راجح بلهفة:

- بجد يا والدي يعني هتجدر تمشي عليها بالعلاج بس من غير تجبير والمرار الطافح ده:

اومأ له مدحت قبل ان يوجه حديثه لها بصوته حنون:

- خلاص بجى ارفعى وشك متتكسفيش

سمعت منه لترفع رأسها ببطء من حضن والدتها، ليرى وجهها المخضب بالحمرة وعيناها التي لا تقدر على مواجهة خاصتيه، لتجعل قلبه يكاد ان يتوقف عن النبض لهذا الخجل الذي يذهب بعقله، ولكنه استفاق على سؤال والدها إليها

- لكن انتى وجعتى فين يا بت؟

تلبكت نهال لتجيبه بارتباك:

- ااا م على عتبة السلم يابوى.

شعر مدحت بكذبها ولكنه فضل السكوت لينتبه على قول والدتها:

- نحمد ربنا بجى انها جات على كدة، دا انا خوفت قوي لتكون جات على الكسر الجديم.

هم مدحت بالسؤال ولكنه توقف على دلوف الجد ياسين ومع نساء أعمامها

- عامله ايه دلوكتى يابت الفرطوس خلعتينى عليكى

قالها ياسين بمزاحه المعتاد وهو يجلس على طرف التخت بجواره وهو يقرب رأسه لحضنه، وجابت هي

- حمد لله يا جدى زينة.

قالت سميحة زوجة سالم:

- الف سلامه عليكى يا بتى، ربنا ما يجيبلك حاجة عفشة أبدًا.

أومأت برأسها إليها نهال بشبه ابتسامة كرد طبيعي، لتجفلها هدية زو جة عمها محسن بسؤالها:.

- بس انتى كنتى رايجة الصبح امتى وجعتى عليها بس؟؟

تدخلت راضية بقولها:

- شكلها كده وجعت عليها جبل الغدا، عشان انا لمحتها بتعرج على خفيف قبل ما نقعد ناكل كلنا، بس ملحجتش اسألها عن السبب، لكن الحمد لله بقى، ان الدكتور فى بيتنا، يعني مش هنعوز نطلع بيها بره عشان نكشفلها.

قالتها بإشارة عن ابنها مدحت الذي نهض من محله ليستأذن في الخروج بعد ان ازدحمت الغرفة بأفراد عائلته التي تريد الاطمئنان عليها.

اوقفه عمه راجج بقوله:

-طب استنى يا ولدي اكتبلى على ورقة بالادوية اللى هاجيبها قبل ما تطلع .

أومأ له مدحت برأسه ليقول:

- حاضر يا عمى حاضر على ما ارجع بس متشلش هم انت .

تحرك خطوتين ثم هتف على والدته قبل ان يصل للباب:

- أمى، هى البت نيره فين ؟

اجابته راضية:

- فى الجنينه ياولدى هى و بدور بت عمها ، اصل الاتنين جاموا من عالوكل مع بعض.

 

--

 

بحديقة المنزل كانت نيرة تتابع المكالمة التي تجريها ابنه عمها بدور، بتسلية شديدة وضحك متواصل لا يتوقف والأخرى عابسة الوجه تجيب على محدثها عبب الهاتف بغيظ:

- زينه الحمد لله...... أمممم..... لا مافيش حاجه عادى.....أممم...... أممم....... طيب حاضر .... وانت كمان...... يالا سلام .

.انهت تتنفس بارتياح وكأن الهواء داخل صــ درها للتو فقط، لتزفر بصوت عالي قائلة:

- اووووف اخيراً خلص الكلام يا ساتر .

ضربت نيرة كفيها ببعضهم مرددة بدهشة

- لا اله الا الله، بجى هو دا كلام الخطاب يا ناس، دا انتى شوهتى الصوره عندى خالص، يخرب مطنك يا شيخة.

ردت بدور بعدم اكتراث:

- وانا مالى هو انا جولتلك تيجى معايا ؟

ردت نيرة :

- شايفة التليفون فى يدك رن رن فهمت على طول انه خطيبك، واما جومتى تردى جولت اجى اشوف كلام الحب اللى بنسمع عنه، سديتى نفسى ياشيخة

قالت بدور متفكة هي الأخرى :

- طيب احسن وبالمره ماتتجوزيش كمان

جعدت نيرة بوجهها تقول بضيق:

- يا شيخه غورى.

ضحكت على قولها بدور حتى انتبهت على رؤية مدحت فقالت :

- اخوكي باينه الدكتور جاي يندهلك .

نظرت نيرة في اتجاه اخيها بتساؤل حتى اقترب يخاطبهم:

- ايه يا بنات واخدين جمب لوحديكم يعنى؟

ردت نيرة سريعًا:

- لا ياةخوى ولا جمب ولا حاجة، دا احنا بس كنا بنحكى فى كلام بنات كده يعنى، لكن انت عايز حاجة؟

اجابها مدحت:

- لا يا ستي انا مش عايز حاجة منك، غير إني أسألكم بس، هى نهال وجعت فين النهاردة؟

انتبه مدحت على ارتباك الاثنتان ونظرات القلق التي يتبادلنها مع بعضهن، حتى قالت نيرة:

-هجولك بس انا مش عايزاك تقول لجدى ولا حد من عمامى.

اشار بسبابته لتكمل استرسال الكلمات دون توقف

- بصراحه يعنى هى النهاردة كانت عايزة تتصور عالحصان وخلت رائف يساعدها، بس الحصان وجعها، لكن الحمد لله رائف"لحجها بس رجلها جات تحتها.

ضيق عينيه بتفكير، يتذكر انفعاله على أخيه وقت أن اشتعلت برؤية كف أخيه على ظهرها، بجوار الحصان ليتبين الان السبب لذلك، فقال موجهًا كلمتها للفتيات:

- كدة انا فهمت، طيب انا حبيت اجولكم انها كانت بتصرخ منها دلوك ومجدرتش تمشى عليها.

صرخت بدور بخضة للتحرك على الفور مرددة:

- يا نهار اسود وانا جاعدة هنا بحكي؟ انا رايحالها.

همت نيرة بالحاق بها قبل ان توقفها كف أخيها التي أطبقت على رسغها، فتسائلت بدهشة:

 

- بتوجفني ليه؟ هو انت عايز مني حاجة يا خوى؟

قال مدحت بصوت حازم يسألها"

- عايز اعرف منك، إيه حكاية الكسر الجديم؟ هى نهال، رجلها اتكسرت جبل كده؟

اجابت نيرة على الفور:

- ايوه طبعا دى ضاعت عليها سنة دراسية من عمرها بسبب الكسر ده، هو انت مش فاكر؟

- لأ مش فاكر طبعًا، دا كان امتى بالظبط؟

قالها مدحت بعدم تذكر، لتهتف نيرة باستدراك:

- ايوه صح انت ساعتها كنت فى مصر بتدرس انا نسيت

هز رأسه بتفهم ثم سألها:

- بس انتي برضو مجولتليش، هي اتكسرت ازاى؟

اجابت بارتباك:

-ماهى كانت وجعة حصان برضوا، بس دى كانت الفرسة الكبيرة، اصلها كانت بتحب تركبها بس جدى من بعد الوجعة، حلف عليها ما تركبها تانى وعشان كده احنا مجدرناش نتكلم على الوجعة الجديدة

هتف مدحت بغضب:

- واخوكى عارف كدة، ومع ذلك اتصرف معاها باستهتار زى عوايدو؟

صمتت نيرة ولم تجد ما ترد به، فتركها ذاهبًا بغضبه دون ان تعلم وجهته.

 

--

 

قبل قليل .

بخطوات السريعة كانت تهرول كي تطمئن على شقيقتها بعد أن أخبرها مدحت بالتعب الذي ألم بها، وما ان ولجت لداخل المنزل الكبير، إلا وقد وجدت حائط بشري ضخم كادت ان تصطدم لولا تراجعه هو للداخل بعد انتابه سريعَا، بهتف بصوته العالي:

- - حااااسب.

شهقت تخفض عيناها من الحرج فور ان عرفتهذ:

-انا اسفه ماكنتش شايفاك

قالتها بخجل شديد تتمنى الارض ان تنشق وتبتلعها

تحمحم هو يشيخ بوجهه عنها ليقول بصوته الرخيم:

- ااا محصلش حاجة، ادخلى انتى خلاص .

سمعت منه لتعدو على الفور بخطواتها السريعة لتختفي بداخل المنزل الكبير، واستغل هو ليُتابعها بعيناه المشتاقة رغم كل هذا الجمود الذي يدعيه زورًا أمامها، سمع صوت ضحكة مكتومة من خلفه جعلته يلتف برأسها ليجد ابن عمه رائف، يكتم بكفه على فمه وهو يكاد ان يقع من الضحك.

تمتم عاصم باستغراب:

- يا سلام وايه بجى اللى مخليك واجع على نفسك كده من الضحك؟

رد رائف غامزًا عيناه بمغزى فهمه عاصم، واللة تخصر بذراعيه يضغط باسناني على شفته السفلى يردف بابتسامة:

- يعنى انت بتتمسخر عليا انا !!

رد رائف بمشاكسة:

- هههه انت زعلت ياعسل .

قال عاصم بتحذير، والابتسامة ما تزال تعتلي قسماته:

- يا واد عمى انت مش كد دراعى ولا زندى .

زاد رائف بمناكفة:

- مش لما تمسكنى الاول يا عسل .

تحرك عاصم ببطء الفهد يقول بنبرة تبدو عادية:.

- لا يا سيدى، انا راجل ماشي في حالي، لا عايز عمى عبد الحميد يزعل، ولا الدكتور كمان ياخد جنب منى .

توقف على مسافة عطوة واحدة يطالعه بنظرة مبهمة، فقال رائف بضحكة سمجة:

- يعنى انت على كدة مش هتكلمنى عشان ابويا واخويا بس؟ مش عشان انا صغير ومجيش في نص دراعك؟

زادت اتساع ابتسامة عاصم بصمت حتى اعطاه الأمان ليباغته، بلف ذراعه حول رقبته ليضغط عليها قائلًا بزهو روجولي:

- مين دا اللى يسيبك ياد انت؟ انا عاصم ياد، انا مين ؟!!

رد رائف ضاحكًا رغم ألألم الذي يشعر به :

هههه سيب يا عاصم وانا اوريك انتى اساساً خدتنى على خوانه.

قال عاصم وهو يزيد بالضغط على رقبته:

- يخرب بيت شيطانك، ارحم نفسك واتأسف ياد .

استسلم رائف اخيرًا يردد بالضحك ايضًا:

- انا اسف انا اسف ياعاصم باشا

- ايوه كده.

اردف بها عاصم ، ثم فك ذراعه عن الاَخر، ليقول وهو يشير على عضلات ذراعهِ الضخمة بتفاخر واستعراض:

- ايوه كده لازم يعنى تشوف منى العين الحمرا.

رد رائف لاهثًا وهو يهندم ملابسه:

- يا عم انا عارف عاجباك فى ايه؟

عبس وجه عاصم ليقول بغضب:

- وبعدين معاك يا رائف انت كدة هاتزعلنى صح.

قال رائف بإصرار:

- يا سيدى انا مش عايز ازعلك بس يعنى بدور بصراحة كدة، عمرها ما عجبتنى، دايما مستكينة ومش مفهومة، ما بطلعش صوت ولا ليه فى الهزار مش زى نهال.

- مالها نهال ؟

صدرت بخشونة من خلفهم، فالتف الإثنان نحو مدحت الذي كان يقترب منهما وقد عرفاه من صوته، فاستقبله رائف بتهليل مستخف كعادته:

- اهلا اهلا بالدكتور.

تقدم مدحت بغضبه يباغت شقيقه بدفعه قوية بكفيه على صــ دره، حتى ارتد بأقدامه للخلف متفاجئًا يصيح به:

- إيه ده في إيه؟ هو انت جاي تضربني ولا إيه؟

هدر مدحت بعنف:

- في انك بني أدم عديم الإحساس، وتستاهل فعلا الضرب .

هتف رائف بانفعال:

- انت اجنيت ياك؟

هنا مدحت فقد البقية المتعقلة برأسها فهجم يريد ضربه، لولا ذراع عاصم التي تصدر بجســ ده امامه يمنعه عن أخيه بقوة قائلًا:

- اهدى يا واد عمي، متخليش الشيطان يوزك ، وجولي بس ايه اللى معصبك كده؟!

رد مدحت وهو يحاول أن بنزع نفسه عنه:

- سيبنى يا عاصم دا بنى ادام معندوش دم .

ضرب رائف كفه بالاَخر يردد بعدم استيعاب:

- لاحول ولا قوة الا بالله، هو انت حد كلمك يا عم ؟!!

هتف مدحت وهو يقاوم ذراع عاصم:

- يعنى بت عمك اللي ركبتها ع الحصان باستهتارك وغباءك الدائم ، لو كانت اتكسرت تانى النهاردة كنت انت ساعتها هاتحس على دمك !!!

صمت رائف يستوعب الكلمات، فقال عاصم بعد ان فك حصاره عن مدحت، بعد ان شعر باستكانته قليلًا، قبل يتابع بتحذير أخيه:

- من الاخر كده المسخرة دى ماتحصلش تانى، والضحك اللي من غير داعي دا ما يتكررش، يعني كلامك يبجى معاها بحدود .

طالعه رائف باستهجان يقول بتحدي:

- وانت بتتحكم كده بأي صفة؟ إنت اخرك واد عمها وانا برضوا واد عمها ولا فى حاجه تانية غير كدة يا باشا !!

برق بعيناه مدحت بشر، وقد بدأ يقفد أتزانه المعروف، فتقدم نحوه مرو أخرى، ينتوي على تاديبه هذه المرة بحق:

- يعنى انا كلامى ما هيتسمعش، طب كلمها تانى يا رائف وشوف اللى هيحصلك .

عاد عاصم يتصدر بجســ ده مرة أخرى، يخاطبه بحزم:

- اهدى يا دكتور الكلام ما يكونش كده.

صاح مدحت وعينيه تطلق شرارًا من الجحيم :

- امال يكون ازاى يا استاذ عاصم ؟ ولا انت عاجبك اللي عمله؟

تروي عاصم معه يرد بحكمة:

- يا واد عمى انا معاك انه غلط لما خلاها تركب الحصان العالى بس مدام ربنا ستر يبجى خلاص.

هتف مدحت بعصبية:

- لاه يا عاصم عشان الموضوع معداش على خير ، بت عمه وجعت من ع الحصان وبعد الغدا مجدرتش تمشى على رجليها.

تبادل عاصم ورائف النظرات بتساؤل، ليهتف الاَخير:

- انا بعد الغدا طلعت السطح مع ابويا وعمامى نشرب الشاى فى الهوا ومعرفش حاجة عن اللي انت بتقوله ده.

صمت مدحت يرمقه بغيظو، وسأله عاصم :

- طيب وهى فين دلوك:.

اجابه مدحت:

- جوا فى الاؤضة عند جدى ومعاها امها والحريم

تحرك رائف ليقول وهو رافعًا حاجبيه يرمق اخيه من طرف عيناه:

- خلاص انا رايح اشوفها .

سمع مدحت لتتراقص العفاريت امامه ليهدر لاحقًا به:

- رايح فين يا بارد؟

اوقفه عاصم عن التقدم لمنع التشاجر، ليصيح به :

- سيبنى يا عاصم خلينى اوجف البارد ده

شدد عاصم من الإمساك به ليقول بدهشة ضاحكًا:.

- فى ايه بس ياعمنا؟ هو داخل عليها اؤضة نومها دا انت بنفسك بتجول الاؤضة مليانه بشر .

هتف مدحت بعذاب :

- يا عم عاصم دا واد بارد، إنت مابتشوفهوش وهو بيتمسخر معاها ويضحكها، اووف استغفر الله العظيم يارب .

قال الأخيرة ينفض نفسه عنه، فازادت ضحكات عاصم الممتزجة بدهشته بقوله:

- طب وما يضحكها مش بت عمه؟ هو غريب عنها.

هتف مدحت وقد فاض به:

- انت كمان بجيت بارد زيه يا عم سيبنى يا عم .

جذبه عاصم من ذراعه ليتحرك به مرددًا:

- طب تعالى، تعالى بس، عايز اتكلم معاك ،تعالى.

قاومه مدحت بعصبية هاتفًا:

- إنت بتشدنى كده واخدنى فين؟

اردف عاصم:

- تعالى بس، هانحكى شويه على كنبة جدك اللى تحت العنبه، تعالى يا راجل عايز احكى معاك شويه.

استسلم مدحت ليسير على مضض ورأسه تلتف كل دقيقة نحو باب المنزل الكبير، يود لو يدخل خلف شقيقه ويطرده من جوارها

 

--

 

قالت بدور مخاطبة ياسين بقصد التوسط لدى نهال الغاضبة منها ومن نيرة بعد ان ذهبا وتركنها وحدها بقدمها المصابة بعد انتهاء وجبة الغداء:

- وبعدين ياجد بجى، متخليها تكلمنا البت دي، احنا بجالنا ساعه بنحايل فيها.

رد ياسين بعدم اكتراث:

- وانا مالى؟ خليها تربيكوا انتو الاتنين

هتفت بدور بدهشة:

- وه يا جدى انت فرحان فينا؟

رد ياسين بمرح:

- ايوه فرحان وشمتان فيكو كمان.

شهقت الفتاتان لفعل ياسين المناكف لهم دائمًا، فهتفت نيرة مخاطبة نهال :

- ماخلاص بجى يا سنيوره، هو زعلك ده ملهوش نهاية واصل.

نهرها ياسين بخفته كالعادة:

- وه يا بت الفرطوس، ما تزعجيش فيها يابت والا هكسر العصايه دى فوج راسك، فاهمة ولا لأ،

قال الأخيرة وهو يشير بالعصا الغليظة خاصته ، جعل الفتيات الثلاثة يضحكن بانطلاق، حتى ردت نهال بكيد فيهن:

- تعيش يا جدى ربنا يخليك ليا .

قالت نيرة بغيظ:

- ايوه يا ختى عيشى الدور، اموت واعرف السر اللى بينكم .

هتف ياسين بانفعال محبب:

-وانت مالك يابت ال.... مالك باللى بينة وبينها ؟

رددت نيرة وهي تضحك وتبتعد عن مرمى عصا جدها:

- خلاص ياجدى خلاص.

دخل رائف يقول متفكهاَ:

- ايه يا جد؟ البت دى عملت ايه جولى وانا اربيهالك انا كمان.

هتفت نيرة بوجهه :

- تربى مين يا بابا؟ انا مربايه غصب عنك.

رد رائف باستعراض:

- بس يا بت انا مش رايجلك دلوكؤ انا جاى ل نهال

.عامله ايه ياست البنات ؟

أومأت له نهال برأسه وقالت بدور:

- اهى ست البنات دى زعلانة مننا عشان جومنا من ع الوكل وسيبناها

قال نهال :

ايوه ومش هاكلمكم بس

رد رائف بفرح شامتًا هو الاَخر:

- احسن خليها تربيكم .

 

--

تحت عرش الكرم ، جلس به على الأَريكة الخشبية الخاصة بجدهم ياسين، والذي يخصصها عادة للجلسات العائلية او الأقرباء من عائلته، قال مدحت بنزق:.

- افندم يا عم عاصم؟ عايز ايه ؟؟

رد عاصم يدخل في الحديث مباشرةً:.

- هو انت بتحب نهال ؟؟

تفاجأ مدحت من فراسة ابن عمه في ألقاء السؤال ، مما جعله يتوقف لحظات يتأرحج ما بين الإنكار أو حق ما يشعر له، وتابع عاصم :

- ما تحاولش تنكر يا واد عمى النظره دى مايعرفهاش غير عاشج زى حلاتى .

استسلم مدحت ليقول بصدق:

- لا مش هنكر يا عاصم، ايوه بحبها وهتجنن دلوك لو مروحتش عندها وانا عارف ان البارد اللى جوا بيضحكها وعاملها قرد .

جلجل عاصم بضحكته قائلًا:

- اهدى يا واد عمى، الواد اللى جوا دا عفريت لو عرف اللى فيها هيجننك اكتر، وهى نفسها شايفاه زى اخوها يعنى مفيش داعى لدا كله .

عاد مدحت بهدر بعصبيته:

- يا عم بلا اخوها بلا زفت اوووووف

قال عاصم بعدم تصديق:

- وه يادكتور؟ دا انت غيرتك عفشة جوي بس انت امتى حبيتها كده؟ دا انت اتجدمت لاختها من قريب يعنى !!

قال الأخيرة بنبرة داخلها العتب، وصل مدحت فرد يجيبه بصدق:

- انا عارف يا عاصم انك زعلان منى بس يعلم الله انى ما اتجدمت لبدور، غير بس عشان ارضى امى ومكنتش لسه شوفت نهال بجالى سنين .

ربت عاصم على كتف مدحت المقابل له بخفة،، ليقول بوجع

- اطمن يا واد عمى انا مش شايل من حد فيكم، العيب فيها هى، لانها دايما مش عارفه تحدد عايزه ايه .

قال مدحت:

- صغيره يا واد عمى، ولجت جدامها كذا اختيار فاحتارت تختار

مط بشفتيه يقول ييأس عصام :

- يالا بجى هى حره، خلى العيل المجلع ده ينفعها، المهم انت هتعمل ايه مع نهال وهى شايفاك بصيت لاختها ؟!!

اجاب مدحت بثقة:

- هانت، بس تبتدى الدراسة فى الجامعة وتبجى تحت عينى وكل حاجة بعد كده تتحل .

تبسم عاصم يقول:

- وه دا الدكتور م خطط وعامل حسابه بجى.

رد مدحت وهو ينهض عن مقعده:

- امال ايه؟ المهم انا رايح مشوار دلوك، يا ريت عشان خاطرى تروح تنده ع الزفت اللى جوا تاخدوا من عندها .

هز برأسه عاصم يقول مع ضحكاته:

- حاضر اطمن هاروح اسحبه من جفاه ما تشلش هم انت .

قال مدحت بإعجاب قبل ان يحرك اقدامه للذهاب : -تسلم يا سبع الرجال، دا العشم فيك يالا بجى سلام.

 

--

رائف وهو يشاكس جده العصبي دائمًا، بغرض أضحاك الفتيات في الغرفة التي تستريح بها نهال، حتى دلف عاصم إليهما مستئذنًا، يقول

- كيفك يا بت عمى؟ عاملة إيه رجلك دلوك ؟

ردت نهال بابتسامة مشرقة:

- الحمد لله، شكر يا واد عمى .

تبسم بداخله، وهو يرى خجل بدور وهي لا تقوى على رفع رأسها مواجهة له بعد هذا الموقف الذي مر بينهم على مدخل المنزل ، فقال يخفي ابتسامته:

- الف لا بأس عليكى يا ست البنات.

قال ياسين:

- ما تجعد يا ولدى واجف ليه ؟

رد عاصم وانظاره نحو ابن عمه:

-لا يا جدي معلش، انا كنت جاي اخد رائف وطالعين

رد رائف بسماجة:

- لاه مش طالع انا جاعد هنا.

هم ليرد عاصم ولكن ياسين قد سبقه بقوله"

- ما تجوم يا بارد شوف واد عمك عايز ايه؟

قال عاصم بخبث:

- جولو يا جدي، دا محسسني إني هخطفه.

رفه عصاه ياسين، يلكز بها رائف لتصدر ضحكات الفتيات أمام عاصم الذي ابتسم هو الاَخر:

- ياد جوم ياد، جوم وخلي عندك دم.

نهض رائف مجبرًا يتمتم بحنق مناكفًا:

- وه ياجد لما تطلب معاك هزار بايخ.

- بايخ يا ابن ال....

قالها ياسين لينهض من محله، ليلحق برائف بغرض تأديبه، ورائف يركض أمامه على ضحكات الفتيات، حتى اوقف عاصم جده، يقول بمرح:

- خلاص يا جدى جلبك ابيض، انا هاخدوا واطلع بيه دلوك، متزعلش نفسك.

رد ياسين:

- عشان خاطرك انت بس يا ولدى

 

قالها وعاد مرة أخرى لجلسته على التخت فسحب عاصم رائف عنوة، وقبل ان يخرج من الغرفة هتف رائف لجده:

- هاتوحشنى يا جد

- يا بن ال.. اجومولوا تانى الواد ده 

حاولت إيقافه نهال رغم ضحكاتها:

- هههه خلاص يا جدى ما تخدتش عجلك بعجله .

رد ياسين :

- عشان خاطرك انت بس

اعترضت بدور ومعها نيرة أيضَا:

- خاطرها هى بس واحنا بجى؟

رد ياسين بأصرار:

- ايوه خاطرها هى بس ويالا انتى وهى اطلعوا من اؤضتى انا مش عايز فيها غير نهال .

- واحنا عملنا ايه يا جدى

هتفت بها الفتيات ليفاجأهن بأصراره حتى خرجو ليتركوه وحده معها، ليخاطب ياسين حفيدته:

- انا مش سايبك انهارده غير لما تحكيلى كل حاجة

ردت نهال معقدة حاجبيها باستفسار:

- احكى على ايه ياجدى:.

اجاب ياسين بابتسامة بعرض وجهه:

- عن رضوان!


 يُتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة