-->

رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 12


قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



قراءة رواية مواسم الفرح 

من روايات وقصص 

الكاتبة أمل نصر


(ست الحسن)

الفصل الثاني عشر



في منزل العائلة الكبير، كان يتوافد افراد العائلة، تباعًا مع اسرهم لتقضية اليوم المخصص لهم، وهو اول جمعة من كل شهر، بعادة اخترعها ياسين منذ سنوات طويلة لربط شمل عائلته دائمًا بعضهم ببعض، كل ابن له يأتي ويسحب زو جته وابناءه والاحفاد إن وجد، صباح التي فقدت زو جها منذ زمن طويل، ولم يبقى لها سوى ابنة واحدة منه، وزو جتها هي الأخرى في بلدة الإسكندرية، ولكنها عوضت فقدانها بالحب والرعاية لجميع ابناء اخواتها، كأولاد لها لم تنجبهم.

كانت ترحب في هذا الوقت بمحسن والذي كان أول الوافدين مع اسرته، وبعده كان سالم ونفس الأمر بأسرته، لتشتعل حرب النظرات الباردة والمتحفزة بين حربي وعاصم. 

اتى بعد ذلك عبد الحميد يسحب زو جته راضية، ومعها رائف ونيرة، وكانت المفاجأة هي حضور مدحت لتهتف صباح مهللة بصوت عالي حينما صعقت بارتداءه الجلباب البلدي، والتي لم يرتديها منذ سنوات عدة، حتى انتبه كل الحضور، ف شعر مدحت بالحرج، ليهتف بها

-  حرام عليكى يا عمتى صحيتى الميتين بحسك العالي.

عانقته مرددة بالتكبير تقول:

- فرحانه بيك يا روح عمتك، بسم الله ما شاء الله عليك يا حبيبى تملى العين وتفرح الجلب....

قطعت فجأة تجفله بشهقة عالية منها تردف:

- اوعى تكون امك سابتك تطلع كدة من غير ما تبخرك ؟ قطب بدهشة ضاحكًا، وتكلفت والدته بالرد:

- ودى برضوا هتفوتنى، دا انا بخرته وبخرت اخواته كمان .

صاح بهم مدحتهم يوقفهم:

- خبر ايه يا جماعة؟ هو انتوا ليه مكبرين الموضوع كدة؟ 

تدخل ياسين من جلسته على كرسيه بوسط البهو الكبير، قائلًا:

-   تعالى يا ولدى سلم عليا وسيبك من كلام الحريم الفاضي ده.

سمع منه وتحركت قدميه سريعًا نحوه، يتناول كف يــ

ده، يقبل ظهرها بإجلال مرددًا:

- سامحنى يا جدي، مخدتش باللى منك وانا داخل، ما انت شوفت.

- شوفت إيه؟

ردد بها ياسين، وهو يضرب بكفه على رأس مدحت من الخلف متابعًا:

- انشغلت بكلام الحريم، ونسيت جدك، كيس جوافة انا ياد عشان ما تخدتش بالك مني؟

بضحكة عالية جلجلت في قلب البهو، كان يردد :

-   يا جدى مينفعش العمايل دى معايا، يا رجل جدر اني ادكتور محترم .

جدد ياسين بالضرب يقول بحزم:

محترم ولا نص محترم، هو انت ها تكبر عليا ياد؟

تناول كفه التي تضرب ولا تبالي ليوقفه عما يفعل بقبلة أخرى قائلًا مع ضحكاته كطفل صغير في حضور جده الذي لا يكبر أبدًا ولا تتغير معاملته بخفة الظل التي يتمتع بها مهما مر من السنوات:

-  معاش ولا كان حتى، اللى يكبر عليك يا جدى وسيد الكل انت . 

انتشى ياسين من فعلته، وظهر الرضا على ملامح وجهه، ولكن وقبل أن يرد، وجد حربي يخاطب مدحت بقوله:

-  مش بعاده يعنى يا دكتور!؟ إيه هو انت رجلك خدت على البلد كدة، وحنيت تانى ولا إيه؟

تدخل عاصم بالرد قبل مدحت:

- وماله لما يحن لبلده يا حربى، وانت إيه اللي يزعلك فيها دي؟ 

اجاب الاخر يرفع قدم فوق الأخرى، يدعي عدم الاكتراث:

-  وانا ايه اللى هيزعلنى يعني في حاجة زي دي؟ بس انت بجى إيه اللي يدخلك؟ 

رد مدحت بحسم:

- اهدوا يا جماعه انتوا ها تعملوها مشكلة من غير سبب، فيه إيه؟

تدخل رائف هو الأخر ليقول بضحكة خبيثة متلاعبًا بحاجبيه:

- يا سلام با جدعان   دا احنا هنشوف ايام زى الفل.

- تجصد إيه يا رائف ما تلم نفسك.

هتف بها حربي بعصبية، اثارت ضحكة شياطينية من الاَخر، بدون أن يرد، لكن محسن كانت له الكلمة الحاسمة نحو ابنه:

- خبر ايه  ياد انت؟ هو انت جاى تتعرك مع ولاد عمك ولا إيه حكايتك؟

اردف رائف ببرائة ليزيد في اشتعال الاَخر:

- سيبه يا عمي، هو أكيد مش جصده، بس انا مسامح ولا إيه حربي؟ 

قالها ليجعد ملامح وجهه ببؤس، كرد فعل طفل صغير يقوس شفتيــ ه بعتب، مما اثار الضحك بهستيريا لدى معظم الحضور إلا صاحب الأمر حربي، الذي كان يطالعه بحنق، وغمغم عاصم بصوت خفيض:

- الله يخرب مطنك يا شيخ، ويخرب بيتك شيطانك.

قالها وانتبه فجاة على صوت عمته صباح وهي ترحب براجح شقيقها وزو جته نعمات، ف تعلقت عينيه الباب الذي ولجت منه معذبته خلفهما، بابتسامة زادت على إشراق وجهها البهي، لتجعل قلبه يرفرف بين أضلعه كعصفور يرفرف بجناحيه على غصن شجرة السعادة، عكس مدحت والذي ظل منتظر ظهور شقيقتها الكبرى نهال، خلف أسرتها، حتى اغلقت صباح الباب وهي لم تأتي بعد


ودخل راجح ليصافح باقي العائلة، وقبل ان يسأل مدحت سبقه رائف :

- هي البت نهال مجتش معاكم ليه؟

ردد مدحت من خلفه باستنكار:

- بت!

ردت بدور تقارعه:

-  بجى الدكتوره نهال يتجلها بت، متخلي بالك يا عم انت وشوف انتي بتتكلم على مين؟

ضحك رائف يقول بسماجة:

- مهما كبرت ولا وصلت حتى، برضوا هتبجى بالنسبالى البت نهال .

برد فعل غريزي، ينبع من غيرة استوحشت داخله، حتى اصبح لا يحتمل حتى النطق بإسمها من غيره، حتى لو كان أخيه؟ والذي هتف به:

- ما تلم نفسك ياض انت، بت عمك المقصودة مش جاعدة معانا عشان ترد عليك.

ضرب عاصم كفيه ببعضمها يصيح على الأخوين ضاحكًا:

- صلوا ع النبى يا جدعان، هو احنا اتحسدنا ولا ايه بس ؟

قالها ثم دنى من اذن مدحت يهمس بحذر:

- امسك نفسك شوية، اخوك باينه فهم وبيستفزك ، دا عفريت وانا عارفه.

همس يجيبه مدحت من تحت اسنانه بغيظ:

-  انا مش عارف الواد طالع بارد لمين؟

قالها ثم انتفض يوجه سؤاله لبدور:

- يعنى مجاوبتيش يا بدور، هى ليه نهال مجاتش معاكم ؟

رغم دهشتها من السؤال، ولكنها ردت تجيبه:

- نهال كانت جاية معانا، بس جابلت واحدة ووجفت معاها تسلم عليها وتحكي، وجالتلى روحى انتى جدامى وانا جاية وراكى .

غمغم مدحت بتساؤل وصوت خفيض

- واحدة مين ؟!


❈-❈-❈


في حديقة المنزل خرج الشباب كالعادة بها، وظلت النساء في المطبخ، يساعدن صباح في تجهيز الطعام وحديث لا ينتهي في موضوعات شتى اهمهم كان موضوع الساعة والتي بادرت بفتحه هدية:

- يعنى مجولتيش يا نعمات ايه اللى خلاكم تفشكلوا الخطوبه مع واد العمده؟ 

ردت الأخيرة بزوق رغم غضبها المكتوم:

- امر الله يا حبيبتى وكل حاجة نصيب، يعني نحمد الله انها جات على كدة..

تدخلت سميحة بقولها

- احسن حاجة عملتوها والنعمة، دا واد جليل الحيا ويستاهل الضرب على نفوخه، انا ولدي حكالي بكل حاجة حصلت، ما هو كان مع جده ياسين وقت ما البنتة راحو يشتكولوا.

راضية هي الأخرى:

- عندك حج يا سميحة، دا عبد الحميد لما حكالى انا كمان على اللى عملوا الواد ده عند المدرسة مع بدور كان  نفسى اروح اديلوا باللى فى رجلى .

بجى احنا عليتنا ملاهاش سعر ابن ال...

- هى كانت غلطتنا من الاول لما وافجنا بيه، واحنا من امتى بنتتنا بتطلع بره العيلة اصلاً.

قالتها هدية والتفت الرؤوس نحوها يناظرنها باستغراب، حتى قالت سميحة بعدائية:

- جصدك ايه يا هدية؟ وضحي يا غالية .

تبسمت الاَخيرة تجيبها بتحدي:

- جصدى اللى انتى فهمتيه يا سميحة، يعني احنا مش هنسيبها تطلع برا العيلة مرة تانية، وابو حربي هيفتح الموضوع تاني .

اجفلت نغمات من حدة اللهجة بينهن، فتدخلت صباح لتفصل بقولها الحاسم

- ما تبس منك ليها انتى وهى، هو لسه عدى يومين على فسخ الخطوبه عشان تتكلموا فى الكلام البارد ده؟

قالت نعمات بقلة حيلة:

-  جوليلهم يا صباح، دا احنا لسه ما فوجناش من ضربة واد العمدة ولا خدنا نفسنا حتى .

ردت صباح وعينيها تركزت على واحدة منهن باستدراك:

- عندك حق يا حبيبتى أكيد امال ايه؟ الا صحيح يعني مش بعاده يا راضية ما تتدخليش معاهم، ولا تقولي وتردي على كلامهم .

تقبلت راضية بابتسامة غامضة تجيبها بكل هدوء:

- ما انتي جولتي بنفسك دا كلام سابج لأوانه، ثم إن كمان الموضوع فض اساسًا من اولها، من ساعة ما حكم الحج ياسين فيه، 

تطلع الأربعة لها باستغراب اقولها ، وقالت صباح:

-مش عارفة جايني إحساس انك مخبية حاجة، انا مش عارفاها.

ضحكت لتجيب فاردة كفيها ببرائة أمامهم تقول متفكهة:

- والله ما مخبية شيء، حتى تعالوا فتشوني كمان

قالتها لتجعل النساء من حولها تشاركها الضحكات، لتبادلن بعدها الأحاديث الودية المعتادة. 


❈-❈-❈


دلفت نهال إلى داخل المنزل الكبير بخطوات مسرعة ولسانها يردد بالنداء:

- جدي ياسين، انتي فينك يا جد 

- ايوة يا نهال.

هتفت بها عمتها صباح كرد وهي تخرج لها من المطبخ، وتتابع وهي تجفف بفوطة صغيرة كفيها؛

- ايوة يا نهال، انا جيتلك اها...

قطعت فجأة وتوقفت الكلمات بحلقها فور أن وقعت عينيها على من تقف بجوار ابنة شقيقها، والتي قالت:

- تعالى يا عمة سلمي الأول. 

استدركت سريعًا صباح لترحب وتصافح المرأة التي كانت تشبه عليها في البداية:

- يا اهلا وسهلا .. ااا انتى رضوان.. 

قالتها بحرج وكان رد الأخرى، أن أومأت برأسها لها صامتة، وتكلفت نهال بالقول:

- ايوه هى يا عمتى . 

سمعت منها صباح وزاد ارتباكها رغم الترحيب 

- يا أهلا وسهلا  يا حبيبتى دى الدار نورت 

بعد أن رحبت صباح بالمرأة واجلستها على مقعدها في الصالون، امسكت بنهال لتنفرد بها بعيدًا عن المرأة، لتسألها بهمس:

- هو فيه ايه بالظبط؟ ودى جبتيها كيف؟ 

اومأت لها برأسها وهي تجول بعينيها في الأنحاء حولها قائلة:

- بعدين يا عمتى هاجولك بعدين، هو جدى فين دلوك؟

اشارت لها بكفها للجهة خلفها تجيب:

- جوا فى المندره مع عمامك، بس انتي برضك مفهمتنيش، عايزاه في إيه؟

- ما جولتلك بعدين يا عمتي،

قالتها وهي تستدير وتذهب نحو المندرة المقصودة، وتحركت صباح بعدم فهم، نحو المطبخ كي تقوم بواجب الضيافة مع المرأة، وجدت زو جات اخواتها يقفن في انتظارها على مدخل المطبخ، وكأنهن فرقة استطلاع وكانت تراقب، حتى إذا ما اقتربت، جذبنها من كفها وكل واحدة بسؤال:

سميحه:

- هى دى رضوانة اللي كانو بيقولوا عليها يا صباح؟!

- طبعاً هى يا ناصحة، هو انا هاتوه عنيها.

هدية:

- وانتى تعرفيها منين؟

راضيه: 

- فاكراها من وانا عيلة صغيرة، من جبل ما اتجوز عبد الحميد بكتير 

تدخلت نعمات باستغراب سائلة:

-  هى مين رضوانة دى اللي كلكم بتجيبوا سيرتها؟ انا مش فاهمة حاجة.

ردت صباح تجيبها:

- جولى لبتك يا حبيبتي اللى جايباها واعرفى منيها، عرفتها كيف الجزينة دي؟

ضربت هديه كف بالاَخر تردد بدهشة:

- أما دى عجوبة يا ولاد، بعد الزمن دا كله تظهر رضوانة وتاجي البيت هنا كمان، دا بجالها زمن طويل جوي من ساعة ما اتجوزت وبعدت عن بلدنا.

تنهدت صباح بسأم، وهي تتناول الركوة لتضعها على الموقد الغازي، لتصنع الشاي، وقالت بتعجب

- اموت واعرف هى ايه جابها عندينا اساسًا.


❈-❈-❈


بداخل المندرة بعد أن دلفت نهال وصافحت وسلمت على اعمامها، والأسئلة المعتادة والنمطية في كل لقاء، اقتربت بكل هدوء من جدها تهمس له بصوت خفيض لا يصل إلى احد سواه، انتفض فجأة، بارق العينان قائلًا بعدم تصديق:

- كدابة!

أجفل اولاده الأربعة، وقال راجح بتحفز وابنته تكرر الهمس بأذن جدها، الذي بهت وجهه بازبهلال أمامهم،

- هى جالتلك ايه البت دى يا بوى؟

ارتبكت نهال تجيب والدها:.

- انا ما جولتش حاجة عفشة يا بوى بل العكس!

تدخل سالم بعدم فهم:

- عكس إيه يا بت اخوي بس؟ انتي جولتى إيه خلى جدك مسهم كدة؟

انتفض ياسين واقفًا يقاطعه:

- مفيش حاجة مهمة، خليكم انتوا وانا هشوف اللى بره واجيلكم .

قالها بحدة قاطعة وهو يسحب نهال ليخرج بها على الفور، حتى لا يعطيهم فرصة للجدال معه 

فقال عبد الحميد بعد مغادرتهم:

  - هو مين اللى بره ؟ وهو بينبه علينا نستنة هنا ليه؟

رد محسن هو الاَخر بتشتت:

- الله اعلم.


❈-❈-❈


خرج معها من المندرة قاصدًا التأكد من صحة ما أخبرته به حفيدته، وكانت المفاجأة فور أن وقعت عينيه على الجالسة مطرقة رأسها بخجل، وملتفة بملائتها السوداء، بصورة ذكرته بصورتها القديمة في ذهنه منذ سنوات، بقلب تسارعت دقاته غمغم لنهال:

-- ينصر دينك يا شيخة،

ضحكت حفيدته، لتخاطبه بجدية

- ايوه يا جدى بس خلي بالك، انا جايباها وجيلالها انك هتجف جنبها وتجيبلها حجها هى وبتها .

فجأة دبت الحماسة داخل ياسين باستدراك، فور تذكره السبب الذي ذكرته نهال وأتت من أجله المراة:

- ايوه صح صدجتي، خلينى بجى اروح اشوفها .

قالها واسرع بخطواته، حتى أذا اقترب، من مجلس المرأة، تحمحم بصوت مسموع، حتى تنتبه المرأة؛ والتي وقفت بعدها على الفور، تظبط حجابها، تتلقى تحيته:

- السلام عليكم .

قالها ياسين وامتدت كفيه لمصافحتها، مدت كفها هي أيضًا تجيبه: 

- اهلا بيك يا حج ياسين .

تسمر ياسين بدون رد مع سماع صوتها والرؤية القريبة منها، انتبهت نهال، ف تكلمت بصوت عالي تدعو المرأة

- اتفضلى اجعدى يا خاله رضوانة واحكى لجدى كل حاجه حصلت، هو خد فكرة بسيطة عن الموضوع .

ردت رضوانة وهي تعود للجلوس على مقعدها:

- والله انا مكسوفة، وخايفة لا اجيبلكم احراج لو اتدخلتوا .

جلست هي الأخرى، وشدت بجذب قماش جلبابه من الخلف حتى ينتبه وردت تخاطب المرأة:

-   ما تجوليش كده يا خالتى رضوانة، دا انا جيباكى بنفسى .

انتبه اَخيرًا ياسين، ليجلس هو الاخر ويتدخل في الحديث:

- ايوه صح زى ما جالت نهال كدة، بس  انتى احكيلى كل اللى حصل . 


❈-❈-❈


في حديقة المنزل 

كان الشباب والفتيات، كل مجموعة بميولها ودرجة التقارب والتفاهم بينهما، رائف مع حربي الذي لم يرفع عينيه عن بدور التي كانت هي الأخرى جالسة في جانب ما من الحديقة بجوار نيرة ابنة عمها وصديقتها ايضَا

عاصم كالعادة، كان يأخذ جولة بالحصان في المساحة الشاسعة، يخطف النظرات نحو بدور التي كانت تبادله أياها كل فترة مع ابتسامة جميلة، وكأنها أصبحت لغة حوار بينهم، رغم اندماجها في الحديث مع نيرة

أما مدحت فقد اتخذ جانبًا له وحده، يزفر فيه بضيق، ويغمغم بالكلمات الحانقة مع نفسه:

- ماشى يا نهال، يعنى انا جاى والفرحة مش سايعانى عشان اشوفك واقضى وجت حلو معاكى، ولابس الجلابية البلدي مخصوص عشان اشوف رد فعلك وتجوليلى رأيك فيا.... وانتى اساسًا ولا هامك ولا معبرانى .. ماشى .

ترك عاصم حصانه، واقترب ليجلس بجواره، وقال مبادرًا لفتح حديث معه:

- إيه يا عم الدكتور مالك .

تكتف بذراعيه المذكور ليجيب بضيق:

- نعم يا عاصم باشا، عايز ايه ؟

لملم الاَخير ابتسامة ملحة لهذه الحالة المكشوفة التي وصل إليها ابن عمه الطبيب الرزين، وقال ناصحًا؛

- عايزك بس تاخد بالك، مش كدة يا واد عمى اهدى شوية، انت مبينها جوى واخوك الشيطان دا واخد باله، كل شوية يبصلك ياستغراب

رمقه بامتعاض قائلًا:

- اسم الله عليك انت يا عاجل يا راسي، بتنصنحني، وانت مشيلتش عينك من على المحروسه بتاعتك.

ضحك عاصم بمرح ليرد وهو يضرب كفه بالاًخر:

  - وه يا مدحت، اشحال يا راجل ما كانت حبيبة الجلب السبوع كله معاك، لحجت توحشك؟.

تغضنت ملامحه والتف يشيح بوجهه يقول بتأفف ملوحًا بيده:

- سيبنى فى حالى يا عم.

قهقه عاصم بالضحك، وقد اسعده مناكفة ابن عمه الطبيب بعد ان سقط بقدميه في بئر العشق، ف ليتحمل كما تحمل هو قبله


❈-❈-❈


خرجت صباح إلى الحديقة، حتى إذا اقتربت من الفتيات هتفت بالنداء عليهن:

- يا نيرة انتى و بدور، تعالوا انتوا الاتنين ساعدوا معانا نحضر السفرة

نهضت الفتيات ليتبعنها، ولكن وقبل ان تستدير هي سمعت بنداء مدحت عليها:

- عمتي، ثواني كنت عايزك. 

اشارت إلى الفتيات ليسبقنها، قبل أن تلتفت إليه تجيبه بمرحها المعتاد:

- ايوه يا روح عمتك، عايز حاجة يا سيادة الدكتور يا نوارتنا انت؟

- تبسم متمتمًا:

- الله يحظك يا عمتي.

توقف ليتحمحم قبل ان يسألها بحرج:

- هى نهال لسه مجاتش؟

ردت صباح تفاجئه:

- مين دي اللى مجاتش؟ دى بجالها ساعه جاعدة جوه مع جدها ؟

- بجالها ساعة جاعدة مع جدها!

رددها مدحت خلفها بغيظ شديد، جعله يتحرك بعدها بخطواته المسرعة نحو المنزل بدون انتظار. 


❈-❈-❈


رضوانة وبعد أن قصت على ياسين مشكلتها، كانت تمسح بطرف شالها الدموع التي تتساقط من عينيها لتقول:

- هو دا كل اللى حصل يا ابو سالم، يعجب اى حد الكلام ده بجى؟

ثار ياسين وانتفخت اوداجه، بحمائية مبالغة يردد:

- ابن ال.... دا انا هاربيه واعرفه مجامه كويس، عشان اتجرأ وطاح فيها، هو فاكرها سايبة ولا إيه؟ أنا إن ما اخليه يعرف ان الله حج مبجاش انا .

خاطبته نهال بمكر وهي تخفي ابتسامتها:

-  الكلام يكون براحه يا:جدى، انت مش حمل ذبحه صدرية .

التف إليها يهدر بانفعال جعله يلهث من فرط عصبيته:

- واد جليل الأدب ومش متربي، حرجلى دمى الله يخرب بيته.

- هو مين ده اللى حرج دمك  يا جدي،

تمتم بها مدحت بعد ان ولج إليهم سريعًا، لتنتبه نهال على هيئته المختلفة، بالجلباب البلدي، ف شهقت بصوت مكتوم، وقد بدا على ملامحها نظرات الإعجاب، التي انعشت الاخر قبل أن يجلس بجوار جده، مرحبا بالمرأة، وقال ياسين ليجيب عن سؤاله:

- جوز بتها يا ولدى، واد الفرطوس، ضربها وزمجها ودلوك ابن ال..... مش عايز يديها حجها في المؤخر ولا يديها عفشها...

توقف ليعود مخاطبًا رضوانة بحزم صائحًا:

- انتى تحطى فى بطنك بطيخه صيفى، بتك تبجى زى بتى وانا بنفسى حاجفله الواد المشجلب ده، واجيب من عينه كل جرش كله عليها.

قالت رضوانة ممتنة رغم شعور الانكسار التي يكتنفها ويشعرها بالحرج:

- متشكرين يا حاج، مع اني مش عارفة اودي جميلكم دا فين والله.

تدخل مدحت:

- متجوليش كدة يا خالة، جدي الله يباركله ميرضاش ابدًا بالحال المايل.

- ربنا يبارك فيه.

قالتها ونهضت عن مقعدها، تردف:

- عن اذنكم بجى، ادوبك امشى عشان اوصل البلد جبل الجمعة

هتف ياسين يوقفها:

- تروحى ليه دا خلاص ألوجت؟ اجعدى اتغدى معانا 

تمتمت إليه رضوانة:

- تعيش يا حاج، ربنا يجعله دايمًا عامر، خليها في الفرح ان شاءالله، مش عايزة اتأخر ع البنتة أصلى سايبهم لوحديهم، عن اذنكم بجى .

هتفت عليها صباح والتي أتت فجأة على صوتهم:

- استنى يا خاله رضوانة انا جايه معاكى اخلى حد من الشباب يوصلك.

ردت رضوانة بحرج:

- مفيش داعى يا بتى.

هتفت صباح بتصميم:

- لا والنعمة، ولا يحصل أبدًا، تروحي لوحدك وعيالنا جاعدين، ودي تيجي!

هم ياسين ان يتكلم هو الاَخر، ولكن نهال جذبته من قماش جلبابه تخاطبه بهمس مناكفة بشقاوة تستفزه

- خلاص بجى كفاية يا عم الحج، انت ما صدجت؟

كز على أسنانه، وتمالك يكظم غضبه عنها بصعوبة، وانتظر حتى خرجت رضوانة، لينهض فجأة بعصاه نحوها مرددًا بتهديد:

- مين دا اللى ما صدج يا بت الل.... 

على الفور قفزت نهال تركض من أمامه لتختبىء خلف مدحت وهي تقع على نفسها من الضحك مرددة:

- هههه ، اعجل با جدي، اللحجنى يا واد عمى .

مدحت والذي تفاجأ بفعلتها، ثم بغضب ياسين وهو يندفع نحوها بعصاه يريد الفتك بها، لم يتمالك نفسه من الضحك هو أيضًا وهو يدافع ليبعده عنها يقول لياسين:

- هههه  صلى على النبى ياجدى هى عملت ايه بس ؟



يُتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كاملة