الفصل الواحد والعشرون - كما يحلو لي نسخة حصرية (النسخة القديمة)
رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه
حصريًا لمدونة رواية وحكاية
الفصل الواحد والعشرون
اقترب أكثر لها مُقبلًا جبينها وتريث بما يفعله بتأني شديد عله تُدرك أن الأمر معه لا يستدعي كل معاناتها وخوفها هذا ثم حدثها وهو يُحيط وجنتيها متسائلًا:
- سأعد لنا العشاء وسأعلم قرارك حينها.. هل لدينا اتفاق
رمقته وهي تتفحص ملامحه لوهلة ثم اجابته:
- حسنًا، اتفقنا، سأتوجه لغرفتي، أحتاج لبعض الراحة قليلًا
أومأ لها باقتضاب بينما غادرت هي لتعطي نفسها وقتا للتفكير بحياتها القادمة معه، لا تعرف كيفية التعامل بالكثير من الأمور التي تخص الزواج، هي حتى لم تتعامل مع رجل سواه، ومن سوء حظها أن يكون رجل غريب الأطوار مثله!
اغلقت باب الغرفة ثم توجهت لتجلس على الفراش وهي تسمع لصدى صوتها المُفكر بشأنهما وبشأن هذا الزواج:
- لن أستطيع الاستمرار بتلك الطريقة معه، كل شيء يبدو مشوشًا، ولا أعرف عنه شيء حتى، كلماته تتحكم بي رغمًا عني وكأنني لا املك سوى تنفيذ أوامره والإذعان له، وتصرفاته تلك توترني، عليه أن يأخذ كل شيء بروية، هو إذا أراد بداية جديدة وأن أنسى كل ما حدث سيستجيب لرغبتي ولكل ما أطلبه، سنرى إذن!
حاولت أن تستلهم بعض الحزم اثناء تفكيرها بينما أمسكت حاسوبها وبدأت في تدوين بعض الأشياء أمامها بمنتهى التركيز الشديد فهي لا يمكن أن تكون حياتها مليئة بالأسئلة غير المُجاب عنها، عليها على الأقل ضمان ردود أفعاله أمام الكثير من الأشياء التلقائية التي تفعلها بحياتها وصبت كل تركيزها على كتابة الخطوط العريضة التي سيتفقان عليها سويًا كي لا تنسى شيئًا.
لم تشعر بالوقت وهو يُمر من حولها، لم تظن أنها مكثت كل هذا في تحضير عدة نقاط بسيطة ستناقشها معه وكأنها تستعد لإبرام صفقة هامة بعملها، على كلٍ لطالما تناست الوقت وكل ما يحدث من حولها بمجرد إمساكها لحاسوبها، هذه ليست المرة الأولى التي تنغمس بها في ترتيب افكارها بهذا الشكل..
اختفت الشمس بالخارج ليختفي معها توترها وأتى الليل ليغلف السماء ويغلفها بحزمها وكبريائها الذي فقدته تمامًا مع هذا الرجل الغريب الذي تزوجت منه بمنتهى السرعة وهي حتى لا تعرف عنه شيئًا وحيدا، وكأنما بجلوسها وحيدة بمفردها وهي تُفكر كامرأة تدير سبع شركات وشبت على أن تكون دائمًا كلمتها مسموعة جعلها تتذكر من هي وكيف عليها أن تتصرف تجاه ما لا يُعجبها ولا تقبل به..
زفرت كل ما برئتيها من أنفاس أسيرة مزقتها وهي تُفكر بالكثير وتوجهت لتتجهز بين الاغتسال وارتداء ملابس أخرى غير التي ترتديها، فلقد أتفقا على أنها ستخبره بقرارها على العشاء ولن تترك رجلا أمامها يتغلب عليها دون أن تناضل من أجل ما تريده هي الأخرى ويستحيل أن تفشل في ترك انطباع ساحرٍ وهي تنتزع ما تريده منه بموافقة وإذعان لها هو الآخر!
❈-❈-❈
لم يختلف حالًا عنها هو الآخر بتفكيره بها وبكل ما يحدث بينهما ولكنه كان يُفكر من جهة أخرى تخالف تمامًا ما تُفكر هي به..
تذكر تصرفاته معها جيدًا بمنتهى الوضوح وكأنها حدثت بأكملها منذ ثوانٍ وهو يحاول أن يصد ارتيابه من نفسه ويوضحه بعقله فلقد بات الأمر مُغايرًا معها كثيرًا عن كل ما عهد نفسه عليه..
استمع لصوته المُفكر برأسه ليستسلم له بالحقيقة دون تزييف ولا هروب:
- سأعترف أمام نفسي الآن أن هناك شيئاً مختلفاً بها، شيئاً جعلني أتراجع، ليلة أمس عنت لي الكثير، أعلم أنها ليست أول مرة أمـ ــارس علا قة مع فتاة ولكن أشعر أن شيئاً قد تغير، لقد بدأت معها بداية صعبة ولم آخذ في الحسبان أن كل ما فعلته كان جديداً عليها.. لم أتصور أن إرادتي في أن أتملكها ولهفتي الشديدة عليها قد أثرت علي حتى فقدت سيطرتي وأصبحت بمثل هذا العنف معها، يجب أن أتمهل، هي زوجتي وليست مجرد علا قة عابرة لأشبع سيطرتي وسا ديتي ولكن كيف لي أن أكون كمثل مراهق تافه لأول مرة في حياته يتلمس فتاة؟
يجب أن يتغير كل شيء معها، يجب أن أشعر منها بأنها تريدني أنا، بسيطرتي وساديتي وعنفي وهدوئي وبكل شيء يتواجد بي، عليها أن تذعن وترضخ لي عن ثقة وليس عن اجبار، أن تكون خاضعتي لأنها تريد ذلك وليس فقط لخوفها مني أو لتوجسها من العقاب أو أي لعنة أخرى!
فكر مليًا فيما عليه أن يفعله وهو يواجه نفسه بتلك المشاعر ثم تفقد ساعته، فهو انتظرها لساعات ولكن عليها أن تقرر الآن، لن يستطيع الانتظار أكثر من ذلك وهي مبتعدة عنه، فنوعًا ما ابتعادها يجعله يشعر بالانزعاج!.
توجه للأعلى بعد أن أعد الطعام لهما، نمقه بعناية على المائدة التي سيجتمع كلاهما لتناول العشاء عليها، أعد المُقبلات، الوجبة الرئيسية، حتى النبيذ لم ينسه بالرغم من أنه متأكد أنها ليست من النوع الذي يُفضل النبيذ، فأضاف عصير البرتقال وحتى حاول أن يضيف لمسة شاعرية على المائدة بتلك الورود والأضواء الخافتة المنطلقة من الشموع التي رصها بالقرب من الصحون وقد نفذ صبره بعد كل ذلك الانتظار!!
فكر بأن يدفع هذا الباب الذي يفصل بينهما ويجذبها خلفه رغمًا عنها ليعلم بما تُفكر وما الذي قررته وتريده بعد أن كانت معه ليلة أمس بمنتهى القبول والرضوخ له ولكن قبل أن يفعلها تذكر ما فكر به منذ قليل واعتصر يد يه من الغضب تجاه نفسه التي طالما ما تحثه على رفض الكثير من افعال النساء، ليجد نفسه يحاول أن يُهدِّئَ من غضبه وانزعاجه ثم طرق الباب الذي تمكث هي خلفه بطرقات معتدلة وانتظر رغمًا عنه!
انتظر المزيد من اللحظات بينما لم يسمع منها أي اجابة ليزفر بضيق وهو لا يزال لا يتقبل فكرة أنه من يصنع كل هذا لامرأة من أجل فقط التحدث معها ورؤيتها فناداها بنبرة مُنزعجة بصوتٍ مرتفع قليلًا كي تصل كلماته لمسامعها عبر باب الغرفة:
- روان، لقد تـ..
وقبل أن يُكمل قاطعته بفتحها للباب الموصد الفاصل بينهما ولم يستطع أن يُكمل بعد أن رآها بمثل هذا المظهر الفاتن الذي بفعله عقد لسانه وأصبح كالأبكم تمامًا.
ابتلع وهو يتفقدها من أعلى رأسها لأخمص قدميها وعقله يصرخ به، أتمزح معه هذه الفتاة!! ما تلك اللعنة التي ترتديها؟ لماذا عليها أن تـ ـ ــثيره بهذا الحد حتى يُصبح أمامها مسلوب الأنفاس والسيطرة على نفسه؟ وبحق الجحيم كيف تجمع بين البراءة والإ ثارة والدلال بهذا المزيج الساحر؟ كيف سيستطيع حتى أن يتحدث معها بمنطقية وهي تبدو هكذا بهذا الحُسن دون أن ينهض ليُمــ ــ ــزق ما ترتديه ويتمــ ــ ــلكها مثل ما فعل معها ليلة أمس؟
حاول أن يوقف تساؤل عقله الذي انعكس على ملامحه بعقدة حاجبيه التي لم تستلم أمام تأثيرها الشديد عليه وجف حلقه فكلما ابتلع شعر أنه لا يستطيع النجاة أو الفرار أمامها!
ابتسمت ببعض الخبث الذي انعكس على ملامحها كدلال فطري غير مبالغ به ثم انتشلته من تحديقاته المستمرة بها وهمست له بهدوء ونبرة عذبة وابتسامة فاقمت صعوبة تحمله أمامها:
- أعتذر.. لقد تأخرت قليلًا!
حمحم منتبهًا على ما قالته ثم نظر إليها مباشرةً ولا يزال يُعاني من انعقاد لسانه اللعين بملامح يُسيطر عليها بعض البلاهة وحاول التخلص منها بينما توسعت ابتسامتها له بلباقة وسألته:
- هل أعددت العشاء؟!
أومأ لها بالموافقة وسرعان ما عادت ملامحه بعد مجهود منه في السيطرة على افتتانه بها لتتحول ابتسامتها لأخرى ممتنة وأخبرته:
- شكرًا لك
وقع أسيرًا لسحر تلك الابتسامة المُشرقة ولكن ما جعله ينسى براءتها هو تحركاتها بقوا مها الممشوق بمنتهى الأنوثة أمامه عندما سارت عائدة من جديد لداخل الغرفة ببعض الخطوات بدلال حتى تحضر حاسوبها ليلعن بداخل نفسه آلاف المرات على استفزازها إياه بهذه الطريقة!
أغلقت نور الغرفة ومشت أمامه متجهة للأسفل كي يتناولان الطعام فتبعها وعيناه لا تغادرانها كالمنوم مِغْنَطِيسِيًّا الذي ينساق دون سيطرة خلفها كالمسحور!.
اتجه خلفها وهو يتابع المزيد ولم يدرك أنه توقف حيث توقفت هي الأخرى بالمطبخ لتجده فارغا وليس هناك ما يدل عن تحضيره للطعام، فتساءلت أين الذي أعده وبتلقائية التفتت له لتلاحظ عينيه يفترسان جــ ــ ــسدها كوحش جائع فعلمت أنها لا زالت تملك تأثيرًا عليه حتى لو بهذه الطريقة التي لا تحبذها خلال تعاملها مع الرجال...
على الرغم من أنه زوجها ولكنه في نهاية الأمر رجل مثل بقية الرجال، حسنًا، قد يختلف عنهم وقد أصبح زوجها فليس تحديدًا مثل كل الرجال، ولكنها تعلم تأثيرها جيدًا ولطالما أطرى الجميع على حُسنها وفتنتها وتعلم كيف ينظر لها أي رجل... هي لم تمكث كل ذلك الوقت لاختيار ما سترتديه، وعناء ترتيب شعرها ووضع مساحيق التجميل بعناية دون إسراف أو تقتير وألم ذلك الحذاء الذي يؤلم كل عظامها ويُعطيها المزيد من الدعم لإبراز الكثير من منحــ ــ ــنياتها إلا لتذكيره بما يملكه بين يديه وعلها هي الأخرى تستطيع إقناعه بكل ما تريده وكل ما تظن أنه لو حدث سيجعلها تطمئن قليلًا.
شعرت بلذة الانتصار وهي تشاهده متيمًا بما يراه ولكنها لم تكن ماكرة أبدًا ولم تستطع أن تخفي انتصارها عن ملامحها ولا عن نبرة صوتها الرقيقة التي تساءلت:
- أين ما أعددته إذن؟
لاحظ غرورها بنفسها وكأنها هي نفس الفتاة التي أتت وحدثته بغرور بمكتبه وهي تحدثه بزهو أن يترافع لها عن قضية لها فاشتدت عقدة حاجبيه أكثر منزعجًا من أنها تعتز بنفسها بانتصار تافه لافتتانه بها فحاول أن يكتم غيظه بداخله وأجابها باقتضاب:
- بالخارج
التفت مغادرًا ليجبرها على أن تتبعه حتى وإن كان يُريد بمنتهى المصداقية بداية جديدة معها عليها أن تعلم أنها ستكون خاضعته بالنهاية، ليس هو الرجل الذي يتبع ويسير بإذعان خلف النساء أبدًا حتى ولو كانت زوجته.
❈-❈-❈
تبعته في صمتٍ ودامت هدنة لعدة لحظات بين هذه الحرب المحتدمة بينهما ولكنها لن تهون عليه الأمر وتقصدت أن تطرق بحذائها الأنثوي وتتمايل وكأنها ملكة جمال حتى ولو أنه لا يراها فهي تعلم ما تفعل جيدًا وكل نظرات الرجال بالسابق أكدت لها أنها لا بد من أن ملامحها ومظهرها وقوا مها يملكن جميعهن تأثيرًا ليس بهينٍ عليهم.
وقعت عيناها على المائدة لتتفاجأ بما أعده من أجلها، لم تتوقع منه كل هذا المجهود والعناء الواضح والاهتمام من قِبله حتى ولو بمجرد إعداده للطعام، فكانت بمثابة بادرة إيجابية تجعلها تطمئن قليلًا نحوه، على كلٍّ يستحيل أن يُكلف رجلا نفسه؛ وخاصة هو، كل هذا العناء إلا من أجل الحصول على إرضاء من أمامه...
فاجأها كذلك بجذبه للكرسي كي تجلس عليه وهو يبدو الليلة كرجل نبيل بعيد كل البُعد عن سا ديته وغضبه وتحكمه وكأنه تخلى عن كونه سلطانًا مغرورًا فابتسمت له في دلال وأخبرته بامتنان:
- شكرًا لك
قابلها بإيماءة هادئة وبداخله افتتانه اللعين يحاول بقسوة أن يزجره وينهي نفسه عنه تمامًا بينما بُهت خائبًا وباء بالفشل عندما باغته عطرها الأخاذ الذي استنشقه وهو يُساعدها على الجلوس فسرعان ما ابتعد عنها وذهب ليجلس وحاول بشتى الطرق ألا ينظر لها ولكن لم يستطع، أجمل من وقعت عينيه عليها يومًا ما، مزيجاً بين الإثارة والبراءة والرقي الأخاذ الذي لم يره من قبل ومن جديد نظر إليها بتحديقات هائمة تمامًا.
بدأت في تناول الطعام ولكنه لم يفعل وبدلًا من سيطرته على نفسه وجد نفسه يشرد بها، يتابع كل تفاصيلها، فحميتيه لا تتوقف عن النظر لحفظ المزيد منها، كيف تتناول طعامها، كيف تلمـ ــ ــس تلك الشوكة شـ ــ ــفتيها وهو أحق بأن يلتهمها ويتلمـ ــ ــسها أكثر من ذلك المعدن السخيف، حتى طريقتها الرقيقة في الابتلاع وأصابعها المحتوية على أظافرها المطلية بلونٍ هادئ يُقارب من لون بشرتها جعلته يتنهد بإرهاق من مواصلة التحديق بها بهذا الافتنان وكأنه كرجل كهف من العصور السحيقة لتوه يرى امرأة.
نبهته وهي تحمحم برقة ثم رطبت شفتاها ليبتلع عاقدًا حاجبيه بشتات هائل وتكلمت بامتنان:
- الطعام رائع... يبدو أنني تزوجت رجلًا بارعا بالطهي
استمع لإطرائها فابتسم لها ابتسامة لم تلمس عينيه بينما رأى تحول ملامحها للاستغراب وهي تتفقده بعسليتين مستفسرتين وتعجبت منه:
- لماذا لا تأكل؟!
حمحم وهو يحاول من جديد التخلص من بعثرتها لعقله ثم هز رأسه بالنفي بمنتهى الاقتضاب ثم شرع في تناول الطعام ولكنه لم يتوقف عن لمحها بنظراتٍ تتمعن في ملامحها وبالرغم من كل محاولاته ولكنها رأت فحميتيه تفترسانها فشعرت ببعض الخجل والزهو بآنٍ واحدٍ ولكن سرعان ما تمالكت نفسها ونحت طبقها جانبًا ثم نظرت لحاسوبها وانتظرته حتى أضاءت شاشته وتحولت ملامحها للجدية الشديدة وكأنها ستناقش أمرًا هامًا ولكنها ما زالت تحتفظ بأنوثتها الطاغية التي تتملك كل ما به.
زمت شفتيها بطريقة جعلته يلعن داخل نفسه وكل ما فكر به هو أن ينهض ويُمزق تلك الشفتين بين أسنانه ولكنها انتشلته من تفكيره بسؤالها:
- لقد اتفقنا اليوم على بداية جديدة أليس كذلك؟
لاحظها تزفر بعمقٍ ويتضح بعض الارتباك على وجهها ذي الملامح الفاتنة ليجيبها بهمهمات وما زال يحاول التشبث بأنه ينشغل بالطعام الموضوع أمامه ليجدها تنظر له بمزيد من الجدية التي تُعاني لإظهارها ثم تكلمت متابعة:
- أوافق بالطبع أن نبدأ سَوِيًّا من جديد، أن نكون سعداء بزواجنا وننجح به هذا أمر سيُسعدني كثيرًا ولكن...
حمحمت وهي تتوقف من تلقاء نفسها وأخذت تنتقي كلماتها بعناية ثم واصلت:
- هناك بعض الأمور التي يجب أن تتضح لي أولًا وأن نتفق عليها حتى نبدأ من جديد، فعلى ما يبدو أننا لسنا على وفاق في الكثير من الأمور!
تريثت هُنيهة لترى أثر تلك الكلمات عليه وتستشعر بعضًا من موافقته كي يخوض كلاهما هذا النقاش بوضوح وحُرية لتجده ينظر إليها رافعًا أحد حاجبيه لنظرة التحدي تلك بعينيها فأشار لها كي تبدأ بكلامها باسطًا يده إليها بينما أزاح طبقه بعيدًا هو الآخر يترقب كلماتها فأخذت بشعرها الطويل لتزيحه جانب رقبتها لتلمه بأكمله ناحية اليسار ليتهاوى على نهـ ــ ــدها متبعثرًا مما أجج الر غبة بداخله من جديد بعد ظنه أنه قد تخلص منها ولكنه سيحاول بكل ما لديه من قوة ألا يفقد سيطرته الآن.
رطبت شـ ــ ــفتيها لتجده يزفر بضيق ولكنها تكلمت بجدية:
- ما سنتحدث به الآن سيكون بمثابة اتفاقٌ مُلزم لي ولك، أنت رجل محامي وتعلم تمامًا ما الذي يَعْنِيه الاتفاق، حتى إذا وددت أن نعد نسخة لاتفاقنا ونوقع عليه أنا لا أمانع، مثلما وقعت على عقد زواجنا بالسابق، ما رأيك؟
تعجب مما سمعه لتنكمش جبينه إثر تطاير حاجبيه مما يرى أمامه، هذه هي سيدة الأعمال التي رآها يومًا ما وليست الفتاة الخائفة منه وبالطبع بعيدة كل البُعد عن امرأة خاضعة أسفل قدميه فلانت شـ ــ ــفتاه قليلًا ببعض اَلسُّخْرِيَة، أحقًا ما تقوله، هي تجالسه لتعقد معه اتفاق بمنتهى العملية بل وتُفكر في أن يوقعا عليه سَوِيًّا، أستصمد أمام محامي مثله؟!
أومأ لها دون أن يتحدث بينما ارتشف نبيذه ببرود وهدوء تام وحاول ألا يبدي أية مشاعر بعد تفاجئه بما قالته وقبلها كان مفتتنا بها وسكن تمامًا في ترقب ما ستتحدث هي به.
ضيقت ما بين حاجبيها لهدوئه الشديد وعدم مبادلتها أي من الكلمات ولكنها لن تُفسد كل ما فكرت به ولن تنسى ما أرادته معه فيكفي تصرفاته الغريبة إلى هذا الحد ولا بد لها من إنهاء النقاش معه وتحصل على بعضًا من راحة البال علّ الزواج منه يستقيم وينجح ويسعدا معًا دون خوفها من مواجهة طلاق أو من مواجهة غضبه وحمحمت مجددًا ثم شرعت بإملاء ما ودت أن تقوله:
- جيد، سنصل لِاتِّفَاق إذن... فلتسميه البند الأول أو الأمر الأول الذي أريد أن أحدثك به، عملي، لن يكون لك أي حق في أن تمنعني عنه، بما في ذلك العمل لوقت متأخر، سفر، مؤتمرات، حفلات... أَيًّا ما يتعلق به ستدعمه وسأفعل ما أريده بشأن عملي دون انتظار موافقة منك... وأياً كان ما يستدعيه عملي لن ترفضه وتجبرني على ألا أفعل ما يفيده... عملي لن أقبل أمامه أي رفض منك عمر ولن أستطيع التنازل عنه وخصوصًا عند عودتنا بعد هذه الإجازة!
سكتت ثم نظرت له لتحاول الحصول من ملامحه على ردة فعل تجاه كلماتها لتجد ابتسامته تتوسع باستنكار وهو لا يصدق أنها تأخذ الأمر بكل هذه الجدية وهو إلى الآن لم يرفض أي أمر بشأن عملها ليُعقب على كلماتها بمنتهى الثقة الطاغية:
- لا بل لدي كامل الحق في رفض أي شيء يتعلق بكِ
سرعان ما بهتت ملامحها ورآها تبتلع بتوتر وتغيرت ملامحها التي منذ وهلة كانت تتحلى بالثقة والجدية ومظهر سيدة الأعمال الناجحة فواصل كلماته ولكنه تكلم بحنق يختفي وراء ابتسامة زائفة:
- ولكنني كذلك أتفهم تمامًا أهمية عملك بالنسبة لكِ ولأُسرتكِ لذا لكِ هذا... أوافق عليه بأكمله!
وجدها تطلق زفرة وكأنها كانت تمنع عن نفسها إمرار الهواء لرئتيها وشاهدها تنظر بحاسوبها وسكتت لوهلة وبدأت تعبث بشعرها في توتر وقالت بتردد:
- الأمر الثاني، أو ما أود الحصول على إيضاح بشأنه، وبعد ما أخبرتني عنه من أنك كان لديك علاقات بالسابق، فأنا أرفض الأمر تمامًا، ليس لأحد مننا أن يقيم علاقة مع شخص آخر، سواء أنا أو أنت... فلقد أصبحنا متزوجين، وعلاقاتك انتهت كما أخبرتني!
لم يستطع منع ضحكته التي ترددت عاليًا حولهما ثم تكلم بين ضحكته:
- أنا رجل مسيطر وسا دي وأستطيع أن أحصل على أي امرأة كما كنت أفعل بالسابق، ولكنني لست رجلا خائنا، أوافق على هذا الأمر، أم لنُسميه البند الثاني! بند العلاقات!
استشعرت استهجانه من الأمر برُمته لتنزعج ملامحها ولكنها لن تتوقف قبل أن توضح له كل ما تريده وكل ما لا تقبله وتناولت نفسًا مطولًا ثم حاولت استلهام بعض الحزم ونظرت له بثقة وواصلت:
- فلنسميه إذن البند الثالث أو الأمر الثالث الذي لا بد من اتفاقنا عليه والالتزام به، من حق أي من الطرفين أن ينهي الزواج إذا تمت مخالفة ما سنتفق عليه بذلك العقد، أو الاتفاق!
قابلها بعقد حاجبيه بصرامة بينما هي رمقته بتحدٍّ شديد وهي تحول مجرد حديث على العشاء إلى نقاش يُماثل المناقشات الحقيقية بخصوص بنود العقود بل واشتقت من كلماته وهي توضح له قائلة – فلنسميه البند الثالث – ليُقابلها بعقد حاجبيه بجدية وبداخله رفض قاطع أن تكون لها اليد في إنهاء علاقتهما فأخبرها بجفاء:
- لننهي فقط ما لديك وسنرى بخصوص هذا البند!! على كلٍّ لا بد من معرفة كلا الطرفين لما سيوقعان عليه بالكامل، أليس كذلك؟!
فهمت ما يَرْمِي إليه، هو يُهددها خلف كلماته المستترة بأنها يستحيل أن تكون أفضل منه في هذا الأمر فتوترت قليلًا ولاحظ هو الآخر تسارع حركات رموشها التي توالت كلما نظرت إليه فنظر لها بمنتهى الثبات والصلابة بينما لم يكن لديه أية فكرة أن تسارع أهدابها كان لا يُقارن برجيف قلبها الذي خفق بجنون!
حدقت بشاشة حاسوبها إلى تلك الأفكار التي نظمتها كما تفعل تمامًا بشأن عملها ثم عادت لتنظر له وخفتت نبرتها وهي تتكلم:
- هذا البند بخصوص... ممم... أو أقصد هذا الموضوع...
حمحمت ثم عضت على شـ ـ ــفتها السفلى فنظر لها ولاحظ كيف تعتصر فخـ ـذ يها وأنفاسها علت وقد تورد وجهها بعد لحظاتٍ من الصمت واستطاع استشعار خجلها ليحثها على المتابعة فقال بنبرة آمرة ولكن دون مبالغة بجفائها:
- تحدثي روان... تابعي ما تودين الاتفاق بشأنه!
نظرت له على عجالة بلمحة سريعة من عسليتيها وقالت بنفس نبرة صوتها السابقة:
- الأمر الرابع، بخصوص، ممم... ساديتك... وعلاقتنا الحميمة!
رطبت شفـ ـ ــتاها ولم تستطع بعدها أن تنظر له وشعرت بصعوبة نطقها بالأمر فجف حلقها وسرعان ما تناولت بعض المياه من إحدى الكؤوس أمامها بينما شاهدها هو في استمتاع بتلك المشقة البادية عليها وارتشف المزيد من نبيذه الداكن بينما واصلت هي بعد مُدة:
- أظن علينا أن نتفق على بعض الأشياء التي... حسنًا، بعد أن عاملتني بمثل هذا العنف والمرات التي كنت بها بالغرفة و...
ازدادت مشقتها وهي لا تدري كيف عليها أن تُناقش الأمر معه وشحب وجهها وكأنه يغيب به الحياة وهي تبتر نطقها بالحروف غير عالمة كيف تنطق بالمزيد فقرر أن يُنهيها من مشقتها تلك البادية عليها وأخبرها بنبرة مُعتدلة ولكنها غابت عن المشاعر وبنفس الوقت حافظ على هدوئها:
- فلتتركي هذا جانباً الآن، لا تقلقي، سنصل لاتفاق مفصل وسنوقع عليه معًا أنا وأنت لينضم لعقدك أو اتفاقك الذي وددتِ أن توثقيه أو حتى لنضعه تحت شكل وثيقة مُلزمة! ماذا لديكِ أيضًا تريدين التحدث بشأنه؟
تفحصها بفحميتين ثاقبتين وهو يُعجبه كثيرًا وملؤه برضاء تام عدم صمودها أمامه بهذه المناقشة ولكنه وجدها عادت للتحلي ببعض الثبات والجدية من جديد ثم قالت:
- البند الخامس، ليس من شأن أي منا أن يتحكم بما يملكه الآخر، عمل، أموال، منازل، ممتلكات... هل توافق على هذا؟
رمقها ببعض الشفقة وهو يستطيع قراءة خوفها على ممتلكاتها وممتلكات عائلتها التي يبدو أنها تبذل الكثير من الجهد للمحافظة عليها ليُجيبها بابتسامة صادقة:
- لقد استطعت أن أعيد إليكِ أموالك وأموال عائلتك روان... لست أنا من يستحوذ على أموال النساء... لذا، نعم أوافق على هذا البند بأكمله!
تنهدت ببعض الراحة وهي لا تُصدق أن نقاشا معه ومجرد فكرة أن يوقعا على هذه الكلمات تحول بأكمله ليُصبح عقدا واضحا ببنود مُفصلة وهي حتى تنادي مثل قوله بالبند رقم كذا وكذا ولكنها تحلت بالثقة مقدار ما استطاعت وتحدثت بلهجة متسرعة عليها تنتهي من النقاش معه الذي بات يُصيبها بمزيد من التوجس، فكل ما تتخيله هو الانتهاء وتركه وشأنه:
- البند السادس، عدم الإفصاح والتكتم من الطرفين عن سبب الزواج و...
حمحمت بتردد وهي لا تصدق أن عليها الاتفاق مع زوجها بمثل هذه التفاصيل ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تعلمتها من عملها ثم همست بتلعثم ونبرة خافتة:
- وساد يتك!!
التوت شفتاه بابتسامة جانبية ثم غمغم:
- يُعجبني كثيرًا اختيارك لكلمة عدم الإفصاح، الكثير من الرسمية بهذا المُصطلح... أنتِ سيدة أعمال جيدة روان!
ارتشف بعضا من نبيذه ثم وضع كأسه على المائدة أمامه وهو يُحدقها بثقة وفحميتين ملتمعتين وقال بهدوء:
- حسنًا، كل الشروط مقبولة، وسأوثقها لكِ
تحولت ملامحه للجدية وهو يشاهدها بينما استطاع رؤية عسليتيها تتحول ليتضح بهما طيفًا من لأمل وبعض الراحة فنهض بعجرفة وزهو ثم أمعن النظر لها مَلِيًّا واقترب منها لتتعلق به عسليتيها وهي لا تدري لماذا يقترب منها بينما تكلم بلهجة آمرة:
- والآن علي أن أملي شروطي عليكِ مثل ما فعلتِ أنتِ وأريد توقيعك على اتفاقية هذا إن أنهيت ما عندك!
باغتته بعسليتين تتغلغل به لتُصيبه بعدم المقدرة على السيطرة على نفسه وفاجأته قائلة:
- بقي لدي بند، أو أمر أخير
لا يدري لماذا جاءت نظراتها متوسلة الآن ولكنها همست إليه بوهن:
- ألا تتعرض لأي من أُسرتي بالقوة أو بالمقاضاة أو أن تفعل بهم أي أمر سيئ ...
نظر إليها ليدرك كم هي هشة كالطفلة الصغيرة وعلى الرغم من كل ما تحاول أن تظهره من جدية إلا أن كل ما أتت به هو موافق عليه، كل ما أخبرته به يبرهن عدم ثقتها وخوفها من المستقبل بينهما، اهتمامها الشديد بأُسرتها وبأعمالها هو محور حياتها الوحيد وكأنها ليس في حياتها سوى هذين الأمرين حتى أنها تناست نفسها تمامًا في خضم هذا الاتفاقية أو المناقشة كما تُسميها هي وبالرغم من كل ما يدور بعقله وتفكيره إلا أنه وجد نفسه يبتسم لها بود كمن تغير فجأة ومصداقية هائلة وحدثها بنبرة مُطمئنة:
- بالطبع أوافق، وكوني على ثقة أنني لن أؤذي أَيًّا من أُسرتك، لن أؤثر على عملك، ولن أتسبب لك في أي ألم حقيقي روان
بادلته الابتسامة بمشقة وترقرقت عيناها بعبرات التمعت بشدة أثناء انعكاس ضوء الشموع على مُقلتيها الساحرتين ليفتتن بالمزيد منها وهي لا تهون عليه الأمر أبدًا ثم وجدها تهمس بامتنان:
- شكرًا لك
بسط إليها يده وانتظر لتقبل دعوة كفه لتنضم لها كفها وهو يتأملها بأعين ثاقبة بينما هي تعجبت بظهور تلك السيطرة مجددًا بعينيه بعد كل رفقه ونُبله ونبرته المُطمئنة الأخيرة إليها لتبتلع وهي تبادله النظرات التي انطلقت بدلًا من أنفاسها المحتبسة لتجده يأمرها بجفاء:
- هيا
ترددت وهي تتابعه واتضح بعينيها التوجس ثم همست متعجبة:
- إلي أين سنذهب؟
ابتسم لها ابتسامة جانبية بزهوٍ ثم أجابها قائلًا:
- سنرى ما الذي تريدين حذفه وما الذي توافقين عليه، سأتفق معكِ مثل ما اتفقتِ معي منذ قليل!
سقط صوته على مسامعها كفحيح أفعى سامة لتبتلع بصعوبة بالغة وارتبكت ملامحها ونهضت وهي تقدم يدها المرتجفة لتضعها بيده على وجلٍ ليتقدم هو قائدًا الطريق لمكتبه بينما هي متقهقرة خطوة وحيدة عنه ولكنه سيوضح لها تمامًا قوله الذي تفوه به حتى تستطيع فهم ما الذي يَعْنِيه عقد واتفاق بين طرفين!.
يُتبع..